منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

ثناء مصلي

إن من أبرز الجوانب الواضحة في قصص الأنبياء والرسل جانب الدعوة إلى الله عز وجل، فالدعوة إلى الله هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، قال تعالى ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (.
فما المقصود بالدعوة إلى الله؟
الدعوة إلى الله هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الشرك إلى التوحيد. وتقوم هذه الدعوة على أسس ودعائم يكون منهجها قائماً على منهج الأنبياء والرسل، نابعة من كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم..
إن هذه الدعائم والأسس متى اختل واحد منها لم تكن دعوة صحيحة ولم تثمر الثمرة المطلوبة مهما بذل فيها من جهود وأضيع فيها من وقت، وأي دعوة تقوم بعيدة عن هذه الأسس ولا يكون منهجها قائماً على منهج الأنبياء والرسل فإنها ستضمحل وتكون تعباً بلا فائدة..
أخيتي.. يا رفيقة دربي.. درب الداعيات المبدعات الواعيات بإذن الله إني أسمع همسك.. وأنت تتساءلين ما هذه الدعائم والأسس؟
يقول الشيخ الدكتور صالح الفوزان:
هذه الدعائم التي تقوم عليها الدعوة الصحيحة، هي كما دل عليها الكتاب والسنة تتلخص فيما يلي:
أولاً: العلم بما يدعو إليه، فالجاهل لا يصلح أن يكون داعية، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنيوالبصيرة هي العلم، فإذا لم يكن الداعية مسلحاً بالعلم الذي يواجه به كل شبهة ويجادل بالحسنى كل خصم فإنه سينهزم من أول لقاء وسيقف في أول الطريق.
ثانياً: العمل بما يدعو إليه، حتى يكون قدوة حسنة تصدق أفعاله أقواله، ولا يكون للمبطلين عليه حجة، قال تعالى )ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً(.
ثالثاً: الإخلاص، وهو أن تكون الدعوة لوجه الله لا يُقصد بها رياء ولا سمعة ولا ترفع ولا رئاسة ولا طمع من مطامع الدنيا؛ لأنه إذا دخلها شيء من تلك المقاصد لم تكن دعوة لله وإنما هي دعوة للنفس أو للطمع الدنيوي قال تعالى: )لا أسألكم عليه أجراً(.
رابعاً: البداءة بالأهم فالمهم، أي أن يدعو الداعية أولاً بإصلاح العقيدة وإخلاص العبادة لله والنهي عن الشرك ثم الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الواجبات وترك المحرمات كما هي طريقة الرسل جميعاً، قال تعالى: ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ(.
ولنا في رسول الله في الدعوة إلى الله وما ربى صحبه عليه خير قدوة وأكمل منهج، حيث مكث في مكة ثلاث عشر سنة يدعو الناس إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك قبل أن يأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج، وقبل أن ينهاهم عن الربا والزنى والسرقة وقتل النفس.
خامساً: الصبر على ما يلاقى في سبيل الدعوة إلى الله من المشاق وما يواجهه من أذى الناس؛ لأن طريق الدعوة ليس مفروشاً بالورد وإنما هو محفوف بالمكاره والمخاطر، ولنا في قصص الأنبياء والرسل خير الأسوة والأثر فيما واجهوا من أقوامهم وصناديدهم من الأذى والسخرية، قال تعالى: )ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا(.
سادساً: على الداعية أن يكون متحلياً بالخلق الحسن مستعملاً الحكمة في دعوته، قال تعالى: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن(، فما أحوجنا إلى حسن الخلق والحكمة والتعقل في الدعوة إلى الله، قال تعالى في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم )فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك(.
سابعاً: على الداعية أن يكون قوي الأمل، لا يعرف اليأسُ طريقاً إلى قلبه، فلا ييأس من ضعف تأثير دعوته وعدم هداية قومه، ولا ييأس من نصر الله له ومعونته ولو امتد الزمن وطال عليه الأمد وله في رسل الله خير قدوة في ذلك، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليه أذى الكفار وجاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين قال: "لا بل استأنى بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"، ومتى فقد الداعية هذه الصفة فإنه سيتوقف ويبوء بالخيبة في عمله.
هذه يا أخية الدعائم والأسس للدعوة الصحيحة, لا بد أن نقوم بها جميعاً ومعاً على جهد واحد، وأملٍ قوي وعزم ماضٍ في نشر هذا الدين وحض الناس عليه..