نعم، قوم من جلدتكم


أمل الورثان

رب أمــــر تتقيـــه
جر أمـــراً ترتضيــــه
خفي المحمول منه
وبدا المكـــروه فيـــه
لقد قالها قائلها وقد صدق القول في هذا، فكم من أمر اتقيته جر أمر ارتضيه، ولم تُعلم الحكمة الإلهية إلا بعد وقوعه، وكم من أمر كرهته جر أمرا أحببته.
فتفكرت في هذا ووجدت أصله منبعثا من قول الله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .
فسبحان الله!

وتذكرت في هذا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الأحزاب: 59) .
فتردد في عقلي قول القائلين عن الحجاب، بل ومرآة الرائين في التخلي عنه؟!
وحادثت نفسي في ذلك!! وانقسموا أمام ناظري إلى 3 أصناف:
- أجهل يجهله الجاهلون؟
- أم هو من المتشابه في عقول من تشابه عليهم؟
- أم هي كلمات تخرج من أفواه الحاقدين على الإسلام؟

فإن كانوا من الصنف الأول:
من جهل يجهله الجاهلون: فهنالك عدة نقاط جمعتها وصغتها من تلقاء نفسي؛ علّها تكون دواء نافعا ناجعا!
أولاً: يقول الحق تبارك وتعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل: 116-117) .
فهنا إشارة إلى أهمية التعلم قبل التكلم؛ لأن التحدث بدين الله بغير علم افتراء على الله، وفي هذا خطأ عظيم وخطر جسيم، ومن يجرؤ ـ يا رعاكم الله ـ على الافتراء على الله؟!
ثانياً: فيقول الحق تبارك وتعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) . لأن أهل الذكر الراسخون في العلم وإليهم المرجع.
فهنا الحذر من أن تسن السنن السيئة في الإسلام، فيكون لك وزر من يعمل وأنت لا تعلم، ثم تلاقي ربك وقد حُملت أوزاراً مع أوزارك، (فمن سن سنة سيئة في الإسلام فعليه وزرها ووزر من عمل بها) كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.
رابعاً: اتخذن من أمهات المؤمنين قدوات لكم.. وإياكن أن تجعلن قدواتكن من الفئة التي تقول ولا تعلم؟ الفئة التي جعلت العبادة عادة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خامساً: عليكم بالدعاء أن يلهمكم ربكم رشدكم، وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه، وأن يذكركم ما نُسيتم وأن يعلمكم ما جهلتم؛ لأن من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، كما قال ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام .
وإن كانوا من الصنف الثاني:
من الذين تشابه في عقول من تشابه عليهم: يقول الحق تبارك وتعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) (آل عمران: 7) .
فنلحظ هنا أن الله وصفهم بزيغ القلوب، وهو الميل عن الهدى، وهذا في حق من يتبع المتشابه ليضل عن سبيل الله.
ثم ذكر عقبها دعاء الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران: 9).
ودعاؤهم يشير إلى أن اتباع المتشابه من زيغ القلوب، فما بال من لم يكن عنده متشابه ويجعله متشابهاً وهو في أصله من المحكمات؟!
كحجابنا الذي عليه الأدلة الشرعية، ثم نرى من بعدها قول القائلين وخطى الخاطين فيه:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وخذ ـ يا رعاك الله ـ أدلة الحجاب من الكتاب والسنة:
أولاً : من القرآن الكريم وهي كثيرة ونأخذ منها:
1- قول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 30).
قالت عائشة رضي الله عنها: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها". (رواه البخاري)
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله -: "فإن الخمار: ما تخمِّر به المرأة رأسها وتغطيه به... فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها" .
2- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحــــزاب: 53).
قال ابن عباس – رضي الله عنها – (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب).
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -: وتفسير الصحابي حجة، قال بعض العلماء بأنه في حكم المرفوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -.
3- قال تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 60) .
4- قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: 33) .
5- قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) (الأحزاب: 53).
ثانياً: من السنة المطهرة: والأدلة كثيرة، منها:
1- ما جاء في الصحيحين أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: يا رسول الله "احجب نسائك" قالت عائشة: "فأنزل الله آية الحجاب".
2- عن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "المرأة عورة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
قال الشيخ حمود التويجري: (وهذا الحديث دال على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب، وسواء في ذلك وجهها أو غيره من أعضائها.
3- عن ابن عمر – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (رواه البخاري) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن".
4- وما جاء في الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: "لتُلْبِسها أختها من جلبابها" (رواه البخاري ومسلم) .

5- عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف يصنع الناس بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً. فقالت: إذن تنكشف أقدمهن. قال: فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" (رواه أبو داود والترمذي. وقال حسن صحيح) .
فإذا كان رسولنا الكريم أمر بتغطية القدم فهي أقل فتنة، فمن باب أولى الوجه؛ لأنه مجمع المحاسن والفتن" وغيرها من الأدلة التي بسطها الشيخ محمد بن عثيمين في كتابه (أدلة تغطية الوجه).
فإن كانوا من الصنف الثالث:
الذي يحقد على الإسلام والمسلمين: فنقول: إياكم وسنن اليهود والنصارى الذين قال الله تعالى عنهم:
- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (المائدة: 51) .
- وقوله: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ) (المائدة: 58).
- وقوله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) (المائدة: 59).
نعم:
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية ديناً
فعن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان الناس يساءلون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الخير، وكن أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، وهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: "نعم"، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير، قال: "نعم، وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكـــر" .
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "نعم، قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا" أخرجه البخاري ومسلم.