لا للضغوط السلبيّة ...


رحمة الغامدي



كلمة (لا) صغيرة في لفظها وكتابتها ، لكنّها كبيرة في معناها ومغزاها .
هي ضغط أو تكثيف لرفضك وإبائك وممانعتك ، فلا نستهن بمقدرتها على إنقاذك في المواقف المحرجة والضاغطة سواء التوريطيّة ، أو الترتيبيّة ، أو التغريبيّة .. لقد كان أوّل شيء علّمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) للناس المشركين الذي جاء يدعوهم إلى توحيد الله هي (لا) حيث خاطبهم بالقول : «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا [1]» .

إنّها سلاحك الذي بتّ تقاتل الضغوط السلبيّة صغيرة كانت أو كبيرة ، ولا تنسَ أنّ بعض الضغوط الصغيرة إذا استهنت بها ، ولم تقل لها (لا) فإنّها تكبر، وتستفحل، وتنشط لافتراسك حتّى تغدو ضغوطاً كبيرة قد تعجز عن مواجهتها .
قل (لا) لأيّ ضغط سلبيّ ، مهما كان شكله، ونوعه، وحجمه، والمصدر الذي يأتي منه .. فكما أنك تتدرّب على حمل الأثقال لبناء عضلات متينة مفتولة ، فإنّ (لا) تحتاج إلى تدريب حتّى تصبح عضلات الإرادة قويّة متماسكة .. بمعنى أن تكون رافضة ، مقاومة ، ممانعة ... كن صادقاً مع نفسك وقيمك وأهدافك ، ولا تجامل أحداً على حسابها . هل ترضى أن تجامل الآخرين ـ من السادرين في غيّهم ـ بأن تدخل في حلقة اغتياب ، وأنت تعلم أنّ الله يبغض الغيبة والمغتابين ويصف المغتاب بأنّه آكلٌ لحم أخيه ميتاً ؟ كيف إذن تبيح لهم أن يستدرجوك لمواقع الزلل والوقوع في مطبّ المعصية قولاً كانت أو عملاً ؟

ولكي تقول (لا) بالفم الملآن ، لا بدّ أن تتحمّل مسؤوليّة موقفك ونتائج عملك بشجاعة فـ (لا) مكلّفة .. ولها ضريبة ناهضة ، لكنّ فوائدها جليلة ونتائجها باهرة .
من السهل عليك أن تقول (نعم) لأيّ ضغط سلبيّ ، فليس في ذلك جهدٌ يُذكر أو عناء يُطلب ، ولكنّ الضعفاء هم مَنْ يقولون (نعم) دائماً حتّى إذا لم يقبلوا بشيء ، أو لم يكن يروق لهم .
ولـ (نعم) وجهان :

(نعم) إذا كنت مقتدراً على أداء شيء ، وطلب منك ذلك ، ولم تترك استجابتك أيّ مردود سلبيّ عليك، فـ (نعم) هنا حلوة، لكنّها دَين، أي أنك إذا قلت لشيء نعم فعليك أن تفي باستجابتك، كما لو يقال لك أنّك لطيف المعشر، محبوب من الجميع، فلو تدخّلت في الإصلاح بين صديقين متنازعين، وقلت (نعم) فلا بدّ من أن تسخِّر وجاهتك في إصلاح ذات البين بينهما .... هذه (النعم) إيجابيّة، وهناك (نعم) سلبيّة، وهي نوع من أنواع الاستجابة للضغط، فقد تستجيب للضغط وأنت مكره، وقد تستجيب للضغط ولا إكراه عليك، وتلك هي ال (نعم) المذمومة ، فلو أنّك ـ مثلاً ـ رأيت بعض الشبّان يدخّنون ، رحتَ تدخّن تقليداً لهم وليس بضغط أو تشجيع منهم ، فأنت قلت (نعم) من غير أن يُطلب منك أو تُكره على قولها ... ومع ذلك فقول (لا) صعب .. لأنّه يعني الرفض والمقاومة، والرفض ـ في العادة ـ ممقوت . فإذا لم تستجب لبعض رغبات النفس الهابطة، فربّما ألحّت عليك، وعاونها الشيطان في تحبيب الرغبة، ولأنّك لست مضطراً لحرمان نفسك من هذه المتعة أو تلك اللّذة ... والرفض ممقوت أيضاً من قبل الضاغطين الذين يعرضون عليك الاستجابة لرغباتهم أو طلباتهم فتصدّهم بقولك (لا) وربّما مارسوا عليك ضغوطاً أخرى حتى يخضعوك لإرادتهم .
تذكّر أنّ الكبار .. أصحاب النفوس الكبيرة .. والإرادات العظيمة .. والمقاومين الأبطال لم يصبحوا كذلك بلمسة سحريّة .. لقد قالوا ـ في أوّل الأمر ـ للضغوط الصغيرة (لا) وحينما نجحوا في رفضها وقهرها، كانوا على أتمّ الاستعداد لرفض وقهر ما هو أكبر منها .