الخبرات المهملة

بدرية الغنيم


إن من أهم الخبرات المهملة: أولئك المربين والمربيات ممن كان لهم بالغ الأثر في نفوس تلاميذهم، الذين أخذ هَمُّ تربية تلاميذهم جل اهتمامهم، فعاشوا هذا الهم سنين، وربما انقطعوا عن كثير من محبوباتهم؛ لأجل إصلاح من هم تحت أيديهم، فكان نجاح تربيتهم وحسن توجيههم وتوجيه طاقاتهم هاجسهم، فارتووا من العلم وغاصوا في كتب السيرة مستعينين بالله ليبحثوا عن مواقف مشابهة، فجرت في دمائهم الحكمة، وزينوها بالصبر على تلاميذهم؛ حتى أوصلوا تلاميذهم إلى أفضل مما كانوا عليه؛ لأنهم ربما تمكنوا من توجيه ما لدى تلاميذهم من قدرات على اختلافها، فأخذوا بأيديهم وساقوهم إلى جادة الصواب وإلى نجاح يعقبه نجاح.
والسؤال الآن: هل حرصنا على توظيف تلك الخبرات الفذة في الدعوة والتربية التي اكتسبوها نتيجة عملهم الميداني في التربية، أم أن اهتمامنا فقط لا يتجاوز أصحاب الشهادات؟ فأصحاب الخبرة ـ المعنيون هنا ـ استطاعوا أن يميزوا أساليب للدعوة مختلفة تناسب تلك المراحل العمرية في ظل التغيرات المختلفة، فحري أن يمكّنوا من الإسهام في صياغة أساليب التربية؛ لما يتمتعون به من قدرة على التعامل مع ما يجد ومرونة في تغيير أساليب التعامل؛ حيث يلحظ المربون الميدانيون أن واقع التربية بات يتغير أسرع مما يتخيله البعيدون عنها، وهم مشفقون على النشء، ويفتقدون من يشد على أياديهم، وهم بحاجة ماسة للاتصال بأهل العلم الشرعي للتعاون في بناء تصور صحيح متكامل للتربية.. لكن الأوقات تأخذهم والأعمال تثقل كواهلهم، وقد نخسرهم، ولن يستطيعوا تسجيل خبراتهم أو تطويرها أو نقلها لمن يستفيد منها؛ لأن مسألة نقل الخبرة مهارة أخرى كما أن الكتابة والتدوين مهارة.. وليس المقصود هنا بالإفادة من خبراتهم إجراء حوار إذاعي أو صحفي فقط.. ثم تهدر بعدها هذه الثروة!
فحري بنا أن نبذل قصارى جهدنا لنذلل لهم الصعوبات، وننزلهم منازلهم، ونخفف عنهم من تلك الأعباء التي أثقلتهم عن نقل خبراتهم؛ حتى نتمكن من الإفادة من خبراتهم وتطويرها، أو التشاور معهم في أمور التربية أو تصحيح بعض الاجتهادات الخاطئة التي قد يقعون فيها.