بين طموحُ الشّباب، وعقبات المستقبل



نُـور الجندلي





وكأنها واقفةٌ عند مفترقِ طُرق، اختيار أحدها جِدُّ عسير، لم تكن تدري كيفَ للمرءِ أن يحسم الأمر في شأنٍ مصيريّ قد يغيّرُ حياته بأسرها بمجرّد كتابة رمزٍ على ورقة!

لطالما تمنّت لو حُلّت كلّ مشكلاتِ الحياة المعقّدة بكلمة أو إيماءة أو رمز، لكنّها اليوم في التّجربة على المحك... فإمّا أن تختار كُلّية الطب لترضي والديها، وقد رافقتهما الأحلامُ الوردية في أن تكون سلمى دكتورة عظيمة يباهيان بها، وإما أن تسلك درب الترجمة الذي تحبّ، وهي بذلك ستفتّتُ آمالاً عريضة، امتدت في حياتها عاماً تلو آخر.

ليست سلمى الوحيدة في حيرتها، فهنالك آلافٌ من الفتيات والشّبّان يقفون عند مفترق الطرق ذاته، يتلفّتون يمنة ويسرة، يفكرون بحيرة، ويتساءلون ما الأنسب، وأي شيء قد يوافقُ الطموح والرّغبة؟ وإن عثرنا على أهدافنا المستقبلية ألن يقف المجموع حائلاً بيننا وبين الوصول؟!

خيباتُ أمل كثيرة تعشّشُ في القلوبِ الشّابة، تحرمها متعة الإبداع والابتكار والتّميز في المرحلة الجامعية وما بعدها، وفجوة سحيقة تحولُ بين الطالب والمستقبل، تجمّد مواهبه، ليتخرج فيبدأ من الصّفر أو تحت الصفر بقليل، تنتابه الحيرة والضياع، لتكون البطالة مصيره الحتمي، إن لم يجد وظيفة يمارسها جسداً دون روح، كما أمضى سنوات الدراسة، وغادرها وكأنه يتجاوز قطعة من العذاب.


ولو بحثنا عن أسباب الفشل في الاختيار لوجدناها كثيرة متشعبة...

· طموحات الأهل غالباً ما تكون كبيرة جداً، تفوقُ طاقة الأبناء، أو لا تعير ما يحبونه اهتماماً ولا أولوية، وقلما نجد الأسرة المتفهمة، والتي تتخير أسلوب الحوار، للوصول إلى الأفضل من وجهة نظر الآباء والأبناء معاً، فتعينهم على صقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم، وتحقيق طموحاتهم في الفروع الدراسية التي يفضلونها.

· كما لشخصية الأبناء دورٌ مهم، فكثيراً ما تحولُ المخاوفُ بينهم وبين مصارحة آبائهم فيما يفضلون وما يكرهون، وكثيراً ما يتغلب حرصهم وسعيهم لإرضائهم على الجرأة في المصارحة والتعبير عن مكنونات الفؤاد، رغم أن ذلك لا يخالفُ قوانين البرّ والآداب. وتلك المخاوف تنمو داخلهم فتحطمهم، وتنمي عقدة المقهور والمغلوب على أمره داخل كل منهم.

· ومن الأسباب المهمة في سوء تحديد المصير، حالة الضّياع التي يعيشها شبابنا في معرفة ما يحبون وما يتقنون! إننا نسمعُ كثيراً عن مدارس الغرب، وتخصيصها مادة مستقلة لتحديد الهدف ومهنة المستقبل، يتلقاها الطفل أيام المدرسة، وهذه المادة تسهم بشكل فاعل في الإبداع والنجاح في المستقبل، ولو تم إدخالها على مناهجنا الدراسية لتفتقت المواهب، وظهرت القدرات، ولساهم ذلك الأمر بشكل مباشر في ارتقاء الفرد والمجتمع.

· ومن العوائق أيضاً؛ أن يكون مجموع الطالب هو الذي يؤهله للدراسة في كلّيّة ما، وحرمانه من الدراسة في أخرى، فكم من آمال ضاعت، وطموحات تلاشت، بسبب فارق طفيف، علامة أو علامتين، حالت بين وصول فرد طموح وصعوده في سُلّم النجاح.

· وللتوعية الاجتماعية دورها أيضاً! فهنالك مهن يحترمها المجتمع وأخرى يزدريها، مع أن المهنتين تصبّان في بوتقة العمل الشّريف، وقد آن لهذه النظرة أن تصحح، وآن للمجتمع أن يعترف بأفراده ويقدّر كل من يبنيه ويدعمه.
وأخيراً... فإن الشخص الإيجابي لا يعرف لليأس مكانا، ولا يعترفُ بمفردات: لا أقدر، لا أستطيع، بل إنه يخوض التجربة، ويبذل ما بوسعه لإنجاحها، وقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن أشخاص تخطوا العقبات، وأبدعوا في مجالين اثنين متنافرين، كالأدب والطب على سبيل المثال، وتركوا بصمة متميزة في كل مجال... ويبقى الأجر على قدر الجهد والمشقّة...