الركن الثالث أداء الزكاة والدليل : ﴿ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ﴾ .
وإذا تركها جحوداً كفر إجماعاً ، وكذا امتناعاً ، وهو إجماع الصحابة في عهد الصديق ، وصح من قول ابن مسعود ، ورواه ابن حزم في الفصل [3 /128] عن ابن عباس .
وإن تركها كسلاً وبخلاً فيكفر كفر نفاق ، قال تعالى : ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ﴾ . قال ابن كثير : يقول تعالى : ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين ، فما وفي بما قال ، ولا صدق فيما ادعى ، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقاً سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله - عز وجل - يوم القيامة ، عياذاً بالله من ذلك اهـ.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالصدقة ، فقيل منع ابن جميل ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : (( ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله )) . رواه البخاري ومسلم ، وقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ . وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ .
أما حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم ، فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت ، تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت ، فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )) .
قال سهيل : فلا أدري أذكر البقر أم لا . قالوا فالخيل يا رسول الله ؟ قال : (( الخيل في نواصيها - أو قال الخيل معقود في نواصيها - قال سهيل : أنا أشك - الخير إلى يوم القيامة . الخيل ثلاثة : فهي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر . فأما التي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له فلا تغيب شيئاً في بطونها إلا كتب الله له أجراً ، ولو رعاها في مرج ما أكلت من شيء إلا كتب الله له بها أجراً ، ولو سقاها من نهر كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر ، - حتى ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها - ولو استنت شرفاً أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر . وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرماً وتجملاً ولا ينسى حق ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها . وأما الذي عليه وزر فالذي يتخذها أشراً وبطراً وبذخاً ورآء الناس ، فذاك الذي هي عليه وزر )) قالوا : فالحمر يا رسول الله ؟ قال : (( ما أنزل الله عليّ فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة ، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) رواه مسلم ، فالحديث ليس في مانع الزكاة المفروضة ، بدليل : أ - أنه ذكر الخيل والحمير ، وليس فيها زكاة سائمة كالإبل والبقر ، كما في هذا الحديث .
ب - أن قوله في الحديث : (( زكاته )) يقصد الحقوق الواجبة ، ويدل عليه الرواية الأخرى عند مسلم وهي : عن أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( إذا لم يؤد المرء حق الله أو الصدقة في إبله ... )) وساق الحديث بنحو حديث سهيل عن أبيه . ويفسرها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول : (( ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط ، وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها ، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها ، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ، ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها ، ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه ، فإذا أتاه فر منه فيناديه : خذ كنزك الذي خبأته ، فأنا عنه غني . فإذا رأى أن لا بد منه ، سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل )) قال أبو الزبير : سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول ، ثم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك فقال مثل قول عبيد بن عمير . وقال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول : قال رجل : يا رسول الله ! ما حق الإبل ؟ قال : (( حلبها على الماء ، وإعارة دلوها ، وإعارة فحلها ومنيحتها ، وحمل عليها في سبيل الله )) . رواه مسلم
وفي لفظ عند مسلم من حديث عن جابر عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : (( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر ، تطؤه ذات الظلف بظلفها ، وتنطحه ذات القرن بقرنها ، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن )) قلنا : يا رسول الله ! وما حقها ؟ قال : (( إطراق فحلها ، وإعارة دلوها ومنيحتها ، وحلبها على الماء ، وحمل عليها في سبيل الله ، ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب ، وهو يفر منه ، ويقال : هذا مالك الذي كنت تبخل به ، فإذا رأى أنه لا بد منه ، أدخل يده في فيه ، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل )) . رواه مسلم .
وكذا رواه أبو داود وقال باب في حقوق المال عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال : (( ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت ، فيبطح لها بقاع قرقر ، فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ، كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت ، فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها ، كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها ، حتى يحكم الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )) .
قال ابن كثير في تفسير سورة المعارج : وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة ، مرّ رجل من بني عامر بن صعصعة فقيل له هذا أكثر عامريٍّ مالاً ، فقال أبو هريرة ردوه إليّ ، فردوه فقال : نبئت أنك ذو مال كثير ! فقال العامري : إي والله ، إن لي لمئة حمراء ، أو مئة أدماء ، حتى عد من ألوان الإبل وأفنان الرقيق ورباط الخيل . فقال أبو هريرة : إياك وأخفاف الإبل وأظلاف الغنم ، يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير ، فقال : ما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول : (( من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها )) ، قلنا : يا رسول الله ! ما نجدتها ورسلها ؟ قال : (( في عسرها ويسرها . فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها أو رسلها فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، ثم يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ، وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله )) . قال العامري : وما حق الإبل يا أبا هريرة ؟ قال أن تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة ، وتفقر الظهر وتسقي الإبل ، وتطرق الفحل . قال ابن كثير وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة به .
قال ابن كثير وطريق أخرى لهذا الحديث قال الإمام أحمد حدثنا أبو كامل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )) وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم ، وفيه الخيل الثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ، إلى آخره .
قال ابن كثير ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفرداً به دون البخاري ، من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ، وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة من كتاب الأحكام . والغرض من إيراده ههنا قوله : (( حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )) اهـ . ولأن الزكاة قرينة الصلاة فيقال فيها ما قيل في الصلاة تماماً كما سبق ، وهو مذهب أبي بكر وابن مسعود ووافقهم الصحابة .