داء العجلة


رشا عرفة


"في التأنِّي السلامة، وفي العجلة النَّدامة".. مثل دائما ما يحضرنا أو نسمعه ممن يكبرنا سنا، عندما نقع في مأزق يكون السبب فيه إصابتنا بداء العجلة، والعجلة هي فعل الشيء قبل أوانه اللائق به، وهي من مقتضيات الشهوة البغيضة، لخروجها عن إطارها المشروع لها، وداء العجلة أصبح ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مختلف أرجاء العالم، وهو ثغرة ضخمة في إنسانية المرء، وفي العصر الحديث أول من اهتم بتشخيص ذلك الداء وتوصيف أعراضه ومعالمه هو لاري دوسي، وذلك في كتابه الذي حمل عنوان :"الزمان والمكان والطب"، حيث أشار في كتابه إلى أن العامل الأساسي المسبب لداء العجلة هو الاعتقاد الخاطيء لدى الكثيرين بأن إنجاز المهام كلها بشكل أسرع يقودنا إلى تحقيق كل ما نصبوا إليه.
آثار سلبية
ولما للعجلة من أثار سلبية - حيث تعود على صاحبها بالندم والآلام، ولا تجعله يحسن التصرف في الأمور، كما أنها تورث أمراضاً وآثاراً نفسية للمتعجل منها، القلق الذي ينتاب الإنسان في عجلته وسرعته، والارتباك والنسيان، والخوف من المجهول بسبب عدم وضوح الرؤية، كما أن المصاب بداء العجلة يكون حاداً متعصباً متكلفاً للأمور، بخلاف الحكيم المتأني، فإنه يكون ساكناً متئداً، وسهلاً ليناً ، يضع الأمور في مواضعها، وقد حذر الإسلام من خطورة العجلة، وقد ذكر لفظ العجلة في القرآن في سبعة وثلاثين موضعاً كلها على سبيل الذم إلا موضعاً واحداً وهو قوله تعالى: "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى[i]".
وليس معنى تنفير الإسلام من العَجَلَة أنه يريد أن يعلِّم أتباعه البطء في الحركة، أو الضعف في الإنتاج، أو التماوت في العمل، أو الكسل في أداء الواجبات، كيف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول(بادِرُوا بالأعمال سَبْعاً، هل تنتظرون إلاَّ فقرًا مُنسِيًا، أو غنىً مُطغِيًا، أو مرضًا مُفسِدًا، أو هَرَمًا مُفْندًا، أو موتًا مُجْهِزًا، أو الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غائبٍ يُنتظر، أو السَّاعة؛ فالسَّاعةُ أدهى وأَمَرُّ[ii]).
للعجلة وقتها
لذا فهناك مواقف تتطلَّب منا التصرُّف الحازم والعمل السريع ما لا يناسبه التأجيل والتسويف، مثل العَجَلَة في اغتنام الأوقات، وترك التَّسويف فيها، وكذا التعجيل بالفطور للصائم، ، و سد الشرِّ الظاهر، وإغاثة الملهوف، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامَّتهم، وعدم تأخير البيان عن وقت حاجته فيما للمسلمين فيه حاجة، كبيان حقٍّ وإبطال باطل، وأمرٍ بمعروف ونهيٍ عن منكر والواجبات المحددة بوقت معين.
والإنسان غالبا ما تقابله مشاكل عديدة تحتاج منه أن يتخذ قرارا صائبا لحلها، فإما أن يقابلها بنفس متأنية من خلالها يحسن التصرف، وإما نفسا متعجلة تثير الفوضى.
العجلة داء يلازمنا
وللأسف داء العجلة أصبح يلازمنا في كل تصرفاتنا الحياتية، فنجده في الحكم على الأشخاص قبل البحث والتحري، وفي سوء الظن قبل التثبت واليقين، وفي الغضب والاستجابة لثورة النفس المؤدية إلى الوقوع في الخطأ، وقد يكون في أداء الواجب دون إحكامٍ أو إتقان، فتبدو بعض الأعمال المؤدَّاة وكأنها في صورة آلية، لا يتأنى أهلها ليتقنوها ، بل وصل الأمر إلى علاقة المرء بخالقه ومولاه في جوانب العبادة والمسألة، فنرى المرء المسلم يعجل في وضوئه فلا يسبغه، بل قد نراه يعجل في صلاته، فلا يطمئنّن في ركوعه ولا في سجوده، وطال داء العجلة المرء حتى في اللحظات الحرجة التي يناجي فيها ربَّه ويدعوه متضرِّعًا إليه، فيفقد بسبب ذلك الاستجابة التي دعا الله من أجلها، جرَّاء ما استعجل، غير آبهٍ بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم (يُستجاب لأحدكُم ما لم يَعْجَلْ؛ يقولُ: دَعَوْتُ فلم يُسْتَجَبْ لي) رواه البخاري ومسلم.
ومن أسباب الإصابة بالعجلة الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع، فمن سنن الله سبحانه وتعالى، خلق السماء والأرض في ستة أيام، ومن سننه أيضا أنه حرم الخمر على مراحل، وكذلك الربا، فإذا كان الإنسان على دراية بذلك لن يكون أسيرا لداء العجلة.
وكذلك الغفلة عن سنة الله مع العصاة و المكذبين، فمن سنة الله مع العصاة والمكذبين عدم الاستعجال، لقول الله تعالى ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً[iii] )
احذر الإصابة
لذلك يجب علينا الحذر من الإصابة بهذا الداء وهذا لا يكون إلا بـ:
- إمعان النظر في الآثار و العواقب المترتبة على الاستعجال ، فإن ذلك مما يهديء النفس ويحمل على التريث و التأني .
- دوام النظر في كتاب الله عز وجل ، فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس ، وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين والعلم بهذه السنن تهديء النفس وتساعد على التأني والتروي.
- دوام المطالعة في السنة و السيرة النبوية ، لنقف على ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدائد ومحن، وكيف صبر عليها .
. - مطالعة كتب التراجم و التاريخ ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج السلف وأصحاب الدعوات في مجابهة الباطل ، وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى وصولوا لأغراضهم.
- العمل في أحضان وفي ظل ذوى الخبرة والتجربة ممن سبقونا على الطريق، فإن ذلك من شأنه أن يجعل خطوات العاملين دقيقة ومحسوبة.
- العمل من خلال منهاج و برنامج واضح الأركان محدد المعالم يستوعب الحياة كلها ويأخذ بيد العامل من مرحلة إلى مرحلة، فيشبع تطلعاته ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه.
- تدريب النفس على ضرورة التريث والتأني والتروي.
- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله نحيا.
وفي النهاية نجد أن الصبر والثبات على الصالح من الأعمال هو ما يكفينا شر الإصابة بالعجلة، وهو ما أكد عليه القران الكريم فقال سبحانه وتعالى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا[iv] " وقال تعالى " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا [v]" وقال تعالى " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم[vi] ".



[i] ) البقرة:203

[ii] ) الترمذي وقال حديث حسن.

[iii] ) الكهف:58

[iv] ) آل عمران:200


[v] ) المزمل:8

[vi] ) الكهف:28