الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات
أحمد عبد المجيد





الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات
ثمة علاقة وثيقة تربط بين الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات فالأخير هو الإطار القانوني للنظام الاقتصادي، وهو بدوره يتناول بالدراسة طبيعة النشاط الإنساني الذي يتصل بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك. فالعقيدة والأخلاق هما الإطار العام الذي يعمل بداخله نظام الاقتصاد الإسلامي، ولا يمكن أن يعمل نظام الاقتصاد الإسلامي بمعزل عن الهدي الإلهي الخالد والسنة النبوية المطهرة، وعمل الدارس المسلم هو أن يستنبط القواعد العامة التي تحكم السلوك الاقتصادي من الآيات والأحاديث التي يجد فيها توجيهاً وإرشاداً اقتصادياً.
أما نظام الاقتصاد الإسلامي فهو السلوك الإسلامي نحو استخدام الموارد المادية في إشباع الحاجات الإنساني، والسلوك الإسلامي ينبثق من العقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية العامة التي تحكم سلوك المسلم في الحياة كلها. فالعقيدة تعطي المسلم تصوراً كاملاً شاملاً للحياة الدنيا والآخرة وفيها يجد الهَدْي الإلهي في كل الأمور، يجد ذلك في كتاب الله تعالى وفي سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يجد فيهما تفصيلاً علمياً لكل الأمور الاقتصادية، لأن ذلك شأن الكتب العلمية المتخصصة، بل يجد إرشادات وتوجيهات كلية تحدد خطوط السير والعمل في شؤون الحياة المختلفة، والسلوك الأخلاقي الذي ينبغي أن يسلكه المسلم في المجالات المختلفة، وفي الحالات المختلفة.
وفي حالة النظام الاقتصادي فإن كل هذه الإرشادات تعيِّن السلوك الاقتصادي فيما يتعلق بالإنفاق والادخار، من ذلك: }ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تَبسُطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً{ [الإسراء: 29]. وما يتعلق بأموال اليتامى وودائعهم عند أولياء أمورهم، }ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً{ [الإسراء: 34].
وآيات في التطفيف في الكيل والميزان }ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون *وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون{ [المطففين: 1- 3]، وآيات تحرم الربا وتلغي نظام الدَّيْن بفائدة }الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ [البقرة: 275].
وقد وردت في السنة المطهرة كذلك أحاديث تشير إلى السلوك النبوي في المعاملات الاقتصادية، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلاً بمِثْل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى والآخذ والمعطي سواء"، وهذا توجيه اقتصادي يتعلق بربا البيوع الذي كان يتعامل به العرب في الجاهلية.
يعتمد ربا البيوع أيضاً على تبادل الأصناف المتجانسة مع الزيادة فيها، كأن يبيعه أرزاً قديماً بأرز جديد ويزيد في كيل الأرز القديم، ومنها عدم موافقته صلى الله عليه وسلم على تسعير السلع: روى أنس بن مالك أن الناس قالوا: يا رسول الله غلا السعر فسعِّر لنا، فقال: "إن الله تعالى هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعِّر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمته إياها في دم ولا مال".
ويتبين من خلال هذه الأحاديث أن القاعدة العامة هي أنه لا تسعير في الإسلام وإنما يخضع التسعير لحالات العرض والطلب، وأجاز بعض الفقهاء التسعير في حالات الاحتكار، مع مراعاة القاعدة الإسلامية الأخرى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى" أخرجه البخاري وابن ماجه، وهكذا تكتمل لوحة الإرشادات الاقتصادية التي تشكل أساساً طيباً لنظام اقتصادي كامل.
وإذا قارنا نظام الإسلام الاقتصادي بالنظام الرأسمالي مثلاً؛ نجد أن الفلسفة التي تحرك النظام الرأسمالي هي الحرية الفردية التي تتيح لكل إنسان أن يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية أولاً، وفي سعيه لتحقيق مصلحته الشخصية تتحقق المصلحة العامة المشتركة بينه وبين المجتمع.