ضَرْبَـة حَظّ!


نُـور الجندلي


فوجئتُ بتراكم كتبٍ مدرسيّة وأخرى جامعيّة لمراحل شتّى على طاولتها الصغيرة، وهي التي بالكاد تمسكُ كتاباً أو مجلّة لمجرّد التّصفح، واحتمالُ إعطائها دروساً خصوصيّة بعيدٌ جداً، فانتابني فضولٌ كبيرٌ لأسألها عن سببِ هذا التجمهرِ، فأجابت والثقة تغمرها...
" إنني أفتحُ الكتب لهم بشكل عشوائيّ، وأشيرُ على صفحات عشوائيّة أيضاً، وما أفتحه يأتي غالباً في الامتحان، والفتيات يعجبهن هذا الأمر، ويخفّف عنهنّ عناء الدّراسة، وأنا بذلك أساعدهنّ وأسعدهن...
وحين سألت إحدى الفتيات عن الأمر، فقالت ببساطة بأن الوقت لم يحالفها لتدرس بعض المواد، فما كان منها إلا واعتمدت على ضربة الحظ تلك!
لم تكن بالطبع هي المرأة الأولى التي تعتمدُ على ضربة الحظ هذه لمساعدة الآخرين في تحقيق النجاح، ولم تكن الفتيات يلجأن فقط لهذا الأسلوب ليتخلصن من عبء الدراسة وعمومها، فطرقُ الاعتماد على الحظ في تطوّر ملموس، والإقبال عليها في ازدياد، مما يجعل المرء يشعر بالغرابة، فالمفترض هو انتشار الوعي بشكل أكبر، واتساع إدراك البشر، ولكن ما يحدثُ في الحقيقة هو العكس، والنتائج لا تدعو لسرورٍ أبداً.
ولعل من أطلق مصطلح " ضربة الحظ" كان محقاً، فهي ضربة حقيقية موجعة لكل من تراخى فاعتمد عليه وآمن به في حياته.
تلجأ الفتيات عادة للاعتماد على الحظ، رغبة منها في تبرير الكسل والتراخي في الدراسة، فتتوهم في هذه الطرق سبيلاً مُعبّداً لإنقاذ نفسها من الرسوب، وكلما كان التقصيرُ أكبر، تلجأ الفتاة للمنقذ، وللطرق السهلة، ظناً أن النجاح لقمة سائغة، ينالها كل من يرغب بالحصول عليها، ولا تدركُ بأن الأمر أخطر مما يمكن توقعه، فلم يكن الاعتماد على الحظ يوماً وسيلة إلى النجاح، بل على العكس، قد يترتب عليه الفشل والإحباط، فيما ينال المجدّ والمجتهد نصيبه لا ينقص منه شيئاً بتوكله على الله تعالى، واعتماده على توفيقه، والأخذ بالأسباب بالدراسة وبذل الجهد لنيل النجاح.
ومما يغرّ الناس للتصديق بمثل هذه الأمور أن يجدوا عبر التجربة الأمر مجدياً، عبر سؤال أو سؤالين يوافقان ما تُنُبأ لهم بها، فيغرهم ذلك، ويسارعون إلى معاودة الكرّة.
لقد كان العرب في الجاهلية قبيل سفرهم يرسلون طائراً في السماء، فإن اتجه ميمنة تفاءلوا واستبشروا، وسارعوا بالرحيل، وإن اتجه ميسرة تشاءموا وامتنعوا عن السّفر، ولذلك سُمّيت الطيرة أو التطير بهذا الاسم، وقد منّ الله علينا بنعمة الإسلام، وانتمائنا لدين عظيم، وتوكلنا على رب واحد منعمٍ كريم، فنلنا التقدم والنجاح عبر العصور بإيماننا وحسن أعمالنا واجتهادنا في إتقانها، وفتحنا العالم بتوسيع آفاق المعرفة، لا بالتخيلات والتهيؤات والأوهام، وأخذ العالم عنا المعارف والعلوم، لكننا زهدنا فتراجعنا، وانتكسنا، فعششت الخرافاتُ في العقول، رغم طرقنا أبواب التعليم، وحرصنا على أعلى المراتب والشهادات. وباتت المجلات الفلكية وقراءة الأبراج هي الشغل الشاغل، وعليها تعتمد سعادة كثير من الناس أو شقاؤهم. وكل ذلك ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو القائل في كتابه الكريم: (ومَا كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ علَى الغَيْبِ)، (آل عمران: 179)، وقوله تعالى: (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللهُ ومَا يَشْعُرُونَ أيَّانَ يُبْعَثُونَ). (الآية: 65 سورة النمل).
وقد بيّن الإسلامُ مخاطر هذه المسالك والسّبل، ونهى عنها، كما دعا في الوقت ذاته للتفاؤل بالله تعالى، عبر كلمة طيبة حسنة، تدخل السرور والطمأنينة على القلب، وتوثق علاقة المؤمن بربه، وتشجعه على مزيد من عمل، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: ( لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) رواه مسلم.
ولذلك؛ فنحن بحاجة لإعادة نظر في الطريقة التي نفكر بها، والطريقة التي نتعامل بها مع الحياة، نحتاج لأن نتعلم أكثر، ونفهم غايتنا من التعلم بشكل يتعدى الأسوار العالية، التي تغلقُ أفهامنا، وتحرمنا رؤية الحقائق.
ومادمنا نطمح لأن نقود ركب الحضارة، ونسابقُ الأمم في العلم، فلابد من فهم صحيح لما نعتقد ولما نفعل، فكم هو جميل أن نبذل الجهد والعناء في سبيل تحقيق أسمى غاية، نحنُ بذلك نحترم أنفسنا الراغبة ببلوغ المعالي، ونحترم الأشخاص والأمكنة التي نتعامل معها بثبات وجدّ، ونحترم كذلك المجتمع الذي نبذلُ من أجل إصلاحه والارتقاء به الكثير من الجهد والوقت.