الداعية والتميز الدراسي..!

مشاري بن حمد الراشد

يعارض بعض علماء النفس المسلمين[1] استخدام عبارات "التميز والتفوق" عند وضع الصيغة والهدف الذي يطمح الإنسان إلى تحقيقه والوصول إليه.. ويرجئون ذلك إلى مستوى الطبيعة التنافسية التي يمكن أن تخلقها هذه العبارات، والتي قد تتسم بأنواع من التنافس غير المحمود والحسد ورغبة الفشل للغير وكراهية مساعدتهم.. وهو ما يعارض مبادئ المسلمة الداعية التي تتقرب إلى الله بالمساعدة والنصح والإرشاد لكل من حولها، وتحقق بذلك أهدافها وغايتها.. ويعارض أيضاً مبدأ الوفرة والقناعة بأن هذه الخيرات الكثيرة في الأرض جعلها الله الكريم سبحانه وتعالى كافية ومستوفية لكل بني البشر، وفي الحديث الصحيح: "... ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ..."، فإذا كان كل ذلك مكتوباً معلوماً مسطراً في الألواح؛ فمن تمام حسن الظن بالله أن يعلم المرء أن ما كُتب له سيصيبه، ولن يحول دون ذلك كائن من كان إلا قضاء الله وقدره المحكم.. وأن ما لم يُكتب له ألا يصيب منه ما طمح إليه فلن يصيب من ذلك شيئاً إلا أن يشاء الله.. وبهذا القدر المحكم والقضاء المدبر.. يكون المرء موقناً بنصيبه من الدنيا، مجتهداً في بلوغ غايته وتحقيق رسالته التي ربطها بمستقبل حياته؛ لينال رضا الله ومحبته.
وأقول: إذا فقه المرء هذه القضية ووعاها وأيقن بها حق اليقين؛ فلا يضيره (بإذن الله) ما قد يختلف عليه المختصون والباحثون من التسميات والمصطلحات؛ لأن الأساس الراسخ يُبنى في قرارة النفس ودخيلتها على ما يعرفه ويؤمن به؛ شريطة أن يكون إيماناً موقناً به متآزراً متعاضداً معه بالعمل.. وبهذا يمكننا أن نستخدم هذه العبارة على هذا الفهم ونكون على وفاق.. يرخي العنان للفكر والتأمل..
والآن: لماذا يجب أن تحرص الداعية على التميز في دراستها؟
الداعية المسلمة شخص فريد من نوعه؛ لأنها تعيش لهدف نبيل وسام، يركز جهدها ووعيها على التأثير فيمن حولها وجذبهم إلى دوائر الهداية والصلاح.. وتتمنى من كل البشرية العيش في نطاقها.. ولهذا فلابد أن تسعى إلى كل ما يمنحها طاقة التأثير والقدرة على اكتساح الحواجز والعقبات التي تحول بينها وبين من حولها..
فالداعية المتفوقة تطلب العلم وتهتم به في ذاتها؛ لتكون متقنة لمجال تخصصها، جديرة بالقيام بجانبه العملي والنظري على أكمل وجه.. فتكسب بفعل خلقها الراقي وجدارتها العملية ثقة من حولها، وتصير رمزاً انتقالياً فاعلاً ينقل ما يجول بهمها وخاطرها إلى كل ما حولها وتحت نطاقها..
وهي بذلك تكون قدوة لغيرها في اكتساب العلم.. والإبداع في مجال التخصص الدراسي.. فلا يصح من الداعية التي تأمر بكل ما هو حسن وتنهى عن كل ما يعيب أن تقصر في شأن دراستها الذي هو من أولوياتها، والذي هو مما اتفق على حسنه وفائدته وأهميته..
بل إن الداعية المتفوقة تكسب محبة معلماتها، وتستطيع أن تجد في قلب واحدة منهن مكاناً وحيزاً تؤثر فيه وتصل من خلاله إلى داخل هذه المعلمة..
كما أن الداعية المتفوقة تكون مركز جذب لزميلاتها، وتستطيع بهذه القدرة وببعض الخدمات اليسيرة، كشرح مسألة لإحداهن، أو مساعدتها في نسخ درس، أو تحقيق رغبة مفيدة ونافعة لزميلات الفصل عند أستاذة.. بكل ذلك تكون الداعية مركزاً تدور حولهحلقة التعليم وتتكرس فيه نقاط الاهتمام لدى الطالبات.. وإذا كانت هذه الوسيلة المفيدة في الدعوة تتحد في كيان الداعية لتجعل الجانب الدراسي متميزاً، والجانب الدعوي مؤثراً وفعالاً فلا بد أن تهتم الداعية وتحرص أشد الحرص على الاهتمام والعناية به..


[1]) وقد ذكر هذا الملحظ الدقيق والمهم الدكتور الفاضل "صلاح صالح الراشد".. في كتابه المتميز "كيف تخطط لحياتك؟".. وستجد في الكتاب مثل هذه الملحوظات الدقيقة والقدرة الفائقة على اكتساب عادة التخطيط والمهارة في ذلك..