طول الزمان في الطلب
صالح بن صبحي القيم

إن العلم بحر واسع جداً، وإتقان الباب الواحد من العلم يحتاج إلى عمر، فلا يستوي في العلم من أمضى نصف قرن مع من أمضى خمس سنوات، لاسيما أن هناك شيئ يذكره العلماء اسمه الذوق والملكة، والذوق هذا غير ذوق الصوفية، ولا تحصل من الكتب، وإنما تحصل من الدربة والممارسة، وهذا إشارة إلى أن المرء إذا طال عمره في العلم كان أقوى في الفتوى.
وهذه الصفة -أيها الطالب- يجب أن نقف عندها، فهناك بعض المبتدئين من حرصهم على العلم، وعلى التحصيل، وعلى دفع الجهل عن نفوسهم، ومن ملاحظتهم أن الناس من حولهم بدءوا يتعلمون، أصبح الواحد منهم لديه اندفاع غريب لتحصيل العلم، هذا الاندفاع تحطمت أمامه قضية التدرج وقضية عامل الوقت؛ بحيث أصبح الطالب يريد أن يجمع العلوم كلها في يوم وليلة، وقد نقل عن بعض الأذكياء أنه كان يقول: "من أراد أن يحصل على العلوم كلها فيجب على أهله أن يداووه فإنما وقع في هذا التصور لشيء اعتراه"، فهذا الرجل يصف الذي يحرص على تحصيل العلوم كلها في يوم وليلة، بأنه أقرب إلى الجنون، وأنه يجب على أهله أن يعالجوه من ذلك، وهذا المعنى يجب أن يفطن له الطلاب، فلا بد من طول زمان لتحصيل العلم، والعلم الذي يأتي بسرعة يذهب بسرعة، ومن غير المعقول أن يحصل الطالب على ألوان وأنواع العلوم في أشهر، أو في سنوات، وإنما يتصور بعض المبتدئين هذا لسبب وهو جهلهم؛ فإن الإنسان الذي يجهل العلم يظن أن العلم أمراً يسيراً أما إذا تفتح الإنسان على بعض العلوم بدأ يدرك أن العلم بحر ليس له ساحل، وكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد معرفةً بجهله، كما قال الشاعر:



وكلما ازددت علماً ..... ازددت علماً بجهلي
أي أن الإنسان إذا عرف أشياء بدأ يطلع على ما لا يعرف، فإذا قاس نسبة ما يعرف إلى ما لا يعرف، أدرك أنها ضئيلة جداً، فيكون لديه أولاً تواضع ومعرفة بأنه ليس بعالم، ومعرفة إلى أنه بحاجةٍ إلى وقتٍ طويل حتى يحصل على العلم الكثير.
إذاً: لابد أن تراعي –أخي طالب الفقه- قضية التدرج، وطول الوقت، وأن العلم يثبت بالعمل، والتربية والتعليم، فتعلم شيئاً فشيئاً، وما تعلمته فانزل به في ميدان الواقع وطبقه، وأدع الناس إليه، وإذا مت في هذا السبيل، فأنت مجاهد إن شاء الله، أما أن يغلب عليك طابع جمع المعلومات، بل أحياناً في جانبٍ واحد من جوانب العلم، وهو: من أجل أن تفتِ الناس، أو من أجل أن تكون عالماً مرموقاً مشاراً إليه فنسأل الله السلامة من ذلك.
[دروس للشيخ أبو إسحاق الحويني - (مفرغة].