الحسنات تمحو السيئات وتنادي على أخواتها الصالحات
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كلِّ عملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ إن الحسنات تمحو السيئات، وتنادي على أخواتها الصالحات، قال سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

(ت حم) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي) فَقَالَ: ("اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا").

وفي رواية: ("إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَاعْمَلْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا")، ("وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ")، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟!) قَالَ: ("هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ"). الحديث بزوائده: (حم) (21403)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح، (ت) (1987)، (حم) (21403)، (21487)، (21536)، (حل) (ج4ص217)، (الطبراني في الدعاء) (1498)، (حم) (21525) وصححه الألباني في (كَلِمَةُ الْإِخْلَاص) (ص55). انظر صحيح الجامع: (97)، وصحيح الترغيب والترهيب: (2655)، الصحيحة: (1373).

السيئاتُ والذنوب والخطايا أوراقٌ يابسةٌ على شجرة الإنسان، وحتى تتساقطَ هذه الأوراق؛ لا بدّ من تحريك أغصان الشجرة بالحسنات وفعل الصالحات، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: (كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ)، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا عُثْمَانَ، أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟!) فَقُلْتُ: (وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟!) فَقَالَ: (هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه) -وعلى آله وصحبه- (وسلم وَأَنَا مَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ، حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ)، فَقَالَ: (يَا سَلْمَانُ! أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟) فَقُلْتُ: (وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟!) قَالَ: ("إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ هَذَا الْوَرَقُ، ثُمَّ قَرأَ: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114])، (حم) (23707)، (مي) (719)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (363).

وأيسر الحسنات وأسهل الصالحات التي تُذهب السيئات؛ توالي الوضوءِ ومتابعةُ الصلوات، عَنْ الْحَارِثِ مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: (جَلَسَ عُثْمَانُ رضي الله عنه يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ)، ثُمَّ قَالَ: ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا)، ثُمَّ قَالَ: ("مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ يَتَمَرَّغُ")، أي يتقلّب ("لَيْلَتَهُ، ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ")، فَقَالُوا: (هَذِهِ الْحَسَنَاتُ؛ فَمَا الْبَاقِيَاتُ يَا عُثْمَانُ؟!) قَالَ: (هُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). (حم) (513)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (336)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

والحسنة سرًّا خيرٌ منها علنا، فلو أنك أغضبت ربك سبحانه وتعالى بسيئة فتصدّقت سرًّا؛ لأطفأت عنك غضبَ ربِّك سبحانه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("صَدَقَةُ السِّرِّ، تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ"). (طس) (3450)، (طص) (1034)، صَحِيح الْجَامِع: (3795)، (3796)، الصَّحِيحَة: (1908)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (888، 890).

فالصوم والصدقة والصلاة وصلاة الليل كلُّها من أبواب الخير الماحية للسيئات، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟! الصَّوْمُ جُنَّةٌ) -أي الصوم وقايةٌ وحفظٌ وعصمةٌ من الذنوب والشهوات، وأسبابِ الوقوع في النيران- ("وَالصَّدَقَة تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16، 17]، (ت) (2616)، (جة) (3973)، (ن) (11394)، صَحِيح الْجَامِع: (5136)، والصَّحِيحَة تحت حديث: (1122)، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ (2866).

والعبادات والطاعات والحسنات إذا قام بها العبد؛ قد يفسدها بسوء الخلق مع خَلْقِ الله سبحانه وتعالى، فالأخلاق السيئة منفِّرة عن الدين، وقاطعةٌ للأخوَّة، ومفسدةٌ لكلِّ خير، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ"). (عبد بن حميد) (799)، (طس) (850)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (176)، الصَّحِيحَة: (906).

والخلق الحسَن؛ من أيسرِ وأحسنِ وأسهلِ ما يَتقرَّب به العبدُ المؤمنُ إلى خالقِه ومولاه، فقد أدَّب اللهُ سبحانه أفضلَ خلقِه من أنبيائه ورسله، فجعلهم أعلى الناس مقاما في الأخلاق والآداب، وشهد سبحانه لنبيِّه ورسوله صلى الله عليه وسلم فقَالَ سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، والأخلاقُ موجودَة في الناس قبل الإسلام، ولكنها كانت تحتاجُ إلى إكمال وإتمام، وما بُعث صلى الله عليه وسلم إلا ليتمِّمَ صالحَها ومكارمَها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"). (خد) (273)، (حم) (8939)، (هق) (20572)، صَحِيح الْجَامِع: (2833)، صحيح الأدب المفرد: (207).

وفي رواية: ("إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ"). (هق) (20572)، (ك) (4221)، انظر الصَّحِيحَة: (45).
وكذلك المتخلِّقون بأخلاق النبوة، والمتأدبون بأدب الشريعة، الباذلون للسلام والطعام، هم الذين وجبت لهم الجنة، عَنْ هَانِئِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ)، قَالَ: ("طِيبُ الْكَلامِ، وَبَذْلُ السَّلامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ"). (حب) (504)، (خد) (811)، (ك) (61)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (4049)، الصَّحِيحَة: (1939)، صحيح الترغيب والترهيب: (2699).

مهما كان عندك من الأموال فإنك لن تَسَعَ الناس، وستجد الذامِّين أكثر من المادحين، أما الأخلاق الحسنة، والتبسُّم في وجوههم في وجوه الناس، ففي مقدور كلِّ أحد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ"). (بز) (8544)، (ك) (427)، (ش) (25333)، (يع) (6550)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (2661).

فهنيئا لمن جَبَله الله وفطره على حُسن الخلق! عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (شَهِدْتُ الْأَعْرَابَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!) (مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ النَّاسُ؟!) قَالَ: ("إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا خَيْرًا مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ"). الحديث بزوائده: (جة) (3436)، (حم) (18477)، (طب) (463)، (خد) (291)، وانظر صَحِيح الْجَامِع: (1977)، وصحيح الترغيب: (2652).

إن الله سبحانه يحب من عباده المؤمنين معاملةَ الناس بالجود والكرم، ومعالي الأخلاق، (ش)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ اللهَ عز وجل جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيُبْغِضُ سَفْسَافَهَا"). (ش) (26617)، (ك) (151)، (هق) (20569)، صَحِيح الْجَامِع: (1744)، الصَّحِيحَة: (1378)، -(السَّفْسَاف): الأمرُ الحقيرُ والرديء من كل شيء، وهو ضدُّ المعالِي والمكارِم، وأصله: ما يَطير من غُبارِ الدِّقيق إذا نُخِلَ، والتُّرابِ إذا أُثِير. النهاية في غريب الأثر (2/ 943).

ففضلُ حسنِ الخلق يأتي مباشرة بعد الصلاةِ المفروضة، والإصلاحِ بين الناس، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الصَلَاةِ، وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَخُلُقٍ حَسَنٍ"). (تخ) (1/ 63)، (هب) (7/ 489، ح11091)، (كر) (52/ 266)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5645)، الصَّحِيحَة: (1448).

المؤمنون درجات في إيمانهم، فأكملهم إيمانا أحسنهم أخلاقا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَكْمَلُ النَّاسِ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقًا؛ الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَألَفُ وَلَا يُؤْلَفُ"). (طص) (605)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1231)، الصَّحِيحَة: (751)، [وَالْأَكْنَافُ؛ الْجَوَانِبُ، أَرَادَ -فيها أولئك- الَّذِينَ جَوَانِبُهُمْ وَطِيئَةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَنْ يُصَاحِبُهُمْ وَلَا يَتَأَذَّى]. المرقاة المفاتيح (7/ 3019).

إن خيار هذه الأمّة ذوو الأخلاق الحسنة، ورد في الحديث المتفق عليه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا)، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ("إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا"). (خ) (5688)، (3366)، (م) 68- (2321)، (ت) (1975)، (حم) (6504).

أتعلمون مَن أحبُّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقربهم منه مجلسا في الآخرة يوم القيامة؟ إنهم ذوو الأخلاق الحسنة والآداب النبيلة، (حم)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!") (فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا)، فَقَالَ الْقَوْمُ: (نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا"). (حم) (6735)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2650)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

كم من مصلٍّ بعيدٌ عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟!
كم من صائم بعيدٌ عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟!
كم من متصدق بعيدٌ عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟!
كم من حاج أو معتمر بعيدٌ عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟!
كم من فاعل للخيرات بعيدٌ عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وذلك بفساد الأخلاق وسوء الآداب، نعوذ بالله من الأخلاق الفاسدة والآداب السيئة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
إن كثيرا ممن يقوم الليل، ويكثر من الصلاة والصوم والنوافل والتطوعات يدركهم في درجاتهم ومنازلهم يوم القيامة؛ ذوو الأخلاق الحسنة، والآداب الكريمة، فالأعمال الصالحة الخالية من الأخلاق الحسنة ناقصة غير كاملة، وقد تصل إلى الفساد بفساد الأخلاق، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسَدِّدَ، لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ بِآيَاتِ اللهِ عز وجل لِكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ، وَحُسْنِ خُلُقِهِ"). (حم) (7052)، (طب) (13/ 58 ح142)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1949)، الصحيحة: (522)، صحيح الترغيب والترهيب: (2647)، -(ضريبته): أي: طبيعته وسجيّته.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ"). (د) (4798)، (حب) (480)، (حم) (25578)، (خد) (284)، المشكاة: (5082)، وفي رواية: ("دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ، صَائِمِ النَّهَارِ"). (التواضع والخمول)، لابن أبي الدنيا: (ج1/ص210 ح166)، (ك) (199)، (حم) (24639)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1620)، الصَّحِيحَة: (795)، وفي رواية: ("دَرَجَةَ السَّاهِرِ بِاللَّيْلِ، الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ") . تمام في (الفوائد) (13/ 234 / 1- 2)، انظر الصَّحِيحَة: (794)، صدق رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا"). (ت) (2018)، (خد) (1308)، (حم) (17767)، صَحِيح الْجَامِع: (1535)، الصَّحِيحَة: (791)

وانظروا إلى منزلة من حسَّن خُلُقَه مع الله ومع خلق الله جل جلاله، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَنَا زَعِيمٌ ") -أَيْ: ضَامِنٌ وَكَفِيل-. ("بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ") -نواحي الجنة أَيْ: مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا، تَشْبِيهًا بِالْأَبْنِيَةِ الَّتِي تَكُون حَوْلَ الْمُدُن، وَتَحْت الْقِلَاع-، ("لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ") -أَيْ: الْجِدَال- ("وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا")، ("وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"). (د) (4800)، (ت) (1993)، (جة) (51)، انظر صحيح الجامع: (1464)، الصَّحِيحَة: (273)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (139)، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا: ("أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟!" ) قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا"). (حم) (9224)، (حب) (484)، صَحِيح الْجَامِع: (3263)، الصَّحِيحَة: (1298)، وفي رواية: ("خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا"). (حم) (7211)، (ش) (34422)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3262)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (2651)، إنه طول العمر، مع حسن الخلق وحسن العمل. وحسن الخلق يدل على خير الإسلام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("خَيْرُكُمْ إِسْلَامًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، إِذَا فَقِهُوا"). (خد) (285)، (حم) (10068)، الصَّحِيحَة: (1846)، [إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين] التنوير.

أتعلمون أحبابي الكرام؛ ما الكرم وما الحسَب حقيقة؟! هذا ما يخبرنا عنه -حَبْرُ هذه الأمة عبد الله- ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَا تَعُدُّونَ الْكَرَمَ؟ -وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ الْكَرَمَ- فَأَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، مَا تَعُدُّونَ الْحَسَبَ؟ أَفْضَلُكُمْ حَسَبًا أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا). (خد) (899)، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد: (694)، فحَسَبُكَ خُلُقُك! لا قبيلتك ولا حزبك!

ولحسن الخلق رفيقٌ وصاحبٌ ألا وهو طولُ الصمت! عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا ذَرٍّ)، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهَا؟!") قَالَ: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ!) قَالَ: ("عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا تَجَمَّلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِمَا"). (يع) (3298)، (طس) (7103)، صَحِيح الْجَامِع: (4048)، الصَّحِيحَة: (1938).

لو سألت عن أثقل أعمال العبد يوم القيامة؟ لوجدته حسن الخلق، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَا مِنْ شَيْءٌ يُوضَعُ) (فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَلَاةِ)، (وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ"). (ت) (2002)، (2003)، (د) (4799)، (حم) (27536)، (خد) (464)، (حب) (5693)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (135)، الصَّحِيحَة: (876)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2641).

ولو سألت عن أكثر ما يدخل الجنة؟ لوجدته حسن الخلق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟) فَقَالَ: ("تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ")، (وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟) فَقَالَ: ("الْأَجْوَفَانِ ؛ الْفَمُ، وَالْفَرْجُ"). (جة) (4246)، (ت) (2004)، (حم) (9085)، انظر الصَّحِيحَة: (977)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1723).

فتخلقوا بالأخلاق الحسنة والآداب الكريمة، ولا تتخلّوا عن الصفات والخلال المرافقة لحسن الخلق، ألا وهي الفقه في الدين، والجود والكرم، وإصلاح ذات البين، وطول الصمت، وتُزَيِّنُ ما سبق -يا عبد الله- بتقوى الله جل جلاله، هذه الخصال التي أرشدكم وهداكم إليها نبيّ الله، صلوا عليه كما أمر الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين-، اللَّهُمَّ فَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، وَطَيِّبْ أَرْزَاقَنَا.

اللهم أَنْتَ رَبّنا لا إله إلا أنت، وَنحن عَبْيدُكَ، ظَلَمْنا أنْفسنا، وَاعْتَرَفْنا بِذنوبنا، فَاغْفِرْ لنا ذُنُوبنا جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت، وَاهْدِنا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، نحن بِكَ وَإِلَيْكَ، وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]