- قال الحافظ ابن رجب
• - رحمه الله تبارك و تعالىٰ - :
• - لو استمر الحال في هذه الأزمان المتأخرة علىٰ ما كان عليه في الصدر الأول بحيث أن كل أحد يفتي بما يدعي أنه يظهر له أنه الحق ؛ لاختل به نظام الدين لا محالة ، ولصار الحلال حرامًا والحرام حلالاً .
• - ولقال كل من شاء ما يشاء ، ولصار ديننا بسبب ذلك مثل دين أهل الكتابين من قبلنا .
• - فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه : بأن نصب للناس أئمة مجتمعا علىٰ علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوىٰ ، من أهل الرأي والحديث .
• - فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوىٰ عليهم ، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم .
• - وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم ، حتىٰ ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله ، وقواعده وفصوله ، حتىٰ ترد إلىٰ ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام .
• - وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين ، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين .
• - ولولا ذلك : لرأىٰ الناس العجب العجاب ، من كل أحمق متكلف معجب برأيه ، جريء علىٰ الناس وثاب .
• - فيدعي هذا أنه إمام الأئمة ، ويدعي هذا أنه هادي الأمة ، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه ، والتعويل دون الخلق عليه .
• - ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم ، وانحسمت هذه المفاسد العظيمة وكان ذلك من لطف الله تعالىٰ لعباده وجميل عوائده وعواطفه الحميمة .
• - ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعىٰ بلوغ درجة الاجتهاد ، ويتكلم في العلم من غير تقليد لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد .
• - فمنهم من يسوغ له ذلك ؛ لظهور صدقه فيما ادعاه ، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه .
• - وأما سائر الناس ممن لم يصل إلىٰ هذه الدرجة فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة ، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة .
【 مجموع الرسائل (٦٢٤/٢) 】