سؤال - هل يجوز التسمية بإسم "معز"؟-
لا مانع شرعاً من تسمية الطفل بـ (مُعِز) - لأنَّ (المُعِز) وإن كان من أسماء الله تعالى - التي وردت تسميته بها مقرونة بمقابله وهو (المذل) - إلا أنَّه من الأسماء المشتركة التي يصح إطلاقها على الله تعالى وعلى المخلوق، مع نفي المشابهة بين الخالق والمخلوق؛ فعز الله هو العز الكامل، وأما عز المخلوق فهو عز ناقص لائق بضعفه واحتياجه؛ لذلك لا يقتضي مجرد إطلاق (مُعِز) على المخلوق مشابهته للخالق، وهكذا يقال في سائر أسماء الله تعالى المشتركة وهي: التي يصح أن تطلق على المخلوق والخالق مثل: (كريم ورحيم وحكيم...)، وفي ذلك يقول الإمام ابن خزيمة في كتابه "التوحيد":(وليس في تسميتنا بعض الخلق ببعض أسامي الله بموجب عند العقلاء الذين يعقلون عن الله خطابه أن يقال: إنكم شبهتم الله بخلقه، إذ أوقعتم أسامي الله على خلقه).-------------------------------- ويشترط عند تسمية المخلوق بالأسماء التي هي من الأسماء الحسنى ما يلي: 1----------- أن تخلو من (ال) فلا يسمى المخلوق بـ (العزيز ولا المعز ولا الكريم ولا الحكم وهكذا) ؛ وذلك لأنَّ (ال) تعطي المعنى الكامل لهذه الألفاظ، والمعاني الكاملة في ذلك إنما هي لله تعالى وحده. وأما مجرد إطلاقها على المخلوق وهي محلاة بـ (ال) فإنَّه يجوز إذا كان على سبيل الوصف لا التسمية، وقد جاء وصف المخلوق بذلك في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وقالت امرأة العزيز} وقال تعالى: {وقال الملك ائتوني به} وقال تعالى: {إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين}، وقال تعالى: {يخرج الحي من الميت} إلى غير ذلك من الأوصاف التي أطلقها الله على المخلوق وهي محلاة ب (ال) مع أن هذا الأسماء هي من أسماء الله تعالى التي سمى بها في كتابه العزيز.---------------------- 2- أن لا يكون المعهود عند الناس تخصيص إطلاق ذلك الاسم على الله تعالى فقط، ويستنكرون إطلاقه على غيره؛ لأنَّ تسمية المخلوق به في هذه الحالة يؤدي إلى الوقوع في محظور التشبيه والاستنكار من الناس وربما أدى إلى أذية المسمى به في تلك البلاد.--------------------------- 3- أن لا يحيط بالتسمية به ما يوهم معنى باطلاً وهو مشابهة المخلوق للخالق؛ فحينئذ لا يسمى به المخلوق ولا يكنى به ولا يوصف، ويدلُّ على هذا الحديث الذي رواه أبو داود وغيره بسند جيد عن هانئ بن يزيد رضي الله عنه: أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم"، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أحسن هذا، فمالك من الولد؟" قال: لي شريح ومسلم وعبد الله، قال: "فمن أكبرهم؟ " قال: قلت: شريح، قال: "فأنت أبو شريح). فهذا الرجل نصبه قومه حكماً بينهم فلا يردون حكما صدر منه - حسب ما ذكر في الحديث - ولما كان الأمر كذلك - فإنه ربما أدى ذلك إلى توهم بعض الناس أن حكمه أصبح يشبه حكم الله تعالى فلا يعترض عليه وهذا ممنوع، وفي ذلك يقول الإمام البغوي في شرح السنة: (الحكم: هو الحاكم الذي إذا حكم لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله عز وجل). ويدل على هذا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم صحابي كان اسمه الحكم إلى عبدالله، فعن سعيد بن عمرو بن العاص قال: حدّثني الحكم بن سعيد قال أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «ما اسمك؟» قلت: الحكم. قال: «بل أنت عبداللَّه». رواه البخاريّ في التاريخ وابن شاهين، والطّبراني، والدّارقطنيّ في الأفراد.وسبب هذا التغيير ما ذكرناه سابقاً وهو أنه ربما أحاط بالتسمية به ما يوهم معنى باطلاً - وهو مشابهة المخلوق للخالق - أما إذا خلا عن ذلك فلا يغير ولا يمنع من التسمية به أو الكنية، - بدليل أن هناك بعض الصحابة المشهورين كان يكنى بأبي الحكم ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره المتسمي به، ومن هؤلاء: رافع بن سنان الأنصاريّ فإنه كان يكنى بأبي الحكم، كما أن هناك عدداً من الصحابة كان يسمى بالحكم، كما في الإصابة للحافظ ابن حجر، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غير أسماءهم، ولا أنهم غيروا أسماءهم، فدل ذلك أن التغيير لتلك الأسماء كان لسبب معين وليس لمجرد التسمية بها. وهذا - كما قلنا - إنما هو في الأسماء المشتركة، أما الأسماء الخاصة بالله وهي التي لا تطلق إلا عليه جل جلاله فلا يجوز أن يُسمى بها غيره مطلقاً، وقد حدد الإمام النووي رحمه الله في روضة الطالبين الأسماء الخاصة بالله والمشتركة ومراتبها في باب اليمين فقال: (فالأسماء ثلاثة أنواع: أحدها: ما يختص بالله تعالى ولا يطلق في حق غيره، كالله، والإله، والرحمن، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وخالق الخلق، والحي الذي لا يموت، والأول الذي ليس قبله شيء، والواحد الذي ليس كمثله شيء.. النوع الثاني: ما يطلق في حق الله وفي حق غير الله تعالى، لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى وأنه يقيد في حق غيره بضرب تقييد، كالجبار والحق والرب والمتكبر والقادر والقاهر .. النوع الثالث: ما يطلق في حق الله تعالى وفي حق غيره ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين كالحي والموجود والمؤمن والكريم والغني وشبهها). فحصر الأسماء الخاصة بالله في ثلاثة -- ثم ذكر في البقية إضافات تجعلها خاصة بالله وليس مجرد الإسم. وكذلك جاء في المغني لابن قدامة في باب اليمين فقد قال: (وأسماء الله تنقسم ثلاثة أقسام: أحدها: ما لا يسمى بها غيره نحو قوله: والله، والرحمن، والأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، ورب السموات والأرض، والحي الذي لا يموت ونحو هذا.. والثاني: ما يسمى به غير الله تعالى مجازا وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى مثل الخالق والرازق والرب والرحيم والقادر والقاهر والملك والجبار ونحوه فهذا يسمى به غير الله مجازا .. الثالث: ما يسمى به الله تعالى وغيره ولا ينصرف إليه بإطلاقه كالحي والعالم والموجود والمؤمن والكريم والشاكر). وبذلك يتبين أن اعتبار الإطلاق وعدمه عند الناس له دخل في إمكان تسمية المخلوق باسم من أسماء الخالق أو الوصف أو عدم ذلك؛ --------- فيجب أن يراعي ذلك بحسب الزمان والمكان، وذلك فيما يختص بالأسماء المشتركة، أما الخاصة بالله تعالى فيمنع إطلاقها على غير الله مطلقاً، ومما يختص بالله تعالى (رب) فلا يطلق على غير الله إلا مقيدا كرب البيت أو رب المال ونحو ذلك، أما إطلاقه بدون تقييد لفظي أو حالي فلا - سواء حلي بـ (ال) أم لا - خصوصاً في التسمية لأنه يصبح ينادى فيقال (يا رب اذهب) أو يا رب افعل كذا) ونحو ذلك، ولا يخفى ما في ذلك من البشاعة، وفي ذلك يقول يقول القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم: (الربوبية إنما هى حقيقة لله تعالى، فيجب للعبد المربوب ألا يسامح بتسميته بذلك وندائه بذلك بحال). وقال الإمام النووي في شرح مسلم (حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال كلكم عبيد الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الأفعال). وعلى كل حال فالأفضل تعبيد الاسم لله تعالى في الأسماء المشتركة مثل: عبد المعز وعبد الكريم وعبد الرحيم، ولا يسمى بها مجردة مثل: (معز أو كريم أو رحيم) وإن كان ذلك جائزاً كما سبق بيانه، أما تستميته بـ (مُعَز) فهذا لا حرج فيه مطلقاً، والله تعالى أعلم.
.[الهيئة العامة للشئون الاسلامية]