تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 31 من 45 الأولىالأولى ... 212223242526272829303132333435363738394041 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 601 إلى 620 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #601
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الانبياء - (8)
    الحلقة (597)
    تفسير سورة الانبياء مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 428الى صــــ 433)


    {
    وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } 73 { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } 74 { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } 75 { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } 76 { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُ مْ أَجْمَعِينَ }77


    شرح الكلمات:

    أئمة: أي يقتدى بهم في الخير.

    يهدون بأمرنا: أي يرشدون الناس ويعلمونهم ما به كمالهم ونجاتهم وسعادتهم بإذن الله تعالى لهم بذلك حيث جعلهم رسلاً مبلغين.

    وكانوا لنا عابدين: أي خاشعين مطيعين قائمين بأمرنا.

    ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً: أي أعطينا لوطاً حكماً أي فصلاً بين الخصوم وفقهاً في الدين وكل هذا يدخل تحت النبوة والرسالة وقد نبأه وأرسله.

    تعمل الخبائث: كاللواط وغيره من المفاسد.

    فاسقين: أي عصاة متمردين عن الشرع تاركين للعمل به.

    ونوحاً إذ نادى من قبل: أي واذكر نوحاً إذ دعا ربّه على قومه الكفرة.

    من الكرب العظيم: أي من الغرق الناتج عن الطوفان الذي عم سطح الأرض.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر أفضال الله تعالى على إبراهيم وولده فقال تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ } أي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة هداة يقتدى بهم في الخير ويهدون الناس إلى دين الله تعالى الحق بتكليف الله تعالى لهم بذلك حيث نبأهم وأرسلهم. وهو بمعنى قوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }1 وقوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } أي أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات جمع خير وهو كل نافع غير ضار فيه مرضاة لله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وقوله تعالى: { وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } أي امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به وكانوا لنا مطيعين خاشعين وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال وقوله تعالى: { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ 2حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ 3إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } أي وكما آتينا إبراهيم وولديه ما آتيناهم من الإِفضال والإِنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا لوطاً وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم آتيناه أيضاً حكماً وعلماً ونبوة ورسالة متضمنة حسن الحكم والقضاء وأسرار الشرع والفقه في الدين. هذه منة وأخرى أنا نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث وأهلكنا أهلها لأنهم كانوا قوم سوء لا يصدر عنهم إلا ما يسوء إلى الخلق فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا، وقوله: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } وهذا إنعام آخر أعظم وهو إدخاله في سلك المرحومين برحمة الله الخاصة لأنه من عباد الله الصالحين.

    وقوله تعالى: { وَنُوحاً } أي واذكر يا رسولنا في سلك هؤلاء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحاً الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم 4فقال إني مغلوبٌ فانتصر، { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ 5ٱلْعَظِيمِ } حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما وظلمهما فكانا من المغرقين. وقوله: { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي ونصرناه بإنجائنا له منهم فلم يمسوه بسوء، وأغرقناهم أجمعين لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين6.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف القائمين بها.

    2- فضل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات.

    3- ثناء الله تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم، وخشوعهم له.

    4- الخبث إذا كثر في الأمة استوجبت الهلاك والدمار.

    5- التنديد بالفسق والتحذير من عواقبه فإنها مدمرة والعياذ بالله.

    6- تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها إذ مثل هذا القصص لا يتأتى إلا لمن يوحى إليه.
    ________________________

    1 وجائز أن يكون معنى {بأمرنا} : أي: بما أنزلنا عليهم بوحينا من الأمر والنهي كأنه قال: بكتابنا وما بيّنا فيه من التشريع المحقق للآخذين به سعادة الدنيا والآخرة والأئمة جمع إمام وهو الرئيس الذي يقتدى به في الخير لا في الشر.
    2 {ولوطاً} : منصوب على الاشتغال أي: وآتينا لوطا آتيناه. والحكم: الحكمة وهو النبوة والعلم علم الشريعة.
    3 الخبائث: جمع خبيثة وهي الفعلة الشنيعة، ومن خبائثهم: اللواط، والتضارط في الأندية وحذف الحصى، والتحريش بين الديك والكلاب. والقرية هي سدوم وعمورة، وما حولهما إذ كانت سبع مدن قلب جبريل منها ستة وأبقى واحدة للوط وعياله وهي: زغر من كورة فلسطين.
    4 من قبل إبراهيم ولوط عليهما السلام.
    5 الكرب: هو الغّم الشديد وهو هنا: الطرفان.
    6 السوء: بفتح السين مصدر: القبيح المكروه من القول والفعل وبضم السين اسم مصدر وهو أعم من السوء بفتح السين.

    ****************************** *********
    { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } 78 { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } 79 { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } 80 { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } 81 { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }82


    شرح الكلمات:

    في الحرث: أي في الكرم الذي رعته الماشية ليلا.

    نفشت فيه1: أي رعته ليلاً بدون راع.

    شاهدين: أي حاضرين صدور حكمهم في القضية لا يخفى علينا شيء من ذلك.

    ففهمناها: أي القضية التي جرى فيها الحكم.

    وكلاً آتينا حكماً وعلماً: أي كلاً من داود وولده سليمان أعطيناه حكماً أي النبوة وعلماً بأحكام الله وفقهها.

    يسبحن: أي معه إذا سبح.

    وكنا فاعلين: أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فلا تعجبوا.

    صنعة لبوس لكم: هي الدروع وهي من لباس الحرب.

    لتحصنكم: أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح.

    فهل أنتم شاكرون: أي اشكروا فالاستفهام معناه الأمر هنا.

    إلى الأرض التي باركنا: أي أرض الشام.

    يغوصون: أي في أعماق البحر لاستخراج الجواهر.

    ويعملون عملاً دون ذلك: أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات.

    وكنا لهم حافظين: أي لأعمالهم حتى لا يفسدوها.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده، وفي ذلك تقرير لنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي كذبت بها قريش فقال تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } أي واذكر يا نبينا داود وسليمان { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } اي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان في الحرث الذي { نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعت فيه ليلاً بدون راع فأكلته وأتلفته { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } حاضرين لا يخفى علينا ما حكم به كل منهما، إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية مقابل ما أتلفته لأن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته، وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الماشية الرزع يقوم عليه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها وسخالها فإذا ردت إليه كرومة كما كانت أخذها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الأول وهو قوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا 2} أي الحكومة أو القضية أو الفتيا سليمان، ولم يعاتب داود على حكمه، وقال: { وَكُلاًّ آتَيْنَا 3حُكْماً وَعِلْماً } تلافياً لما قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم.

    وقوله: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ } أي داود { صَنْعَةَ لَبُوسٍ 4لَّكُمْ } وهي الدروع السابغة التي تقي لا سبها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن 5بَأْسِكُمْ } { فَهَلْ أَنتُمْ 6شَاكِرُونَ }؟ أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والإِعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله { وَلِسُلَيْمَانَ } أي وسخرنا لسليمان { ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } شديدة السرعة { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } إذْ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام.
    وقوله: { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } يخبر تعالى أنه كان وما زال عليماً بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون تتم حسب علم الله وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق الألوهة والعبادة.

    وقوله: { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ7 لَهُ } أي وسخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في أعماق البحار لاستخراج الجواهر، { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } كالبناء وصنع التماثيل والمحاريب والجفان وغير ذلك. وقوله تعالى: { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أي وكنا لأعمال أولئك العاملين من الجن حافظين لها عالمين بها حتى لا يفسدوها بعد عملها مكراً منهم أو خديعة فقد روى أنهم كانوا يعملون ثم يفسدون ما عملوه حتى لا ينتفع به.

    هذا كله من إنعام الله تعالى على داود وسليمان وغيره كثير فسبحان ذي الأنعام والأفضال إله الحق ورب العالمين.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وجوب نصب القضاة للحكم بين الناس.

    2- بيان حكم الماشية ترعى في حرث الناس وإن كان شرعنا على خلاف شرع من سبقنا فالحكم عندنا إن رعت الماشية ليلاً قوم المتلف على صاحب الماشية ودفعه لصاحب الزرع، وإن رعت نهاراً فلا شيء لصاحب الزرع لأن عليه أن يحفظ زرعه من أن ترعى فيه مواشي الناس لحديث العجماء، جبار وحديث ناقة البراء بن عازب.

    3- فضل التسبيح.

    4- وجوب صنع آلة الحرب وإعدادها للجهاد في سبيل الله.

    5- وجوب شكر الله تعالى على كل نعمة تستجد للعبد.

    6- بيان تسخير الله تعالى الجن لسليمان يعملون له أشياء.

    7- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ من أرسل هؤلاء الرسل وأنعم عليهم بما أنعم لا يستنكر عليه إرسال محمد رسولاً وقد أرسل من قبله رسلاً.

    8- كل ما يحدث في الكون من أحداث يحدث بعلم الله تعالى وتقديره ولحكمة تقضيه.
    _______________________

    1 النفش: الرعي ليلا والهمل: الرعي بالنهار.
    2 يروى أن سليمان كان على باب المحكمة فإذا خرج الخصمان سألهما بم قضى بينكما نبي الله داود؟ فقال: قضى بالغنم لصاحب الحرث فقال: لعل الحكم غير هذا انصرفا معي فأتى أباه فقال: يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع فقال وما هو؟ فقال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث إلى آخر ما هو في التفسير.
    3 اختلف هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد فإن كان بوحي فهو نسخ للحكم الأول بالثاني، وإن كان باجتهاد وهو ما عليه الجمهور، ولم يخطى داود ولكن الحكم الذي ألهمه سليمان كان أرفق بالطرفين.
    4 هذا مع إلانة الحديد له فقال تعالى في سورة سبأ: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات} واللبوس في العربية: سلاح الحرب من سيف ورمح ودرع وغيرها واللبوس أيضاً: كل ما يلبس قال الشاعر:
    إلبس لكل حالة لبوسها
    إمّا نعيمها وإما بؤسها
    5 قرأ حفص: {لتحصنكم} بالتاء أي: الدروع، وقرأ نافع {ليحصنكم} : أي: اللبوس وقرأ ورش لنُحصنكم بالنون، والإحصان: الوقاية والحماية وفي الآية دليل على وجوب الصناعة على الكفاية.
    6 الاستفهام هنا للأمر بالشكر.
    7 الغوص: النزول تحت الماء، والغوّاص: الذي يغوص لاستخراج اللآليء وفعله يقال له: الغواصة على وزن حياكة (مهنة) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #602
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الانبياء - (8)
    الحلقة (597)
    تفسير سورة الانبياء مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 433الى صــــ 439)

    { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } 83 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } 84 { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } 85 { وَأَدْخَلْنَاهُ مْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }86


    شرح الكلمات:

    وأيوب: أي واذكر أيوب.

    إذ نادى ربه: أي دعاه لما ابتلي بفقد ماله وولده ومرض جسده.

    مسني الضر: هو ما ضر بجسمه أو ماله أو ولده.

    وذكرى للعابدين: أي عظة للعابدين، ليصبروا فيثابوا.

    وأدخلناهم في رحمتنا: بأن نبأناهم فانخرطوا في سلك الأنبياء إنهم من الصالحين.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من شاء من عباده الصالحين فقوله تعالى في الآية الأولى [83] { وَأَيُّوبَ } أي واذكر عبدنا في شكره وصبره وسرعة أَوْبِتَه، وقد ابتليناه بالعافية والمال والولد، فشكر وابتليناه بالمرض وذهاب المال والأهل والولد فصبر. أذكره { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } أي داعياً ضارعاً بعد بلوغ البلاء منتهاه ربّ أي يا رب { أَنِّي1 مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } من زوجة وولد { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أي ضاعف له ما أخذه منه بالابتلاء بعد الصبر وأما المال فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه أنزل عليه رَجْلاً من جَرَادٍ من ذهب فكان أيوب يحثو في ثوبه حثيثاً فقال له ربّه في ذلك فقال من ذا الذي يستغني عن بركتك يا رب. وقوله تعالى: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي رحمناه رحمة خاصة، وجعلنا قصته ذكرى وموعظة للعابدين لنا لما نبتليهم بالسراء والضراء فيشكرون ويصبرون ائتساء بعبدنا أيوب{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }2 [ص: 44].

    وقوله تعالى: { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ 3} أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر والشكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وإدريس وهو أخنوخ وذا الكفل { كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } على عبادتنا الشاكرين لنعمائنا، وأدخلناهم في رحمتنا فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم بجوارنا إنهم من الصالحين.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- علو مقام الصبر ومثله الشكر فالأول على البأساء والثاني على النعماء.

    2- فضيلة الدعاء وهو باب الاستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الاستجابة.

    3- في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر.

    4- من ابتلي بفقد مال أو أهل أو ولد فَصَبَر كان له من الله الخلف وما يقال عند المصيبة " إنا لله وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ".
    _____________________

    1 هل قول أيوب: {ربّ إني مسني الضرّ} يتنافى مع الصبر؟ والجواب: هذه المسألة ذكر القرطبي في تفسيره نحواً من ستة عشر قولاً، والصحيح أن هذا لا ينافي الصبر لأنه دعاء، والدليل هو قوله تعالى: {فاستجببنا له} ولم يكن شكوى لأنّ الاستجابة تأتي بعد الدعاء لا الاشتكاء، قال الجنيد: عرّفه فاقة السؤال ليمنّ عليه بكرم النوال.
    2 اختلف في مدة مرضه، أصح ما قيل فيها أنها ثماني عشرة سنة وهذا مروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    3 اختلف في ذي الكفل من هو؟ وأرجح الأقوال ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنه كان عبداً صالحاً فتكفل بعمل رجل صالح عند موته وكان يصلي لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه".

    ****************************

    { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } 87 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } 88 { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } 89 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } 90 { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }91


    شرح الكلمات:

    وذا النون: هو يونس بن متَّى عليه السلام وأُضيف إلى النون الذي هو الحوت في قوله تعالى{ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم: 48] لأن حوتة كبيرة ابتلعته.

    إذ ذهب مغاضباً: أي لربه تعالى حيث لم يرجع إلى قومه لما بلغه أن الله رفع عنهم العذاب.

    فظن أن لن نقدر عليه: أي أن لن نحبسه ونضيق عليه في بطن الحوت من أجل مغاضبته.

    في الظلمات: ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل.

    ونجيناه من الغم: أي الكرب الذي أصابه وهو في بطن الحوت.

    لا تذرني فرداً: أي بلا ولد يرث عني النبوة والعلم والحكمة بقرينة ويرث من آل يعقوب.

    رغباً ورهباً: أي طمعاً فينا ورهباً منا أي خوفاً ورجاءاً.

    أحصنت فرجها: أي صانته وحفظته من الفاحشة.

    من روحنا: أي جبريل حيث نفخ في كم درعها عليها السلام.

    آية للعالمين: أي علامة على قدرة الله تعالى ووجوب عبادته بذكره وشكره.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده فقال تعالى: { وَذَا ٱلنُّونِ } أي واذكر ذا النون أي يونس بن متَّى { إِذ ذَّهَبَ 1مُغَاضِباً } لربه تعالى حيث لم يصبر على بقائه مع قومه يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وطاعته وطاعة رسوله فسأل لهم العذاب، ولما تابوا ورفع عنهم العذاب بتوبتهم وعلم بذلك فلم يرجع إليهم فكان هذا منه مغاضبة لربه تعالى وقوله تعالى عنه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي ظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لا يحبسه في بطن الحوت ولا يضيق عليه وهو حسن ظن منه في ربه سبحانه وتعالى، ولكن لمغاضبته ربه بعدم العودة إلى قومه بعد أن رفع عنهم العذاب أصابه ربّه تطهيراً له من أمر المخالفة الخفيفة بأن ألقاه في ظلمات ثلاث، ظلمة الحوت والبحر والليل ثم ألهمه الدعاء الذي به النجاة فكان يسبح في الظلمات الثلاث { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ 2} فاستجاب الله تعالى له وهو معنى قوله: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي 3كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ } الذي أصابه من وجوده في ظلمات محبوساً لا أنيس ولا طعام ولا شراب مع غم نفسه من جراء عدم عودته إلى قومه وقد أنجاهم الله من العذاب. وهو سبب المصيبة، وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي 4 ٱلْمُؤْمِنِينَ } مما قد يحل بهم من البلاء وقوله تعالى: { وَزَكَرِيَّآ } أي اذكر يا رسولنا زكريا في الوقت الذي نادى ربه داعياً ضارعاً قائلاً: { رَبِّ } أي يا رب { لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي لا تتركني فرداً لا ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى لا تنقطع منهم النبوة والصلاح وقوله: { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } ذكر هذا اللفظ توسلاً به إلى ربه ليستجيب له دعاءه واستجاب له والحمد لله.
    فوهبه يحيى وأصلح له زوْجه بأن جعلها ولوداً بعد العقر حسنة الخلق والخُلق. وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ } أي زكريا ويحيى ووالدته كانوا يسارعون في الطاعات والقربات أي في فعلها والمبادرة إليها. وقوله: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً 5وَرَهَباً 6} هذا ثناء عليهم أيضاً إذ كانوا يدعون الله رغبة في رحمته ورهبة وخوفاً من عذابه وقوله: { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي مطيعين ذليلين متواضعين وهم يعبدون ربهم بأنواع العبادات.

    وقوله تعالى: { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ 7فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا 8} أي واذكر يا نبينا تلك المؤمنة التي أحصنت فرجها أي منعته مما حرم الله تعالى عليها وهي مريم بنت عمران اذكرها في عداد من أنعمنا عليهم وأكرمناهم وفضلناهم على كثير من عبادنا الصالحين، حيث نفخنا فيها من روحنا إذ أمرنا جبريل روح القدس ينفخ في كم درعها فسرت النفخة إلى فرجها فحبلت وولدت في ساعة من نهار، وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ } أي عيسى كلمة الله وروحه { آيَةً }9 أي علامة كبرى على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا وإنعامنا وواجب عبادتنا وتوحيدنا فيها حيث لا يعبد غيرنا { لِّلْعَالَمِينَ } أي للناس أجمعين يستدلون بها على ما ذكرنا آنفاً من وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- فضيلة دعوة ذي النون: { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }. إذ ورد أنه ما دعا بها مؤمن إلا استجيب له، وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } يقوي هذا الخبر.

    2- استحباب سؤال الولد لغرض صالح لا من أجل الزينة واللهو به فقط.

    3- تقرير أن الزوجة الصالحة من حسنة الدنيا.

    4- فضيلة المسارعة في الخيرات والدعاء برغبة ورهبة والخشوع في العبادات وخاصة في الصلاة والدعاء.

    5- فضيلة العفة والاحصان للفرج.

    6- كون مريم وابنها آية لأن مريم ولدت من غير محل، ولأن عيسى كان كذلك وكلم الناس في المهد، وكان يحيي الموتى بإذن الله تعالى.
    ________________________

    1 قيل: {مغاضباً لربه} أي: لأجل ربه تعالى حيث عصاه قومه فكان غضبه لله تعالى وهو تأويل حسن إذ يقال: فلان غضب لله. أي: لأجله. وجائز أن يكون مغاضباً لقومه إذ ردوا دعوته ولم يستجيبوا له.
    2 {من الظالمين} حيث ترك مداومة قومه والصبر عليهم أو في الخروج من غير إذن له فنزّه ربّه عن الظلم ونسبه إلى نفسه اعترافاً واستحقاقاً.
    3 روى أبو داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "دعاء ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلاّ استجيب له".
    4 قرأ ابن عامر: {نجيّ} بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الماضي وإضمار المصدر أي: وكذلك نجيّ النجاء المؤمنين كما يقال: ضرب زيداً بمعنى: ضرب الضرب زيداً.
    5 قيل: الرغب: الدعاء ببطون الأكف إلى السماء، والرهب: رفع ظهورهما. روى الترمذي عن عمر رضي الله عنهما. قال: "كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه " وروى الترمذي أيضاً عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا سألتم الله فأسالوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما وامسحوا بهما وجوهكم". وعن ابن عباس: إن رفع اليدين حذاء الصدر هو الدعاء ورفعهما حتى يجاوز بهما الرأس: فهو الابتهال.
    6 {رغبا ورهبا} يصح نصبهما على المصدرية وعلى الحال، وعلى المفعول لأجله.
    7 {أحصنت فرجها} : أي: عفّت فامتنعت عن الفاحشة، وقيل: إن المراد من فرجها فرج القميص: أي لم تعلق بثيابها ريبة أي: أنها طاهرة الأثواب وفروج القميص أربعة: الكمان والأعلى والأسفل، قال السهيلي: هذا من لطيف الكناية لأن القرآن ألطف إشارة وأنزه عبارة.
    8 إضافة الروح إلى الله تعالى: إضافة تشريف كبيت الله، وقيل فيه: روح الله لأنه مبعوث من قبله سبحانه وتعالى.
    9 آية اسم جنس فمريم آية، وعيسى عليه السلام آية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #603
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الانبياء - (9)
    الحلقة (598)
    تفسير سورة الانبياء مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 440الى صــــ 446)

    { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } 92 { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } 93 { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } 94 { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } 95 { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } 96 { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }97


    شرح الكلمات:

    إن هذه أمتكم: أي ملتكم وهي الإِسلام ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين الأنبياء واحد وهو عبادة الله تعالى وحده بما يشرع لهم.

    وأنا ربكم فاعبدون: أنا الهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فلا تنبغي العبادة إلا لي فاعبدون ولا تعبدوا معي غيري.

    وتقطعوا أمرهم بينهم: أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنيات وما أكثرها.

    كل إلينا راجعون: أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت الإِسلام راجعة إلينا وسوف نجزيها بكسبها.

    فلا كفران لسعيه: أي لا نكران ولا جحود لعمله بل سوف يجزى به وافياً.

    وإنا له كاتبون: إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها.

    وحرام: أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.

    يأجوج ومأجوج: قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة.

    حدب: أي مرتفع من الأرض.

    ينسلون: أي يسرعون المشي.

    الوعد الحق: يوم القيامة.

    في غفلة من هذا: أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث.

    معنى الآيات:

    بعد ذكر أولئك الأنبياء وما أكرمهم الله تعالى به من إفضالات وما كانوا عليه من كمالات قال تعالى مخاطباً الناس كلهم: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ }1 أي ملتكم { أُمَّةً وَاحِدَةً } أي ملة واحدة من عهد أول الرسل إلى خاتمهم وهو الإِسلام القائم على الإِخلاص لله في العبادة والخلوص من الشرك وقوله تعالى: { وَتَقَطَّعُوۤاْ 2 أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } ينعى تعالى على الناس تقطيعهم الإِسلام إلى ملل شتى كاليهودية والنصرانية وغيرهما، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، وقوله { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } إخبار منه تعالى أنهم راجعون إليه لا محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين الإِسلامي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه. وقوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ3 مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } والحال أنه مؤمن، والمراد من الصالحات ما شرعه الله تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي لعمله فلا يجحد ولا ينكر بل يراه ويجزي به كاملاً. وقوله تعالى: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } يريد أن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضاً أحسن جزاء وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإِيمان والعمل الصالح جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.

    وقوله تعالى: { وَحَرَامٌ 4عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعاً كاملاً أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا، وهذا بناء على أن { لاَ } مزيدة لتقوية الكلام ويحتمل الكلام معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى الله تعالى بعذابهم في الدنيا أو في الآخرة أنهم يرجعون إلى الإِيمان والطاعة والتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون إلى التوبة بحال، ومعنى ثالث وهو حرام على أهل قرية أهلكهم الله بذنوبهم فأبادهم إنهم لا يرجعون إلى الله تعالى يوم القيامة بل يرجعون للحساب والجزاء فهذه المعانى كلها صحيحة، والمعنى الأخير لا تكلف فيه بكون { لاَ } صلة بل هي 5نافية ويرجح المعنى الأخير قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ6 وَمَأْجُوجُ } فهو بيان لطريق رجوعهم إلى الله تعالى وذلك يوم القيامة وبدايته بظهور علاماته الكبرى ومنها إنكسار سد يأجوج ومأجوج وتدفقهم في الأرض يخربون ويدمرون { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ 7} وصوب { يَنسِلُونَ } مسرعين.
    وقوله تعالى: { وَٱقْتَرَبَ8 ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } وهو يوم الدين والحساب والجزاء وقوله: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 9أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وذلك بعد قيامهم من قبورهم وحشرهم إلى أرض المحشر وهم يقولون في تأسف وتحسر { يٰوَيْلَنَا } أي يا هلاكنا { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ } أي في دار الدنيا { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } فاعترفوا بذنبهم حيث لا ينفعهم الاعتراف إذ لا توبة تقبل يومئذ.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وحدة الدين وكون الإِسلام هو دين البشرية كافة لأنه قائم على أساس توحيد الله تعالى في عبادته التي شرعها ليعبد بها.

    2- بيان ما حدث للبشرية من تمزيق الدين بينها بحسب الأهواء والأطماع والأغراض.

    3- وعد الله لأهل الإِيمان والعمل الصالح بالجزاء الحسن وهو الجنة.

    4- تقرير حقيقة وهي إذا قُضِي بهلاك أمة تعذرت عليها التوبة، وأن أمة يهلكها الله تعالى لا تعود إلى الحياة الدنيا بحال وإن البشرية عائدة إلى ربها فممتنع عدم عودة الناس إلى ربهم، وذلك لحسابهم وجزائهم يوم القيامة.
    ______________________________ ___


    1 قرأ الجمهور: {إن هذه أمتكم} برفع أمتكم على الخبرية ونصب أمّة واحدة على الحال، والرصف. وقرأ بعض: {أمتكم أمةٌ واحدة} بالرفع فيهما.
    2 تفرقوا في الدين واختلفوا فيه.
    3 {من الصالحات} من للتبعيض إذ من غير الممكن أن يعمل العبد كل الصالحات ويأتي بكل الطاعات، وقوله {وهو مؤمن} وموحد أيضاً فإن الشرك محبط للعمل.
    4 في حرام قراءات ووجوه منها: {حرام} وهي قراءة الجمهور وحِرم مثل حِل وحلال. وحرم كمرض، وحرُم كشرف، وحرّم: كضرب، وحرّم كبدّل، وحرم كعلم مشددة اللام وحَرم كفرح وحُرم كقفل تسع قراءات.
    5 شاهد أن لا: نافية وليست بصلة، ولكون لفظ الحرام معناه الوجوب قول الخنساء:
    وإنّ حراماً لا أرى الدهر باكيا
    على شجوه إلا بكيت على صخر
    تريد أخاها صخراً.
    6 في الكلام حذف تقديره: حتى إذا فتع سد يأجوج ومأجوج، مثل: واسأل القرية. أي أهل القرية.
    7 الحدب: ما انقطع من الأرض، والجمع حداب مأخوذ من حدبة الظهر، قال عنترة:
    فما رعشت يداي ولا ازدهاني
    تواترهم إليّ من الحداب
    و (ينسلون) يخرجون مسرعين، قال امرؤ القيس: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل.
    وقال النابغة: عسلان الذئب أمسى قارباً
    برد الليل عليه فنَسلَ
    أي أسرع.
    8 قل: الواو زائدة مقحمة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق. فاقترب: جواب إذا والواو مقحمة، ومثله: وتلّه للجبين، وناديناه أي: للجبين ناديناه، وأجاز بعضهم أن يكون جواب إذا: فإذا هي شاخصة ويكون اقترب الوعد الحق: معطوفاً.
    9 هي: ضمير الأبصار، والأبصار بعدها: تفسير لها كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيىء الوعد.

    *************************
    { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } 98 { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } 99 { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } 100 { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } 101 { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } 102 { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُم ُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } 103 { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }104


    شرح الكلمات:

    وما تعبدون من دون الله: أي من الأوثان والأصنام.

    حصب جهنم: أي ما توقد به جهنم.

    لو كان هؤلاء آلهة: أي الأوثان التي يعبدها المشركون من قريش.

    ما وردوها: أي لحالوا بين عابديهم ودخول النار لأنهم آلهة قادرون على ذلك ولكنهم ليسوا آلهة حق فلذا لا يمنعون عابديهم من دخول النار.

    وكل فيها خالدون: أي العابدون من الناس والمعبودون من الشياطين والأوثان.

    لهم فيها زفير: أي لأهل النار فيها أنين وتنفس شديد وهو الزفير.

    سبقت لهم منا الحسنى: أي كتب الله تعالى أزلاً أنهم أهل الجنة.

    حسيسها: أي حِسّ صوتها.

    لا يحزنهم الفزع الأكبر: أي عند النفخة الثانية نفخة البعث فإنهم يقومون من قبورهم آمنين غير خائفين.

    كطي السجل للكتب: أي يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماء طيّ الورقة لتدخل في الظرف.

    كما بدأنا أول خلق نعيده: أي يعيد الله الخلائق كما بدأهم أول مرة فيبعث الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، كما ولدوا لم ينقص منهم شيء.

    معنى الآيات:

    يقول تعالى للمشركين الذين بدأت السورة الكريمة بالحديث عنهم، وهم مشركوا قريش يقول لهم مُوعداً: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ 1مِن دُونِ ٱللَّهِ } من أصنام وأوثان { حَصَبُ 2جَهَنَّمَ } أي ستكونون أنتم وما تعبدون من أصنام وقوداً لجهنم التي أنتم واردوها لا محالة، وقوله تعالى: { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً } لو كان هؤلاء التماثيل من الأحجار التي يعبدها المشركون لو كانوا آلهة حقاً ما ورد النار عابدوها لأنهم يخلصونهم منها ولما ورد النارالمشركون ودخلوها دل ذلك على أن آلهتهم كانت آلهة باطلة لا تستحق العبادة بحال. وقوله تعالى: { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } أي المعبودات الباطلة وعابدوها الكل في جهنم خالدون. وقوله: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ3 وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } يخبر تعالى أن للمشركين في النار زفيراً وهو الأنين الشديد من شدة العذاب وأنهم فيها لا يسمعون لكثرة الأنين وشدة الأصوات وفظاعة ألوان العذاب وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } نزلت هذه الآية رداً على ابن الزِّبَعْرَى عندما قال إن كان ما يقوله محمد حقاً بأننا وآلهتنا في جهنم فإن الملائكة معنا في جهنم لأننا نعبدهم، وأن عيسى والعزيز في جهنم لأن اليهود عبدوا العزيز والنصارى عبدوا المسيح، فأخبر تعالى أن من عبد بغير رضاه بذلك وكانا يعبدنا ويتقرب إلينا بالطاعات فهو ممن سبقت لهم منا الحسنى بأنهم من أهل الجنة هؤلاء عنها أي عن جهنم مبعدون { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي حس صوتها وهم في الجنة ولهم فيها ما يشتهون خالدون، لا يحزنهم الفزع 4الأكبر عند قيامهم من قبورهم بل هم آمنون { وَتَتَلَقَّاهُم ُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } عند القيام من قبورهم بالتحية والتهنئة قائلة لهم: { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وقوله تعالى: { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ } أي يتم لهم ذلك يوم يطوي الجبار جل جلاله السماء بيمينه { كَطَيِّ 5ٱلسِّجِلِّ } أي الصحيفة للكتب.
    وذلك يوم القيامة حيث تبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات. وقوله تعالى: { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } أي يعيد الإِنسان كما بدأ خلقه فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا6. وقوله: { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } أي وعدنا بإعادة الخلق بعد فنائهم وبلاهم وعداً، إنا كنا فاعلين فأنجزنا ما وعدنا، وإنا على ذلك لقادرون.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات


    1- تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.

    2- من عبد من دون الله بأمره أو برضاه سيكون ومن عَبَده وقوداً لجهنم ومن لم يأمر ولم يرض فلا يدخل النار مع من عبده بل العابد له وحده في النار.

    3- بيان عظمة الله وقدرته إذ يطوي السماء بيمينه، والأرض في قبضته يوم القيامة.

    4- بعث الناس حفاة عراة غرلا لم ينزع منهم شيء ولا غلفة الذكر إنجاز الله وعده في قوله:{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29] فسبحان الواحد القهار العزيز الجبار.

    ____________________

    1 قوله {ما تعبدون} فيه دليل على وجود العموم في الألفاظ.، فإن ابن الزبعرى لمَّا نزلت هذه الآية أتت به قريش وقالت له: انظر محمداً شتم آلهتنا، فقال: لو حضرت لرددت عليه، قالوا: وما كنت تقول له؟ قال: كنت أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى واليهود تعبد عزيراً، أفهما من حصب جهنم؟. فعجبت من مقالته ورأوا أن محمداً قد خُصم. فأنزل الله تعالى {إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} . فدَّل قوله تعالى وما تعبدون على العموم وخصه الله تعالى بهذه الآية {إن الذين سبقت لهم منَّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} .
    2 قرأ الجمهور حصب بالصاد، وقرأ علي وعائشة رضي الله عنهما بالطاء أي حطب. والحصب أعَمّ، إذ كل ما هُيجت به النار وأوقدت به فهو حصب.
    3 الزفير نَفَسٌ يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغم، وهو هنا من أحوال المشركين لا الأصنام.
    4 لا يُحزنهم بضم الياء من أحزنه، وبفتحها من حزنه قراءتان سبعيتان، والفزع الأكبر: أهوال يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار.
    5 السجل: الكاتب يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها. هذا المعنى أوضح مما في التفسير.
    6 الغرل: جمع أغرل وهو من لم يختتن فتقطع منه غلفة ذكره، وأول من يكسى إبراهيم كما في صحيح مسلم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #604
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الانبياء - (10)
    الحلقة (599)
    تفسير سورة الانبياء مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 446الى صــــ 451)

    { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } 105 { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } 106 { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } 107 { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } 108 { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } 109 { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } 110 { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } 111 { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }112


    شرح الكلمات:

    ولقد كتبنا في الزبور: أي في الكتب التي أنزلنا كصحف إبراهيم والتوراة والإِنجيل والقرآن.

    من بعد الذكر: أي من بعد أن كتبنا ذلك في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ.

    أن الأرض1: أي أرض الجنة.

    عبادي الصالحون: هم أهل الإِيمان والعمل الصالح من سائر الأمم من أتباع الرسل عامة.

    إن في هذا لبلاغا: أي إن في القرآن لبلاغاً أي لكفاية وبلغة لدخول الجنة فكل من آمن به وعمل بما فيه دخل الجنة.

    لقوم عابدين: أي مطيعين الله ورسوله.

    رحمة للعالمين: أي الإِنس والجن فالمؤمنون المتقون يدخلون الجنة والكافرون ينجون. من عذاب الاستئصال والإبادة الذي كان يصيب الأمم السابقة.

    فهل أنتم مسلمون: أي أسلموا فالاستفهام للأمر.

    وإن أدري: أي ما أدري.

    فتنة لكم: أي اختبار لكم.

    على ما تصفون: من الكذب من أن النبي ساحر، وأن الله اتخذ ولداً وأن القرآن شعر.

    معنى الآيات:

    يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بوعده الكريم الذي كتبه في كتبه المنزلة بعد كتابته في الذكر الذي هو كتاب المقادير المسمى باللوح المحفوظ أن أرض الجنة يرثها عباده الصالحون هذا ما دلت عليه الآية الأولى [105] وقوله تعالى: { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ 2} أي في هذا القرآن العظيم لبلاغاً لمن كان من العابدين لله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه لكفاية في الوصول به إلى بغيته وهي رضوان الله والجنة وقوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } يخبر تعالى أنه ما أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين 3إنسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمنون باتباعه يدخلون رحمة الله وهي الجنة والكافرون يأمنون من عذاب الإِبادة والاستئصال في الدنيا ذلك العذاب الذي كان ينزل بالأمم والشعوب عندما يكذبون رسلهم وقوله تعالى { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ 4} يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه ولمن يبلغهم خطابه إن الذي يوحى إلي هو أن إلهكم إله واحد أي معبودكم الحق واحد وهو الله تعالى ليس غيره وعليه { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي أسلموا له قلوبكم ووجوهكم فاعبدوه ولا تعبدوا معه سواه فبلغهم يا رسولنا هذا { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن هذا الطلب ولم يقبلوه { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ } أي أعلمتكم { عَلَىٰ سَوَآءٍ } أنا وأنتم إنه لا تلاقي بيننا فأنا حرب عليكم وأنتم حرب عليَّ وقوله تعالى: { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } أي وقل لهم يا رسولنا: إني ما أدري أقريب ما توعدون من العذاب أم بعيد فالعذاب كائن لا محالة ما لم تسلموا إلا أني لا أعلم وقته. وفي الآية وعيد واضح وتهديد شديد وقوله: { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي يعلم طعنكم العلني في الإِسلام وكتابه ونبيه، كما يعلم ما تكتمونه في نفوسكم من عداوتي وبغضي وما تخفون من إِحَنٍ وفي هذا إنذار لهم وتهديد، وهم مستحقون لذلك.
    وقوله: { وَإِنْ أَدْرِي } أي وما أدري { لَعَلَّهُ 5} أي تأخير العذاب عنكم بعد استحقاقكم له يحرِبكم للإِسلام ونبيه { فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أي اختبار لعلكم تتوبون فيرفع عنكم العذاب أو هو متاع لكم بالحياة إلى آجالكم، ثم تعذبون بعد موتكم. فهذا علمه إلى ربي هو يعلمه، وبهذا أمرني بأن أقوله لكم. وقوله تعالى: { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } وفي قراءة قُلْ رب احكم بالحق أي قال الرسول بعد أمر الله تعالى بذلك يا رب احكم بيني وبين قومي المكذبين لي المحاربين لدعوتك وعبادك المؤمنين. بالحق وذلك بنصري عليهم أو بإنزال نقمتك بهم، وقوله: { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ 6} أي وربنا الرحمن عز وجلّ هو الذي يستعان به على إبطال باطلكم أيها المشركون حيث جعلتم لله ولداً، وشركاء، ووصفتم رسوله بالسحر والكذب.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- المؤمنون المتقون وهم الصالحون هم ورثة الجنة دار النعيم المقيم.

    2- في القرآن الكريم البُلغة الكافية لمن آمن به وعمل بما فيه بتحقيق ما يصبوا إليه من سعادة الدار الآخرة.

    3- بيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم وكرامته على ربه حيث جعله رحمة للعالمين.

    4- وجوب المفاصلة بين أهل الشرك وأهل التوحيد.

    5- وجوب الاستعانة بالله على كل ما يواجه العبد من صعاب وأتعاب.
    ______________________________ __

    1 في الأرض: الأرض المقدسة، وقال مرة أنها أرض الكفار ترثها أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2 العابدون قال أبو هريرة وسفيان الثوري هم أهل الصلوات الخمس.
    3 قال ابن زيد: المؤمنون خاصة، والعموم أولى وأصح من الخصوص.
    4 الاستفهام معناه الأمر أي أسلموا كقوله تعالى {فهل أنتم منتهون} ؟ أي انتهوا.
    5 لعله أي الإمهال والتأخير.
    6 تصفون قرأ الجمهور تصفون بالتاء، وقرأ بعض يصفون بالياء.

    ****************************** *
    سورة الحج
    مكية ومدنية

    وآياتها1 ثمان وسبعون آية
    بسم الله الرحمن الرحيم
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ
    { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } 1 { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } 2 { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } 3 { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }4


    شرح الكلمات:

    اتقوا ربكم: أي عذاب ربكم وذلك بالإِيمان والتقوى.

    إن زلزلة الساعة: أي زلزلة الأرض عند مجيء الساعة.

    تذهل كل مرضعة: أي من شدة الهول والخوف تنسى رضيعها وتغفل عنه.

    وتضع كل ذات حمل حملها: أي تسقط الحوامل ما في بطونهن من الخوف والفزع.

    سكارى وما هم بسكارى: أي ذاهلون فاقدون رشدهم وصوابهم كالسكارى وما هم بسكارى.

    يجادل في الله بغير علم: أي يقول إن الملائكة بنات الله وإن الله لا يحيي الموتى.

    شيطان مريد: أي متجرد من كل خير لا خير فيه البتة.

    كتب عليه أنه من تولاه: فرض فيه أن من تولاه أي اتبعه يضله عن الحق.

    معنى الآيات:

    بعد ذلك البيان الإِلهي في سورة الأنبياء وما عرض تعالى من أدلة الهداية وما بين من سبل النجاة نادى تعالى بالخطاب العام الذي يشمل العرب والعجم والكافر والمؤمن إنذاراً وتحذيراً فقال في فاتحة هذه السورة سورة الحج المكية المدنية لوجود آي كثير فيها نزل في مكة وآخر نزل بالمدينة: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ2 ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أي خافوا عذابهُ، وذلك بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه فآمنوا به وبرسوله وأطيعوهما في الأمر والنهي وبذلك تقوا أنفسكم من العذاب. وقوله: { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } فكيف بالعذاب الذي يقع فيها لأهل الكفر والمعاصي، إن زلزلة لها تتم قبل قيامها 3تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت أي تنسى فيها الأم ولدها، { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } فتسقط من شدة الفزع لتلك الزلزلة المؤذنة بخراب الكون وفناء العوالم ويرى الناس فيها سكارى أي فاقدين لعقولهم وما هم بسكارى بشرب سكر { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } فخافوه لظهور أماراته ووجود بوادره.

    هذا ما دلت عليه الآيتان [1] و [2] وأما الآية الثالثة فينعى تعالى على النضر بن الحارث وأمثاله ممن يجادلون في الله بغير علم فينسبون لله الولد والبنت ويزعمون أنه ما أرسل محمداً رسولاً، وأنه لا يحيى الموتى بعد فناء الأجسام وتفتتها قال تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } بجلال الله وكماله ولشرائعه وأحكامه وسننه في خلقه، { وَيَتَّبِعُ } أي في جداله وما يقوله من الكذب والباطل { كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } أي متجرد من الحق والخير، { كُتِبَ 4عَلَيْهِ } أي على ذلك الشيطان في قضاء الله أن من تولاه بالطاعة والاتباع فإنه يضله عن الحق ويهديه بذلك إلى عذاب السعير في النار.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوالهما وأهوالهما.

    2- حرمة الجدال بالباطل لإِدحاض الحق وإبطاله.

    3- حرمة الكلام في ذات الله وصفاته بغير علم من وحي إلهي أو كلام نبوي صحيح.

    4- موالاة الشياطين واتباعهم يفضِي بالموالي المتابع لهم إلى جهنم وعذاب السعير.
    ______________________________ _______

    1 ذكر القرطبي عن الغزنوي أنه قال: سورة الحج من أعاجيب سورة القرآن. نزلت ليلاً ونهاراً سفراً وحصراً مكيّاً ومدينّا سليماً وحربيّاً ناسخاً ومنسوخاً محكما ومتشابهاً.
    2 روى الترمذي وصححه عن عمران بن خصين رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {شديد} قال: أنزلت عليه في سفر: فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذاك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار قال يا ربّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قاربوا وسدّدوا فإنه لم تكن نبوة قط إلاّ كان بين يديها جاهلية قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلاّ أخذ من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبّروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبّروا ثمّ قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا. قال: لا أدري قال الثلثين أم لا". الرقمة: الهنة الناتئة في ذراع الدابة والشامة: علامة تخالف البدن الذي هي فيه.
    3 الذي عليه أكثر أهل التفسير أن هذه الزلزلة تتم بنفخة الفناء بقرينة الحمل والوضع وحديث الترمذي الصحيح دال على أنها بعد البعث، والجمع بينهما: صحيح أولا لا مانع من أن يقع هذا وذاك وهو كذلك والقرآن حمّال الوجوه، فهذا الهول العظيم سيقع حتماً في النفخة الأولى، وفي ساحة فصل القضاء، وأمّا موضوع الحمل والوضع فكائن أيضاً في عرصات القيامة إذ الناس يبعثون على ما ماتوا عليه فالحامل تبعث حاملا والمرضع تبعث ترضع أيضاً.
    4 قال قتادة ومجاهد: من تولى الشيطان فإنه يضله.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #605
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (1)
    الحلقة (600)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 451الى صــــ 459)

    { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) }


    شرح الكلمات:

    في ريب من البعث: الريب الشك مع اضطراب النفس وحيرتها، والبعث الحياة بعد الموت.

    من نطفة: قطرة المنّي التي يفرزها الزوجان.

    علقة: أي قطعة دم متجمد تتحول إليه النطفة في خلال أربعين يوماً.

    مضغة: أي قطعة لحم قدر ما يمضغ المرء تتحول العلقة إليها بعد أربعين يوما.

    وغير مخلقة: أي مصورة خلقاً تاماً، مخلقة وغير مخلقة هي السقط يسقط قبل تمام خلقه.

    لنبين لكم: أي قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم بابتداء خلقكم كيف يكون.

    ونقر في الأرحام ما نشاء: أي ونبقي في الرحم من نريد له الحياة والبقاء إلى نهاية مدة الحمل ثم نخرجه طفلاً سوياً.

    لتبلغوا أشدكم: أي كمال أبدانكم وتمام عقولكم.

    إلى أرذل العمر: أي سن الشيخوخة والهرم فيخرف.

    لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً: أي فيصير كالطفل في معارفه إذ ينسى كل علم علمه.

    هامدة: خامدة لا حراك لها ميتة.

    اهتزت وربت: أي تحركت بالنبات وارتفعت تربتها وأنبتت.

    زوج بهيج: أي من كل نوع من أنواع النباتات جميل المنظر حسنه.

    ذلك بأن الله هو الحق: أي الإِله الحق الذي لا إله سواه، فعبادة الله حق وعبادة غير الله باطل.

    وأن الساعة آتية: أي القيامة.

    يبعث من في القبور: أي يحييهم ويخرجهم من قبورهم أحياء كما كانوا قبل موتهم.

    معنى الآيات:

    لما ذكر تعالى بعض أحوال القيامة وأهوالها، وكان الكفر بالبعث الآخر هو العائق عن الاستجابة للطاعة وفعل الخير نادى تعالى الناس مرة أخرى ليعرض عليهم أدلة البعث العقلية لعلهم يؤمنون فقال: { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ظ±لْبَعْثِ } أي في شك وحيرة وقلق نفسي من شأن بعث الناس أحياء من قبورهم بعد موتهم وفنائهم لأجل حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا فإليكم ما يزيل شككم ويقطع حيرتكم في هذه القضية العقدية وهو أن الله تعالى قد خلقكم من تراب1 أي خلق أصلكم وهو أبوكم آدم من تراب وبلا شك، ثم خلقكم أنتم من نطفة2 أي ماء الرجل وماء المرأة وبلا شك، ثم من 3علقة بعد تحول النطفة إليها ثم من مضغة4 بعد تحول العلقة إليها وهذا بلا شك أيضاً، ثم المضغة إن شاء الله تحويلها إلى طفل خلقها وجعلها طفلاً، وإن لم يشأ ذلك لم يخلقها وأسقطها من الرحم 5كما هو معروف ومشاهد، وفعل الله ذلك من أجل أن يبين لكم قدرته وعلمه وحسن تدبيره لترهبوه وتعظموه وتحبوه وتطيعوه وقوله: { وَنُقِرُّ فِي ظ±لأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً 6} أي ونقر تلك المضغة المخلقة في الرحم إلى أجل مسمى وهو ميعاد ولادة الولد وانتهاء حمله ونخرجكم طفلاً أي أطفالاً صغاراً لا علم لكم ولا حلم، ثم ننميكم ونربيكم بما تعلمون من سننا في ذلك { ثُمَّ لِتَبْلُغُوغ¤اْ أَشُدَّكُمْ } أي تمام نماء أبدانكم وعقولكم { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىظ° } قبل بلوغه أشده لأن الحكمة الإِلهية اقتضت وفاته ومنكم من يعيش ولا يموت حتى يرد إلى أرذل العمر فيهرم ويخرف ويصبح كالطفل لا يعلم بعد علمٍ كان له قبل هرمه شيئاً هذا دليل البعث وهو دليل عقلي منطقي وبرهان قوي على حياة الناس بعد موتهم إذ الذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يوجب العقل قدرته على إحيائهم بعد موتهم، إذ ليست الإِعادة بأصعب من البداية.
    ودليل عقلي آخر هو ما تضمنه قوله تعالى: { وَتَرَى ظ±لأَرْضَ } أيها الإِنسان { هَامِدَةً } خامدة ميتة لا حراك فيها ولا حياة فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء من السماء { ظ±هْتَزَّتْ } أي تحركت { وَرَبَتْ } أي ارتفعت وانتفخت تربتها وأخرجت من النباتات المختلفة الألوان والطعوم والروائح { مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } جميل المنظر حسنه، أليس وجود تربة صالحة كوجود رحم صالحة وماء المطر كماء الفحل وتخلق النطفة في الرحم كتخلق البذرة في التربة وخروج الزرع حياً نامياً كخروج الولد حياً نامياً وهكذا إلى حصاد الزرع وموت الإِنسان فهذان دليلان عقليان على صحة البعث الآخر وأنه كائن لا محالة وفوق ذلك كله إخبار الخالق وإعلامه خلقه بأنه سيعيدهم بعد موتهم فهل من العقل والمنطق أو الذوق أن نقول له لا فإنك لا تقدر على ذلك قولة كهذه قذرة عفنة لا يود أن يسمعها عقلاء الناس وأشرافهم. ولما ضرب تعالى هذين المثالين أو ساق هذين الدليلين على قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لإِعادة الناس أحياء بعد الموت والفناء للحساب والجزاء قال وقوله الحق { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ 7} أي الرب الحق والإِله المعبود الحق، وما عداه فباطل { وَأَنَّهُ يُحْيِـي 8 ظ±لْمَوْتَىظ° وَأَنَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ظ±لسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ظ±للَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ظ±لْقُبُورِ } ومن شك فليراجع الدليلين السابقين في تدبر وتعقل فانه يسلم لله تعالى ما أخبر به عن نفسه في قوله ذلك { بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ } الخ.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات


    1- تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الأعمال يوم القيامة.

    2- بيان تطور خلق الإِنسان ودلالته على قدرة الله وعلمه وحكمته.

    3- الاستدلال على الغائب بالحاضر المحسوس وهذا من شأن العقلاء فإن المعادلات الحسابية والجبرية قائمة على مثل ذلك.

    4- تقرير عقيدة التوحيد وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ______________________________ _________

    1 هذا دليل قاطع وهو دليل البداءة الأولى فمن قدر على البداءة قادر عقلاً على الإعادة وهي أهون عليه.
    2 النطفة: المني، وسمي نطفة لقلّته.
    3 العلقة: الدم الجامد، والعلق: الدم العبيطُ أي: الطري.
    4 هذه الأطوار أربعة أشهر، قال ابن عباس: وفي العشر بعد الأربعة أشهر ينفخ فيه الروح، فذلك عدّة الوفاة منها أربعة أشهر وعشر، وفي الصحيح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم ليُجُمَع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات.. رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
    5 روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لسقط أقدّمه بين يدي أحبّ إليّ من ألف فارس أخلّفه ورائي".
    6 أي: فخرج كل واحد منكم طفلا، ويطلق الطفل على الولد من يوم انفصاله إلى البلوغ وولد كل وحشية يقال له طفل ويوصف به مفرداً كالمصدر فيقال: جارية طفل وجاريتان طفل، وجوار طفل، وغلام طفل وغلامان طفل، ويجمع الطفل على أطفال، وأطفلت المرأة: صارت ذات طفل.
    7 لما ذكر تعالى افتقار الموجودات إليه وتسخيرها على وفق اقتداره في قوله {يا أيها الناس} إلى قوله: {بهيج} قال ذلك إشارة إلى ما تقدم من أطوار خلق الإنسان وفنائه وإحياء الأرض بعد موتها وانشقاق النبات منها أي: ذلك حصل بسبب أنّ الله هو الإله الحق دون غيره.
    8 ومن براهين ألوهيته الحقة دون من سواه أنه يحيى الموتى وأنه على كل ما يريده قدير وأنه موجد الدنيا والآخرة وسيفني هذه في ساعة آتية لا محالة، وسيبعث الناس من القبور للحياة الثانية فيخلدون فيها منهم شقي ومنهم سعيد.

    ***********************
    { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
    }


    شرح الكلمات:

    يجادل في الله: أي في شأن الله تعالى فينسب إلى الله تعالى ما هو منه براء كالشريك والولد والعجز عن إحياء الموتى، وهذا المجادل هو أبو جهل.

    بغير علم: أي بدون علم من الله ورسوله.

    ولا كتاب منير: أي ولا كتاب من كتب الله ذي نور يكشف الحقائق ويقرر الحق ويبطل الباطل.

    ثاني عطفه: أي لآوى عنقه تكبراً، لأن العطف الجانب من الإِنسان.

    له في الدنيا خزي: وقد أذاقه الله تعالى يوم بدر إذ ذبح هناك واحتز رأسه.

    بظلام للعبيد: أي بذي ظلم للعبيد فيعذبهم بغير ظلم منهم لأنفسهم.

    يعبد الله على حرف: أي على شك في الإِسلام هل هو حق أو باطل وذلك لجهلهم به وأغلب هؤلاء أعراب البادية.

    اطمأن به: أي سكنت نفسه إلى الإِسلام ورضي به.

    وإن أصابته فتنة: أي ابتلاء بنقص مال أو مرض في جسم ونحوه.

    إنقلب على وجهه: أي رجع عن الإِسلام إلى ما كان عليه من الكفر الجاهلي.

    ما لا يضره ولا ينفعه: أي صنماً لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن عَبَدَه.

    لبئس المولى: أي قبح هذا الناصر من ناصر.

    ولبئس العشير: أي المعاشر وهو الصاحب الملازم.

    معنى الآيات:

    قوله تعالى: { ومِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } هذه شخصية ثانية معطوفة على الأولى التي تضمنها قوله تعالى:{ وَمِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } [الحج: 3] وهي شخصية النضر بن الحارث أحد رؤساء الفتنة في مكة، وهذِه الشخصية هي فرعون هذه الأمة عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل يخبر تعالى عنه فيقول: { ومِنَ ظ±لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ظ±للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ1 مُّنِيرٍ } بل يجادل بالجهل وما أقبح جدال الجهل والجهَّال ويجادل في الله عز وجل يا للعجب أفيريد أن يثبت لله تعالى الولد والبنت والعجز والشركاء والشفعاء، ولا علم من وحي عنده، ولا من كتاب إلهي موحى به إلى أحد أنبيائه. وقوله تعالى: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } وصف له في حال مشيه وهو يجر رداءه مصعراً خده مائلا إلى أحد جنبيه كبراً وغروراً، وجداله لا لطلب الهدى أو لمجرد حب الإِنتصار للنفس بل ليضل غيره عن سبيل الله تعالى الذي هو الإِسلام حتى لا يدخلوا فيه فيكملوا ويسعدوا عليه في الحياتين. وقوله تعالى: { لَهُ فِي ظ±لدُّنْيَا خِزْيٌ 2} أي ذل وهوان وقد ناله حيث قتل في بدر شر قتلة فقد احتز رأسه وفُصل عن جئته ونال منه الذين كان يسخر منهم ويعذبهم من ضعفة المؤمنين، وقوله تعالى: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ عَذَابَ ظ±لْحَرِيقِ } وقد أذاقه ذلك بمجرد أن قتل فروحه في النار ويوم القيامة يدخلها بجسمه وروحه وقوله تعالى: { ذظ°لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي، { وَأَنَّ ظ±للَّهَ لَيْسَ بِظَلَّظ°مٍ لِّلعَبِيدِ } ، وأنت منهم والله ما ظلمك بل ظلمت نفسك، والله متنزه عن الظلم لكمال قدرته وغناه وقوله تعالى: { وَمِنَ ظ±لنَّاسِ مَن 3 يَعْبُدُ ظ±للَّهَ عَلَىظ° حَرْفٍ4 } أي على شك هذه شخصية ثالثة عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض الاعراب كانوا يدخلون في الإِسلام لا عن علم واقتناع بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى الإِسلام وسكنت نفوسهم واستمروا عليه، وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن الإِسلام ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والآخرة فلا الدنيا حصلوا عليها ولا الآخرة فازوا فيها، قال تعالى: { ذظ°لِكَ هُوَ ظ±لْخُسْرَانُ ظ±لْمُبِينُ } أي البين الواضح إذ لو بقوا على الإِسلام لفازوا بالآخرة، ولأخلف الله عليهم ما فقدوه من مال أو نفس، وقوله تعالى { يَدْعُواْ 5مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا { مَا لاَ يَضُرُّهُ } أي صنماً لا يضره لو ترك عبادته { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إن عبده وقوله تعالى: { ذظ°لِكَ هُوَ ظ±لضَّلاَلُ ظ±لْبَعِيدُ } أي دعاء وعبادة ما لا يضر ولا ينفع ضلال عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيدٌ أيضاً قد لا يرجع صاحبه ولا يهتدي.
    وقوله: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أي يدعو ذلك المرتد عن التوحيد إلى الشرك من ضره يوم القيامة أقرب من نفعه فقد يتبرأ منه ويحشر معه في جهنم ليكونا معاً وقوداً لها، قال تعالى: { لَبِئْسَ ظ±لْمَوْلَىظ° وَلَبِئْسَ6 ظ±لْعَشِيرُ } المعاشر والصاحب الملازم فذم تعالى وقبح ما كان المشركون يؤملون فيهم ويرجون شفاعتهم 7يوم القيامة، تنفيراً لهم من الشرك وعبادة غيره سبحانه وتعالى.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- قبح جدال الجاهل فيما ليس له به علم.

    2- ذم الكبر والخيلاء وسواء من كافر أو من مؤمن.

    3- عدم جدوى عِبَادةٍ صاحبُها شاك في نفعها غير مؤمن بوجوبها ومشروعيتها.

    4- لا يصح دين مع الشك.

    5- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
    ______________________________ ______

    1 نير بيّن الحجة قويها، والمراد من الكتاب: كتب الشرائع مثل: التوراة والإنجيل من الكتب الأولى والقرآن آخرها نزولا.
    2 في هذه الآية إخبار بغيب فكان كما أخبر تعالى فإن كلاًّ من أبي جهل والنضر بن الحارث قد أذلهما الله وأخذهما ببدر، فأبو جهل قتل وأخذ رأسه، والنضر قتل صبراً، والآية قطعاً نزلت بمكة فهي من معجزات القرآن الكريم.
    3 هذه الآية نزلت بالمدينة النبوية فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء.
    4 حرف كل شيء: طرفه وجانبه والآية تمثيل لحال المتردد في عمله.
    5 أي: في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار ولم ير منه نفعاً أصلا وإنما قال: (ضرّه أقرب من نفعه) ترفيعاً للكلام نحو: (إنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين) ومعنى الكلام: القسم والتأخير أي: يدعو والله من ضرّه أقرب من نفعه، والمدعو هو الوثن الذي عبده من دون الله تعالى.
    6 هذه الجمل تحمل الذم والتقبيح للأصنام التي يدعوها المركون فإنها شر الموالي وشر العشير، لأن شأن الولي جلب النفع لمولاه وشأن العشير جلب الخير لعشيره فإذا كان العكس كانا شر الموالي والعشراء.
    7 قال تعالى من سورة يونس: {ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} ، {وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وهذا منهم على فرض إن بعثوا أحياء يوم القيامة أو يرجون شفاعتهم في الدنيا.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #606
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (2)
    الحلقة (601)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 459الى صــــ 463)

    { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } 14 { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } 15 { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } 16 { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }17


    شرح الكلمات:

    وعملوا الصالحات: أي الفرائض والنوافل وأفعال الخير.

    يفعل ما يريد: من إكرام المطيع وإهانة العاصي وغير ذلك من رحمه المؤمن وعذاب الكافر.

    أن لن ينصره الله: أي محمداً صلى الله عليه وسلم.

    فليمدد بسبب: أي بحبل.

    إلى السماء: اي سقف بينه وليختنق غيظاً.

    هل يذهبن كيده: أي في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يغيظه.

    وكذلك أنزلناه: أي ومثل إنزالنا تلك الآيات السابقة أنزلنا القرآن.

    هادوا: أي اليهود.

    والصابئين: فرقة من النصارى.

    والمجوس: عبدة النار والكواكب.

    على كل شيء شهيد: أي عالم به حافظ له.

    معنى الآيات:

    بعدما ذكر تعالى جزاء الكافرين والمترددين بين الكفر والإِيمان أخبر أنه تعالى يدخل الذين آمنوا به وبرسوله ولقاء ربهم ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض التي افترضها الله عليهم والنوافل التي رغبهم فيها يدخلهم جزاء لهم على إيمانهم وصالح أعمالهم جنات تجري من تحتها الأنهار وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ1 } ومن ذلك تعذيبه من كفر به وعصاه ورحمة من آمن به وأطاعه وقوله تعالى: { مَن2 كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله ودينه وعباده المؤمنين فلذا هو يتردد ولم يؤمن ولم ينخرط في سلك المسلمين كبني أسد وغطفان فإنا نرشده إلى ما يذهب عنه غيظه حيث يسوءه نصر الله تعالى لرسوله وكتابه ودينه وعباده المؤمنين وهو أن يأتي بحبل وليربطه بخشبة في سقف بيته ويشده على عنقه ثم ليقطع 3الحبل، وينظر بعد هذه العملية الانتحارية هل كيده 4هذا يذهب عنه الذي يغيظه؟.

    وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي ومثل ذلك الإِنزال للآيات التي تقدمت في بيان قدرة الله وعلمه في الخلق وإحياء الأرض وإعادة الحياة بعد الفناء أنزلنا القرآن آيات واضحات تحمل الهدى والخير لمن آمن بها وعمل بما فيها من شرائع وأحكام وقوله تعالى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } أي هدايته بأن يوفقه للنظر والتفكر فيعرف الحق فيطلبه ويأخذ به عقيدة وقولاً وعملاً.

    وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ 5} وهم المسلمون { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } وهم اليهود { وَٱلصَّابِئِينَ } وهم فرقة من النصارى يقرأون الزبور ويعبدون الكواكب { وَٱلنَّصَارَىٰ } وهم عبدة الصليب { وَٱلْمَجُوسَ } وهم عبدة النار 6والكواكب { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } وهم عبدة الأوثان هؤلاء جميعا سيحكم الله 7بينهم يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار هذا هو الفصل الحق فالأديان ستة دين واحد للرحمن وخمسة للشيطان فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته، وأهل دين الشيطان يدخلهم النار مع الشيطان وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي عالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء وسيجزى كل عامل بما عمل، ولا يهلك على الله إلا هالك فقد أنزل كتابه وبعث رسوله ورغب ورهب وواعد وأوعد والناس يختارون ما قدر لهم أو عليهم وسبحان الله العظيم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- كل الأديان هي من وحي الشيطان وأهلها خاسرون إلا الإسلام فهو دين الله الحق وأهله هم الفائزون، أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكماً وقضاء.

    2- إن الله ناصر دينه، ومكرم أهله، ومن غاظه ذلك ولم يرضه فليختنق.

    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

    4- تقرير إرادة الله ومشيئته فهو تعالى يفعل ما يشاء ويهدي من يريد.
    ______________________________

    1 هذه الجملة الكريمة هي تذييل لكلّ ما تقدم لقوله: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} ومتضمنة تعليلاً إجمالياً لاختلاف الناس في الخير والشر ولما يلقون من جزاء كذلك.
    2 الظاهر أن هذا فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين وهما: فريق من يجادل في الله بغير علم وفريق من يعبد الله على حرف وهذا الفريق الثالث قد يكون من اليهود والمنافقين وبعض المشركين الذين كانوا يغتاظون لانتصار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنهم لا يودّون ذلك ولا كانوا يرون انتصاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كائنا فكلما رأوا نصراً له ازداد غمهم واشتد كربهم لأن انتصاره يحزنهم ويخيفهم.
    3 قرأ الجمهور: {ليقطع} بسكون اللام لوجود ثم العاطفة وقرأ بعضٌ {ليقطع} بكسر اللام لأن ثم ليست كالفاء والواو العاطفتين لأنها مركبة من ثلاثة أحرف.
    4 {هل يذهبن كيده ما يغيظ} الاستفهام إنكاري، وما: مصدرية أي: هل يذهبن كيده غيظه.
    4 هذه الآية نزلت كالفذلكة لما سبق فقررت الصراع الدائر بين الحق والباطل وسمت المتصارعين بألقابهم وأعلمتهم أنّ الحكم فيهم مؤجل إلى يوم القيامة وسيكون عادلاً لعلم الله تعالى بهم وحفظه لأعمالهم.
    5 لذا فهم يثبتون إلهين إلها للخير وإلها للشر وهم أهل فارس، وأقدم النحل المجوسية أسسها ملك فارسي قديم في التاريخ يدعى (كبومرث) .
    6 هذا تفسير لقوله تعالى في الآية: {إن الله يفصل بينهم} إذ الفصل هو الحكم.

    *****************************
    { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }18

    شرح الكلمات:

    ألم تر: أي ألم تر بقلبك فتعلم.

    يسجد له: أي يخضع ويذل له بوضع وجهه على الأرض بين يدي الرب تعالى.

    من في السماوات: من الملائكة.

    والدواب: من سائر الحيوانات التي تدب على الأرض.

    حق عليه العذاب: وجب عليه العذاب فلا بد هو واقع به.

    ومن يهن الله: أي يُشقِه في عذاب مهين.

    فماله من مكرم: أي ليس له من مكرم أي مسعد ليسعده، وقد أشقاه الله.

    معنى الآية الكريمة:

    يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { أَلَمْ تَرَ }1 أيها الرسول بقلبك فتعلم { أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ2 لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الملائكة { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } من الجن والدواب { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } وهم المؤمنون المطيعون وكثير أي من الناس حق عليهم العذاب أي وجب لهم العذاب وثبت، فهو لا يسجد سجود عبادة وقربة لنا أما سجود الخضوع فظلالهم تسجد3 لنا بالصباح والمساء، وقوله تعالى: { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } أي ومن أراد الله إشقاءه وعذابه فما له من مكرم يكرمه بِرَفْع العذاب عنه وإسعاده في دار السعادة وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }فمن شاء أهانه ومن شاء أكرمه فالخلق خلقه وهو المتصرف فيهم مطلق التصرف فمن شاء أعزه، ومن شاء أذله فعلى عباده أن يرجعوا إليه بالتوبة سائلين رحمته مشفقين من عذابه فهذا أنجى لهم من عذابه وأقرب إلى رحمته.

    هداية الآية الكريمة

    من هداية الآية الكريمة:


    1- تقرير ربوبية الله وألوهيته.

    2- سجود المخلوقات بحسب ذواتها، وما أراد الله تعالى منها.

    3- كل شيء خاضع لله إلا الإِنسان فأكثر أفراده عصاة له متمردون عليه وبذلك استوجبوا العذاب المهين.

    4- التالي لهذه الآية والمستمع لتلاوته يسن لهم أن يسجدوا لله تعالى إذا بلغوا قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }.
    ______________________________ ________

    1 قال القرطبي: هذه رؤية القلب أي: ألم تر بقلبك، وعقلك.
    2 قد استعمل السجود في هذه الآية. في حقيقته ومجازه.
    3 وكذلك خضوعهم لأحكام الله تعالى فيهم ومجاري أقداره عزّ وجلّ عليهم من صحة ومرض وغنىً وفقر وحياة وموت.
    4 الجملة تعليلية لما سبق من أحكام لله تعالى بالإكرام والإهانة بحسب الطاعة والعصيان.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #607
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (3)
    الحلقة (602)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 463الى صــــ 467)

    { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } 19 { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } 20 { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } 21 { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } 22 { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } 23 { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }24


    شرح الكلمات

    خصمان: خصم مؤمن وخصم كافر كل واحد يريد أن يخصم صاحبه.

    اختصموا في ربهم: أي في دينه.

    قطعت لهم ثياب: أي فصلت لهم ثياب على قدر أجسامهم.

    يصهر به ما في بطونهم: أي يذاب بالحميم وهو الماء الحار من شحوم وغيرها.

    مقامع من حديد: جمع مقمعة وهي آلة من حديد كالمجن.

    وذوقوا عذاب الحريق: أي يقال لهم توبيخاً وتقريعاً: ذوقوا عذاب النار.

    ولؤلؤا: أي أساروا من لؤلؤ محلاة بالذهب.

    إلى الطيب من القول: هو شهادة أن لا إله إلا الله.

    إلى صراط الحميد: أي إلى الإِسلام إذ هو طريق الله الموصل إلى رضاه وجنته.

    معنى الآيات:

    قوله تعالى: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ 1} الخصم الأول المسلمون والثاني أهل الشرك والكفر { ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دينه تعالى كل خصم يدعي أنه على الدين الحق، وماتوا على ذلك وفصل الله تعالى بينهم يوم القيامة { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم أهل الدين الباطل ادخلوا النار وفصلت2 لهم ثياب من نار { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } أي الماء الحار المنتهي في الحرارة، { يُصْهَرُ3 بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } من لحم وشحم، { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } يضربون بها و { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } أي من النار بسبب ما ينالهم من غم عظيم { أُعِيدُواْ فِيهَا } أي تجبرهم الزبانية على العودة إليها ولم تمكنهم من الخروج منها، ويقولون لهم: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي لا تخرجوا منها وذوقوا عذاب الحريق. فهذا جزاء الخصم الكافر، وأما الخصم المؤمن فهذا جزاؤه وهو في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً 4} أي أساور 5من لؤلؤ محلاة بالذهب { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا } أي في الجنة { حَرِيرٌ6 } وقوله تعالى: { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } في الدنيا وهو لا إله إلا الله وسائر الأذكار والتسابيح وكل كلام طيب، { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } وهذا الطريق الموصل إلى رضا ربهم وهو الإِسلام، وكل ذلك بتوفيق ربهم الذي آمنوا له وبرسوله وأطاعوه بفعل محابه وترك مساخطه.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- إثبات حقيقة هي أن المؤمن خصم الكافر والكافر خصم المؤمن في كل زمان ومكان حيث إنّ الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث هذا الخصم المؤمن، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهذا الخصم الكافر وذلك أنهم تقاتلوا يوم بدر بالمبارزة ونصر الله الخصم المؤمن على الكافر.

    2- بيان جزاء كل من الكافرين والمؤمنين في الدار الآخرة.

    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الآخرة وما للناس فيها.

    4- بيان الطيب من القول وهو كلمة التوحيد وذكر الله تعالى.

    5- بيان صراط الحميد وهو الإِسلام جعلنا الله من أهله.
    ______________________________ _____

    1 روى مسلم عن قبس بن عبادة رضي الله عنه قال: سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً: "إن هذان خصمان اختصموا في ربهم} أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر وهم: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة أبناء ربيعة والوليد ابن عتبة، وقال عليّ رضي الله عنه إني لأوّل من يجثو للخصومة بين يدي الله تعالى يوم القيامة. يريد قصته في المبارزة هذه، وعموم الآية يشمل الخصومة بين أهل الإسلام وأهل الكتاب، كما يشمل خصومة الجنة والنار لحديث مسلم "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلها الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه يدخلها الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها".
    2 قطعت: فصلت أي: تقطّع لهم في الآخرة ثياب من نار، وذكر بلفظ الماضي لأنّ ما كان من أخبار الآخرة فالموعود منه كالواقع المحقق، كما قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس..} أي: يقول الله وجائز أن يكون قد أعدّت لهم تلك الثياب ليلبسوها يوم القيامة وهذا أولى. وتلك الثياب من النحاس المذاب وهي السرابيل المذكورة ني سورة إبراهيم من قطران.
    3 الصَّهر: إذابة الشحم والصهارة: ما ذاب منه.
    4 نصب على تقدير: ويحلَّون لؤلؤاً.
    5 قالت العلماء: ليس أحد من أهل الجنة إلاّ وفي يده ثلاثة أسورة. سوار من ذهب، وسوار من لؤلؤ وسوار من فضة.
    6 روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" وصحّ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة".

    ****************************** ***
    { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }25


    شرح الكلمات:

    كفروا: جحدوا توحيد الله وكذَّبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم.

    ويصدون عن سبيل الله: يمنعون الناس من الإِسلام، ويصرفونهم عنه.

    والمسجد الحرام: مكة المكرمة والمسجد الحرام ضمنها1.

    العاكف: المقيم بمكة للتعبد في المسجد الحرام.

    والباد: الطارىء عن مكة النازح إليها.

    بإلحاد بظلم: أي إلحاداً أي ميلاً عن الحق مُلتبساً بظلم لنفسه أو لغيره.

    معنى الآية الكريمة:

    قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ 2عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية الكريمة تحمل تهديداً ووعيداً شديداً لكل من كفر بتوحيد الله وكذب رسوله وما جاء به من الهدى والدين الحق وصدَّ عن سبيل الله أي صرف الناس عن الدخول في الإِسلام، وعن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت والإِقامة بمكة للتعبد 3في المسجد الحرام والآية وإن تناولت المشركين الذين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة عام الحديبية فإنها عامة فى كل من كفر وصدَّ إلى يوم القيامة وقوله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } هو وصف للمسجد الحرام إذ جعله الله تعالى موضع تنسُّك لكل من أتاه وأقام به أو يأتيه للعبادة ثم يخرج منه، فالعاكف أي المقيم فيه كالبادي الطارىء القدوم إليه هم سواء في حق الإِقامة في مكة والمسجد الحرام للتعبد.

    وقوله تعالى: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } أي يرد بمعنى يعتزم الميل عن الحق فيه بظلم يرتكبه كالشرك وسائر الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره. وقوله تعالى: { نُّذِقْهُ مِنْ4 عَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا جزاء من كفر وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام ومن أراد فيه إلحاداً 5بظلم لنفسه6 أو لغيره.

    هداية الآية الكريمة

    من هداية الآية الكريمة:


    1- التنديد بالكفر والصدَّ عن سبيل الله والمسجد الحرام والظلم فيه والوعيد الشديد لفاعل ذلك.

    2- مكة بلد الله وحرمه من حق كل مسلم أن يقيم بها للتعبد والتنسك ما لم يظلم وينتهك حرمة الحرم بالذنوب والمعاصي، وخاصة الشرك والظلم والضلال.

    3- عظيم شأن الحرم حيث يؤاخذ فيه على مجرد العزم على الفعل ولو لم يفعل.
    ______________________________ _

    1 هذا من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وهو شائع لغة شائع تعبيرا.
    2 أي: وهم يصدّون، وقيل الواو مزيدة أي: إن الذين كفروا يصدّون، وهذا ضعيف والصحيح أن خبر إن محذوف تقديره: خسروا وهلكوا ولا يصح أن يكون نذقه لأنه مجزوم.
    3 كان في الصدر الأول أبواب دور مكة مفتوحة لكل من يريد النزول بها حاجاً أو معتمراً حتى سرق منزل أحدهم فاتخذ له باباً فأنكر عليه عمر ذلك فقال الرجل: إنما اتخذت الباب لأحفظ لهم متاعهم فتركه عمر فاتخذ الناس من يومئذ الأبواب.
    قال مالك. دور مكة ليست كالمسجد بل لهم أن يمنعوا من النزول بها من شاءوا.
    4 (نذقه) جواب مَن: الشرطية في قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد} .
    5 الباء: في بإلحاد: الاجماع على أنها صلة لتقوية الكلام لشيوع مثلها في كلام العرب والأصل: ومن يرد فيه إلحاداً قال الشاعر:
    نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
    نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج
    6 لا يؤاخذ المؤمن بالنية السيئة في أي بلد كان إلاّ بمكة المكرمة لهذه الآية.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #608
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (4)
    الحلقة (603)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 467الى صــــ 473)

    { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } 26 { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } 27 { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } 28 { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُو اْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }29


    شرح الكلمات

    وإذ بوأنا لإِبراهيم: أي أذكر يا رسولنا إذ بوأنا: أي أنزلنا إبراهيم بمكة مبينين له مكان البيت.

    أن لا تشرك بي1 شيئاً: أي ووصيناه بأن لا تشرك بي شيئاً من الشرك والشركاء.

    وطهر بيتي: ونظف بيتي من أقذار الشرك وأنجاس المشركين.

    وأذن في الناس بالحج: أعلن في الناس بأعلى صوتك.

    رجالاً وعلى كل ضامر: مشاة وركباناً على ضوامر الإِبل.

    فج عميق: طريق واسع بعيد الغور في قارات الأرض.

    في أيام معلومات: هي أيام التشريق.

    بهيمة الأنعام: أي الإِبل والبقر والغنم إذ لا يصح الهدى إلا منها.

    البائس الفقير: أي الشديد الفقر.

    ليقضوا تفثهم: أي ليزيلوا أوساخهم المترتبة على مدة الإِحرام.

    وليوفوا نذورهم: أي بأن يذبحوا وينحروا ما نذروه لله من هدايا وضحايا.

    معنى الآيات:

    قوله تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ 2} أي اذكر يا رسولنا لقومك المنتسبين إلى إبراهيم باطلاً وزوراً حيث كان موحداً وهم مشركون اذكر لهم كيف بوأه ربُّه مكان البيت لِيَبْنِيه ويرفع بناءه وكيف عهد الله إليه ووصاه بأن يطهره من الأقذار الحسية كالنجاسات من دماء وأوساخ والمعنوية كالشرك والمعاصي وسائر الذنوب وذلك من أجل الطائفين به والقائمين في الصلاة والراكعين والساجدين فيه إذ الرُّكع جمع راكع والسجد جمع ساجد حتى لا يتأذوا بأي أذى معنوي أو حسيّ وهم حول بيت ربهم وفي بلده وحرمه، ليذكر قومك هذا وهم قد نصبوا حول البيت التماثيل والأصنام، ويحاربون كل من يقول لا إله إلا الله وقد صدوك وأصحابك عن المسجد الحرام ومنعوك من الطواف بالبيت العتيق، فأين يذهب بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل. هذا ما دل عليه قوله تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }.

    وقوله تعالى { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ 1} أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي معلنا معلماً: أيها الناس4 إن ربكم قد بنى لكم بيتاً فحجوه ففعل ذلك فأسمع الله صوته من شاء من عباده ممن كتب لهم أزلا أن يحُجوا وسهل طريقهم حجوا فعلاً ولله الحمد والمنة.

    وقوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي عليك النداء وعلينا البلاغ فنادِ { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي مشاة { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } من النوق المهازيل { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي طريق بعيد في أغوار الأرض وأبعادها كالأندلس غرباً وأندونيسيا شرقاً. وقوله تعالى: { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي يأتوك ليشهدوا منافع لهم دينيَّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وتعلم دينهم من علمائهم، ودينويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات، وقوله تعالى: { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } شاكرين لله تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الأول من ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق بالصلاة والذكر والدعاء، كما يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند نحر الإِبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر5 وقوله تعالى: { فَكُلُواْ مِنْهَا } أي من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها 6تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع، { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } بإزالة الشعث والوسخ الذي لازمهم طيلة مدة الإِحرام.
    وقوله: { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } أن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه بالحرم. وقوله { وَلْيَطَّوَّفُو اْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي وليطوفوا طواف الإِفاضة وهو ركن الحج ولا يصح إلا بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة صباح العيد عيد الأضحى.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات


    1- وجوب بناء البيت وإعلائه كلما سقط وتهدم ووجوب تطهيره من كل ما يؤذي الطائفين والعاكفين في المسجد الحرام من الشرك والمعاصي وسائر الذنوب ومن الأقذار كالأبوال والدماء ونحوها.

    2- مشروعية فتح مكاتب للدعاية للحج.

    3- جواز الاتجار أثناء إقامته في الحج.

    4- وجوب شكر الله تعالى وذكره.

    5- جواز الأكل من الهدي ومن ذبائح التطوع بل استحبابه.

    6- وجوب الحلق أو التقصير بعد رمي حمة العقبة.

    7- وجوب الوفاء بالنذور الشرعية7 أما النذور للأولياء فهي شرك ولا يجوز الوفاء بها.

    8- تقرير طواف الإِفاضة8 وبيان زمنه وهو بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة.
    _________________________

    1 {أن} : الصحيح أنها تفسيرية والقول أو ما في معناه: مقدر فيها نحو وقلنا أو وصينا أو عهدنا.
    2 يقال: بوأه كذا وبوأ له كذا فاللام مزيدة لتقوية الكلام كما يقال مكنته من كذا، ومكنت له كذا، ومعنى بوأنا لإبراهيم أي: أريناه أصله. وكان قد درس بطول العهد وأنزلناه فيه.
    3 وقرىء: {وآذن} بمعنى: أعلم، {وأذّن} : قراءة الجمهور وهي أولى، والأذان: الإعلام.
    4 روي عن ابن عباس وابن جير: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج قال له يا ربّ: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك فمن أجاب يومئذ حجّ على قدر الإجابة إن أجاب مرّة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على ذلك.
    5 السنة في ذبح الأضحية أن تكون بعد صلاة العيد، ومن ذبح قبل ذلك أعاد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم" ويستحب في ذبح الأضحية والهدي أن يقول بعد التسمية الواجبة: اللهم منك ولك.
    6 المشهور وعليه الأكثر أنّ أيام النحر ثلاثة وهي: أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد.
    7 لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وفاء لنذر في معصية الله، وقال ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه.
    8 أما طواف القدوم فواجب عند مالك وطواف الوداع سنة مؤكدة ويسقط بالعذر عند أكثر أهل العلم، لسقوطه عن الحائض إجماعاً، ومن أهل العلم من يرى طواف القدوم سنة ليس بواجب.

    ****************************** **
    { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } 30 { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } 31 { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } 32 { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }33

    شرح الكلمات:

    ذلك: أي الأمر هذا مثل قول المتكلم هذا أي ما ذكرت.. وكذا وكذا..

    حرمات الله: جمع حرمة ما حرَّم الله إنتهاكه من قول أو فعل.

    فهو خير له عند ربه: أي خير في الآخرة لمن يعظم حرمات الله فلا ينتهكها.

    إلا ما يتلى عليكم: أي تحريمه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلِ لغير الله به.

    فاجتنبوا الرجس: أي اجتنبوا عبادة الأوثان.

    واجتنبوا قول الزور: وهو الكذب وأعظم الكذب ما كان على الله تعالى 1والشرك وشهادة الزور.

    حنفاء لله: موحدين له مائلين عن كل دين إلى الإِسلام.

    خرَّ من السماء: أي سقط.

    فتخطفه الطير: أي تأخذه بسرعة.

    شعائر الله: أعلام دينه وهي هنا البُدْن بأن تختار الحسنة السمينة منها.

    فإنها من تقوى القلوب: أي تعظيمها ناشىء من تقوى قلوبهم.

    لكم فيها منافع: منها ركوبها والحمل عليها بما لا يضرها وشرب لبنها.

    إلى أجل مسمى: أي وقت معين وهو نحرها بالحرم أيام التشريق.

    ثم محلها إلى البيت العتيق: أي عند البيت العتيق وهو مكة والحرم.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق في مناسك الحج قوله تعالى { ذٰلِكَ } أي الأمر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث أي إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الأظافر ولباس الثياب ونحر وذبح الهدايا والضحايا، { وَمَن يُعَظِّمْ } منكم { حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } فلا ينتهكها { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها خير له عند ربّه يوم يلقاه وقوله تعالى: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } أي الإِبل والبقر والغنم أحل الله تعالى لكم أكلها والانتفاع بها وقوله تعالى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام، ومن ذلك قوله تعالى:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَ ةُ وَٱلْمَوْقُوذَة ُ وَٱلْمُتَرَدِّي َةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3] وقوله: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ2 مِنَ ٱلأَوْثَانِ } أي اجتنبوا عبادة الأوثان فإنها رجس فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها غضبا لله وعدم رضاً بها وبعبادتها، وقوله: { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } وهو الكذب مطلقاً وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص وقوله، { حُنَفَآءَ3 للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ } أي موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإِسلام، غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله تعالى: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } إلهاً آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خرَّ من السماء أي سقط منها بعدما رفع إليها فتخطفه الطير أي تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور، أو تهوي به الريح في مكان سحيق بعيد فلا يعثر عليه أبداً فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو خاسر هالك هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله وقوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ 4شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى5 ٱلْقُلُوبِ } أي الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر المناسك وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشىء عن تقوى القلوب فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقرباً إليه دل ذلك على تقوى قلبه لربه تعالى والرسول يشير إلى صدره ويقول التقوى ها هنا التقوى ها هنا ثلاث مرات وقوله تعالى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي أذن الله تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا بالهدايا وهم سائقوها إلى الحرم بأن يركبوها 6ويحملوا عليها ما لا يضرها ويشربوا من ألبانها وقوله تعالى: { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ 7ٱلْعَتِيقِ } أي محلها عند البيت العتيق وهو الحرم حيث تنحر إن كان مما ينحر أو تذبح إن كان مما يذبح.
    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وجوب تعظيم حرمات الله لما فيها من الخير العظيم.

    2- تقرير حلِّيَّة بهيمة الأنعام بشرط ذكر اسم الله عند ذبحها أو نحرها.

    3- حرمة قول الزور وشهادة الزور وفي الأثر عدلت8 شهادة الزور الشرك بالله.

    4- وجوب ترك عبادة الأوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة.

    5- بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك.

    6- تعظيم شعائر الله وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها.

    7- جواز الانتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم.
    ______________________________ __

    1 وكذلك الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
    2 الرجس: الشيء القذر، والوثن: التمثال من خشب أو حديد وغيرهما ومن: كونها لابتداء الغاية أولى ليعم الأمر اجتناب كل رجس في اعتقاد أو قول أو عمل إذ كل الأنجاس محرَّمة.
    3 لفظ: حنفاء: من الأضداد يقع على الاستقامة والميل معاً، ومعناها مائلين عن الشرك إلى التوحيد، وعن الأديان إلى الإسلام.
    4 الشعائر: جمع شريعة. وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر عباده به وأعلمهم، والشعار: العلامة، ومنه شعار الحرب وإشعار: البدنة لتعلم أنها مهداة للحرم، فشعائر الله: أعلام دينه لاسيما المناسك وما يتعلّق بها.
    5 أضيفت التقوى إلى القلوب لأنّ حقيقة التقوى في القلب، والتقوى من الخوف والخوف في القلب ويشهد لهذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التقوى ها هنا" وأشار إلى صدره ثلاث مرات.
    6 في الصحيح أنّ رجلاً يسوق بدنه فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اركبها فقال الرجل إنها بدنة قال: اركبها قال: إنها بدنة، وفي الثالثة قال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اركبها ويلك"
    7 إن كان الهدي في الحج فمحلّه بعد رمي جمرة العقبة ولا ينحر أو يذبح قبله، وإن كان في غير الحج، وإنما هدي مهدى إلى الحرم فمحلّه مكة حيث يطعمه فقراؤها وفقراء الحرم كله.
    8 وفي الصحيح: "إن أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور.. " الحديث.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #609
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (5)
    الحلقة (604)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 473الى صــــ 481)

    { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } 34 { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } 35 { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } 36 { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }37


    شرح الكلمات:

    منسكاً: أي ذبائح من بهيمة الأنعام يتقربون بها إلى الله تعالى، ومكان الذبح يقال له منسك.

    فله أسلموا: أي انقادوا ظاهراً وباطناً لأمره ونهيه.

    وبشر المخبتين: أي المطيعين المتواضعين الخاشعين.

    وجلت قلوبهم: أي خافت من الله تعالى أن تكون قصَّرتْ في طاعته.

    والبدن : جمع بدنة وهي ما يساق للحرم من إبل وبقر ليذبح تقرباً إلى الله تعالى.

    من شعائر الله: أي من أعلام دينه، ومظاهر عبادته.

    صوآف: جمع صافَّة وهي القائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى.

    فإذا وجبت جنوبها: أي بعد أن تسقط على جنوبها على الأرض لا روح فيها.

    القانع والمعتر: القانع 1السائل والمعتر الذي يتعرض للرجل ولا يسأله حياء وعفة.

    كذلك سخرناها: أي مثل هذا التسخير سخرناها لكم لتركبوا عليها وتحملوا وتحلبوا.

    لعلكم تشكرون: أي لأجل أن تشكروا الله تعالى بحمده وطاعته.

    لن ينال الله لحومها: أي لا يرفع إلى الله لحم ولا دم، ولكن تقواه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.

    لتكبروا الله على ما هداكم: أي تقولون الله أكبر بعد الصلوات الخمس أيام التشريق شكراً له على هدايته إياكم.

    وبشر المحسنين: أي الذين يريدون بالعبادة وجه الله تعالى وحده ويؤدونها على الوجه المشروع.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين فقوله تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي ولكل أمة من الأمم السابقة من أهل الإِيمان والإِسلام جعلنا لهم مكان نسك يتعبدوننا فيه ومنسكاً2 أي ذبح قربان ليتقربوا به إلينا، وقوله: { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي شرعنا لهم عبادة ذبح القربان لحكمة: وهو أن يذكروا اسمنا على ذبح ما يذبحون ونحر ما ينحرون بأن يقولوا بسم الله والله أكبر. وقوله تعالى: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي فمعبودكم أيها الناس معبود واحد { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } وجوهكم وخصوه بعبادتكم ثم قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } برضواننا ودخول دار كرامتنا ووصف المخبتين معرفاً بهم الذين تنالهم البشرى على لسان رسول الله فقال { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } لهم أو بينهم { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت شعوراً بالتقصير في طاعته وعدم أداء شكره والغفلة عن ذكره { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } من البلاء فلا يجزعون ولا يتسخطون ولكن يقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، { وَٱلْمُقِيمِي } الصلاة 3أي بأدائها في أوقاتها في بيوت الله مع عباده المؤمنين ومع كامل شرائطها وأركانها وسننها { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } مما قل أو كثر ينفقون في مرضاة ربهم شكراً لله على ما آتاهم وتسليماً بما شرع لهم وفرض عليهم.

    وقوله تعالى: { وَٱلْبُدْنَ 4جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } أي الإِبل والبقر مما يُهدى إلى الحرم جعلنا ذلكم من شعائر ديننا ومظاهر عبادتنا، { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } عظيم وأجر كبير عند ربكم يوم تلقوه إذ ما تقرب متقرب يوم عيد الأضحى بأفضل من دم يهرقه في سبيل الله وعليه { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } اي قولوا بسم الله والله أكبر عند نحرها، وقوله: { صَوَآفَّ 5} أي قائمة على ثلاثة معقولة اليد اليسرى، فإذا نحرتموها ووجبت أي سقطت على جنوبها فوق الأرض ميتة { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ 6} الذي يسألكم { وَٱلْمُعْتَرَّ } الذي يتعرض لكم ولا يسألكم حياءاً، وقوله تعالى: { سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي مثل ذلك التسخير الذي سخرناهم لكم فتركبوا وتحلبوا وتذبحوا وتأكلوا سخرناهم لكم من أجل أن تشكرونا بالطاعة والذكر.
    وقوله تعالى في آخر آية في هذا السياق وهي [37] قوله: { لَن7 يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } أي لن يرفع إليه لحم ولا دم ولن يبلغ الرضا منه، ولكن التقوى بالإِخلاص وفعل الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه هذا الذي يرفع إليه ويبلغ مبلغ الرضا منه.

    وقوله تعالى: { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } أي كذلك التسخير الذي سخرها لكم لعلَّة أن تكبروا الله على ما هداكم إليه من الإِيمان والإِسلام فتكبروا الله عند نحر البدن وذبح الذبائح وعند أداء المناسك وعقب الصلوات الخمس أيام التشريق. وقوله تعالى: { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أمر الله تعالى رسوله والمبلغ عنه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبشر باسمه المحسنين الذين أحسنوا الإِيمان والإِسلام فوحدوا الله وعبدوه بما شرع وعلى نحو ما شرع متبعين في ذلك هدى رسوله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات


    1- ذبح القربان مشروع في سائر الأديان الإِلهية وهو دليل على أنه لا إله إلا الله إذ وحدة التشريع تدل على وحدة المشرع.

    وسر مشروعية ذبح القربان هو أن يذكر الله تعالى، ولذا وجب ذكر اسم الله عند ذبح ما يذبح ونحر ما ينحر بلفظ بسم الله والله أكبر.

    2- تعريف المخبتين أهل البشارة السارة برضوان الله وجواره الكريم.

    3- وجوب ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام.

    4- بيان كيفية نحر البدن، وحرمة الأخذ منها قبل موتها وخروج روحها.

    5- الندب إلى الأكل من الهدايا ووجوب إطعام الفقراء والمساكين منها.

    6- وجوب شكر الله على كل إنعام.

    7- مشروعية التكبير عند أداء المناسك كرمي الجمار وذبح ما يذبح وبعد الصلوات الخمس أيام التشريق.

    8- فضيلة الإِحسان وفوز المحسنين ببشرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ______________________________

    1 القانع: من الأضداد يطلق على ذي القناعة وعلى من لا قناعة له فهو يسأل، إلاّ أن الفعل الماضي لذي القناعة مكسور العين فعل كعلم، وفعل: من لا قناعة له فهو يسأل فعل: بفتح العين كنصح ينصح.
    2 يقال: نسك ينسك نُسكاً: إذا ذبح ذبح تقرّب لله تعالى، والذبيحة تسمى نسيكة وجمعها: نسك، ومنها قوله تعالى: {أو صدقة أو نسك} والنسك: الطاعة لله، وهي عبادته، ومن ذلك قولهم: تنسّك فلان: أي تعبد فهو ناسك ومتنسك، والمنسك بفتح السين وكسرها موضع العبادة، ومنه مناسك الحج وهي الأماكن التي تؤدى فيها الشعائر كعرفات ومزدلفة ومنى ومكة.
    3 قرأ الجمهور بكسر التاء من الصلاة على الإضافة، وقرأ أبو عمرو: (الصلاة) بفتحها على توهم النون، وأنّ حذفها كان للتخفيف لطول الاسم. وأنشد سيبويه:
    الحافظو عورة العشيرة لا
    يأتيهم من ورائنا نَطف
    النطف: التلطخ بالعيب والاتهام بريبة أو فجور.
    4 البدن: بضم الباء والدال، والبُدن: بضم الباء وإسكان الدال لغة فصيحة وقرأ الجمهور: (والبدن) بإسكان الدال واحدها بدنة كثمرة وثمر، وخشبة وخشب وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة: السمن، وتطلق على البقر على الصحيح فمن نذرها أجزأته البقرة، وهي كالبعير تجزىء عن سبعة في هدي التمتع والقرآن.
    5 أصل هذا اللفظ مأخوذ من صفن الفرس إذا وقف على ثلاثة أرجل، ورفع الرابعة ومنها: تنحر الإبل بعد أن توقف على ثلاثة وتعقد اليد اليسرى منها، وقرىء (صوافي) و (صوافٍ) من الصفاء الذي هو الخلوص لله تعالى أي: خالصة له عزّ وجلّ.
    6 القانع: اسم فاعل من قنع يقنع فهو قانع: إذا سأل وتذلل في السؤال: أما القانع بمعنى: ذي القناعة ففعله قنع بكسر النون قناعة: إذا اكتفى بما عنده ولم يسأل قال مالك: أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير، والمعتر، الزائر وهو موافق في المعنى لما تقدم، ويؤيد هذا قراءة الحسن: (والمعتري) وهو الذي يتعرض لك ويأتك بدون علم منك.
    7 قال ابن عباس رضي الله عنهما: لن يصعد إليه. أي اللحم والدم، ولكن الذي يصل إليه التقوى منكم وما أريد به وجهه.

    ******************************
    { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } 38 { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } 39 { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } 40 { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }41


    شرح الكلمات

    يدافع: قُرِىء يدفع أي غوائل المشركين وما يكيدون به المؤمنين.

    خوان: كثير الخيانة لأمانته وعهوده.

    كفور: أي جحود لربه وكتابه ورسوله ونعمه عليه.

    بأنهم ظلموا: أي بسبب ظلم المشركين لهم.

    بغير حق: أي استوجب إخراجهم من ديارهم.

    إلا أن يقولوا ربنا الله: أي إلا قولهم: ربنا الله والله حق، وهل قول الحق يُسَوغ إخراج قائله؟

    صوامع وبيع: معابد الرهبان وكنائس النصارى.

    وصلوات: معابد اليهود، باللغة العبرية مفردها صلوثا.

    ومساجد: أي بيوت الصلاة للمسلمين.

    من ينصره: أي ينصر دينه وعباده المؤمنين.

    قوي عزيز: قادر على ما يريد عزيز لا يمانع فيما يريد.

    إن مكناهم في الأرض: أي نصرناهم على عدوهم ومكنا لهم في البلاد بأن جعلنا السلطة بأيديهم.

    ولله عاقبة الأمور: أي آخر أمور الخلق مردها إلى الله تعالى الذي يثيب ويُعاقب.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى: { إِنَّ 1ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ2 ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ 3} تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول الله والمؤمنين عن المسجد الحرام وهم الخائنون لأماناتهم وعهودهم الكافرون بربهم ورسوله وكتابه وبما جاء به، ولما كان لا يحبهم فهو عليهم، وليس لهم، ومقابلة أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع لربه، ومن أحبَّهُ دافع عنه وحماه من أعدائه.

    وقوله تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول وهما قراءتان أي قاتلهم المشركون هؤلاء أذِن4 الله تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعدما كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم، وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالإِذن فيه للمؤمنين، وقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو القدير على ذلك وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } أي بدون موجب لإِخراجهم اللهم إلا قولهم5: ربنا الله وهذا حق وليس بموجب لإِخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم وبلادهم هذه الجملة بيان لمقتضى الإِذن لهم بالقتال، ونصرة الله تعالى لهم. وقوله تعالى: { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ 6بِبَعْضٍ } أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لولا هذا لتغلب أهل الباطل و { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ7 وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } وهذا تعليل أيضاً وبيان لحكمة الأمر بالقتال أي لولا أن الله تعالى يدفع بأهل الإِيمان أهل الكفر لتغلب أهل الكفر وهدموا المعابد ولم يسمحوا للمؤمنين أن يعبدوا الله - وفي شرح الكلمات بيان للمعابد المذكورة فليرجع إليها.

    وقوله تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ } أي قدير { عَزِيزٌ } غالب فمن أراد نصرته نَصَرهُ ولو اجتمع عليه من بأقطار الأرض، والذي يريد الله نصرته هو الذي يقاتل من أجل الله بأن يُعبد في الأرض ولا يُعبد معه سواه فذلك وجه نصر الله فليعلم وقوله { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ 8} أي وطأنا لهم في الأرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلاة على الوجه المطلوب منهم، وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم، وأمروا بالمعروف أي بالإِسلام والدخول فيه وإقامته، ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصِي الله ورسوله هؤلاء الأحقون بنصر الله تعالى لهم لأنهم يقاتلون لنصرة الله عز وجل، وقوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } يخبر تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح ويعاقب على العمل الفاسد، وذلك يوم القيامة، وعليه فليراقب الله وليُتق في السر والعلن وليُتوكل عليه، وليُنب إليه، فإن مرد كل أمر إليه.
    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وعد الله الصادق بالدفاع عن المؤمنين الصادقين في إيمانهم.

    2- كره الله تعالى لأهل الكفر والخيانة.

    3- مشروعية القتال لإِعلاء كلمة الله بأن يعبد وحده ولا يضطهد أولياؤه.

    4- بيان سر الإِذن بالجهاد ونصرة الله لأوليائه الذين يقاتلون من أجله.

    5- بيان أسس الدولة التي ورثّ الله أهلها البلاد وملكهم فيها وهي:

    إقام الصلاة - إيتاء الزكاة - الأمر بالمعروف - النهي عن المنكر.
    ______________________________

    1 روي أن هذه الآية: {إن الله يدافع..} نزلت بسبب أن المؤمنين بمكة لما كثر اضطهاد المشركين لهم فكر بعضهم في اغتيال الكفار، والاحتيال عليهم والغدر بهم فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله: {كفور} .
    2 قرأ الجمهور: {يدافع} وقرأ بعضهم: {يدفع} .
    3 الخوّان: كثير الخيانة، وهي الغدر، والغدر من شر الصفات، فقد صحّ "أن الله تعالى ينصب يوم القيامة للغادر لواءً عند أسته بقدر غدرته: يقال هذه غدرة فلان بن فلان"!!
    4 هذه الآية نزلت بالمدينة بعد هجرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين إليها وفيها إذن بقتال المشركين بعد المنع الأوّل فهي أول آية بالإذن بالقتال بعدما كان غير مأذون فيه كما تقدم.
    5 قوله: {إلاّ أن قالوا ربنا الله.} . " الاستثناء منقطع أي: لكن لقولهم ربنا الله أي: وحده لا ربّ لنا سواه استمرّت مدة السلم ثلاث عشرة سنة، وفي السنة الأولى من الهجرة أذن الله تعالى للمؤمنين بقتال المشركين إذ قد أعذر الله تعالى إليهم.
    6 في الآية دليل على أن أمر الجهاد متقدم في الأمم قبل هذه الأمّة وبه صلحت الرائع وعبد الناس ربّهم، واستقامت أمورهم وصلحت أحوالهم.
    7 في الآية دليل على أنه لا يجوز لنا هدم معابد اليهود والنصارى، وإنما يمنعون من زيادة البناء حتى لا يكون ذلك إذناً بالبقاء على الكفر وهو حرام.
    8 هذه عامة في هذه الأمة وليست خاصة بالخلفاء الراشدين الأربعة ولا بالصحابة والتابعين بل هي عامة فيمن مكن الله تعالى لهم في الأرض فسوّدهم وحكّمهم وجب عليهم أن يقوموا بفعل ما ذكر في هذه الآية من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #610
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (6)
    الحلقة (605)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 481الى صــــ 486)

    { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } 42 { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } 43 { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } 44 { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } 45 { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }46


    شرح الكلمات:

    وإن يكذبوك: أي إن يكذبك قومك فقد كذبت قبلهم قوم نوح إذاً فلا تأس إذ لست وحدك المكذب.

    وأصحاب مدين: هم قوم شعيب عليه السلام.

    وكذب موسى: أي كذبه فرعون وآله الأقباط.

    فأمليت للكافرين: أي أمهلتهم فلم أُعجل العقوبة لهم.

    ثم أخذتهم: أي بالعذاب المستأصل لهم.

    فكيف كان نكير: أي كيف كان إنكاري عليهم تكذيبهم وكفرهم أكان واقعاً موقعه؟ نعم إذ الإِستفهام للتقرير.

    فهي خاوية على عروشها: أي ساقطة على سقوفها.

    بئر معطلة: أي متروكة لا يستخرج منها ماء لموت أهلها.

    وقصر مشيد: مرتفع مجصص بالجص.

    فإنها لا تعمى الأبصار: أي فإنها أي القصة لا تعمى الأبصار فإن الخلل ليس في أبصارهم ولكن في قلوبهم حيث أعماها الهوى وأفسدتها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضلال.

    معنى الآيات:

    مازال السياق الكريم في دعوة قريش إلى الإِيمان والتوحيد وإن تخللته إرشادات للمؤمنين فإنه لما أَذِن للمؤمنين بقتال المشركين بين مقتضيات هذا الإِذن وضمن النصرة لهم وأعلم أن عاقبة الأمور إليه لا إلى غيره وسوف يقضي بالحق والعدل بين عباده يوم يلقونه. قال لرسوله صلى الله عليه وسلم مسلياً له عن تكذيب المشركين له: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ1 } أيها الرسول فيما جئت به من التوحيد والرسالة والبعث والجزاء يوم القيامة فلا تأس ولا تحزن { فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي قبل مُكذِّبيك من قريش والعرب واليهود { قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ } قوم هود { وَثَمُودُ } قوم صالح { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ } أيضاً مع ما آتيناه من الآيات البينات، وكانت سنتي فيهم أني أمليت لهم أي مددت لهم في الزمن وأرخيت لهم الرسن حتى إذا بلغوا غاية الكفر والعناد والظلم والاستبداد وحقت عليهم كلمة العذاب أخذتهم أخذ العزيز المقتدر { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ2 } ، أي انكاري عليهم؟ كان وربّك واقعاً موقعه، وليس المذكورون أخذت فقط.. { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } عظيمة غانية برجالها ومالها وسلطانها { أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي ضالعة في الظلم أي الشرك والتكذيب { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا 3} أي ساقطة على سقوفها، وكم من بئر ماء4 عذب كانت سقيا لهم فهي الآن معطلة، وكم من قصر مشيد أي رفيع مشيد بِالجص إذ مات أهله وتركوه 5هذا ما تضمنته الآيات الأربع [42، 43، 44، 45] أما الآية الأخيرة من هذا السياق فالحق عز6 وجل يقول { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } حاثاً المكذبين من كفار قريش والعرب على السير في البلاد ليقفوا على آثار الهالكين فلعل ذلك يكسبهم حياة جديدة في تفكيرهم ونظرهم فتكون لهم قلوب حية واعية يعقلون بها خطابنا إليهم ونحن ندعوهم إلى نجاتهم وسعادتهم أو تكون لهم آذان يسمعون بها نداء النصح والخير الذي نوجهه إليهم بواسطة كتابنا ورسولنا، وما لهم من عيون مبصرة بدون قلوب واعية وآذان صاغية فإن ذلك غير نافع { فَإِنَّهَا لاَ7 تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ8 }.
    وهذا حاصل القول ألا فليسيروا لعلهم يكسبون عبراً وعظات تحيي قلوبهم وسائر حواسهم المتبلدة.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- تكذيب الرسل والدعاة إلى الحق والخير سنة مطردة في البشر لها عواملها من أبرزها التقليد والمحافظة على المنافع المادية، وظلمات القلب الناشئة عن الشرك والمعاصي.

    2- مظاهر قدرة الله تعالى في إهلاك الأمم والشعوب الظالمة بعد الإِمهال لهم والإِعذار.

    3- مشروعية طلب العبر وتصيدها من آثار الهالكين.

    4- العبرة بالبصيرة القلبية لا بالبصر فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي بصر حاد حديد. ومن هنا كان المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة على عينيه، وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات، والكبر والعجب والحب والبغض في غير الله.
    ______________________________ ___

    1 الآية في تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزيته من جرّاء ما يلاقي من قومه من أنواع التكذيب والعناد والجحود.
    2 أي: تغييري ما كانوا فيه من النعم بالعذاب والهلاك. والإنكار والنكير: تغيير المنكر.
    3 العروش: جمع عرش وهو السقف. والمعنى: إن جدرانها فوق سقفها.
    4 قرأ نافع: {وبير} بدون همزة تخفيفاً.
    5 {وقصر مشيد} أي: مبني بالشيد وهو الجص أي: مثلها معطّل.
    6 الاستفهام للتعجيب من حالهم وهم في غيهم وجهلهم.
    7 {فإنها..} أي: الحال أو القصة لا تعمى الأبصار: قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل لما نزلت: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} سأل ابن أم مكتوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً: أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى فنزلت هذه الآية: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الآية صريحة في أنّ العقل في القلب، ولا منافاة بين من يرى ذلك في المخ إذ ارتباط كبير بين المخ والقلب في حصول الوعي والإدراك للإنسان.
    8 ذكر الصدور ظرفاً للقلوب للتأكيد إذا القلوب لا تكون إلا في الصدور فهو كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه..} "وكقولهم رأيت بعيني".

    ****************************** ***

    { وَيَسْتَعْجِلُو نَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } 47 { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } 48 { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } 49 { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } 50 { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }51


    شرح الكلمات:

    يستعجلونك بالعذاب: أي يطالبونك مستعجلينك بما حذّرتهم منه من عذاب الله.

    كألف سنة مما تعدون: أي من أيام الدنيا ذات الأربع والعشرين ساعة.

    وكأين من قرية: أي وكثير من القرى أي العواصم والحواضر الجامعة لكل أسباب الحضارة.

    أمليت لها: أي أمهلتها فمدَّدت أيام حياتها ولم استعجلها بالعذاب.

    نذير مبين: منذر أي مخوِّف عاقبة الكفر والظلم بيِّنُ النذارة.

    لهم مغفرة ورزق كريم: أي ستر لذنوبهم ورزق حسن في الجنة.

    سعوا في آياتنا معاجزين: أي عملوا بجد واجتهاد في شأن إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا وما تحمله من دعوة إلى التوحيد وترك الشرك والمعاصي.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه في دعوته إلى الصبر والتحمل فيقول له: { وَيَسْتَعْجِلُو نَكَ بِٱلْعَذَابِ 1} أي يستعجلك المشركون من قومك بالعذاب الذي خوفتهم به وحذرتهم منه، { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وقد وعدهم فهو واقع بهم لا بد وقد تم ذلك في بدر وقوله تعالى: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } فلذا تعالى لا يستعجل وهم يستعجلون فيوم الله بألف سنة، وأيامهم بأربع وعشرين ساعة فإذا حدد تعالى لعذابهم يوماً معناه أن العذاب لا ينزل بهم إلا بعد ألف سنة، ونصف يوم بخمسمائة سنة، وربع يوم بمائتين وخمسين سنة وهكذا فلذا يستعجل الإِنسان ويستبطىء، والله عز وجل ينجز وعده في الوقت الذي حدده فلا يستخفه استعجال المجرمين العذاب ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:{ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [الآية: 53] من سورة العنكبوت هذا ما دلت عليه الآية الأولى [47] وقوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } أي مدينة كبرى { أَمْلَيْتُ لَهَا } أي أمهلتها وزدت لها في أيام بقائها والحال أنها ظالمة بالشرك والمعاصي ثم بعد ذلك الإملاء والإِمهال وأخذتها { وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } أي مصير كل شيء ومرده إلي فلا إله غيري ولا رب سواي فلا معنى لإِستعجال هؤلاء المشركين العذاب فإنهم عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا فإن مصيرهم إلى الله تعالى وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون الجزاء العادل في دار الشقاء والعذاب الأبدي وقوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ2 إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، فلست بإله ولا رب بيدي عذابكم إن عصيتموني وإنعامكم إن أطعتموني، وإنما أنا عبد مأمور بأن أنذر عصاة الرب بعذابه، وابشر أهل طاعته برحمته، وهو معنى الآية [50]3 فالذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازِمه أنهم تركوا الشرك والمعاصي لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم عند ربهم وهو الجنة دار النعيم { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ4 } أي عملوا جادين مسرعين في صرف الناس عن آيات الله حتى لا يؤمنوا بها ويعملوا بما فيها من هدى ونور معاجزين لله يظنون أنهم يعجزونه والله غالب على أمره ناصر دينه وأوليائه، أولئك البعداء في الشر والشرك أصحاب الجحيم الملازمون لها أبد الآبدين.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- العجلة من طبع الإِنسان ولكن استعجال الله ورسوله بالعذاب حمق وطيش وضلال وكفر.

    2- ما عند الله في الملكوت الأعلى يختلف تماماً عما في هذا الملكوت السلفي.

    3- عاقبة الظلم وخيمة وفي الخبر الظلم يترك الديار بلاقع أي خراباً خالية.

    4- بيان مهمة الرسل وهي البلاغ مع الإِنذار والتبشير ليس غير.

    5- بيان مصير المؤمنين والكافرين يوم القيامة.
    ______________________________ ____

    1 قيل: نزلت في النضر بن الحارث ورفقائه إذ كانوا يستعجلون العذاب ويطالبون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإنزاله تحدياً منهم وعناداً، وفيهم نزل: {سأل سائل بعذاب واقع} . {إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق..} الآية.
    2 النداء لأهل مكة خاصة وللبشريّة عامة إذ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله إلى الناس كافة والنذير: المخوف. عقوبة الشرك والشر والفساد.
    3 أي: ظانين أنهم يعجزوننا فلم نقو عليهم ولم نقدر على أخذهم لأنهم مكذّبون بالبعث الآخر وما فيه من حساب وجزاء على الكسب في هذه الدنيا.
    4 ومما يزيد تفسير هذه الآية وضوحاً قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم، وكذبت طائفة فهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق".


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #611
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )







    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (7)
    الحلقة (606)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 486الى صــــ 492)

    { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } 52 { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } 53 { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } 54 { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } 55 { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } 56 { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }57


    شرح الكلمات:

    من رسول ولا نبي: الرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلاغه والنبي مقرر لشرع من قبله.

    تمنى في أمنيته: أي قرأ في أمنيته، أي في قراءته.

    ثم يُحكم الله آياته: أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم الله آياته أي يثبتها.

    فتنة للذين في قلوبهم مرض: أي اختباراً للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك.

    والقاسية قلوبهم: هم المشركون.

    فتخبت له قلوبهم: أي تتطامن وتخشع له قلوبهم.

    في مرية منه: أي في شك منه وريب من القرآن.

    عذاب يوم عقيم: هو عذاب يوم بدر إذ كان يوماً عقيماً لا خير فيه.

    في جنات النعيم: أي جنات ذات نعيم لا يبلغ الوصف مداه.

    فلهم عذاب مهين: أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني.

    معنى الآيات:

    بعد التسلية الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنها قوله تعالى:{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ.. } [الحج: 42] الخ ذكر تعالى تسلية ثانية وهي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ حول الكعبة في صلاته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ ، وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية: " تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى " ففرح المشركون بما سمعوا ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها وأن الله أنزلها فلما سجد في آخر السورة سجدوا معه إلا رجلاً1 كبيراً لم يقدر على السجود فأخذ حثية من تراب وسجد عليها وشاع أن محمداً قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من الحبشة فكرب لذلك رسول الله وحزن فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له فقال: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ 2} ذي رسالة يبلغها ولا نبيّ مقرر لرسالة نبي قلبه { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } أي قرأ { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ 3} أي في قراءته { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ } أي يزيل ويبطل { مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } 4من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } بعد إزالة ما قاله الشيطان فيثبتها فلا تقبل زيادة ولا نقصانا، والله عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم لا يخفى عليه شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه، فلا تأس يا رسول الله ولا تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقال: { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } أي من كلمات في قراءة النبي أو الرسول { فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الشك والنفاق { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } وهم المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضلالاً على ضلالهم وبُعداً عن الحق فوق بعدهم إذ ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إلا للفتنة أي زيادة في الكفر والضلال.
    وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلاف لله ورسوله، بعيدون فيما يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه، وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر تعالى به ويدعوهم إليه من الاعتقاد والقول والعمل والتصور والإِدراك. وقوله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } هذا جزء العلة التي تضمنتها سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الأول تضمنه قوله تعالى: { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } وهذا هو الجزء الثاني أي { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } بالله وآياته وتدبيره { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي ذلك الإِلقاء والنسخ وإحكام الآيات بعده 5{ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى. وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ6 آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي بهم إلى رضاه وجنته، وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ 7} أي من القرآن هل هو كلام الله هل هو حق هل اتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } أي فجأة وهي القيامة { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ 8} أي لا خير فيه لهم وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث لا ينفع العلم.

    وقوله تعالى: { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ 9} أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك لله وحده فلا يملك معه أحد فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الآية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والمعاصي يدخلهم جنات النعيم، والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به، وكذبوا بآيات الله المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهو السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لأنفسهم.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- بيان سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة.

    2- بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها، ويخرج منها المؤمنون أكثر يقيناً وأعظم هدىً.

    3- بيان حكم الله تعالى بين عباده يوم القيامة بإكرام أهل الإِيمان والتقوى وإهانة أهل الشرك والمعاصي.

    4- ظهور مصداق ما أخبر به تعالى عن مجرمي قريش فقد استمروا على ريبهم حتى هلكوا في بدر.
    ______________________________ __
    1 هذا الرجل، روى البخاري أنه أمية بن خلف، وقيل هو أبو أحيحة سعيد بن العاص وقيل: هو الوليد بن المغيرة. والله أعلم بأيهم كان.
    2 في هذه الآية دليل على أن هناك فرقاً بين النبي والرسول لذكر الرسول في الآية ثم النبي: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة: أن كل رسول نبي إذ لا يرسل حتى يوحى إليه وينبّأ وليس كل نبي رسولاً إذ ينبئه الله تعالى بما شاء ولا يرسله، وجاء في حديث أبي ذر "إنّ عدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً أولهم آدم وآخرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي جمّ غفير"
    3 قال سليمان بن حرب إنّ (في) هنا هي بمعنى عند أي: ألقى الشيطان عند قراءته ألقى في قلوب المشركين. ولـ (في) بمعنى عند نظير هو قوله تعالى {ولبثت فينا من عمرك سنين} أي: عندنا.
    4 ما روي من خبر في قصة الغرانيق كله ضعيف ولم يثبت فيها حديث صحيح قط، والذي ثبت في الصحيح هو قراءة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لسورة النجم وسجوده وسجود المشركين معه والذي عصم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو المعصوم أن ينطق بكلمة: تلك الغرانيق العلا.. الخ وإنما نطق بها الشيطان وأسمعها المشركين للفتنة كما في التفسير المثبت فيه رأي ابن جرير إمام المفسّرين رحمه الله تعالى.
    5 قوله تعالى: {وليعلم الذين أوتوا العلم} جائز أن يكونوا من المؤمنين ومن أهل الكتاب.
    6 ومثبتهم على الهداية.
    7 ومن الدين ومن كل ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    8 وعذاب يوم القيامة عذاب عظيم باعتبار أنه يوم لا ليلة له فهذا وجه العقم لأنّ العقيم هو الذي لا يخلّف ولداً، ولما ذكر عذاب يوم القيامة تعيّن أن يكون هو يوم بدر ومعنى عقمه: أنه لا خير فيه للمشركين ولم يحصلوا منه على فائدة.
    9 قالوا: الملك هو اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور، وقيل في الآية إشارة إلى يوم بدر وهو بعيد ولا داعي إليه، ودلالة الآية تنفيه.

    **************************
    { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُ مُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } 58 { لَيُدْخِلَنَّهُ مْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } 59 { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } 60 { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } 61 { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }62

    شرح الكلمات:

    والذين هاجروا: أي هجروا ديار الكفر وذهبوا إلى دار الإِيمان المدينة المنورة.

    في سبيل الله: أي هجروا ديارهم لا لدنيا ولكن ليعبدوا الله وينصروا دينه وأولياءه.

    ليرزقهم رزقاً حسناً: أي في الجنة إذ أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة.

    ليدخلنهم مدخلا يرضونه: أي الجنة يوم القيامة.

    ذلك: أي الأمر ذلك المذكور فاذكروه ولا تنسوه.

    ثم بغى عليه: أي ظُلم بعد أن عاقب عدوه بمثل ما ظلم به.

    يولج الليل في النهار: أي يدخل جزءاً من الليل في النهار والعكس بحسب فصول السنة كما أنه يومياً يدخل الليل في النهار إذا جاء النهار ويدخل النهار في الليل إذا جاء الليل.

    بأن الله هو الحق: أي الإِله الحق الذي تجب عبادته دون سواه.

    من دونه: أي من أصنام وأوثان وغيرها هو الباطل بعينه.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في بيان حكم الله تعالى بين عباده فذكر تعالى ما حكم به لأهل الإِيمان والعمل الصالح وما حكم به لأهل الكفر والتكذيب، وذكر هنا ما حكم به لأهل الهجرة والجهاد فقال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ 1فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي خرجوا من ديارهم لأجل طاعة الله ونصرة دينه { ثُمَّ قُتِلُوۤاْ } من قِبلِ أعداء الله المشركين { أَوْ مَاتُواْ } حتف أنوفهم بدون قتل { لَيَرْزُقَنَّهُ مُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } في الجنة إذا أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش { لَيُدْخِلَنَّهُ مْ } يوم القيامة { مُّدْخَلاً 2يَرْضَوْنَهُ } وهو الجنة، وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي لخير من يرزق فما رزقهم به هو خير زرق وأطيبه وأوسعه. وقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } عليم بعباده وبأعمالهم الظاهرة والباطنة حليم يعفو ويصفح عن بعض زلات عباده المؤمنين فيغفرها ويسترها عليهم إذ لا يخلو العبد من ذنب إلا من عصمهم الله من أنبيائه ورسله.

    وقوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ 3} أي الأمر ذلك الذي بينت لكم، { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي ومن أخذ من ظالمه بقدر ما أخذ منه قصاصاً، ثم المعاقب ظلم بعد ذلك من عاقبه فإن المظلوم أولاً وآخراً تعهد الله تعالى بنصره، وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } فيه إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظلمه فإن العفو خير من المعاقبة وهذا كقوله تعالى4{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 40-41] وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي أن القادر على إدخال الليل في النهار والنهار في الليل بحيث إذ جاء أحدهما غاب الآخر، وإذا قصر أحدهما طال الآخر والسميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم قادر على نصرة من بُغي عليه من أوليائه، وقوله تعالى: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي المعبود الحق المستحق للعبادة، وإن ما يدعون من دونه من أصنام وأوثان هو الباطل أي ذلك المذكور من قدرة الله وعلمه ونصرة أوليائه كان لأن الله هو الإِله الحق وأن ما يعبدون من دونه من آلهة هو الباطل، وأن الله هو العلي على خلقه القاهر لهم المتكبر عليهم الكبير العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- بيان فضل الهجرة في سبيل الله حتى إنها تعدل 5الجهاد في سبيل الله.

    2- جواز المعاقبة بشرط المماثلة، والعفو أولى من المعاقبة.

    3- بيان مظاهر الربوبية من العلم والقدرة الموجبة لعبادة الله تعالى وحده وبطلان عبادة غيره.

    4- إثبات صفات الله تعالى: العلم والحلم والمغفرة والسمع والبصر والعفو والعلو على الخلق والعظمة الموجبة لعبادته وترك عبادة من سواه.
    ___________________________

    1 قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن مظعون وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما إذ ماتا بالمدينة مريضين فقال بعض الناس: من مات في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه. كأنه يعني عثمان وعبد الله فنزلت هذه الآية مسوّية بين المجاهد والمهاجر، ومن شواهد فضل المهاجر ما روي: أن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان برودس أميراً على الأرباع فجيىء بجنازتي رجلين أحدهما قتل والآخر متوفى فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حضرته فقال: أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اقرأوا قول الله تعالى: {والذين هاجروا..} الآية.
    2 قرأ نافع: {مدخلا} بفتح الميم على أنه اسم مكان من دخل المجرّد، وقرأ غيره مُدخلا بضم الميم: اسم مكان أيضاً من أدخله يدخله الرباعي مدخلا.
    3 ذلك: في محل رفع على الخبرية، والمبتدأ مقدّر كما في التفسير. أي: الأمر ذلك الذي قصصنا عليك والآية نزلت في حادثة خاصة قاتل فيها المسلمون في الشهر الحرام فحزنوا لذلك، وكان قتالهم اضطرارياً لأن المشركين هم البادئون.
    4 الآية من سورة الشورى.
    5 والرباط: كالهجرة، والجهاد، فقد روي عن سلمان الفارسي أنه مرّ برجال مرابطين على حصن ببلاد الروم. وطال حصارهم للحصن، وإقامتهم عليه فقال لهم: سمعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من مات مرابطاً أجرى الله تعالى عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين" واقرأوا إن شئتم: {والذين هاجروا} الآية.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #612
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (8)
    الحلقة (607)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 492الى صــــ 498)

    { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } 63 { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } 64 { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } 65 { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }66


    شرح الكلمات:

    ألم تر: أي ألم تعلم.

    مخضرة: أي بالعشب والكلأ والنبات.

    الغني الحميد: الغني عن كل ما سواه المحمود في أرضه وسمائه.

    سخر لكم ما في الأرض: أي سهل لكم تملكه والتصرف فيه والانتفاع به.

    أحياكم: أي أوجدكم أحياء بعدما كنتم عدما.

    لكفور: أي كثير الكفر والجحود لربِّه ونعمه عليه.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر القدرة والعلم والحكمة قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ 1} يا رسولنا { أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ 2مَآءً } أي مطراً فتصبح الأرض بعد نزول المطر عليها مخضرة بالعشب والنباتات والزروع، وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ 3} بعباده { خَبِيرٌ } بما يصلحهم ويضرهم وينفعهم.

    وقوله: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي خلقاً وملكاً وتصرفاً، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ } عن خلقه { ٱلْحَمِيدُ } أي المحمود في الأرض والسماء بجميل صنعه وعظيم إنعامه وقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم 4مَّا فِي ٱلأَرْضِ } من الدواب والبهائم على اختلافها { وَٱلْفُلْكَ } أي وسخر لكم الفلك أي السفن { تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي بإذنه وتسخيره، { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ5 أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ } أي كيلا تقع على الأرض { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي لا تقع إلا إذا أذن لها في ذلك وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } من مظاهر رأفته ورحمته بهم تلك الرحمة المتجلية في كل جانب من جوانب حياتهم في حملهم في إرضاعهم في غذائهم في نومهم في يقظتهم في تحصيل أرزاقهم في عفوه عن زلاتهم في عدم تعجيل العقوبة لهم بعد استحقاقهم لها في إرسال الرسل في إنزال الكتب فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ } بالإِنشاء والإِيجاد من العدم، ثم يميتكم عند انتهاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } ويبعثكم ليجزيكم بكسبكم كل هذه النعم يكفرها الإِنسان فيترك ذكر ربه وشكره ويذكر غيره ويشكر سواه، فهذه المظاهرلقدرة الرب وعلمه وحكمته وتلك الآلاء والنعم الظاهرة والباطنة توجب الإِيمان بالله وتحتم عبادته وتوحيده وذكره وشكره، وتجعل عبادة غيره سُخفاً وضلالاً عقلياً لا يُقادر قدره ولا يُعرف مداه.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- تقرير التوحيد بذكر مقتضياته من القدرة والنعمة.

    2- إثبات صفات الله تعالى: اللطيف الخبير الغني الحميد الرؤوف الرحيم المحيي المميت.

    3- بيان إنعام الله وإفضاله على خلقه.

    4- مظاهر قدرة الله تعالى في إمساك السماء أن تقع على الأرض، وفي الإِحياء والأماتة والبعث.
    ______________________________ ____

    1 {ألم تر} الخطاب صالح لكل متأهل للرؤية من ذوي العقول، والاستفهام للحض على الرؤية فهو كالأمر والفاء للتفريع إذ يتفرّع عن نزول المطر: صيرورة الأرض مخضرّة بالنبات.
    2 هذا انتقال إلى التذكير بمظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده وشكره بطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الإيمان به حق الإيمان وتصديقه بكل ما جاء به ويدعو إليه.
    3 لطيف في تدبيره للخلقة خبير في صنعه.. وهاتان الصفتان متجليتان في تدبيره تعالى للكون وصنعه فيه.
    4 التسخير: معناه: التذليل للشيء حتى يصبح طوع المسخّر له وهو هنا بمعناه، ويعني: تسهيل الانتفاع فيما هو خارج عن قدرة الإنسان بإرسال الرياح ونزول الأمطار.
    5 وجائز أن يراد بالسماء: ماؤها أي: المطر كقول الشاعر:
    إذا نزل السماء بأرض قوم
    رعيناه وإن كانوا غضابا

    ****************************** *
    { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } 67 { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } 68 { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } 69 { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } 70 { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } 71 { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ م بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }72


    شرح الكلمات:

    جعلنا منسكاً: أي مكاناً يتعبدون فيه بالذبائح أو غيرها.

    فلا ينازعنك: أي لا ينبغي أن ينازعوك.

    هدىً مستقيم: أي دين مستقيم هو الإِسلام دين الله الحق.

    في كتاب: هو اللوح المحفوظ.

    ما لم ينزل به سلطاناً: أي حجة وبرهاناً.

    المنكر: أي الإِنكار الدال عليه عبوس الوجه وتقطيبه.

    يسطون: يبطشون.

    بشر من ذلكم: هو النار.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في بيان هداية الله تعالى لرسوله والمؤمنين ودعوة المشركين إلى ذلك قال تعالى: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا 1مَنسَكاً } أي ولكل أمة من الأمم التي مضت والحاضرة أيضاً جعلنا لهم منسكاً أي مكاناً يتنسكون فيه ويتعبدون { هُمْ 2نَاسِكُوهُ } أي الآن، فلا تلتفت إلى ما يقوله هؤلاء المشركون، ولا تقبل منهم منازعة في أمر واضح لا يقبل الجدل، وذلك أن المشركين انتقدوا ذبائح الهدي والضحايا أيام التشريق، واعترضوا على تحريم الميتة وقالوا كيف تأكلون ما تذبحون ولا تأكلون ما ذبح الله بيمينه وقوله تعالى لرسوله: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي أعرض عن هذا الجدل الفارغ وادع إلى توحيد ربك وعبادته { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي طريق قاصد هاد إلى الإِسعاد والاكمال وهو الإِسلام وقوله: { وَإِن جَادَلُوكَ 3} في بيان بعض المناسك والنسك فاتركهم فإنهم جهلة لا يعلمون وقل: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي وسيجزيكم بذلك حسنة وسيئة { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } أي يقضي بينكم أيها المشركون فيما كنتم فيه تختلفون وعندها تعرفون المحق من المبطل منا وذلك يوم القيامة.

    وقوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا 4فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } بلى إن الله يعلم كل ما في السماوات والأرض من جليل ودقيق وجليّ وخفي وكيف لا وهو اللطيف الخبير. { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } وهو اللوح المحفوظ فكيف يجهل أو ينسى، و { إِنَّ ذٰلِكَ } أي كتبه وحفظه في كتاب المقادير { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ 5} أي هين سهل، لأنه تعالى على كل شيء قدير. هذا ما دلت عليه الآيات الأربع [67، 68، 69، 70] وقوله تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي ويعبد أولئك المشركون المجادلون في بعض المناسك أصناماً لم ينزل الله تعالى في جواز عبادتها حُجَّة ولا برهاناً بل ما هو إلا إفك افتروه، ليس لهم به علم ولا لآبائهم، وسوف يحاسبون على هذا الإِفك ويجزون به في ساعة لا يجدون فيها ولياً ولا نصيراً إذ هم ظالمون بشركهم بالله آلهة مفتراة ويوم القيامة ما للظالمين من نصير. هذا ما دلت عليه الآية [71] وأما قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } يخبر تعالى عن أولئك المشركين المجادلين بالباطل أنهم إذا قرأ عليهم أحد المؤمنين آيات الله وهي بينات في مدلولها تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم { تَعْرِفُ } يا رسولنا { فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ6 } أي تتغيّر وجوههم ويظهر عليها الإِنكار على التالي عليهم الآيات { يَكَادُونَ يَسْطُونَ 7} أي يبطشون ويقعون بمن يتلون عليهم آيات الله لهدايتهم وصلاحهم.

    وقوله تعالى: { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ م 8بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ } أي قل لهم يا رسولنا أفأنبكم بشر من ذلك الذي تكرهون وهو من يتلون عليكم آيات الله أنه النار التي وعدها الله الذين كفروا أي من أمثالكم، وبئس المصير تصيرون إليه النار إن لم تتوبوا من شرككم وكفركم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- تقرير حقيقة وهي أن كل أمة من الأمم بعث الله فيها رسولاً وشرع لها عبادات تعبده بها.

    2- استحسان ترك الجدال في البديهيات والإِعراض عن ما فيها.

    3- تقرير علم الله تعالى بكل خفي وجلي وصغير وكبير في السماوات والأرض.

    4- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير الكتاب الحاوي لذلك وهو اللوح المحفوظ.

    5- بيان شدة بغض المشركين للموحدين إذا دعوهم إلى التوحيد وذكروهم بالآيات.

    6- مشروعية إغاظة الظالم بما يغيظه من القول الحق.
    ______________________________

    1 سبق مثل هذا النزاع بين المؤمنين والمشركين في التذكية عند قول الله تعالى من سورة الأنعام: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وقوله تعالى: {فلا ينازعنك} معناه: أترك منازعتهم وأعرض عنهم ولا تلتفت إليهم.
    2 سبق مثل هذه الآية في أوّل السورة وهو دال على أنّه لا إله إلا الله إذ وحدة التشريع تدل على وحدة المشرع عقلاً ولا تنتقض.
    3 في الآية الكريمة أسلوب المتاركة إذا لم تنفع المجادلة لعدم استعداد الخصم لقبول الحق أو تعذر معرفته له.
    4 الاستفهام تقريري بالنسبة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والجملة تحمل التسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتخفيف مما يلاقي من جدال المشركين وعنادهم.
    5 أي: الفصل بين المختلفين ككتابة كل كائن في كتاب المقادير كل ذلك على الله يسير إذ هو تعالى لا يعجزه شيء، ويقول للشيء كن فيكون.
    6 أي: الغضب والعبوس.
    7 السطو: شدة البطش يقال: سطا به يسطو: إذا بطش وسواء كان ذلك بسب وشتم أو ضرب، وسطا عليه: إذا علاه ضرباً وشتماً.
    8 {أفأنبّكم} الهمزة داخلة على محذوف أي: أتكرهون سماع القرآن ومن يقرأه فأنا أنبّئكم بشر من ذلك الذي تأذّيتم به وكرهتموه؟ وقوله: {النار وعدها الله الذين كفروا} الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأنهم قالوا: نبئنا فقال: النار.. الخ.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #613
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )







    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الحج - (9)
    الحلقة (608)
    تفسير سورة الحج مكية ومدنية
    المجلد الثالث (صـــــــ 498الى صــــ 503)

    { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } 73 { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } 74 { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } 75 { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }76


    شرح الكلمات:

    ضرب مثل: أي جعل مثل هو ما تضمنه قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ.. الخ }.

    لن يخلقوا ذباباً: أي لن يستطيعوا خلق ذبابة وهي أحقر الحيوانات تتخلق من العفونات.

    ولو اجتمعوا: أي على خلقه فإنهم لا يقدرون، فكيف إذا لم يجتمعوا فهم أعجز.

    لا يستنقذوه منه: أي لا يستردوه منه وذلك لعجزهم.

    ضعف الطالب والمطلوب: أي العابد والمعبود.

    ما قدروا الله حق قدره: أي ما عظم المشركون الله تعالى حق قدره أي عظمته.

    يصطفي من الملائكة رسلاً: أي يجتبي ويختار كجبريل.

    ومن الناس: كمحمد صلى الله عليه وسلم.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين يقول تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ 1مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } أي يا أيها المشركون بالله آلهة أصناماً ضرب لآلهتكم في حقارتها وضعفها وقلة نفعها مثل رائع فاستمعوا له. وبينه بقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من أوثان وأصنام { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً2 } وهو أحقر حيوان وأخبث أي اجتمعوا واتحدوا متعاونين على خلقه، أو لم يجتمعوا له فإنهم لا يقدرون على خلقه وشيء آخر وهو إن يسلب الذاب الحقير شيئاً من طيب آلهتكم التي تضمّخونها به، لا تستطيع آلهتكم أن تسترده منه فما أضعفها إذاً وما أحقرها إذا كان الذباب أقدر منها وأعز وأمنع.

    وقوله تعالى: { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ 3} أي ضعف الصنم والذباب معاً كما ضعف العابد المشرك والمعبود الصنم { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي قوي قادر على كل شيء عزيز غالب لا يمانع في أمر يريده فكيف ساغ للمشركين أن يؤلهوا غيره ويعبدونه معه ويجعلونه له مثلاً. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى [73] والثانية [74] وقوله تعالى: { ٱللَّهُ يَصْطَفِي 4مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } هذا رد على المشركين عندما قالوا:{ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8] وقالوا:{ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94] فأخبر تعالى أنه يصطفي أي يختار من الملائكة رسلاً كما اختار جبرائيل وميكائيل، ومن الناس كما اختار نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ 5} لأقوال عباده طيبها وخبيثها { بَصِيرٌ } بأعمالهم صالحها وفاسدها وعلمه بخلقه وبصره بأحوالهم وحاجاتهم اقتضى أن يصطفي منهم رسلاً وقوله: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي ما بين أيدي رسله من الملائكة ومن الناس وما خلفهم ماضياً ومستقبلاً إذ علمه أحاط بكل شيء فلذا حق له أن يختار لرسالاته من يشاء فكيف يصح الإِعتراض عليه لولا سفه المشركين وجهالاتهم وقوله تعالى: { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } هذا تقرير لما تضمنته الجملة السابقة من أن لله الحق المطلق في إرسال الرسل من الملائكة أو من الناس ولا إعتراض عليه في ذلك إذ مرد الأمور كلها إليه بدءاً ونهاية إذ هو ربّ كل شيء ومليكه لا إله غيره ولا رب سواه.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.

    2- التنديد بالشرك وبطلانه وبيان سفه المشركين.

    3- ما قدر الله حق قدره من سوى به أحقر مخلوقاته وجعل له من عباده جزءاً وشبهاً ومثلاً.

    4- إثبات الرسالات6 للملائكة وللناس معاً.

    5- ذكر صفات الجلال والكمال لله تعالى المقتضية لربوبيته والموجبة لألوهيته وهي القوة والعزة، والسمع والبصر لكل شيء وبكل شيء والعلم بكل شيء.
    ______________________________ __

    1 ضرب المثل: هو ذكره وبيانه، واستعير الضرب للقول والذكر تشبيها بوضع الشيء بشدّة، وهو تعبير شائع في اللغة العربية، والمثل هنا تشبيه تمثيلي، إذ هو تشبيه أصنامهم في عجزها وحقارتها بالذباب في عجزه وحقارته وضمنه الإنكار الشديد عليهم في تشبيه أصنامهم بالله عز وجل إذ عبدوها بعبادته وألهوها تأليهه عز وجل.
    2 الذباب: اسم واحد للذكر والأنثى والجمع والقليل: أذبة والأكثر ذبان والواحدة ذبابة، ولا يقال ذبّانة بالتشديد وكسر الذال، والمذّبة: آلة لذب الذّبان وذباب السيف: طرفه الذي يضرب به.
    3 قيل: الطالب: الآلهة، والمطلوب: الذباب، والعكس صحيح، وجائز أن يكون الطالب: عابد الصنم، والمطلوب: الصنم.
    4 الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائيا، والإخبار بجملة يصطفي بدل: نصطفي لإفادة الاختصاص أي: هنا الاصطفاء خاص به تعالى لعظيم علمه وحكمته.
    5 الجملة تعليلية، وجملة يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، مقررة لها وتفيد الدعوة إلى مراقبة الله عزّ وجلّ.
    6 في العبارة بعض الخفاء، والمقصود هو أنّ الله يصطفي من الملائكة مثل جبريل وميكائيل فيرسلهم إلى من يصطفي من الناس وهم الأنبياء، وفي الآية رد على المعترضين على الوحي الإلهي لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


    ****************************** ****
    { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 77 { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }78


    شرح الكلمات:

    واعبدوا ربكم: أي أطيعوه في أمره ونهيه في تعظيم هو غاية التعظيم وذل له هو غاية الذل.

    وافعلوا الخير: أي من كل ما انتدبكم الله لفعله ورغبكم فيه من صالح الأقوال والأعمال.

    لعلكم تفلحون: أي كي تفوزوا بالنجاة من النار ودخول الجنة.

    حق جهاده: أي الجهاد الحق الذي شرعه الله تعالى وأمر به وهو جهاد الكفر والشيطان والنفس والهوى.

    اجتباكم: أي اختاركم لحمل دعوة الله إلى الناس كافة.

    من حرج: أي من ضيق وتكليف لا يطاق.

    ملة أبيكم: أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم وهي عبادة الله وحده لا شريك له.

    وفي هذا: أي القرآن.

    اعتصموا بالله: أي تمسكوا بدينه وثقوا في نصرته وحسن مثوبته.

    ونعم النصير: أي هو تعالى نعم النصير أي الناصر لكم.

    معنى الآيات:

    بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاثة: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، نادى الربّ تبارك وتعالى المسلمين بعنوان الإِيمان فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي ما من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإِسلام ديناً، { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ 1} أمرهم بإقام الصلاة { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أي أطيعوه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه معظمين له غاية التعظيم خاشعين له غاية الخشوع { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } من كل ما انتدبكم الله إليه ورغبكم فيه من أنواع البر وضروب العبادات { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لتتأهلوا بذلك للفلاح هو الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار.

    وقوله: { وَجَاهِدُوا 2فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ3 } أي أمرهم أيضاً بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفراغ الجهد والطاقة كلها نفساً ومالاً ودعوة وقوله: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } هذه مِنَّة ذكّر بها تعالى المؤمنين حتى يشكروا الله بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلاة والصيام، ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمُم.

    وقوله: { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ 4} أي الزموا ملة أبيكم وقوله: { هُوَ سَمَّاكُمُ 5ٱلْمُسْلِمِينَ } أي الله جل جلاله هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله: { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا } أي القرآن وقوله: { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي اجتباكم أيها المؤمنون لدينه الإِسلامي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيداً عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به إليهم وعليه فاشكروا هذا الإِنعام والإِكرام لله تعالى { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ 6وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباًَ وقضاءاً وحكماً، وقوله تعالى: { هُوَ مَوْلاَكُمْ } أي سيدكم ومالك أمركم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } هو سبحانه وتعالى { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } أي الناصر لكم ما دمتم أولياءه تعيشون على الإِيمان والتقوى.
    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- فضيلة الصلاة وشرف العبادة وفعل الخير.

    2- مشروعية السجود عند تلاوة هذه الآية { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

    3- فضل الجهاد في سبيل الله وهو جهاد الكفار، وأن لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم.

    4- فضيلة 7هذه الأمة المسلمة حيث أعطيت ثلاثاً لم يعطها إلا نبي كان يقال للنبي عليه السلام اذهب فليس عليك حرج فقال الله لهذه الأمة: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وكان يقال للنبي عليه السلام أنت شهيد على قومك وقال الله: { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } وكان يقال للنبي سل تعطه وقال الله لهذه الأمة:{ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] دل على هذا قوله تعالى: { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }.

    5- فرضية الصلاة، والزكاة، والتمسك بالشريعة.
    ______________________________ __

    1 خصّ الركوع والسجود من بين أركان الصلاة لأنهما أشرف أجزائها وأدل على خضوع العبد لربّه وذلته له.
    2 هذا من ذكر العام بعد الخاص، والعبادة: الطاعة ولكن مع غاية التعظيم والحبّ للمطاع.
    3 الجهاد هنا: قتال الكفار المعتدين والمانعين لدعوة الله وصد الناس عنها والعلّة فيه إكمال البشر وإسعادهم بالإسلام لله تعالى و {في} في قوله {في الله} : تعليلية أي: لأجل الله أي: لإعلاء كلمة الله تعالى، وفي الحديث الصحيح: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
    4 هذا كقوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} فإنه مخصوص بالاستطاعة وقوله بعد: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} مخصّصٌ له أيضاً، ويدخل في الأمر بالجهاد هنا: جهاد النفس والشيطان، وكلمة الحق عند من ينكرها لحديث "كلمة عدل عند سلطان جائر".
    5 الملّة: الدين والشريعة ونصب: {ملة} : بإلزموا ونحوه، والخطاب للعرب إذ إبراهيم أبو العرب المستعربة قاطبة، وهو أيضاً أبو أهل الكتاب وأبّ كل موحد أبوّة تشريف وإتباع وتعظيم.
    6 قوله تعالى {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} بعد ذكر المنن إشارة صريحة إلى وجوب شكر الله تعالى على نعمه، وما شكر الله تعالى من لم يقم الصلاة ويؤت الزكاة كما أن من لم يتمسك بدين الله كافر غير شاكر.
    7 ذكر هذا ابن جرير الطبري رواية عن معمر وقتادة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #614
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (1)
    الحلقة (609)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 504الى صــــ 508)

    الجزء الثامن عشر
    سورة المؤمنون
    مكية
    وآياتها مائة وثماني عشرة آية
    بسم الله الرحمن الرحيم

    { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } 1 { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } 2 { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } 3 { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } 4 { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } 5 { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } 6 { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } 7 { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } 8 { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } 9 { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } 10 { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }11


    شرح الكلمات:

    قد أفلح المؤمنون: أي فاز قطعاً بالنجاة من النار ودخول الجنة المؤمنون.

    في صلاتهم خاشعون: أي ساكنون متطامنون لا يتلفتون بعين ولا قلب وهم بين يدي ربهم.

    عن اللغو معرضون: اللغو كل ما لا رِضىً فيه لله من قول وعمل وتفكير، معرضون أي منصرفون عنه.

    للزكاة فاعلون: أي مؤدون.

    لفروجهم حافظون: أي صائنون لها عن النظر إليها لا يكشفونها وعن إتيان الفاحشة.

    أو ما ملكت أيمانهم: من الجواري والسَّراري إن وجدن.

    فمن ابتغى وراء ذلك: أي طلب ما دون زوجته وجاريته المملوكة شرعياً.

    فأولئك هم العادون: أي الظالمون المعتدون على حدود الشرع.

    راعون: أي حافظون لأماناتهم وعهودهم.

    الفردوس1: أعلى درجة في الجنة في أعلى جنة.

    معنى الآيات:

    قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ }2 يخبر تعالى وهو الصادق الوعد بفلاح المؤمنين وقد بين تعالى في آية آل عمران معنى الفلاح وهو الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة ووصف هؤلاء المؤمنين المفلحين بصفات من جمعها متصفاً بها فقد ثبت له الفلاح وأصبح من الوارثين الذين يرثون الفردوس يخلدون فيها وتلك الصفات هي:

    (1) الخشوع في الصلاة بأن يسكن فيها المصلي فلا يلتفت فيها برأسه ولا بطرفه ولا بقلبه مع رقة قلب ودموع عين وهذه أكمل حالات الخشوع في الصلاة، ودونها أن يطمئن ولا يتلفت برأسه ولا بعينه ولا بقلبه في أكثرها. هذه الصفة تضمنها قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }3.

    (2) إعراضهم عن اللغو وهو كل قول وعمل وفكر لم يكن فيه لله تعالى إذن به ولا رضى فيه ومعنى إعراضهم عنه: إنصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه، وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ }.

    (3) فعلهم الزكاة أي أداؤهم لفريضة الزكاة الواجبة من أموالهم الناطقة كالمواشي والصامتة كالنقدين والحبوب والثمار، وفعلهم لكل ما يزكي النفس من الصالحات وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ }.

    (4) حفظ فروجهم من كشفها ومن وطء غير الزوج أو الجارية المملوكة بوجه شرعي وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } في إتيان أزواجهم وما ملكت أيمانهم، ولكن اللوم والعقوبة على من طلب هذا المطلب من غير زوجه وجاريته { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي الظالمون المعتدون حيث تجاوزوا ما أحل الله لهم ما حرم عليهم.

    (5) مراعاة الأمانات والعهود بمعنى محافظتهم على ما ائتمنوا عليه من قول أو عمل ومن ذلك سائر التكاليف الشرعية حتى الغسل من الجنابة فإنه من الأمانة وعلى عهودهم وسائر عقودهم الخاصة والعامة فلا خيانة ولا نكث ولا خُلْف وقد تضمن هذا قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } أي حافظون.
    (6) المحافظة على الصلوات الخمس بأدائها في أوقاتها المحددة لها فلا يقدمونها ولا يؤخرونها مع المحافظة على شروطها من طهارة الخبث وطهارة الحدث وإتمام ركوعها وسجودها واستكمال أكثر سننها وآدابها وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }.

    فهذه ست صفات إجمالاً وسبع صفات تفصيلاً فمن اتصف بها كمل إيمانه وصدق عليه اسم المؤمن وكان من المفلحين الوارثين للفردوس الأعلى جعلنا الله تعالى منهم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وجوب الخشوع في الصلاة.

    2- تحريم نكاح المتعة لأن المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا ترث ولا تورث بخلاف الزوجة فإنها لها الربع والثمن، ولزوجها النصف والربع، لأن نكاح المتعة هو النكاح إلى أجل معين قد يكون شهراً أو أكثر أو أقل.

    3- تحريم العادة السريّة وهي نكاح اليد وسحاق المرأة لأن ذلك ليس بنكاح زوجة ولا جارية مملوكة.

    4- وجوب أداء الزكاة ووجوب حفظ الأمانات ووجوب الوفاء بالعهود ووجوب المحافظة على الصلوات.

    5- تقرير حكم التوارث بين أهل الجنة وأهل النار فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة اللهم اجعلنا من الوارثين الذين يرثون الفردوس.
    ______________________________ __

    1 أخرج مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة".
    2 روى أحمد والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب قوله: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه الوحي نسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا ثم قال: لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة: {قد فلح المؤمنون} حتى ختم العشر.
    3 كان السلف الصالح إذا قام أحدهم في صلاته يهاب الرحمن أن يمدّ بصره إلى شيء وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا، وأبصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" والجمهور على أن الخشوع في الصلاة أحد فرائضها.

    **************************

    { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } 12 { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } 13 { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } 14 { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } 15 { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ }16


    شرح الكلمات:

    من سلالة: السلالة ما يستل من الشيء والمراد بها هنا ما استل من الطين لخلق آدم.

    نطفة في قرار مكين: النطفة قطرة الماء أي المني الذي يفرزه الفحل، والقرار المكين الرحم المصون.

    العلقة: الدم المتجمد الذي يعلق بالإِصبع لو حاول أحد أن يرفعه بأصبعه كمح البيض1.

    والمضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل.

    خلقاً آخر: أي غير تلك المضغة إذ بعد نفخ الروح فيها صارت إنساناً.

    أحسن الخالقين: أي الصانعين فالله يصنع والناس يصنعون والله أحسن الصانعين.

    معنى الآيات:

    يخبر تعالى عن خلقه الإِنسان آدم وذريته وفي ذلك تتجلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته والتي أوجبت عبادته وطاعته ومحبته وتعظيمه وتقديره فقال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ 2} يعني آدم عليه السلام { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } أي من خلاصة طين جمعه فأصبح كالحمإ المسنون فاستل منه خلاصته ومنها خلق آدم ونفخ فيه من روحه فكان بشراً سوياً ولله الحمد والمنة قوله: { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } أي ثم جعلنا الإِنسان الذي هو ولد آدم نطفة من صُلْبِ آدم { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } هو رحم حواء { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ } المنحدرة من صلب آدم { عَلَقَةً } أي قطعة دم جامدة تعلق بالإِصبع لو حاول الإِنسان أن يرفعها بإصبعه، { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } وهي قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل، { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا 3ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ 4} أي إنساناً آخر غير آدم الأب، وهكذا خلق الله عز وجل آدم وذريته، { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }. وقد يصدق هذا على كون الإِنسان هو خلاصة عناصر شتى استحالت إلى نطفة الفحل ثم استحالت إلى علقة فمضغة فنفخ فيها الروح فصارت إنساناً آخر بعد أن كانت جماداً لا روح فيها وقوله تعالى: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } فأثنى الله تعالى على نفسه بما هو أهله أي تعاظم أحسن الصانعين، إذ لا خالق إلا هو ويطلق لفظ الخلق على الصناعة فحسن التعبير بلفظ أحسن الخالقين.

    وقوله تعالى: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } أي بعد خلقنا لكم تعيشون المدة التي حددناها لكم ثم تموتون، { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } أحياء للحساب والجزاء لتحيوا حياة أبدية لا يعقبها موت ولا فناء ولا بلاء.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته.

    2- بيان خلق الإِنسان والأطوار التي يمر بها.

    3- بيان مآل الإِنسان بعد خلقه.

    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها الملاحدة والمشركون.
    ______________________________ _

    1 هذه الجملة معطوفة على جملة: {قد أفلح} فهي من عطف جملة ابتدائية على مثلها: وهي كعطف قصة على أخرى، وهذا شروع في الاستدلال على التوحيد والبعث والجزاء بمظاهر القدرة والعلم والحكمة، وهي مقتضية لعقيدة كل من التوحيد والبعث الآخر حيث أنكرهما وكذّب بهما المشركون.
    2 جائز أن يكون المراد بالإنسان آدم، وأن يكون أحد ذريته إذ السلالة: الشيء المستل أي: المنتزع من غيره فالطينة مستلة من مادة الطين.
    والمنيّ مستل كذلك من مادة ما يفرزه جهاز الهضم من الغذاء حين يصير دماً، وهذه السلالة مخرجة من الطين لأنها من الأغذية، والأغذية أصلها من الأرض وقوله تعالى: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} هذا طور آخر للخلق وهو طور اختلاط السلالتين في الرحم، وسميت النطفة نطفة: لأنها تنطف أي: تقطر في الرحم في قناة معروفة وهي القرار المكين.
    3 وقد أثبت علم الأجنة والشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها الثاني فهي بمعنى عالقة ولا منافاة بين كونها علقة وعالقة.
    4 في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..} الحديث فإذا نفخ فيه الروح تهيأ للحياة والنماء وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ثم أنشأناه خلقاً آخر} وروي أن يهود يزعمون أن العزل هو الموؤدة الصغرى، وأن عليّا رد هذا وقال: لا تكون موؤودة حتى تمر عليها التارات السبع أي: الأطوار التي في هذه الآية.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #615
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )







    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (2)
    الحلقة (610)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 509الى صــــ 513)

    { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } 17 { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } 18 { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } 19 { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } 20 { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } 21 { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }22


    شرح الكلمات:

    سبع طرائق: أي سبع سماوات كل سماء يقال لها طريقة لأن بعضها مطروق فوق بعض.

    ماء بقدر: أي بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص.

    من طور سيناء: جبل يقال له جبل طور سيناء.

    تنبت بالدهن: أي تنبت بثمر فيه الدهن وهو الزيت.

    وصبغ للآكلين: أي يغمس الآكل فيه اللقمة ويأكلها.

    في الأنعام لعبرة: الأنعام الإِبل والبقر والغنم والعبرة فيها تحصل لمن تأمل خلقها ومنافعها.

    مما في بطونها: أي من اللبن.

    منافع كثيرة: كالوبر والصوف واللبن والركوب.

    ومنها تأكلون: أي من لحومها.

    تحملون: أي تركبون الإِبل في البر وتركبون السفن في البحر.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق في ذكر نعمه 1تعالى على الإِنسان لعل هذا الإنسان يذكر فيشكر فقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ2 طَرَآئِقَ } أي سموات سماء فوق سماء أي طريقة فوق طريقة وطبقاً فوق طبق وقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } أي ولم نكن غافلين عن خلقنا وبذلك انتظم الكون والحياة، وإلا لخرب كل شيء وفسد وقوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } هو ماء المطر أي بكميات على قدر الحاجة وقوله { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ 3وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ } أي أوجدنا لكم به بساتين من نخيل وأعناب { لَّكُمْ فِيهَا } أي في تلك البساتين { فَوَاكِهُ4 كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي ومن تلك الفواكه تأكلون وذكر النخيل والعنب دون غيرهما لوجودهما بين العرب فهم يعرفونهما أكثر من غيرهما فالنخيل بالمدينة والعنب بالطائف.

    وقوله: { وَشَجَرَةً5 تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } أي وأنبت لكم به شجرة الزيتون وهي { تَنبُتُ 6بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } فبزيتها يدهن ويؤتدم فتصبغ اللقمة به وتؤكل. وقوله: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } فتأملوها في خلقها وحياتها ومنافعها تعبرون بها إلى الإِيمان والتوحيد والطاعة. وقوله: { نُّسْقِيكُمْ 7مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } من ألبان تخرج من بين فرث ودم، وقوله: { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } كصوفها ووبرها ولبنها وأكل لحومها. وقوله: { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } وعلى بعضها كالإِبل تحملون في البر وعلى السفن في البحر، أفلا تشكرون لله هذه النعم فتذكروه وتشكروه أليست هذه النعم موجبة لشكر المنعم بها فيُعبد ويوحد في عبادته؟.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- بيان قدرة الله تعالى وعظمته في خلق السماوات طرائق وعدم غفلته عن سائر خلقه فسار كل شيء لما خلق له فثبت الكون وانتظمت الحياة.

    2- بيان إفضال الله تعالى في إنزال الماء بقدر وإسكانه في الأرض وعدم إذهابه مما يوجب الشكر لله تعالى على عباده.

    3- بيان منافع الزيت8 حيث هو للدهن والائتدام والإِستصباح.

    4- فضل الله على العباد في خلق الأنعام والسفن للانتفاع بالأنعام في جوانب كثيرة منها، وفي السفن للركوب عليها وحمل السلع والبضائع من إقليم إلى إقليم.

    5- وجوب شكر الله تعالى على انعامه وذلك بالإِيمان به وعبادته وتوحيده فيها.
    _____________________________
    1 وفي ذكر أدلة التوحيد إذ تقدم الاستدلال على التوحيد بخلق الإنسان وهذا استدلال بخلق العدالة العلوية.
    2 الطرائق: جمع طريقة، وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث فهل المراد بها هنا طرق الملائكة أو طرق سير الكواكب وهو سمتها وما تجري فيه أو هي السبع السموات، ومعنى طرائق: أن بعضها فوق بعض من قولهم طارق بين ثوبين جعل أحدهما فوق الثاني، ويكون المعنى طباقا وهذا هو الراجح. والله أعلم.
    3 {أسكناه في الأرض} منه ما هو ظاهر كماء الأودية، والأنهار، ومنه ما هو باطن، وهو المياه الجوفية، وإن الله تعالى على ذهابه من ظاهر الأرض كباطنها قدير، ويومها تهلك البشرية، وهذه الآية كقوله: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين} .
    4 جمع فاكهة وهي: ما يؤكل تفكّهاً بآكله أي: تلذّذا بطعمه من غير قصد القوت، وما يؤكل لأجل الطعام يقال له: طعام ولا يقال له فاكهة.
    5 وشجرة: معطوفة على جنات أي: وأخرجنا لكم به شجرة.
    6 الباء في {بالدهن} للمصاحبة نحو: خرج زيد بسلامة أي: مصحوباً بسلامة.
    7 قرىء {نسقيكم} بضم النون من أسقاه، وبفتحها من سقاه كذا.
    8 في الآية إشارة إلى أن شجر الزيتون أول ما وجد على الأرض وُجد بطور سيناء ثم تناقله الناس من إقليم إلى آخر، فقوله {تخرج من طور سيناء} إعلام بأول منبت لها.

    ****************************** **
    { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } 23 { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } 24 { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } 25 { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }26


    شرح الكلمات:

    اعبدوا الله: أي وحدوه بالعبادة إذ ليس لكم من إله غيره.

    أفلا تتقون: أي أتعبدون معه غيره فغلا تخافون غضبه وعقابه.

    الملأ: أي أعيان البلاد وكبراء القوم.

    ما هذا إلا بشر مثلكم: أي ما نوح إلا بشر مثلكم فكيف تطيعونه بقبول ما يدعوكم إليه.

    أن يتفضل عليكم: أي يسودكم ويصبح آمراً ناهياً بينكم.

    ولو شاء الله لأنزل ملائكة: أي لو شاء الله إرسال رسول لأنزل ملائكة رسلا.

    رجل به جنة: أي مصاب بمس من جنون.

    فتربصوا به حتى حين: أي فلا تسمعوا له ولا تطيعوه وانتظروا به هلاكه أو شفاءه.

    معنى الآيات:

    هذا السياق بداية عدة قصص ذكرت على إثر قصة بدأ خلق الإِنسان الأول آدم عليه السلام فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً } 1أي قبلك يا رسولنا فكذبوه. كما كذبك قومك وإليك قصته إذ قال يا قوم اعبدوا الله أي وحدوه في العبادة، ولا تعبدوا معه غيره { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ 2} أي إذ ليس لكم من إله غيره يستحق عبادتكم. وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي أتعبدون معه غيره أفلا تخافون غضبه عليكم ثم عقابه لكم؟.

    فأجابه قومه المشركون بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي فرد عليه قوله أشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم من أغنياء وأعيان ممن كفروا من قومه { مَا هَـٰذَا } أي نوح { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يسود 3ويشرف فادعى أنه رسول الله إليكم { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي أن لا نعبد معه سواه { لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } تخبرنا بذلك { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي بالذي جاء به نوح ودعا إليه من ترك عبادة آلهتنا { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي لم يقل به أحد من أجدادنا السابقين { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } أي ما نوح إلا رجل به مس من جنون، وإلا لما قال هذا الذي يقول من تسفيهنا وتسفيه آبائنا { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ 4حَتَّىٰ حِينٍ } أي انتظروا به أجله حتى يموت، ولا تتركوا دينكم لأجله وهنا وبعد قرون طويلة بلغت ألف سنة إلا خمسين شكا نوح إلى ربه وطلب النصر منه فقال ما أخبر تعالى به عنه { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي5 بِمَا كَذَّبُونِ } أي أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وانصرني عليهم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- إثبات النبوة المحمدية بذكر أخبار الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي.

    2- تقرير التوحيد بذكر دعوة الرسل أقوامهم إليه.

    3- بيان سنة من سنن البشر وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر.

    4- بيان كيف يرد الظالمون دعوة الحق بإتهام الدعاة بما هم براء منه كالجنون وغيره من الاتهامات كالعمالة لفلان والتملق لفلان..
    __________________________

    1 فوائد سرد القصص كثيرة منها: تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر مما يلقى من قومه، ومنها: العظة والاعتبار بما جرى من أحداث، ومنها تقرير التوحيد وإثبات النبوة المحمدية واللام في: {ولقد أرسلنا} موطئة للقسم أي: وعزّتنا لقد أرسلنا نوحاً.
    2 قرأ الجمهور بجرّ {إله} ورفع {غيره} وقرأ بعضهم: بجر {غيره} لأنه نعت لإله المجرور بحرف الجر الزائد ورفع {غيره} هو على المحل إذ محل {إله} الرفع وإنما منع منه حرف الجر الزائد.
    3 قولهم: هذا ناتج عن نفسياتهم المتهالكة على حب الرئاسة والشر الموهوم.
    4 التربص: التوقف على عمل يراد عمله، والتريث فيه لما قد يغني عنه.
    5 {قال ربّ انصرني} هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة جواباً لسؤال مقدّر تقديره: لما كذب قومه ماذا فعل؟ والجواب: دعا عليهم: {قال ربّ انصرني} .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #616
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (3)
    الحلقة (611)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 513الى صــــ 518)

    { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } 27 { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } 28 { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } 29 { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ }30


    شرح الكلمات:

    فأوحينا إليه أن اصنع: أي أعلمناه بطريق سريع خفي أي اصنع الفلك.

    بأعيننا ووحيينا: أي بمرأى منا ومنظر، وبتعليمنا إياك صنعها.

    وفار التنور: تنور الخباز فار منه الماء آية بداية الطوفان.

    فاسلك فيها: أي أدخل في السفينة.

    وأهلك: أولادك ونساءك.

    ولا تخاطبني في الذين ظلموا: أي لا تكلمني في شأن الظالمين فإني حكمت بإغراقهم.

    وقل رب: أي وادعني قائلاً يا رب أنزلني منزلاً مباركاً من الأرض.

    إن في ذلك لآيات: أي لدلائل وعبر.

    وإن كنا لمبتلين: أي لمختبرين.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر قصة نوح عليه السلام مع قومه فقد جاء في الآيات السابقة أن نوحاً عليه السلام دعا ربه مستنصراً إياه لينصره على قومه الذين كذبوه قائلاً:{ رَبِّ ٱنصُرْنِي 1بِمَا كَذَّبُونِ } [المؤمنون: 26] فاستجاب الله تعالى دعاءه فأوحى إليه أي أعلمه بطريق الوحي الخاص { أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } أي السفينة { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي بمرأى منا ومنظر وبتعليمنا إياك وجعل له علامة على بداية هلاك القوم أن يفور التنور تنور طبخ الخبز بالماء وأمره إذا رأى تلك العلامة أن يدخل في السفينة من كل زوج أي ذكر وأنثى اثنين من سائر الحيوانات التي أمكنه ذلك منه وأن يركب فهيا أيضاً أهله من زوجة وولد إلا من قضى الله بهلاكه ونهاه أن يكلمه في شأن الظالمين لأنهم مغرقون قطعاً. هذا ما تضمنته الآية الأولى [27] { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } أي بإهلاك الظالمين المشركين { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا } أي في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ 2ٱثْنَيْنِ 3وَأَهْلَكَ } أي أزواجك وأولادك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } أَي بإهلاكهم كامرأته، { وَلاَ تُخَاطِبْنِي 4 فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي لا تسألني عنهم فإني مهلكهم.

    وقوله تعالى: { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ5 أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } أي إذا ركبت واستقررْت على متن السفينة أنت ومن معك من المؤمنين فاحمدنا فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين 6وادعنا ضارعاً إلينا قائلاً { رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً 7} أي من الأرض، وَأثْن علينا خيراً فقل { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ }8 وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } أي المذكور من قصة نوح لدلائل على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته ووجوب الإِيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله: { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } أي مختبرين عبادنا بالخير والشر ليرى الكافر من المؤمن، والمطيع من العاصي ويتم الجزاء حسب ذلك إظهاراً للعدالة الإِلهية والرحمة الربانية.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- إثبات الوحي الإِلهي وتقرير النبوة المحمدية.

    2- تقرير حادثة الطوفان المعروفة لدى المؤرخين.

    3- بيان عاقبة الظلم وأنه هلاك الظالمين.

    4- سنية قول بسم الله والحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون عند ركوب الدابة أو السفينة ونحوها كالسيارة والطيارة.

    5- استحباب الدعاء وسؤال الله تعالى ما العبد في حاجة إليه من خير الدنيا.

    6- بيان سر ذكر قصة نوح وهو ما فيها من العظات والعبر.
    __________________________

    1 الباء سببية في موضع الحال من النصر المأخوذ في فعل الدعاء، وجملة {أن اصنع} جملة مفسرة لجملة: {أوحينا} لأنّ الوحي فيه معنى القول دون حروفه، فأن تفسيرية قطعاً.
    2 الزوج: اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شفعا في حالة ما، والمراد به هنا: أزواج الحيوانات لحفظ نوعها حتى لا تنقرض بالطوفان.
    3 قرأ حفص {من كلٍّ} بتنوين كل، وقرأ نافع وغيره بلا تنوين أي: بإضافة اثنين إلى كل، وتنوين كل تنوين عوض أي: من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة.
    4 أي: في شأنهم فإنهم قد قضى بإهلاكهم ولا رادٌ لقضائه تعالى.
    5 استويت: أي علوت فوقها واستقررت فيها، وحرف الجر {على} مؤذن بالاستقرار والتمكن منه.
    6 الظالمين: أي المشركين، لأن الظلم هو الشرك، والتنجية: الإنجاء من شرهم وأذاهم وشركهم وكفرهم.
    7 المنزل بضم الميم: وفتح الزاي: مصدر الذي هو الإنزال، وبفتح الميم وكسر الزاي هو مكان النزول أي: أنزلني موضعاً مباركاً، والمنزل بفتح الميم والزاي معاً: مصدر نزل نزولا ومنزلاً.
    8 في الآية تعليم للمؤمنين إذا ركبوا أو نزلوا أن يدعوا بهذا الدعاء بل حتى إذا دخلوا بيوتهم وسلموا فقد كان عليّ رضي الله عنه إذا دخل المسجد دعا بهذا الدعاء: {ربّ أنزلني..} الخ.

    ****************************** *****
    { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } 31 { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } 32 { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُ مْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } 33 { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } 34 { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } 35 { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } 36 { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } 37 { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ }38

    شرح الكلمات:

    ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين: أي خلقنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم عاد قوم هود.

    رسولاً منهم: هو هود عليه السلام.

    أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره: أي قولوا لا إله إلا الله فاعبدوا الله وحده.

    وأترفناهم: أي أنعمنا عليهم بالمال وسعة العيش.

    أنكم مخرجون: أي أحياء من قبوركم بعد موتكم.

    هيهات هيهات: أي بَعُدَ بُعْداً كبيراً وقوعُ ما يعدكم.

    إن هي إلا حياتنا الدنيا: أي ما هي إلا حياتنا الدنيا وليس وراءها حياة أخرى.

    إن هو إلا رجل: أي ما هو إلا رجلٌ افترى على الله كذباً أي كذب على الله تعالى.

    معنى الآيات:

    هذه بداية قصة هود عليه السلام بعد قصة نوح عليه السلام أيضاً فقال تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي خلقنا وأوجدنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم 1عاد قوم هود { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ 2رَسُولاً مِّنْهُمْ } هو هود عليه السلام بأن قال لهم: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي اعبدوا الله بطاعته وإفراده بالعبادة إذا لا يوجد لكم إله غير الله تصح عبادته إذ الخالق لكم الرازق الله وحده فغيره لا يستحق العبادة بحال من الأحوال وقوله: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } يحثهم على الخوف من الله ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته.

    وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقال أعيان البلاد وأشرافها من قوم هود ممن كفروا بالله ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الآخرة وقد أترفهم 3الله تعالى: بالمال وسعة الرزق فأسرفوا في الملاذ والشهوات: قالوا: وماذا قالوا؟: قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم بقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي ما هذا الرسول إلا بشر مثلكم { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } من أنواع الطعام { وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } من ألوان الشراب4 أي فلا فرق بينكم وبينه فكيف ترضون بسيادته عليكم يأمركم وينهاكم. وقالوا: { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } أي خاسرون حياتكم ومكانتكم، وقالوا: { أَيَعِدُكُمْ 5أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً } أي فنيتم وصرتم تراباً { أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } أي أحياء من قبوركم. وقالوا: { هَيْهَاتَ6 هَيْهَاتَ } أي بَعُد بُعْداً كبيراً ما يعدكم به هود إنها ما { هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } أي { نَمُوتُ وَنَحْيَا } جيل 7يموت وجيل يحيا { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } وقالوا: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ8 عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً } أي اختلق الكذب على الله وقال عنه أنه يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم. وقالوا { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليه السلام سيأتي في الآيات بعد.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل، وما تبتدىء به دعوتهم وهو لا إله إلا الله.

    2- أهل الكفر لا يصدر عنهم إلا ما هو شر وباطل لفساد قلوبهم.

    3- الترف يسبب كثيراً من المفاسد والشرور، ولهذا يجب أن يُحذَرْ بالاقتصاد.

    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثباتها وهي ما ينكره الملاحدة هروباً من الاستقامة.

    5- تُكأة عامة المشركين وهي كيف يكون الرسول رجلاَ من البشر، دفعاً للحق وعدم قبوله.
    ____________________________

    1 وقيل هم قوم صالح بقرينة قوله تعالى: {فأخذتهم الصيحة} وهي التي أهلك الله تعالى بها ثمود قوم صالح إذ قال تعالى: {فأخذتهم الصيحة مصبحين} من سورة الحجر. ورشح هذا لأنّ فيها العبرة أكثر لوجود آثارهم في ديارهم شمال الحجاز إلاّ أن ذكر عاد بعد قوم نوح هو الوارد في كل قصص القرآن وبترجيح الزمان إذ عاد أوّل أمّة أهلكت بعد قوم نوح. والله أعلم.
    2 قوله: {فيهم} بدل إليهم: لأن هوداً أو صالحاً كان المرسل من أهل البلاد وفرداً من أفرادهم فلا يحسن أن يقال: إلى إلاّ إذا كان خارجاً عنهم ليس من أفرادهم، وذلك كما في أهل سدوم، ونينوي والقبط فجاء التعبير بإلى نحو: {إلى فرعون وملئه} .
    3 أي: وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا، وصاروا يؤتون بالترفة وهي كالتحفة، يقال: أترفه المال: إذا أبطره وأفسده.
    4 في قولهم: يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون. هذه الجملة وإن كانت تعليلا لبشرية الرسول فإنها دالة على أنهم حقاً مترفون منعّمون في ملاذ الأكل والشرب كأنّه لا هم لهم إلاّ ذاك، كما قيل: من أحب شيئاً أكثر من ذكره كما هي مجالس المترفين اليوم جل لأحاديثهم حول الأكل والشرب ونحوهما.
    5 الاستفهام للتعجيب، والكلام انتقال من تكذيبهم بكونه رسولاً إليهم إلى التكذيب بما أرسل به من الدين الحق.
    6 الجمهور من النّحاة واللغويين: أن هيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ وهي مبنية على الفتح والكسر أيضاً ولا تُقال إلاّ مكررة، قال الشاعر:
    فهيهات هيهات العقيق وأهله
    هيهات خلّ بالعقيق نواصله
    7 إن قيل: كيف قالوا: نموت ونحيا وهم منكرون للبعث؟ قيل في الجواب: إما أن يكون مرادهم نكون نطفاً ميتة ثم نحيا، وإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي: نحيا فيها ونموت نحو {واسجدي واركعي} وإما بموت الآباء وحياة الأبناء.
    8 الافتراء: الكذب الذي لا شبهة فيه للمخبر، وهو الاختلاق.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #617
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )






    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (4)
    الحلقة (612)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 518الى صــــ 522)

    { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } 39 { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } 40 { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } 41 { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ } 42 { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } 43 { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }44


    شرح الكلمات:

    عما قليل: أي عن قليل من الزمن.

    ليصبحن نادمين: ليصيرن نادمين على كفرهم وتكذيبهم.

    فأخذتهم الصيحة: أي صيحة العذاب والهلاك.

    فجعلناهم غثاء: كغثاء السيل وهو ما يجمعه الوادي من العيدان والنبات اليابس.

    فبعداً: أي هلاكاً لهم.

    ثم أنشأنا: أي أوجدنا من بعدهم أهل قرون آخرين كقوم صالح وإبراهيم ولوط وشعيب.

    تترا: أي يتبع بعضها بعضاً الواحدة عقب الأخرى.

    وجعلناهم أحاديث: أي أهلكناهم وتركناهم قصصاً تقص وأخباراً تتناقل.

    معنى الآيات:

    هذا ما قال هود1 عليه السلام بعد الذي ذكر تعالى من أقوال قومه الكافرين { قَالَ رَبِّ } أي يا رب { ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ2 } أي بسبب تكذيبهم لي وردهم دعوتي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة غيرك فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله: { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } أي بعد قليل من الوقت وعزتنا وجلالنا ليصبحن نادمين أي ليصيرن نادمين على كفرهم بي وإشراكهم في عبادتي وتكذيبهم إياك ولم يمض إلا قليل زمن حتى أخذتهم الصيحة صيحة الهلاك ضمن ريح صرصر في أيام نحسات فإذا هم غثاء كغثاء السبيل لا حياة فيهم ولا فائدة ترجى منهم { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي هلاكاً للظالمين بالشرك والتكذيب والمعاصي وقوله تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ 3} أي ثم أوجدنا بعد إهلاكنا عاداً أهل قرون آخرين كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب. وقوله تعالى: { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } أي أن كل أمة حكمنا بهلاكها لا يمكنها أن تسبق أجلها أي وقتها المحدود لها فتتقدمه كما لا يمكنها أن تتأخر عنه بحال.

    وقوله تعالى: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا4 } أي يتبع بعضها بعضاً { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي في الهلاك فكلما كذبت أمة رسولها ورفضت التوبة إلى الله والإِنابة إليه أهلكها، وقوله تعالى { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ5 } أي لمن بعدهم يذكرون أحوالهم ويروون أخبارهم { فَبُعْداً } أي هلاكاً منا { لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } في هذا تهديد قوي لقريش المصرة على الشرك والتكذيب والعناد. وقد مضت فيهم سنة الله فأهلك المجرمين منها.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    1- استجابة الله دعوة المظلومين من عباده لا سيما إن كانوا عباداً صالحين.

    2- الآجال للأفراد أو الأمم لا تتقدم ولا تتأخر سنة من سنن الله تعالى في خلقه.

    3- تقرير حقيقة تاريخية علمية وهي أن الأمم السابقة كلها هلكت بتكذيبها وكفرها ولم ينج منها عند نزول العذاب بها إلا المؤمنون مع رسولهم.

    4- كرامة هذه الأمة المحمدية أن الله تعالى لا يهلكها هلاكاً عاماً بل تبقى بقاء الحياة تقوم بها الحجة لله تعالى على الأمم والشعوب المعاصرة لها طيلة الحياة.
    ______________________________

    1 دَرَج الجمهور من المفسرين على أن القصص المذكور هنا كما هو في سائر السور هو قصص هود عليه السلام، وذهب ابن جرير وبعضٌ آخر إلى أنه قصة صالح لقرينة {فأخذتهم الصيحة} وقال الجمهور: يمكن أن تكون الصيحة ضمن عواصف الريح العقيم التي أرسلها تعالى على عاد قوم هود فأخذتهم فهلكوا بها والرياح عصفت بهم فمزقت وشتتت شملهم وتركتهم كأعجاز نخل خاوية ثم تفتتوا وصاروا كالغثاء وهذا الجمع أحسن.
    2 في الكلام حذف اقتضاه الإيجاز غير المخل وهو: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم ثم أنشأنا.
    3 من في قوله {من أمة} صلة زيدت لتقوية النفي وتوكيده، والأصل ما تسبق أمّة.
    4 {تترى} على وزن فعلى كدعوى وسلوى، والألف فيه للتأنيث، وأصله وترى من الوتر، الذي هو الفرد أبدلت الواو تاء كما أبدلت في تراث من الورث، وتجاه من الوجه، ولا يقال: تترى إلاّ إذا كان هناك تعاقب وانقطاع، وقرىء منوناً تترىً، وهو منصوب على الحال في القراءتين معاً.
    5 جمع أحدوثة وهو ما يتحدّث به كأعاجيب جمع أعجوبة، وعي ما يتعجب منه، ومثل هذا التعبير: أحاديث: لا يقال في الخير وإنما يقال في الشر لا غير لقوله تعالى: {فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزق} رقد يقال في الخير إذا كان مقيّداً بذكره نحو قول ابن دريد:
    إنما المرء حديث بعده
    فكن حديثاً حسناً لمن وعى

    ****************************** **
    { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } 45 { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُوا ْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } 46 { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } 47 { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } 48 { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } 49 { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }50


    شرح الكلمات:

    بآياتنا وسلطان مبين: الآيات هي التسع الآيات وهي الحجة والسلطان المبين.

    وكانوا قوماً عالين: أي علوا أهل تلك البلاد قهراً واستبداداً وتحكماً.

    وقومهما لنا عابدون: أي مطيعون ذليلون نستخدمهم فيما نشاء وكيف نشاء.

    ولقد آتينا موسى الكتاب: أي التوراة.

    وجعلنا ابن مريم: أي عيسى حجة وبرهاناً على وجود الله وقدرته وعلمه ووجوب توحيده.

    إلى ربوة ذات قرار ومعين: إلى مكان مرتفع ذي استقرار وفيه ماء جار عذب وفواكه وخضر.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في ذكر نبذ من قصص الأولين للعظة والاعتبار، ولإِقامة الحجة على مشركي قريش فقال تعالى: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بعد تلك الأمم الخالية أرسلنا موسى بن عمران وأخاه هارون بسلطان مبين أي بحجج وبراهين بينة دالة على صدق موسى وما يدعو إليه من عبادة الله وتوحيده فيها والخروج ببني إسرائيل إلى الأرض المباركة أرض الشام إلى فرعون ملك مصر يومئذ وملئه من أشراف قومه وعليتهم فاستكبروا عن قبول دعوة الحق وكانوا عالين على أهل تلك البلاد فاهرين لها مستبدين بها وقالوا رداً على دعوة موسى وهارون ما أخبر تعالى به في قوله: { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } أي خاضعون مطيعون. هكذا أعلنوا متعجبين من دعوة موسى وهارون إلى الإِيمان برسالتهما فقالوا: أنؤمن لبشر من مثلنا أي كيف يكون هذا أنتبع رجلين مثلنا فنصبح نأتمر بأمرهما وننتهي بنهيهما وكيف يتم ذلك وقومهما يعنون بني إسرائيل لنا عابدون. أي خاضعون لنا ومطيعون لأمرنا ونهينا. قال تعالى: { فَكَذَّبُوهُمَا } ، فيما دعواهما إليه من الإِيمان والتوحيد وإرسال بني إسرائيل معهما إلى أرض الميعاد فترتب على تكذيبهم لرسولي الله موسى وهارون هلاكهم فكانوا من المهلكين حيث أغرقهم الله أجمعين، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ1 ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، ويخبر تعالى أنه بعد إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل آتى موسى التوراة من أجل هداية بني إسرائيل عليها لأنها تحمل النور والهدى. هذه أيادي الله على خلقه وآياته فيهم فسبحانه من إله عزيز رحيم.

    وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ2 وَأُمَّهُ } أي جعل عيسى ووالدته مريم { آيَةً } حيث خلق عيسى من غير أب فهي آية دالة على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته وهذه موجبة الإِيمان به عبادته وتوحيده والتوكل عليه والإِنابة والتوبة إليه. وقوله تعالى: { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ 3ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ 4} أي أنزلنا مريم وولدها بعد اضطهاد اليهود لهما ربوة عالية صالحة للإِستقرار عليها بها فاكهة وماء عذب جار إكرام الله تعالى له ولوالدته فسبحان المنعم على عباده المكرم لأوليائه.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- تقرير نبوة كل من موسى وأخيه هارون عليهما السلام.

    2- التنديد بالإِستكبار، وأنه علة مانعة من قبول الحق.

    3- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته في إرسال الرسل بالآيات وفي إهلاك المكذبين.

    4- آية ولادة عيسى من غير أب مقررة قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وبعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء.
    ______________________________ _

    1 خصّ موسى بإيتائه الكتاب دون هارون لأنّ هارون يوم إعطاء موسى الكتاب {التوراة} كان مع قومه، وموسى كان وحده في الطور للمناجاة.
    2 أدمج أمّه في الذكر لتسفيه اليهود في قولهم في مريم بهتاناً عظيماً.
    3 الربوة: المكان المرتفع من الأرض، وهي مثلثة الراء تضم وتفتح وتكسر، وهي بفلسطين أو مدينة الرملة وهي من أرض فلسطين.
    4 المعين: هو الماء الجاري على ظهر الأرض ظاهر للعيون.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #618
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )







    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (5)
    الحلقة (613)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 522الى صــــ 526)

    { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } 51 { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } 52 { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } 53 { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } 54 { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } 55 { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }56


    شرح الكلمات:

    كلوا من الطيبات: أي من الحلال.

    واعملوا صالحاًَ: أي بأداء الفرائض وكثير من النوافل.

    وإن هذه أمتكم: أي ملتكم الإِسلامية.

    فاتقون: أي بامتثال أمري واجتناب نهيي.

    فتقطعوا أمرهم: أي اختلفوا في دينهم فأصبحوا طوائف هذه يهودية وتلك نصرانية.

    في غمرتهم: أي في ضلالتهم.

    نسارع لهم: أي نعجل.

    بل لا يشعرون: أن ذلك استدراج منا لهم.

    معنى الآيات:

    بعد أن أكرم الله تعالى عيسى ووالدته بما أكرمهما به من إيوائهما إلى ربوة ذات قرار ومعين خاطب 1عيسى عبده ورسوله قائلاً: { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي الحلال فكان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه إذا كانت تغزل الصوف بأجرة فكانا يأكلان من ذلك أكلا من الطيب كما أمرهما الله تعالى وقوله: { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } كلوا من الحلال واعملوا صالحاً بأداء الفرائض والإِكثار من النوافل، وقوله: { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيه وعد بأن الله تعالى سيثيبهم على ما يعلمون من الصالحات. وقوله: { وَإِنَّ2 هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } أعلمهم أن ملتهم وهي الدين الإِسلامي دين واحد فلا ينبغي الاختلاف فيه واعلمهم أيضاً أنه ربهم أي مالك أمرهم والحاكم عليهم فليبتغوه بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه، لينجوا من عذابه ويظفروا برحمته ودخول جنته.

    وقوله تعالى: { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ3 } أي دينهم { زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي فرقوا دينهم فرقاً فذهبت كل فرقة بقطعة منه وقسموا الكتاب إلى كتب فهذه يهودية وهذه نصرانية واليهودية فرق والنصرانية فرق والإِنجيل أصبح أناجيل متعددة وصارت كل جماعة فرحة بما عندها مسرورة به لا ترى الحق إلاَّ فيه.. { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } وهنا أمر الله رسوله أن يتركهم في غمرة ضلالتهم إلى حين أن ينزل بهم ما قضى به الرب تعالى على أهل الاختلاف في دينه { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } إذ قال له في سورة الأنعام{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الآية: 159] وفيه من التهديد ما فيه. وهذا الذي نعاه تعالى على تلك الأمم قد وقعت فيه أمة الإِسلام فاختلفوا في دينهم مذاهب وطرقاً عديدة، وياللأسف وقد حلت بهم المحن ونزل بهم البلاء نتيجة ذلك الخلاف. وقوله: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ4 بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } مع اختلافهم وانحرافهم مسارعة لهم منا في الخيرات 5لا بل ذلك استدراج لهم ليهلكوا ولكنهم لا يشعرون بذلك. لشدة غفلتهم واستيلاء غمرة الضلالة عليهم.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وجوب الأكل من الحلال، ووجوب الشكر بالطاعة لله ورسوله.

    2- الإِسلام دين البشرية جمعاء ولا يحل الاختلاف فيه بل يجب التمسك به وترك ما سواه.

    3- حرمة الاختلاف في الدين وأنه سبب الكوارث والفتن والمحن.

    4- إذا انحرفت الأمة عن دين الله، ثم رزقت المال وسعة العيش كان ذلك استدراجاً لها، ولم يكن إكراماً من الله لها دالاً على رضى ربها عنها بل ما هو إلا فتنة ليس غير.
    ______________________________ _

    1 اختلف في هذا الخطاب هل هو لعيسى عليه السلام نظراً لسياق الحديث أو هو لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هو عام لكل الرسل، أي: ما من رسول إلاّ وأمره بما في هذا السياق، وأمّة كل رسول تابعة له، وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في مثل هذا فلا داعي إلى الترجيح وعدمه ويشهد للعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "يا أيها الناس إن الله طيّب لا يقل إلاّ طيبا، وإن الله أمر المرسلين بما أمر به المؤمنين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" والشاهد في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بما أمر به المرسلين".
    2 قرىء: {وانّ} بكسر إن على القطع أي: الابتداء وعلى تقدير قول أو قلنا لهم: {إن هذه} .. الخ وقرىء بفتحها، وهي قراءة الأكثرين على تقدير واعلموا {أن هذه أمتكم} .. الخ.
    3 كأن هذه الآية تنظر إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا إن أهل الكتاب قبلكم افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة" الحديث أخرجه أبو داود ورواه الترمذي وزاد: "قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي" وقوله: {ملة} فيه دليل على أن الاختلاف في الفروع غير مقصود وإنما المقصود هو ما كان في أصول الدين وقواعده.
    4 {إنما} : ما: موصولة بمعنى الذي أي: أيحبسبون يا رسولنا إن الذي نعطيهم في الدنيا من مال وولد هو ثواب لهم على شركهم وكفرهم إنما هو استدراج وإملاء ليس إسراعاً في الخيرات واختلف في خبر إنّ فقيل: إنه محذوف وتقدير الكلام: إنما نسارع لهم به في الخيرات، والاستفهام في أيحسبون: إنكاري.
    5 الخيرات: جمع خير وهو من الجموع النادرة مثل: سرادقات جمع سرداق.

    ****************************

    { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } 57 { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } 58 { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } 59 { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } 60 { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } 61 { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }62

    شرح الكلمات:

    مشفقون: أي خائفون.

    لا يشركون: أي بعبادته أحداً.

    يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة: أي خائفون أن لا يقبل منهم ذلك.

    أنهم إلى ربهم راجعون: أي لأنهم إلى ربهم راجعون فيحاسبهم ويسألهم ويجزيهم.

    وهم لها سابقون: أي بإذن الله وفي علمه.

    ولا نكلف نفساً إلاَّ وسعها: إلا طاقتها وما تقدر عليه.

    ولدينا كتاب ينطق بالحق: وهو ما كتبه الكرام الكاتبون فإنه ناطق بالحق.

    وهم لا يظلمون: أي بنقض حسنة من حسناتهم ولا بزيادة سيئة على سيآتهم.

    معنى الآيات:

    لما ذكر تعالى حال الذين فرقوا دينهم فذهبت كل فرقة منهم بكتاب ومذهب ولقب ونعى عليهم ذلك التفرق وأمر رسوله أن يتركهم في غمرة خلافاتهم ويدعهم إلى حين يلقون جزاءهم عاجلاً أو آجلاً: أثنى تبارك وتعالى على عباده المؤمنين من أهل الخشية، فقال وقوله الحق: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } أي من عذابه خائفون من الوقوف بين يديه فهذه صفة لهم وآخرى { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } أي بحجج الله تعالى التي تضمنتها آياته يؤمنون أي يوقنون وثالثة: { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } أي في ذاته ولا صفاته ولا عباداته فيعبدونه بما شرع لهم موحدينه في ذلك ورابعة: { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ1 مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ2 رَاجِعُونَ }. أي يؤتون3 الزكاة وسائر الحقوق والواجبات وقلوبهم خائفة من ربهم أن يكونوا قد قصروا فيما أوجب عليهم وخائفة أن لا يقبل منهم عملهم، وذلك ناجم لهم من قوة إيمانهم برجوعهم إلى ربهم ووقوفهم بين يديه ومساءلته لهم: لم قدمت؟ لم أخرت؟ وقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ 4فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } في هذا بشرى لهم إذ أخبر تعالى أنهم يسارعون في الخيرات، وأنهم سبق ذلك لهم في الأزل فهنيئاً لهم. وقوله تعالى: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فيه قبول عذر من بذل جهده في المسارعة في الخيرات ولم يلحق بغيره أعذره ربه فإنه لا خوف عليه ما دام قد بذلك جهده إذ هو تعالى { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي طاقتها وما يتسع له جهده.

    وقوله: { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } فيه وعدٌ لأولئك المسارعين بالخيرات بأنَّ أعمالهم مكتوبة لهم في كتاب ينطق بالحق لا يخفى حسنة من حسناتهم ويستوفونها كاملة وفيه وعيد لأهل الشرك والمعاصي بأنَّ أعمالهم محصاة عليهم قد ضمها كتاب صادق وسوف يجزون بها وهم لا يظلمون فلا تكتب عليهم سيئة لم يعملوها قط ولا يجزون إلاَّ بما كانوا يكسبون.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- فضيلة الخشية والإِيمان والتوحيد والتواضع والمراقبة لله تعالى.

    2- بشرى الله تعالى لأهل الإِيمان والتقوى.

    3- تقرير قاعدة رفع الحرج في الدين.

    4- تقرير كتابة أعمال العباد وإحصاء أعمالهم ومجازاتهم العادلة.
    ___________________________

    1 روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات".
    2 أي: لأنهم: أو من أجل أنهم إلى ربهم راجعون. وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبرة بما يختم به للعبد، وفي البخاري: "وإنما الأعمال بالخواتيم".
    3 قرىء: {يأتون} من الإتيان، ولا يختلف المعنى إذ هم يأتون الأعمال الصالحة ويفعلونها، وقلوبهم خائفة. كما يعطون ما يعطون من الزكاة والنفقات وقلوبهم وجلة أو يعطون الملائكة أعمالهم التي يكتبونها وقلوبهم وجلة.
    4 {يسارعون في الخيرات} أي: في الطاعات كي ينالوا بها أعلى الدرجات والغرفات ولم يقل يسارعون إلى الخيرات إذ هم في الخيرات لم يخرجوا من دائرتها أبداً فهم فيها يسارعون. في الآية إشارة إلى أن الصلاة في أول وقتها أفضل، وهكذا السبق في كل خير قبل الغير خير.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #619
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )







    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (6)
    الحلقة (614)
    تفسير سورة المؤمنون مكية
    المجلد الثالث (صـــــــ 526الى صــــ 531)

    { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } 63 { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } 64 { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } 65 { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } 66 { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } 67 { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } 68 { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } 69 { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }70


    شرح الكلمات:

    في غمرة من هذا: أي جهالة من القرآن وعمى.

    ولهم أعمال من دون ذلك: أي من دون أعمال المؤمنين التي هي الخشية والإِيمان بالآيات والتوحيد والمراقبة.

    هم لها عاملون: أي سيعملونها لتكون سبب نهايتهم حيث يأخذهم الله تعالى بها.

    إذا هم يجأرون: أي يصرخون بأعلى أصواتهم ضاجينّ مستغيثين ممَّا حلَّ بهم من العذاب.

    تنكصون: أي ترجعون على أعقابكم كراهة سماع القرآن.

    مستكبرين به: أي بالحرم أي كانوا يقولون: لا يظهر علينا فيه أحد لأنّا أهل الحرم.

    سامراً تهجرون: أي تسمرون بالحرم ليلاً هاجرين الحق وسماعه على قراءة فتح التاء وعلى قراءة ضمها تهجرون أي تقولوا الهجر من القول كالفحش والقبح.

    رسولهم: أي محمداً صلى الله عليه وسلم.

    به جنّة: أي مجنون.

    معنى الآيات:

    { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أي ليس الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون أنّا نمدهم بالمال مسارعة منا لهم في الخيرات لرضانا عنهم لا بل إن قلوبهم في غمرة وعمى من القرآن { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ 1} أي دون عمل المؤمنين { هم لها عاملون } حتى تنتهي بمترفيهم إلى هلاكهم ودمارهم وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي استمرت الأعمال الشركية الإِجرامية حتى أخذ الله تعالى مترفيهم في بدر بعذاب القتل والأسر { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ2 } يضجون بالصراخ مستغيثين، والله تعالى يقول لهم: { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } وذكر تعالى لهم ما كانوا عليه من التكذيب والاستكبار وقول الهجر موبخاً إياهم { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ 3} هروباً من سماعها حال كونكم { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالحرم زاعمين أنكم أهل الحرم، وأن أحداً لا يظهر عليكم فيه لأنكم أهله وقوله: { سَامِراً4 تَهْجُرُونَ } أي تسمرون بالليل تهجرون بذلك سماع الحق ودعوة الحق التي تُتلى بها عليكم آيات الله. وقد قرىء تُهجرون بضم التاء وكسر الجيم أي تقولون أثناء سمركم في الليل الهجر من القول كالكفر وقول الفحش وما لا خير فيه من الكلام، وكانوا كذلك.

    وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ5 ٱلْقَوْلَ } الذي يسمعونه من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفوا أنه حق وخير وأنه فيه صلاحهم { أَمْ جَآءَهُمْ 6} من الدين والشرع { مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فقد جاءت رسل ونزلت كتب وهم يعرفون ذلك. أم لم يعرفوا رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم فهم له منكرون إنهم يعرفونه بصدقه وطهارته وكماله منذ نشأته وصباه إلى يوم أن دعاهم إلى الله { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } أي جنون وأين الجنون من رجل ينطق بالحكمة ويعمل بها ويدعو إليها { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ 7لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ، وهذا هو سرُّ إعراضهم واستكبارهم - إنه كراهيتهم للحق لطول ما ألفوا الباطل وعاشوا عليه، وهذه سنة البشر في كل زمان ومكان.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- غمرة الجهل والتعصب وعمى التقليد هي سبب إعراض الناس عن الحق ومعارضتهم له.

    2- لا تنفع التوبة عند معاينة العذاب أو نزوله.

    3- بيان الذنوب التي أخذ بها مترفو مكة ببدر وهي هروبهم من سماع القرآن ونكوصهم عند سماعه على أعقابهم حتى لا يسمعوه واستكبارهم بالحرم واعتزارهم به جهلاً وضلالا واجتماعهم في الليالي الطوال يسمرون على اللهو وقول الباطل هاجرين سماع القرآن وما يدعو إليه من هدى وخير.
    ______________________________ ___

    1 عن ابن عباس رضي الله عنهما دون ذلك أي: دون الشرك من كبائر الذنوب هم عاملوها لا محالة إذ كتبت عليهم ليدخلوا بها النار، وما كان دون عمل المؤمنين قطعاً هو الشرك والمعاصي، فلا منافاة بين ما في التفسير وما روي عن ابن عباس.
    2 الجؤار: كالخوار يقال: خار الثور يخأر: إذا صاح، وجأر الرجل بالدعاء: تضرع به، قال قتادة: يصرخون بالتوبة فلا تقبل منهم، وجأروا كذلك يوم أصابهم القحط والجدب فجاعوا حتى كادوا يهلكون بدعوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    3 {تنكصون} : ترجعون وراءكم، وأصله الرجوع إلى الوراء القهقري. قال الشاعر:
    زعموا أنهم على سبل النجا
    ةِ وإنما نكصوا على الأعقاب
    4 سامراً معناه سمّاراً أي: جماعة تتحدّثون بالليل، والسمر مأخوذ من السّمر الذي هو ظل القمر، ومنه سمرة اللون وكانوا يتحدثون حول الكعبة في سمرة القمر فسمي التحدّث به، وقرى {سُمّاراً} جمع سامر. يقال: جاء من السامر يريد: من القوم الذين يسمرون، وفي الحديث: كراهة النوم قبل العشاء، والحديث أي السمر بعدها، وروي أن عمر رضي الله عنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول: أسمراً أول الليل ونوماً آخره؟!!
    5 وقيل: القول: القرآن: وسمي قولاً لأنهم خوطبوا به، والاستفهام إنكاري يحمل التقريع والتأنيب.
    6 {أم جاءهم} الخ.. أي: فأنكروه وأعرضوا عنه. وقيل: أم بمعنى بل الانتقالية بل جاءهم مالا عهد لآبائهم به فلذا أنكروه وتركوا التديُّن به، والفاء في: أفلم يدّبروا: للتفريع إذ هذا الكلام متفرع عما سبقه، والتدبر معناه إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له، وأصله النظر في دبر الأمر أي: فيما لا يظهر منه للمتأمل بادئ ذي بدء.
    7 في قوله {بل أكثرهم} احتراس عرف في القرآن حتى لا ينقض ببعض الأفراد وهو من اعجاز القرآن وبالغ كماله في البلاغة والبيان.

    *************************
    { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } 71 { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } 72 { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } 73 { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } 74 { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } 75 { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } 76 { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }77


    شرح الكلمات:

    لو اتبع الحق أهواءهم: أي ما يهوونه ويشتهونه.

    أتيناهم بذكرهم: أي بالقرآن العظيم الذي فيه ذكرهم فيه يذكرون ويذكرون.

    أم تسألهم خرجاً: أي مالاً مقابل إبلاغك لهم دعوة ربهم.

    فخراج ربك خير: أي ما يرزقكه الله خير وهو خير الرازقين.

    إلى صراط مستقيم: أي إلى الإِسلام.

    عن الصراط لناكبون: أي عن الإِسلام أي متنكبونه جاعلوه على منكب أي جانب عادلون عنه.

    للجوُّا في طغيانهم يعمهون: لتمادوا في طغيانهم مصرين عليه.

    فما استكانوا: أي ما ذلوا ولا خضعوا.

    إذا هم فيه مبلسون: أي آيسون قنطون.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد والإِيمان بالبعث والجزاء فقوله تعالى: { وَلَوِ ٱتَّبَعَ1 ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } هذا كلام مستأنف لبيان حقائق أخرى منها أن هؤلاء المشركين لو اتبع الحقُّ النازل من عند الله والذي يمثله القرآن أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه فكان يوافقهم عليه لأدى ذلك إلى فساد الكون كله علويه 2وسفليه، وذلك لأنهم أهل باطل لا يرون إلا الباطل ويصبح سيرهم معاكساً للحق فيؤدي حتما إلى خراب الكون وقوله تعالى: { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } أي جئناهم بذكرهم الذي هو القرآن الكريم إذ به يذكرون وبه يُذكرون لأنه سبب شرفهم، وقوله: { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } ، فهم لسوء حالهم وفساد قلوبهم معرضون عما به يذكرون ويذكرون3، وقوله تعالى: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } أي 4أجراً ومالاً { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } أي ثواب ربِّك الذي يثيبك به خير وهو تعالى خير الرازقين وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عن التبليغ أجراً وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي إلى الإِسلام طريق السعادة والكمال في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ5 لَنَاكِبُونَ } أي علة تنكبّهم أي ابتعادهم عن الإِسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، وهو كذلك فالقلب الذي لا يعمره الإِيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ولا يؤمل منه ذلك لعلة كفره بالآخرة.

    وقوله تعالى: { وَلَوْ 6رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يخبر تعالى أنه لو رحم أولئك المشركين المكذبين بالآخرة، وكشف ما بهم من ضر أصابهم من قحط وجدب وجوع ومرض لا يشكرون الله، بل يتمادون في عتوهم وضلالهم وظلمهم يعمهون حيارى يترددون، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ 7} وهي سنوات الجدب والقحط بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما أصابهم من قتل وجراحات وهزائم في بدر. وقوله: { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ 8لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } فما ذلوا لربهم وما دعوه ولا تضرعوا إليه بل بقوا على طغيانهم في ضلالهم ومرد هذا ظلمة النفوس الناتجة عن الشرك والمعاصي.
    وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } وهو معركة بدر وما أصاب المشركين من القتل { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ 9} أي آيسون من كل خير حزنون قنطون وذلك لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- خطر اتباع الهوى وما يفضي إليه من الهلاك والخسران.

    2- الصراط المسقيم الموصل إلى السعادة والكمال هو الإِسلام لا غير.

    3- التكذيب بيوم القيامة وما يتم فيه من حساب وجزاء هو الباعث على كل شر والمانع من كل خير.

    4- من آثار ظلمة النفس نتيجة الكفر اليأس والقنوط والتمادي في الشر والفساد.
    _________________________

    1 اختلف في المراد بالحق فقيل: هو الله تعالى قاله مجاهد وغيره، وقيل معناه ولو اتبع صاحب الحق، وقيل: هو مجاز أي: لو وافق الحق أهواءهم فجعل موافقته إتباعاً، وما في التفسير أظهر، وقد استظهره ابن جرير الطبري.
    2 وما في الكون العلوي من الملائكة، والسفلي من الجن والإنس، وإلى هذا الإشارة بِمَنْ في قوله: {ومن فيهن} .
    3 الأولى يذكرون بفتح الياء، مبنى للفاعل، والثانية يذكرون بضم الياء مبنيٌ للمفعول.
    4 قرىء خراجاً أيضاً والمعنى واحد، والمعنى: أتسألهم رزقاً فرزق ربك خير، وقيل: الخرج: الجعل والخراج: العطاء، والخرج: المصدر، والخراج: الاسم.
    5 الصراط في اللغة: الطريق، يسمي الدين طريقاً لأنه طريق إلى الجنة والناكب: العادل عن الشيء المعرض عنه، وهو مشتق من المنكب وهو جانب الكتف.
    6 {ولو رحمناهم} معطوف على جملة: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} وما بينهما: اعتراض باستدلال عليهم وتنديم لهم وقطع لمعاذيرهم أي: أنهم ليسوا بحيث لو استجاب الله جؤارهم {دعاءهم} عند نزول العذاب بهم وكشفه عنهم لعادوا إلى ما كانوا فيه من الغمرة والشرك والأعمال السيئة. وهذا كقوله: {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} .
    7 هذا استدلال على مضمون ما في قوله: {ولو رحمناهم} الخ، و {ال} في العذاب للعهد أي: بالعذاب المذكور آنفاً في قوله: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} .
    8 الاستكانة: مصدر بمعنى الخضوع، مشتقة من السكون، لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من يخضع له.
    9 الإبلاس: شدة اليأس من النجاة، وجائز أن يكون العذاب الذي أبلسهم عذاب القحط والمجاعة التي أصابتهم، وجائز أن يكون عذاب يوم القيامة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #620
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير سورة المؤمنون مكية تفسير القرآن الكريم

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة المؤمنون - (7)
    الحلقة (615)

    المجلد الثالث (صـــــــ 531الى صــــ 536)

    {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
    }


    شرح الكلمات:

    أنشأ لكم السمع: أي خلق وأوجد لكم الأسماع والأبصار.

    والأفئدة: جمع فؤاد وهو القلب.

    قليلا ما تشكرون: أي ما تشكرون إلاّ قليلا.

    ذرأكم: أي خلقكم.

    وإليه تحشرون: أي تجمعون إليه بعد إحيائكم وخروجكم من قبوركم.

    وله اختلاف الليل والنهار: أي إليه تعالى إيجاد الليل والنهار وظلمة الليل وضياء النهار.

    أفلا تعقلون: فتعرفوا أن الله هو المعبود الحق إذ هو الرب الحق.

    إلا أساطير الأولين: أي ما تقولون من البعث والحياة الثانية ما هو إلا حكايات وأساطير وأخبار الأولين، والأساطير جمع أسطورة أي حكاية مسطرة مكتوبة.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإيمان به بعرض الأدلة العقلية عليهم لعلهم يؤمنون فقال تعالى لهم: { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} أي الله الذي خلق لكم أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم قادر على إحيائكم بعد موتكم وحشركم إليه تعالى ليحاسبكم ويجزيكم، وقوله: { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ3 } يوبخهم تعالى على كفرانهم نعمه عليهم، إذ أوجد لهم أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ولم يحمدوه على ذلك ولم يشكروه بالإِيمان به وبطاعته، وقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي خلقكم في الأرض، { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } إذ الذي قدر على خلقكم في الأرض قادر على خلقكم في أرض أخرى بعد أن يميتكم ويحشركم أي يجمعكم إليه ليحاسبكم ويجزيكم. وقوله: { وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أي يحيي النطفة بجعلها مضغة لحم ثم ينفخ فيها الروح فتكون بشراً، ويميتكم بعد انقضاء آجالكم أليس هذا قادراً على إحيائكم بعد موتكم.

    وقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أي ولله تعالى اختلاف الليل والنهار بإيجادهما وتعاقبهما وإدخال أحدهما في الآخر أفلا تعقلون6 أنَّ من هذه قدرته وتصاريفه في خلقه قادر على بعثكم بعد إماتتكم وقوله تعالى: { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ7 مَا قَالَ ظ±لأَوَّلُونَ } أي بدل أن يؤمنوا باليوم الآخر لِما دَلْ عليه من هذه الأدلة التي لا يردها عاقل ولا ينكرها عقل عادوا فقالوا قولة المنكرين من الأمم قبلهم: {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } وهو إنكار صريح منهم للبعث الآخر. وقالوا أيضاً ما أخبر تعالى عنهم، وهم يعلنون تكذيبهم لله تعالى ورسوله: { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي لقد وعد هذا آباؤبا من قبل ولم يحصل ما هذا الذي يقال إلا أساطير أي حكايات سطرها الأولون في كتبهم فهي تروى ويتناقلها الناس ولا حقيقة لها ولا وجود.

    هداية الآيات

    من هداية الآيات:


    1- وجوب الشكر لله تعالى بطاعته على نعمه ومن بينها نعمة السمع والبصر والقلب.

    2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بما تضمنت الآيات من الأدلة العديدة على ذلك.

    3- سوء التقليد وآثارة في السلوك الإِنساني بحيث ينكر المقلد عقله.
    ___________________________

    1 هذا الكلام الإلهي، استدلال وامتنان فقد عرّفهم بكمال قدرته وعظيم مننه.
    2 جائز أن يكون لهم شكر قليل، وجائز أن يكون لا شكر لهم البتة، وإنما هو من باب الاحتراس كيلا ينقض الخبر. بأدنى شكر منهم.
    3 جمع الأبصار والأفئدة باعتبار تعدد الأفراد، ووحد السمع لأنه مصدر فجرى على الأصل.
    4 هذه بعض مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وحده، والموجبة لتصديقه فيما واعد به وأوعد، من نعيم الآخرة وعذابها.
    5 {وله اختلاف الليل والنهار} هذه اللام: لام الاختصاص إذ لا قدرة لكائن سواه على اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر، والضياء والظلام، وما يجري فيهما من تصاريف الكائنات على اختلافها وتنوعها.
    6 الاستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم تعقلهم وفهمهم لدلائل التوحيد والبعث والجزاء، والفاء: للتفريع إذ هذا الكلام متفرع على ما تقدم من الأدلة في السياق.
    7 في هذا التفات من الخطاب إلى الغيبة لأنّ الكلام انتقل من التقريع إلى حكاية ضلالهم، وبل: للإضراب الإبطالي أي: أبطل كونهم يعقلون مع إثبات إنكارهم للبعث مع علّة الإنكار وهي: تقليدهم لآبائهم.
    8 قرأ الجمهور بهمزتين: الأولى. همزة الاستفهام، والثانية: همزة إذ الشرطية وكذلك مع {إنا لمبعوثون} إلاّ نافعاً وأبا عمرو فقد قرءا بهمزة واحدة اكتفاء بهمزة الاستفهام الأولى: الدالة على الشرط عن همزة الجواب. والاستفهام إنكاري.
    9 من قبل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجملة: "إن هذه لأساطير الأولين جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لمن قال: كيف رد الأولون والآخرون على هذا القول؟

    ****************************
    {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)



    شرح الكلمات:

    قل أفلا تذكرون: فتعلمون أن من له الأرض ومن فيها خلقاً وملكاً قادر على البعث وأنه لا إله إلا هو.

    قل أفلا تتقون: أي كيف لا تتقونه بالإِيمان به وتوحيده وتصديقه في البعث والجزاء.

    من بيده ملكوت كل شيء: أي ملك كل شيء يتصرف فيه كيف يشاء.

    وهو يجير ولا يجار عليه: يحفظ ويحمي من يشاء ولا يُحمى عليه ويحفظ من أراده بسوء.

    فأنى تسحرون: أي كيف تخدعون وتصرفون عن الحق.

    بل أتيناهم بالحق: أي بما هو الحق والصدق في التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.

    ولعلا بعضهم على بعض: أي قهراً وسلطاناً.

    عما يصفون: أي من الكذب كزعمهم أن لله ولداً وأن له شريكاً وأنه غير قادر على البعث.

    معنى الآيات:

    ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد والإِيمان بالبعث والجزاء فقال تعالى لرسوله قل1 لهؤلاء المشركين المنكرين للبعث والجزاء { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} من المخلوقات { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } من هي له فسموه. ولما لم يكن لهم من بُدٍّ أن يقولوا { لِلَّهِ } أخبر تعالى أنهم سيقولون لله. إذاًَ قل لهم: { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ2 } فتعلموا أن من له الأرض ومن فيها خلقاً وملكاً وتصرفاً لا يصلح أن يكون له شريك من عباده، وهو رب كل شيء ومليكه، وقوله: { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي سَلْهُمْ من هو رب السماوات السبع وربّ العرش العظيم. الذي أحاط بالملكوت كله، أي من هو خالق السماوات السبع، ومن فيهن ومن خالق العرش العظيم ومالك ذلك كله والمنصرف فيه، ولما لم يكن من جواب سوى الله أخبر تعالى أنهم سيقولون الله أي خالقها وهي لله ملكا وتدبيرا وتصريفا إذا قل لهم يا رسولنا { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي الله وأنتم تنكرون عليه قدرته في إحياء الناس بعد موتهم وتجعلون له أندادا تعبدونها معه، أما تخافون عقابه 3أما تخشون عذابه وقوله تعالى: { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ 4} أي سلهم يا رسولنا فقل لهم من بيده ملكوت كل شيء أي ملك كل شيء وخزائنه؟ وهو يجير من يشاء أي يحمي ويحفظ من يشاء فلا يستطيع أحد أن يمسه بسوء ولا يجار عليه، أي ولا يستطيع أحد أن يجير أي يحمي ويحفظ عليه أحداً أراده بسوء وقوله: { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم تعلمون أحداً غير الله بيده ملكوت كل شيء ويجير ولا يجار عليه فاذكروه، ولما لم يكن لهم أن يقولوا غير الله، أخبر تعالى أنهم سيقولون الله أي5 هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهي لله خلقاً وملكاً وتصرفاً إذاً قل لهم { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }؟ أي كيف تخدعون فتصرفون عن الحق فتعبدون غير الخالق الرازق، وتنكرون على الخالق إحياء الأموات وبعثهم وهو الذي أحياهم أولاً ثم أماتهم ثانياً فكيف ينكر عليه إحياءهم مرة أخرى وقوله تعالى: { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }6 أي ليس الأمر كما يتوهمون ويخيل إليهم بل أتيناهم بذكرهم الذي هو القرآن به يذكرون لأنه ذكرى وذكر، وبه يذكرون لأنه شرف لهم وإنهم لكاذبون في كل ما يدعون ويقولون.
    { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ } ولا بنت، { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ } ولا ينبغي ذلك، والدليل المنطقي العقلي الذي لا يرد هو أنه لو كان مع الله إله آخر لقاسمه الملك وذهب كل إله بما خلق، ولحارب بعضهم بعضاً وعلا بعضهم على بعض غلبة وقهراً وقوله تعالى: { سُبْحَانَ اللَّهِ } تنزيهاً لله تعالى عما يصفه به الواصفون من صفات العجز كاتخاذ الولد والشريك، والعجز عن البعث، وقوله تعالى: { عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي ما ظهر وما بطن، وما غاب وما حضر فلو كان معه آلهة أخرى لعرفهم وأخبر عنهم ولكن هيهات هيهات أن يكون مع الله إله آخر وهو الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء { فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}9 علواً كبيراً وتنزه تنزهاً عظيماً.

    هداية الآيات:

    من هداية الآيات:


    1- مشروعية توبيخ المتغافل المتجاهل وتأنيب المتعامي عن الحق وهو قادر على رؤيته.

    2- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته.

    3- تنزيه الله تعالى عن الصاحبة والولد وإبطال ترهات المفترين.

    4- الإِستدلال العقلي ومشروعيته والعمل به لإِحقاق الحق وإبطال الباطل.
    _________________________

    1 قل يا رسولنا جواباً لهم عما قالوه: {لمن الأرض..} الخ.
    2 أي: تتعظون فتعلموا.. الخ.
    3 وتجعلون لله البنات وأنتم تكرهون ذلك لأنفسكم فكيف ترضونه لربكم؟
    4 الملكوت: من صفات المبالغة كالجبروت، والرهبوت، والمراد: ملك كل شيء، وهذا كله احتجاج على العرب لأنهم مقرّون بالله ربّا، والاستفهام فيه وفي الذي قبله: تقريري لأنهم مقرّون أن الله هو ربّ السموات وأنه الذي بيده ملكوت كل شيء.
    5 قرأ أبو عمرو: {سيقولون الله} في الموضعين الأخيرين، ولا خلاف في الموضع الأول لأنه سؤال بـ لمن المَلك؟ ومن قرأ في الأخيرين بلفظ: الله فلأنّ السؤال بغير اللام فجاء الجواب على لفظه. ومن أجاب بـ الله، فإنه راعى المعنى إذ رب السموات: مالكها فهي له وملكوت كل شيء لله.
    6 {بل أتيناهم بالحق} : إضراب لإبطال كونهم مسحورين. أي: ليس الأمر كما يخيّل إليهم، وإنما أتيناهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، فهذه علّة إعراضهم وعدم قبولهم لدعوة الحق، وقولهم فيه {إن هذا إلاّ أساطير الأولين} .
    7 نفى عنه تعالى اتخاذ الولد كما نفى أن يكون له شريك في الألوهية بالبرهان العقلي وهو: أنه لو كان معه آلهة لاقتسموا الكون وذهب كل إله بما خلق، وقد يحارب بعضهم بعضاً ويعلو من يغلب ولم يكن من مظاهر هذا شيء البتة فثبتت النتيجة وهي المذكورة أولا: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله} .
    8 هذا من جملة أدلة نفي الشريك له تعالى إذ العالم بكل شيء كيف يكون له شريك ولا يعرفه، وقرأ حفص عالِم بالجر على أنه نعت لاسم الجلالة في قوله {سبحان الله} ، وقرأ نافع بالرفع على أنه خبر لمحذوف أي: هو عالم.
    9 {عما يشركون} ما مصدرية، والمعنى: تعالى عن إشراكهم. أي: هو منزه عن أن يكون له شريك.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •