ملة إبراهيم عليه السلام؛ تقوم على افراد الله جل وعلا بالعبادة و البراءة من الشرك وأهله ومفارقتهم واعتزالهم، ولا يتم ظهور دين الإسلام إلا باظهار ذلك وتطبيقه - وهو مفارقة كل مشرك على وجه الارض والبراءة منه واعتزاله . كما فى قوله جل وعلا -واعتزلكم وما تدعون من دون الله -وقوله- قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ --- وقوله صلى الله عليه وسلم أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين -وكما في البخاري في كتاب الاعتصام من حديث جابر رضي الله عنه الطويل، وفيه: (ومحمد فرق بين الناس).

وكما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في البخاري، عندما يأتيهم ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة ويقول لهم: (لتتبع كل أمة من كانت تعبد)، فيقولون: (يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم).

ففارقوهم على فقرهم وحاجتهم إليهم ولم يصاحبوهم حتى يستغنوا عنهم، كحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام اليوم.
- وهذا هو الذي فهمه أسعد بن زرارة رضي الله عنه عند البيعة، حيث قال: (رويدا يا أهل يثرب إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تبصرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه. فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله ) [رواه أحمد والبيهقي، وقال الحافظ بن كثير: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، السيرة ج 2/194، وحسن الحافظ في الفتح هذه القصة مع اختلاف يسير في اللفظ].

فمن أراد القيام بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأراد نصره اليوم، فليقدم على ما أقدموا عليه، وإلا فكما قال أسعد في نفس الحديث: (وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل).

فخذها كما أخذها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورضى عنهم بشروطها، وقد أُعطوا على ذلك الجنة، وقال فيهم عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. اما من التبس عليهم الامرفلنسرد لك أعمالهم وأقوالهم ليتجلى لك حالهم:
تقول طائفة منهم؛ إن قيام الدين أساسه محاربة القبوريين وإظهار العداوة لهم والتحذير منهم و محاربة الصوفية وأهل البدع.


وطائفة أخرى؛ تقول بقول الطائفة الأولى، وتزيد عليها بالحمل على التعصب المذهبي الأعمى، والدعوة إلى الذب عن الحديث وتصفيته مما أدخل فيه، وذلك جل همهم.


وثالثة؛ بالرد علي الشيوعية ، وإثبات وجود الخالق، والسعي الجاد في السيطرة على المراكز الهامة في الدول، بقصد السيطرة على الحكم.أما الطائفة الأولى والثانية

أن ما قاموا به؛ حق لا ينكر، ولكن لما كان هذا القيام منهم في مواجهة من لا سلطة في يده، وأنهم سكتوا عن أصحاب السلطات فيما يقومون به من هدم لدين الله، كان طريقهم الذي سلكوه هو الذي ضل به من كان قبلهم.

كما بين صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في "كتاب الحدود" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (إن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترء عليه إلا أسامة حب رسول الله؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟!"، ثم قام فخطب فقال: "أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف منهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها").

فإقامة الحد على الضعيف؛ حق لله، وهو عدل لا ينكر على من عمله، ولا على من تكَلم فيه وشدد، ولكن الضلال جاء من كون الذي ينفذ الحد على الضعيف لا ينفذه على القوي.

فالسكوت عن البعض والبيان للبعض؛ يخالف ملة إبراهيم الذي لم يَخف على نفسه ولا على ماله، ويخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته إذ أمره ربه بقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}.


قال ابن القيم رحمه الله:

واصدع بما قال الرسول ولا تخف من قلة الأنصار والأعوان
واجعل كتاب الله والسنن التي ثبتت سلاحك ثم صح بجنان
من ذا يبارز فليقدم نفسه أو من يسابق يبد في الميدان
فالله ناصر جنده وكتابه والله كاف عبده بأمان
لا تخشَ من كيد العدو ومكرهم فقتالهم بالكذب والبهتان
فجنود أتباع الرسول ملائك وجنودهم فعساكر الشيطان
واثبت وقاتل تحت رايات الهدى واصبر فنصر الله ربك داني


وهذا إبراهيم عليه السلام أُمسك به وأُلقي في النار، وهو صامد لا يتراجع ولا يداهن.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ عاداه أبو جهل وقومه وحاربوه، ولم يصده ذلك عن بيان الحق والتصريح بالعداوة لهم.

وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم؛ نراهم أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، ولو فهموا الدين كما فهمه هؤلاء في زماننا هذا؛ لعاشوا مع أبي جهل وأعوانه كما يعيش كثيرمن الدعاه مع أنصار أبي جهل.

فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يُبعث مسالما لأعداء الدين، وإنما بعث "فرق بين الناس"، أرسله الله؛ "ليبتليه ويبتلى به"، وأرسله "ليحرق قريشا"، فخاف صلى الله عليه وسلم أن تثلغ قريش رأسه، فلم يقره ربه على هذا الخوف، بل أمره أن يستخرجهم كما استخرجوه [رواه مسلم في صحيحه، باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار في الدنيا].

وهذا هو الذى فهمه ورقة بن نوفل رضي الله عنه حيث قال: (ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك)، قال صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم؟!)، قال: (نعم، إنه لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي) [رواه البخاري]. -[مقتبس]---

( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين