الرتبة البلاغية بين مقاصد قريش القتاليةتقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ، كما هو الحال في قوله تعالى عن قريش حينما اختارت القتال في معركة بدر :"* وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"* فهذه الآية الكريمة مبنية على ذكر خروج قريش لقتال المسلمين وعدم اكتفائها بنجاة القافلة ،وأسباب ذلك الخروج ،ثم تأتي المباني وهي أسباب الخروج مرتبة بعد المبني عليه بحسب الأهمية المعنوية والزمن ،وأولى المباني بالتقديم نحو المبني عليه هو سبب البطر والكبر والغرور والرياء ،وهذا أهم عندهم ،وقدمه على غيره بسبب تمكن الغرور والرياءوالتظاهر وحب الثناء في نفوسهم ،قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام ، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا ،وانتصب * بطراً ورئاء الناس * على الحالية ، أي بَطِرينَ مرائين ، ووصفهم بالمصدر بحسب الأهمية المعنوية للمبالغة في تمكّن الصفتين منهم لأنّ البطَر والريَاء خلقان من خلقهم ،ثم جاء بسبب الصد عن سبيل الله لأنه أمر حادث جديد في نفوسهم ،وصار بعد الدعوة الإسلامية ،وعبر عن بطرهم وريائهم بصيغة الاسم الدال على التمكن والثبوت، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث،وذلك بحسب الأهمية المعنوية من أجل الهدف المعنوي وهو الإشعار بأنهم كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والرياء، وأن هذه الصفات دأبهم وديدنهم، أما الصد عن سبيل الله فلم يحصل منهم إلا بعد أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام ،وقد تأخر هذا المبني بسبب ضعف منزلة المعنى بينه وبين المبني عليه ،والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع ، والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب ونظمها وإعرابها ،وباختصار:الإنس ن يتحدث تحت رعاية الاهمية المعنوية وعلامات المنزلة والمكانة المانعة من اللبس.