الوضوح والأناة وترك التكلف


محمد الحماد

إن الداعية المسلم لا يكون موفق في دعوته، مالكةً للب جلسائه، قائمة بمسؤولية إصلاحهم وتقويمهم، إلا أن يتأسى بإمام الدعاة صلى الله عليه وسلم في تحدثه وحواره، وآخذة بأصول منهجه صلوات الله وسلامه عليه في تبليغ الناس ودعوتهم والتحدث إليهم.

· التحدث باللغة التي يفهمونها، مع التمهل في الكلام أثناء الحديث.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا، يحدث الحديث لو عده العاد لأحصاه". وروى أبو داود عن عائشة أيضاً قالت: "كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً يفهمه كل من سمعه".
إن الداعية حين يتكلم باللغة التي تناسب من يدعو، مراعي السن والثقافة والنوعية لاشك أن ذلك يكسبه القبول لديهم؛ لكن عندما تأتي بلغة مغايرة للغتهم، أو تأتي بلغتهم لكن بلا تؤدة ولا تمهل يجعل المستمعون يتمنون سكوتها.

· البعد عن التكلف في الفصاحة.

إن من أدب الداعية البعد عن التنطع في الكلام، والتكلف في الفصاحة، والتشدق في الحديث والثرثرة باللسان... روى أبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها". وكم تكون الداعية محجوبة عن سامعيها حين تتحدث وعليها أمارات التشدق وظواهر الثرثرة! وكأنها تقول: هل عرفتم من كلامي كم أنا بليغة؟ وهل عرفتم من أسلوبي كم أنا فصيحة؟ فإذا لم يكن هذا رياء فما هو الرياء؟!

· التحدث بما لا يخل ولا يمل.
إن الاقتصاد والاعتدال في الحديث أمر مهم؛ ليكون أوقع في نفوس السامعين، وأشوق إلى قوبهم وأحب إلى أسماعهم... ففي الصحيحين: "كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا في كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم (أتعهدكم) بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا مخافة السآمة علينا".
ولا يعني هذا عدم الإطالة حينما تقتضي المصلحة ذلك، ولكن المهم أن لا يكون ديدنه الإطالة وحشو الكلام.
· المخاطبة على قدر الفهم.
إن عقول الناس وثقافتهم تختلف ولاشك؛ فمن أجل ذلك كان على الداعية الصادقة أن تحدث جليستها بما يتناسب مع عقليتها وثقافتها وبما يتفق مع عمرها وفهمها.. روى البخاري عن علي رضي الله عنه موقوفا: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله". وذكر مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".
وكم يعاب على الداعية حين تجلس مع طبقة من المثقفات اللاتي لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهن! وذهبت تتحدث عن كرامات الأولياء أو عن وظائف الملائكة وأخبار الجن... وهن لسن على قدر من الوعي الناضج، والإيمان المكين، والثقافة الإسلامية الشاملة... حتى يسلموا بها، ويصدقوا أخبار الوحي فيها.
· إقبالها على من تخاطب.
سواء كان ذلك في النظرة أو في السؤال أو في الإجابة حتى تشعر كل متلقية أن الداعية إنما تريدها والكلام موجه لها بالخصوص. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على كل من يجتمع به حتى إن الرجل يظن نفسه خير القوم.
· مباسطة الجلساء أثناء الحديث.
حتى لا تشعر المخاطبة بالملل ولا ينتابها السأم، وكم يسر الجلساء حين يرون الداعية إلى الخير لا تفارق الابتسامة ثغرها، وكم يشعرن بمحبتها لهن حين يرون المعاملة اللينة والخلق العظيم.
روى الإمام أحمد عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت كان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم، فقلت: لا يقول الناس إنك أحمق!! ـ أي بسبب تبسمك في كلامك ـ فقال أبو الدرداء: ما رأيت أو سمعت رسول الله صلى الله يحدث حديثاً إلا تبسم، فكان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما أحوجنا إلى داعيات يعرفن منهج الإسلام في التأثير، وطريقة الإصلاح ووسائله في النجاح.
أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة..." الحديث. فمن هذا النص يتبين أن على الداعية أن تبدأ بالأهم ثم المهم... أن تبدأ بالعقيدة قبل العبادة، وبالكليات قبل الجزئيات وهكذا.
وكم تكون الداعية حكيمة حين تعلم كيف تبدأ؟ ومن أين تبدأ؟ وماذا تقدم؟ وماذا تؤخر؟ وتعلم ما هي القضايا التي تعطيها أهمية وأولوية قبل غيرها.
ويخطئ الداعية مثلا ًحينما تكون في بيئة تدين بالإسلام، ولكن يغلب عليهم الطابع الأمي والمظهر الفطري ثم تذهب تحدثهم عن الفلسفة الفكرية أو عن النظريات العلمية الحديثة وتترك التحدث بالأهم وهو الإيمان وأثره، والعلم والتعلم، والأخلاق والتخلق، والعبادة ومفهومها، و المعاملة وحقيقتها.