تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 38 من 45 الأولىالأولى ... 282930313233343536373839404142434445 الأخيرةالأخيرة
النتائج 741 إلى 760 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #741
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (4)
    الحلقة (736)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 482الى صــــ 485)


    أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
    شرح الكلمات:
    أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب: أي يتلقى العذاب بوجهه لا شيء يقيه منه كمن أمن.
    سوء العذاب: أقساه وأشده.
    وقيل للظالمين: أي المشركين في جهنم.
    ذوقوا ما كنتم تكسبون: أي جزاء كسبكم الشر والفساد.
    كذب الذين من قبلهم: أي من قبل أهل مكة.
    فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون: أي من حيث لا يدرون أنه آتيهم منه. أو من حيث لا يخطر ببالهم.
    فأذاقهم الله الخزي: أي المسخ والذل والإهانة.
    ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون: أي لو كانوا يعلمون ذلك ما كذبوا ولا كفروا.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تقرير البعث والجزاء فقوله تعالى {أَفَمَنْ يَتَّقِي (1) بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} يوم القيامة إذ ليس له ما يتقي (2) به العذاب لأن يديه مغلولتان إلى عنقه فهو يتلقى العذاب بوجهه وهو أشرف أعضائه أفهذا الذي يتلقى العذاب بل سوء العذاب كمن أمن من العذاب ودخل الجنة؟ والجواب لا يستويان. وقوله تعالى {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ (3) } أي المشركين وهم في النار يقول لهم زبانية جهنم توبيخاً لهم وتقريعاً ذوقوا ما كنتم تكسبون من أعمال الشرك والمعاصي هذا جزاؤه فذوقوه عذاباً أليماً. وقوله تعالى {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي كذب قبل أهل مكة أمم وشعوب كذبوا رسلهم فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا وذلك كالذل والمسخ والقتل والأسر والسبي ولعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا وهم صائرون إليه لا محالة وقوله {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي لو كانوا يعلمون عنه علماً يقينياً ما كذبوا رسلهم ولا كفروا بربهم. فهلكوا بجهلهم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير البعث والجزاء بذكر شيء من أحوال يوم القيامة.
    2- تهديد قريش على إصرارها على التكذيب للرسول وما جاءها به من الإسلام.
    3- العذاب على التكذيب والمعاصي منه الدنيوي، ومنه الأخروي.
    4- لو علم الناس عذاب الآخرة علماً يقينياً ما كذبوا ولا كفروا ولا ظلموا فالجهل هو سبب الهلاك والشقاء دائما.
    وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيّاً
    __________

    1 - قال عطاء وابن زيد يرمى مكتوفاً في النار فأول شيء تمس منه النار وجهه وقال مجاهد يجر في النار على وجهه كقوله تعالى يوم يسحبون في النار على وجوههم والاستفهام إنكاري وفي الكلام حذف تقديره كمن هو آمن في جنات النعيم.
    2 - الاتقاء مصدر ومعناه تكلّف الوقاية وهي الصون والدفع وفعل اتقى يتعدى إلى مفعولين ويتعدى بالباء كما في قول الشاعر:
    سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
    فتناولته واتقتنا باليد
    3 - للظالمين إظهار في محل إضمار إذا المفروض أن يقال وقيل لهم والنكتة التنديد بالشرك إذ هو الظلم وبيان العلة الموجبة لإلقائهم في جهنم على وجوههم وهي الظلم الذي هو الشرك.

    ***************************
    وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
    شرح الكلمات:
    ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل: أي جعلنا للعرب في هذا القرآن من كل مثل من الأمم السابقة.
    لعلهم يتذكرون: أي يتعظون فينزجرون عما هم فيه من الشرك والتكذيب إلى الإيمان والتوحيد.
    قرآنا عربيا غير ذي عوج: أي حال كون المثل المجعول قرآنا عربياً لا لبس فيه ولا اختلاف فلا عذر لهم في عدم فهمه وإدراك معناه وفهم مغزاه.
    متشاكسون: أي متنازعون لسوء أخلاقهم.
    ورجلاً سلماً: أي خالصاً سالماً لرجل لا شركة فيه لأحد.
    هل يستويان مثلاً: الجواب لا الأول في تعب وحيرة والثاني في راحة وهدوء بال.
    الحمد لله: أي على ظهور الحق وبطلان الباطل.
    إنك ميت: أي مقضي عليك بالموت في وقته.
    وإنهم ميتون: أي كذلك محكوم عليهم به عند انقضاء آجالهم.
    عند ربكم تختصمون: أي تحتكمون إلى الله في ساحة فصل القضاء فيحكم الله بينكم.
    فيما كنتم فيه تختلفون: أي من الشرك والتوحيد والإيمان والتكذيب.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا (1) لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يخبر تعالى بما من به على العرب لهدايتهم حيث جعل لهم في القرآن الكريم من أمثال الأمم السابقة في إيمانها وتكذيبها، وصلاحها وفسادها ونجاتها وخسرانها وكل ذلك بقرآن عربي لا عوج (1) فيه أي لا لبس ولا خفاء ولا اختلاف، فعل ذلك لعلهم يتذكرون أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون فينجون من العذاب ويسعدون. وقوله تعالى {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ (3) وَرَجُلاً سَلَماً (4) لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ (5) } إلى آخر الآية، هذا مثل من جملة الأمثال التي ضرب الله للناس لعلهم يتذكرون وهو مثل للمشرك الذي يعبد عدة آلهة. والموحد الذي لا يعبد إلا الله فالمشرك مثله رجل يملكه عدد من الرجال من ذوي الأخلاق الشرسة والطباع الجافة فهم يتنازعونه هذا يقول له تعال والآخر يقول له اجلس والثالث يقول له قم فهو في حيرة من أمره لا راحة بدن ولا راحة ضمير ونفس. والموحد مثله رجل سلم أي خالص وسالم لرجل واحد آمره وناهيه واحد هل يستويان أي الرجلان والجواب لا إذ بينهما كما بين الحرية والعبودية وأعظم وقوله تعالى {الْحَمْدُ (6) لِلَّهِ} أي الثناء بالجميل لله والشكر العظيم له سبحانه وتعالى على أنه رب واحد وإله واحد لا إله غيره ولا رب سواه. وقوله تعالى {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي بل أكثر المشركين لا يعلمون عدم تساوي الرجلين، وذلك لجهلهم وفساد عقولهم.
    وقوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (7) } نزلت لما استبطأ المشركون موت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي لا شماتة في الموت إنك ستموت يا رسولنا ويموتون. وقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} أي مؤمنكم وكافركم قويكم وضعيفكم تقفون بين يدي الله ويحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمور الدين والدنيا معا.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية ضرب الأمثال للمبالغة في الإفهام والهداية لمن يراد هدايته.
    2- بيان مثل المشرك والموحد، فالمشرك في حيرة وتعب، والموحد في راحة وهدوء بال.
    3- تقرير أن كل نفس ذائقة الموت.
    4- بيان أن خصومة ستكون يوم القيامة ويقضي الله تعالى فيها بالحق لأنه هو الحق.
    __________

    1 - ضرب المثل ذكره والمثل الصفة الحسنة وللناس جنس الناس ويدخل فيه العرب أولاً لأنه بلغتهم والناس تابعون لهم في ذلك.
    2 - غير ذي عوج أي لا اختلاف فيه ولا تضاد ولا لحن فيه ولا شك قال الشاعر:
    وقد أتاك يقين غير ذي عوج
    من الإله وقول غير مكذوب
    3 - متشاكسون أي مختلفون أو متعاسرون يقال رجل شكس وشرس وضرس ويقال شاكسني فلان أي ماكسني وشاحّني في حقي.
    4 - قرأ الجمهور سلماً وقرأ غيرهم سالماً بمعنى خالصاً فمعنى القراءتين واحد وهو الخلوص لمالك واحد.
    5 - الاستفهام إنكاري أي لا يستويان، مثلا منصوب على التمييز لنسبة يستويان أي في أي شيء ميز لي.
    6 - لما سلم الخصم بأنه لا يستوي الموحد والمشرك تعين حمد الله تعالى إذ لا يعقل أن يقول المرء باستواء الرجل الذي يشترك فيه عدة رجال والآخر الذي هو خالص لرجل واحد، فكذلك الذي يعبد إلهاً واحداً لا يستوي مع من يعبد آلهة متعددة.
    7 - قرأ بعضهم إنك مائت وإنهم مائتون. والميت بالتشديد من هو صائر إلى الموت والميت بسكون الياء من فارقته الحياة، في هذه الآية نعي لكل إنسان بالموت إذ أن رجلا نعى لرجل أخاه ووجده يأكل فقال له كل فقد نعى إلي أخي من قبلك فقال وكيف وأنا أول من نعاه فقال له قد نعاه الله إليّ في قوله إنك ميت وإنهم ميتون.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #742
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (5)
    الحلقة (737)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 486الى صــــ 490)

    الجزء الرابع والعشرون
    فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
    شرح الكلمات:
    ومن أظلم ممن كذب على الله؟ : أي بأن نسب إليه ما هو بريء منه كالزوج والولد والشريك.
    وكذب بالصدق إذ جاءه؟ : أي بالقرآن والنبي والتوحيد والبعث والجزاء.
    مثوى للكافرين: أي مأوى، ومكان إقامة ونزول.
    والذي جاء بالصدق وصدّق به: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي صدق به أبو بكر وكل أصحاب رسول الله.
    أولئك هم المتقون: أي لعذاب الله بإيمانهم وتقواهم بترك الشرك والمعاصي.
    ذلك جزاء المحسنين: أي المذكور من نعيم الجنة جزاء المحسنين في أعمالهم.
    ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا: أي ييسر الله لهم ذلك ويوفقهم إليه ليكفر عنهم ذنوبهم.
    معنى الآيات:
    يخبر تعالى عباده منذراً محذراً بأنه لا أظلم من أحد كذب على الله. فقال عنه ما لم يقل أو حرّم ولم يحرم أو أذن ولم يأذن، أو شرع ولم يشرع، أو كذب بالصدق وهو القرآن والنبي وما جاء به من الهدى ودين الحق أي فلا أحد أظلم ممن كان هذا حاله كذب على الله وكذب بالصدق.
    وقوله تعالى: {أَلَيْسَ (1) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} ؟ هذا بيان لجزاء الكاذبين والمكذبين وهم الكافرون بسبب كذبهم على الله وتكذبيهم له فيخبر تعالى مقرراً أن جزاءهم الإقامة الدائمة في جهنم. وقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ (2) بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} هذا إخبار بفريق الفائزين من عباد الله وهم الصادقون في كل ما يخبرون به، والمصدقون بما أوجب الله تعالى التصديق به ويدخل في هذا الفريق دخولاً أولياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر الصديق ثم سائر الصحابة والمؤمنين إلى يوم الدين.
    وقوله تعالى {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (3) } يشير إليهم بأنهم اتقوا كل ما يغضب الله من الشرك والمعاصي، وبذلك استوجبوا النجاة من النار ودخول الجنة المعبر عنه بقوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} من نعيم بعضه لم يخطر على بال أحد، ولم تره عين أحد ولا تسمع به أذنه.
    وقوله: {ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (4) } أي ذلك المذكور في قوله لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو جزاؤهم وجزاء المحسنين كلهم والمحسنون هم الذين أحسنوا الاعتقاد والقول والعمل وقوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ (5) اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} أي من الذنوب والآثام والخطايا والسيئات أي وفقهم للإحسان ويسره لهم، ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا وسيئه ويجزيهم أجرهم على إيمانهم وتقواهم وإحسانهم في ذلك بأحسن ما كانوا يعملون وحسنه أيضاً وإنما يضاعف لهم الأجر فتكون الحسنات الصغيرة كالكبيرة فأصبح الجزاء كله على الأحسن والذي كانوا يعملون هو كل ما شرعه الله تعالى لعباده وتعبدهم به من الإيمان وسائر الطاعات والقربات.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التنديد بالكذب على الله تعالى والتكذيب به، وبما جاء به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدين.
    2- بيان جزاء الكاذبين على الله ورسوله والمكذبين بما جاء به رسول الله عن الله من الشرع والدين.
    3- الترغيب في الصدق في الاعتقادات والأقوال والأعمال.
    4- فضل التقوى والإحسان وبيان جزائهما عند الله تعالى يوم القيامة.
    __________

    1 - الاستفهام تقريري والمثوى مكان الإقامة وهو مصدر ثوى بالمكان يثوى ثواء وثويا مثل مضى يمضي مضاء ومضيا.
    2 - والذي جاء بالصدق مبتدأ والخبر أولئك هم المتقون. وعليه فالذي جاء بالصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن صدق به هم أبو بكر وسائر المؤمنين وفي الآية حذف الموصول وهو "من" لدلالة السياق عليه.
    3 - أولئك مبتدأ وهم ضمير فصل والمتقون خبر، والجملة خبر عن المبتدأ الذي هو والذي جاء بالصدق والمعطوف عليه والموصول محذوف وهو من أو إذ لا يكون من جاء بالصدق هو المصدق به.
    4 - الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة.
    5 - في الآية الإشادة بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أثبت لهم التصديق بما جاء به رسوله كما أثبت لهم التقوى والإحسان وواعدهم بالنعيم المقيم الذي ادخره لهم. وفي الحديث الصحيح "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ربي ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".

    ******************************
    أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَك َ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ (38) قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
    شرح الكلمات:
    أليس الله بكاف عبده؟ : بلى هو كاف عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ما يهمه.
    ويخوفونك بالذين من دونه: أي بالأصنام والأوثان أن تصيبك بما يسوءك ويضرك.
    أليس الله بعزيز ذي انتقام: بلى هو عزيز غالب على أمره صاحب انتقام شديد على من عاداه.
    ليقولن الله: أي لوضوح البرهان وقوة الدليل وانقطاع الحجة.
    قل أفرأيتم: أي أخبروني.
    هل هن ممسكات رحمته: والجواب لا لا إذاً فقل حسبي الله، ولا حاجة لي بغيره.
    اعملوا على مكانتكم: أي على حالتكم التي أنتم عليه من الكفر والعناد.
    إني عامل: أي على حالتي التي أنا عليها من الإيمان والانقياد.
    من يأتيه عذاب يخزيه: أي في الدنيا بالقتل والأسر والجوع والقحط.
    ويحل عليه عذاب مقيم: أي وينزل عليه عذاب مقيم لا يبرح وهو عذاب النار بعد الموت.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في الدفاع عن الرسول والرد على مناوئيه وخصومه الذين استبطأوا موته فرد الله تعالى عليهم بقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} فلا شماتة إذاً في الموت وقوله: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ (1) عَبْدَهُ} دال على أن القوم حاولوا قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما لم يمت بأجله وفعلاً قد قرروا قتله وأعطوا الجوائز لمن يقتله، ففي هذه الآية طمأن الله رسوله على أنهم لا يصلون إليه وأنه كافيه مؤامراتهم وتهديداتهم فقال عز وجل أليس الله بكاف عبده؟ والجواب بلى إذ الاستفهام تقريري كافيه كلَّ ما يهمه ويسوءه وقوله: {وَيُخَوفونك بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي ويخوفك يا رسولنا المشركون بما يعبدون من دوننا من أصنام وأوثان بأن تصيبك (2) بقتل أو خبل فلا يهمك ذلك فإن أوثانهم لا تضر ولا تنفع ولا تجلب ولا تدفع، وقوله: {وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} ، وقد هداك ربك فليس لك من يضلك أبداً، كما أن من أضله الله كقومك فليس له من هادٍ يهديه أبداً. وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} (3) بلى فهو إذاً سينتقم من أعدائه لأوليائه إن استمروا في أذاهم وكفرهم وعنادهم، وقد فعل سبحانه وتعالى.
    وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي أوجدهما من غير مثال سابق {لَيَقُولُنَّ اللهُ} فما دام اعترافهم لازماً بأن الله تعالى هو الخالق فلم عبادة غيره والإصرار عليها مما أفضى بهم إلى أذية المؤمنين وشن الحرب عليهم وقوله: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي من الأصنام والأوثان أخبروني {إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ} ما {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} صحة وعافية وغنى ونصر {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (4) } والجواب لا فإنها جماد لا تقدر على إعطاء ولا على إمساك إذاً فقل حسبي الله أعبده وأتوكل عليه إذ هو الذي يضر وينفع ويجلب الخير ويدفع السوء والشر. وقوله {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ} أي على الله وحده يتوكل المتوكلون فيثقون في كفايته لهم فيفوضون أمورهم إليه ويتعلقون به وينفضون أيديهم من غيره.
    وقوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي لما أبيتم إلا العناد مصرين على الشرك بعد ما قامت الحجج والأدلة القاطعة على بطلانه فاعملوا على مكانتكم أي حالتكم التي عليها من الشرك والعناد {إِنِّي عَامِلٌ} أنا على حالتي من الإيمان والتوحيد والانقياد. والنتيجة ستظهر فيما بعد لا محالة ويعلم المحق من المبطل، والمهتدي من الضال وهي قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ (5) يُخْزِيهِ} أي يذله ويكسر أنفه بالقتل والأسر والجوع والقحط وقد أصاب المشركين هذا في مكة وبدر. وقوله: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} وهو عذاب النار في الآخرة نعوذ بالله من العذابين عذاب الخزي في الحياة الدنيا وعذاب النار في الدار الآخرة.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير كفاية الله وولايته لعباده المؤمنين وخاصة ساداتهم من الأنبياء والأولياء.
    2- تقرير مقتضى الولاية وهو النقمة من أعدائه تعالى لأوليائه وإن طال الزمن.
    3- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
    4- مظاهر ربوبية الله الموجبة لألوهيته.
    5- وجوب التوكل على الله واعتقاد كفايته لأوليائه.
    6- تقرير إنجاز الله وعده لرسوله والمؤمنين.
    __________

    1 - الاستفهام للتقرير، وحذفت ياء كاف لأنه اسم منقوص وترد في الوقف جوازاً وقرأ الجمهور عبده وقرأ غيرهم عباده ليدخل المؤمنون معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2 - هذا شاهده قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام وكيف أخاف ما أشركتم فإنهم خوفوه بآلهتهم فأنكر عليهم ذلك وعابهم بعدم الخوف من الله تعالى.
    3 - الاستفهام تقريري والجملة تحمل الوعيد الشديد للمشركين الكائدين الماكرين بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين والانتقام المكافأة بالشر على الشر وهو مشتق من النقم الذي هو الغضب.
    4 - قال مقاتل فسألهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسكتوا وقال بعضهم لا تدفع شيئاً ولكنها تشفع!!
    5 - (من) استفهامية علقت فعل تعلمون عن العمل في مفعوليه.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #743
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (6)
    الحلقة (738)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 491الى صــــ 496)

    إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
    شرح الكلمات:
    إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق: أي أنزلنا عليك يا رسولنا القرآن بالحق أي ملتبسا به.
    وما أنت عليهم بوكيل: أي ليس عليك أمر هدايتهم فتجبرهم على الإيمان.
    الله يتوفى الأنفس حين موتها: أي ينهي حياة العباد بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم.
    والتي لم تمت في منامها: أي يتوفاها وقت النوم يحبسها عن التصرف كأنها شيء مقبوض.
    فيمسك التي قضى عليها الموت: يقبضها لحكمة بالموت عليها حال النوم.
    ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى: أي التي لم يحكم بموتها يرسلها فيعيش صاحبها إلى نهاية أجله المعدود له.
    إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون: أي في قبض الأرواح وإرسالها، والقدرة على ذلك دلائل وبراهين على قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون.
    أم اتخذوا من دون الله شفعاء: أي كفار مكة لا يتفكرون ولو كانوا يتفكرون لما أنكروا البعث، ولا ما اتخذوا من دون الله شفعاء لوضوح بطلان ذلك.
    قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً: أي قل لهم أيشفع لكم شركاؤكم ولو كانوا لا يملكون شيئاً ينكر عليهم دعواهم الشفاعة لهم وهي أصنام لا تملك ولا تعقل.
    قل لله الشفاعة جميعا: أي أخبرهم أن جميع الشفاعات لله وحده فشفاعة الأنبياء والشهداء والعلماء والأطفال مملوكة لله فلا يشفع أحد إلا بإذنه.
    وإذا ذكر الله وحده اشمأزت: أي وإذا ذكر الله وحده كقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا إله إلا الله نفرت نفوس المشركين وانقبضت وظهر الغضب والسخط في وجوههم.
    وإذا ذكر الذين من دونه: أي الأصنام والأوثان التي يعبدونها من دون الله تعالى.
    إذا هم يستبشرون: أي فرحون جذلون وذلك لافتتانهم بها ونسيانهم لحق الله تعالى وهو عبادته وحده مقابل خلقه ورزقه لهم.
    معنى الآيات:
    إن السياق الكريم كان في عرض الصراع الدائر بين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقومه المشركين فدافع الله تعالى عن رسوله ودفع عنه كل أذى ومكروه وتوعد خصومه بالعذاب في الدنيا والآخرة وهنا يسليه ويصبره فيقول له {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ (1) } أي القرآن {لِلنَّاسِ} أي لهداية الناس وإصلاحهم {بِالْحَقِّ} أي ملتبساً بالحق، فمن اهتدى بالقرآن فآمن وعمل صالحاً فعائد ذلك له حيث ينجو من النار ويدخل الجنة، ومن ضل لعدم قبوله هداية القرآن فأصر على الشرك والمعاصي فإنما يضل على نفسه أي عائد ضلاله على نفسه إذ هو الذي يحرم الجنة ورضا الله تعالى ويُلقى في النار خالداً فيها وعليه غضب من الله لا يفارقه أبدا.
    وقوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} أي لم يوكل إليك أمر هدايتهم فتجد نفسك في هم من ذلك إن عليك إلا البلاغ المبين إنك لم تكلف حفظ أعمالهم ومحاسبتهم عليها، ولا أمر هدايتهم فتجبرهم على ذلك.
    وقوله تعالى في الآية الثانية من هذا السياق (42) : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ (1) } أي يقبض أرواحها {حِينَ مَوْتِهَا} أي عند نهاية أجلها فيأمر تعالى ملك الموت فيخرج الروح بإذن الله ويقبضها، {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي يقبضها بمعنى يحبسها عن التصرف، حال النوم، فإن أراد موتها قبضها ولم يردها إلى جسدها، وإن لم يرد وفاتها أرسلها فتعود إلى الجسد ويعيش صاحبها إلى الأجل المسمى له وهي (2) نهاية عمره إن في ذلك القبض للروح والإرسال، والوفاة والإحياء لآيات أي دلائل وحجج كلها قاضية بأن القادر على هذا قادر على البعث والنشور الذي كذب به المشركون كما ن صاحب هذه القدرة العظيمة هو صاحب الحق المطلق في الطاعة والعبادة ولا تنبغي العبادة إلا له. وقوله {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وهم الأحياء بالإيمان أما الأموات وهم الكافرون فلا يجدون في ذلك آية ولا دليلاً لموتهم بالشرك والكفر.
    وقوله تعالى في الآية الثالثة (43) : {أَمِ اتَّخَذُوا (3) مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ} أي بل اتخذ المشركون الذين كان المفروض فيهم أن يهتدوا على الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة لو كانوا يتفكرون بدل أن يهتدوا إلى توحيد الله اتخذوا من دونه أوثاناً سموها شفعاء يرجون شفاعتها لدى الله في قضاء حوائجهم. وذلك لجهلهم وسخف عقولهم. قال تعالى لرسوله: {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} أي قل لهم أيشفعون لكم ولو كانوا لا يملكون شيئا من أسباب الشفاعة ومقتضياتها ولو كانوا لا يعقلون معنى الشفاعة ولا يفهمونه لأنهم أصنام وأحجار والاستفهام للتبكيت والتقريع. لو كان القوم يشعرون. ثم أمر تعالى رسوله أن يعلن عن الحقيقة وإن كانت عند المشركين مُرة {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} أي جميع أنواع الشفاعة هي ملك لله مختصة به فلا يشفع أحد إلا بإذنه، إذاً فاطلبوا الشفاعة من مالكها الذي له ملك السموات والأرض، لا ممن هو مملوك له، ولا يعقل حتى معنى الشفاعة ولا يفهمها وقوله ثم إليه ترجعون أي بعد الموت أحببتم أم كرهتم؟ فاتخذوا لكم يداً عنده بالإيمان به وتوحيده في عبادته.
    وقوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هذا كشف عن حال المشركين، وما هم عليه من الجهل والسفه إنه إذا سمعوا لا إله إلا الله ينفرون وينقبضون ويظهر ذلك غضباً في وجوههم، يكادون يسطون على من قال لا إله إلا الله، وإذا ذكر الذين من دونه أي وإذا ذكر الأصنام التي يعبدونها من دون الله إذا هم يستبشرون فرحون مسرورون، وهذا عائد إلى افتتانهم بأصنامهم، ونسيانهم لحقوق ربهم عليهم وهي الإيمان به وعبادته وحده مقابل ما خلقهم ورزقهم ودبر حياتهم، ولكن أنى لأهل ظلمة النفس وانتكاس القلب أن يعوا ويفهموا؟.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر والثبات في أصعب الظروف.
    2- مظاهر قدرة الله في الموت والحياة مما يقتضي الإيمان به وبلقائه وتوحيده.
    3- إبطال حجة المشركين في عبادة الأوثان من أجل الشفاعة لهم إذا الشفاعة كلها لله.
    4- بيان خطأ من يطلب الشفاعة من غير الله، إذ لا يملك الشفاعة إلا هو (1) .
    5- بيان سفه المشركين وضلالهم في غضبهم عند سماع التوحيد، وفرحهم عند سماع الشرك.
    __________

    1 - في الآية مزيد بيان شرفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإنزال الكتاب عليه وتقرير رسالته، واللام في للناس للتعليل والباء في بالحق للملابسة. وفي الكلام محذوف تقديره لنفع الناس وهدايتهم بقرينة قوله بعد "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه".
    2 - المراد بالأنفس الناس الذين يموتون إذ لفظ النفس يطلق على الذات ويطلق على الروح قال ابن عباس وغيره من المفسرين إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها، قال علي رضي الله عنه فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها فلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.
    3 - شاهد هذا من السنة حديث الصحيحين وفيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخله إزاره فإنه لا يدري من خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. والشاهد في أمساك الروح في المنام وإرسالها.
    4 - أم هذه هي المنقطعة وهي للإضراب الانتقالي وهو انتقال من تشنيع شركهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم.
    5 - الشفاعة أمر معنوي فملكها معناه تحصيل إجابتها إذ الأمور المعنوية لا تملك.

    ****************************** ****
    قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
    شرح الكلمات:
    قل اللهم فاطر السموات والأرض: قل يا نبينا: يا الله خالق السموات والأرض.
    عالم الغيب والشهادة: أي يا عالم الغيب وهو كل ما غاب عن الأبصار والحواس والشهادة خلاف الغيب.
    فيما كانوا فيه يختلفون: أي من أمور الدين عقائد وعبادات.
    ولو أن للذين ظلموا: أي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي.
    وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون: أي وظهر لهم من عذاب الله ما لم يكونوا يظنونه.
    وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: وأحاط بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزئون به.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ (1) } هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله أن يفزع إليه بالدعاء والضراعة إذ استحكم الخلاف بينه وبين خصومه وضاق الصدر أي قل يا رسولنا يا الله {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي خالقهما، {عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي ما غاب عن الأبصار والحواس فلم يُدرَك، والشهادة وهو ما رؤي بالأبصار وأدرك بالحواس {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} مؤمنهم وكافرهم {فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون} من الإيمان بك وبلقائك وصفاتك وعبادتك ووعدك ووعيدك اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط المستقيم.
    وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أي أنفسهم بالشرك وهو الظلم العظيم وبغشيان المعاصي والذنوب لو أن لهم عند معاينة العذاب يوم القيامة {مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} من أموال ونفائسها ومثله معه وقبل منهم الفداء {لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ} ولما تردّدوا أبداً وهذا دالٌّ على شدّة العذاب وأنه لا يطاق ولا يحتمَل مع حرمانهم من الجنة ونعيمها.
    وقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (2) } أي وظهر لهم أي لأولئك الذين إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم وإذا ذكرت الأصنام فرحوا بذلك واستبشروا وبدا لهم من ألوان العذاب ما لم يكونوا يظنون ولا يحتسبون. وقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ (3) مَا كَسَبُوا} أي من من الشرك والكفر والفسق والعصيان أي ظهر لهم وتجلى أمامهم فاشتد كربهم وعظم الأمر عندهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أحاط بهم وحدق عليهم العذاب الذي كانوا إذا ذكر لهم وعيداً وتخويفاً استهزءوا به وسخروا منه وممن ذكرهم به ويخوفهم منه كالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية اللجوء إلى الله تعالى عند اشتداد الكرب وعظم الخلاف والدعاء بهذا الدعاء وهو "اللهم ربّ
    جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" إذ ثبتت السنة به. والآية ذكرت أصله.
    2- بيان عظم العذاب وشدته يوم القيامة وأن المرء لو يقبل منه فداء لافتدى منه بما في الأرض من أموال ومثله
    معه.
    3- التحذير من الاستهزاء بأخبار الله تعالى ووعده ووعيده.
    __________

    1 - رواه مسلم عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستفتح به صلاته من الليل وروي عن سعيد بن جبير أنه قال إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه قوله {قل اللهم فاطر السموات} .. الخ".
    2 - روي أن محمد ابن المنذر جزع عند موته جزعاً شديداً وقيل له ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} .
    3 - السيئات جمع سيئة وهو وصف أضيف إلى موصوفه وهو الموصول {ما كسبوا} أي مكسوباتهم السيئات وتأنيثها باعتبار شهرة إطلاق السيئة على الفعلة القبيحة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #744
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (7)
    الحلقة (739)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 492الى صــــ 502)

    فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
    شرح الكلمات:
    فإذا مس الإنسان ضر دعانا: أي أصاب الإنسان الكافر ضر أي مرض وغيره مما يضره دعانا أي سأل كشف ضره.
    ثم إذا خولناه نعمة منا: ثم إذا خولناه أي أعطيناه نعمة منا من صحة أو مال وغيرهما.
    قال إنما أوتيته على علم: قال أي ذلك الكافر إنما أوتيت ذلك العطاء على علم من الله بأني أستحقه.
    بل هي فتنة: أي تلك النعمة لم يعطها لأهليته لها، وإنما أعطيها فتنة واختباراً له.
    ولكن أكثرهم لا يعلمون: أي أن ما أعطوه من مال وصحة وعافية هو فتنة لهم وليس لرضا الله تعالى عنهم.
    قد قالها الذين من قبلهم: أي قال قولتهم من كان قبلهم كقارون فلم يلبثوا أن أخذوا فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون.
    والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم: أي والذين ظلموا بالشرك من هؤلاء أي من كفار قريش.
    سيئات ما كسبوا (1) : أي كما أصاب من قبلهم وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا في بدر.
    وما هم بمعجزين: أي فائتين الله تعالى ولا غالبين له.
    أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق: أي أقالوا تلك المقالة ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق.
    لمن يشاء ويقدر: أي يوسعه لمن يشاء امتحانا، ويضيقه ابتلاء.
    إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون: أي إن في ذلك المذكور من التوسعة امتحانا والتضييق ابتلاء لآيات أي علامات على قدرة الله وكمال تدبيره لأمور خلقه.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في بيان حيرة المشركين وفساد قلوبهم نتيجة كفرهم وجهلهم فقوله تعالى:{فَإِذَا مَسَّ (2) الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا} يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر الله وحده اشمأزت نفسه وإذا ذكرت الأوثان سُر وفرح واستبشر هذا الإنسان إذا مسّه ضرّ من مرض أو غيره مما يضر ولا يسر دعا ربه منيباً إليه ولم يشرك معه فيه هذه الحال أحداً لعلمه أن الأوثان لا تكشف ضراً ولا تعطي خيراً، وإذا خوله الله تعالى نعمة من فضله ابتلاء له قال إنما أوتيت الذي أوتيت على علم من الله بأني أهل لذلك (3) ، فأكذبه الله تعالى فقال بل هي فتنة، ولكن أكثرهم أي أكثر المشركين لا يعلمون أن الله تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم لا لحبه لهم ولا لرضا عنهم. والدليل على أن ذلك العطاء للمشركين فتنة لا غير أن قولتهم هذه قد قالها الذين من قبلهم كقارون وغيره فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من أموال طائلة، قال تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} فلم يؤاخذوا بدون ذنب بل أخذوا بذنوبهم وهو قوله تعالى فأصابهم سيئات (4) ما كسبوا وقوله تعالى {وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ} أي من كفار قريش سيصيبهم أيضاً سيئات ما كسبوا من الشرك والعناد والظلم، وما هم بمعجزين لله فائتينه أبداً وكيف وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا وأسروا في بدر والفتح.
    وقوله تعالى {أَوَلَمْ (5) يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي أقالوا مقالتهم تلك ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً له أيشكر أم يكفر ويقدر أي يضيق على من يشاء ابتلاء له أيصبر أم يضجر ويسخط فلم يكن بسطه الرزق حباً في المبسوط له، ولا التضييق كرهاً للمضيق عليه، وإنما البسط كالتضييق لحكمة التربية والتدبير، ولكن الكافرين لا يعلمون هذا فجهلهم بالحكم جعلهم يقولون الباطل ويعتقدونه أما المؤمنون فلا يقولون مقالتهم لعلمهم ونور قلوبهم فلذا هم يجدون الآيات في مثل هذا التدبير واضحة دالة على علم الله وحكمته وقدرته فيزدادون إيماناً ونوراً وبصيرة.

    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان تناقض أهل الكفر والجهل والضلال في كل حياتهم لأنهم يعيشون على ظلمة الجهل والكفر.
    2- تقرير ما من (6) مصيبة إلا بذنب جلي أو خفي كبير أو صغير.
    3- بيان أن بسط الرزق وتضييقه على الأفراد أو الجماعات لا يعود إلى حب الله للعبد أو كرهه له، وإنما يعود لسنن التربية الإلهية وحكم التدبير لشؤون الخلق.
    4- أهل الإيمان هم الذين ينتفعون بالآيات والدلائل لأنهم أحياء يبصرون ويعقلون أما أهل الكفر فهم أموات لا يرون الآيات ولا يعقلونها.
    5- تهديد الله تعالى للظالمين ووعيده الشديد بأنه سيصيبهم كما أصاب غيرهم جزاء ظلمهم وكسبهم الفاسد.
    __________

    1 - أي أصابهم سوء كسبهم وقبحه وهو ما عملوه من سيئات الشرك والمعاصي.
    2 - في هذه الآية بيان حقيقة وهي أن كفار قريش كانوا يؤمنون بالله رباً فهم أفضل من كفار البلاشفة الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله تعالى كما أن كفار قريش أحسن حالا من بعض جهال المسلمين اليوم إذ يخلصون الدعاء لله في الشدة وجهال المسلمين يشركون في الرخاء والشدة معا وذلك بدعائهم الأولياء والأموات والاستغاثة بهم في كل حال.
    3 - قال بعضهم على علم أي بوجوه الكسب وطرق تنمية المال وتكثيره حتى لا يحمد الله ولا يشكره ولا منافاة بين هذا وما في التفسير إذ بعضهم يقول هذا وبعض يقول ذاك.
    4 - أي جزاء سيئات كسبهم من الشرك والشر والفساد.
    5 - الاستفهام إنكاري ينكر تعالى عليهم انتفاء علمهم بذلك لأنهم تسببوا في انتفاء العلم فلذا تضمن الاستفهام توبيخاً لهم.
    6 - شاهده قوله تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الآية من الشورى وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر" رواه ابن أبي حاتم. قال لما نزلت هذه الآية قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    ****************************** *
    قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
    شرح الكلمات:
    يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم: أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي.
    لا تقنطوا من رحمة الله: أي لا تيأسوا من المغفرة لكم ودخول الجنة.
    إن الله يغفر الذنوب جميعا: أي ذنوب من أشرك وفسق إن هو تاب توبة نصوحاً.
    وأنيبوا إلى ربكم: أي ارجعوا إليه بالإيمان والطاعة.
    وأسلموا له: أي أخلصوا له أعمالكم.
    واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم: أي القرآن الكريم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه.
    أن تقول نفس يا حسرتى: أي نفس الكافر والمجرم يا حسرتى أي يا ندامتي.
    على ما فرطت في جنب الله: أي في جانب حق الله فلم أطعه كما أطاعه غيري.
    وإن كنت لمن الساخرين: أي المستهزئين بدين الله تعالى وعباده المؤمنين.
    لو أن لي كرة فأكون من المحسنين: أي لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكون إذاً من المؤمنين الذين أحسنوا القصد والعمل.
    بلى قد جاءتك آياتي: أي ليس الأمر كما تزعم أنك تتمنّى الهداية بل قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت.
    معنى الآيات:
    لقد صح أن أناسا (1) كانوا قد أشركوا وقتلوا وزنوا فكبر عليهم ذلك وقالوا نبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يسأله لنا هل لنا من توبة فإن قال: نعم، وإلا بقينا على ما نحن عليه وقبل أن يصل رسولهم نزلت هذه الآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي أفرطوا في ارتكاب الجرائم فكانوا بذلك مسرفين على أنفسهم {لا تَقْنَطُوا} أي لا تيأسوا {مِنْ رَحْمَةِ} في أن يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة، إن أنتم تبتم إليه وأنبتم {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ (2) جَمِيعاً} لمن تاب منها فإنه تعالى لا يستعصي عليه ذنب فلا يقدر على مغفرته وعدم المؤاخذة عليه إنه هو الغفور الرحيم.
    وقوله تعالى: {وَأَنِيبُوا (3) إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (4) } أي أيها المذنبون المسرفون أنيبوا ربكم أي ارجعوا إلى طاعته بفعل المأمور وترك المنهي وأسلموا له أي أخلصوا أعمالكم ظاهراً وباطناً له مبادرين بذلك حلول العذاب قبل أن يحل بكم ثم لا تنصرون أي لا تقدرون على منعه منكم ولا دفعه عنكم.
    {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} في هذا القرآن العظيم فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي وخذوا بالعزائم واتركوا الرخص مبادرين بذلك أيضاً حلول العذاب قبل أن يحل بكم بغتة أي فجأة وأنتم لا تشعرون به، بادروا بالتوبة والإنابة والإسلام الصادق ظرفاً تقول فيه النفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله أي يا حسرتى (5) يا ندامتي الحاملة لي الغم والحزن احضري هذا وقت حضورك على تفريطي في جانب (6) حق الله تعالى حيث ما عبدته حق عبادته فلا ذكرته ولا شكرت له {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أي المستهزئين بدينه وعباده المؤمنين يا له من اعتراف يؤدي بصاحبه في سواء الجحيم، بادروا يا عباد الله هذا وذاك {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي (7) لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً (8) } أي رجعة إلى الحياة الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي المؤمنين الذين أحسنوا النية والقصد والعمل. قال تعالى رداً على تمنياتهم الكاذبة: {بَلَى} أي ليس الأمر كما زعمت أيها المتمني بقولك {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} للشرك والمعاصي التي وقعت بها في جهنم بل جاءتك آياتي هادية لك مرشدة فكذبت بها واستكبرت عن العمل بما جاء فيها وكنت من الكافرين بذلك.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان فضل الله ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه.
    2- دعوة الله الرحيم إلى عباده المذنبين - بالإنابة إليه والإسلام الخالص له.
    3- تقرير البعث والجزاء بذكر ما يحدث فيه وما يجري في ساحته من أهوال.
    4- وجوب تعجيل التوبة والمبادرة بها قبل حلول العذاب في الدنيا أو الموت والموت أدهى وأمر حيث لا تقبل توبة بعد الموت أبداً.
    5- الترغيب في الأخذ بالعزائم وترك الرخص لغير ضرورة.
    6- إبطال مذهب الجبرية الذين يرون أنهم مجبورون على فعل المعاصي وغشيان الذنوب، كقول أحدهم لو أن الله هداني لفعلت كذا أو تركت كذا.
    7- فضل التقوى والإحسان وفضل المتقين والمحسنين.
    __________

    1 - لقد ذكر لسبب نزول هذه الآية عدة مناسبات وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا حاجة إلى ذكرها وما في التفسير كافٍ وهو ما تضمنته رواية البخاري.
    2 - قوله تعالى {إن الله يغفر الذنوب جميعا} تعليل للنهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله.
    3 - الإنابة التوبة ولما في التوبة من معنى الرجوع عدي الفعل بإلى.
    4 - النصر: الإعانة على الغلبة بحيث يتخلص المغلوب من يد غالبه ولا نصير لأحد على الله تعالى.
    5 - الحسرة: الندامة الشديدة والألف في (يا حسرتى) عوض عن ياء المتكلم.
    6 - قال الحسن في طاعة الله وقال الضحاك في ذكر الله يعني القرآن والعمل به، وقال أبو عبيدة أي في ثواب الله وما في التفسير جامع شامل والجنب والجانب بمعنى واحد.
    7 - هذه كلمة حق أريد بها باطل كما قال علي للخوارج لما قالوا لا حكم إلا لله.
    8 - الكرة: الرجعة ولو للتمني فهي وليت سواء.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #745
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (8)
    الحلقة (740)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 503الى صــــ 508)

    وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِ ينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)

    شرح الكلمات:
    ويوم القيامة: أي بأن يبعث الناس من قبورهم.
    ترى الذين كذبوا على الله: أي باتخاذ أولياء من دونه وبالقول الكاذب عليه سبحانه وتعالى.
    وجوههم مسودة: أي سوداء من الكرب والحزن وعلامة على أنهم من أهل النار وأنهم ممن كذبوا على ربهم.
    أليس في جهنم مثوى للمتكبرين: أي أليس في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين؟ بلى إن لهم فيها لمثوى بئس هو من مثوى للمتكبرين عن عبادة الله تعالى.
    وينجي الله الذين اتقوا: أي ينجيهم من النار بسبب تقواهم للشرك والمعاصي.
    بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون: أي بفوزهم بالجنة ونزولهم فيها لا يمسهم السوء أي العذاب ولا هم يحزنون لما نالهم من النعيم.
    له مقاليد السموات والأرض: أي مفاتيح خزائن السموات والأرض.
    أولئك هم الخاسرون: أي الخاسرون لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
    قل أفغير الله تأمروني أعبد: قل يا رسولنا للذين طلبوا منك أن تعبد معهم آلهتهم أتأمروني بعبادة غير الله، فهل تصلح العبادة لغيره وهو رب كل شيء وإلهه فما أسوأ فهمكم أيها الجاهلون.
    لئن أشركت: أي من باب الفرض لو أشركت بالله غيره في عبادته لحبط عملك ولكنت من الخاسرين.
    بل الله فاعبد وكن من الشاكرين: أي بل اعبد الله وحده، إذ لا يستحق العبادة إلاّ هو وكن من الشاكرين له على إنعامه عليك بالنبوة والرسالة والعصمة والهداية.
    معنى الآيات:
    لقد تقدم في السياق الأمر بتعجيل التوبة قبل الموت فيحصل الفوت، وذلك لأن يوم القيامة يوم أهوال وتغير أحوال وفي الآيتين الآتيتين بيان ذلك قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ (1) } بأن نسبوا إليه الولد والشريك والتحليل والتحريم وهو من ذلك براء هؤلاء {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} (2) علامة أنهم كفروا وكذبوا وأنهم من أهل النار.
    وقوله تعالى: {أَلَيْسَ (3) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِ ينَ (4) } أي بلى في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين الذين تكبروا عن الإيمان والعبادة. وقوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ} أي تلك حال وهذه أخرى وهي أن الله تعالى ينجي يوم القيامة الذين اتقوا الشرك والمعاصي بالإيمان والطاعة هؤلاء بفوزهم بالجنة لا يمسهم السوء في عرصات القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم في الدنيا لأن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي ما من كائن سوى الله تعالى إلا وهو مخلوق والله خالقه {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي قيم حافظ، فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلاً عن أن تجب لسواه.
    وقوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (5) } أي له ملكاً حقاً مفاتيح خزائن الرحمات والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فلا يصح الطلب إلا منه ولا تجوز الرغبة إلا فيه وما عبد الناس الأوثان والأصنام إلا رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم لا تكون إلا من الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم لا تكون إلا في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا غير الله تعالى بحال.
    وقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ} الحاوية لإيمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده وشرائعه ولذا من كفر بآيات الله فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسراناً مبيناً بحيث يخسر يوم القيامة نفسه وأهله، وذلك هو الخسران المبين.
    وقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ} الآية هذا ردّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله: {قُلْ أَفَغَيْرَ (6) اللهِ تَأْمُرُونِّي (7) أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} لن يكون هذا مني أبداً كيف أعبد غير الله وهو
    ربي ومالك أمري وهو الذي كرمني بالعلم به وأوحى إليّ شرائعه. فلتيأسوا فإن مثل هذا لن يكون أبداً، ووصفهم بالجهل لأن جهلهم (8) بالله وعظمته هو الذي سول لهم عبادة غيره والتعصب لها.
    وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ} أي أوحى الله إليك كما أوحى إلى الأنبياء من قبلك بالتالي وهو وعزة الله وجلاله {لَئِنْ أَشْرَكْت} بنا غيرنا في عبادتنا ليحبطن (9) عملك أي يبطل كله ولا تثاب على شيء منه وإن قل، ولتكونن بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. ثم أمر تعالى رسوله مقرراً التوحيد مبطلاً الشرك بقوله: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ (10) وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي الله وحده فاعبده وكن من الشاكرين له على إنعامه وإفضاله عليك.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- اسوداد الوجه يوم القيامة علامة الكفر والخلود في جهنم.
    2- ابيضاض الوجوه يوم القيامة علامة الإيمان (11) والخلود في الجنة.
    3- تقرير البعث والجزاء بوصف أحواله وما يدور فيه.
    4- بيد الله كل شيء فلا يصح أن يطلب شيء من غيره أبداً، ومن طلب شيئاً من غير الله فهو من أجهل الخلق.
    5- التنديد بالشرك وبيان خطورته إذ هو محبط للأعمال بالكلية.
    6- وجوب عبادة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ووجوب حمده وشكره إذ كل إنعام منه وكل إفضال له. فلله الحمد والمنة.
    __________

    1 - هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه كالشريك والصاحبة والولد، ويدخل في هذا كل من نسب إلى الله تعالى صفة لا دليل له فيها، وكذا من شرع شيئا ونسبه إلى الله تعالى ليقبل منه ويروج، ولا يدخل أهل الاجتهاد إذا أخطأوا في الأدلة والحكم المقيس الذي لا نص فيه ولا يجوز أن يقال فيه قال الله أو أمر أو شرع تحاشياً من النسبة إلى الله تعالى بغير نص من كتاب أو سنة.
    2 - جملة وجوههم مسودة مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، لأن الرؤيا بصرية وليست قلبية.
    3 - الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا والاستفهام للتقرير.
    4 - التكبر شدة الكبر وهو إظهار المرء التعاظم على غيره لأنه يعد نفسه عظيما وفي التنديد به من حديث مسلم "إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"
    5 - المقاليد جمع إقليد وجمع على غير قياس والمراد مفاتيح خزائن السماء والأرض حيث أرزاق العباد وما به تقوم حياتهم، من أمطار وزروع وضروع ومعادن وغيرها.
    6 - غير منصوب بأعبد، وأعبد مرفوع لحذف أن مع حرف الجر إذ الأصل بأن أعبد فلما حذف الناصب ارتفع الفعل. هذا على رأي كثير من النحاة والجمهور يقولون لا حذف وأعبد هو المستفهم عنه، وتأمروني اعتراض أو حال وتقدير الكلام أأعبد غير الله لكونكم تأمروني بذلك.
    7 - قرأ نافع تأمرون بنون واحدة مخففة بحذف إحدى النونين، وقرأ حفص والجمهور تأمروني بتشديد النون إدغاماً لإحدى النونين في الأخرى وفي جملة أيها الجاهلون تقريع لهم ووصف لهم بالجهل وهو وصف مذموم.
    8 - العرب مع أنهم أميون يعترفون بفضل العالم على الجاهل قال شاعرهم:
    سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
    فليس سواء عالم وجهول
    9 - حبوط العمل بطلانه حيث لا يثاب عليه والخسران مقيد بأن يموت على الردة أما إن راجع الإسلام فلا يخسر لآية {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} فالآية مقيدة لإطلاق آية الزمر.
    10 - بل للإبطال أي إبطال عبادة ما دعاه إليه المشركون وقصره على عبادة الله وحده وأمره أن يكون في جملة الشاكرين لله إنعامه عليهم بنعمة الإسلام.
    11 - شاهده آية آل عمران {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية.

    ****************************** ****
    وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
    شرح الكلمات:
    وما قدروا الله حق قدره: أي ما عظموا الله حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته حين أشركوا في عبادته غيره من أوثانهم.
    والأرض جميعاً قبضته: أي والأرض بجميع أجزائها قبضته.
    والسموات مطويات بيمينه: أي والسموات السبع مطويات بيمينه.
    سبحانه وتعالى عما يشركون: أي تقدس وتنزه عما يشرك به المشركون من أوثان.
    ونفخ في الصور: أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق.
    ثم نفخ فيه أخرى: أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين.
    وأشرقت الأرض بنور ربها: أي أضاءت الأرض بنور الله تعالى حين يتجلى لفصل القضاء.
    ووضع الكتاب: أي كتاب الأعمال للحساب.
    وجيء بالنبيين والشهداء: أي بالنبيين ليشهدوا على أممهم، والشهداء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.
    وفضي بينهم بالحق: أي بالعدل وهم لا يظلمون لا بنقص حسناتهم ولا بزيادة سيئاتهم.
    وهو أعلم بما يفعلون: أي أعلم حتى من العاملين أنفسهم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (1) إنه بعد أن قرر تعالى التوحيد وندد بالشرك والمشركين أخبر تعالى ناعيا على المشركين شركهم ودعوتهم نبيه للشرك بأنهم بفعلهم ذلك ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وذلك لجهلهم به تعالى حين عبدوا معه غيره ودعوا نبيه إلى دلك، وقوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً (2) قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (3) فالذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته والسموات يطويها بيمينه فالسموات والأرض جميعا في يده، ويقول أنا الملك أين الملوك. فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل أوثان. لذا نزه تعالى نفسه بقوله {سُبْحَانَهُ} أي تنزه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد وعن صفات المحدثين، وتعالى عما يشركون أي ترفع عن أن يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه.
    وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ (4) } الآية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلاً وجود من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى، والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعاً إذ هو الموكل بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من (5) في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فهذا استثناء دال على أن بعضاً من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} أي في الصور نفخة {أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} هذه النفخة تسمى نفخة القيام لله رب العالمين لأجل الحساب وقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ (6) } أي كتاب الأعمال للحساب {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } ليشهدوا على أممهم وجيء بالشهداء وهم أمة
    محمد يشهدون على الأمم السابقة بأن رسلها قد بلغتهم دعوة الله، وشهادة أمة محمد قائمة على ما أخبرهم تعالى في كتابه القرآن الكريم أن الرسل قد بلغت رسالات ربها لأممها، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي خياراً عدولاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وحكم الله تعالى بين العباد بالعدل، ووفي كل نفس ما عملت من خير أو شر، وهو تعالى أعلم بما يفعلون حتى من العاملين أنفسهم ولذا سيكون الحساب عادلا لا حيف فيه لخلوه من الخطأ والغلط والجهل والنسيان لتنزه الباري عز وجل عن ذلك.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان مظاهر عظمة الرب تعالى التي يتنافى معها الشرك به عز وجل في عباداته.
    2- تقرير البعث والجزاء ببيان أحواله وما يجري فيه.
    3- بيان عدالة الله في قضائه بين عباده في عرصات القيامة.
    4- فضيلة هذه الأمة بقبولها شاهدة على الأمم التي سبقتها.
    __________

    1 - حق قدره فيه إضافة الصفة إلى الموصوف فحق صفة، والقدر موصوف إذ الأصل (ما قدروا الله قدره الحق) فالحق منصوب على النيابة عن المفعول المطلق.
    2 - جرد جميع من التاء إذ لم يقل والأرض جميعة جريا على الغالب وقد أثبتت في قول الشاعر:
    فلو أنها نفس تموت جميعة
    ولكنها نفس تساقط أنفساً
    ونصب جميعا على الحال.
    3 - شاهده في البخاري قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ وفي الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} قالت قلت فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على جسر جهنم، وفي رواية على الصراط يا عائشة".
    4 - الصور البوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش، والمراد هنا نداء الخلق لحضور الحشر أحياء للحساب والجزاء.
    5 - بالتتبع للآيات القرآنية المتضمنة لأحوال الدار الآخرة نجد أن النفخات للصور أربع نفخات: وهي نفخة الفناء، ونفخة البعث، ونفخة الصعق، ونفخة القيام لرب العالمين. وفي هذه الآيات ذكر نفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين سميت هذه نفخة صعق لأن الخلائق يصعقون ولا يموتون بدليل حديث البخاري "فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى" لفظ مسلم. قال القرطبي والإفاقة إنما تكون من غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة والله أعلم.
    6 - الكتاب اسم جنس والمراد صحائف أعمال العباد الحاوي للحسنات والسيئات.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #746
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة الزمر - (9)
    الحلقة (741)
    سورة الزمر
    مكية
    وآياتها خمس وسبعون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 509الى صــــ 516)

    وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُ مْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِي نَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
    شرح الكلمات:
    وسيق الذين كفروا: أي وساق الملائكة بعنف الذين كفروا.
    إلى جهنم زمراً: أي جماعات، جماعة المشركين وجماعة المجرمين وجماعة الظالمين.
    وقال لهم خزنتها: أي الموكلون بالنار من الملائكة الواحد خازن.
    ألم يأتكم رسل: هذا الاستفهام للتقرير والتوبيخ.
    حقت كلمة العذاب: أي وجب العذاب للكافرين.
    وسيق الذين اتقوا: أي وساقت الملائكة بلطف على النجائب الذين اتقوا ربهم أي أطاعوه ولم يشركوا به.
    وفتحت أبوابها: أي والحال أن أبواب الجنة قد فتحت لاستقبالهم.
    والحمد لله الذي صدقنا وعده: أي أنجز لنا وعده بالجنة.
    وأورثنا الأرض: أي أرض الجنة وصورة الإرث نظراً إلى قوله تعالى في وعده لهم تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً. (1)
    نتبوأ من الجنة حيث نشاء: أي ننزل من حيث نشاء.
    فنعم أجر العاملين: أي الجنة.
    حافين من حول العرش: أي محدقين بالعرش من كل جانب.
    يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده.
    وقضي بينهم بالحق: أي وقضى الله بمعنى حكم بين جميع الخلائق بالعدل.
    وقيل الحمد لله رب العالمين: أي وقالت الملائكة والمؤمنون الحمد لله رب العالمين على استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
    معنى الآيات:
    بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم الله تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل عامل بعمله من كفر ومعاص، أو إيمان وطاعة قال تعالى مخبراً عن مصير الفريقين {وَسِيقَ (2) الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ساقهم الملائكة بشدة وعنف لأنهم لا يريدون الذهاب {إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} أي جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها صوت. وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إذ كانت مغلفة كأبواب السجون لا تفتح إلا عند المجيء بالسجناء، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا (3) } قبل الوصول إليها موبخين لهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ (4) رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} أي المبينة لكم الهدى من الضلال والحق من الباطل، وما يحب ربكم من العقائد والأقوال والأعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك، ويدعوكم إلى فعل المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا. فأجابوا قائلين بلى أي جاءتنا بالذي قلتم ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ونحن منهم فوجب لنا العذاب، وعندئذ تقول لهم الملائكة ادخلوا (5) أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى.
    وقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ (6) اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ} وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السلام زمراً زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء وزمرة الصلوات.... {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} وقد فتحت (7) أبوابها من قبل لاستقبالهم مُعَزَزين مكرمين، فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في دار السلام فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لأهل النار. وقوله لهم فادخلوها أي الجنة حال كون خلودكم مقدراً لكم فيها. فقالوا بعد دخولهم الجنة ونزولهم في قصورها الحمد لله الذي صدقنا وعده يعنون قوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} ، وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي أرض الجنة نتبوأ منها حيث نشاء أي ننزل منها حيث نريد النزول، وفي قولهم أورثنا الأرض إشارة إلى أنهم ورثوها من أبويهم آدم وحواء إذ كانت لهم قبل نزولهما منها. وقولهم فنعم أجر العاملين أي الجنة والمراد من العمل الإيمان والتقوى في الدنيا، بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ} أيها الرائي {حَافِّينَ مِنْ (8) حَوْلِ الْعَرْشِ} أي محدقين بعرش الرحمن أي سريره {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي قائلين: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. قال تعالى مخبرا عن نهاية الموقف: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي وقضى الله بين الخلائق بالعدل، ولما استقر أهل النار وأهل الجنة حُمد الله على الاستقرار التام والحكم العادل الرحيم وقيل الحمد لله رب (9) العالمين أي حمدت الملائكة ربها وحمده معهم المؤمنون وهم في دار النعيم المقيم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان إهانة أهل النار بسوقهم على أرجلهم بعنف وتأنيبهم وتوبيخهم.
    2- التنديد بالاستكبار عن عبادة الله تعالى، وعباده المؤمنين به، المتقين له.
    3- بيان إكرام الله تعالى لأوليائه إذ يحملون على نجائب رحالها من ذهب إلى الجنة، ويلقون فيها تحية وسلاماً. تحية احترام وإكرام، وسلام أمان من كل مكروه.
    4- بيان نهاية الموقف باستقرار أهل النار من الكفار والفجار في النار، واستقرار أهل الجنة من المؤمنين الأتقياء الأبرار في الجنة دار الأبرار.
    5- ختم كل عمل بالحمد لله فقد ابتدأ الله الخالق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وختم بالحمد، وقيل الحمد لله رب العالمين.
    __________

    1- وجه الورث أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلا في النار وآخر في الجنة ثم هم يتوارثون فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار في الجنة وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة في النار.
    2- هذا بيان توفية كل نفس عملها فيساق الذين كفروا إلى النار والذين آمنوا إلى الجنان والزمر جمع زمرة كظلمة وظلم وغرفة وغرف، وهي جماعة بعد جماعة قال الشاعر:
    وترى الناس إلى منزله
    زمراًً تنتابه بعد زمرة
    3- الخزنة جمع خازن كسدنة وسادن.
    4- الاستفهام للتقرير مع التوبيخ والتقريع.
    5- قال وهب: تستقبلهم الزبانية بمقامع من حديد فيدفعونهم بمقامعهم فإنه ليقع في الدفعة الأولى بعدد ربيعة ومضر. قال تعالى {ولهم مقامع من حديد} .
    6- سوق أهل النار طردهم إلى النار بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان وسوق أهل الجنة سوق مراكبهم إلى دار السلام إنهم لا يذهب بهم إلا راكبين وشتان ما بين السوقين.
    7- قرأ نافع والجمهور فتحت بتشديد التاء في الأولى والثانية وقرأ حفص بالتخفيف، والواو في قوله وفتحت واو الحال والجملة حالية في محل نصب.
    8- من زائدة لتقوية الكلام نحو ما جاءني من أحد.
    9- قال قتادة في هذه الآية افتتح الله أول الخلق بالحمد فقال: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) وختم بالحمد فقال "وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" فحسن الاقتداء به فيبدأ العبد قوله بالحمد ويختمه بالحمد.

    ****************************** *****
    سورة غافر (1)
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
    شرح الكلمات:
    حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حا ميم.
    تنزيل الكتاب من الله: أي تنزيل القرآن كائن من الله.
    العزيز العليم: أي الغالب على مراده، العليم بعباده ظاهراً وباطناً حالا ومآلاً.
    غافر الذنب: أي ذنب من تاب إلى الله فرجع إلى طاعته بعد معصيته.
    شديد العقاب ذي الطول: أي مشدد العقوبة على من كفر به، ذي الطول أي الإنعام الواسع على من آمن به وأطاعه.
    لا إله إلا هو إليه المصير: أي لا معبود بحق إلا هو إليه مرجع الخلائق كلهم.
    ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا: أي في القرآن لإبطالها إلا الكافرون.
    فلا يغررك تقبلهم في البلاد: أي فلا تغتر بمعاشهم سالمين فإن عاقبتهم النار.
    والأحزاب من بعدهم: أي وكذبت الأحزاب من بعد قوم نوح، وهم عاد وثمود وقوم لوط.
    وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه: أي ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل.
    وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق: أي ليزيلوا به الحق ويبطلوه.
    فكيف كان عقاب: أي كان واقعا موقعه حيث أهلكهم ولم يبق منهم أحداً.
    كذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا: أي وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {حم} : الله أعلم بمراده به، وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف أفادت فائدتين الأولى أن العرب المشركين في مكة كانوا قد منعوا المواطنين من سماع القرآن حتى لا يتأثروا به فيكفروا بآلهتهم فقد أخبر تعالى عنهم في قوله من سورة فصلت فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فكانت هذه الحروف المقطعة بنغمها الخاص تستهويهم فيسمعوا فكانت فائدة عظيمة. والثانية أن المشركين لما أصروا على أن القرآن لم يكن وحيا وإنما هو من جنس ما يقوله الشعراء والكهان وأصحاب الأساطير تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله وهو مركب ومؤلف من هذه الحروف الم طس حم والذي قوى هذه النظرية أنه غالبا ما يذكر القرآن بعد ذكر هذه الحروف مثل الم تلك آيات الكتاب، حم تنزيل الكتاب، حم والكتاب المبين فهاتان الفائدتان من أحسن ما استنبطه ذو الشأن في تفسير القرآن، وما عدا ذلك فلا يحسن روايته لخلوه من فائدة معقولة، ولا رواية عن الرسول وأصحابه منقولة.
    وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} يخبر تعالى أنه عز وجل هو مصدر هذا القرآن إذ هو الذي نزله تنزيلاً على عبده ورسوله، ووصف نفسه بالعزة والعلم فقال العزيز أي في انتقامه من أعدائه الغالب على أمره ومراده فلا يحال بينه وبين ما يريده العليم بخلقه وحاجاتهم ومتطلباتهم، فأنزل الكتاب لهدايتهم وإصلاحهم. وقوله: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ (2) } أعلمَ أنه تعالى يغفر ذنب المستغفرين ويقبل توبة التائبين وأنه شدد العقوبة على من كفر به وعصاه. وقوله ذي الطول أي الإنعام الواسع والفضل العظيم {لا إِلَهَ (3) إِلَّا هُوَ} أي لا معبود بحق إلا هو العزيز الحكيم العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبير خلقه.
    لما أثنى تبارك وتعالى على نفسه بما هو أهله أخبر رسوله بأنه {مَا يُجَادِلُ (4) فِي آيَاتِ اللهِ} القرآنية الحاوية للحجج القواطع والبراهين السواطع على توحيد الله ولقائه وعلى نبوة رسول الله ما يجادل فيها {إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} وذلك لظلمة نفوسهم وفساد قلوبهم، وعليه فاصبر ولا تغتر بظاهر ما هم عليه من سعة الرزق وسلامة البدن، وهو معنى قوله: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي (5) الْبِلادِ} أي آمنين معافين في أبدانهم وأرزاقهم فإنهم ممهلون لا مهملون، والدليل فقد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب (6) من بعد قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون، وقد همت كل أمة من تلك الأمم برسولها لتأخذه فتقتله أو تنكل به. وقد جادلوا بالباطل كما جادل قومك من قريش ليدحضوا به الحق أي ليزيلوه ويبعدوه بباطلهم. فأخذتهم فكيف كان عقاب أي كان واقعاً موقعه والحمد لله إذ قطع الله دابرهم وأنهى وجودهم وخصومتهم.
    وقوله {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ (7) كَلِمَتُ رَبِّكَ (8) عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (9) } أي كما وجب حكمه بإهلاك تلك الأمم المكذبة لرسلها الهامة بقتلها وقد أهلكهم الله فعلاً حقت كلمة ربك على الذين كفروا لأنهم أصحاب النار والمراد من كلمة ربك قوله لأملأن جهنم الآية.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير أن القرآن الكريم مصدر تنزيله هو الله تعالى إذ هو الذي أوحاه ونزله على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبذلك تقررت نبوة الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2- بيان عظمة الرب تعالى المتجلية في أسمائه العزيز العليم الحكيم ذي الطول غافر الذنب قابل التوب لا إله إلا هو.
    3- تقرير التوحيد والبعث والجزاء.
    4- تقرير مبدأ أن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وأن بطشه شديد.
    __________

    1- وتسمى أيضا سورة المؤمن وسورة الطول وهي أول ال حم التي يقال لها ديباج القرآن وعرائس القرآن ويقال ذوات حم وذكر القرطبي أن رجلا من أهل الشام كان ذا بأس شديد فقيل لعمر وقد سأل عنه أنه تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ثم ختم الكتاب وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله يغفر لي وحذّرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته فلما بلغ ذلك عمر أمره قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا عونا للشيطان عليه.
    2- يطلق الطول على سعة الفضل وسعة المال كما يطلق مطلق القدرة وهو مأخوذ من الطول ضد القصر.
    3- لا إله إلا هو في موضع الصفة لله عز وجل فتكون الصفة السابقة في هذه الآية الكريمة.
    4- مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن سؤال من قال ما دام هذا القرآن تنزيلاً من العزيز الحكيم وهو أمر لا ريب فيه فلم يجادل فيه هؤلاء المشركون فأجابهم بقوله "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا" الآية.
    5- الغرور ظن المرء شيئاً حسناً وهو بضده يقال غرك إذا جعلك تظن الشيء حسناً ويكون التغرير بالقول أو بتحسين صورة القبيح.
    6- الأحزاب هم الأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب والعناد كعاد وثمود ومن بعدهم.
    7- حقت أي وجبت ولزمت مأخوذ من الحق لأنه لازم.
    8- قرأ نافع كلمات بالجمع وقرأ حفص بالإفراد وهي اسم جنس بمعنى الجمع.
    9-الإجماع على وجوب الوقف على قوله تعالى {أنهم أصحاب النار} ثم يستأنف القراءة قائلاً الذين يحملون العرش ... الخ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #747
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (1)
    الحلقة (742)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 517الى صــــ 522)

    الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)

    شرح الكلمات:
    الذين يحملون العرش: أي الملائكة حملة العرش.
    ومن حوله: أي والملائكة الذين يحفون بالعرش من جميع جوانبه.
    يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هذه صلاتهم وتسبيحهم.
    ويؤمنون به: كيف لا وهم عنده، ولكن هذا من باب الوصف بالكمال لهم.
    ويستغفرون للذين آمنوا: أي يطلبون المغفرة للمؤمنين لرابطة الإيمان بالله التي تربطهم بهم.
    ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً: أي يقولون يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.
    فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك: أي فبما أن رحمتك وعلمك وسعا كل مخلوقاتك فاغفر للذين تابوا إليك فعبدوك ووحدوك واتبعوا سبيلك الذي هو الإسلام.
    وقهم عذاب الجحيم: أي احفظهم من النار فلا تعذّبهم بها.
    جنات عدن: أي بساتين فيها قصور وأنهار للإقامة الدائمة.
    التي وعدتهم: أي بقوله تعالى: إن الله يدخل الذين آمنوا وعلموا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار.
    ومن صلح من آبائهم: أي ومن صلح بالإيمان ولم يفسد بالشرك والكفر.
    وقهم السيئات: أي احفظهم من جزاء السيئات التي عملوها فلا تؤاخذهم بها.
    ومن تق السيئات يومئذ: أي ومن تقه جزاء سيئاته يوم القيامة فلم تؤاخذه.
    فقد رحمته: أي حيث سترته ولم تفضحه وعفوت عنه ولم تؤاخذه.
    وذلك: أي الوقاية من العذاب وإدخال الجنة هو الفوز العظيم.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى: {الَّذِينَ (1) يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ (2) } يخبر تعالى عن عظمته وموجبات الإيمان به وبآياته وتوحيده ولقائه فيقول الذين يحملون العرش أي عرشه من الملائكة كالملائكة الذين يحفون بعرشه الجميع {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} تسبيحاً مقروناً بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده ويؤمنون به أي يؤمنون بوحدانيته وعدم الإشراك في عبادته {وَيَسْتغفرون (3) لِلَّذِينَ آمَنُوا} لرابطة الإيمان التي تربطهم بهم ولعل هذا السرّ في ذكر إيمانهم لأن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من الله للمؤمنين من عباده. وهو معنى قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي يقولون متوسلين إليه بصفاته {رَبَّنَا وَسِعْتَ (4) كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك سائر المخلوقات فاغفر للذين تابوا أي إليك فتركوا الشرك واتبعوا سبيلك الذي هو الإسلام فانقادوا لأمرك ونهيك، وقهم عذاب الجحيم أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار وأدخلهم جنات عدن أي إقامة من دخلها لا يخرج منها ولا يبغي عنها حولا لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّتهم أي وأدخل كذلك من صلح بالإيمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم. وقولهم إنك أنت العزيز الحكيم توسل أيضاً إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في سائر الكائنات. وقولهم: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ (5) } أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم وتسترها عليهم حتى يتأهلوا للحاق بأبنائهم الذين نسألك أن تلحقهم بهم، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ (6) } ، {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم لقوله تعالى {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} . ومعنى ومن تق السيئات أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم فلا يؤاخذهم بها، فينجوا من النار ويدخلوا الجنة وذلك أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان عظم الرب تعالى.
    2- بيان فضل الإيمان وأهله (7) .
    3- فضل التسبيح بقول: سبحان الله وبحمده فقد صح أن من قالها مائة مرة (8) حين يصبح أو حين يمسي غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر أي في الكثرة.
    4- بشرى المؤمنين بأن الله تعالى يجمعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم في الجنة، وقد استجاب الله
    __________

    1- حملة العرش أفضل الملائكة وهم أربعة ويوم القيامة يضاف إليهم أربعة فيصبحون ثمانية لقول تعالى من سورة الحاقة "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية".
    2- قال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة.
    3- قبل هذا معطوف على محذوف تقديره وينزهونه عما يقول الكافرون ويستغفرون الخ.
    4- رحمة منصوب على التمييز وعلماً معطوف عليه، والتمييز محول عن فاعل إذ التقدير وسعت رحمتك وعلمك كل شيء.
    5- قد لا يحتاج الأمر إلى تقدير محذوف فيقال وقهم جزاء السيئات إذ السيئات جمع سيئة "فيعلة" من السوء وهو ما يضر ولا يسر فالسيئة كل ما يسوء من عذاب وخوف، وهلع فدعاء الملائكة دعاء بالنجاة مما يسوء المؤمنين يوم القيامة ولذا قالوا ومن تق السيئات أي ما يسوءه من العذاب فقد رحمته بدخول الجنة وما في التفسير هو رأي الجمهور من المفسرين.
    6- قال مطرف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين وتلا هذه الآية الذين يحملون العرش إلى قوله فقد رحمته.
    7- في الصحيحين.
    8- يكفي كرامة للمؤمن أنه نائم على فراشه والملائكة تستغفر الله له، وتدعو له بالنجاة من النار وبدخول الجنة كما في قوله {الذين يحملون العرش} الآية.

    ****************************** ***
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
    شرح الكلمات:
    ينادون لمقت الله: أي يناديهم الملائكة لتقول لهم لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنتم لأنفسكم، والمقت أشد البغض.
    إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون: أي مقت الله تعالى لكم عندما كنتم في الدنيا تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم لما رأيتم العذاب.
    أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين: أي أمتنا مرتين الأولى عندما كنا عدماً فخلقتنا، والثانية عندما أمتنا في الدنيا بقبض أرواحنا، وأحييتنا مرتين الأولى لما أخرجتنا من بطون أمهاتنا أحياء فهذه مرة والثانية بعد أن بعثتنا من قبورنا أحياء.
    فاعترفنا بذنوبنا: أي بذنوبنا التي هي التكذيب بآياتك ولقائك والشرك بك.
    فهل إلى خروج من سبيل: أي فهل من طريق إلى العودة إلى الحياة الدنيا مرة ثانية لنؤمن بك ونوحدك ونطيعك ولا نعصيك.
    ذلكم: أي العذاب الذي أنتم فيه.
    بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم: أي بسبب أنه إذا دعي الله وحده كفرتم بالتوحيد.
    يريكم آياته: أي دلائل توحيده وقدرته على بعثكم ومجازاتكم.
    وما يتذكر إلا من ينيب: أي إلا من يتعظ إلا من ينيب إلى الله ويرجع إليه بتوحيده.
    يلقي الروح من أمره: أي يلقي بالوحي من أمره على من يشاء من عباده.
    لينذر يوم التلاق: أي لينذر من يوحي إليه من البشر وهو الرسول يوم تلاقي أهل السماء وأهل الأرض وذلك يوم القيامة.
    يوم هم بارزون: أي لا يسترهم شيء لا جبل ولا شجر ولا حجر.
    لمن الملك اليوم: أي لمن السلطان اليوم.
    معنى الآيات:
    بعد أن بين تعالى حال المؤمنين وأنهم هم وأزواجهم في دار النعيم يبين في هذه الآيات الثلاث حال الكافرين في النار جرياً على أسلوب القرآن في الترغيب والترهيب فقال تعالى مخبراً عن أهل النار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بربهم ولقائه وتوحيده ينادون أي تناديهم الملائكة فتقول لهم - بعد أن يأخذوا في مقت أنفسهم ولعن بعضهم بعضاً- {لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ (1) مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وذلك لأنكم كنتم تدعون إلى الإيمان بالله وتوحيده وطاعته فتكفرون وتجحدون متكبرين.
    وهنا في الآية الثانية (10) يقولون وهم في جهنم {رَبَّنَا} أي يا ربنا {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} يعنون بالموتتين الأولى وهم نطف (2) ميتة والثانية بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم، ويعنون بالحياتين الأولى التي كانت لهم في الدنيا قبل موتهم والثانية التي بعد البعث، وقولهم: {فَاعْتَرَفْنَا (3) بِذُنُوبِنَا} أي التي قارفناها في الحياة الدنيا وهي الكفر والشرك والمعاصي. وقولهم بعد هذا الاعتذار {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي فهل من طريق إلى الخروج من النار والعودة إلى الحياة الدنيا لنصلح ما أفسدنا، ونطيع من عصينا؟ والجواب قطعاً لا سبيل إلى ذلك أبداً، وبقاؤكم وفي العذاب ليس ظلماً لكم وإنما هو جزاء وفاق لكم ثم ذكر تعالى علة عذابهم بقوله {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} بالله وتوحيد {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي وإن يشرك بالله تؤمنوا كقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملك وما ملك وقوله فالحكم
    لله العلي الكبير، وقد حكم بعذابكم فلا سبيل إلى نجاتكم. فامقتوا أنفسكم ونوحوا على أرواحكم فما ذلكم بمجديكم ولا بمخفف العذاب عنكم. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي (4) يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} هذا خطاب للناس في هذه الحياة الدنيا خطاب لمشركي قريش بعد أن عرض عليهم صورة صادقة حية لحالهم في جهنم يوم القيامة عاد يخاطبهم داعياً لهم إلى الإيمان فقال هو أي المعبود بحق الله الذي يريكم آياته أي حججه ودلائل وحدانيته وقدرته على بعثكم ومجازاتكم {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} من المطر وغيره. ومع ذاك البيان وهذا الإفضال، {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} أي فلا يتعظ إلا من شأنه الإنابة إلى ربه تعالى في كل شأنه.
    وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هذا خطاب للموحدين يأمرهم تعالى بالاستمرار على توحيد الله في عباداته والإخلاص لله تعالى في كل أعمالهم، ولو كره الكافرون ذلك منهم فإنه غير ضائرهم.
    وقوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ (5) } أي هو الله ذو الدرجات الرفيعة والعرش العظيم {يُلْقِي الرُّوحَ (6) مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي يلقي بالوحي من أمره الذي يريد إنفاذه إلى خلقه على من يشاء من عباده ممن يصطفيهم وينبئهم من أجل أن ينذروا عباده يوم التلاقي وهو يوم القيامة إذ يلتقي أهل الأرض بأهل السماء والمخلوقون بخالقهم وهو قوله {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} (7) من قبورهم لا شيء يسترهم، {لا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} ، وفي هذا الموقف العظيم يقول الجبار سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ فلا يجيبه أحد رهبة منه وخوفاً فيجيب نفسه بنفسه قائلاً: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من خير وشر لتمام العدالة الإلهية، ويؤكد ذلك قوله: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ويأخذ في محاسبتهم فلا ينتصف النهار إلا وأهل الجنة في الجنة قائلون في أحسن مقيل اللهم اجعلني منهم ومن قال آمين.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- عدم جدوى الاعتذار يوم القيامة هذا فيما لو أذن للعبد أن يعتذر فلا ينفعه اعتذار.
    2- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
    3- بيان إفضال الله على العباد إذ يريهم آياته لهدايتهم ويرزقهم وهم يكفرون به.
    4- وجوب إخلاص الدعاء وسائر العبادات لله وحد ولو كره ذلك المشركون.
    5- تقرير النبوة، وبيان الحكمة فيها وهي إنذار الناس من عذاب يوم القيامة حيث الناس بارزون لله لا يخفى على الله منهم شيء فيحاسبهم بعلمه وعدله فلا ينقضي نهار إلا وقد استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار اللهم أعذنا من نار جهنم.
    __________

    1- اللام في جواب قسم أي والله لمقت الله الخ والخاطب هم الملائكة وجائز إن لم يكن راجحاً أن يكون المعنى لمقت الله إياكم لما كنتم لمّا كنتم تدعون إلى الإيمان في الدنيا على أيدي رسلكم فتكفرون مقت الله ذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم.
    2- جائز أن تكون الموتة الأولى لما كانوا في الرحم قبل نفخ الروح، وجائز أن يكون العدم السابق للوجود في الرحم شاهده آية البقرة {وكنتم أمواتاً فأحياكم} .
    3- سر اعترافهم هذا أنهم يرجون من ورائه الخروج من النار ظناً منهم أنه نافع لهم شاهده قولهم مستعطفين: {فهل إلى خروج من سبيل}
    4- جائز أن يكون الخطاب هنا موجها إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وكونه عاماً يشمل الموحدين والمشركين أولى أو ليزداد المؤمنون إيماناً وليتوب المشركون أما قوله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين فظاهر في أنه خطاب للمؤمنين.
    5-رفيع الدرجات خبر والمبتدأ محذوف تقديره هو عائد على الله ورفيع الدرجات خبر وهو يحتمل أمرين كلاهما حق الأول أن الله تعالى هو ذو الشأن العظيم والصفات العلا والأسماء الحسنى والقدر الأعلى والثاني أنه تعالى رافع درجات أوليائه في دار كرامته إذ رفيع إما أن يكون صفة مشبّهة عائدة إلى الذات الإلهية العلية، أو فعيل بمعنى فاعل أي رافع درجات أوليائه.
    6- فيه تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي الإلهي لمن يشاء من عباده فبعد تقرير البعث والتوحيد قرر النبوة المحمدية وهذه أصول الدين التي عليها مدار الحياة الإيمانية.
    7- هذا عرض أيضا لأحوال يوم القيامة المقصود منه التذكير به والدعوة إلى تقوية الإيمان به إذ هو عامل إصلاح النفوس مع بيان عظمة الله وعدله وهي موجبات توحيده وطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #748
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (2)
    الحلقة (743)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 522الى صــــ 525)

    وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) فِي الصُّدُورُ (19) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
    شرح الكلمات:
    يوم الآزفة: أي يوم القيامة.
    إذ القلوب لدى الحناجر: أي من شدة الخوف تكون القلوب قد ارتفعت حتى وصلت عند الحناجر.
    كاظمين: أي لقلوبهم يريدون ردها فلم يقدروا.
    ما لظالمين من حميم: أي ليس للمشركين من محب قريباً كان أو بعيداً.
    يعلم خائنة الأعين: أي الله تعالى يعلم العين إذا سرقت النظر إلى محرم.
    والله يقضي بالحق: أي لكمال قدرته وعلمه يحكم بالحق.
    والذين يدعون من دونه: أي والذين يدعوهم مشركو قريش من أصنام لا يقضون بشيء عدلاً كان أو جوراً لأنهم أصنام لا تسمع ولا تبصر.
    معنى الآيات:
    بعد بيان الموقف الصعب في عرصات القيامة في الآيات السابقة قال تعالى لرسوله {وَأَنْذِرْهُمْ} يا رسولنا أي خوف قومك {يَوْمَ الْآزِفَةِ} (1) وهي يوم القيامة القريبة والتي قد قربت فعلاً وكل ما هو آت قريب أنذرهم قربها حتى لا يوافوها بالشرك والمعاصي فيخسروا خسرانا مبينا، أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب (2) من شدة الخوف ترتفع إلى الحناجر (3) وهم يكظمونها فلا هي تخرج فيموتوا ولا هي تعود إلى أماكنها فيستريحوا.
    {مَا لِلظَّالِمِينَ} وهم أهل الشرك والمعاصي {مِنْ حَمِيمٍ} قريب أو حبيب يدفع عنهم العذاب {وَلا شَفِيعٍ} يشفع لهم وتقبل شفاعته ويطاع فيها لا ذا ولا ذاك يا لفظاعة الحال وقوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ (4) } يخبر تعالى عن سعة علمه وواسع اطلاعه أنه يعلم خائنة الأعين وهي العين تسترق النظر إلى المحارم، ويعلم {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (5) } أي وما تكتمه صدور العباد وما تضمره من خير وشر، ولذا فسوف يكون الحساب دقيقاً ومن نوقش الحساب عُذب. {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} أي يحكم بالعدل، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ (6) دُونِهِ} أي والذين يعبدهم المشركون من أصنام وأوثان {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ (7) } لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون.
    وقوله {إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فلذا إذا حكم يحكم بالحق ويقدر على إنفاذ الحكم فيجزي السيئة بالسيئة والحسنة بعشر أمثالها.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان هول يوم القيامة وصعوبة الموقف فيه.
    2- انعدام الحميم والشفيع للظالمين يوم القيامة.
    3- بيان سعة علم الله تعالى حتى إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
    4- قضاء الله عدل وحكمه نافذ وذلك لكمال علمه وقدرته.
    __________

    1- يقال أزف فلان يأزف أزفاً قال النابغة:
    أزف الترحل غير أن ركابنا
    لما تزل برحالنا وكأن قد
    2- القلوب: جمع قلب وهو البضعة الصنوبرية الشكل التي تتحرك دائماً ما دام الجسم حياً تدفع الدم إلى الشرايين التي بها حياة الجسم.
    3- الحناجر جمع حنجرة بفتح الحاء والجيم وهي الحلقوم.
    4- أي الله جل جلاله يعلم الأعين الخائنة قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
    5- قال ابن عباس وما تخفي الصدور أي هل يزني بها من سرق النظر إليها لو خلا بها أو لا.
    6- قرأ نافع تدعون بالتاء وقرأ حفص بالياء يدعون.
    7- من جملتي والله يقضي بالحق وجملة والذين يدعون من دونه قبلها تألف قصر القضاء على الله تعالى قصر قلب أي دون الأصنام. كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قوله الشاعر:
    تسيل على حد الظبات نفوسا
    وليست على غير الظبات تسيل

    ****************************** *

    أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)

    شرح الكلمات:
    أو لم يسيروا في الأرض: أي أغفل كفار قريش ولم يسيروا في الأرض.
    فينظروا: أي بأعينهم.
    كيف كان عاقبة الذين من قبلهم: إنها كانت دماراً وخساراً ووبالاً عليهم.
    كانوا هم أشدّ منهم قوة وآثاراً في الأرض: ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئا.
    فأخذهم الله بذنوبهم: أي عاقبهم بذنوبهم فدمرهم وأهلكهم.
    وما كان لهم من الله من واق: أي ولم يوجد لهم من عقاب الله من واق يقيهم منه.
    ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات: أي بالحجج والبراهين والأدلة والمعجزات.
    فكفروا: أي بتلك الحجج والآيات.
    فأخذهم الله: أي لما كفروا أخذهم بكفرهم.
    إنه قوي شديد العقاب: هذا تعليل لأخذه إياّهم
    معنى الآيات:
    تقدم في السياق تخويف الله تعالى لمشركي قريش بعذاب الآخرة، ومبالغة في نصحهم وطلب هدايتهم خوفهم بعد عذاب الآخرة بعذاب الدنيا لعلهم يتوبون فقال: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي (1) الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ} أي أغفل هؤلاء المجاحدون المعاندون ولم يسيروا في البلاد شمالاً وجنوباً حيث ديار عاد في الجنوب وديار ثمود في الشمال فينظروا بأعينهم كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كعاد وثمود كان أولئك أشد من هؤلاء قوة وأثاراً في الأرض من حيث البناء والعمران والقدرة على الحرب والقتال، فأخذهم الله بذنوبهم (2) أي بذنوب الشرك والتكذيب والمعاصي، ولما أخذهم لم يوجد لهم من عقاب الله وعذابه من واق يقيهم ما أنزل الله بهم وما أحله بساحتهم. فما لهؤلاء المشركين لا يتعظون ولا يعتبرون والعاقل من اعتبر بغيره.
    وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ} هذا تعليل لأخذ الله لأولئك الأقوام من عاد وثمود وغيرهم إذ ما أخذهم إلا بعد أن أنذرهم وأعذر إليهم فلما أصروا على الكفر والتكذيب أخذهم بذنوبهم. وقوله {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) تعليل أيضاً للأخذ الكامل الذي أخذهم به لعظم قوته وشدة عقابه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير الحكمة القائلة: العاقل من اعتبر بغيره.
    2- الأخذ بالذنوب سنة من سنن الله في الأرض لا تتبدل (4) ولا تتحول.
    3- من أراد الله عقاب لا يوجد له واق يقيه، ولا حامٍ يحميه، ومن تاب تاب الله عليه.
    __________

    1- الاستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم سيرهم في ديار الهالكين ليروا بأعينهم آثار الهالكين ويفكروا في سبب هلاكهم ليحصل لهم بذلك العبرة المطلوبة لهم.
    2- الباء في بذنوبهم سببية إذ هلاكهم متسبب عن ذنوبهم وهي الشرك والمعاصي.
    3- الجملة تعليلية لما قبلها من أخذ الله تعالى المشركين بذنوبهم في التكذيب والشرك والمعاصي.
    4- إلا أن يشاء الله إيقافها أو تبديلها فهو على ما يشاء قدير.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #749
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (3)
    الحلقة (744)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 525الى صــــ 531)

    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
    شرح الكلمات:
    بآياتنا وسلطان مبين: أي بحججنا، وبرهان بين ظاهر.
    هامان وقارون: هامان وزير فرعون، وقارون رجل الملايين.
    فقالوا ساحر كذاب: أي لما رأوا آية العصا واليد البيضاء قالوا: ساحر كذاب دفعاً لقومهم حتى لا يؤمنوا به.
    فلما جاءهم بالحق من عندنا: أي جاءهم موسى بالصدق فيما أخبرهم به من أنه رسول الله وطالبهم بإرسال بني إسرائيل معه.
    قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه: أي اقتلوا الأولاد الذكران.
    واستحيوا نساءهم: أي بناتهم بمعنى اتركوهن حيات.
    وما كيد الكافرين إلا في ضلال: أي وما مكرهم إلا في خسران وضياع.
    ذروني أقتل موسى وليدع ربه: أي دعوني واتركوني وليدع ربه ليمنعه مني.
    إني أخاف أن يبدل دينكم: أي يغير عبادتكم لآلهتكم لعبادة إلهه.
    أو أن يظهر في الأرض الفساد: بالقتل والتخريب ونحوه.
    إني عذت بربي وربكم: أي استجرت بخالقي وخالقكم.
    معنى الآيات:
    بعد تلك الدعوة الربانية لقريش إلى الإيمان والتوحيد والتصديق بالبعث والجزاء، وما فيها من مظاهر لقدرة الله وعلمه وحكمته وعدله، وبعد ذلك العرض لأحوال القيامة، وبيان الجزاء لكل من الكافرين والمؤمنين فيها كأنه يُرى رأي العين، وبعد ذلك الترغيب والترهيب مما في الدنيا والآخرة والمشركون لا يزدادون إلا عتواً وطغياناً بعد كل ذلك قص الله تعالى على رسوله قصة موسى مع فرعون ليسلِّيه بها ويصبره وليعلمه أن البلاء مهما اشتد يعقبه الفرج، وأن الله ناصره على قومه كما نصر موسى على فرعون وقومه فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} أي قبلك يا رسولنا موسى بن عمران بآياتنا (1) أي بأدلتنا وحججنا على صدق دعوته وصحة رسالته، وسلطان مبين أي وبرهان ظاهر بين أرسلناه إلى فرعون وهامان وقارون (2) فهامان وزير فرعون وقارون من أرباب الملايين وهو وإن لم يكن من آل فرعون لأنه من بني إسرائيل إلا أنه مالأ فرعون ووقف في صفه، فلما بلغهم موسى دعوة ربه وأراهم الحجج والبراهين قالوا ساحر (3) كذاب فرموه بقاصمتين السحر والكذب حماية لمصالحهم وخوفاً من تغيير والوضع عليهم.
    وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا} أي فلما جاءهم موسى بالصدق من عند الله كان ردُّ الفعل منهم أن أمروا بقتل الذكور من أولاد الذين آمنوا معه، واستحياء بناتهم للخدمة والامتهان وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} وقوله تعالى {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} عام في كل كيد كافر يبطله الله تعالى ولا يضر به أولياءه وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} لا شك أن هذا القول الدال على طغيان فرعون كان بعد أن انهزم في ميادين عدة أراد أن يسترد بعض ما فقد فقال ذروني أقتل موسى أي اتركوني أقتل موسى {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ (4) } أي ليمنعه مني، وعلل لقوله هذا بقوله إني أخاف أن يبدّل دينكم، أي بعد أن يغلب عليكم فتدينون بدينه أو أن يظهر في الأرض الفساد بالقتل والفتن.
    ورد موسى عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه في قوله: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} قال موسى هذا لما سمع مقالة فرعون التي يهدده فيها بالقتل فأعلمهم أنه قد استجار بالله وتحصن به فلا يقدر أحد على قتله، وقوله من كل متكبر (5) لا يؤمن بيوم الحساب، لأن من يؤمن بيوم الحساب لا يقدم على جريمة القتل وإنما يقدم عليها من لا يؤمن بحساب ولا جزاء في الدار الآخرة.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تسلية الرسول وحمله على الصبر والتحمل وهو في أشد الظروف صعوبة.
    2- عدم تورع الظلمة في كل زمان عن الكذب وتلفيق التهم للأبرياء.
    3- التهديد بالقتل شنشنة الجبارين والطغاة في العالم.
    4- أحسن ملاذ للمؤمن من كل خوف هو الله تعالى رب المستضعفين.
    __________

    1- هي الآيات التسع.
    2- خص بالذكر هامان وقارون لقوة تأثيرهما في البلاد وإدارة الدولة وعز السلطان.
    3- لما بهرتهم الآيات وعجزوا عن مقاومتها رموا موسى بالسحر واتهموه بالكذب كرد فعل وهروباً من المواجهة.
    4- من الجائز أن يكون قد قال له بعض رجاله أما تخاف أن يدعو عليك ربه فتهلك فأجابه قائلاً وليدع ربه.
    5- متكبر: متعظم عن الإيمان بالله وصفته أنه لا يؤمن بيوم الحساب.

    ******************************
    وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
    شرح الكلمات:
    وقال رجل مؤمن من آل فرعون: وهو شمعان بن عم فرعون.
    أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ : أي لأن يقول ربي الله؟ والرجل هو موسى عليه السلام.
    بالبينات من ربكم: أي بالمعجزات الظاهرات.
    فعليه كذبه: أي ضرر كذبه عليه لا عليكم.
    يصبكم بعض الذي يعدكم: أي بعض العذاب الذي يعدكم به في الدنيا عاجلاً غير آجل.
    من هو مسرف كذاب: أي مسرف في الكفر والظلم كذاب لا يقول الصدق ولا يفوه به.
    ظاهرين في الأرض: أي غالبين في بلاد مصر وأراضيها.
    فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا: أي من عذاب الله إن جاءنا وقد قتلنا أولياءه.
    ما أريكم إلا ما أرى: أي ما أشير به عليكم إلا ما أشير به على نفسي وهو قتل موسى.
    وما أهديكم إلا سبيل الرشاد: أي إلا طريق الرشد والصواب.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في الحديث عما دار في قصر فرعون فقد أبدى فرعون رغبته في إعدام موسى معللاً ذلك بأمرين أن يبدل دين الدولة والشعب، والثاني أن يظهر في الشغب في البلاد والتعب للدولة والمواطنين معا. وها هو ذا رجل مؤمن من رجالات القصر يكتم إيمانه بموسى وبما جاء به من التوحيد خوفاً من فرعون وملئه. ولنسمع إلى ما أخبر تعالى به عنه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ} (1) أي بموسى {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} إذ هو ابن عم فرعون واسمه شمعان كسلمان قال: {أَتَقْتُلُونَ} (2) ينكر عليهم قرار القتل {رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} أي لأن قال ربي الله {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الحجج والبراهين كالعصا واليد {مِنْ رَبِّكُمْ} الحق الذي لا رب لكم سواه. {وَإِنْ يَكُ (3) كَاذِباً} أي وإن فرضنا أنه كاذب فإن ضرر كذبه عائد عليه لا عليكم {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً} وهو صادق {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي (4) يَعِدُكُمْ} من العذاب العاجل. إن الله تعالى لا يهدي أي لا يوفق إلى النصر والفوز في أموره {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ (5) } متجاوز الحد في الاعتداء والظلم {كَذَّابٌ} مفتر يعيش على الكذب فلا يعرف الصدق. وبعد أن بين لهم هذه الحقيقة العلمية الثابتة أقبل عليهم يعظهم فقال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ} أي غالبين في الأرض أي أرض مصر بكامل ترابها وحدودها. لكن إن نحن أسرفنا في الظلم والافتراء فقتلنا أولياء الله فجاءنا بأس الله عقوبةً لنا فمن ينصرنا؟ إنه لا ناصر لنا أبداً من الله فتفهموا ما قلت لكم جيداً، ولا يهلك على الله إلا هالك، وهنا قام فرعون يرد على كلمة الرجل المؤمن فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} أي ما أشير عليكم بشيء إلا وقد رأيته صائباً وسديداً، يعني قتل موسى عليه السلام، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد أي إلاّ إلى طريق الحق والصواب، وكذب والله.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- فضل الإيمان وفضل صاحبه فقد ورد الثناء على هذا الرجل في ثلاثة رجال هم مؤمن آل فرعون هذا، وحبيب النجار مؤمن آل ياسين وأبو بكر (6) الصديق رضي الله عنه.
    2- فصاحة مؤمن آل فرعون هي ثمرة إيمانه وبركته العاجلة فإن لكلماته وقع كبير في النفوس.
    3- التنديد بالإسراف في كل شيء والكذب والافتراء في كل شيء وعلى أي شيء.
    4- من عجيب أمر فرعون ادعاؤه أنه يهدي إلى الرشد والسداد والصواب في القول والعمل، حتى ضرب به المثل فقيل: فرعون يهدي إلى الرشد.
    __________

    1- في نص هذا الخبر تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2- الاستفهام للإنكار ينكر على فرعون ملئه عزمهم على قتل موسى عليه السلام.
    3- لم يكن قوله وإن يك كاذبا شكاً في صدق موسى وإنما هو من باب التلطف والتنزل مع الخصم حتى لا يلج في الجدال والخصومة وحذفت النون من وإن يك لكثرة الاستعمال.
    4- أي إن لم يصبكم إلا بعض الذي يعدكم به هلكتم، وجائز أن يطلق البعض وهو يريد الكل وهو سائغ وشائع قال الشاعر:
    وقد يدرك المتأني بعض حاجته
    وقد يكون مع المستعجل الزلل
    5- إن كان هذا الموصوف الرجل المؤمن فهو إشارة إلى موسى وإن كان من قول الله تعالى فهو إشارة إلى فرعون.
    6- روى البخاري وغيره أن المشركين تعرضوا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول الكعبة بسوء فجاء أبو بكر يصرخ فيهم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله. فضربوه ضرباً شديداً حتى أغمي عليه فلما أفاق قال كيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عليّ أبو بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن أبا بكر ما أخفى إيمانه بل أظهره وأوذي ومؤمن آل فرعون كتم إيمانه ولم يؤذ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #750
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (4)
    الحلقة (745)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 531الى صــــ 535)

    وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)

    شرح الكلمات:
    وقال الذي آمن: أي مؤمن آل فرعون.
    مثل يوم الأحزاب: أي عذاباً مثل عذاب الأحزاب وهم قوم نوح وعاد وثمود.
    مثل دأب قوم نوح: أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم وهي استمرارهم على الكفر حتى الهلاك فهذا الذي أخافه عليكم.
    يوم التناد: أي يوم القيامة وقيل فيه يوم التنادي لكثرة النداءات فيه إذ ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة.
    يوم تولّون مدبرين: أي هاربين من النار إلى الموقف.
    ولقد جاءكم يوسف من قبل: أي يوسف بن يعقوب الصديق عليهما السلام من قبل مجيء موسى إليكم اليوم.
    قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا: أي قلتم هذا من دون دليل فبقيتم كافرين إلى اليوم.
    كذلك يضل الله من هو مسرف: أي مثل إضلالكم هذا يضل الله من هو مسرف في الشرك والظلم.
    مرتاب: أي شاك فيما قامت الحجج والبينات على صحته.
    يجادلون في آيات الله بغير سلطان: أي يخاصمون في آيات الله لإبطالها بدون سلطان أي حجة وبرهان.
    كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا: أي كبر جدالهم بالباطل مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا.
    كذلك: أي مثل إضلالهم يطبع الله أي يختم بالضلال على كل قلب متكبر.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم فيما دار من كلام في مجلس الحكومة، وها هو ذا مؤمن آل فرعون يتناول الكلمة بعد فرعون الذي أعاد تقريراً ما عزم عليه من قتل موسى عليه السلام فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} وهنا أعلن عن إيمانه الذي كان يكتمه يا قوم إني أخاف عليكم أي إن أنتم أصررتم على قتل موسى وقتلتموه {أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} وهو اليوم الذي أخذ الله فيه قوم نوح، وعاد وثمود أي أخاف عليكم جزاء عادتهم وهي استمرارهم على الكفر والشك والتكذيب حتى حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه وواصل وعظه قائلاً، {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (1) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أي فارين من النار هاربين إلى الموقف وهو يوم القيامة الذي تكثر فيه النداءات والصرخات {مَا لَكُمْ (2) مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ} يعصمكم من العذاب وينجيكم منه. وبعد هذا الوعظ البليغ قال {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} إشارة إلى أن القوم لم يتأثروا بكلامه فقال متعزياً بعلمه بتدبير الله في خلقه فقال: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} فإن من كتب الله عليه الضلال ليصل إلى الشقاوة بكسبه فلا هادي له أبداً، إذ الله لا يهدي من يُضل ثم قال لهم مواصلاً كلامه {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ (3) يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ} أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام بالبينات والحجج الدالة على توحيد الله ووجوب طاعته، غير أنكم مع الأسف {مَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} فلم تؤمنوا ولم توقنوا {حَتَّى إِذَا هَلَكَ (4) } أي مات عليه السلام فرحتم بموته {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً} متخرصين متقولين على الله بدون علم فأضلكم الله بكذبكم عليه {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ (5) } في الكذب مثلكم {مُرْتَابٌ} في كل شيء لا يعرف اليقين في شيء، والعياذ بالله، ثم أعلمهم أن الذين يجادلون في آيات الله يريدون إبطال الحق وإطفاء نوره بكلامهم بغير حجة لديهم ولا برهان أتاهم جدالهم ذلك أكبر مقتاً أي أشد شيء يمقته الله ويبغضه من صاحبه، وكذلك عند الذين آمنوا. وختم كلامه بقوله {كَذَلِكَ (6) يَطْبَعُ اللهُ} أي كإضلال من هو مسرف مرتاب يطبع الله {عَلَى كُلِّ قَلْبِ (7) مُتَكَبِّرٍ} أي قلب كل إنسان متكبر على الإيمان والطاعة متجبر متعاظم يريد إجبار الناس على مراده وما يهواه. وإلى هنا انتهى كلام الرجل المؤمن والكلمة الآن إلى فرعون الطاغية وسنقرأها في الآيات التالية بعد رؤية ما في الآيات من هداية.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- قوة الإيمان تفجر قلب المؤمن بأنواع من المعرفة والحكمة في قوله إذا قال.
    2- التذكير بالأمم الهالكة إذ العاقل من اعتبر بغيره.
    3- التخويف من عذاب الآخرة وأهوال القيامة.
    4- التنديد بالإسراف والارتياب وعدم اليقين.
    5- حرمة الجدال بغير علم، وأن صاحبه عرضة لمقت المؤمنين بعد مقت الله تعالى.
    6- عرضة المتكبر الجبار للطبع على قلبه ويومها يحرم الهداية فلا يُهدى أبداً.
    __________

    1- قراءة العامة التناد بتخفيف الدال من النداء وهو الدعاء والطلب للحضور أو الإغاثة وقرئ التناد بتشديد الدال من ندّ البعير إذا هرب إذ هم فعلاً يهربون وشاهده في الآية يوم تولون مدبرين. والجمهور على حذف الياء وقفاً ووصلاً. وبعضهم أثبتها وصلا ووقفاً وكلا القراءتين صحيحة.
    2- هذه الجملة في موقع الحال والعاصم المانع والحافظ.
    3- لما تفرّس فيهم عدم نفع النصح لهم آثر عتابهم ولومهم بقوله ولقد جاءكم يوسف الخ واللام في ولقد جاءكم لام القسم لأنهم كالمنكرين فلذا أكد الخبر بالقسم.
    4- إذا اسم للزمان الماضي مجرور بحتى قبلها وليست بظرف أي حتى زمن هلاك يوسف قلتم.. والقائل أسلافهم الغابرون يوم مات يوسف عليه السلام.
    5- المسرف: المفرط في فعل أو قول مالا خير فيه، والمرتاب الشديد الريب أي الشك.
    6- جائز أن يكون هذا من كلام مؤمن آل فرعون ختم به كلامه معهم. وجائز أن يكون من كلام الله تعالى معترض بين كلام المؤمن وكلام فرعون.
    7- المتكبر هو ذو الكبر والجبار الذي يكره الناس على ما لا يحبون عمله لظلمه وعتوه وقرأ الجمهور على كل قلب متكبر بإضافة قلب إلى متكبر وقرأ بعضهم بتنوين قلب بدون إضافة فيكون متكبر نعتاً لقلب.

    ***************************
    وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
    شرح الكلمات:
    يا هامان ابن لي صرحاً: هامان وزير فرعون والصرح البناء العالي.
    أسباب السموات: أي طرقها الموصلة إليها.
    وإني لأظنه كاذباً: أي وإني لأظن موسى كاذباً في زعمه أن له إلهاً غيري.
    سوء عمله: أي قبيح عمله.
    وصد عن السبيل: أي عن طريق الهدى.
    إلا في تباب: أي خسار وضياع بلا فائدة تذكر.
    إنما هذه الحياة الدنيا متاع: أي ما هذه الدنيا إلا متاع يتمتع به وقتاً ثم يزول.
    دار القرار: أي الاستقرار والبقاء الأبدي.
    يرزقون فيها بغير حساب: أي رزقاً واسعاً بلا تبعة ولا تعقيب.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم فيما يدور من كلام بين مؤمن آل فرعون وفرعون نفسه إذ تقدم قول المؤمن وما حواه من نصح وإرشاد وها هو ذا فرعون يرد بطريق غير مباشر على (1) ما قاله المؤمن فقال: لوزيره هامان {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} أي بناء عالياً {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي (2) لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} أي في دعواه أن له إلها غيري وهذا من فرعون مجرد مناورة كاذبة يريد أن يموه بها على غيره إبقاء على مركزه وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ} أي ومثل هذا التزيين في قول فرعون زين له سوء عمله وهو أقبح ما يكون، {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ (3) } أي صرف عن طريق الحق والهدى، وقوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ} أي مكره وتدبيره لقتل موسى عليه السلام وقتل أبناء المؤمنين {إِلَّا فِي تَبَابٍ} أي خسار وضياع لم يتحقق منه شيء، لأن الله تعالى ولي موسى والمؤمنين فلم يمكن فرعون منهم بحال. وبعد أن أخبر تعالى عن فرعون في محاولته الفاشلة أخبر تعالى عن الرجل المؤمن (1) وما قاله للقوم من نصح وإرشاد فقال: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} أي طريق الرشد والصواب في حياتكم لتنجوا من العذاب وتفوزوا بالنعيم المقيم في الجنة. فقال: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} أي لا تعدو كونها متاعاً قليلاً يُتمتع به ثم يذهب سريعا، {وَإِنَّ الْآخِرَةَ} أي الحياة الآخرة بعد انتهاء هذه الحياة {هِيَ دَارُ (2) الْقَرَارِ} أي الاستقرار والإقامة الأبدية، فاعملوا لدار البقاء وتجافوا عن دار الفناء واعلموا أن الحساب سريع وأن {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} وذل لعدالة الرب تبارك وتعالى، ومن عمل صالحاً من الأعمال الصالحة التي شرعها الله لعباده وتعبدهم بها والحال (3) أنه مؤمن أي مصدق بالله وبوعده ووعيده يوم لقائه فأولئك أي المؤمنون العاملون للصالحات (4) من الذكور والإناث يدخلون الجنة دار السلام يرزقون فيها بغير حساب أي رزقاً واسعاً لا يلحق صاحبه تبعة ولا تعب ولا نصب.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من تزيين الأعمال القبيحة نتيجة الإدمان عليها والاستمرار على فعلها فإن من زُينت له أعماله السيئة فأصبح يراها حسنة هلك والعياذ بالله.
    2- التحذير من الاغترار بالدنيا والغفلة من الآخرة إذ الأولى زائلة والآخرة باقية واختيار الباقي على الفاني من شأن العقلاء.
    3- مشروعية التذكير بالحساب والجزاء وما يتم في دار الآخرة من سعادة وشقاء.
    __________

    1- خاف فرعون أن يؤثر كلام مؤمن آل فرعون في الذين سمعوه فأوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم، وإن لم يظهر صوابه ثبتهم على دينه فقال لوزيره ابن لي صرحاً الخ.
    2- أسباب السموات بدل من أسباب الأول. والأسباب جمع سبب وهو ما يوصل إلى مكان بعيد فيطلق على الحبل ويطلق على الطريق والمراد هنا طرق السموات كما في قول زهير:
    \ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
    وإن يرق أسباب السماء بسلم
    3- قرأ نافع وصد بفتح الصاد من صد اللازم يصُدّ أو المتعدي صد نفسه وصد غيره وقرأ حفص وصد بالبناء للمجهول أي بصد الصاد أي صده الله وصرفه عقوبة له لشدة كفره وظلمه.
    4- هو مؤمن آل فرعون الذي أظهر إيمانه بعد كتمانه.
    5- يريد بالدار دار السلام الجنة ودار البوار النار.
    6- لأن جملة قوله تعالى "وهو مؤمن" حالية وإن كانت شرطاً في صحة الأعمال الصالحة وفي قبولها ولذا لما لم يذكر الإيمان قبل العمل الصالح ذكره في الجملة الحالية ليدلل على تقدمه وشرطيته.
    7- قرأ الجمهور يدخلون بالبناء للفاعل وقرأ بعض يدخلون بضم الياء وفتح الخاء بالبناء للمجهول والمعنى واحد إذ من دخل دخل بإذن الله ومن أدخل أدخل بإذن الله وفضله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #751
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (5)
    الحلقة (746)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 536الى صــــ 542)

    وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
    شرح الكلمات:
    أدعوكم إلى النجاة: أي من الخسران في الدنيا والآخرة، وذلك بالإيمان والعمل الصالح.
    وتدعونني إلى النار: أي إلى عذاب النار وذلك بالكفر والشرك بالله تعالى.
    ما ليس لي به علم: أي لا علم لي بصحة إشراكه في عبادة الله تعالى.
    وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار: أي وأنا أدعوكم إلى الإيمان وعبادة الله العزيز أي الغالب على أمره الغفار لذنوب التائبين من عباده المؤمنين به.
    لا جرم أن ما تدعونني إليه: أي حقاً أن ما تدعونني إلى الإيمان به وبعبادته.
    ليس له دعوة في الدنيا والآخرة: أي ليس له دعوة حق إلى عبادته، ولا دعوة استجابة بأن يستجيب لمن دعاه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    وأن المسرفين هم أصحاب النار: أي وأن المسرفين في الكفر والشرك والمعاصي هم أهل النار الواجبة لهم.
    فوقاه الله سيئات ما مكروا: أي فحفظه الله من مكرهم به ليقتلوه.
    وحاق بآل فرعون سوء العذاب: أي عذاب الغرق إذ غرق فرعون وجنده أجمعون.
    النار يعرضون عليها غدواً وعشياً: أي أن سوء العذاب هو النار يعرضون عليها صباحاً مساءً وذلك أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار كل يوم مرتين.
    ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون: أي ويوم القيامة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في ذكر نصائح وإرشاد مؤمن آل فرعون فقد قال ما أخبر به تعالى عنه في قوله: {وَيَا قَوْمِ (1) مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} أي من النار وذلك بالإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} وذلك بدعوتكم لي إلى الشرك والكفر {تَدْعُونَنِي (2) لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي ما علم لي بصحة إشراكه في عبادة الله تعالى. {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ (3) الْغَفَّارِ} أي لتؤمنوا به وتعبدوه وحده ولا تشركوا معه غيره أدعوكم إلى العزيز أي الغالب الذي لا يُغلب الغفار لذنوب التائبين من عباده مهما كانت، وأنتم تدعونني إلى أذل شيء وأحقره لا ينفع ولا يضر لأنه لا يسمع ولا يبصر. لا جرم أي حقاً أن ما تدعونني إليه لأومن به وأعبده ليس له دعوة (4) حق يدعى بها إليه، ولا دعوة استجابة فإنه لا يستجيب لي دعاء أبداً لا في الدنيا ولا في (5) الآخرة. وشيء آخر يا قوم وهو أن مردنا إلى الله أي لا محالة نرجع إليه فالواجب أن نؤمن به ونعبده ونوحده ما دام رجوعنا إليه، وآخر وهو {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ (6) هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} المسرفين الذين أسرفوا في الكفر والشرك والمعاصي فتجاوزوا الحد في ذلك هم أصحاب النار أي أهلها الذين لا يفارقونها ولا تفارقهم.
    وقوله: {فَسَتذكرون (7) مَا أَقُولُ لَكُمْ} يبدوا أنه قال هذا القول لما رفضوا دعوته وهموا بقتله ويدل عليه قوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} .
    قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا (8) } أي حفظه الله تعالى من مكرهم به ليقتلوه فنجاه الله تعالى إذ هرب منهم فبعث فرعون رجالاً في طلبه فلم يقدروا عليه ونجا مع موسى وبني إسرائيل وقوله {وَحَاقَ (9) بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} وذلك بأن أغرقهم الله في البحر أجمعين.
    وقوله {النَّارُ (10) يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} إخبار بأن أرواح آل فرعون تعرض في البرزخ على النار غدوّاً وعشياً وذلك بأن تكون في أجواف طير سود على خلاف أرواح المؤمنين فإنها تكون في أجواف طير خضر ترعى في الجنة. إلى يوم القيامة.
    ويوم تقوم الساعة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وهو عذاب جهنم والعياذ بالله.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان الفرق الكبير بين من يدعو إلى النجاة وبين من يدعو إلى النار، بين من يدعو إلى العزيز الغفار ليؤمن به ويُعبد وبين من يدعو إلى أوثان لا تسمع ولا تبصر وهي أحقر شيء وأذله في الحياة، وبين من يدعو من لا يستجيب له في الدنيا والآخرة وبين من يدعو من يستجيب له في الدنيا والآخرة.
    2- التنديد بالإسراف وفي كل شيء.
    3- نعم ما ختم به مؤمن آل فرعون وعظه ونصحه لقومه وهي فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
    4- إثبات عذاب القبر ونعيمه إذ آل فرعون تعرض أرواحهم على النار صباح ومساء.
    __________

    1- الاستفهام هنا تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي وتدعونني إلى النار إذ هي في موضع الحال تقدير مبتدأ أي وأنتم تدعونني إلى النار.
    2- هذه جملة بيان لجملة وتدعونني إلى النار.
    3- العدول عن اسم الجلالة إذ لم يقل أدعوكم إلى الله إلى الصفتين العزيز والغفار لإيضاح الاستدلال على استحقاقه الإقرار بالألوهية والعبادة.
    4- ليس له دعوة توجب له الألوهية وليس له استجابة دعوة تنفع لا هذه ولا تلك فبأي حق إذاً يدعى ويعبد؟
    5- أي ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة.
    6- الإسراف هنا الإفراط في الكفر والظلم بسفك دماء بني إسرائيل بذبح أبنائهم وليصرف فرعون عن عزمه عن قتل موسى عليه السلام وفي الكلام تعريض بالذين يخاطبهم إذ هم مسرفون إلى أبعد حد في الظلم والكفر.
    7- هذا الكلام مشاركة لهم وإنهاء لخطابهم كأنه استشعر منهم ما جعله ينهى الكلام معهم إما لاحظ في ذلك من ملامحهم أو من كلام سمعه منهم.
    8- ما مكروا: ما مصدرية أي سيئات مكرهم.
    9- حاق: أحاط والعذاب الغرق.
    10- في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".

    ****************************** **
    وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
    شرح الكلمات:
    وإذ يتحاجون في النار: أي وأنذرهم يوم الآزفة وإذ يتحاجون في النار أي يتخاصمون.
    فيقول الضعفاء: أي الأتباع الضعفاء الذين اتبعوا الأغنياء والأقوياء في الشرك.
    إنا كنا لكم تبعا: أي تابعين لكم فيما كنتم تعتقدونه وتفعلونه.
    فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ : أي فهل تدفعون عنا شيئا من النار.
    إن الله قد حكم بين العباد: فلا مراجعة أبداً فقد حكم لأهل الإيمان والتقوى بالجنة فهم في الجنة ولأهل الشرك والمعاصي بالنار فهم في النار.
    لخزنة جهنم: أي جمع خازن وهو الموكل بالنار وأهلها.
    يخفف عنا يوما من العذاب: أي قدر يوم من أيام الدنيا إذ الآخرة يوم واحد لا ليل له.
    إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا: أي بأن نظهر دينهم، أو نهلك قومهم وننجيهم من الهلاك.
    في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد: أي وننصرهم يوم يقوم الأشهاد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ.
    ولهم اللعنة ولهم سوء الدار: أي ولهم اللعنة أي البعد من الرحمة ولهم سوء الدار أي الآخرة أي شدة عذابها.
    معنى الآيات:
    هذا عرض آخر للنار وما يجري فيها بعد العرض الذي كان لآل فرعون في النار يعرض على كفار قريش ليشاهدوا مصيرهم من خلاله إذا لم يتوبوا إلى الله من الكفر والتكذيب والشرك تضمنته ست آيات قال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ (1) فِي النَّارِ} أي وأنذرهم واذكر لهم إذ يتحاجون في النار أي يتخاصمون فيها فيقول الضعفاء الأتباع الذين كانوا يتبعون أغنياء وأقوياء البلاد طمعاً فيهم وخوفاً منهم. قالوا للذين استكبروا بقوتهم عن الإيمان ومتابعة الرسل، إنا كنا لكم تبعا (2) أي تابعين، فهل أنتم (3) مغنون عنا نصيبا من النار؟ أي فهل في إمكانكم أن تخففوا عنا حظاً من عذاب النار؟ فأجابوهم قائلين بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي نحن وأنتم إن الله قد حكم بين العباد فقضى بالجنة لأهل الإيمان والتقوى، وبالنار لأهل الشرك والمعاصي هذه كانت خصومة بين الأتباع مع المتبوعين ولم تنته إلى طائل إلا زيادة الحسرة والغم والهم. وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي (4) النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} وهم الملائكة المكلفون بالنار وعذابها قالوا لهم {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} أي مقدار يوم من أيام الدنيا إذ الآخرة لا ليل فيها وإنما هي يوم واحد. فردت عليهم الملائكة قائلة بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي أتقولون ادعوا لنا ربكم ليخفف عنكم العذاب أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أي بالحجج الظاهرة الدالة على وجوب الإيمان والتقوى بترك الشرك والمعاصي. قالوا بلى أي اعترفوا فقالت لهم الملائكة إذاً فادعوا (5) أنتم ربكم ولكن لا يستجاب لكم إذ ما دعاء الكافرين إلا في ضلال فلا يستجاب له أبداً وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ (6) رُسُلَنَا} تقرير لحقيقة عظمى، وهي أن من سنة الله في رسله أنه ينصرهم بانتصار دينهم وما يهدون ويدعون إليه، وإن طال الزمن واشتدت الفتن والمحن، أو بإهلاك أممهم المكذبة لهم وإنجائهم والمؤمنين معهم قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وقوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} أي (7) وينصرهم في الآخرة يوم يقوم الأشهاد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكافرين بالتكذيب.
    وقوله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ (8) } إذا أذن لهم في الاعتذار لا تقبل معذرتهم {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ (9) } أي البعد من الرحمة والجنة {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} الآخرة وهو أشد عذابها.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان تخاصم أهل النار وهو ما يتم من خصومة بين الأتباع والمتبوعين.
    2- التنديد بالكبر والاستكبار إذ الكبر عائق عن الطاعة والاستقامة.
    3- عدم استجابة دعاء الكافر في الدنيا والآخرة إلا ما شاء الله.
    4- عدم قبول المعذرة يوم القيامة.
    5- عدم استجابة الدعاء في النار.
    6- بيان وعد الله لرسله والمؤمنين وهو أنه ينصرهم بأحد أمرين الأول أن ينصر دينهم ويظهره ويقرره وإن طال الزمن، والثاني أن يهلك عدوهم وينجيهم.
    __________

    1- التحاج: الاحتجاج من جانبين فأكثر أي إقامة كل فريق حجته للفريق المضاد المخاصم.
    2- تبعا: اسم لمن يتبع غيره يستوي فيه الواحد وأكثر نحو خدم وحشم.
    3- فهل أنتم مغنون الاستفهام هنا معناه الحث على طلب خلاصهم من النار واللوم على تركهم وعدم الاهتمام بما هم فيه من العذاب.
    4- الذين في النار هذا شامل للضعفاء والمستكبرين والخزنة جمع خازن وهم الملائكة الموكلون بالنار وعذاب أهلها.
    5- أي تولوا أنتم أمر أنفسكم وادعوا والأمر هنا للتسوية أي سواء دعوتم أو تركتم لا يستجاب لكم.
    6- هذه الآية والتي بعدها جاءتا كالنتيجة لكل ما سبق في السورة من قوله تعالى {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} فكل ذلك لتلك المواقف والمشاهد في الدنيا والآخرة عبرتها المستخلصة منها هي هذه {إنا لننصر رسلنا} الآية وهي تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبشرى له ولأتباعه المؤمنين.
    7- الأشهاد: الملائكة والرسل ومؤمنو هذه الأمة.
    8- هذه الجملة بدل من جملة ويوم يقوم الأشهاد والظالمون هم المشركون.
    9- تقديم الجار والمجرور "لهم" في الجملتين: لهم اللعنة ولهم سوء الدار للاهتمام بالانتقام منهم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #752
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (6)
    الحلقة (747)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 543الى صــــ 547)

    وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
    شرح الكلمات:
    ولقد آتينا موسى الهدى: أي أعطينا موسى بني إسرائيل المعجزات والتوراة.
    وأورثنا بني إسرائيل: أي أبقينا فيهم التوراة كتاب الهداية الإلهية يهتدون به في ظلمات الحياة ويذكرن به الله في تراكم النسيان.
    واصبر إن وعد الله حق: أي واصبر يا محمد على ما تلاقي من قومك إن وعد الله بنصرك حق.
    واستغفر لذنبك: ليقتدى بك في ذلك ولزيادة طهارة لروحك وتزكية لنفسك.
    وسبح بحمد ربك: أي نزه ربك وقدسه بالصلاة والذكر والتسبيح فيها وخارجها.
    بالعشي والإبكار: بالمساء وأول النهار أي في أوقات الصلوات الخمس كلها.
    إن في صدروهم إلا كبر: أي ما في صدورهم إلا كبر حملهم على الجدال في الحق، لا أن لهم علماً يجادلون به، وإنما حبهم العلو والغلبة حملهم على ذلك.
    فاستعذ بالله: أي استعذ من شرهم بالله السميع لأقوالهم العليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم.
    لخلق السموات والأرض: أي لخلق السموات والأرض ابتداء ولأول مرة.
    أكبر من خلق الناس: أي أعظم من خلق الناس مرة أخرى بعد الأولى.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى (1) الْهُدَى} الآية شروع ي تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يلاقي من قومه فأعلمه تعالى أنه قد سبق أن أرسل موسى وآتاه الكتاب الذي هو التوراة وأورثه في بني إسرائيل هدى أي هاديا لهم في ظلمات الحياة إلى الحق والدين الصحيح الذي هو الإسلام وذكرى لأولي الألباب أي يذكر به أولوا العقول، ولاقى موسى من قومه أشد مما لاقيت إذاً فاصبر على تعانيه من قريش وأن العاقبة لك فإن وعد الله حق وقد قال إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد أي يوم القيامة.
    وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (2) وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ (3) وَالْأِبْكَارِ} أرشده إلى مقومات الصبر والموفرات له وهي ذكر الله تعالى بالاستغفار والدعاء والصلاة والتسبيح فيها وخارجها. فأعظم عون على الصبر الصلاة فلذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حزبه أمر فَزِعَ إلى الصلاة وقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} أي حجة من علم إلهي أتاهم بطريق الوحي إن في صدروهم أي ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه أي لا يصلون إليه بحال وهو الرئاسة عليك والتحكم فيك وفي أصحابك. وعليه فاستعذ بالله (4) من شرهم ومن مكرهم إنه تعالى هو السميع لأقوالهم البصير بأحوالهم وأعمالهم، وسوف لا يمكن لهم منك أبداً لقدرته وعلمه وعجزهم وجهلهم.
    وقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ (5) وَالْأَرْضِ} هذا رد على منكري البعث والجزاء الآخر فلما قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون. . قال تعالى: وعزتنا وجلالنا لخلق السموات والأرض ابتداء من غير مثال سابق ولا مادة قائمة موجودة أكبر من خلق الناس مرة أخرى بعد خلقهم المرة الأولى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون (6) هذه الحقائق العلمية لجهلهم وبعدهم عن العقليات لما عليهم من طابع البداوة وإلا فإعادة الشيء أهون من بدئه عقلاً فليس الاختراع كالإصلاح للمخترع إذا فسد.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان منة الله تعالى على موسى وبني إسرائيل تتكرر لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته بإنزال الكتاب وتوريثه فيهم هدى وذكرى لأولي الألباب.
    2- وجوب الصبر والتحمل في ذات الله، والاستعانة على ذلك بالاستغفار والذكر والصلاة.
    3- أكثر من يجادل بالباطل ليزيل به الحق إنما يجادل من كبر يريد الوصول إليه وهو التعالي والغلبة والقهر للآخرين.
    4- تقرير عقيدة البعث بالبرهان العقلي، وهو أن البدء أصعب من الإعادة ومن أبدأ أعاد، ولا نصب ولا تعب!!
    __________

    1- الهدى الذي أوتيه موسى هو ما أوحي إليه من الأمر بالدعوة إلى الدين الحق، وما أنزل عليه من الشريعة والكتاب الذي هو التوراة.
    2- ذكر القرطبي عدة أقوال للسلف في الذنب المطلوب من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاستغفار منه قيل ذنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان قبل البعثة والعصمة، وقيل ذنب أمته، وقيل الصغائر ومخالفة الأول قيل المراد هو تعبد الله رسوله بالدعاء إذ الاستغفار دعاء بطلب المغفرة وهو وجه وأوجه منه إرشاد الآية إلى الاستغفار.
    3- هما صلاة الصبح وصلاة العصر ومعنى بحمد ربك أي بالشكر له والثناء عليه.
    4- جملة إنه هو السميع العليم تعليلية، ومفعول المستعاذ منه في قوله فاستعذ بالله محذوف لغرض التعميم في كل ما يخاف منه.
    5- اللام في جواب قسم محذوف كما في التفسير، وخلق السموات والأرض شامل لكل ما فيهما من مخلوقات وعقيدة البعث والجزاء الآخر من جملة ما يجادل فيه الذين كفروا.
    6- لا يعلمون لانشغالهم بالباطل عن الحق فتركوا التفكر والتأمل لذا هم لا يعلمون أن الذي خلق السموات والأرض قادر عقلا على خلق الناس بعد إماتته إياهم وبعثهم أحياء كما خلقهم أول مرة.

    ****************************** *****
    وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
    شرح الكلمات:
    وما يستوي الأعمى والبصير: لا يستويان فكذلك الكافر والمؤمن لا يستويان.
    والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء: لا يستويان أيضاً فكذلك لا يستوي الموقن والشاك.
    قليلا ما تتذكرون: أي ما يتذكرون إلا تذكراً قليلاً والتذكر الاتعاظ.
    إن الساعة لآتية: أي إن ساعة نهاية هذه الحياة وإقبال الأخرى جائية لا شك فيها.
    إن الذين يستكبرون عن عبادتي: أي عن دعائي.
    سيدخلون جهنم داخرين: أي صاغرين ذليلين.
    لتسكنوا فيه: أي لتنقطعوا عن الحركة فتستريحوا.
    والنهار مبصراً: أي مضيئاً لتتمكنوا فيه من الحركة والعمل.
    ولكن أكثر الناس لا يشكرون: أي الله تعالى بحمده والثناء عليه وطاعته.
    ذلكم الله ربكم: أي ذلكم الذي أمركم بدعائه ووعدكم بالاستجابة الذي جعل لكم الليل والنهار وأنعم عليكم بجلائل النعم الله ربكم الذي لا إله لكم غيره ولا رب لكم سواه.
    فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم وإلهكم الحق إلى أوثان وأصنام لا تسمع ولا تصبر.
    كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون: أي كما صرف أولئك عن الإيمان والتوحيد يصرف الذين يجحدون بآيات الله يصرفون عن الحق.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في دعوة قريش إلى الإيمان والتوحيد، فقوله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي (1) } أي في حكم العقلاء {الْأَعْمَى} الذي لا يبصر شيئا والبصير الذي يبصر كل شيء يقع عليه بصره فكذلك لا يستوي المؤمن السميع البصير، والكافر الأعمى عن الدلائل والبراهين فلا يرى منها شيئاً الأصم الذي لا يسمع نداء الحق والخير، ولا كلمات الهدى والرشاد. كما لا يستوي في حكم العقلاء المحسن المؤمن العامل للصالحات، والمسيء الكافر والعامل للسيئات، وإذا كان الأمر كما قررنا فلم لا يتعظ القوم به ولا يتوبون إنهم لظلمة نفوسهم {قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ (2) } أي لا يتعظون إلا نادراً.
    وقوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَة (3) َ لَآتِيَةٌ} يخبر تعالى أن الساعة التي كذب بها المكذبون ليستمروا على الباطل والشر فعلا واعتقاداً لآتية حتماً، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} بها لوجود صارف قوي وهو عدم تذكرهم، وانكبابهم على قضاء شهواتهم.
    وقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي (4) أَسْتَجِبْ لَكُمْ} إنه لما قرر ربوبيته تعالى وأصبح لا محالة من الاعتراف بها قال لهم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أي سلوني أعطكم وأطيعوني أثبكم فأنتم عبادي وأنا ربكم. ثم قال لهم: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} ودعائي فلا يعبدونني ولا يدعونني سوف أذلهم وأهينهم وأعذبهم جزاء استكبارهم وكفرهم وهو معنى قوله: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أو صاغرين ذليلين يعذبون بها أبدا.
    وفي الآية (61) عرفهم تعالى بنفسه ليعرفوه فيؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه، ويكفروا بما سواه من مخلوقات فقال: {اللهُ الَّذِي جَعَلَ (5) لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي جعله مظلما لتنقطعوا فيه عن الحركة والعمل فتستريحوا {وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} أي وجعل لكم النهار مبصراً أي مضيئاً يمكنكم التحرك فيه والعمل والتصرف في قضاء حاجاتكم، وليس هذا من إفضال الله عليكم بل إفضاله وإنعامه أكثر من أن يذكر وقرر ذلك بقوله: {إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} الله على إفضاله وإنعامه عليهم فلا يعترفون بإنعامه ولا يحمدونه بألسنتهم ولا يطيعونه بجوارحهم، وذلك لاستيلاء الشيطان والغفلة عليهم ثم واصل تعريف نفسه لهم ليؤمنوا به بعد معرفته ويكفروا بالآلهة العمياء الصماء التي هم عاكفون عليها صباح مساء فقال جل من قائل: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ} (6) الذي عرفكم نفسه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي لا معبود بحق إلا هو. وقوله: {فَأَنَّى (7) تُؤْفَكُونَ} أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم والمنعم عليكم، إلا أوثان وأوثان وأصنام لا تنفعكم ولا تضركم. فسبحان الله كيف تؤفكون كذلك يؤفك أي كانصرافكم أنتم عن الإيمان والتوحيد مع وفرة الأدلة وقوة الحجج يصرف أيضاً الذين كانوا بآيات الله يجحدون في كل زمان ومكان لأن الآيات الإلهية حجج وبراهين فالمكذب بها سيكذب بكل شيء حتى بنفسه والعياذ بالله تعالى.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- بيان حقيقة هي أن الضدين لا يجتمعان فالكفر والإيمان، والإحسان والإساءة والعمى والبصر والصمم والسمع هذه كلها لا تستوي بعضها ببعض فمحاولة الجمع بينها محاولة باطلة ولا تنبغي.
    2- قرب الساعة مع تحتم مجيئها والأدلة على ذلك العقلية والنقلية كثيرة جداً.
    3- فضل الدعاء وقد ورد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع (8) نعله. وللدعاء المستجاب شروط منها: أن يكون القلب متعلقا بالله معرضاً عما سواه وأن لا يسأل ما فيه إثم، ولا يتعدى في الدعاء فيسأل ما لم تجر سنة الله به كأن يسأل أن يرى الجنة يقظة أو أن يعود شاباً وهو شيخ كبير أو أن يرزق الولد وهو لا يتزوج.
    4- الدعاء (9) هو العبادة ولذا من دعا غير الله فقد أشرك بالله.
    5- بيان إنعام الله وإفضاله والمطالبة بشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.
    __________

    1- وما يستوي الأعمى والبصير أي الكافر والمؤمن والضال والمهتدي.
    2- قرأ نافع قليلا ما يتذكرون بالياء وقرأ حفص تتذكرون بالتاء ولكل وجه بلاغي وكأن تذكرهم قليلاً لعدم علمهم فهم كالأموات لجهلهم فهم لا يتذكرون وإن تذكروا قليلاً ينقطعون فلا يحصل المراد من التذكر.
    3- المراد بالساعة ساعة البعث والقيام من القبور. إنه بعد ذكر الأدلة المقررة للبعث كان هذا إعلانا عن تحقق مجيئها وتأكيد الخبر بإن ولام الابتداء لزيادة التحقيق والمراد تحقق وقوعها لا الإخبار عن وقوعها.
    4- روى الترمذي عن النعمان بن بشير وصححه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الدعاء هو العبادة. ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله.
    5- (جعل) إن كانت بمعنى خلق تعدت إلى مفعول واحد كما هي هنا وإن كانت بمعنى صير تنصب مفعولين نحو جعلت الثوب سروالاً.
    6- الإشارة إلى اسم الجلالة في قوله {الله الذي جعل لكم} الخ.
    7- أنى اسم استفهام عن الكيفية وأصله استفهام عن المكان ثم نقل إلى الحالة.
    8- تقدم تخريجه وأنه من سنن الترمذي وأنه صحيح الإسناد وشسع النعل: زمام النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها يضرب به المثل في الفاقة يقال لا يملك شسع نعل.
    9- روي بإسناد لا بأس به "من لم يسأل الله يغضب عليه ومن لم يدع الله غضب عليه" أيضا حسنهما ابن كثير في تفسيره.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #753
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (7)
    الحلقة (748)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 548الى صــــ 554)

    اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
    شرح الكلمات:
    قراراً: أي قارة بكم لا تتحرك فيفسد ما عليها من إنشاء وتعمير.
    بناء: أي محكمة إحكام البناء فلا تسقط عليكم ولا يسقط منها شيء يؤذيكم.
    وصوركم: أي في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم.
    من الطيبات: أي الحلال المستلذ غير المستقذر وهي كثيرة.
    فتبارك الله: أي تعاظم وكثرت بركاته.
    فادعوا الله مخلصين له الدين: أي اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً في عباداته دعاء كان أو غيره.
    قل إني نهيت: أي نهاني ربي أن أعبد الأوثان التي تعبدون.
    وأمرت أن أسلم لرب العالمين: أي وأمرني ربي أن أسلم له وجهي وأخلص له عملي.
    هو الذي خلقكم من تراب: أي خلق أبانا آدم من تراب وخلقنا نحن ذريته مما ذكر من نطفة ثم علقة.
    ثم لتبلغوا أشدكم: أي كمال أجسامكم وعقولكم في سن ما فوق الثلاثين.
    ومنك من يتوفى من قبل: أي ومنكم من يتوفاه ربه قبل سن الشيخوخة والهرم.
    ولتبلغوا أجلا مسمى: أي فعل ذلك بكم لتعيشوا ولتبلغوا أجلا مسمى وهو نهاية العمر المحددة لكل إنسان.
    ولعلكم تعقلون: أي طوركم هذه الأطوار من نطفة إلى علقة إلى طفل إلى شاب إلى كهل إلى شيخ رجاء أن تعقلوا دلائل قدرة الله وعلمه وحكمته فتؤمنوا به وتعبدوه موحدين له فتكملوا وتسعدوا.
    يحيي ويميت (1) : أي يخلق الإنسان وقد كان عدما، ويميته عند نهاية أجله.
    فإذا قضى أمراً: أي حكم بوجوده.
    فإنما يقول له كن فيكون: أي فهو لا يحتاج إلى وسائط وإنما هي الإرادة فقط فإذا أراد شيئا قال له كن فهو يكون.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في تعريف العباد بربهم سبحانه وتعالى حتى يؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه إذ كمالهم وسعادتهم في الدارين متوقفان على ذلك قال تعالى: {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ} أي (2) قارة في مكانها ثابتة في مركز دائرتها لا تتحرك بكم ولا تتحول عليكم فتضطرب حياتكم فتهلكوا، وجعل السماء بناء محكماً وسقفاً محفوظاً من التصدع والانفطار والسقوط كُلاًّ وبعضاً، وصوركم في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم (3) ورزقكم من الطيبات التي خلقها لكم وهي كل ما لذ وطاب من حلال الطعام والشراب واللباس والمراكب ذلكم الفاعل لكل ذلك الله ربكم الذي لا رب لكم سواه ولا معبود بحق لكم غيره. فتبارك الله رب العالمين أي خالق الإنس والجن ومالكهما والمدبر لأمرهما، هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون لا إله أي لا معبود للعالمين إلا هو فادعوه مخلصين له الدين أي اعبدوه وحده ولا تشركوا بعبادته أحداً قائلين الحمد لله رب العالمين (4) أي حامدين له بذلك، هذا ما تضمنته الآيتان (64، 65) وقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي قل يا نبينا لقومك إن نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون من دون الله من أصنام وأوثان لا تنفع ولا تضر وذلك لما (5) جاءني البينات من ربي وهي الحجج والبراهين على بطلان عبادة غير الله ووجوب عبادته سبحانه وتعالى، وأمرت أن أسلم لرب العالمين أي وأمرني ربي أن أسلم له فأنقاد وأخضع لأمره ونهيه وأطرح بين يديه وأفوض أمري إليه وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} نظراً إلى أصلهم وهو آدم، ثم من نطفة مني ثم من علقة دم متجمد، ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا، ثم لتبلغوا أشدكم أي اكتمال أبدانكم وعقولكم بتخطيكم الثلاثين من أعماركم، ثم لتكونوا شيوخاً بتجاوزكم (6) الستين. ومنكم من يتوفى أي يتوفاه الله قبل بلوغه سن الشيخوخة والهرم وما أكثرهم، وفعل بكم ذلك لتعيشوا ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون إذا تفكرتم في خلق الله لكم على هذه الأطوار فتعرفون أن ربكم واحد وأنه إلهكم الحق الذي لا إله لكم سواه.
    وقوله هو الذي يحيي ويميت يحيي النطف الميتة فإذا هي بعد أطوارها بشراً أحياء ويميت الأحياء عند نهاية آجالهم وهو حي لا يموت والإنس والجن يموتون ومن أعظم مظاهر قدرته أنه يقول للشيء إذا أراده كن فيكون ولا يتخلف أبداً هذا هو الله رب العالمين وإله الأولين والآخرين وجبتْ محبته وطاعته ولزمت معرفته إذ بها يُحَبُّ ويعبد ويطاع.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والإيجاد والإرزاق والإحياء والإماتة وكلها معرفة به تعالى موجبة له العبادة والمحبة والإنابة والرغبة والرهبة ونافية لها عما سواه من سائر خلقه.
    2- تقرير التوحيد ووجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
    3- بيان خلق الإنسان وأطوار حياته وهي من الآيات الكونية الموجبة للإيمان بالله وتوحيده في عبادته إذ هو الخالق الرازق المحيي المميت لا إله غيره ولا رب سواه.
    __________

    1- في قوله يحيي ويميت المحسن البديعي المسمى بالطباق.
    2- القرار مصدر قر إذا سكن وهو هنا من صفات الأرض خبر لأنه خبر عن الأرض والمعنى أنه جعلها قارة "ساكنة" غير مائدة ولا مضطربة إذ لو لم تكن قارة لكان الناس في عناء شديد من اضطرابها وتزلزلها، وقد يفضي ذلك بأكثر الناس إلى الهلاك وهذا في معنى قوله: {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم} ومن مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته أن تدور الأرض في فلكها دورة منتظمة بدقة فائقة فلا تخرج عن مدارها مقدار شبر بل إصبع فسكنت وقرت وهي متحركة فسبحان الله العلي العظيم.
    3- فأحسن صوركم الفاء للعطف والتعقيب ورزقكم فهاتان نعمتان عظيمتان نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد.
    4- إنشاء الثناء على الله تعالى بعد ذكر موجبات ذلك من نعمة الإيجاد والإمداد والهداية إلى الدين الحق بعبادة الله وحده كما هي السنة في تعقيب الحمد والثناء على الله تعالى بعد كل نعمة ينعم بها على عباده.
    5- لما هذه يقال فيها التوقيتية أي حصل نهي عن عبادة غير ربي في الوقت الذي جاءتني البينات وفي الآية تعريض بالمشركين إذ لم ينتهوا عن عبادة غير الله وقد جاءتهم البينات من ربهم.
    6- سن الشيخوخة هو ما بين الخمسين إلى الثمانين.

    ****************************** **
    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِي نَ (76)
    شرح الكلمات:
    يجادلون في آيات الله: أي في القرآن وما حواه من حجج وبراهين دالة على الحق هادية إليه.
    أنى يصرفون: أي كيف يصرفون عن الحق مع وضوح الأدلة وقوة البراهين.
    الذين كذبوا بالكتاب: أي بالقرآن.
    وبما أرسلنا به رسلنا: من وجوب الإسلام لله بعبادته وحده وطاعته في أمره ونهيه والإيمان بلقائه.
    فسوف يعلمون: أي عقوبة تكذيبهم.
    إذ الأغلال في أعناقهم: أي وقت وجود الأغلال في أعناقهم يعلمون عاقبة كفرهم وتكذيبهم.
    ثم في النار يسجرون: أي يوقدون.
    ثم يقال لهم أين ما كنتم: أي يسألون هذا السؤال تبكيتاً لهم وخزياً.
    تشركون من دون الله: أي تعبدونهم مع الله.
    قالوا ضلوا عنا: أي غابوا عنا فلم نرهم.
    بل لم نكن ندعو من قبل شيئا: أي أنكروا عبادة الأصنام، أو لم يعتبروا عبادتها شيئاً وهو كذلك.
    كذلك يضل الله الكافرين: أي مثل إضلال هؤلاء المكذبين يضل الله الكافرين.
    بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق: أي بالشرك والمعاصي.
    وبما كنتم تمرحون: أي بالتوسع في الفرح، لأن المرح شدة الفرح.
    فبئس مثوى المتكبرين: أي دخول جهنم والخلود فيها بئس ذلك مأوى للمتكبرين.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد وإلى الإيمان بالبعث والجزاء، وتقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ} أي يا محمد {إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ (1) فِي آيَاتِ اللهِ} القرآنية لإبطالها وصرف الناس عن قبولها أو حملهم على إنكارها وتكذيبها والتكذيب بها وهذا تعجيب من حالهم. وقوله تعالى: {أَنَّى يُصْرَفُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته. وقوله {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ} الذي هو القرآن {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من التوحيد والإيمان {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة تكذيبهم وقت ما تكون الأغلال (2) في أعناقهم والسلاسل في أرجلهم يسحبون أي تسحبهم الزبانية في الحميم هو ماء حار تناهي في الحرارة ثم في النار يسجرون (3) أي توقد بهم النار كما توقد بالحطب، هذا عذاب جسماني ووراءه عذاب روحاني إذ تقول لهم الملائكة توبيخاً وتبكيتاً وتأنيباً وتقريعاً: {أَيْنَ (4) مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ} أي أين أوثانكم التي كنتم تعبدونها مع الله؟ فيقولون: ضلوا عنا أي غابوا فلم نرهم، بل ما كنا ندعو من قبل شيئاً هذا إنكار منهم حملهم عليه الخوف أو هو بحسب الواقع أنهم ما كانوا يعبدون شيئاً إذ عبادة الأصنام ليست شيئاً لبطلانها.
    وقوله {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ (5) فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} أي حل بكم هذا العذاب بسبب فرحكم بالباطل من شرك وتكذيب وفسق وفجور، في الدنيا، وبسبب مرحكم أيضا وهو أشد الفرح وأخيراً يقال لهم {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} باباً بعد باب وهي أبواب الدركات {خَالِدِينَ (6) فِيهَا} لا تموتون ولا تخرجون {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِي نَ} أي ساء وقبح مثواكم في جهنم من مثوى أي مأوى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التعجيب من حال المكذبين بآيات الله المجادلين فيها كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح أدلته وقوة براهينه.
    2- إبراز صورة واضحة للمكذبين بالآيات المجادلين لإبطال الحق وهم في جهنم يقاسون العذاب بعد أن وضعت الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أرجلهم يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون.
    3- ذم الفرح بغير فضل الله ورحمته، وذم المرح وهو أشد الفرح.
    4- ذم التكبر وسوء عاقبة المتكبرين الذين يمنعهم الكبر من الاعتراف بالحق ويحملهم على احتقار الناس وازدراء الضعفاء منهم.
    __________

    1- وقيل هذه الآية نزلت في القدرية نفاة القدر وقيل في المشركين والعبرة بعموم اللفظ فهي عامة في المشركين والمكذبين المجادلين في آيات الله وأحاديث رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصرفها عن مراد الله إحقاقاً لباطلهم وإثباتاً لمذهبهم الفاسد.
    2- الأغلال جمع غل بضم الغين: حلقة من قد "جلد" أو حديد محيط بالعنق. سئل ابن عرفة هل يجوز أن يقاد اليوم الأسير والجاني بالغل في عنقه؟ قال لا يجوز وإنما يقاد الجاني من يده لنهي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإحراق بالنار وقال إنما يعذب بالنار رب النار.
    3- قال مجاهد يطرحون في النار فيكونون وقوداً لها: يقال سجرت التنور أي أوقدته وسجرته ملأته أيضاً ومنه والبحر المسجور أي المملوء. شاهد آخر قوله تعالى {وقودها الناس والحجارة} .
    4- الاستفهام بأين يكون عن المكان وأريد به هنا التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف.
    5- ما مصدرية في الموضعين والتقدير أي ذلكم العذاب الذي وقعتم فيه مسبب على فرحكم ومرحكم الذين كانا لكم في الدنيا إذ الأرض المراد بها الدنيا.
    6- خالدين حال مقدرة أي مقدر خلودكم فيها و {فبئس مثوى المتكبرين} متفرع على الخلود والمخصوص بالذم محذوف تقديره جهنم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #754
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة غافر - (8)
    الحلقة (749)
    سورة غافر
    مكية
    وآياتها خمس وثمانون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 555الى صــــ 558)

    فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك َ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (81)
    شرح الكلمات:
    فاصبر إن وعد الله حق: أي فاصبر يا رسولنا على دعوتهم متحملاً أذاهم فإن وعد ربك بنصرك حق.
    فإما نرينك بعض الذي نعدهم: أي من العذاب في حياتك.
    منهم من قصصنا عليك: أي ذكرنا قصصهم وأخبارهم وهم خمسة وعشرون.
    أن يأتي بآية إلا بإذن الله: أي لأنهم عبيد مربوبون لا يفعلون إلا ما يأذن لهم به سيدهم.
    وخسر هنالك المبطلون: أي هلك أهل الباطل بعذاب الله فخسروا كل شيء.
    جعل لكم الأنعام: أي الإبل وإن كان لفظ الأنعام يشمل البقر والغنم أيضا.
    ولكم فيها منافع: أي من اللبن والنسل والوبر.
    فأي آيات الله تنكرون: أي فأي آية من تلك الآيات تنكرون فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار.
    معنى الآيات:
    بعد تلك الدعوة الإلهية للمشركين إلى الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء والتي تلوّن فيها الأسلوب وتنوّعت فيها العبارات والمعاني، والمشركون يزدادون عتواً قال تعالى لرسوله آمراً إياه بالصبر (1) على الاستمرار على دعوته متحملاً الأذى في سبيلها {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} فيخبره بأن ما وعده ربه حق وهو نصره عليهم وإظهار دعوة الحق ولو كره المشركون. وقوله: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ (2) بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} أي من العذاب الدنيوي {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك َ} قبل ذلك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فنعذبهم بأشد أنواع العذاب في جهنم، وننعم عليك بجوارنا في دار الإنعام والتكريم أنت والمؤمنون معك. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (77) وقوله تعالى في الآية الثانية (78) {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ} يخبر تعالى رسوله مؤكدا له الخبر مسلياً له حاملاً له على الصبر بأنه أرسل من قبله رسلا كثيرين منهم من قص خبرهم عليه ومنهم من لم يقصص (3) وهم كثير وذلك بحسب الفائدة من القصص وعدمها وأنه لم يكن لأحدهم أن يأتي بآية كما طالب بذلك قومه، والمراد من الآية المعجزة الخارقة للعادة، إلا بإذن الله، إذ هو الوهاب لما يشاء لمن يشاء، فإذا جاء أمر الله بإهلاك المطالبين بالآيات تحدياً وعناداً ومكابرةً قضي بالحق أي حكم الله تعالى بين الرسول وقومه المكذبين له المطالبين بالعذاب تحدياً، فنجَّى رسوله والمؤمنين وخسر هنالك المبطلون من أهل الشرك والتكذيب.
    وقوله تعالى في الآية الثالثة (79) {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ} يعرفهم تعالى بنفسه مقرراً ربوبيته الموجبة لألوهيته فيقول الله أي المعبود بحق هو الذي جعل لكم الأنعام على وضعها الحالي الذي ترون لتركبوا منها (4) وهي الإبل، ومنها تأكلون ومن بعضها تأكلون كالبقر والغنم ولا تركبون، ولكن فيها منافع وهي الدَّرُّ والوبر والصوف والشعر والجلود ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وهي حمل أثقالكم والوصول بها إلى أماكن بعيدة لا يتأتى لكم الوصول إليها بدون الإبل سفائن البر، وقوله وعليها أي على الإبل وعلى الفلك "السفن" تحملون أي يحملكم الله تعالى حسب تسخيرها لكم.
    وأخيراً يقول تعالى بعد عرض هذه الآيات القرآنية والكونية يقول لكم {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} في أنفسكم وفي الآفاق حولكم {فَأَيَّ آيَاتِ (5) اللهِ تُنْكِرُونَ} وكلها واضحة في غاية الظهور والبيان والاستفهام للإنكار عليهم علّهم يرعوون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب الصبر على دعوة الحق والعمل في ذلك إلى أن يحكم الله تعالى.
    2- الآيات لا تعطى لأحد إلا بإذن الله تعالى إذ هو المعطي لها فهي تابعة لمشيئته.
    3- من الرسل من لم يقصص الله تعالى أخبارهم، ومنهم من قص وهم خمسة (6) وعشرون نبياً ورسولا. وعدم القص لأخبارهم لا ينافي بيان عددهم إجمالاً لحديث أبي ذر في مسند أحمد أن أبا ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله كم عدّة الأنبياء؟ قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشرة جما غفيراً.
    4- ذكر منّة الله على الناس في جعل الأنعام صالحة للانتفاع بها أكلاً وركوباً لبعضها لعلهم يشكرون بالإيمان والطاعة والتوحيد.
    __________

    1- أمره تعالى رسوله بالصبر في الآية هو تسلية له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أخبر أنه ينتقم له من أعدائه في حياته أو في الآخرة وهذا كان لاستبطاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين النصر.
    2- فإما أصلها فإن حرف شرط قرنت بما الزائدة للتأكيد ولذا ألحقت نون التوكيد بفعل الشرط عطف عليه أو نتوفينك وهو فعل شرط ثان.
    3- قال ابن كثير وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف وهو كذلك إذ لم يذكر في القرآن إلا خمسة وعشرون نبياً ورسولا.
    4- اللام متعلقة بجعل لكم الأنعام ومن في الموضعين للتبعيض أي تركبون من بعضها وتأكلون من بعضها.
    5- اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركة في ما يضاف إليه أي وهو مستعمل هنا في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات فأفاد أن جميع الآيات صالحة للدلالة على وجود الله ووحدانيته في ألوهيته.
    6- جمع بعضهم من ذكروا في القرآن من الآيات الآتية فقال:
    حتم على كل ذي التكليف معرفة
    بأنبياء على التفصيل قد علموا
    في تلك حجتنا منهم ثمانية
    من بعد عشر ويبقى سبعة هم
    إدريس هود شعيب صالح وكذا
    ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
    الرسل المجمع على أنهم رسل خمسة عشر وهم: نوح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، هود، صالح، شعيب، موسى، هارون، عيسى، يونس، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمختلف في رسالتهم بعد الإجماع على نبوتهم باقي الخمسة والعشرين واختلف في نبوة لقمان وذي القرنين والخضر ومريم عليهم السلام.

    ****************************** **
    أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
    شرح الكلمات:
    أفلم يسيروا في الأرض: أي أعجزوا فلم يسيروا في الأرض شمالاً وجنوباً وغرباً.
    كيف كان عاقبة الذين من قبلهم: أي عاقبة المكذبين من قبلهم قوم عاد وثمود وأصحاب مدين.
    وآثاراً في الأرض: أي وأكثر تأثيراً في الأرض من حيث الإنشاء والتعمير.
    فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون: أي لم يمنع العذاب عنهم كسبهم الطائل وقوتهم المادية
    فرحوا بما عندهم من العلم: أي فرح الكافرون بما عندهم من العلم الذي هو الجهل بعينه.
    فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا: أي عذابنا الشديد النازل بهم.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في طلب هداية قريش بما يذكرهم به وما يعرض عليهم من صور حية لمن كذب ولمن آمن لعلهم يهتدون قال تعالى {أَفَلَمْ (1) يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي أعجزوا فلم يسيروا في الأرض أرض الجزيرة شمالاً ليروا آثار ثمود في مدائنها وجنوبا ليروا آثار عاد، وغرباً ليرو آثار أصحاب الأيكة قوم شعيب والمؤتفكات قرى قوم لوط: فينظروا نظر تفكر واعتبار كيف كان عاقبة الذين من قبلهم. كانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض من مصانع وقصور وحدائق وجنات فما أغنى عنهم لما جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من مال ورجال وقوة مادية.
    هذا ما دلت عليه الآية الأولى (82) أما الآية الثانية (83) فهي قوله تعالى {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يخبر تعالى عن المكذبين الهالكين أنهم لما جاءتهم رسلهم بالحجج والأدلة الظاهرة على توحيد الله والبعث والجزاء وصدقهم في النبوة ولرسالة {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ (2) مِنَ الْعِلْمِ} المادي وسخروا من العلم الروحي واستهزأوا بأهله فرحا ومرحاً، {وَحَاقَ بِهِمْ} أي أحاط بهم العذاب الذي كان نتيجة كفرهم وتكذيبهم واستهزائهم، فلما رأوا عذاب الله الشديد وقد حاق بهم أعلنوا عن توبتهم فـ {قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} أي قالوا لا إله إلا الله. قال تعالى {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أي شديد عذابنا {سُنَّتَ (3) اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} وأخبر تعالى أن هذه سنة من سننه في خلقه وهي أن الإيمان لا ينفع عند معاينة العذاب إذ لو كان يقبل الإيمان عند رؤية العذاب وحلوله لما كفروا كافر ولما دخل النار أحد. وقوله {وَخَسِرَ (4) هُنَالِكَ} أي عند رؤية العذاب وحلوله {الْكَافِرُونَ} أي المكذبون المستهزئون.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية السير في البلاد للعظة والاعتبار تقوية للإيمان.
    2- القوى المادية لا تغني عن أصحابها شيئا إذا أرادهم الله بسوء.
    3- بيان سنة بشرية وهي أن الماديين يغترون بمعارفهم المادية ليستغنوا بها عن العلوم الروحية في نظرهم إلا أنها لا تغني عنهم شيئاً عند حلول العذاب بهم في الدنيا وفي الآخرة.
    __________

    1- الفاء للتفريع وهمزة الاستفهام داخلة على محذوف أي أعجزوا فلم يسيروا والاستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم النظر في آثار الهالكين ليحصلوا على العبرة المطلوبة لهم يؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب.

    2- قال القرطبي فرحوا بما عندهم من العلم في معناه ثلاثة أقوال قال مجاهد إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا نحن أعلم منهم ولن نعذب ولن نبعث، وقيل فرحوا بما عندهم من علم الدنيا نحو يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وقيل الذين فرحوا الرسل بما عندهم من العلم بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين.
    3- سنة مصدر سنّ يسن سنا وسنة أي سن الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب وجائز أن يكون سنة منصوب والإغراء والتحذير أي احذروا أيها المشركون سنة الله.
    4- خسر هنالك هذه الجملة كالفذلكة لقوله فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهنالك أسم إشارة إلى مكان استعير للإشارة إلى الزمان أي خسروا وقت رؤيتهم بأسنا.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #755
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (1)
    الحلقة (750)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 559الى صــــ 562)

    سورة فصلت (1)
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)

    شرح الكلمات:
    حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا حم، ويقرأ هكذا حا ميم.
    تنزيل من الرحمن الرحيم: أي من الله إذ هو الرحمن الرحيم.
    فصلت آياته: أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون إذ هم الذين ينتفعون.
    بشيراً ونذيراً: أي مبشرا أهل الإيمان والعمل الصالح بالفوز, ومنذراً المكذبين الكافرين بالخسران.
    فأعرض أكثرهم: أي أعرض عن سماع القرآن أكثر مشركي مكة وكفار قريش.
    فهم لا يسمعون: أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون.
    في أكنة: أي أغطية جمع كنان: ما فيه يكن الشيء ويستر.
    وفي آذاننا وقر: أي ثقل فلم نطق السمع.
    ومن بيننا وبينك حجاب: أي مانع وفاصل بيننا فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تفعل.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {حم} هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة الله أعلم بمراده به. وقد ذكرنا ما أثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة في أول سورة غافر، وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ وقوله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس كما يقول المبطلون. وقوله {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } لسان العرب ويفهمون معاني الكلام وأسراره. قوله {بَشِيراً وَنَذِيراً} وحال كونه أيضا بشيراً لأهل الإيمان وصالح الأعمال بالفوز بالجنة والنجاة من النار، نذيراً للمشركين المكذبين من عذاب النار، وقوله تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ (4) فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم لا يسمعونه ولا يريدون سماعه بحال، وقالوا معتذرين بأقبح الأعذار: قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن لا نفهم ما تدعونا إليه من التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك، وفي آذاننا وقر أي ثقل فلا تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب (5) ساتر وحائل لنا عنك فلا نسمع ما تقول ولا نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك، واعمل (6) على نصرة دينك فإننا عاملون كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:
    1- تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن يفهم (1) كلام الله القرآن العظيم.
    2- اشتمال القرآن على أسلوب الترغيب والترهيب وهي البشارة والنذارة.
    3- بيان شدة عداوة المشركين للتوحيد والداعين إليه في كل زمان ومكان.
    __________

    1- وتسمى سورة حم السجدة وتسمى سورة المصابيح وسورة الأموات لذكر المصابيح والأموات والسجدة وفصلت فيها.
    2- تنزيل مبتدأ وسوغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم كأن قيل تنزيل عظيم ومن الرحمن الرحيم الخبر وكتاب بدل من تنزيل وفصلت صفة لكتاب.
    3- في إعراب قرآناً عدة وجوه أظهرها أن النصب على الحال وجائز أن يكون على الاختصاص بالمدح.
    4- فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن البشارة فلم يعنوا بها ومن النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم.
    5- روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوباً فقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه.
    6- وقيل اعمل على هلاكنا فإنا عاملون على هلاكك وقيل غير هذا وما في التفسير أولى.
    7- شاهده قول الأصوليين ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما دام لا يفهم الشرع إلا بلغة القرآن وجب تعلم هذه اللغة.

    ****************************** *
    قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
    شرح الكلمات:
    قل إنما أنا بشر مثلكم: أي لست ملكا وإنما أنا بشر مثلكم من بني آدم.
    يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد: أي يوحي الله إلي بأن إلهكم أي معبودكم أيها الناس إله واحد لا ثاني له ولا أكثر.
    فاستقيموا إليه: بإخلاص العبادة له دون سواه.
    واستغفروه: أي اطلبوا منه أن يغفر لكم ذنوبكم (1) التي كانت قبل الاستقامة وهي الشرك والمعاصي.
    وويل للمشركين: أي عذاب شديد سيحل بهم لإغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة.
    لا يؤتون الزكاة: أي زكاة أنفسهم بما يطهرها من أوضار الشرك والمعاصي.
    لهم أجر غير ممنون: أي ثواب الآخرة وهو الجنة ونعيمها لا ينقطع بحال هو أجر غير ممنون.
    معنى الآيات:
    إنه بعد تلك المفاصلة التي قام بها المشركون حفاظاً على الوثنية وجهل الجاهلية أمر تعالى رسوله أن يقول لهم إنما أنا بشر مثلكم في آدميتي لم أدّع يوما غيرها فلم أقل إني ملك، إلا أني أفضلكم بشيء وهو أنه يوحى إليّ من قبل ربي، والموحى به إلي هو أنما إلهكم الحق إله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته، وعليه فاخلعوا تلك الأوثان واستقيموا (2) إليه تعالى بإخلاص العبادة والوجوه إليه، واستغفروه من آثار الذنب السابق قبل الاستقامة على الإيمان والتوحيد وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } يخبر تعالى أن الويل وهو مُرُّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد وقيح أهل النار وما يسيل من أبدانهم وفروجهم للمشركين بربهم الذين لا يؤتون (3) زكاة أموالهم، وهم بالآخرة هم كافرون أي لا يؤمنون بالبعث والجزاء فلذا هم لا يتركون شراً ولا يفعلون خيراً إلا ما قل وندر والنادر لا حكم له.
    وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ (4) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي آمنوا بالله وعده ووعيده وشرعه وعملوا الصالحات بأداء الفرائض والكثير من النوافل بعد تجنبهم الشرك والكبائر من الذنوب والمعاصي هؤلاء لهم أجر غير ممنون (5) مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم، والأجر هو الثواب والمراد به الجنة إذ نعيمها لا ينقطع على من ناله وفاز به بحال من الأحوال.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير النبوة والتوحيد.
    2- وجوب الاستقامة على شرع الله.
    3- وجوب الاستغفار من كل ذنب صغيراً كان أو كبيراً.
    4- وجوب الزكاة في الأموال، ووجوب تزكية النفوس بالإيمان وصالح الأعمال.
    __________

    1- ذنوبكم التي قارفتموها من الشرك والمعاصي قبل التوبة التي هي الاستقامة على طاعة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    2 - استقيموا إليه أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه كما يقال للرجل استقم إلى منزلك أي لا تعرج إلى شيء غير القصد إليه.
    3- قال ابن عباس لا يؤتون الزكاة أي لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس لأن السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة وقال بعضهم إن قريشاً كانوا ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك من آمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت هذه الآية.
    4- الجملة مستأنفة استئنافاً بيانيا نشأ عن الوعيد المتقدم فكأن سائلاً يقول فإن اتعظ هؤلاء المشركون وتابوا من الشرك وترك المعاصي فما جزاؤهم؟ فالجواب أن الذين آمنوا عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون.
    5- المن القطع ومن منّ صدقته فقد قطعها قال الشاعر:
    لعمرك ما بأبي بذي غلق
    على الصديق ولا خيري بممنون


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #756
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (2)
    الحلقة (751)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 563الى صــــ 569)

    قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
    شرح الكلمات:
    بالذي خلق الأرض في يومين: أي الأحد والاثنين.
    وتجعلوا له أندادا: أي شركاء وهذا داخل في حيز الإنكار الشديد عليهم.
    ذلك رب العالمين: أي الله مالك العالمين وهم كل ما سواه عز وجل من سائر الخلائق.
    وجعل فيها رواسي: أي جبالاً ثوابت.
    وبارك فيها: أي في الأرض بكثرة المياه والزروع والضروع.
    وقدر فيها أقواتها: أي أقوات الناس والبهائم.
    في أربعة أيام: أي في تمام أربعة أيام وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء.
    سواء للسائلين: أي في أربعة أيام هي سواء لمن يسأل فإنها لا زيادة فيها ولا نقصان.
    ثم استوى إلى السماء: أي قصد بإرادته الربانية إلى السماء وهي دخان قبل أن تكون سماء.
    فقضاهن سبع سماوات في يومين: أي الخميس والجمعة ولذا سميت الجمعة جمعة لاجتماع الخلق فيها.
    وأوحى في كل سماء أمرها (1) : أي ما أراد أن يكون فيها من الخلق والأعمال.
    وزينا السماء الدنيا بمصابيح: أي بنجوم.
    وحفظاً: أي وحفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب الموجودة فيها.
    ذلك تقدير العزيز العليم: أي خلق العزيز في ملكه العليم بخلقه.
    معنى الآيات:
    إنه بعد الإصرار على التكذيب والإنكار من المشركين أمر تعالى رسوله أن يقول لهم (2) {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إن كفرهم عجب منكم هل تعلمون بمن تكفرون إنكم لتكفرون بالذي خلق الأكوان كلها علويها وسفليها في ستة أيام، أين يذهب بعقولكم يا قوم أتستطيعون جحود الله تعالى وجحود آياته وهذه الأكوان كلها آيات شاهدات على وجوده وقدرته وعلمه حكمته وموجبة له الربوبية عليها والألوهية له فيها دون غيره من سائر خلقه وأعجب من ذلك أنكم تجعلون له أنداداً أي شركاء تسوونهم به وهم أصنام لا تسمع ولا تبصر فكيف تُسّوى بالذي خلق الأرض في يومين أي الأحد والاثنين، وهو رب العالمين أجمعين أي رب كل شيء ومليكه ومالكه.
    وقوله تعالى في الآية الثانية (9) {وَجَعَلَ فِيهَا} أي في الأرض رواسي أي جبالاً ثوابت ترسو في الأرض حتى لا تميد بأهلها ولا تميل فيخرب كل شيء عليها، {وَبَارَكَ فِيهَا} بكثرة المياه والرزق والضروع والخيرات {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (3) تقديراً يعجز البيان عن وصفه، والقلم عن رقمه والآلات الحاسبة عن عدّه. وذلك كله من الخلق والتقدير {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً (4) } لمن يسأل عنها إنها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء أي مقدرة بأيامنا هذه التي تكونت نتيجة الشمس والقمر والليل والنهار فلا تزيد يوماً ولا تنقص آخر.
    وقوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} في الآية الثالثة (10) يخبر تعالى أنه بعد خلق الأرض استوى إلى السماء أي قصد بإرادته التي تعلو فوق كل إرادة {إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} أي بخار وسديم ارتفع من الماء الذي كان عرشه تعالى عليه فقال لها كما قال {وَلِلْأَرْضِ (5) ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي طائعتين أو مكرهتين لا بد من مجيئكما حسب ما أردت وقصدت فأجابتا بما أخبر تعالى عنهما في قوله: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أي لم يكن لنا أن نخالف أمر ربنا، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وهما الخميس والجمعة، {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي ما أراد أن يخلقه فيها ويعمرها به من المخلوقات والطاعات. وقوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وهي النجوم وحفظاً أي وجعلناها أي النجوم حفظاً من الشياطين أن تسترق السمع فإن الملائكة يرجمونهم بالشهب من النجوم فيحترقون أو يخبلون. وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ (6) الْعَلِيمِ} أي ذلك المذكور من الخلق والتقدير تقدير العزيز في ملكه أي الغالب على أمره العليم بتدبير ملكه وأعمال وأحوال خلقه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الكفر بالله لا ذنب فوقه فما بعد الكفر ذنب، وهو عجيب وأعجب منه اتخاذ أصنام وأحجار وأوثاناً تعبد مع الله الحي القيوم مالك الملك ذي الجلال والإكرام.
    2- بيان الأيام التي خلق الله فيها العوالم العلوية والسفلية وهي ستة أيام أي على قدر ستة أيام من أيام الدنيا هذه مبدوءة بالأحد منتهية بالجمعة، وقدرة الله صالحة لخلق السموات والأرض وبكل ما فيهما بكلمة التكوين "كن" ولكن لحكم عالية أرادها الله تعالى منها تعليم عباده الأناة والتدرج في إيجاد الأشياء شيئاً فشيئاً.
    3- لا تعارض بين قوله تعالى في هذه الآية {ثم استوى إلى السماء} المشعر بأن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} من سورة النازعات المفهم أن دَحْوَ الأرض كان بعد خلق السماء، إذ فسر تعالى دحو الأرض بإخراج مائها ومرعاها وهو ما ترعاه الحيوانات التي سيخلقها عليها، ثم قوله {خلق الأرض في يومين} على صورة يعلمها هو ولا نعلمها نحن،وتقدير الأقوات في قوله {وقدر فيها أقواتها} لا يستلزم أن يكون فعلا أظهر ما قدره إلى حيز الوجود، وحينئذ لا تعارض بين ما يدل من الآيات على خلق الأرض أولا ثم خلق السموات وهو الذي صرحت به الأحاديث إذ خلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وبعد أن خلق السموات دحا الأرض فأخرج منها ما قدره فيها من أقوات وأرزاق الحيوانات حسب سنته في ذلك.
    4- بيان فائدتين عظيمتين (7) للنجوم الأولى أنها زينة السماء بها تضاء وتشرق وتذهب الوحشة منها والثانية أن ترمى الشياطين بالشهب من النجوم ذات التأجج الناري.
    __________

    1- الوحي: الكلام الخفي، ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قول، ومنه فأوحى إليهم أي أومأ إليهم بما يدل على معنى سبحوا بكرة وعشياً قال الشاعر:
    يرمون بالخطب الطوال وتارة
    وحي الملاحظ خفية الرقباء
    2- الاستفهام للتوبيخ والتعجب من حالهم أي لم تكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً؟ ومعنى الكفر به تعالى بانفراده بالألوهية. فلما أنكروا ألوهيته كان كإنكارهم صفات ذاته فصح أنهم كفروا به.
    3- قال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يومي الثلاثاء والأربعاء.
    4- أي تتمة أربعة أيام.
    5- قال ابن عباس قال الله تعالى للسماء أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك وأجري سحابك ورياحك وقال للأرض شقي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين {قالتا أتينا طائعين} .
    6- في الأحاديث الصحيحة أن الله خلق آدم يوم الجمعة وأنه آخر أيام الأسبوع وأنه خيرها وأفضلها وأن اليهود والنصارى قد اختلفوا فيه فهدى الله الذين آمنوا إليه.
    7- والثالثة الاهتداء بها في معرفة البلاد والقبلة قال تعالى "والنجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر".

    **************************
    فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
    شرح الكلمات:
    فإن أعرضوا: أي كفار قريش عن الإيمان والتوحيد بعد ذلك البيان المفصل.
    فقل أنذرتكم صاعقة: أي خوفتكم صاعقة تنزل بكم فتهلككم إن أصررتم على هذا الكفر.
    من بين أيديهم ومن خلفهم: أي أتتهم رسلهم تعرض عليهم دعوة الحق من أمامهم ومن ورائهم.
    لو شاء ربنا لأنزل ملائكة: أي بدلاً عنكم أيها الرسل من البشر.
    بغير الحق: أي بغير أن يأذن الله لهم بذلك العلو والاستكبار والتجبّر.
    ريحاً صرصراً: أي ذات صوت يسمع له صرصرة مع البرودة الشديدة.
    في أيام نحسات: أي مشئومات عليهم لم يفلحوا بعدها.
    ولعذاب الآخرة أخزى: أي أشد خزيا من عذاب الدنيا.
    فاستحبوا العمى على الهدى: أي استحبوا الكفر على الإيمان إذ الكفر ظلام والإيمان نور.
    الذين آمنوا وكانوا يتقون: أي الشرك والمعاصي.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق في طلب هداية قريش فقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا (1) } بعد ذلك البيان الذي تقدم لهم في الآيات السابقة المبين لقدرة الله وعمله وحكمته والموجب للإيمان بالله ولقائه وتوحيده فقل لهم أنذرتكم أي خوفتكم صاعقة (2) تنزل بكم إن أصررتم على إعراضكم مثل صاعقة عادٍ وثمود أي عذابا مهلكاً كالذي أهلك الله به عاداً وثمود.
    وقوله: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ} وهم هود وصالح من بين أيديهم ومن خلفهم كناية أن الرسول بلغهم دعوة الله لهم إلى الإيمان والتوحيد بعناية فائقة فكان يأتيهم من أمامهم ومن خلفهم يدعوهم، قائلاً لهم: لا تعبدوا (3) إلا الله فإنه الإله الحق وما عداه فباطل فكان جوابهم لهم لا نؤمن لكم ولا نقبل منكم ولو شاء (4) الله ما تقولون لنا لأنزل به ملائكة يدعوننا إليه لا أن يرسل مثلكم من البشر وأخيرا قالوا لهم فإننا بما أرسلتم به كافرون فأيأسوا الرسل من إجابتهم. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (12) والثانية (13) وفي الآية الثالثة (14) بين تعالى حال القوم كلاً على حدة فقال فأما عاد أي قوم (5) هود فاستكبروا في الأرض بغير الحق فحملهم الكبر الناجم عن القوة
    المادية على رفض دعوة هود عليه السلام وقالوا فيه وفي دعوته الكثير وقد مر في سورة هود ويأتي في سورة الأحقاف مفصلاً ما أجمل هنا، وقوله بغير الحق أي أن استكبارهم لا حق لهم فيه أولا لضعفهم أمام قوة الله عز وجل، وثانيا لم يأذن الله تعالى لهم بالاستكبار فهو بغير حق إذاً. وقوله: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ (6) ُ مِنَّا قُوَّةً} وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان، ولذا تحداهم الله تعالى بالقوة فقال عز وجل أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعموا ولم يروا أن الله الذي خلقهم قطعاً هو أشد منهم قوة. إذ كل قوة لهم مصدرها الله هو خالقهم وواهب القوة لهم، فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يُخلق أحدهم وهو لا يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه وقوله: {وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} هذا تسجيل عليهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات الله التي جاء بها رسول الله هود عليه السلام كما جحدت قريش آيات الله، وقوله تعالى فأرسلنا عليهم أي بمجرد أن تأكد كفرهم بجحودهم بآيات الله أرسل الله تعالى عليهم ريحاً صرصرا (7) أي باردة ذات صوت مزعج دامت سبع ليال وثمانية أيام فل تبق منهم أحداً وهي أيام نحسات (8) عليهم مشئومات قال تعالى لنذيقهم أي أرسلناها عليهم لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا. ولعذاب الآخرة أخزى أي أشد خزيا وإهانة لهم وذلة، وهم لا ينصرون أي لا ناصر لهم من الله عز وجل. هذا بيان حال عاد. وأما ثمود (9) فقد قال تعالى وأما ثمود قوم صالح فاستحبوا الضلال على الهدى والكفر على الإيمان وقتلوا الناقة وهمّوا بقتل صالح فأخذتهم صاعقة العذاب الهون وذلك صباح السبت فأخذتهم صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم، وذلك بما كانوا يكسبون من الشرك والظلم والكفر والعناد. ونجّى الله تعالى صالحاً ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والمعاصي وكانوا أربعة آلاف مؤمن ومؤمنة وهو معنى قوله تعالى في ختام الحديث: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من الإعراض عن إجابة دعوة الحق، والاستمرار في التمرد والعصيان.
    2- تقرير التوحيد وهو أن لا إله إلا الله.
    3- دعوة الرسل واحدة وهي الأمر بالكفر بالطاغوت، والإيمان بالله وعبادته وحده بما شرع للناس من عبادات.
    4- التنديد بالاستكبار وأنه سبب الكفر والعصيان.
    5- لا مصيبة إلا بذنب "بما كانوا يكسبون (10) " أي من الذنوب.
    6- الإيمان والتقوى هما سبيل النجاة من العذاب في الدنيا والآخرة وهما ركنا ولاية الله تعالى لقوله ألا إن أولياء (11) الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون.
    __________

    1- أي استمروا على إعراضهم بعد دعوتك إياهم وإلحاحك فيها.
    2- الصاعقة حقيقتها أنها نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيدة السريعة الإهلاك.
    3- جملة ألا تعبدوا إلا الله تفسير لجملة وجاءتهم الرسل.
    4- هذا قول عاد وثمود لرسوليهم هود وصالح فحكى بهذا اللفظ.
    5- لما حكى الله تعالى قولتي عاد وثمود لرسوليهم وهو قولهم لو شاء الله لأنزل ملائكة فصّل في هذه الآيات حال كل من القبيلتين إتماماً للتذكير بحالهما والموعظة بالعذاب الذي أصابهما فقال فأما عاد.. الخ.
    6- وهذا اغترار بقوة أجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب.
    7- أصلها من صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل نحو كبكبوا أصلها كببوا وتجفجف الثوب أصلها تجفف والصرصر هي الشديدة البرودة قال الحطيئة:
    المطعمون إذا هبت بصرصرة
    الحاملون إذا استودوا على الناس
    ومعنى استودوا إذا سئلوا الدية.
    8- قرأ نافع بسكون الحاء ويجوز كسرها وبه قرأ حفص على أنه صفة مشبهة من نحس إذا أصابه النحس إصابة سوء أو ضر والنحسات بسكون الحاء جمع نحس.
    9- شروع في تفصيل حال ثمود بعد عاد والهداية التي كانت لهم هداية إرشاد وتكليف بواسطة رسولهم صالح وما آتاهم الله من معجزة الناقة العظيمة.
    10- أي لقوله تعالى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون أي بسبب كسبهم السيئات.
    11- الآية من سورة يونس عليه السلام.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #757
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (3)
    الحلقة (752)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 570الى صــــ 574)

    وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
    شرح الكلمات:
    فهم يوزعون: أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم ليساقوا إلى النار مجتمعين.
    حتى إذا ما جاءوها: أي حتى إذا جاءوها أي النار.
    بما كانوا يعملون: من الذنوب والمعاصي.
    وهو خلقكم أول مرة: أي بدأ خلقكم في الدنيا فخلقكم ثم أماتكم ثم أحياكم.
    وما كنتم تستترون: أي عند ارتكابكم الفواحش والذنوب أي تستخفون من أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم فتتركوا الفواحش والذنوب.
    ولكن ظننتم أن الله لا يعلم: أي ولكن عند ارتكابكم الفواحش ظننتم أن الله لا يعلم ذلك منكم.
    أرداكم: أي أهلككم.
    فإن يصبروا فالنار مثوى لهم: أي فإن صبروا على العذاب فالنار مثوى أي مأوى لهم.
    وإن يستعتبوا: أي يطلبوا العتبى وهي الرضا فلا يعتبون أي لا يرضى عنهم هذه حالهم أبدا.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في دعوة قريش إلى أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وفي هذا السياق عرض لمشهد من مشاهد القيامة وهو مشهد حيٌّ رائع يعرض أمامهم.
    إذ يقول تعالى: {وَيَوْمَ (1) يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ} أي اذكر لهم يوم يحشر أعداء الله أي الذين كفروا به فلم يؤمنوا ولم يتقوا؛ إلى النار فهم يوزعون يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيساقون مع بعضهم بعضاً. حتى (2) إذا ما جاءوها أي انتهوا إليها، وادعوا أنهم مظلومون وأخذوا يتنصّلون من ذنوبهم، وقالوا إنه لا يقبلون شاهداً من غير أنفسهم فيأمر الله تعالى أسماعهم وأبصارهم وجلودهم فتشهد عليهم بما كانوا يعملون، وهو قوله تعالى: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهنا رجعوا إلى جلودهم يلومون عليهم ويعتبون وهو ما أخبر تعالى به في قوله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ (3) عَلَيْنَا} فأجابتهم جلودهم بما أخبر تعالى عنهم في هذا السياق {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي النشأة الأولى في الدنيا ثم أماتكم ثم أحياكم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وها أنتم قد رجعتم فالقادر على هذا كله قادر على أن ينطقنا وعلى كل شيء أراد إنطاقه، وقوله {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (4) أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أي وما كنتم تستخفون فتتركوا محارم الله بل كنتم تجاهرون بذلك لعدم إيمانكم بالبعث والجزاء {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} وهو ظن سيء {أَرْدَاكُمْ} أي أهلككم {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وهذا هو الخسران المبين وقوله تعالى في الآية الأخيرة من هذا السياق (23) فإن يصبروا أي أعداء الله الذين شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم فالنار مثوى أي مأوى لهم لا يخرجون منها أبداً. وإن يستعتبوا أي يطلبوا العتبى أي الرضا فيرضى عنهم فيدخلوا الجنة {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أي فما هو بحاصل لهم أبداً فهم إذاً بشرِّ التقديرين والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض مفصل بحال أهل النار فيها.
    2- التحذير من فعل الفواحش وكبائر الذنوب فإن جوارح المرء تشهد عليه.
    3- التحذير من سوء الظن بالله تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن الله لا يطلع عليه. أو لا يعلم ما يرتكبه، أو أنه لا يحاسبه أو لا يجزيه.
    4- وجوب حسن الظن بالله تعالى وهو أن يرجو أن يغفر الله له إذا تاب من زلة زلها، وأن يرجو رحمته وعفوه إذا كان في حال العجز عن الطاعات ولا سيما عند العجز عن العمل للمرض والضعف كالكبر ونحوه فيغلب جانب الرجاء على جانب الخوف.
    __________

    1- يحشرون إلى النار أي يجمعون ويساقون إليها.
    2- حرف ابتداء في اللفظ أي أن ما بعدها جملة مستأنفة إلا أنها تفيد معنى الغاية "وما" في ما جاءوها مزيدة للتوكيد.
    3- شهادة جلودهم وجوارحهم عليهم هي شهادة تكذيب وافتضاح وإلا إدانتهم متحققة بصحائف أعمالهم وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغة جمع العقلاء لأن التحاور معهم أنزلهم منزلة العقلاء.
    4- في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الآية وهي أن عبد الله بن مسعود قال كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. قال عبد الله فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى {وما كنتم تستترون} الخ..

    ****************************** *
    وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
    شرح الكلمات:
    وقيضنا لهم قرناء: أي وبعثنا لكفار مكة المعرضين قرناء من الشياطين.
    فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم: أي حسنوا لهم الكفر والشرك، وإنكار البعث والجزاء.
    وحق عليهم القول في أمم قد خلت: أي وجب لهم العذاب في أمم مضت قبلهم من الجن والإنس.
    والغوا فيه لعلكم تغلبون: أي الغطوا فيه بالباطل إذا سمعتم من يقرأه.
    ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون: أي بأقبح جزاء أعمالهم التي كانوا يعملون.
    أعداء الله: أي من كفروا به ولم يتقوه.
    أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس: أي إبليس من الجن، وقابيل بن آدم.
    نجعلهما تحت أقدامنا: أي في أسفل النار ليكونا من الأسفلين.
    معنى الآيات:
    ما زال السياق الكريم في دعوة المعرضين من كفار قريش، فقال تعالى: {وَقَيَّضْنَا (1) لَهُمْ} أي بعثنا لهم قرناء من الشياطين، وذلك بعد أن أصروا على الباطل والشر فخبثوا خبثاً سهّل لأخباث الجن الاقتران بهم فزينوا لهم الكفر والمعاصي القبيحة في الدنيا فها هم منغمسون فيها، كما زينوا لهم الكفر بالبعث والجزاء وإنكار الجنة والنار حتى لا يقصروا في الشر ولا يفعلوا الخير أبدا، وهو معنى قوله تعالى: {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} .
    قوله تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي بالعذاب {فِي أُمَمٍ (2) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} في حكم الله وقضائه بمقتضى سنة الله في الخسران. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (25) وهي قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}
    وقوله تعالى في الآية الثانية (26) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا (3) لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} يخبر تعالى عن أولئك المعرضين عن كفار قريش وأنهم قالوا لبعضهم بعضاً لا تسمعوا لهذا القرآن الذي يقرأه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا تتأثروا به، والغوا فيه أي الغطوا وصيحوا بكلام لهو وصفقوا وصفروا حتى لا يتأثر به من يسمعه من الناس لعلكم تغلبون رجاء أن تغلبوا محمداً على دينه فتبطلوه ويبقى دينكم. وهذا منتهى الكيد والمكر من أولئك المعرضين عن دعوة الإسلام.
    وكان رد الله تعالى على هذا المكر في الآية التالية (27) {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً} يخبر تعالى مؤكدا الخبر بأنه سيذيق الذين كفروا عذاباً شديداً وذلك يوم القيامة وليجزينهم أسوأ أي أقبح الذي كانوا يعملون أي يجزيهم بحسب أقبح سيئاتهم التي كانوا يعملون. ثم قال تعالى: ذلك الجزاء المتوعد به الذين كفروا هو جزاء أعداء الله الذين حاربوا رسوله ودعوته وحتى كتابه أيضاً. وذلك الجزاء هو النار لهم (4) فيها دار الخلد أي الإقامة الدائمة فيها جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون فلم يؤمنوا بها ولم يعملوا بما فيها وقوله تعالى في الآية (29) {وقال الذين كفروا} الآية
    يخبر تعالى عن الكافرين وهم في النار إذ يقولون ربنا أي يا ربنا أرنا اللذين (5) أضلانا من الجن والإنس أي اللذين كانا سببا في إضلالنا بتزيينهم لنا الباطل وتقبيحهم لنا الحق أرناهم نجعلهما تحت أقدامنا في النار ليكونا من الأسفلين (6) أي في الدرك الأسفل من النار إذ النار دركات واحدة تحت الأخرى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان سنة الله تعالى في العبد إذا أعرض عن الحق الذي هو الإسلام فخبث من جراء كسبه الشر والباطل وتوغله في الظلم والفساد يبعث الله تعالى عليه شيطاناً يكون قرينا له فيزين له كل قبيح، ويقبح له كل حسن.
    2- بيان ما كان المشركون يكيدون به الإسلام ويحاربونه به حتى باللغو عند قراءة القرآن حتى لا يسمع ولا يهتدى به.
    3- تقرير البعث والجزاء.
    4- بيان نقمة أهل النار على من كان سبباً في إضلالهم وإغوائهم، ومن سن لهم سنة شر يعملون بها كإبليس، وقابيل بن آدم عليه السلام إذ الأول سن كل شر والثاني سن سنة القتل ظلماً وعدواناً.
    __________

    1- قيضنا: أتحنا وهيّنا لهم قرناء أي شياطين يلازمونهم قد يكونون من الجن ومن الإنس إذ الشياطين من الجنسين.
    2- في أمم حال من الضمير في عليهم أي حق عليهم حالة كونهم في أمم أمثالهم قد سبقوهم والظرفية هنا مجازية بمعنى التبعيض أي هم من جملة أمم قد خلت من قبلهم قال الشاعر:
    إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو
    كا ففي آخرين قد أفكوا
    3- قال ابن عباس كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان أبو جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون لا تسمعوا له والغوا فيه فكانوا يأتون بالمكاء والصفير والصياح وفي الصحيح أنهم أخرجوا أبا بكر من مكة خوفاً أن يفتن أبناءهم ونساءهم بقراءته القرآن لرقة صوته وبكائه.
    4- دار الخلد هي النار نزلت النار منزل الظرف فكانت بذلك دار الخلد والخلد البقاء المؤبد في عالم الشقاء.
    5- أرنا أي عين لنا الذين أضلانا من الجن والإنس كناية عن إرادة الانتقام منهم بأن يطؤهم بأقدامهم انتقاماً منهم وتعذيباً لهم لأنهم كانوا السبب في شقوتهم قرأ الجمهور أرنا بكسر الراء وقرأ غيرهم بسكون الراء أرنا كما خففوا فخذ إلى فخذ بسكون الخاء.
    6- هذا التعليل أرادوا به التوطئة لاستجابة الله تعالى لما علموا من غضب الله تعالى فأرادوا أن يتوسلوا إليه تعالى بذلك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #758
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (4)
    الحلقة (753)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 575الى صــــ 579)

    إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)

    شرح الكلمات:
    قالوا ربنا الله: قالوا ذلك معلنين عن إيمانهم بأن الله هو ربهم الذي لا رب لهم غيره وألههم الذي لا إله لهم سواه.
    ثم استقاموا: أي ثبتوا على ذلك فلم يبدلوا ولم يغيروا ولم يتركوا عبادة الله بفعل الأوامر وترك النواهي.
    تتنزل عليهم الملائكة: أي عند الموت وعند الخروج من القبر بحيث تتلقاهم هناك.
    أن لا تخافوا ولا تحزنوا: أي بأن لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه فإنه رضوان الله وحمته ولا تحزنوا عما خلفتم رواءكم.
    نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة: أي فبحكم ولايتنا لكم في الدنيا والآخرة فلا تخافوا ولا تحزنوا.
    ولكم فيها ما تدعون: أي ولكم فيها ما تطلبون من سائر المشتهيات لكم.
    نزلا من غفور رحيم: أي رزقاً مهيأً لكم من فضل رب غفور رحيم.
    معنى الآيات:
    لما بين تعالى حال الكافرين في الدار الآخرة وهي أسوأ حال بين حال المؤمنين في الآخرة وهي أحسن حال وأطيب مآل فقال {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا (1) اللهُ} أي لا ربّ لنا غيره ولا إله لنا سواه، ثم استقاموا (2) فلم يشركوا به في عبادته أحداً فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي وماتوا على ذلك هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة أي تهبط عليهم وذلك عند الموت بأن تقول لهم لا تخافوا على ما أنتم مقدمون عليه من البرزخ والدار الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم وأبشروا (3) بالجنة دار السلام التي كنتم توعدونها في الكتاب وعلى لسان الرسول. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا إذ
    كنا نسددكم ونحفظكم من الوقوع في المعاصي، وفي الآخرة نستقبلكم عند الخروج من قبوركم حتى تدخلوا جنة ربكم. ولكم فيها أي في الجنة ما تشتهي أنفسكم من الملاذ ولكم فيها ما تدعون أي تطلبون مما ترغبون فيه وتشتهون. نزلا أي قرىً وضيافة من لدن ربّ غفور لكم رحيم بكم لا إله إلا هو ولا رب سواه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- فضل الإيمان والاستقامة عليه بأداء الفرائض واجتناب النواهي.
    2- بشرى أهل الإيمان والاستقامة عند الموت بالجنة وهؤلاء هم أولياء الله المؤمنون المتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وهي هذه وفي الآخرة عند خروجهم من قبورهم.
    3- في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولأحدهم كل ما يطلبه ويدعيه وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم وتلقي التحية منه والتسليم.
    __________

    1- في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك وفي رواية غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم وزاد الترمذي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال فأخذ بلسان نفسه وقال هذا.
    2- ذكر القرطبي في تفسير الاستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف، ثم قال وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها "اعتدلوا على طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً وداوموا على ذلك".
    3- قال وكيع وابن أبي زيد البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وشاهد هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس ذلك كراهة الموت ولكن المؤمن إذا حُضِر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون لقي الله تعالى فأحب الله لقاءه قال وإن الفاجر والكافر إذا حُضِر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه قال ابن كثير وهذا حديث صحيح وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه.

    ****************************** *
    وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
    شرح الكلمات:
    ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله: أي لا أحد أحسن قولا منه أي ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته.
    وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين: وعمل صالحاً وهي شرط أيضاً وقال إنني من المسلمين شرط ثالث.
    ولا تستوي الحسنة ولا السيئة: أي لا تكون الحسنة كالسيئة ولا السيئة كالحسنة.
    ادفع بالتي هي أحسن: أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي هي أحسن كالغضب بالرضى، والقطيعة بالصلة.
    كأنه ولي حميم: أي كأنه صديق قريب في محبته لك إذا فعلت ذلك.
    وما يلقاها إلا الذين صبروا: أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي أحسن.
    إلا ذو حظ عظيم: أي ثواب عظيم وأجر جزيل هذا في الآخرة وأما في الدنيا فالخلق الحسن والكمال.
    وإما ينزغنك من الشيطان نزغ: أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك خير أو فعل شر.
    فاستعذ بالله: أي فاستجر بالله قائلاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    إنه هو السميع العليم: أي هو تعالى السميع لأقوال عباده العليم بما يصيبهم وينزل بهم.
    معنى الآيات:
    لما ذكر تعالى بشرى أهل الإيمان وصالح الأعمال ذكر هنا بشرى ثانية لهم أيضاً فقال: {وَمَنْ (1) أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} هذه ثلاثة شروط الأول دعوته إلى الله تعالى بأن يعبد فيطاع ولا يعص ويذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر والثاني وعمل صالحاً فأدى الفرائض واجتنب المحارم، والثالث وفاخر بالإسلام معتزا به وقال إنني من المسلمين، فلا أحد أحسن قولاً من هذا الذي ذكرت شروط كماله، ويدخل في هذا أولا الرسل، وثانياً العلماء، وثالثاً المجاهدون ورابعاً المؤذنون وخامساً الدعاة الهداة المهديون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (23) . وقوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} هذا تقرير إلهي يجب أن يعلم وهو أن الحسنة لا تستوي (2) مع السيئة وأن السيئة لا تستوي مع الحسنة فالإيمان لا يساوى بالكفر، والتقوى لا يساوى بالفجور، والعدل لا يساوى بالظلم.
    كما أن جنس الحسنات لا يتساوى، وجنس السيئات لا يتساوى بل يتفاضل فصيام رمضان لا يساوى بصيام رجب أو محرم تطوعاً، وسيئة قتل المؤمن لا تستوي مع شتمه أو ضربه وقوله
    تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) } أي بعد أن عرفت يا رسولنا عدم تساوي الحسنة مع السيئة إذاً فادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن من غيرها فإذا الذي (4) بينك وبينه عداوة قد انقلب في بره بك واحترامه لك واحتفائه بك كأنه ابن عم لك يحبك ويحترمك ولما كانت هذه الخصلة وهي الدفع بالتي هي أحسن لا تتأتى إلا لذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا} أي وما يعطى هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فكان الصبر خلقاً من أخلاقهم {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} في الأخلاق والكمال النفسي، في الدنيا، والآخرة والأجر العظيم وهو الجنة في الآخرة.
    وقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ (5) بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يرشد الرب تعالى عبده ورسوله وكل فرد من أفراد أمته إن نزغه من الشيطان نزغ بأن وسوس له بفعل شر أو ترك خير، أو خطر له خاطر سوء أن يفزع إلى الله تعالى يستجير به فإن الله تعالى هو السميع العليم فالاستجارة به من الشيطان تحمي العبد وتقيه من وسواس الشيطان وما يلقيه في النفس من خواطر سيئة، ولله الحمد والمنة على هذا الإرشاد الرباني الذي لا يستغني عنه أحد من عباده.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف الدعاة العاملين.
    2- فضل الإسلام والاعتزاز به والتفاخر الصادق به.
    3- تقرير أن الحسنة لا تتساوى مع السيئة. كما أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت.
    4- وجوب دفع السيئة من الأخ المسلم بالحسنة من القول والفعل.
    5- فضل العبد الذي يكمل في نفسه وخلقه فيصبح يدفع السيئة بالحسنة.
    6- وجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إذا وسوس أو ألقى بخاطر سوء إذ لا يقي منه ولا يحفظ إلا الله السميع العليم.
    __________

    1- يدخل في هذه الآية دخولاً أولياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ هو أحق وأجدر وهي نازلة فيه رداً على الذين يلغون في القرآن عند سماعه وهي تتناول كل مؤمن متصف بهذه الصفات المعبر عنها في التفسير بالشروط.
    2- لا في قوله ولا السيئة صلة زيدت للتأكيد إذ الأصل ولا تستوي الحسنة والسيئة وشاهدها قول الشاعر:
    ما كان يرضى رسول الله فعلهم
    والطيبان أبو بكر ولا عمر
    3- قال ابن عباس ادفع بحملك جهل من يجعل عليك. وقيل أيضا هو الرجل يسب الرجل فيقول المسبوب إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر لك وقال مجاهد أن يسلم المرء على من يعاديه إذا لقيه فهو معنى (بالتي هي أحسن) .
    4- قال ابن عباس في هذه الآية ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله ولي حميم أمره الله تعالى بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وهو كما قال رضي الله عنه.
    5- فائدة الاستعاذة بالنسبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تجديد داعيه العصمة المركوزة في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للنعمة وصقل النفس مما يغان على القلب كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة".

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #759
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (5)
    الحلقة (754)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 579الى صــــ 583)

    وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
    شرح الكلمات:
    ومن آياته: أي من جملة آياته الدالة على ألوهية الرب تعالى وحده.
    الليل والنهار: أي وجود الليل والنهار والشمس والقمر.
    لا تسجدوا للشمس ولا للقمر: أي لا تعبدوا الشمس ولا القمر فإنهما من جملة مخلوقاته الدالة عليه.
    إن كنتم إياه تعبدون: أي إن كنتم حقاً تريدون عبادته فاعبدوه وحده فإن العبادة لا تصلح لغيره.
    فالذين عند ربك: أي الملائكة.
    وهم لا يسأمون: أي لا يملون من عبادته ولا يكلون.
    ترى الأرض خاشعة: يابسة جامدة لا نبات فيها ولا حياة.
    اهتزت وربت: أي تحركت، وانتفخت وظهر النبات فيها.
    إن الذي أحياها لمحيي الموتى: أي إن الذي أحيا الأرض قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي ومن جملة آياته العديدة الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته والموجبة للإيمان به وعبادته وتوحيده، الليل والنهار وتعاقبهما وانتظام ذلك بينهما فليس الليل سابق النهار، وكذا الشمس والقمر خلقهما وسيرهما في فلكيهما بانتظام ودقة فائقة وحساب دقيق وعليه فلا تسجدوا (1) للشمس ولا القمر أيها الناس فإنهما مخلوقان من جملة المخلوقات، ولكن اسجدوا لخالقهما إن كنتم إياه تعبدون (2) كما تزعمون. ثم قال تعالى لرسوله: فإن أبوا أن يستجيبوا لك ويسمعوا منك ما قلت لهم مستكبرين فاعلم أن الذين عند ربك وهم الملائكة يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون من ذلك ولا يملون.
    وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أي علامات قدرته على إحياء الموتى (3) للبعث والجزاء إنك أيها الإنسان ترى الأرض أيام المحل والجدب هامدة جامدة لا حركة لها فإذا أنزل الله تعالى عليها ماء المطر اهتزت وربت أي تحركت تربتها وانتفخت وعلاها النبات وظهرت فيها الحياة كذلك إذا أراد الله إحياء الموتى أنزل عليهم ماء من السماء وذلك بين النفختين نفخة الفناء ونفخة البعث فينبتون كما ينبت البقل وقوله: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ} تعالى على فعل كل شيء وأراده قدير لا يمتنع عنه ولا يعجزه، وكيف لا، وهو إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تقرير التوحيد بالأدلة القطعية الموجبة لله العبادة دون غيره من خلقه.
    2- بيان أن هناك من الناس من يعبدون الشمس ويسجدون لها من العرب والعجم وأن ذلك شرك باطل فالعبادة لا تكون للمخلوقات الخاضعة في حياتها للخالق وإنما تكون لخالقهما ومسخرها لمنافع خلقه.
    3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر دليل من أظهر الأدلة وهو موت الأرض بالجدب ثم حياتهابالغيث، إذ لا فرق بين حياة النبات والأشجار في الأرض بالماء وبين حياة الإنسان بالماء كذلك في الأرض بعد تهيئة الفرصة لذلك بعد نفخة الفناء ومضي أربعين عاماً عليها ينزل من السماء ماء فيحيا الناس وينبتون من عجب الذنب كما ينبت النبات، بالبذرة الكامنة في التربة.
    1- تقرير قدرة الله على كل شيء أراده، وهذه الصفة خاصة به تعالى موجبة لعبادته وطاعته. بعد الإيمان به وتأليهه.
    __________

    1- لا شك أن هناك من كان يسجد للشمس في بلاد العرب ففي اليمن كانوا يعبدون الشمس على عهد ملكة سبأ لقوله تعالى على لسان الهدهد {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله} ووجد في أصنام قريش صنم يقال له شمس ولذا سموا عبد شمس.
    2- لا شك أن هنا سجدة من عزائم السجدات إلا أنهم اختلفوا في موضع السجود فمالك يرى أنه يسجد عند قوله {إن كنتم إياه تعبدون} والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم يرى السجود عند {وهم لا يسأمون} والأمر واسع ففي أي الموضعين سجد أجزأ والحمد لله.
    3- في الآية تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير عقيدة الألوهية وسيأتي في الآيات بعد تقرير النبوة المحمدية وهذه أعظم أركان العقيدة الإسلامية. التوحيد البعث والجزاء والنبوة وباقي أركان العقيدة تابعة لهذه الأركان العظيمة.

    ****************************** **
    إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
    شرح الكلمات:
    يلحدون في آيات الله: أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤولونها على غير تأويلها لإبطال حق أو إحقاق باطل.
    لا يخفون علينا: أي إنهم مكشوفون أمامنا وسوف نبطش بهم جزاء إلحادهم.
    أم من يأتي آمنا يوم القيامة: أي نعم الذي يأتي آمنا يوم القيامة خير ممن يلقى في النار.
    اعملوا ما شئتم: هذا تهديد لهم على إلحادهم وليس إذناً لهم في العمل كما شاءوا.
    إن الذين كفروا بالذكر: أي جحدوا بالقرآن أو ألحدوا فيه فكفروا بذلك.
    وإنه لكتاب عزيز: أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع لا يقدَر على الزيادة فيه ولا النقص منه.
    لا يأتيه الباطل من بين يديه: أي لا يقدر شيطان من الجن والإنس أن يزيد فيه شيئاً وهذا معنى من بين يديه.
    ولا من خلفه: أي ولا يقدر شيطان من الجن والإنس أن ينقص منه شيئا
    وهذا معنى من خلفه، كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه، ولا بعده كتاب ينسخه، فهو كله حق وصدق ليس فيه ما لا يطابق الواقع.
    معنى الآيات:
    يتوعد الجبار عز وجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم لا يخفون عليه، وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم.
    وقوله: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إذا كان لا يوجد عاقل يقول الذي يلقى النار خير ممن يأتي آمناً يوم القيامة فالإلقاء في النار سببه الكفر والإلحاد والباطل فليترك هذه من أراد النجاة من النار، والأمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه الإيمان والتوحيد فليؤمن ويوحد الله تعالى في عبادته ولا يلحد في آياته من أراد الأمن يوم القيامة بعلمه أنه خير من الإلقاء في النار. هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم.
    وقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ (1) إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ (2) بَصِيرٌ} هذا الكلام يقال للمستهزئين بالأحكام الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذناً وإباحةً لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل والشرك والشر، ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير.
    ومثله قوله {إِنَّ الَّذِينَ (3) كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} أي القرآن، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (4) أي منيع بعيد المنال لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير.
    ولما كان المراد من هذا الكلام التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له. وقد يقدر لنفعلن بهم كذا كذا ...
    وقوله {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي القرآن المنيع كماله وشرفه ومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلائه ونعمه.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- حرمة الإلحاد في آيات الله بالميل بها عن القصد والخروج بها إلى الباطل.
    2- التهديد الشديد لكل من يحرف آيات الله أو يؤولها على غير مراد الله منها.
    3- تقرير مناعة القرآن وحفظ الله تعالى له، وأنه لا يدخله النقص (4) ولا الزيادة إلى أن يرفعه الله إليه إذ منه بدأ وإليه يعود.
    __________

    1- الأمر هنا ليس للإباحة وإنما هو للتهديد كما في التفسير.
    2- قوله {إنه بما تعملون بصير} الجملة تعليلية متضمنة الوعيد والتهديد فهي مؤكدة لما تضمنه قوله تعالى {اعملوا ما شئتم} من التهديد.
    3- الخبر مقدر تقديره: هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير الخبر حسن.
    4- تضمنت الآية ست صفات للقرآن العظيم هي كالتالي: أنه ذكرٌ يذكر الناس بما يغفلون عنه. أنه ذكرٌ للعرب أي شرف لهم كقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} أنه كتاب عزيز والعزيز النفيس والمنيع أيضا إذ عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثله أنه لا يتطرق إليه الباطل ولايخالطه بحال أنه مشتمل على الحكمة وهو حكيم وذو حكمة وحاكم أيضا وأنه تنزيل من حميد والحميد المحمود حمداً كثيرا.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #760
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة فصلت - (6)
    الحلقة (755)
    سورة فصلت
    مكية
    وآياتها أربع وخمسون آية

    المجلد الرابع (صـــــــ 584الى صــــ 588)

    مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
    شرح الكلمات:
    ما يقال لك: أي من التكذيب أيها الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إلا ما قد قيل للرسل من قبلك: أي من التكذيب لهم والكذب عليهم.
    إن ربك لذو مغفرة: أي ذو مغفرة واسعة تشمل كل تائب إليه صادق في توبته.
    وذو عقاب أليم: أي معاقبة شديدة ذات ألم موجع للمصرين على الكفر والباطل.
    ولو جعلناه قرآنا أعجمياً: أي القرآن كما اقترحوا إذ قالوا: هلا أنزل القرآن بلغة العجم.
    لقالوا: لولا فصلت آياته: أي بينت حتى نفهمها.
    أأعجمي وعربي: أي أقرآن أعجمي والمنزل عليه وهو النبي عربي يستنكرون ذلك تعنتاً منهم وعناداً ومجاحدة.
    هدى وشفاء: أي هدى من الضلالة، وشفاء من داء الجهل وما يسببه من أمراض.
    والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر: أي ثقل فهم لا يسمعونه وهو عليهم عمى فلا يفهمونه.
    أولئك ينادون من مكان بعيد: والمنادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى له.
    ولقد آتينا موسى الكتاب: أي التوراة.
    فاختلف فيه: أي بالتصديق والتكذيب في العمل ببعض ما فيه وترك البعض الآخر كما هي الحال في القرآن الكريم.
    ولولا كلمة سبقت من ربك: أي ولولا الوعد بجمع الناس ليوم القيامة وحسابهم ومجازاتهم هناك.
    لقضي بينهم: أي لحكم بين المختلفين اليوم وأكرم الصادقون وأهين الكاذبون.
    وما ربك بظلام للعبيد: أي وليس ربك يا رسولنا بذي ظلم للعبيد.
    معنى الآيات:
    بعد توالي الآيات الهادية من الضلالة الموجبة للإيمان كفار قريش لا يزيدهم ذلك إلا عناداً وإصراراً على تكذيب الرسول والكفر به وبما جاء به من عند ربه، ولما كان الرسول بشراً يحتاج إلى عون حتى يصبر أنزل تعالى هذه الآيات في تسليته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الثبات والصبر فقال
    تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ} (1) يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك. وقوله تعالى: إن ربك لذو مغفرة أي لمن تاب فلذا لا يتعجل بإهلاك المكذبين رجاء أن يتوبوا ويؤمنوا ويوحدوا، وذو عقاب أليم أي موجع شديد لمن مات على كفره.
    وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً} أي كما اقترح بعض المشركين، لقالوا: {لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي هلاّ بينت آياته لنا حتى نفهمها، ثم قالوا: {أَأَعْجَمِيٌّ (2) وَعَرَبِيٌّ} أي أقرآن أعجمي (3) ونبي عربي مستنكرين ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الإصرار على عدم الإيمان بالقرآن الكريم والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم.
    ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم قل هو أي القرآن الكريم هدى وشفاء (4) هدى يهتدى به إلى سبيل السعادة الكمال والنجاح، وشفاء من أمراض الشك والشرك والنفاق والعجب والرياء والحسد والكبر، والذين لا يؤمنون بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً هو أي القرآن في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك ينادون من مكان بعيد ولذا فهم لا يسمعون ولا يفهمون.
    هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم المصدق ومنهم المكذب، ومنهم العامل بما فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه الذي أغواه وقوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ (5) مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فيما اختلفوا فيه لحكم لأهل الصدق بالنجاة وأهل الكذب بالهلاك والخسران وقوله: إنهم لفي شك منه أي من القرآن مريب أي موقع في الريبة وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحاً في حياته بعد الإيمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون سواه، ومن أساء أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام فعلى نفسه عائد سوءه الذي عمله ولا يعود على غيره، وأخرى في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد (6) أي ليس هو تعالى بذي ظلم لعباده. فقوله تعالى من عمل صالحاً فلنفسه عائد ذلك ومن أساء فعليها أي عائد الإساءة إن فيه لتسلية لكل من أراد أن يتسلى ويصبر.
    هداية الآيات
    من هداية الآيات:

    1- تسلية الرسول أي حمله على الصبر والسلوان ليواصل دعوته إلى نهايتها.
    2- بيان مدى ما كان عليه المشركون من التكذيب للرسول والمعاندة والمجاحدة.
    3- القرآن دواء وشفاء لأهل الإيمان، وأهل الكفر فهم على العكس من أهل الإيمان.
    4- بيان سنة الله في الأمم السابقة في اختلافها على أنبيائها وما جاءتها به من الهدى والنور.
    5- قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ} أجري مجرى المثل عند العالمين.
    6- نفي الظلم عن الله مطلقاً (7) .
    __________

    1- الجملة مستأنفة استئنافا بيانياً فهي جواب لسؤال يثيره قوله تعالى {إن الذي يلحدون في آياتنا} الخ.
    2- في الآية إشارة واضحة إلى عموم رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    3- معنى قرآناً كتاباً مقروءاً إذ ورد في الحديث الصحيح تسمية الزبور قرآناً بمعنى يقرأ ويكتب إذ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن داود يسر له القرآن فكان يقرأ القرآن كله "الزبور" في حين يسرج له فرسه".
    4- حقيقة الشفاء زوال المرض وهو هنا مستعار للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء.
    5- فيه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تكذيب المشركين وكفرهم بالقرآن بأنه ليس بأوحد في ذلك فقد أوتي الكتاب فاختلف فيه بالتصديق والتكذيب والعمل والترك
    6- المراد بنفي الظلم من الله للعبيد أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم، لأنه تعالى لما وضع الشرائع وأرسل الرسل صار وذلك قانوناً فمن تعداه مهملا له معرضا عنه فقد استوجب العذاب وتعذيبه عدل وليس بظلم.
    7- فقد روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. وأيضا فالله هو الملك وهل ما يفعله الملك العليم الرحيم العادل في ملكه وعبيده يقال له ظلم؟ والجواب لا.

    *************************

    الجزء الخامس والعشرون
    إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
    إليه يرد علم الساعة (1) : أي إلى الله يرد علم الساعة أي متى تقوم إذ لا يعلمها إلا هو.
    شرح الكلمات
    وما تخرج من ثمرات من أكمامها: أي من أوعيتها واحد الأكمام كِمّ وكم الثوب مخرج اليد.
    وما تحمل من أنثى: أي من أي جنس كان إنساناً أو حيواناً.
    ولا تضع إلا بعلمه: أي ولا تضع حملهما إلا ملابسا بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
    قالوا آذناك: أي أعلمناك الآن.
    ما منا من شهيد: أي ليس منا من يشهد بأن لك شريكاً أبداً.
    وظنوا ما لهم من محيص: أي أيقنوا أنه مالهم من مهرب من العذاب.
    معنى الآيات:
    يخبر تعالى أن علم الغيب انحصر فيه فليس لأحد من خلقه علم الغيب وخاصة علم الساعة أي علم قيامها متى تقوم؟ كما أخبر عن واسع علمه وأنه محيط بكل الكائنات فما تخرج من ثمرة من كمها (2) وعائها وتظهر منه إلا يعلمها على كثرة الثمار والأشجار ذات الأكمام، وما تحمل (3) من أنثى بجنين ولا تضعه يوم ولادته أو إسقاطه إلا يعلمه أي يتم ذلك بحسب علمه تعالى وإذنه، وهذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية فلا إله غيره ولا رب سواه، ومع هذا فالجاهلون يتخذون له شركاء أنداداً من أحجار وأوثان يعبدونها معه ظلماً وسفها. {وَيَوْمَ (4) يُنَادِيهِمْ} وذلك يوم القيامة {أَيْنَ شُرَكَائِي} ؟ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، فيتبرءون منهم ويقولون: آذناك
    أعلمناك الآن أنه ما منا من شهيد يشهد بأن لك شريكاً إنه لا شريك لك وضل عنهم أي غاب عنهم ما كانوا يدعون من قبل في الدنيا، وظنوا أيقنوا ما لهم من محيص أي مهرب من عذاب الله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- استئثار الله تعالى بعلم الغيب وخاصة علم متى تقوم الساعة.
    2- إحاطة علم الله تعالى بكل شيء فما تخرج من ثمرة من أوعيتها ولا تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلم الله تعالى وإذنه.
    3- براءة المشركين يوم القيامة من شركهم، وغياب شركائهم عنهم.
    __________

    1- روي أن المشركين قالوا يا محمد إن كنت نبياً فاخبرنا متى قيام الساعة فنزلت {إليه يرد علم الساعة} والرد الإرجاع.
    2- الأكمام جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم والكمة بضم الكاف والتأنيث مثله وهو الجف وكفرى الطلع يقال له كفه.
    3- فهذه ثلاثة أمور وجب رد علمها إلى الله تعالى الأول علم ما تخرجه أكمام النخل من الثمر بقدره وجودته وثباته وسقوطه والثاني حمل الأنثى من الناس والحيوان والتي تلقح والتي لا تلقح، والثالث وقت وضع الأجنة فهذه وجب رد علمها إلى الله تعالى إذ لا يعلمها إلا هو كسائر الغيوب.
    4- ويوم يناديهم: متعلق بمحذوف تقديره اذكر يوم يناديهم، لما سألوا عن الساعة أعلمهم أن أمر علم وقتها مرده إلى الله وحده فناسب ذكر بعض أحداثها فذكر لهم ذلك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •