عاملان مهمان..



الحلم والتواضع هما من أكبر العوامل في جذب القلوب وتحبيب الناس للدعاة، ورد الإنسانية إلى الدين الحق.
والذين يأخذون الناس بالشدة ويعاملونهم بالقسوة ويسلكون معهم سبيل الفظاظة والعنف، فإنهم يعطون لغيرهم بذلك الصورة المشوهة عن الإسلام، وهم أيضاً يجانبون سبيل التأسي بالنبي صلّى الله عليه وسلم في حلمه وعفوه الجميل، بل يسببون في المجتمع ردود فعل كبيرة قد تؤدي إلى أسوأ النتائج وأخطر الانحرافات. وقد أرشد الله إلى ذلك بقوله:} فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} [آل عمران،59].
وإذا كان القرآن الكريم ـ أختي الداعية ـ دعا عموم النّاس إلى أن يعفوا ويصفحوا وأن يتحلوا بالسماح والحلم، فدعوته لكِ بالتحقق بهذه المعاني والتخلق بهاتيك الخصال، هو من باب أولى. قال تعالى: }والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين{ [الأعراف،199].
وقال: }لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم{ [فصلت،34].
أين أنتِ من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وملاطفة السلف. وإن الأمثلة على هذا كثيرة، وإنها لتعطينا الصورة الصادقة والنماذج الحية عن الخلق الكامل والرفق الرائع والحكمة البالغة، وأذكر لكِ نموذجين عسى أن يكونا لك وللدعاة تبصرة وذكرى:
أ/ قال حماد بن سلمة: إنّ صلة بن أشيم مرَّ عليه رجل قد أسبل إزاره ـ علامة للتكبر ـ فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بشدة فقال: دعوه أنا أكفيكم.
فقال ابن اشيم للرجل: يا ابن أخي: إنَّ لي إليك حاجة. فقال: وما حاجتك يا عم؟ قال: أحب أن ترفع من إزارك. فقال: نعم وكرامة، فرفع إزاره. فقال لأصحابه: لو قرعتموه لقال: لا، ولا كرامة.. وشتمكم!
ب/ شتم رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمّا قضى مقالته، قال ابن عباس: يا عكرمة أنظر هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.
وإذا كانت الأخلاق في حدّ ذاتها قابلة للتغير والتبديل، فباستطاعة الداعية أن تبدّل عصبيتها التي درجت عليها إلى التسامح، وغضبها المتواصل إلى حلم، وغلظتها الدائمة إلى رفق ولين.
فبذلك تُساس الطباع، ويعرف مكامن الداء، ويعطى الدواء، لتستقيم الأنفس على الخير، وتقبل دعوة الله عزّ وجل، ويزول ما في الصدر من عوارض البغض، وأسباب الشحناء، ولا شكّ أنّ الدواء لهذا كله هو بلسم الرفق، وإكسير التحلم والأناة.
منقول