بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى اله وازواجه وصحبه اجمعين
هذا شرح حديث الثالث من الاربعين قمت بجمع بعض كلام اهل العلم الذي ذكر على هذا الحديث واليكم ما جمعته من الفوائد:

عن ابي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان. رواه البخاري ومسلم

ترجمة عبد الله بن عمر رضي الله عنه:هو ابو عبد الرحمن اسلم مع ابيه وهو صغير لم يبلغ الحُلُم وقيل ان اسلامه كان قبل اسلام ابيه وهذا لا يصح وكان رضي الله عنه ينكر هذا.
وهجرته كانت قبل هجرة ابيه،واول مشاهده الخندق لم يشهد بدرا لانه كان ممن لم يحتلم ورده النبي صلى الله عليه وسلم يوم احُد واجازه يوم خندق، ادرك الفتح.
وكان رضي الله عنه من اهل الورع والعلم وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجه حفصة بنت عمر: ان اخاك عبد الله رجل صالح لو كان يقوم من الليل.فما ترك
بعدها ابن عمر قيام الليل. رواه البخاري ومسلم
قال ميمون بن مهران: ما رأيت أورع من ابن عمر ولا أعلم من ابن عباس.
مات عبد الله ابن عمر بمكة سنة ثلاث وسبعين لا يختلفون في ذلك بعد قتل ابن الزبير بثلاثة اشهر او نحوها وقيل ستة اشهر.
دفن في طُوى في مقبرة المهاجرين.

الكلام على الحديث:
الحديث اخرجه مسلم والبخاري ورواه الترمذي والنسائي واحمد في مسنده والطبراني في المعجم الاوسط والمعجم الصغير ايضا وهو حديث صحيح باتفاق اهل الحديث ولم يتنازع احد في صحته
قال النووي:ان هذا الحديث اصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع اركانه.
بني الاسلام على خمس) فيه بيان عظم شأن هذه الخمس وان الاسلام مبني عليها. قال ابو العباس القرطبي:يعني ان هذه الخمس اساس دين الاسلام وقواعده التي عليها بُني وبها يقوم.
قال النووي:اي فمن اتى بهذه الخمس فقد تم اسلامه.
الاسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا روسل الله) وهذان اصلان لا بد منهما في قبول اي عمل يعمله الانسان.
لا اله الا الله: لا معبود حق الا الله فيجب على اي انسان ان يفرد الله عز وجل بالعبادة وان يكفر بما سواه كما جاء في لفظ اخر للحديث في مسلم: ان يُعبد الله ويُكفر بما دونه)
محمد رسول الله: اي ان تفرد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة فلا تعبد الله عز وجل الا وفق ما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فائدة: قال الحافظ في الفتح: ان قيل:لم يذكر الايمان بالانبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل عليه السلام؟
أُجيب بأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به ، فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقد. وقال الاسماعيلي: هو من باب تسمية الشيء ببعضه كقولك:قرات الحمد تريد بذلك الفاتحة
.
واقام الصلاة)وهي اهم ركن من اركان الاسلام بعد الشهادتين والادلة علة وجوبها كثيرة جدا منها قوله تعالى:وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بانها عمود الدين واخبر انها آخر ما يفقد من الدين واول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
وايتاء الزكاة) ومن الادلة على وجوبها ما مر معنا في الاية السابقة وهي قرينة الصلاة في الكتاب والسنة ومن ذلك مثلا قوله تعالى فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين) وهي عبادة مالية نفعها متعد
وصوم رمضان) ومن الادلة على وجوبه مثلا قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم) وهي عبادة بدنية وعبادة سرية بين العبد وربه ولهذا ورد في الحديث الصحيح : ان الانسان يجازى على عمله الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الا الصوم قال الله عز وجل:فانه لي وانا اجزي به) اي بغير حساب
وحج البيت) ومن الادلة على وجوبه مثلا قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) وهي عبادة مركبة لمن كان بعيدا عن البيت الله الحرام ، عبادة مالية وبدنية وقد اوجبها الله في العمر مرة واحدة وبين النبي فضله فقال صلى الله عليه وسلم:من حج البيت ولم يرفث ولم يًفسُق رجع كيوم ولدته امه) رواه البخاري ومسلم وقال ايضا: الحج ليس له جزاء الا الجنة) رواه مسلم.

مسالة تقديم ذكر الحج على رمضان وكلام اهل العلم في هذا:
مما ينبغي علمه ان الحديث جاء من طرق اخرى بتقديم رمضان على الحج وجاء ايضا بطرق اخرى بتقديم الحج على رمضان وكلا الروايتين صحيحتين ، الذي اشكل على اهل العلم: نهي ابن عمر رضي الله عنه لرجل قدم الحج على رمضان فانكر عليه ابن عمر وقال هكذا سمعته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم اي انه قدم رمضان على الحج وهذا الحديث صحيح رواه مسلم،
اجاب النووي على هذا بقوله:يحتمل ان ابن عمر سمعه مرتين من النبي صلى الله عليه وسلم وانه نسي لما انكر على الرجل. قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: جوز بعضهم ان يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين واستبعد هذا رحمه الله وقال:أن تطرق النسيان الى الراوي اولى من تطرقه الى الصحابي ثم قال رحمه الله: وكيف في رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج ولابي عوانة من وجه اخر عن حنظلة انه جعل رمضان قبل ،فتنويعه دال على انه روي بالمعنى ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة ، افيقال ان الصحابي سمعه على ثلاثة اوجه؟ هذا مستبعد والله اعلم انتهى كلامه رحمه الله.
ثم اعلم انه وقع في رواية ابي عوانة في كتابه المخرج على صحيح مسلم شرطه عكس ما وقع في مسلم من قول الرجل لابن عمر اي ان ابن عمر قال له قدم الحج على الصيام هكذا سمعته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال النووي رحمه الله: وهذا محتمل ايضا صحته ويكون قد جرت القضية مرتين لرجلين والله اعلم.
قال ابن الصلاح رحمه الله: لا يقاوم هذه الرواية ما رواه مسلم.
فائدة: قال ابن حجر: تنبيه: لم يذكر الجهاد لانه فرض كفاية ولا يتعين الا في بعض الاحوال.واغرب ابن بطال وزعم ان هذا الحديث كان اول الاسلام قبل فرض الجهاد. وفيه نظر بل هو خطأ ،
لان فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلك والحج بعد ذلك. انتهى كلامه بتصرف

قال ابن تيمية رحمه الله في المجموع: وفي وقت وجوب الحج تنازع بين الناس فقالت طائفة: سنة ست وقال الاكثرون: سنة تسع وقيل سنة عشر وهذا هو الصحيح.

مسالة ترك هذه الاركان او بعضها وكلام اهل العلم في هذا:
قال شيخ الاسلام في المجموع:فاما الشهادتان اذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الامة وائمتها.
وقال رحمه الله: فاما الفرائض الاربع فاذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر.واما مع الاقرار ففي التكفير اقوال العلماء هي روايات عن احمد :
أحدها : أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر وهذا قول طائفة من السلف وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر و ( الثاني : أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره . و ( الثالث لا يكفر إلا بترك الصلاة وهي الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من السلف وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد . و ( الرابع : يكفر بتركها وترك الزكاة فقط . و ( الخامس : بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج . ثم قال رحمه الله: من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح ؛ ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } .
يقول شيخ الاسلام في مسالة ترك الصلاة:
وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على ترك : فقد ذكر عليه المفرعون من الفقهاء فروعا : أحدها هذا ، فقيل عند جمهورهم : مالك والشافعي وأحمد . وإذا صبر حتى يقتل فهل يقتل كافرا مرتدا ، أو فاسقا كفساق المسلمين ؟ على قولين مشهورين . حكيا روايتين عن أحمد ، وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة ، وهي فروع فاسدة ، فإن كان مقرا بالصلاة في الباطن ، معتقدا لوجوبها ، يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ، وهو لا يصلي هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم ؛ ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام ، ولا يعرف أن أحدا يعتقد وجوبها ، ويقال لا إن لم تصل وإلا قتلناك ، وهو يصر على تركها ، مع إقراره بالوجوب ، فهذا لم يقع قط في الإسلام . ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ، ولا ملتزما بفعلها ، وهذا كافر باتفاق المسلمين ، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا ، ودلت عليه النصوص الصحيحة . كقوله صلى الله عليه وسلم { ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة } رواه مسلم . وقوله : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } . وقول عبد الله بن شقيق : كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال في تركه كفر إلا الصلاة ، فمن كان مصرا على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط ، فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها ، فإن اعتقاد الوجوب ، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داع تام إلى فعلها ، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور ، فإذا كان قادرا ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد . والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل ، لكن هذا قد يعارضه أحيانا أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها ، وتفويتها أحيانا . فأما من كان مصرا على تركها لا يصلي قط ، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلما ؛ لكن أكثر الناس يصلون تارة ، ويتركونها تارة ، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها ، وهؤلاء تحت الوعيد ، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له . } فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها ، كما أمر الله تعالى ، والذي ليس يؤخرها أحيانا عن وقتها ، أو يترك واجباتها ، فهذا تحت مشيئة الله تعالى ، وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه ، كما جاء في الحديث
تنبيه: قال الشيخ صالح ال الشيخ في شرحه على هذا الحديث ان كلمة الاركان كلمة حادثة عند الفقهاء والركن معناه : ما يقوم عليه ما هية الشيء
وقال : لا يحكم بردة من ترك الصلاة بمجرد تركه وانما يطلق على الجنس ان من ترك الصلاة فهو كافر كفر الاكبر واما المعين فان الحكم عليه بالكفر وتنزيل احكام الكفر كلها عليه هذا لا بد فيه من حكم قاضي يدرأ عنه الشبهة ويستتيبه حتى يؤدي ذلك وهذا هو المعتمد عند جمهور اهل السنة كما ذكرته لك واما ترك غير الصلاة فجمهور اهل السنة علىان من ترك باقي الاركان لا يكفر بتركها تهاونا وكسلا لانه ما دل دليل على ذلك . انتهى كلامه بتصرف
وبالله التوفيق والله اعلم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وازواجه وصحبه اجمعين

انتهيت من كتابة شرحه ولله الحمد والمنة ليلة الاربعاء 7 الجمادى الثاني 1429 هـ الموافق ل 11 يونيو 2008