الرتبة البلاغية بين المعجزات والكتب السماوية
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم،كما هو الحال في قوله تعالى:"* فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ"*فهذه الآية الكريمة مبنية على تسلية الرسول الكريم بسبب تكذيب اليهود والكفار ،ثم تأتي المباني وهي وسائل التخفيف والتسلية عن الرسول الكريم مرتبة بعد المبني عليه بحسب الأهمية المعنوية ،وأولى المباني بالتقديم نحو المبني عليه بحسب الأهمية المعنوية هي تكذيب المعجزات الخارقة والبراهين الساطعة والحجج الواضحة ،وهي أشد العلامات الدالة على صدق النبوة وإثباتها ،والتي لا يستطيع الإتيان بها غير الأنبياء ،ومع ذلك فقد تم تكذيبهم ،أي:لا تحزن يا نبي الله على تكذيب اليهود والكفار لك ،فقد سبقك الكثير من الرسل وتم تكذيبهم ،مع أنهم جاءوا بالمعجزات الخارقة فلا تحزن ،ولهذا تقدم تكذيب المعجزات لأنها أهم شيء يمكنه التخفيف عنه ،وقد تقول مسليا لشخص لم ينجح في اختبار ما :لا تحزن فقد سبقك من درس الليل والنهار ولم ينجح ،وذلك من أجل تشجيعه التخفيف عنه ، ثم يأتي المبني الثاني وهو تكذيب الكتب المزبورة المحسنة والمحكمة التي تشتمل على التسابيح والأدعية والمدح والثناء والحكمة والمواعظ كالزبور ،والتي لا يستطيع الإتيان بها إلا نبي ،ومع ذلك تم تكذيبهم فلا تحزن ،ثم يأتي المبني الأخير وهو تكذيب الكتب السماوية التي جاءت بالشرائع والأحكام ،والذي تأخر بسبب ضعف منزلة المعنى بينه وبين المبني عليه ، كالتوراة والإنجيل ،وهي أقل أهمية في إثبات صدق النبوة من المعجزات والكتب المزبورة،والمتق دم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع ، والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب ونظمها وإعرابها ،وباختصار:الإنس ن يتحدث تحت رعاية الاهمية المعنوية وعلامات المنزلة والمكانة المانعة من اللبس.