فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بشأن الهدي والكفارات
الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين
الهدي والكفارات
ثالثاً: فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
س 714: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى- ما فدية من فعل محظوراً من محظورات الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يخلو فاعل المحظور من أحوال:
الأولى: أن يفعله ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، أو نائماً، فلاشيء عليه.
الثانية: أن يفعله عمداً، ولكن لعذر يبيح فعل المحظور، فلا إثم عليه ويلزمه فدية ذلك المحظور، ويأتي بيانها.
الثالثة: أن يفعله عمداً بلا عذر، فهو آثم، وفديته على أقسام:
القسم الأول: ما ليس فيه فدية وهو عقد النكاح.
القسم الثاني: ما فديته بدنة وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.
القسم الثالث: ما فديته صيام ثلاثة أيام إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة، أو ذبح شاة مما يجزىء في الأضحية أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة، أو سبع بقرة ويفرق اللحم على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع مما يطعم.
فهو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة في إزالة الشعر، والظفر، والطيب، والمباشرة لشهوة ولبس القفازين، وانتقاب المرأة، ولبس الذكر المخيط، وتغطية رأسه.
القسم الرابع: ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامه وهو قتل الصيد، فإن كان للصيد مثل خير بين ثلاثة أشياء:
1 - إما ذبح المثل وتفريق لحمه على فقراء الحرم.
2 - أن ينظركم يساوي المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع.
3 - أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
أما إذا لم يكن للصيد مثل فإنه يخير بين شيئين:
1 - أن ينظركم يساوي الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع.
2 - أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
س 715: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل فدية فعل المحظورات على التخيير أم على الترتيب؟ وما توجيهكم لحديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه- الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: "تجد شاة؟ " قال: لا. قال: "فصم ثلاثة أيام "؟ .
فأجاب فضيلته بقوله: محظورات الإحرام التي ورد فيها الفدية ليست كلها على طريق واحد، فمثلاً حلق الرأس قال الله تعالى فيه: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فبدأ الله تعالى بالصيام لأنه أهون الخصال الثلاث، ثم بالصدقة، وقد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، ثم قال الله عز وجل: (أو نسك) وهو ذبح شاة.
أما حديث كعب بن عجرة- رضي الله عنه- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشده إلى الأكمل، ولا شك أن ذبح الشاة أكمل من إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.
س 716: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من دعس هرّاً وهو محرم في مكة ماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا من كلام الله- عز وجل- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)) وهذا الذي قتل هرّاً ليس عليه شيء؛ لأنه ليس من الصيد، لكن لو قتل حمامة بغير قصد فلا شيء عليه لأن الله اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمداً. والله أعلم.
س 717: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائق ذهب للحج مع حملة وأخبروه بأن كل شيء عليهم وعند إتمام المناسك طلبوا منه قيمة الهدي، فالبعض رفض بحجة أنه قارن، ويبقى السؤال: هل يلزم القارن الهدي حيث أن السائق امتنع عن ذبح الهدي بحجة أنه قارن ورجع إلى بلده ولم يذبح فماذا يلزمه إذا كان يجب عليه الهدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، القارن يجب عليه الهدي كالمتمتع، وهذا السائق الذي لم يفعل يجب عليه الآن أن يبعث بدراهم إلى أحد يعرفه بمكة ليشتري له شاة ويذبحها هناك في مكة يأكل منها ويتصدق.
س 718: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل حج تمتعاً وحصل الحريق فاحترقت أغراضه وفلوسه في الخيمة فلم يفدِ فهل عليه شيء؟ وهل يمكن في هذه الحال أن يحول نسكه إلى إفراد لأن الحريق كان في اليوم الثامن؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا ندري ماذا صنع الأخ هل صام؛ لأن الحريق وقع في اليوم الثامن؛ فإذا جاء يوم النحر فليس معه شيء فيصوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر وإذا رجعِ إلى أهله صام السبعة الباقية، لقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) فإذا لم يفعل هذا فعليه الآن أن يتوب إلى الله وأن يصوم عشرة أيام ثلاثة قضاء وسبعة أداء.
ولا يمكن أن يحول الإنسان تمتعه إلى إفراد أبداً، ولا يمكن أيضاً أن يحول قِرانه إلى إفراد، لكن لو أحرم بعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل شروعه في طوافها جاز ذلك وصار قارناً.
س 719: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض الحجاج يكون معه دراهم، وهو ممن يجب عليه الهدي فتسرق منه أو تضيع، فهل له أن يقترض من أحد يعرفه لأجل شراء الهدي؟
فأجاب فضيلته بقوله: له أن يقترض إذا كان يجد وفاءً في بلده عن قرب، أما إذا كان معسراً ولا يرجو الوفاء عن قرب فلا يقترض، بل يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، وأما وجوب الاقتراض فلا يجب.
س 720: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: أكثر الحجاج يذبح هديه ثم يتركه في المكان الذي ذبح فيه ولا يوزعه فتأخذه البلدية فترميه في المحرقة، فما حكم هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من ذبح الهدي أن يبلغه إلى أهله لقول الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)). وكونه يذبحها ثم يُلقيها تُحرق، لا تبرأ به الذمة، فيجب عليه أن يضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم يعني كيلو أو ما شابهه، يتصدق به في مكة.
س 721: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم الشرع في رجل حج عن أبيه، هل يلزمه الهدي أو لا يلزمه؟ وإذا لم يجد الهدي هل يصوم؟ وهل يجزىء صيام العشرة أيام عنها في حالة عدم القدرة؟ وفي حالة القدرة على دفع ثمن الأضحية هل يجوز له الصيام لأنه في حاجة إلى هذا المال؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: لا ينبغي أن يوجه السؤال إلى شخص بهذا اللفظ- ما حكم الشرع- لأن المجيب قد يخطىء في جوابه فلا يكون من الشرع، وإنما يقال: ما رأيكم، أو ما ترون، أو ما حكم الشرع في رأيكم، أو في نظركم أو ما أشبه ذلك. وأما الجواب عن المسألة: فإذا كان أبوه عاجزاً عن الحج عجزاً لا يُرجى زواله كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه فإنه لا بأس أن يحج عنه ولده؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألته امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم " . فيحج عنه، ثم إن كان الحج تمتعاً أو قراناً وجب عليه الهدي، وإن كان الحج إفراداً لم يجب عليه الهدي، وإذا كان عاجزاً عن الهدي، إما لعدم الدراهم معه، أو أن معه دراهم لكنه يحتاج إليها للنفقة فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
س 722: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: لقد حججت أنا وزوجتي قبل عشرة أعوام وفي ذلك الحين لم يكن لنا نقود لشراء الفدية وقمنا بصيام ثلاثة أيام في الحج، وعندما عدنا إلى البلد حصل منا الإهمال بسبب مشاكل الدنيا ولم نكمل الصوم، وبقينا على هذا الحال حتى ما قبل خمسة أعوام فحججت أنا وحدي مرة أخرى وذبحت فدية ولكن لم أدرِ كيف حال حجتنا الأولى أنا وزوجتي حيث بقي علينا صيام سبعة أيام، وأحيطكم علماً أن زوجتي قد توفيت رحمها الله وأنا الآن محتار كيف أعمل هل يجب عليَّ الصوم في الوقت الحاضر عني وعن زوجتي المتوفاة أم ماذا أعمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل الذي فعلتم من صيام ثلاثة أيام في الحج حين كنتم لا تجدون هدياً هو عمل صحيح، لكن تأخيركم صيام الأيام السبعة إلى هذه المدة أمر لا ينبغي، والذي ينبغي للإنسان أن يسارع في إبراء ذمته وأن يقضي ما عليه، والواجب الآن أن تصوم أنت عن نفسك سبعة أيام، أما المرأة فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " ماذا صام عنها أحد أولادها، أو أبوها، أو أمها، أو صمت عنها أنت فإن ذلك يكفي، فإن لم يصم منكم أحد فأطعموا عن كل يوم مسكيناً، ولكن أحب أن أنبه على أن الدم لا يجب على الحاج إلا إذا كان متمتعاً أو قارناً، فأما المتمتع فهو الذي يأتي بالعمرة قبل الحج في أشهر الحج يحرم بها بعد دخول أشهر الحج فيحج في عامه، وأما القارن فهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها لسبب من الأسباب، أما إذا كان الإنسان قد حج مفرداً بأن أتى بالحج فقط ولم يأتِ بعمرة فإنه لا يجب عليه الهدي؛ لأن الله تعالى أوجب الهدي على المتمتع في قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) والمتمتع في هذه الآية ذكر أهل العلم أنه يشمل المتمتع الذي يفرد العمرة، والقارن الذي يأتي بهما جميعاً.
أما حجته الثانية فلم يذكر فيها شيئاً يوجب النقص، أو يوجب الهدي، ولا يؤثر عليه ما بقي من حجته الأولى.
س 723: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سبق أن حججت قبل سبع سنوات وكان حجاً تمتعاً صمت ثلاثة أيام في مكة حيث لم أستطع حين ذاك أن أهدي ورجعت لمقر عملي ولكن مضت سنتان ولم أستطع أن أكمل صيام سبعة أيام الباقية عليَّ وفي السنة الثالثة راسلت أحد معارفي بمكة وطلبت منه أن يذبح عني وقد قام بذلك مشكوراً ودفعت له قيمة الهدي وكانت بنية الهدي الذي فاتني سابقاً ولم أستطع الصيام عنه أيضاً، والآن أريد أن أستفسر هل أجزأت تلك الأضحية المتأخرة أم يلزمني أن أكمل صيام سبعة أيام أم يلزمني شيء آخر غير ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، هذا السؤال الذي ساقه السائل ظهر لي أنه كان متمتعاً ولم يجد الهدي، وأنه صام ثلاثة أيام في الحج وبقي عليه سبعة أيام، ثم إنه تشاغل عن هذه السبعة أو تثاقلها وأراد أن يذبح الهدي، والجواب على ذلك أنه لو كان هذا في وقت الهدي قبل مضي أيام التشريق لكان تقربه صحيحاً، أي لو أنه بعد أن صام ثلاثة أيام أراد أن يذبح الهدي الذي هو الأصل وكان ذلك في وقت ذبحه لكان هذا التصرف صحيحاً، أما بعد أن فات وقت الذبح بانتهاء أيام التشريق فإنه ليس عليه إلا الصيام، وحينئذ فيلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام نسأل الله له العفو.
س 724: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: اشتريت هدياً في أيام الحج فأثناء إنزاله من السيارة انكسرت يده فماذا علي؟
فأجاب فضيلته بقوله: اشتر شيئاً سليماً واذبحه، وإذا لم تجد ثمنه فتصوم ثلاثة أيام في الحج أيام التشريق، وسبعة إذا رجعت.
س 725: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: تمتعت في العمرة والحج ولم أذبح هدياً ولم أصم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يقول السائل إنه متمتع بالعمرة إلى الحج ولم يهد هدياً ولم يصم؟ يجب أولاً أن نعلم ما هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي ينبني عليه وجوب الهدي؟ التمتع بالعمرة إلى الحج أن يشرع الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويتحلل تحللاً كاملاً ثم يحرم بالحج من عامه فيكون عند إحرامه بالعمرة قد نوى أن يحج هذا هو المتمتع، ويلزمه الهدي بشرط أن لا يرجع إلى بلده، فإن رجع إلى بلده ثم أنشأ السفر إلى الحج وأحرم بالحج فقط فإنه يكون مفرداً لا متمتعاً والهدي الواجب هو ما يجزىء في الأضحية ويشترط له شروط:
الأول: أن يكون من بهيمة الأنعام، فلا يجزىء الهدي من
غيرها، لقول الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) .
الثاني: أن يكون بالغاً للسن المجزىء وهو الثني من الإبل والبقر والنعاج، أو الجذعة من الضأن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " .
الثالث: أن يكون سليماً من العيوب المانعة للإجزاء وهي التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء- يعني الهزيلة- التي لا تنقى" .
الرابع: أن يكون في الزمان الذي يذبح فيه الهدي وهو يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده فلا يجزىء ذبح الهدي قبل يوم العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذبح هديه إلا يوم العيد حين رمى جمرة العقبة.
الخامس: أن يكون في الحرم، أي داخل أميال الحرم، إما في منى، أو مزدلفة، أو في مكة، وكل طريق مكة وكل فجاج مكة طريق ومنحر، فلا يجزىء أن يذبح في عرفة، أو في غيرها من أماكن الحل، وقد سمعنا أن بعض الناس ذبحوا هداياهم خارج الحرم، إما في عرفة أو في جهات أخرى ليست من الحرم، وهذا لا يجزىء عند أكثر أهل العلم، بل لابد أن يكون الذبح في نفس الحرم أي في حدود الحرم، فإذا ذبح في الحرم فلا بأس أن ينقل من لحمها إلى خارج الحرم.
ويشترط لوجوب الهدي على المتمتع ألا يكون من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي؛ لقول الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي ذلك الحكم ثابت لمن لم يكن حاضري المسجد الحرام، والحكم المذكور هو وجوب الهدي أو بدله ممن عدمه، وحاضري المسجد الحرام هم أهل مكة أو الحرم، أي هم من كانوا داخل حدود الحرم، أو كانوا من أهل مكة، ولو كانوا خارج حدود الحرم، وإنما قلت: أو كانوا من أهل مكة ولو كانوا خارج حدود الحرم؛ لأن جهة التنعيم الآن قد صارت من مكة فإن الدور والمباني تعدت التنعيم الذي هو مبتدأ الحرم ومنتهى الحل، وعلى هذا فمن كان من أهل التنعيم الذين هم خارج الحرم فهم وراءهم البيوت متصلة كبيوت مكة فإنهم يعدون من حاضري المسجد الحرام، ومن كان من الجهة الأخرى داخل حدود الحرم وغير متصل بمكة فإنه من حاضري المسجد الحرام أيضاً، فحاضرو المسجد الحرام إذن هم أهل مكة أو أهل الحرم فإن كانوا من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي ولا صوم، وهذا السائل يقول: إنه حج متمتعاً ولم يهد ولم يصم نقول له: الآن عليك أن تتوب إلى الله، فإن كنت من القادرين على الهدي في عام حجك وجب عليك أن تذبحه اليوم، ولكن في مكة، وإن كنت من غير القادرين على الهدي في عام حجك فعليك الصوم فصم الآن عشرة أيام ولو في بلدك.
س 726: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حججت متمتعاً ومعي مبلغ يسير من المال ظننت أن لا يكفي للهدي فصمت ثلاثة أيام وأنفقت المال الذي عندي بصورة فيها كثير من التبذير، ثم ظهر لي في اليوم الحادي عشر أن المال الذي كان عندي قبل إنفاقه كان كافياً لشراء الهدي فندمت على ما حدث مني من تفريط، ثم صمت السبعة أيام بعد العودة من الحج فهل بقي الهدي في ذمتي بسبب التفريط الذي حدث مني أم لا؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: ذمتك برئت بالصوم؛ لأنك إنما صمت بناء على أن المال الذي معك لا يكفي، لكن نظراً لأنك أسرفت في الإنفاق وأنفقت في غير وجهه أرى من الاحتياط أن تذبح هدياً في مكة يقوم مقام هدي التمتع الذي كان واجباً عليك مع القدرة.
س 727: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج ضاعت نفقته هل عليه أن يستدين للفدية؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ضاعت نفقة الحاج فإنه ليس عليه أن يستدين للفدية ولكن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ لأنه صار عاجزاً عن الهدي، وقد قال الله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)) .
س 728: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: عن رجل يقول: لقد وقعت في جريمة نكراء وداهية دهياء في حج العام الماضي حيث سول لي الشيطان ووقعت على زوجتي وجامعتها جماعاً في منى ولكن هذا وقع في الليل، وقال بعض طلبة العلم: إن حجك قد فسد فصرعوني بهذا القول، وركبت سيارتي وهربت إلى بلدي وتركت زوجتي مع أخيها وأنا لم أهرب إلا خوفاً من الله تعالى أن أبقى في مشاعره المقدسة وأنا قد عصيته وليس لي حج أرجو الإفادة والمخرج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب يحتاج إلى تفصيل وذلك أن جماعه إياها في منى إن كان بعد التحلل مثل أن يكون بعد يوم العيد بعد أن رمى وحلق أو قصر وطاف وسعى فهذا لا شيء عليه إطلاقاً؛ لأنه قد تحلل من الحج، أما إذا كان بعد الرمي والحلق وقبل الطواف يعني بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإن الحج لا يفسد، ولكن يفسد الإحرام، فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل ليحرم من جديد ليطوف طواف الإفاضة محرماً، وعليه مع ذلك شاة يذبحها ويفرقها على الفقراء.
أما إذا كان الوطء في منى قبل الذهاب إلى عرفة فمعناه أنه جامع قبل التحلل الأول وهذا يفسد حجه وعلى ما قاله أهل العلم يجب عليه المضي فيه، ويجب عليه بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء، ويجب عليه القضاء من العام القادم، ولكن هذا الرجل في الحقيقة لا ندري أي الأحوال كان عليه، فلا نستطيع أن نحكم على فعله وذهابه إلى بلده. وذهابه بعد الجماع إلى بلده لا يجوز ويجب عليه الرجوع لو فرض أنه سأل في ذلك الوقت قبل أن ينتهي الحج وجب عليه الرجوع ليكمل الحج الفاسد ثم يقضيه العام التالي، أما وقد فات الأوان الآن فإنه يجب عليه على ما تقضيه قواعد الفقهاء يجب عليه أن يمضي في الحج هذا العام تكميلاً للحج الفاسد الأول لأنه لازال على إحرامه لم يتحلل منه، أو يتحلل بعمرة حيث فاته الحج بفوات الوقوف ثم يقضي الحج الفاسد الذي تحلل منه بعمرة بالفوات ولا يلزمه شيء عن لبس الثياب لأنه جاهل.
س 729: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سائلة تقول: أنا امرأة قدمت من بلدي إلى جدة وكنت محرمة، وقبل أداء العمرة جاءني ما يأتي النساء فأدى زوجي العمرة ورجعنا حيث إنه مرتبط بعمل، وسارت بنا الحياة الطبيعية كزوجين ثم نزلنا وأدينا مناسك العمرة والحج بعد ذلك، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات ولم نعلم أنه كان ينبغي علي أداء العمرة إلا قريباً، فماذا علي الآن؟ مع العلم أنني عندما أديت مناسك العمرة لم أنوِ أنها عن العمرة التي لم يتيسر لي القيام بها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: نسأل نقول للسائلة: إذا كنت لا تدرين أن الجماع في الإحرام حرام فلا شيء عليك، وإذا كنت تعلمين أنه حرام ووافقت الزوج عليه فأنت آثمة والعمرة التي وقع فيها الجماع عمرة فاسدة ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب أيضاً أن تقضي عمرة بدل العمرة التي فسدت.
س 730: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بعض أهل العلم يرون أن جماع الحاج لزوجته ناسياً محرم يفسد الحج ويستدل أنه يجب عليه غسل الجنابة وإنما المرفوع هو الإثم فما الجواب عن ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: نجيب على هؤلاء الذين يقولون إن الإنسان إذا جامع وهو صائم في رمضان أو جامع وهو محرم فعليه كفارة ويسقط عنه الإثم نجيب عليهم بأمرين: أمر أثري وأمر نظري، أما الأثري نقول: إن الله تعالى قال في كتابه: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: " قد فعلت "، وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهذا لم يتعمد وحصل تطبيق عملي لهذا القاعدة وهي عدم المؤاخذة بالجهل والنسيان، فقد أفطر الصحابة- رضي الله عنهم- في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين ظنوا أن الشمس قد غربت، وعدي بن حاتم- رضي الله عنه- أراد أن يصوم فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد فيهما يد البعير، أحدهما أسود، والثاني أبيض، فجعل ينظر إليهما فلما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمسك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإعادة، ومعاذ بن الحكم- رضي الله عنه- تكلم في الصلاة ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، فالمهم أن نقول: إن هذه الأدلة تدل على أن الإنسان إذا صنع شيئاً محرماً جاهلاً أو ناسياً فلاشيء عليه.
أما الدليل النظري فنقول: إذا سقط الإثم لزم سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون من أجل اتقاء عقوبة هذا الإثم، فإذا لم يكن هناك إثم فلا عقوبة، وعموم العفو في قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) يشمل العفو عن الذنب والعفو عن الكفارة.
س 731: سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى-: من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه وهو لم يقعد النية بعد فلا شيء عليه؛ لأن العبرة بالنية لا بلبس ثوب الإحرام، ولكن إذا كان قد نوى ودخل في النسك فإنه إذا فعل شيئاً من المحظورات ناسياً، أو جاهلاً فلا
شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر فيذكر إن كان ناسياً، ويعلم إن كان جاهلاً يجب عليه أن يتخلى من ذلك المحظور.
مثال هذا: لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم، فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب، وكذلك لو نسي فأبقى سراويله عليه، ثم ذكر بعد أن عقد النية ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سراويله فوراً، ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه، مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خيط بل منسوجة نسجاً يظن أن المحرم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبين له أن الفنيلة وإن لم يكن بها توصيل فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها.
والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). فقال الله تعالي: " قد فعلت "، ولقوله تعالي: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)). ولقوله تعالى في خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)) ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد، وحلق شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق؛ لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان. والله أعلم.
س 732: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: حاج وقع في بعض الأخطاء في أداء نسكه ولم يكن معه ما يكفر به وسافر إلى بلده فهل يخرج ما وجب عليه في بلده أم يلزمه أن يكون في مكة؟ وإذا كان يلزم في مكة فهل يجوز التوكيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لابد أن نعرف ما هو هذا الشيء الذي حصل، إن كان ترك واجباً ففيه فدية يذبحها في مكة؛ لأنها تتعلق بالنسك ولا يجزىء في غير مكة.
وإن كان فعل محظوراً فإنه يجزىء فيه واحدة من ثلاثة أمور:
إما إطعام ستة مساكين ويكون في مكة أو في مكان فعل المحظور.
وإما صيام ثلاثة أيام، وفي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام في مكة أو غيرها.
وإما ذبح شاة.
إلا أن يكون هذا المحظور جماعاً قبل التحلل الأول في الحج فإن الواجب فيه بدنة يذبحها في مكان فعل المحظور، أو في مكة ويفرقها على الفقراء، أو أن يكون جزاء صيد فإن الواجب مثله أو إطعام، أو صيام، فإن كان صوماً ففي أي مكان.
وإن كان إطعاماً أو ذبحاً فإن الله تعالى يقول: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) فلابد أن يكون في الحرم.
وله أن يوكل فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل عليّاً- رضي الله عنه- في ذبح ما بقي من هديه .
س 733: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه دم، والسؤال هل لهذا الدم زمن معين من العام؟ وهل له مكان معين؟ ومن لم يجد هذا الدم فهل له من صيام بدلاً من الدم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب على من وجب عليه فدية بترك واجب، أو بفعل محظور أن يبادر بذلك؛ لأن أوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الفور إلا بدليل؛ ولأن الإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فقد يكون اليوم قادراً وغداً عاجزاً، وقد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً، وقد يكون اليوم حيّاً وغداً ميتاً، فالواجب المبادرة، أما في أي مكان فإنه يكون في الحرم في مكة ولا يجوز في غيره، وأما إذا لم يجد الدم في ترك الواجب، فقيل: إنه يصوم عشرة أيام، والصحيح أنه لا يجب عليه صوم بل إذا لم يجد ما يشتري به الفدية فلا شيء عليه؛ لأنه ليس هناك دليل على وجوب الصيام، ولا يصح قياسه على دم المتعة لظهور الفرق العظيم بينهما، فدم ترك الواجب دم جبران، ودم المتعة دم شكران.
س 734: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء الهدي الشركات ولكن يا فضيلة الشيخ ما الحل فيما مضى، فإنا قد حججنا أكثر من مرة ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا فما الحكم فيما مضى هل يجزىء؟ فإن كان لا يجزىء فماذا يلزمنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة؛ لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطي هذه الشركات، وإما أن يذبحه ويدعه في الأرض لا ينتفع به لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة فيوكلوهم على ذبح الهدى وإحضار بعضه وتفريق الباقي، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكنني الذي أرى أنه خطأ عظيم هو أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي - عليه الصلاة والسلام- كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة، ولم ينقل عنه لا بحديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته إلى أي مكان بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون.
س 735: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من ذبح الهدي أو حلق رأسه خارج منطقة الحرم في عرفات مثلاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الحلق فلا بأس يحلق في عرفات أو غيرها؛ لأن الحلق ليس له مكان، وأما الهدي هدي التمتع فلابد أن يكون داخل الحرم فلو ذبح هديه في عرفات لم يصح ولم يجزئه، حتى لو دخل باللحم وأعطاه أهل منى لم يقبل منه؛ لأنه ذبحه في غير مكانه، وإذا كان هذا قد وقع فالأمر والحمد لله سهل يوكل أحد الذاهبين إلى مكة ليشتري له شاة يذبحها بنية الهدي الذي ذبحه في غير مكانه، وإن كان هو يريد أن يذهب بنفسه ليحج فليباشر ذلك بنفسه.
يتبع