حكى أبو الحسن الدارقطني:
أنه حضر أبا بكر ابن الأنباري في مجلس أملاه يوم الجمعة فصحف اسما أورده في إسناد حديث ، إما كان حبان فقال حيان أو حيان فقال حبان .
قال أبو الحسن فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم ، وهبته أن أوقفه على ذلك فلما انقضى الإملاء تقدمت إلى المستملى وذكرت له وهمه وعرفته صواب القول فيه وانصرفت ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه .
فقال أبو بكر (الإمام ابن الأنباري) للمستملي: عرف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلانى لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية ونبهنا ذلك الشاب على الصواب ، وهو كذا وعرِّف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال.
ذكرها الخطيب في تاريخه 183/3.
فيها من الفوائد:
إخلاص أبي الحسن الدارقطني إذ لم يبادر إلى تخطئة شيخه علنا في المجلس فيحظى بمنقبة التصحيح للمشايخ.
فيه من آداب الطلب عدم تخطئة الشيخ والاستدراك عليه في مجلسه حفظا لحقه ومنزلته ومراعاة لنفسيته ومزاجه ما لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر.
فيه ما كان عليه العلماء من الهيبة والجلالة في قلوب الناس وتلامذتهم والأصل في ذلك ما ورد أن الصحابة كانوا يهابون سؤال النبي وما ورد عن ابن عباس من هيبته لعمر أن يسأله سنتين فأكثر.
فيه تواضع أبي بكر ابن الأنباري وزهده وورعه وقد كان ذا منزلة عظيمة في العلم وكان مضرب المثل في الحفظ كما يعلم من ترجمته
وقد كان مصحح خطئه شابا غير مشهور.
فيه أهمية كتاب الحافظ ومدى دوره في بيان خطأ الراوي وفي المجلس موضوع عن ذلك فيه أمثلة كثيرة.
فيه إخلاص أبي الحسن الدارقطني لشيوخه إذ لم يغفل هذه الحكاية بل نشرها لبيان فضل شيخه حتى يكون له لسان صدق في الآخرين
وهذا من حقوق الأشياخ على التلاميذ
قد تكون بين بعض الطلبة نوع معاصرة مع شيخه فتمنعه من ذكر بعض المواقف بينهما فيها منقبة للشيخ
وهذا يدفع بالإخلاص ومعرفة حقوق الأشياخ.
رزقنا الله أخلاق القوم وصفاتهم وآدابهم أولا
ثم علمهم وفقههم آمين.