فقه الأخلاق والمعاملات مع المؤمنين



الشيخ مصطفي العدوي





الإنسان مدني بطبعه لا يمكن أن يعيش منفردا منقطعا عن إخوانه من بني جنسه ؛ ولكن هذا التعايش لا يؤتي أكله إلا إذا حُدت حدوده وعُرفت قوانينه حتى لا يجور الأخ على أخيه، وحتى يحافظ كل فرد على حقوق أخيه وتراعى في المقابل حقوقه.

وهذا ما يبحث في باب الأخلاق والمعاملات فقد حدد الإسلام هذا الدين الكامل حدود التعامل بين الناس وحقوق كل منهما على الآخر انطلاقا من العلاقة التي تربطهم سواء كان أبا أو قريبا أو جارا أو صديقا مسلما كان أو كافرا .

وللوقوف على شيء من تلك المبادئ نتصفح هذا الكتاب المطروح فقد تناول مؤلفه فقه الأخلاق في أربعة أجزاء متفرقة.

خصص الجزء الرابع ( وهو الذي بين أيدينا) لعدد من الأبواب ، نعرض بإيجاز بعضا منها في الأسطر التالية:

· أثر الإيمان على حسن الخلق

فلكل أركان الإيمان تأثيرا في حسن الخلق ، فمثلا: الإيمان باليوم الآخر له أثره على حسن الخلق وعلى التعامل مع الآخرين؛ فالإيمان بالقدر يورث طمأنينة للقلب وهدوءا للبال واستقرارا للنفس وشجاعة وإقداما في إقرار الحق وإبطال الباطل . فإذا كان الشخص هادئ القلب مستريح البال انعكس ذلك على تعاملاته مع الناس ففرق بين من يتعامل مع الناس وهو قلق مضطرب وببن من يتعامل وهو هادئ القلب مستريح البال . فالأخير يتخذ قرارات صحيحة ورشيدة والأول أمره دوما في شتات !



· مواساة الناس ومشاركتهم في مصائبهم :

أشار المؤلف إلى أهمية هذا الأمر ، وأثره في توطيد العلاقات وجلب المودة ونشر المحبة بين العباد.وله صور متعددة فقد يكون بالمال كمواساة الفقراء والمساكين والغارمين بشئ من المال يعوضهم شيئا مما أصابهم وحل بهم ؛ وثواب ذلك عند الله ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسينسره لليسرى ) .

ومن صور المواساة أيضا المواساة بالنفس ، ومن أروع الأمثلة على ذلك مواساة الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسها عندما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقالت الأنصار: يارسول الله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برّك الغماد لكنا معك.

ومن صور المواساة الزيارة في الله .

قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : ( حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد ؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".

مسألة: إذا ذهب رجلان إلى بيت صاحب لهما فلم يجداه ووجدا امرأته فهل للزوجة أن تدخلهم ؟ والجواب: إذا كانت الزوجة لا تعلم من حال زوجها كراهية لدخولهم فلا مانع من أن تدخلهم ما داموا مجموعة( أكثر من واحد ) وما دامت الخلوة لن تتحقق، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخلن بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومع رجل أو اثنان".



· ومن صور المواساة التعزية:

والتعزية مستحبة ، قامت الأدلة على استحبابها كقول الله تعالى: ( وتواصوا بالصبر)

ويقصد بها تسلية أهل المصيبة في مصابهم، وقضاء حوائجهم ، وتعليمهم إن احتاجوا إلى تعليم .

وعلى المسلم أن يحرص عند التعزية على اجتناب المحرمات من لطم الخدود وشق الجيوب ،وعليه أن ينكر إن رأى شيئا من ذلك.

كما أن عليه تذكير أهل الميت بثواب الصبر إن هم صبروا واحتسبوا



مسألة: هل تحد التعزية بثلاثة أيام:

لا تحدبثلاثة أيام ، وحديث لا عزاء بعد ثلاث ضعيف. بل هو متوقف على حال أهل الميت فإذا كانت أحوالهم تستدعي التعزية بعد ثلاث فليعزوا.و إن كانت تجدد عليهم الأحزان فتركها أولى.



مسألة: قول القائل: ما نقص من عمره زاد في عمرك

أجاب عليها شيخ الإسلام ابن تيمية بأنها غير مستحبة بل المستحب له أن يدعي بما ينفع مثل قول: أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لمبتك.



· ومن المباحث التي طرحها المؤلف في كتابه : الاستئذان

ومما طرح في هذا المبحث آداب الاستئذان منها: الاستئذان ثلاثا ، قال بعض أهل العلم: ولو سلم وظن أنه لم يُسمع فتسن له الإعادة، فيعيد مرة ثانية وثالثة ، ولا يزيد على الثالثة .



معنى : ( الاستئذان إنما جعل لأجل البصر)

معنى ذلك :أن الرجل إذا دخل بغير إذن لرأى بعض العورات التي يكره أصحاب البيت أن ترى. ولهذا أمر بغض البصر ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) ومتى أمكن النظر من الدخول فلا معنى للاستئذان ولذا قال عليه الصلاة والسلام فما أخرجه البخاري في الأدب المفرد : إذا دخل البصر فلا إذن"

ومن المسائل التي طرحت أيضا :

مسألة : مشروعية الاستئذان على الأم والأخت والبنت. ومسألة: استئذان الطفل .



· ومن المباحث : إكرام الضيف

وقد طرح في هذا عدة مسائل مثل إكرام الرسول صلى الله عليه وسلم للضيف ، ومسائل تتعلق بالضيف الكافر . ودعوة الكافر للطعام .مسألة التكلف للضيف، الضيف يقترح على صاحب البيت نوعا من الطعام . فراش الضيف وجملة أخرى من مسائل الضيافة وآدابها.



وبشكل عام فإن أسلوب الكتاب سهل وواضح جدا، وتناول المسائل التي يكثر التعامل معها في الحياة اليومية والمعاملات المتكررة . كانت هذه القراءة من الطبعة الأولى للكتاب 1420هـ . الناشر: دار ماجد عسيري – جدة. يقع الكتاب في 174صفحة من الحجم المتوسط.
منقول