تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 13 من 45 الأولىالأولى ... 34567891011121314151617181920212223 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 260 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #241
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (16)
    الحلقة (240)

    تفسير سورة النساء (23)


    يقرر الله عز وجل في كتابه الكريم مبدأ التوراث، وأن كل عبد من العباد جعل الله له ورثة يرثونه، من الآباء والأبناء والإخوان، وعلى هذا فعلى الإنسان أن يطلب الرزق ويجمع الأموال من وجهها الشرعي الذي أحله الله، ثم بعد ذلك إذا مات وزعت تركته على ورثته الشرعيين، وقصر ذلك عليهم، وبين أنه سبحانه شهيد على ذلك لما جلت عليه النفوس من حب المال والتشوف إليه، واحتمال وقوع الظلم في تقسيمه.
    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدها في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، الحمد لله على إفضاله وإنعامه.وها نحن مع سورة النساء ومع هاتين الآيتين الكريمتين أولاهما درسناها بالأمس وثانيتهما نتدارسها في ليلتنا هذه بإذن ربنا.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:32-33]. وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، أليس هذا نهي الله عز وجل، من الناهي سواه؟ من المنهي؟ نحن، ما المنهي عنه؟ الحسد، نهانا ربنا، وهو مولانا ومربينا ومزكي أنفسنا.. نهانا عن هذه الخصلة الذميمة التي غص بها ألا وهي: تمني زوال النعمة عن فلان لتحصل لفلان، الحسد داء الأمم، الحسود لا يسود، الحسود لا يسود أبداً؛ لأنه يعترض على الله في قسمته، في تدبيره في خلقه، والذي يعترض على الله له عقل؟ له وجه؟ له آدميه؟ يعترض على الحكيم العليم، الله يقسم فضله على عبيده وأنت تعترض، وتقول: هاه. لو كان كذا، ليتني كذا، الحسد إذا دب في أمة قضى على كمالها، لن تفلح، فلهذا أمرنا بأن نقاومه في أنفسنا، ولا نرضى به أبداً، نرى الغني الثري، السيد الشريف، العالم الحكيم، لا نتمنى أبداً زوال ذلك عنه، ولا يحملنا ذلك على بغضه، أو على الكيد له والمكر به، بل نقول: هذا فضل الله، ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، فإن كان الذي يتمناه الغافلون مما لا يعطى إلا بالكد والعمل يجب عليهم أن يعملوا ويكدوا ويواصلوا العمل؛ حتى يظفروا بمبتغاهم ويحصلوا على مطلبهم بإذن الله ربهم، بالكسب، وإن كان لا يكسب بل هو عطية الله فهذا التفكر فيه نقص كبير وعيب ومعرة.إذاً: بدل أن تشتغل بالتمني والتفكر اشتغل بما ينفعك ويزيل همك وكربك، وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32]، الذي لا يكتسب لا يغضب لشيء.وقال: اكتسبوا ، ولم يقل: كسبوا؛ لأن الاكتساب افتعال بالطلب وبذل الجهد والطاقة، أما الكسالى والصعاليك في الضلال وفي شوارع الأمة، يتحدثون ويريدون ويتمنون ويسألون أن يكونوا أغنياء وسعداء، وهذا متناف مع سنة الله عز وجل. لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32]، بأيديهم وعقولهم وأفكارهم وطاقاتهم وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32]، والله الذي يكسب، والله الذي يعطي.إذاً: فاسألوا الله من فضله، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] ، فإذا كان الأمر مرغوباً عندك محبوباً لديك اطلبه بوسائله، واسأل الله تعالى أن يوفقك لأقرب طريق وأسهل طريق حتى تظفر بهذا المرغوب، وإذا كان المسئول ما ينال بالطاقة وإنما ينال بفضل الله، فاسأل الله أن يرزقك الإيمان وصالح الأعمال، وأن يواكبك مع المتقين والصالحين، هذه هداية الله، هذا تدبير الله لأوليائه، بهذا طهر ذلك المجتمع الأولى، وساد وعز وكمل، ولما أعرضنا عن القرآن، وأدبرنا عنه، ونبذناه وراء ظهورنا، وقرأناه على موتانا، وحرمنا منه أحياءنا حصل الذي حصل من هذا الهم والغم والذل والهون والدون والكرب، أضف إلى ذلك ما عم البلاد من فسق وفجور وضلال وشرك وباطل؛ سببه إعراضنا عن هذه الهدايات الإلهية، أية أمة عندها هذا الكمال؟ وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ [النساء:32]، لحكمٍ عالية قد لا يتصورها: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32]، ما هو بالتمني والأحلام، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32]، بالعمل، ما هو باللسان والتمني.وأخيراً: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32]، بدل ما تشتغل بالحسد والهم والتفكر في أموال الناس وأعراضهم وحياتهم اسأل الله عز وجل وواصل الدعاء، اللهم إني أسألك من فضلك العظيم فإنه لا يملكه إلا أنت، هذه الدعوة مستجابة، وألح وكثر من الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء.ثم قال في هذا التعقيب أو التذييل: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32].انتبه! لا تظن أن ما يجري في داخل قلبك من خواطر وهواجس وتمنيات أنها تخفى على الله، والله لا يخفى عليه شيء، فهو بكل شيء عليم، وعليم فوق العلم، فلهذا اسألوه من فضله، وطهروا قلوبكم من الحسد والتمني الباطل واللهو وما لا فائدة منه إلا الهم في النفس والكرب فيها، وجدوا واجتهدوا واطلبوا ما تريدون أن تحصلوا عليه من طريق بينه الله ووضع خططه وأسسه تحصلون على المال أو الزوجة أو الولد مثلاً.
    تفسير قوله تعالى: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ...)
    يقول الله تعالى: وَلِكُلٍّ [النساء:33]، أي: ولكل منكم أيها الناس، ولكل من الرجال والنساء الذين يكسبون ويكتسبون لكل منهم، جَعَلْنَا مَوَالِيَ ، أي: ورثة، الموالي هنا الورثة الذين يرثونه، وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ [النساء:33]، أي: أقارب كأبناء العم والعمومة وما إلى ذلك مما ترك الوالدان والأقربون.هذه الآية تقرر مبدأ التوارث الذي تقدم في أول السورة. وَلِكُلٍّ [النساء:33]، أي: من الرجال والنساء، أو ولكل من الناس جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون، أي: ورثة مما تركه الوالدان وتركه الأقربون موالي يرثونه بعد موته، ومعنى هذا: أن الذي نطلبه من الدنيا ونكسبه سوف نتركه وراءنا وسوف نموت ويرثه ورثتنا، ما هو بدائم ولا باقٍ، اطلب الدنيا حسب البيان الإلهي.. اطلبها من أبوابها بدون تمنٍ ولا حسد، وإذا تجمعت الأموال عندك فاعلم أن الله عز وجل سوف يورثها مواليك. وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:33]، الوالدان: الأم والأب، والأقربون: كل الأقارب كما تقدم في يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، النسب والمصاهرة والولاء. وقوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33]، وفي قراءة سبعية: عاقدت ، كذلك، هنا شذ من رأى من أهل العلم أن المراد بهؤلاء هم الأزواج وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33]؛ لأنه إذا عقد النكاح تصافحوا، أما الجمهور من ابن جرير والصحابة والتابعين على أن هذا فيمن يحالف بعضهم بعضاً؛ إذ كانوا في الجاهلية يتحالفون يقول الرجل للرجل: هيا نتعاقد دمي دمك ومالي مالك وحياتي حياتك، ويتحالفان على ذلك، ويرثه إذا مات، ويرثه الأول إذا مات، جاء الإسلام فأبطل عام الفتح هذا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لا يزيده الإسلام إلا شدة وقوة )، لأنهم يتحالفون على التعاون على دفع الضرر والأذى، وعلى المساعدة المالية، وعلى المساعدة العقلية، جماعة مع جماعة، واحد مع آخر، يتعاقدون على أن يكونا كرجل واحد، إذا مرض أحدهما مرض الثاني، فأقر الله عز وجل هذا وأبطل الإرث، فالتحالف إذا كان قبل الإسلام يبقى في الرفادة والنصرة والوصية والنصيحة لكن في باب الإرث أبطله الله بقوله: وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأحزاب:6]، في التوارث أصحاب الأرحام وهم الأقرباء من نساء ورجال أولى بالوراثة فيما بينهم، أما المعقود له عهد وحلف فلا حق له في الإرث، لكن يوصي له من كان حالفه بوصية دون الثلث لا تزيد على الثلث، ينصره النصرة باقية، يساعده متى طلب المساعدة المالية، أو العقلية، لكن فقط التوارث لم يبق بالحلف والمؤاخاة، والمؤاخاة هذه أحدثها الإسلام بين المهاجرين والأنصار في بداية نزول المهاجرين إلى المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصاري والمهاجر على أن يتوارثا، إذا مات أحدهما ورثه الآخر، هذا التوارث بالهجرة ونسخ أيضاً، ومن باب أولى أن ينسخ التوارث بالتعاقد والتحالف فتأملوا! وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ [النساء:33]، أي: ورثة، مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، نصيبهم ، قال ابن جرير : من الرفادة والنصرة والعون لا من الإرث؛ لأن الإرث نسخ بآية أخرى في سورة الأحزاب وفي سورة الأنفال.أما إذا قلنا: عقدت أيمانكم في الزواج؛ فالزوجة تقدم أنها ترث الربع أو ترث الثمن، والزوج كذلك، فلا حاجة إلى بيان إرثها الآن، والصواب: أن هذا كان فيما تعارف عليه العرب في الجاهلية لا دولة ولا سلطان ولا ولا، يحتاج الإنسان إلى أن يتآخى مع آخر سواءً مزني أو جهني ؛ للقرب للمناسبة للقرية أنت أخي وأنا أخاك، حياتي حياتك وموتي موتك، وهكذا، فلما جاء الإسلام وأصاب العدل والأمن والطهر والصفاء ما هنالك حاجة إلى التحالف، أليس ذلك؟ وما كان من تحالف الرسول يقول: ( لا يزيده الإسلام إلا شدة وقوة )، فقط قضية الإرث أظهر الله أهلها وأبرزهم، فلم يبق مجال لمن حالفت أن يرثك، إن شئت وصي له بدون الثلث وصية، أما أن يرث الإرث، فهذا الأمر انتهى بآية الأحزاب والأنفال. وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، ما معنى عقدت أيمانكم ؟ الأيمان: جمع يمين بالتحالف يده في يده ويعاهده، فالعقد هذا يتم بالمصافحة ووضع اليمين على اليمين والحلف أيضاً.ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33]، هذه عندما تريدون أن تقسموا التركة أو تخرجوا الوصية اعلموا أن الله معكم، فلا حيف لا نقص ولا زيادة ولا تقديم ولا تأخير، اقسموا المال كما قسمه الله وإياكم أن تحلفوا أو تميلوا؛ فإن الله شهيد على ما تقسمون؛ لأن قسمة التركات قد تتطلع النفوس إلى الزيادة والنقصان فيها، وإلى إبعاد فلان وإدخال فلان، فكان الله العليم الحكيم يقول لهم: إِنَّ اللَّهَ كَانَ ، وما زال عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33]، حاضر يرى ويسمع؛ فإياكم أن تخفوا شيئاً أو تعطوا من لا يستحق العطاء.هذه التوجيهات أسألكم بالله لصالح من؟لصالح المؤمنين، عبيد الله وأولياؤه، هو الذي ينزل هذه الشرائع والأحكام من أجل إكمالنا وإسعادنا، ومع الأسف أعرضنا عن كتابنا.هيا نكرر هذا الشرح بتلاوته في الكتاب وتأملوا!
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات
    يقول الشارح غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:[ صح أو لم يصح ]، لماذا يقول: صح أو لم يصح؟ لأن المعنى صحيح وسليم، يبقى السند صح أو لم يصح غير مهم.[ صح أو لم يصح أن أمة أم سلمة رضي الله عنها قالت: (ليتنا كنا رجالاً فجاهدنا، وكان لنا مثل أجر الرجال؛ فإن الله سميع عليم].تمنت هذا، هو التمني، فنهانا الله عنه، وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، هذا مثال فقط.[ والذين يتمنون حسداً وغير حسد ما أكثرهم ومن هنا نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين عن تمني ما فضل الله تعالى به بعضهم على بعض فأعطى هذا وحرم ذاك؛ لحكم اقتضت ذلك ]، فالله لا يعطي فلاناً ويمنع فلاناً لا لشيء، والله بل لحكمة من أعلى الحكم.قال: [ لحكم اقتضت ذلك. ومن أظهرها الابتلاء بالشكر والصبر ] يجب أن لا ننسى هذا! فلان غني يرفل في الحرير، لماذا هذا؟ عللوا! أراد الله تعالى أن يختبره أيشكره أم يكفره؟ كيف يبتلي الله عز وجل؟ بهذا النوع، فلان منذ أن ظهر وهو فقير لاصق بالأرض لا يملك شيئاً، من فعل به هذا؟ الله، لماذا؟ ابتلاه؛ من أجل أن يرى صبره أو جزعه فيثيب الصابرين والشاكرين ويحرم الكافرين والجازعين.مرة ثانية: إن رأيت سليم البنية صحيح الجسم والعقل ماذا تقول؟ مبتلى وإلا لا؟ بماذا ابتلاه؟ بهذا العقل وهذه الصحة وهذا كذا، لم ابتلاه بهذا؟ الله حكيم أم لا؟ابتلاه من أجل أن يرى شكره أو كفره؛ فإن شكر زاده ورفعه، وإن كفر نعمة الله سلبها منه وآذاه، آخر مبتلى بالمرض بالفقر بالغربة بكذا، ابتلاه مولاه لم؟ليصبر أو يضجر ويجزع ويسخط على الله عز وجل.إذاً: ما منا والله إلا مبتلى، أما قال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]؟ أي نص أقوى من هذا؟ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ، أي: امتحاناً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، فلم يبق إذاً من معنى أبداً للتمني والحسد، أتعترض على الله؟ طبيب يعالج مريضاً بالإبرة والدواء وأنت تنكر عليه هذا، أما تستحي؟ ما هو شأنك.قال: [ ومن أظهر تلك الحكم الابتلاء بالشكر والصبر، فقال تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، أي: من علم أو مال أو صحة أو جاه أو سلطان ].تعرفون بعض إخوانكم إن لم نكن منهم يبغضون أهل الفضل، يحسدون إلى حد البغض، لا يرضون عنهم أبداً، ولا يفرحون بوجودهم. مرض نفسي!هذا هو الذي نهى الله عنه، هذا الغني زاده الله من أعطاه؟ أعطاه الله ربي وإلا لا؟ لماذا أعطاه وما أعطاني يبتليه؛ ليشكر أم يكفر.قال: [ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32] ، وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل، فليعمل من أراد الأجر والمثوبة بموجبات ذلك من الإيمان والعمل الصالح، ولا يتمنى ذلك تمنياً، وليكف عن الشرك والمعاصي من خاف العذاب والحرمان، ولا يتمنى النجاة تمنياً، كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسننه المنوطة به، ولا يتمنى فقط فإن التمني كما قيل: بضائع النوكى ]. التمني بضائع النوكى، البضائع: جمع بضاعة، سلعة، والنوكى: جمع أنوك، أحمق، التمني: سلعة الحمقى، فيه شيء؟ [ التمني بضائع النوكى أي: الحمقى، فلذا قال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا [النساء:32] ].ما قال: نصيب مما أعطيناهم.[ مما اكتسبوا. وَلِلنِّسَاءِ أيضاً: نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32]، فرد القضية إلى سنته فيها، وهي كسب الإنسان؛ كقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].ثم بيّن تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب: وهي دعاء الله تعالى فقال: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]، فمن سأل ربه وألح عليه موقناً بالإجابة أعطاه، فيوفقه للإتيان بالأسباب، ويصرف عنه الموانع، ويعطيه بغير سبب إن شاء، وهو على كل شيء قدير، بل ومن الأسباب المشروعة الدعاء والإخلاص فيه ].من الأسباب المشروعة للحصول على المطلوب والمرغوب: الدعاء مع الرجاء المتواصل، والاعتقاد بالاستجابة ومواصلة الدعاء، ما تدعو سنة وتقف، أو شهراً وتنتهي تقول: ما حصل لنا من هذا شيء، ( إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل )، يقول: آه دعوت وما استجاب لي، ( إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل ).قال: [ هذا ما تضمنته الآية الأولى.أما الآية الثانية وهي الثالثة والثلاثون، فإن الله تعالى يخبر مقرراً حكماً شرعياً قد تقدم في السياق: وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثونه إذا مات، فقال: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ [النساء:33] أي: أقارب يرثونه إذا مات؛ وذلك من النساء والرجال، أما الذين هم موالي بالحلف أو الإخاء والهجرة فقط، أي: ليسوا من أولي الأرحام فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة، وهي العون والمساعدة، والوصية لهم بشيء؛ إذ لا حظ لهم في الإرث، لقوله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] ].هذه الناسخة للتوارث بالهجرة، بالمؤاخاة، بالحلف، قضت عليها، كان ذلك في الجاهلية كما قدمنا، ما في دولة، ما في سلطان، ما في أمن، الناس يحتاجون إلى بعضهم البعض، هذا يؤاخي هذا، هذا يحالف هذا؛ ليحصل له أمن، فلما جاء الإسلام وقامت دولته لم يعد ثمة حاجة إلى هذا، المؤمنون إخوة: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ما في حاجة إلى حلف أو مؤاخاة.قال: [ ولما كان توزيع المال وقسمته تتشوق له النفوس، وقد يقع فيه حيف أو ظلم، أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد، فلا يخفى عليه من أمر الناس شيء، ألا فليتق ولا يُعصى ].لو أن العبد ما ينسى أن الله معه ينظر إليه على أي حال، والله ما يستطيع أن يعصيه، فلا يعص عبد الله ربه إلا إذا نسي، إلا إذا غفل، ظن أنه وحده، مع أن الله يقول: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى [المجادلة:7] أي: أقل من ذلك أدنى من ثلاثة أو أكثر إلى ما لا حد له، هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]، وليس هذا معنى الحلولية، هذا معنى: أن العوالم كلها في قبضة الله، إذا كان يطوي السماوات السبع بيمينه، والأرض بكل ما فيها في يمينه، أين البعد؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].[ فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33] ]. والشهيد: أعظم من الشاهد، حاضر وعالم، قد يكون شاهداً ولا يفهم شيئاً.الشهيد الحاضر العليم [ لا يخفى عليه من أمركم شيء، فاتقوه بطاعته وطاعة رسوله ]، ولا تعصوه.يا عباد الله! الذين آثرهم بهذا الشرع، وفضلهم على البشرية بهذا النور، يعنينا نحن.أقرأ الآيتين ثم نذكر الهدايات الإلهية فيها وتفكروا، قال تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:32-33]. فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33] ذكرت لكم هذا النصيب، في الإرث لا إرث، ما أنواع النصيب؟ الرفادة، العطية، النصرة، البيان، الهداية، أعطوهم ما يستحقون، الوصية، أوص لأخيك بشيء بعد موتك يأخذه دون الثلث، إذ لا تصح الوصية أكثر من الثلث أبداً: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [النساء:33].
    هداية الآيات
    قال: [ هداية الآيتين ].كل آية تحمل هداية أو لا؟ تهدي إلى أي شيء؟ إلى الكمال والإسعاد، تهدي إلى من؟ إلى دار فلان، أو إلى سوق الخضرة؟ لا. بل تهدي إلى ما يسعد الإنسان ويكمله.قال: [ من هداية الآيتين:أولاً: قبح التمني وترك العمل ].قبيح هذا أو حسن؟ يترك العمل ويتمنى، هذا إنسان هذا؟! يجب أن يعمل ويبذل طاقته في الكسب، وهو يدعو الله أن يعطيه ما يطلبه ويسأله من فضله، أما أن يقعد عن العمل ويتمنى، فهذا ما أراده الله لنا، بل حرمه الله علينا: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ [النساء:32].[ ثانياً: حرمة الحسد ].الحسد معروف أو لا؟ تمني زوال النعمة من فلان، إن كنت تتمناها تزول عنه لتحصل لك فهذا حسد قبيح، وأقبح منه: أن تتمنى زوال النعمة ولو لم تحصل لك، المهم: أن لا نرى فلان سعيداً، هذا أقبح أنواع الحسد، وكلاهما حرام من كبائر الذنوب؛ لأنه اعتراض على الله في تدبيره لخلقه.[ ثالثاً: فضل الدعاء، وأنه من الأسباب التي يحصل بها المراد ].أي دعاء هذا؟ دعاء الله عز وجل، ما معنى دعاء الله؟ يا رب.. يا رب.. يا ربّ اغفر لي ذنبي وارحمني، الدعاء: النداء، هل يدعو داع بدون ما ينادي ربه؟أولاً: يا ربّ.. اللهم، والأفضل أن تناديه ثلاث مرات، ولهذا ورد: (من قال: يا ربّ يا ربّ يا ربّ قيل له: أسمعت: اسأل)، وأخرى: (يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اسأل يا عبد الله تعطى).والدعاء هو العبادة، ولا يحرمه إلا كافر.قال: [ فضل الدعاء وأنه من الأسباب التي يحصل بها المراد ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء:32]، عالم بالمحتاج والمريض والفقير والغني، وكل الخلق بين يديه، لو كان ما يدري محنة؟ تدعوه وهو ما يعرف، أو ما يعلم، كيف يعطيك؟قال: [ رابعاً: تقرير مبدأ التوارث في الإسلام ].ما معنى التوارث في الإسلام؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11-12] الآية.هذه الكلالة، الكلالة: أن يموت المرء ولم يترك أباً ولا ابناً، ولا جداً ولا ابن ابن، يرثه الحواشي فقط، هي كلالة، كللوه كالإكليل على الرأس، الرجل يرث كلالة بمعنى: أنه ما عنده أب يرثه ولا جد، ولا ابن ولا ابن ابن، هؤلاء ما هم موجودين، من يرثه؟ إخوانه، أعمامه، أبناء إخوانه.. هكذا.الكلالة: مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس، فقد يموت الرجل ولا يترك أباً ولا جداً ولا ابناً ولا ابن ابن، ويترك إخوة لأبيه وإخوة لأمه؛ فإن ترك إخوة لأمه، إذا كان واحداً له السدس، وإذا كان أكثر من واحد لهما الثلث فقط، والباقي للعصبة.وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً، ذكوراً وإناثاً: فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، كآية آخر سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].قال: [ رابعاً: تقرير مبدأ التوارث في الإسلام ].من أين أخذناه من الآية هذه؟ من قوله: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ [النساء:33] ورثة، وأقارب.[ خامساً: من عاقد أحداً على حلف، أو آخى أحداً، وجب عليه أن يعطيه حق النصرة والمساعدة، وله أن يوصي له بشيء دون الثلث ]، أي: أقل من الثلث.[ أما الإرث فلا حق له، لنسخ ذلك ] بآية الأحزاب، والأنفال.[ سادساً: وجوب مراقبة الله تعالى؛ لأنه بكل شيء عليم، وهو بكل شيء شهيد ].ما معنى مراقبة الله تعالى؟ إذا أردت أن تأكل تستحضر أنك بين يدي الله، وتعرف كيف تأكل، أو ما تستحي من الله؟!تقول: بسم الله، لولا اسم الله ما تأكل، ثم تأكل بيمينك، ثم تأكل مما يليك، تأكل ولا تتخم بكثرة الأكل، كذا أو لا؟أردت أن تركب سيارتك، راقب ربك، من أوقف هذه السيارة؟ قل: بسم الله، والحمد لله، الحمد لله الذي وهبنيها، وسخرها لي، وواصل حمد الله.في أي مكان مررت فرأيت رجلاً صالحاً جميلاً كذا، تقول: سبحان الله! الحمد لله، يخلق الله ما يشاء، يهب لمن يشاء.. وهكذا، حياتنا كلها ذكر مع الله، ومن نسي الله هبط، ارتكب كل المعاصي والذنوب، لا ينجو إلا من يراقب الله.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #242
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (17)
    الحلقة (241)

    تفسير سورة النساء (24)


    قرر الله عز وجل القوامة للرجل على المرأة، وآتاه سبحانه السلطان عليها، وبعد هذه القوامة وهذا السلطان الممنوح للرجل أمره الله بإكرام المرأة والإحسان إليها، والرفق بها لضعفها، ثم أثنى سبحانه على المرأة الصالحة، وذكر عز وجل صفاتها، ومن ذلك أنها مطيعة لربها وزوجها، وحافظة لزوجها في ماله وعرضه، في حضوره وغيبته، مستعينة على ذلك بالله عز وجل الذي يمنح العون لعباده الصالحين.
    تفسير قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء ومع هاتين الآيتين الكريمتين:وتلاو هما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، يذكر الحكم وعلته، آمنا بالله: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، هذه الآية الأولى، نكتفي بها، ونترك الثانية إلى يوم آخر إن شاء الله.ختامها: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، هيا نتغنى بهذه الآية مرات، وكلنا يُعمل فكره في الفهم وما يريد الله من هذا الكلام الإلهي. الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
    من معاني القوامة وسبب كونها للرجال
    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، الرجال: جمع رجل، وعندنا لطيفة، أنفس بها عن ضيق بعض النفوس، ولا بأس، كان في الديار المغربية عالم سلفي كبير توفي رحمة الله عليه، ومن عجائبه: أنه كان مسئولاً عن المدرسين في المسجد النبوي أيام دخول السلطان عبد العزيز رحمة الله عليه.أحد تلامذته قال له: لقيت رجلاً في كذا.. قال: تأدب، أين الرجال؟ قل: لقيت ذكراً، أين الرجال؟ لقيت ذكراً في الشارع، ويشهد لهذا قول الله تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص:20]، إذاً: فكلمة (رجل) تدل على الفحولة وكمال الرجولة. الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، ومعنى: (قوامون): قائمون، الرجل قيم على امرأته، قائم عليها، قوام عليها؛ إذ هو الذي يحفظها، وهو الذي يطعمها ويسقيها، وهو الذي يدخل السرور والفرح على نفسها، فحياة المرأة مرتبطة بحياة الرجل، وهما كجسم واحد بعضهم من بعض.إذاً: فالرجل قيم لكمال خلقته وفطرته وما أودع الله فيه من قوى لا توجد في المرأة، والخالق عز وجل فرق في الخلقة بين الرجل والمرأة، بين الذكر والأنثى، وهذا مشاهد في الحيوانات، فهل الديك كالدجاجة؟ الدجاجة تملك تلك العنترية وذاك الصوت؟ فهل التيس ذكر العنز كالعنزة؟ هل الكبش كالنعجة؟ هل الثور كالبقرة؟ هل الجمل كالناقة؟ من يقول: إيه، من فرق بينهما؟ الخالق العليم الحكيم، فكذلك الرجل يختلف عن المرأة في أشياء وصفات كثيرة، وتلك الصفات أهلته للقيام بشئون المرأة، وجعلته أقدر منها وأقوى على ذلك.قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] بسبب ماذا؟ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، أي: بتفضيل الله تعالى بعضهم على بعض في الخلقة وفي الفطرة، وفي غيرها من الصفات، ومن قال: المساواة، فهو كافر.. كافر.. كافر لا يقبل منه انتساب إلى ملة الإسلام ولا إلى اليهودية والنصرانية، الله يقول: فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34] وأنت تقول: لا.. لا.. لا. يبقى إيمان أو إسلام؟هذا النغم، هذا الصوت صوت يهودي لفتنة البشرية وإهباطها؛ لتصبح قابلة لأن تسودها الماسونية وتقودها إلى جهنم، وإنما العجب لمن يعرضون عن كتاب الله ويجهلون ما فيه، ويمشون وراء تعاليم الماسونية في المجلات والصحف، وفي المحاضرات والكلام، من قرر هذا التقرير؟ أليس الله، هذا كلام من؟ في من يقول كلام غير الله؟إذاً: كلام أمك أم أبيك، هل رفع إنسان رأسه وقال: هذا كلامي أو كلام فلان؟ هذا كلام الله. الرِّجَالُ [النساء:34] الفحول الأقوياء القادرون، أولو البصائر والنهى: قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، أولاً: بتفضيل الله تعالى بعضهم على بعض في الخِلقة والفطرة والعلم والمعرفة، والطاقات المختلفة.ثانياً: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] أي: وبإنفاقهم عليهن من أموالهم، فالذي ينفق هو الذي يسود أو لا؟ أو الذي ينفق عليه هو السيد، أيعقل هذا الكلام؟إذاً: وبإنفاقهم وليس خاصاً هذا بالمهر فقط، وإن كان المقصود المهر، وهو يشمل لكل النفقات التي ينفقها الرجل على المرأة، يسود هذا أو لا؟واذكروا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو كلام فوق مستويات البشر، يقول: ( خادم القوم سيدهم )، هاتوا علماء النفس والاجتماع ينقضون هذه؟ والله ما ينقضونها؛ لأنها نبعت من مصدر الحكمة، من أستاذ الحكمة ومعلمها، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيد القوم خادمهم )، تريد أن تسودنا؟ اخدمنا، فلما كان الرجل هو الذي يخدم المرأة، إذاً كان سيدها أو لا؟الآن في البيت ينزل ضيوفك، فالذي يقوم بسقيهم وإطعامهم هو السيد، أليس هو السيد؟ إذاً: من أراد أن يسود فليعمل الخير وليبذل المعروف لغيره، ومن تفسير كلمة الصمد، وهي اسم من أسماء الله تعالى: سئل بعض العرب بماذا ساد فيكم فلان؟ قال الأعرابي بالفطرة: احتجنا إليه واستغنى عنا، بهذا سادنا، والله تعالى هو الصمد الذي استغنى عن كل مخلوقاته، وافتقر إليه كل مخلوق من مخلوقاته، فكان الصمد.(خادم القوم سيدهم) إذاً: الرجل يخدم المرأة أو لا؟ يكفي أنه يموت دونها، إذاً: فساد أو لا؟ فهو سيد.الرجال قوامون على النساء بشيئين:أولاً: بما فضل الله بعضهم على بعض في الخلقة والفطرة والفهم وكل الطاقات، تفاوت كبير، ومن أراد أن يستبصر: هل المرأة تبعث نبياً أو ترسل رسولاً؟ الجواب: لا، هل المرأة تعين أميرة وتحكم الناس؟ الجواب: لا.هل المرأة تعين قاضية تقضي بين الناس؟ الجواب: لا، يا شيخ! جعلوها وزيرة وقاضية، من هؤلاء؟ أنبياء الله أم رسله، أهل ولايته أم عالمو شريعته؟ هؤلاء ممن ذابوا في تيار العلمانية والصليبية والماسونية، يستشهد بهم؟ الرسول هناك قال: ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة )، أشيروا لي، الإقليم الفلاني أفلحوا؟ هاتوا، لأن رئيسة الوزراء امرأة! أو الحاكمة امرأة، أشيروا، موجود؟ أو تفسرون الفلاح بالطعام والشراب والنكاح، هذا هو الفلاح؟الفلاح: أن يسود البلاد الطهر والصفاء، والمودة والإخاء والمحبة والولاء، والتعاون على البر والتقوى، فتتجلى حقائق الطهر والكمال البشري في الدنيا، والنجاة من النار ودخول الجنة يوم القيامة. الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، بسبب ماذا؟ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34] أولاً، وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ثانياً.العجيب: أن هناك نساء في ديار الكفر هي التي تدفع المهر، نزغة شيطانية يهودية، الآن في أوروبا وفي أمريكا واليابان بعض النساء ما تجد من يتزوجها، هي التي تدفع المهر، كم تأخذ وأتزوجك؟ يقول: ألفين جنيه أو ألفين دولار يتزوجها، هي التي تدفع، هل هذه يصبح سيداً عليها، هي التي تسوده وتقوده كالطفل أو الكلب وراءها، هي التي دفعت، وهذا شأن البشرية إذا انقطعت صلتها برب البرية، وأعرضت عن كتابه وهدي نبيه، تهبط تهبط، حتى لا تصبح أهلاً حتى لدخول منزل طاهر.
    صفات الصالحات من النساء
    ثم قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34] يا مؤمنة: لا تقولي: أذلني ربي وأهانني، وعين عليّ قيماً يقوم عليّ، هذا من إفضال الله عليك، هذا من رحمته بك، هذا من إشفاقه عليك، أنت ضعيفة، فولى أمرك رجلاً يقدر على ذلك.وثانياً: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34] من النسوة، الصالحات: جمع صالحة، والرجال واحدهم: صالح، والجمع صالحون، من هم الصالحون؟هذا موكب من مواكب الجنة الأربعة، هل الجنة لها مواكب؟ اللهم عجل لنا باللحوق بهم!أربعة مواكب، قال تعالى في بيانهم من سورتنا هذه، سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] من أين؟ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وفي مناجاتنا لربنا تعالى ونحن بين يديه وقد نصب وجهه لنا نقول: (التحيات لله، والصلوات والطيبات -أي: كلها لله- السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)؛ بسببه عرفنا الله والطريق الموصلة إليه، (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، فنسلم على كل عبد لله صالحاً، ويدخل فيه الصالحات بلا جدال.من هم الصالحون؟ أولاً: أقول: من منكم يريد أن يكون صالحاً؟ كلنا.بإيجاز: الصالح: من أدى حقوق الله كاملة، ولم ينقص منها حقاً، وأدى حقوق الناس كاملة، فلم يبخسهم حقاً من حقوقهم، ذاك والله العبد الصالح، والذي بخس الحقوق ونقصها فاسد هذا ما يقال فيه صالح، وأما المصلِح فدرجة أخرى.إذاً: فالصالحات المؤمنات الذين أدين حقوق الله عز وجل، وأدين حقوق عباده، إن كانت ذات زوج أدت حقوق زوجها، إن كانت ذات أبوين أدت حقوق أبويها، ذات أولاد أدت حقوق أولادها.. وهكذا أدت حقوق الله وعاشت على طاعة الله ورسول الله.(الصالحات) انعتهن؟ قَانِتَاتٌ [النساء:34] أما الفاسدات يقنتن؟ ما يقنتن، فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [النساء:34] جمع قانتة، والمراد من القنوت دائماً وأبداً: طاعة الله فيما أمر به يفعل وفيما نهى عنه يترك، الصالحات قانتات، أي: مطيعات لله في أمره ونهيه، ومطيعات لأزواجهن في الأمر والنهي كذلك.فإذا أردت امرأة تطيعك تزوج صالحة؛ فإن تزوجت طالحة فاسدة والله ما أطاعتك، وإن أطاعتك في باب أغلقت عليك سبعة! أنصح لك بنصيحة الله: يا من يرغب أن يتزوج، تزوج الصالحة، كيف نعرفها؟ اسأل، ابعث أمك، جدتك تسأل، اسأل الجيران، كيف هذه المرأة، فإن قالوا: صالحة إذاً تزوجها، فإنها تطيعك بعد طاعة الله ورسوله، هذا خبر إلهي أو لا؟الفاسدات عاصيات أبداً، الفاسدة ما تطيع، وإن أطاعتك في جانب عصتك في جوانب أخرى، فعليك بالصالحة، والرسول يقول: ( خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك -أفرحتك- وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ) خير النساء، هذا إعلان محمدي: (خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ونفسك).قال: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، من يحفظ الغيب؟ ولكن بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] هذه العبارة من أرقى العبارات، بالشرح والتوضيح: تحفظك في فرجها، وفي عفتها وطهارتها، لا تسمح لرجل أجنبي أن ينظر إليها، ولا أن تتكلم معه أو يكلمها، ولا أن يلمسها بيده فضلاً أن يجامعها، هذا حفظ الغيب؛ لأن مغازلة النساء والمكالمة والمجالسة والاتصال.. هذه كلها تقع في الغيب أو في العلن؟ تقع في الغيب حتى في الجاهلية، أما الآن في الديار التي هبطت، يقبل وهو في الشارع! هذا النوع هبطوا، شر الخلائق ما يذكرون.بدلاً من أن أقول: تحفظه في غيبته، في عفتها، في طهارتها، في صيانة نفسها في كذا وكذا، تصبح العبارة إذا رأتها فتاة تستحي وهي أمام أبيها وأمها، لكن: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، ومع هذا ليست لهن القدرة الكافية، لابد من عون الله عز وجل (بما حفظ الله) والميم هنا مصدر (بحفظ الله تعالى)، والمحفوظ من حفظه الله.كيف يحفظك الله؟ إذا قرعت بابه، واطرحت بين يديه وفي كل لقاء معه: رب احفظني بما تحفظ الصالحين من عبادك! يحفظك، أما أنت معرض ولا تبالي به ولا تفتقر إليه ولا تطلب حفظه أيحفظك؟(بما حفظ الله) أي: بحفظ الله تعالى، والله حفظهن لما علم من صلاحهن وقنوتهن، وطاعتهن.إذاً: تولى حفظهن، فيسر لهن أمر الحفظ، فتعيش المرأة ستين سنة ما تتكلم مع أجنبي ولا يراها أجنبي. حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] عز وجل، أي: بحفظ الله تعالى لهن، حتى لا تعرف أننا نستغني عن الله بمعارفنا، بطاقاتنا بجهدنا، انزع هذا من بالك، لا بد وأن تعلن افتقارك إلى الله وحاجتك إليه.ثم قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، هذه صفحة أخرى، فرغنا من الأولى.أولاً: عرفنا: أن للرجال قوامة على النساء، وعرفنا أن لذلك علتان، الأولى: التفضيل الفطري، الثانية: بما أنفقوا عليهن من مهور ونفقات.ثم قضية أخرى: هي إعلان شأن النساء حتى لا تتألم من هذا الحكم، فقال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34] هذا ثناء أو لا؟ فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34] ما شأنهن؟ قَانِتَاتٌ [النساء:34] ما معنى قانتات؟ مطيعات، والقنوت: الطاعة لله ورسوله، وللزوج حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، هل فهمنا: حافظات للغيب، ما هذا الغيب؟ صائنات أعراض الرجال لا تتعرض أبداً للزنا ولا لأسبابه ولا لدواعيه.وهذا بدون عون الله؟ الجواب: لا.ما يستطيع أحد أن يستعصم هكذا ولا يعصي الله عاماً أو عشرة أو مائة بدون عون الله تعالى له، بحفظ الله تعالى.
    علاج النشوز
    قال تعالى: وَاللَّاتِي [النساء:34] هذا جمع التي، التي يجمع على اللاتي أو اللواتي، عدد فوق الواحد. وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34] هذا خبر من أخبار الله أو لا؟ (واللاتي) أي: والنسوة من أزواجكم اللاتي تخافون نشوزهن، الخوف هنا: هو توقع لوجود علامات أفهمتك أن هذه تريد أن تعلو فوقك، تريد أن تسودك، تخرق نظام الله عز وجل وترتفع فوقك؛ لأن النشز من الأرض المرتفع منها، ونشز الرجل: قام، ومنه في آداب طلب العلم: وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11] ارتفعوا.إذا أنت لاحظت من امرأتك علامات خفت بها من هذه العلامات أنها تريد أن تعلوك وتسود عليك وتترفع، أو تفقد القيادة، وحينئذٍ تصبح تحتها ماذا تصنع؟ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34] هذا الخوف لابد له علامات أو لا؟ من علاماته: يا أم فلان، اسكت عني أنا مشغولة! السلام عليكم! مثلك ما يرد عليه السلام؛ لأنك تأخرت علينا ما جئت بالخبز!المهم: تظهر له علامات النشوز، فإذا خافها وظهرت فقد أرشده وليه ومولاه إلى طريقة إصلاح هذه الناشز حتى تعود إلى مستواها اللائق بها، وهي صالحة قانتة حافظة للغيب: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، ماذا تعملون معهن؟ قال: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34] يا شيخ: نعظها ما تفهم الوعظ، إي نعم. مرت ظروف بالعالم الإسلامي من حوالي ألف سنة، ما في من يفهم الوعظ أو يتأثر به إلا 1% أو في الألف، الذي يقبل الوعظ هو ذو الضمير الحي، وإن شئتم قولوا: ذو النفس البشرية الطيبة، إذا وعظته اتعظ واستجاب، وبما أن المؤمنات صالحات قانتان فالوعظ ينفع فيهن.والوعظ معناه: التذكير بما أمر الله تعالى بفعله: من ذلك طاعة الزوج، الإحسان إليه، عدم الترفع عنه، التذكير بما أعد الله للصالحين والصالحات، التذكير بالعواقب السيئة التي تنجم عن الفراق والطلاق.. وهكذا هذا هو الوعظ بالأمر والنهي شيئاً فشيئاً.فإن هبطت إلى مستواها وتخلت عن الترفع والنشوز فالحمد لله؛ فإذا ما استجابت، ما نفع فيها الوعظ، خوفها بالله، بالدار الآخرة، بعواقب الطلاق، بآلام الفراق بسوء العشرة ما نفع، ماذا يصنع؟ ييئس؟ لا، قال له سيده: اهجرها: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]، المضاجع جمع مضجع: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16] أي: فراش النوم.فاهجروهن في فراش النوم، لا تهجرها في البيت، تدخل لا تسلم عليها، تناديك ما تجبها، تغمض عينيك ما تنظر إليها، ما أمر تعالى بهذا، هذا ما ينفع؟ الهجران في الفراش، لا تعتزلها وتنام في غرفة أخرى، أو تذهب إلى جدة، تبقى في البيت وتنام معها في فراشها وتعطيها ظهرك لا وجهك، ما تطيق يومين ثلاثة، تقبل رجليك ورأسك، عدنا. وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] في الفرش، كم؟ قالت العلماء: شهر، ما تزيد حتى ترجع إليك، إذا تركتها شهراً كاملاً وأنت صابر وتعطيها ظهرك فقط، لا بد وأن تفتحك بمفاتحها.ما نفعت هذه الوسيلة أيضاً كانت شديدة هذه، ممكن جامعية!!إذاً: قال تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] اضربوهن، الضرب معروف، ولكن بين الرسول المبين لكتاب الله: أن هذا الضرب هو ضرب التأديب، فمن حقائقه أنه لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة، ما يظهر فيها زرقة أو انتفاخاً أبداً، كضرب الرجل لابنه، والمربي لتلميذه فقط.لطيفة فقهية! لو أن الرجل ضرب امرأة فكسر سنها، أو كسر أصبعها أو رجلها، هل يجري القصاص بينهما، أو ما يجري؟الجواب: لا يجري القصاص إلا في العقل والدية، العقل إذا كسر سنها يعطيها قيمة السنة، كسر رجلها أو يدها يعطيها قيمتها؛ إذ هي موجودة في القضاء، السن واليد.. وإلى غير ذلك.فإن قتلها، نعم يقتل بها، في الجوارح: العقل، الدية، وفي الروح القتل، قتل يقتل.وهنا: ذكر لنزول هذه الآية سبب:قال: [ يروى في سبب نزول هذه الآية: أن سعد بن الربيع رضي الله عنه أغضبته امرأته فلطمها بيده، فشكاه وليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يريد القصاص بعدما نزلت آية القصاص، فأنزل الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].. إلى آخر الآية ].فلم يبق مطمع في أن تقتص منك امرأتك، وأنت مأذون لك في ضربها، فإن كان الضرب شائناً أو جارحاً لا يجوز، فإن كسر عضواً أو كذا ففيه دية، فإن قتل يقتل النفس بالنفس.قال: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] الضرب غير المبرح، المشين المكسر، ضرب التأديب.هذه كم من مرحلة مضت؟ مرحلتان أو لا؟الأولى: الوعظ، ممكن سنة وأنت تعظ، ما رجعت، إذاً: ماذا تصنع؟ اهجرها في الفراش لا في البيت، شهر كامل سوف ترجع، لكن إن فرضنا شديدة أو.. إذاً: هذه تضرب، المرحلة الأخير: الضرب: الضرب غير المبرح لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة من جوارحه، وهل للإنسان جوارح؟ كم؟ سبعة.قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34]، في الوعظ، في الهجران، في الضرب: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] أيها الفحول، أيها الرجال: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] أي: النساء، استجبن للأمر وأطعن الطاعة المأمور بها، إذاً: فَلا تَبْغُوا [النساء:34] أي: لا تطلبوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34] لأذيتهن، يوجد بعض الصعاليك من الرجال هو الذي يبدأ يبحث عن الأسباب، ويوجد أسباباً ويضربها انتقاماً منها، وهذا لا يجوز أبداً. هذه امرأتك جزء منك، بضعة منك، أنت وهي تكونان جسماً واحداً، إذاً: فلا يحل أبداً أن تخترع الأسباب وتوجدها.. وكذا.. وكذا، من أجل أن تتوصل إلى ضربها، وتقول: عندي إذن، قال تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، الضرب في الدرجة الثالثة، ثم إذا لم توجد عوامل مقتضية له،و أسباب تتطلبه لا يصح أبداً، هذا كلام الله: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] أيها الرجال: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34] تتوصلون به إلى أذاهن وإلى ضربهن، أو هجرانهن.
    تحذير الله للمعتدين على النساء بدون حق
    وختم تعالى هذه الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، أعلى منك مليون مرة بلا مناسبة، لا تظهر أنك أعلى وأنك أقدر؛ تضربها وتخترع أسباب الأذى والضرب لها، فاعلم أن الله أعلى منك، لا تضرب المؤمنة، توجد أسباب لا وجود لها، وتقول: سمعتها تقول، رأيتها تفعل كذا، فعلت كذا وضربتها، حرام على عبد الله أن يوجد أسباباً باطلة ويضرب بها امرأته، يقول: سمعتها تتكلم في التلفون وهو يكذب. فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34] إلى أذاهن وضربهن، أو هجرانهن، لِم؟ إن أطعنكم. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] فما بقي إذاً: إلا الولاء والمودة والحب: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، اسمعوا الآية الآن هل فهمتم هذا؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، إذاً: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، لماذا؟ إِنَّ اللَّهَ كَانَ [النساء:34] وما زال عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].اعرف قيمتك يا عبد الله ولا تؤذ أمة الله.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات
    قال: [ يروى في سبب نزول هذه الآية أن: سعد بن الربيع ] هذا من سادات الصحابة الأنصار رضوان الله عليهم [أغضبته امرأته فلطمها، فشكاه وليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه يريد القصاص، فأنزل الله تعالى هذه الآية: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، فقال ولي المرأة: أردنا أمراً وأراد الله غيره ]، هذا هو المؤمن.[ أردنا أمراً وأراد الله غيره، وما أراده الله خير، ورضي بحكم الله تعالى، وهو أن الرجل مادام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها -في الغالب- وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فلما وجبت له الرئاسة عليها، وهي رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو يكسر عضواً، فيكون ضربه لها كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه.وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34]، وهن: اللائي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام: قَانِتَاتٌ [النساء:34] أي: مطيعات لله تعالى وللزوج، حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] أي: حافظات مال الزوج وعرضه ].كلمة (عرض) يعرفها كل الناس.[ لحديث: ( وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله ) ]، قرأنا الحديث الآن أو لا؟ ( خير النساء من أن إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها وماله ).قال: [ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أي: بحفظ الله تعالى لها وإعانته لها، إذ لو وكلت إلى نفسها لا تستطيع حفظ شيء وإن قلّ ] أليس كذلك؟ قررنا هذه القضية.قال: [ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً؛ وذلك: أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة ]، مادام الله أثنى عليها أنت تؤذيها؟ أعوذ بالله، أيثني ربك على شخص ويكرمه وأنت تؤذيه؟ أعلنت الحرب على الله إذاً.[ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً؛ وذلك: أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة، والإحسان إليها والرفق بها لضعفها، وهذا ما ذكرته أولاً، نبهت عليه هنا ليعلم أنه من دلالة الآية الكريمة، وقد ذكره غير واحد من السلف ].رب صل على نبيك ورسولك محمد وصحابته أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #243
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (18)
    الحلقة (242)

    تفسير سورة النساء (25)


    إن الرجل ما دام قواماً على المرأة؛ يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فلما وجبت له الرئاسة الشرعية عليها، كان له الحق في أن يؤدبها ويربيها ولو حتى بالضرب، لكن بشرط ألا يكون ضرباً يكسر عظماً، أو يشوه جارحة من جوارحها، ومع ذلك كله فقد أمر الله بإكرامها والإحسان إليها ابتداء.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء

    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها؛ ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).فاللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء المباركة.
    وجوب الصلح بين الزوجين إذا ظهرت علامات الشقاق
    هناك آية ما استوفيناها دراسة وشرحاً وتفسيراً، وهي قول ربنا جل ذكره: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35]. وَإِنْ خِفْتُمْ [النساء:35] معاشر المؤمنين والمؤمنات، والخوف هنا: توقعه لظهور آياته وعلاماته، إن حصل هذا وهو الخوف من الشقاق بين الزوجين.والشقاق: نزاع، صراع، يجعل كل واحد من الزوجين على جهة، فلا اتصال ولا ارتباط ولا تلاقي، هذا في شق وهي في شق، فلا تلاقي.يا جماعة المسلمين! إن خفتم شقاقاً بين الزوجين، بين رجل منكم وامرأة منكم فمدوا أيديكم لإذهاب هذا الشقاق وإبعاده، ولجمع المرأة مع زوجها، لتحقق الأهداف الثلاثة للزواج، وهي: السكينة والمودة والرحمة.جماعة المسلمين في القرية، في الحي، إذا بلغهم: أن زيداً تنازع مع زوجته، وأنهما في شقاق، أنقذوا إخوانكم، كونوا محكمة، ابحثوا عن رجل ذي علم وبصيرة ومعرفة بشأن الزوج، وعن رجل آخر ذو علم ومعرفة وأدب ولياقة من أهل الزوجة، وأسندوا الأمر إليهما: بأن يدرسا الحالتين كلاً على حدة، ويجتمعان، وكل يدلي ويظهر ما سمع وما عرف، ثم وكل الله تعالى الحكم إليهما: إن شاءا فرقا وطلقا؛ لعلمهما اليقيني أنه لا فائدة في بقاء هذا الزواج، لا تكون فيه مودة ولا رحمة ولا سكون، فمن الخير إذاً إعلان الفراق، ويجب على الزوج أن يطلق، وعلى الزوجة كذلك أن تطلق، ولا يقول: لا، ما أطلق، أو تقول: أنا لا أتطلق، إذا كان لابد من الطلاق لإنهاء الشقاق، إذاً: فالطلاق.ولكن الغالب إذا نصحا الحكمان وعدلا وكانا أهلاً للحكم والقضاء، فإن الله يوفقهما لما فيه الخير: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] أي: بين الزوجين فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] الحكم كالحاكم، ولكن الحاكم دائم الحكم وهذا مؤقتاً. فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ [النساء:35] أي: من أهل الزوج، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] أي: من أهل الزوجة، لماذا نبعث بهما؟ لدراسة هذه القضية، والبحث عن المشكلة، ما سبب هذا الخلاف حتى أدى إلى النزاع والصراع؛ لأن الآية الأولى بين لنا تعالى إذا رأينا نشوزاً من المرأة وخفناه، التأديب في ثلاث خطوات:الأولى: الوعظ والتبيين، فإن انتهت وعادت إلى الصواب فبها ونعمت.الخطوة الثانية: هجرها في الفراش حتى تتوب وترجع إلى الحق.الثالثة: ضربها ضرباً غير مبرح لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة.والآن حصل شقاق بين رجل وامرأته، ما نفع فيه الوعظ ولا التأديب بالضرب ولا الهجران، فهل نترك المؤمنين هكذا في هذا الشقاء والبلاء ونحن كجسم واحد، ( المؤمن أخو المؤمن )، المؤمنون متكافلون متضامنون، ما يسر إبراهيم يسر عثمان، وما يحزن عيسى يحزن موسى، وهذا معنى: أن أهل قرانا وأحياء مدننا متضامنون متوادون متحابون متعارفون على نهج ما علمنا، يجتمعون كل ليلة وطول الدهر يتعلمون الكتاب والحكمة نساءً ورجالاً وأطفالاً، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، فتزكو النفوس وتطيب الأرواح، وترتفع مستويات المعرفة؛ فيصبحون كأنهم أسرة واحدة، أما والوضع هكذا أنى لنا أن نأتي بالحكمين، إلا إذا القاضي عين فلاناً وفلاناً إلزاماً.وكل ما يصيبنا هو بذنوبنا، هيا نسمع الآية الأولى هل لها وجود بين المسلمين.
    قوامة الرجال على النساء
    اسمع! الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، هذا موجود، وعكسه أيضاً الآن المرأة الموظفة في العالم الإسلامي أصبحت هي القيمة على الرجل، إن قلتم: ما سمعنا بهذا؛ نحن نسمع لأن الشكاوى تأتينا، فما دامت تعيشه وتقيته أو تنفق عليه، سادته أو لا؟ سادته وعلت فوقه وهي القيمة، ويصبح تبعاً لها، لِم ترضى بهذا يا عبد الله؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، بسبب ماذا؟ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، وهل فضل الله الرجال على النساء؟ إي والله، ورفع بعضهم درجات، والملاحدة والهابطون والجهلاء وال.. وال.. عجبون من هذا، المساواة بين المرأة والرجل! لِم المرأة دائماً هابطة، قولوا لهم: هذه بنيتها وهذا جسدها، وهذا تركيب الله في خلقتها، هل تتساوى مع خلقة الرجل؟ في تساوٍ؟ في البدن بينهما فرق، بينا هذا حتى في التيس مع العنزة، تعرفون التيس وصولته أو لا؟ في الجمل مع الناقة، في الكبش مع النعجة، في الثور مع البقرة.فالإنسان عندما يلين وينكسر تصبح المرأة أعلى منه؟ لكن لجهلهم وعنادهم المهم يريدون أن يبعدوا نور الله، الله يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ [النساء:34] من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، إلا إذا انمسخت أمة أو جيل من الأجيال وهبطوا، وساد النساء فأصبحوا من أنواع المسخ، لا يعتبرون ولا يلتفت إليهم، والعقل عقل المرأة كعقل الرجل، وظف رئيسة في دائرة، وسلط عليها شيطان سياسي، يعبث بقلبها كم ويقلبها، ولا تثبت أمام كلامه، لا نصول في هذا الباب ولا نجول، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، فاثبتوا، النساء تحت الرجال. بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، ومن جملة التفضيل: أن الرجل هو الذي يعيشها وينفق عليها، يشتغل عشر ساعات اثنتي عشرة ساعة، في الحر والبرد من أجل أن يوفر طعامها، وكساءها وسكنها، أليس هذا موجب للقوامة عليها والسيادة، وهي نائمة في بيتها الرجل هو الذي يحميها ويموت دونها، إن مست بأدنى مساس هو الذي يتلقى الضربات ويموت في سبيل ذلك.إذاً: أولادها من يكسوهم، من يطعمهم، من يسقيهم؟إذاً: فالرجل ينفق ماله، ومن أبرزه النفقة اليومية والمهر ما ننساه، دفع مهراً، وقد قلت لكم: ظهر في بلاد الهبوط: أن الرجل هو الذي يأخذ المهر! تقول: يا سيد تزوجني بكم؟ تقول: نعطيك خمسون ألف ريال، لا بأس!! موجود في العالم الهابط، لكنهم ممسوخون لا قيمة لهم في حكم الله وقضائه.
    قنوت الصالحات من المؤمنات وحفظهن لأزواجهن
    وشيء آخر: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34] نساؤنا صالحات، ما عندنا عاصيات، فاسقات، فاجرات، لا وجود لهن في بيوتنا، الصالحة هي التي تؤدي حقوق الله وافية لا تبخسها ولا تنقصها في حدود طاقتها، وتؤدي حقوق زوجها وأولادها وأقاربها، لا تؤذ أحداً ولا تنتقص حق أحد، (الصالحات) هذا ثناء الله عليهن أو لا؟ هذا الطابع من طبعهن به؟ الله هو المخبر: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [النساء:34] مطيعات لله وللأزواج.ثم ماذا؟ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] أي غيب هذا؟ هو العورة وما حولها: تحفظ فرجها، تحفظ صوتها، تحفظ وجهها، تحفظ كل جزئياتها عن الأجانب لتبقى مصونة كالحور العين في دار السلام: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ [الرحمن:72] محبوسات أو لا؟ أو يتجولن غاديات رائحات في السينمات والعبث واللهو والشوارع، هذه المرأة تبقى لها قيمة؟ حتى في الجنة. مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] أو سائحات؟إذاً: حافظات للغيب، ويفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ بقوله: ( خير النساء -أفضل النساء- من إذا نظرت إليها سرتك ) ابتسامة، وجه لين، عاطفة، تتجلى مظاهر الحب، لا معبسة ولا مقطبة ولا.. ولا، (إذا نظرت إليها سرتك)، ولا تقول: هذا يعود إلى الجمال، فقد كان عندنا أكيلة الذئب أسود.. رأسه أكله الذئب مشقق الوجه عينه زرقاء.. كذا، ولكماله ولعلمه ولتعبه ننظر إليه وكأنه درة أو ياقوته، وهذا يعود إلى قلبك، انظر إلى فاسق أو فاجر لن يعجبك جماله ولا كماله. فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك )، أم عثمان لا تخرجي أبداً إلا بإذني، لن تخرج أبداً، لو تغيب ألف سنة، طاعة، أم فلان لا تنطقي بهذا اللفظ لن يعود: ( إذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك )، حفظتك إذا غبت عنها أو لا؟الحافظات للغيب، سافرت إلى مكان ما وتركتها تحفظك في عرضك، فلا تتكلم مع أجنبي ولا تخرج من البيت، ولا.. ولا، أبداً، ومالك محفوظ، لا تبذره ولا تنفقه في غير رضاك، ولا.. ولا، وتعود وتجدها كما كانت، هذه خير النساء.فالمرأة التي ما سمعت بهذا الحديث يمكن أن تكون من هذا النوع.أولاً: يجب أن يعرف هذا ويشاع ويصبح أحاديث بين الأسر، فتأخذ البنت من صغرها تعمل على أن تكون من خير النساء، خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك أفرحتك، وإذا أمرتها بأمر تطيقه وتقدر عليه أطاعتك ولا تعصيك أبداً، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك. حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، هذه الجملة بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، حتى لا تشعر أنه في إمكانك أن تفعل ما تريد، وأن تترك ما تريد، لابد من إلجائك إلى الله، واضطرارك إليه، وسؤالك إياه أن يعينك على الفعل، وأن يعينك على الترك؛ فأنت في حاجة إلى الله في كل أحايينك.فهمتم: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أو لا؟لا تتعنتر وتقول: أنا أحفظ زوجي في ماله ونفسه، يجب أن تعلم أنها في حاجة إلى الله، فتقول: أحفظه بإذن الله، بعون الله، بتوفيق الله، أؤدي هذا الواجب الذي وجب عليّ أن أحفظ زوجي إذا غاب عني في نفسي وفي ماله بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
    المراحل الربانية لعلاج النشوز
    قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، واللاتي من النساء، من الزوجات، تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، ظهرت علامات النشوز، وهو الترفع والتعالي على الزوج، إذا لاحت العلامات وظهرت، معنى هذا: أنك خفت نشوزها، فماذا تصنع؟ سيدك ومولاها يعلمك، لا القاضي ولا رئيس البعثة، الله هو الذي يعلمنا، ماذا قال: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34]، الوعظ: الكلام الذي يحمل الأمر والنهي والأمر بما معه من بشائر ونتائج طيبة، والنهي: ما يحمل من أتعاب وآلام، وبوصفها مؤمنة لا يزال زوجها يعظها؛ يأمرها وينهاها ويبشرها ويحذرها، حتى تترك ذلك الخلق الذي هو النشوز، وتطيعه وتلين له، وتصبح كما يريد الله منها.فإن فرضنا ما نفع الوعظ، أو كان الزوج لا يحسنه .. ما عنده قدرة على الوعظ، لا يعرف شيئاً إلا العصا والصوت الغليظ، الوعظ ما في، يجب أن يتعلم وأن يعظها، ولا يحل أن ينتقل إلى الخطوة الثانية إلا بعد الفراغ من الأولى.ما تعرف؟ ائت بأبيك أو أمك وعظوا هذه المسكينة، أنا ما عرفت أعظها فيوعظونها هم ؛ يبينون لها عواقب الطلاق ونتائج الفراق وأذية الزوج، وما يترتب عنه من غضب الله، فإن هي رجعت الحمد لله، أبت الخطوة الثالثة: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]؛ لأنها زوجة، بت معها على فراش واحد، وأعطها ظهرك ولا تلتفت إليها، ولا تكلمها ولا تجامعها، اتركيني، فحسب سنة الله لا تزيد على أسبوع وقد لانت وطابت، أو أربعون يوماً ما تصل ما تقوى أبداً، وتعلن عن ندمها وأسفها؛ وأني مطيعة، ويحصل الخير بإذن الله؛ لأن هذه تعاليم الله أو لا؟ من وضع هذا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه.فإن قست وتحجرت وما نفع وعظ ولا هجران، إذاً: فلم يبقَ إلا الضرب، واذكروا ما ذكر تعالى الضرب في القرآن إلا في إقامة الحدود، ثم في هذه القضية، ضرب الإنسان في الحدود، ثم في هذه القضية.ومعنى هذا: أن التي ما نفعها وعظ ولا هجران، وتأهلت للضرب، أنها إن لم يتب الله عليها وتستعجل التوبة تهلك. وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، هذا الضرب ليس معناه بالسيف أو بالرصاص، قال: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، الرسول بين لنا الضرب ما هو، كضربك ولدك لما يعصيك، كضربك تلميذك لما ما يأتي بواجبه، هذا الضرب الذي لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة، كيف يشينها؟ يصبح وجهها أزرق، ملطخاً بالدم، كسر العضو: أصبع، يد، رجل. هذا حرام، وقد علمنا الفقه في هذه القضية، إذا هي كسر عضوها ليس هناك قصاص، وإنما هناك دية؛ لأنه ما هو عن عمد بل للتأديب، أما إن قتلها بالضرب فإنه يقتل قصاصاً، فإن الله ما قال: فاقتلوهن، قال: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، الضرب غير القتل.
    الطاعة بعد النشوز
    فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34]، أيها الرجال! فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، لا يحل لك أن تختلق عوامل وأسباباً لتضربها، أو توجد تفاعلات سمعتها تقول، رأيتك كذا.. لم كذا؟ فمتى أطاعت لا يحل لك أبداً أن تمسها بأذى؛ لأنها أمة الله وأنت عبده، ما أنت بإله. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا [النساء:34]، أي: لا تطلبوا عليهن سبيلاً لأذاهن، لا بالضرب ولا بالهجران، ولا بالوعظ والإرشاد، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ [النساء:34]، وعلل لذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، إذا ظننت بعلوك وزهوك أنك فوق كل شيء، فاعلم أن علو الله فوقك، إذا فهمت أنك كل شيء، وقادر وأنت أعلى منها ومن أهلها، فالله أعلى منكم جميعاً، عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].وعظ هذا وتوجيه إلهي أو لا؟ هذا هو القرآن الذي يقرأ على الموتى، أوليس هذا هو؟ هذا القرآن يقرأ على الموتى، هذه دساتير وقوانين وشرائع، وأحكام سياسية، مالية، اجتماعية، عقائديه، أدبية، اهجروها واقرءوه على الموتى، أنا ما أطقت أبداً، هذا ما استطعت أصبر، كيف هذا الحكم الإلهي، هذه الشريعة، هذا القرآن نقرأه على موتى؟ أو كلامي ما هو واضح؟ أنا أرى هذا عبث، نضع ميت بين أيدينا ونقرأ عليه سورة النساء، من فعل بنا هذا؟العدو، الثالوث، وهل أفقنا وعرفنا عدونا اليوم؟ ما زلنا سكرى.العدو والله ليعمل ليل نهار -المجوس واليهود والنصارى- على إنهاء هذا النور وإطفائه، ونحن نجري وراء ما يشيرون به علينا ويخططونه لنا، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.. ما المخرج؟ الخلافة، انتظروا الخلافة، ما المخرج؟ قالوا: تحكيم الشريعة، حكموها بسم الله، ما نستطيع، ما المخرج؟ أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، إسلاماً حقاً، عبد الله كأمة الله مستعد إذا قال الله: مت يموت، إذا قال الله: صم صام، إذا قال له: اسكت سكت، دهراً دائماً، هذا هو الإسلام، أما إسلام صوري ولفظي مسلم، ما أسلم شيئاً لله؟ إذاً: كيف تجتمع كلمة المسلمين؟ وكيف يحكمهم حاكم واحد؟ وكيف.. وكيف؟ ثم قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] بين الزوجين، ماذا تصنعون؟ قال: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ [النساء:35]، لا بد وأن يكون الحكم أهلاً لذلك، أما حكم مثلي أو جاهل ما ينفع، يكون على علم ببيت فلان وما يجري ببيت فلان؛ لأنه من أهله ومن أهلها هي، فإذا حكم بالطلاق تم الطلاق، حكم بالاجتماع وعدم الافتراق تم ذلك، يجب أن يطبق حكم الله؛ لأنه بإذن الله تعالى، هل بهذا واجب أو مستحب؟ المهم الآن لا وجود له في العالم الإسلامي أبداً، ما السبب؟ ما سمعوا بهذا، ما في ثقة، ما بيننا مودة ولا إخاء ولا تلاقي حتى تقوم أنت وتريد أن تصلح ما بين فلان وزوجته.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات
    قال: [ معنى الآيتين: يروى في سبب نزول هذه الآية: أن سعد بن الربيع -من سادات الأنصار بالمدينة- رضي الله عنه أغضبته امرأته -أوقعته في الغضب عليها- فلطمها فشكاه وليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -أبوها أو أخوها شكاه إلى الرسول فلان لطم ابنتي- كأنه يريد القصاص، فأنزل الله تعالى هذه الآية الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] ]، وما دام قوام وقيم عليه يضربها إذا تطلب الموقف ذلك، [ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] ]، إلى آخر الآيتين.. هذه بركة سعد بن الربيع رضي الله عنه.[ فقال ولي المرأة: أردنا أمراً وأراد الله غيره ]، هذا إيمان وبصيرة وعلم (أردنا أمراً وأراد الله غيره)، أرادوا أن يقتصوا لابنتهم، وأراد الله غير ذلك، فحمدوا الله.قال: [ أردنا أمراً وأراد الله غيره، وما أراده الله خير ]، إي والله، أرأيتم المسلم كيف؟ على الفور استسلم وانقاد. قال: [ ورضي بحكم الله تعالى، وهو أن الرجل ما دام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فلما وجبت له الرئاسة عليها، وهي رئاسة شرعية، كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو يكسر عضواً، فيكون ضربه لها؛ كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه ]، فهمتم معاشر المستمعين؟قال: [ وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته، أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإحسان إليها والرفق بها ]، هذا ربنا جميعاً، ربها وربنا، علمنا كيف نؤدي الواجب.قال: [ أمر الله تعالى بإكرام المرأة وبالإحسان إليها والرفق بها؛ لضعفها وأثنى عليها فقال: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34]، وهن: اللاتي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام. قَانِتَاتٌ [النساء:34]، أي: مطيعات لله تعالى، وللزوج. حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، أي: حافظات مال الزوج وعرضه؛ لحديث: ( وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله ) بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، أي: بحفظ الله تعالى لها وإعانته لها، إذ لو وكلت إلى نفسها لا تستطيع حفظ شيء وإن قلَّ ]، ونحن كذلك، والله لولا عون الله ما اجتمعنا الليلة هنا، ولا سمعنا هذا الآية.قال: [ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة، والإحسان إليها، والرفق بها لضعفها ]، أو لا؟ الله يثني عليها وأنت تهينها، أنت ضد الله يعني؟ أو أنت أعلم منه؟ لا إله إلا الله.قال: [ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف -أي: قول محذوف- يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قِبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها، وهذا ما ذكرته أولاً نبهت عليه هنا ليعلم أنه من دلالة الآية الكريمة، وقد ذكره غير واحد من علماء السلف. وقوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34] ] أي: طريقة لأذيتهن.قال: [ فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها ولم تؤد إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما ]، ولهذا: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت تبيت الملائكة تلعنها حتى تصبح ).قال: [ فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها، ولم تؤد إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما؛ فيقول: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، أي: ترفعهن بما ظهر لكم من علامات ودلائل، كأن يأمرها فلا تطيع، يدعوها فلا تجيب، ينهاها فلا تنته -إذاً ظهرت علامة النشوز- قال حينئذٍ: فاسلكوا معهن السبيل الآتي:أولاً: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34]، والوعظ تذكيرها بما للزوج عليها من حق يجب أداؤه، وما يترتب على إضاعته من سخط الله تعالى وعذابه، وبما قد ينجم من إهمالها في ضربها أو طلاقها، فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات، وترهيب من عقوبة المفسدات العاصيات، فإن نفع الوعظ فيها وإلا فالثانية ].الخطوة الثانية:قال: [ وهي: أن يهجرها الزوج في الفراش فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد أعطاها ظهره فلا يكلمها ولا يجامعها وليصبر على ذلك ]، أما إذا ما صبر وجامعها انتهت المحاولة ما تنفع يجب أن يصبر.قال: [ فلا يكلمها ولا يجامعها وأن يصبر على ذلك؛ حتى تئوب وترجع إلى طاعته وطاعة الله ربهما معاً ].قال: [ وإن أصرت ولم يجز معها الهجران في الفراش، فالثالثة وهي:أن يضربها ضرباً غير مبرح لا يشين جارحة ولا يكسر عضواً.وأخيراً: فإن هي أطاعت زوجها فلا يحل بعد ذلك أن يطلب الزوج طريقاً إلى أذيتها لا يضرب ولا بهجران لقوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34]، أي: الأزواج، فَلا تَبْغُوا [النساء:34]، أي: تطلبوا، عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، لأذيتهن باختلاق الأسباب وإيجاد العلل والمبررات لأذيتهن ]، يوجد مع بعض أهل الجهل.قال: [ وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، تذييل الكلام بما يشعر من أراد أن يعلو على غيره بما أوتي من قدرة بأن الله أعلى منه وأكبر فليخش الله وليترك من علوه وكبريائه ]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]. قال: [ هذا ما تضمنته هذه الآية العظيمة.أما الآية الثانية: فقد تضمنت حكماً اجتماعياً آخر، وهو: إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فلا تلاقي بينهما ولا وفاق ولا وئام؛ وذلك لصعوبة الحال، فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد الله تعالى إليه، وهو أن يبعث ولي الزوجة حكماً من قبله، ويبعث ولي الزوج حكماً من قبله، أو يبعث الزوج نفسه حكماً وتبعث الزوجة أيضاً نفسها حكماً من قبلها، أو يبعث القاضي كذلك، الكل جائز، وواسع؛ على شرط أن يكون الحكم عدلاً عالماً بصيراً حتى يمكن له الحكم والقضاء بالعدل، فيدرس الحكمان القضية أولاً مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب الشقاق وبما في نفس الزوج من رضا وحب، وكراهية وسخط ثم يجتمعان على إصلاح ذات البين، فإن أمكن ذلك فيها وإلا فرقا بينهما برضا الزوجين، مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم، فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما وجب عليه، وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها، هذا معنى قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35]، والخوف هنا بمعنى: التوقع الأكيد بما ظهر من علامات ولاح من دلائل، فيعالج الموقف قبل التأزم الشديد فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]؛ لأنهما أعرف بحال الزوجين من غيرهما.وقوله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا [النساء:35]، فإنه يعني الحكمين، يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، أي: إن كان قصدهما الإصلاح والجمع بين الزوجين وإزالة الشقاق والخلاف بينهما؛ فإن الله تعالى يعينهما على مهمتهما ويبارك في مسعاهما ويكلله بالنجاح -لأنهم أرادوا الله فلا يخيبهم- وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35]، ذكر تعليلاً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين؛ إذ لو لم يكن عليماً خبيراً ما عرف نيات الحكمين وما يجري في صدورهما من إرادة الإصلاح أو الإفساد ]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
    هداية الآيات
    قال: [ من هداية الآيتين:أولاً: تقرير] تعرفون التقرير أو لا؟ من القرارات [مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته ]، فلو يأتي علماء النفس، والكيمياء، والطبيعة والسحر والعلم بأسره يقولون: لا، ليس من الصواب أن يكون الرجل هو القيم، نقبل؟ والله ما نقبل، أنرضى بالكفر بعد الإيمان؟ أنتبع الهوى والشياطين؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].[ثانياً: وجوب إكرام الصالحات والإحسان إليهن ].أيها الفحول! كيف حالكم مع نسائكم؟ لا تسأل يا شيخ! نحن مقلدون. يا عمياء! ما هذا؟ إيش هذا الطعام البارد.. أدنى شيء أنت طالق طالق طالق.. يقول: أنا غضبت، ما حملك على الغضب؟ لا إله إلا الله، والله لو تسجل لكم أصواتكم في البيوت لرأيتم العجب، لم الشيخ يتبجح هكذا؟ والله ستين سنة ما قلت لامرأتي كلمة سوء، ولا مسستها بيدي ولا بأصبعي، لم؟ هذا هو الإسلام، التربية في حجور الصالحين.لما كنا في تبوك، قال القاضي: تسعون حالة طلاق في شهر واحد، تسعون بيت خربت، ما سبب هذا؟الجهل من الجانبين، وعدم التربية من الطرفين، إذا كان أحدهما أعلى وأفهم يستطيع أن يلين الجانب، وأن يهبط بذلك العلو وأن يصلحه، ولكن الزوج كالزوجة، كلاهما في ظلام الجهل، (وجوب إكرام الصالحات)، أو لا؟ بم يكون إكرامهن؟ بالأدب واللطف والظرف والإحسان وعدم الهيجان، وعدم الإغضاب، هذا هو الإكرام، وعدم تحميلهن ما لا يطقن، وعدم طلبنهن ما لا يستطعن.قال:[ ثالثاً: بيان علاج مشكلة نشوز الزوجة وذلك: أولاً: بوعظها، ثانياً: بهجرانها ثالثاً: بضربها الضرب المعروف ].اسمحوا لي معشر المستمعين، أقول: كيف ندرس هذا الدرس ونخرج منه وما نعرف التأديب الذي ذكره الله تعالى لنا، ولا نقصه ولا نتحدث به، بالعامية، يا شيخ! إذا نشزت أوخفت من نشوز امرأتك ماذا تفعل معها؟ تقول: ما ندري، كيف ما تدري؟ ما حضرت، ما سمعت؟ ماذا تفعل يا إدريس أيها الزوج الجديد؟أعظها أولاً؛ فإن لم ينفعها الوعظ بعد عام شهر هجرتها في الفراش، ما نفع الهجران ضربتها، هذا يجب أن يحفظه كل مؤمن أو مؤمنة.قال: [ بيان علاج مشكلة نشوز الزوجة وذلك بوعظها أولاً، ثم بهجرانها في الفراش ثانياً، ثم بضربها ثالثاً ضرباً غير مبرح ].ما معنى ضرب غير مبرح؟ لا يكسر عضواً، ولا يشين جارحة.[ رابعاً: لا يحل اختلاق الأسباب وإيجاد المبررات لأذية المرأة بضرب أو بغيره ].حرام على العبد أن يختلق أسباباً ويوجد مبررات من أجل أن يتوصل بها إلى أذية المؤمنة، ما تريدها طلقها، لماذا تبحث عن مبررات حتى تضربها أو تؤذيها؟[لا يحل اختلاق الأسباب وإيجاد مبررات لأذية المرأة بضرب أو غيره. خامساً: مشروعية التحكيم في الشقاق بين الزوجين وبيان ذلك في الآية مبيناً ومفصل].معاشر المؤمنين! نسأل الله أن يعيننا على العلم والعمل به.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #244
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (19)
    الحلقة (243)

    تفسير سورة النساء (26)


    الشرك ظلم عظيم، وقد حذر الله عباده من الوقوع في الشرك؛ لأنه نقيض التوحيد، فما من عبد مؤمن صادق الإيمان يشرك مع الله في دعائه وسؤاله احداً غيره، وهذا فعل أهل الجاهلية الذين كانوا يدعون أصنامهم وأوثانهم لتقربهم إلى الله زلفاً، ومع ذلك لم يقبل الله عز وجل ذلك منهم؛ لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.
    تفسير قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والليلتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وأخرى، تلك الفضيلة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وها نحن مع سورة النساء ومع هذه الآية الكريمة، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].هذه الآية تعرف بآية الحقوق العشرة، ولا إخال مؤمناً لا يجتهد في حفظها، عشرة حقوق لا بد من حفظها والقيام بها، هيا نكرر تلاوتها رجاء أن نحفظها: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].
    الحث على عبادة الله
    هيا نتدارسها، قوله جل ذكره: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، من الآمر؟إنه الله جل وعلا، لقد تقدم من أول السورة، قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، وهو يذكر في الأوامر والنواهي والواجبات والحقوق، وكانت متعلقة بنا اجتماعياً.أولاً: تذكرون أن أموال اليتامى محرمة، وأن السفيه لا يعطى ماله حتى يرشد، وأن الله قسم مال التركة قسمة لا تضاهيها قسمة؛ إذ الله أعدل وأرحم، وحرم علينا المناكح المحرمة، إحدى وعشرين مسألة، سبعاً من الرضاع، وسبعاً من النسب، وسبعاً من المصاهرة.وحرم علينا أيضاً إيذاء المؤمنات، وأعطانا تعاليم لإصلاحهن إن كن زوجات، وآخر ما علمنا إذا حصل نشوز أن يتدخل أولو البصيرة والمعرفة من أقرباء الزوجة والزوج، ويعملان على إذهاب ذلك النشوز، وعلى إصلاح الشقاق. والآن عطف على تلك التعاليم قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36].أولاً: من هو الله؟لا بد من معرفته، كيف تعبد من لا تعرفه؟ لا بد من المعرفة، والشيء يعرف بماذا؟ بأسمائه وصفاته وأفعاله، شخص في طوكيو، عرفته كيف؟ اسمه: عثمان، يسمع ويبصر، حاذق، لبيب، صانع كذا، بصفاته عرفته، هل عرفته بذاته؟ لا. بل عرفته بأسمائه وصفاته، وهل لا بد من معرفة الذات حتى تعرف الشخص؟ أيعقل هذا الكلام؟ أوما فهمتم؟ شخص في السويد، اسمه: صالح، لو أخبرت عنه تقول: عرفني به، يقول: إنه شخص كريم، رحيم، ذكي، ذو علم وبصيرة وشرف، قوي، أبوه اسمه: كذا، تعرفونه بالصفات، أو لا؟ أو حتى ترى ذاته؟ إلا إذا انمسخت البشرية.فالله عز وجل عرفنا بأنه خالق هذه العوالم كلها، وأنه الذي رفع السماء بغير عمد، وبسط الأرض، وعلى الماء جمدت الأرض، وخلق كل ما في العوالم كلها؛ إذ لم يرفع مخلوق يده وقال: أنا خالق الكوكب الفلاني، أو أنا خلقت الإقليم الفلاني، وكل الخليقة طأطأت رأسها، من الخالق؟إنه الله. ولا بد من وجوده، أيوجد المخلوق بدون خالق؟! إذاً: فقدنا عقولنا، وأصبحنا مجانين.أبسط من هذا: هذا القلم من يستطيع أن يأتي بالمنطق والذوق والعقل والفطرة و.. و.. ويقول: هذا القلم والله ما وضعه أحد هنا، هذا وجد من نفسه، في أحد؟ لا.إذاً: وكوكب الشمس الذي هو أكبر من الأرض بمليون ونصف، ما أوجده أحد؟ قلم ما تسلم أنه وجد بدون موجد، والكواكب والسماوات والأرضون، وأنت تعرف ما ادعى وجودها كائن أبداً سوى الله، فلهذا معرفة الله ضرورية واضطرارية.هذا الله الذي وهبك عقلك وسمعك وبصرك، وحياتك، وأمك وأباك، وهذه الحياة كلها، ما اسمه؟ الله. هل له اسم غير الله؟ تسعة وتسعون اسماً، وصفاته من أسمائه.هذا الله الذي عرفناه أمرنا أن نعبده، وقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، هيا نعبد الله، بم نعبده؟ كيف نعبده؟ وفي أي مكان وفي أي زمان نعبده؟ آمنا بأنه أمرنا أن نعبده، لكن كيف نعبده؟الجواب: تعلموا، اسألوا أهل العلم كيف يعبد الله، وبم يعبد، ويجب أن تسأل وتتعلم حتى تعبد الله فتطيعه في أمره لك بقوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، فمن هنا معرفة الله أولاً، ثم طاعته ثانياً، يطاع في ماذا؟ فيما يأمر باعتقاده أو قوله أو فعله، كما يطاع فيما نهى عنه وحرمه من اعتقاد باطل أو قول سيئ أو عمل فاسد، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوامر الله ونواهيه، وإن ركب رأسه وقال: لست في حاجة إلى هذه! فمصيره الخسران المبين، يقضي أيامه هذه، ثم ينتقل إلى عالم الشقاء ليخلد فيه أبداً، يفقد فيه كل طعم للحياة.إذاً: يجب أن نعرف بم يعبد الله أو لا؟اذكروا لنا بعض عباداته؟ من أبرزها: الصلاة؛ لأن الصلاة عبارة عن مناجاة الإله في أماكن طاهرة، تتحدث معه، تعرض حاجاتك، وتدلي بأهدافك وأغراضك، تسبحه وتكبره وتعظمه في أوقات معينة.. خمسة أوقات في الأربع والعشرين ساعة، وأنت طاهر كامل الطهر، وفي مكان طاهر تلتقي بمولاك، وأنت بين يديه وقد نصب وجهه لك، وهو والله يراك أكثر مما ترى نفسك أنت، ويسمع كلامك، جهرت به أو أسررت، فالذي لا يقيم الصلاة ما آمن بالله ولا عرف الله.. الذي ما يقيم الصلاة ما عبد الله، فإن قال: أنا أصوم رمضان في العام. يصوم شهراً وينقطع. قال: أنا أحج في الدهر. حج مرة، لو كان الإسلام فقط هكذا كل الناس يسلمون، اليهود، النصارى، ما يصوم شهراً في السنة؟ يصوم، يحج مرة بيت الله، لكن مظهر العبادة الحق إقام الصلاة؛ فلهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفر تارك الصلاة، فقال: ( من تركها فقد كفر ).الآن المقيمون للصلاة الذين يأتونها في بيوت ربهم مع أوليائه ويخشعون فيها، ويبكون ويتضرعون، وكلهم شعور وأحاسيس أنهم مع ربهم، خمس مرات، خمس ساعات في الأربعة والعشرين ساعة، هؤلاء بحق عبدوا الله أو لا؟ بلى.والذين يهجرون المساجد بيوت الله، وينقطعون عنها ما عبدوا الله.وخلاصة القول: أن الله يعبد بما أحب وندب إليه، سواء بالقول كلا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، الله أكبر، أو كان بالصلاة ركوعاً وسجوداً، أو كان بالجهاد في سبيله مالاً وبدناً .. المهم: إذا أمر الله باعتقاد عقيدة أو أمر بقول أن تقول، أو بفعل أن تفعل يجب أن تفعل، فإن عجزت قل: هذه طاقتي يا رب! وأنت لا تكلف نفساً إلا وسعها، فاعف عني ولا تؤاخذني.والله يكره كلاماً كثيراً، وصوراً عجيبة، وأعمالاً يكرهها ويبغضها ويبغض أهلها، يجب على المؤمن أن يعرفها وعلى رأسها: الكذب، الغش، الخداع، الزنا، الربا، أذية المؤمنين على اختلافها، وما أكثر ما نهى الله عنه. وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، أي: بطاعته، مع حبه وتعظيمه، مع الذلة له والصغار بين يديه، لا تصل وأنت تتعنتر، لا بد أن تكون منكسراً، ليناً، ذليلاً بين يديه، وكذا الحال إذا سألته، إذا طلبته، لا تقل: أعطني.العبادة: طاعة الله، بفعل ما أمر وترك ما ينهى مع التعظيم والذل الانكسار بين يديه.معشر المؤمنين والمؤمنات! عرفتم بم يعبد الله؟بما أحب أن يعبد به، أين توجد محبوباته؟ في الكتاب، الآن معنا عشرة في كتابه، وما لم نفهمه من كتابه نرجع إلى رسوله؛ إذ هو الذي أمره بالبيان والتبيين، والسنة مبينة موضحة لكل عبادة يعبد الله تعالى بها، مبينة للوقت وللكيفية والكمية والعدد، فعلى الذين دخلوا في الإسلام بكلمة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أن يعرفوا ما يعبدون به الله فعلاً وتركاً ويعبدونه به، وإلا لا نجاة ولا سلامة. وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، هذا أمره أو لا؟ من قال: لا. ارتد، كفر، هلك، ومن قال: سمعاً وطاعة، نعبد الله بما شرع لنا أن نعبده به، ويأخذ أول شيء: يغتسل من جنابته، ثم يصلي، وهكذا..
    التحذير من الإشراك بالله
    وقوله: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، الأول أمر، وهذا نهي، ومن هنا عرفنا أن العبادة تدور على الأمر والنهي، الأمر يفعل والنهي يترك ويجتنب، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].وهنا معشر المستمعين والمستمعات! تذكرون أن العرب في جاهليتهم كانوا مؤمنين بالله، والله العظيم! ما كانوا بلاشفة حمراً شيوعيين ولا علمانيين، ولكن كانوا يؤمنون بالله ويشركون به غيره، والدليل: أنهم كانوا يحجون إلى بيت الله، ويطوفون به، ومن تتبع أيمانهم يجد جلها وأكثرها أنهم يحلفون بالله، وقلَّ ما يحلفون باللات والعزى، أكثرهم يحلف بالله تعالى، وينذرون النذور لله عز وجل.إذاً: فما هو الشرك الذي حرمهم من رضا الله وجواره في الجنة إن ماتوا عليه؟ ما هو الشرك الذي أمر الله رسوله أن يقاتلهم من أجله حتى يتخلوا عنه، ويبتعدوا منه؟ لأنه في الحقيقة ظلم من أفظع أنواع الظلم، نعم. الشرك ظلم والمشرك ظالم.ما وجه ذلك يا شيخ؟ اسمع يا عبد الله! الله جل جلاله، وعظم سلطانه، أراد أن يعبد بالذكر والشكر، فهيأ هذه الأرض، وأعدها إعداد النزل، والفندق، ثم خلق آدم بيديه، ونفخ فيه من روحه، وخلق أنثاه حواء من جنبه، وأهبطهما وبارك في نسلهما فأصبحوا الآلاف والملايين، لم فعل هذا؟ من أجل أن يعبد، من أجل أن يذكر ويشكر، ثم هذا الذي أنزله من السماء، وأكرمه في الأرض، هذا يجب أن يعترف بحق الله عليه، أطعمه، سقاه، رباه، كلأه، حفظه، علمه، بصره، سخر كل شيء في الأرض له من أجل أن يعبده، فإذا لم يعبده بالمرة، ماذا تقولون فيه؟ كافر ملعون لا خير فيه لأحد من الناس، إذا كفر خالقه ومنع حق مولاه لا خير فيه، وإذا كان يعبد معه غيره، وما يعبد الله به يعبد به إلهاً غير الله، هذا أشرك أو لا؟ أشرك، وظلم؛ لأن هذه العبادة حق الله، استحقها بخلقه لك، وخلق كل شيء من أجلك، فإذا أنت صرفتها لغيره ظلمت.ولهذا قصة في القرآن الكريم، كان فيمن قبلنا عبد صالح يقال له: لقمان من بلاد الحبش أو السودان، هذا العبد الصالح كان على عهد داود عليه السلام، عندما كان داود عليه السلام ملكاً، قص الله تعالى علينا حادثة من أحداثه، وأنه أحضر ولده بين يديه، وأخذ يعلمه، يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، هذا لقمان النوبي الحبشي يقول لطفله وهو بين يديه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:17-18].. يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16]، لما وصل إلى هذه الكلمة فقد طفله هكذا.. مات بين يديه، من شدة الوعظ.إذاً: من جملة ما كان في هذا الوعظ: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. من منكم يعرف معنى الظلم هنا؟ الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والعبادة حق من؟ الله. من خلق ورزق؟ الله. من أجل أن تعبده خلقك ورزقك فتعبد غيره بتلك العبادة، أي ظلم أعظم من هذا الظلم؟! وإن ظلمت إبراهيم أو خديجة ممكن، لكن أن تظلم ربك تأخذ حقه يا عاجز ولا تبال، وتلتفت إلى غيره وتعرض عنه.ومن هنا كانت التعاليم تقول لنا: كل الذنوب محطوطة في ملف تحت النظر، ومن الجائز أن يغفرها الرب تعالى، إلا الشرك فإنه لا ينظر فيه أبداً، من مات على الشرك لن يدخل الجنة، وإن صام وصلى وجاهد في سبيل الله، وفي ذلك آيتان كريمتان من سورة النساء المباركة:الأولى: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48].والأخرى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، وليس هذا مع نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم، ها هو عيسى في بيت لحم أو في مدينة القدس، يعظ بني إسرائيل، واسمع ما سجل الله له من سورة المائدة: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، هذه كلمة من؟ محمد بن عبد الوهاب ؟ كلمة عيسى، وبيننا وبينه خمسمائة وسبعين سنة، قالها في من؟ في بني عمنا، بني إسرائيل اليهود، وقد أرسل إليهم وهو خاتم أنبيائهم، هل هذا اللفظ فيه التباس، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة:72]، (مَن) من ألفظ العموم، ذكر، أنثى، عربي، عجمي، فقير، غني، مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة:72]، أي: يعبد معه غيره، ويصرف عبادة الله لغيره، فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72]، ما معنى حرمها عليه؟ لا يدخلها، وإذا لم يدخل الجنة أين يعيش؟ في النار، وما هناك إلا عالم علوي وآخر سفلي، الجنة والنار، وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].المشركون ظالمون! إي والله، بدلاً من أن تذكر الله تذكر فلاناً، بدلاً من أن تركع لله تركع لفلان، بدلاً من أن تحب الله تحب فلاناً، أيُّ شرك أعظم من هذا؟ هذا هو الظلم، إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].يروي لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )، لو تذبح ألف بعير وواحد منها لسيدي عبد القادر كلها باطلة، تكسو ألف حلة لألف فقير، إلا حلة تقول: هذه لسيدي البدوي بطل كل ذلك، لم؟ لأن الله غني، ما دمت التفت إلى غيره، وأعطيته معه ما هو في حاجة إلى حللك ولا إلى جمالك وبعيرك أبداً، إما أن تخصه وحده أو اذهب وما تريد، ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
    صور من شرك العرب في الجاهلية
    وفي أيام الجهل كان الرجل يأتي عندنا في الحي، في القرية، يغرس مائة نخلة، يقول: هذه نخل سيدي عبد القادر ، ولا يجعل لله نخلة والله العظيم، يأتي يغرس الزيتون، المائة شجرة، وهذه شجرة سيدي مبروك أو سيدي أحمد والله ما يجعل لله شيئاً أبداً، من أين حصل هذا؟يا معشر المستمعين! أنتم على علم مما أقول؟يشتري قطيعاً من الغنم، الشتاء فيه أمطار، في الربيع يشتري خمسين نعجة حتى تلد ويغنم منها ويربح، يقول: هذه النعجة لسيدي فلان، لم؟ ليحفظها، لتبارك وتنمو، كما يقول صاحب النخل والزيتون، كيف عرفوا هذا؟ هذا موجود في القرآن؟ في السنة؟ في الفقه؟ هذا يمليه عليهم أبو مرة لعنة الله عليه، من أبو مرة؟ إبليس يكنّى بأبي مرة بإجماع المسلمين لا تشك فيه، لقد علم هذا العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وجعلهم إذا غرسوا غرساً يجعلون منه للآلهة، وإذا اشتروا القطيع من الماعز أو الغنم كذلك، وإذا حرثوا كذلك، أين ورد هذا؟ ورد في سورة الأنعام، واسمعوا أتلوا عليكم الآية، وتأملوا! قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام:136]، قبح الله هذا الحكم أو لا؟ فتأملوا! وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ [الأنعام:136]، ما معنى: (ذَرَأَ)؟ خلق، ومنه الذرية، ذرأ خلق، وجعلوا لله تعالى مما خلق، مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا [الأنعام:136]، (الْحَرْثِ) ماذا؟ نخل، زيتون، زرع، كل ما يحرث ويزرع، (وَالأَنْعَامِ) ما هي؟ الإبل، البقر، الغنم، جعلوا لله منها نصيباً. الحمد لله، عرفوا الله أحسن منا، بالفطرة قل: هذه نخلة مولاي خالقي، وهذا للعزى، والعيب الذي أصابهم: أنهم إذا نخلة الله أطلعت وأثمرت، ونخلة العزى هذا العام ما أنتجت يأخذون حق الله ويعطونه للعزى، يقولون: الله غني ليس في حاجة. هذه الناقة ناقة اللات، وهذه الناقة ناقة الله، إذا ناقة الله ما أنتجت، وناقة اللات ما أنتجت، ما يأخذون، يقولون: الله ما هو في حاجة إلى هذا، أما إذا ناقته ما أنتجت يأتون بحق الله ويعطونه إياها، واسمع الآية: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا [الأنعام:136]، حظ أو لا؟ فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ [الأنعام:136]؛ لأن الله ما أمر بهذا ولا أوحاه إليهم، بزعمهم وكذبهم، هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ [الأنعام:136]، أبداً ما يتحول إلى الله، وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام:136]، قبح هذا لحكم.ولما دخل الناس في الإسلام، ثم بعد ذلك فقدوا نور القرآن، وهداية محمد صلى الله عليه وسلم، وغشاهم الجهل وغطاهم، جاء إبليس وأعادهم إلى ما كان عليه أجدادهم، إلا أن هناك فضيلة عند المشركين حرم منها المؤمنون، ما هي؟ ما بينت لكم؟يغرس البستان ما يقول: هذه النخلة لله، يقول: هذه النخلة لسيدي عبد القادر ، يحرث هذا الفدان لمن؟ لسيدي أحمد البدوي ما يجعل آخر لله، وهذا عيب كبير، أما المشركون فيجعلون لله وللآلهة، وعيبهم أنهم جعلوا لله ما لم يأمر الله به فكذبوا على الله.وثانياً: لما ما ينتج الذي للآلهة وينتج الذي لله، يحولونه بحجة أن الله ما هو بحاجة إلى هذا.عاشت أمتكم قرابة ثمانمائة عام، والعالم الإسلامي كله في هذا النوع، وأهل العلم بعيدون عن هذا، لكن ما ينكرون ولا يفهمون، والحمد لله أن فتح الله علينا، وعرفنا الطريق إلى الله.يروى أن أحد أحبار بني إسرائيل حدث له حادث فألقي القبض عليه، وغلل بالأغلال وبات ينتظر موته، فجاءه أبو مرة وقال له: تريد أن تطلق؟ قال: نعم، قال: اركع أمامي، قال: كيف أركع وأنا مغلل بالأغلال؟ قال: برأسك، فاستجاب، وركع له برأسه فكفر، وأشرك بالله وهلك، فقال الله عنه: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر:16].
    من أنواع الشرك
    نبدأ نستعرض أنواع الشرك، واحفظوا، ومن شك لا يسأل الجهال، بل يسأل أهل العلم.أولاً: نبدأ بالانحناء بالركوع، هذا الركوع لله، هو الذي تنحني له الجباه، فمن ركع تعظيماً لميت أو حي فقد أشركه مع الله، تسلم على أميرك على مليكك على قائدك وأنت رافع رأسك، أما أن تركع لا، الركوع لله، عرفتم هذه.ومن مظاهر هذا الركوع، في لعبة رياضية (الكاراتيه) ينسبونها إلى الفلبينيين أو غيرهم، لما يفرغون منها يركعون كلهم للرئيس ركوعاً كاملاً رأيناهم.. هم كفار مجوس شأنهم، أما أبناء الإسلام وأولاد المسلمين يركعون لغير الله في هذه الألاعيب نهيناهم عن الانحناء للملك، للسلطان الذي يملك، ونسمح به للهو الباطل، إن شاء الله ماتت هذه، أو ربما ما زالت توجد بقلة في العالم الإسلامي، فعلموهم أنها من الشرك والعياذ بالله.ثانياً: السجود، وضع الجبهة على الأرض، كان العرب وكان الجاهل وأهل الجاهلية يعظمون من يعظمون بالسجود، وأرادوا أن يسجدوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فرفض وأبى، وقال تلك القولة الخالدة: ( لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد غير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها -لما يرى له عليها من حقوق وواجبات- ولكن لا سجود إلا لله رب العالمين ).في بعض ديارنا العربية كانت بدعة عظيمة إذا جاء الزوار للضريح الفلاني، ما يأتون قائمين يأتون ركعاً وسجداً، يزحفون تعظيماً لسيدي فلان، ووالله لولا أن الله حمى هذا القبر الشريف برجال يحمونه لرأيتم العجب من الجهال والضلال، يطوفون طوافاً، لو يسمح لهم بالطواف سبعين طوفة يطوفون، ما يعرف هل هذا دين، وهذه بدعة، لأنهم ما علموا، ما عرفوا، الشياطين تدفعهم، الشياطين تزين لهم الباطل، تغريهم بما يضلهم ويبعدهم عن الله، وليس جانب من الآخر من العلماء الربانيين يعلمون ويحذرون ويبينون، فيغلب جانب الشيطان؛ لأنه ماض وقوي ويفعل. هذا الذي حصل.ثالثاً: الدعاء، الطلب، سؤال الحاجة، إذا سألت وطلبت من يسمعك إذا قلت: يا فلان، ويراك؛ لأنك أمامه، ويقدر على أن يطيعك؛ أذن الله لك في ذلك، اسأل، لكن لا تذل وتنكسر وترتعد ويسيل لعابك كأنك أمام الله، اطلب بأدب واحترام، فلان نريد كذا، على شرط أن يكون من تدعوه يسمعك، أرأيت لو كنت تدعو أصماً! يضحك عليك الناس أو لا؟ يا فلان يا فلان.. أنت مجنون هذا ما يسمع، يسمعك ويراك أين أنت حتى يمد يده لك ويعطيك، لابد وأن قادراً على أن يعطيك، يملك ما يعطي، لو أنك تأتي إلى خربة من الخرائب ما فيها ساكن ولا شيء، وتقف أنت أمام الخرابة، يا أهل البيت! يا أهل الدار، أخوكم جائع من ثلاثة أيام مدوا يده نسألكم بالله، وتمر به أنت، ماذا تقول له؟ قل له: يا عبد الله! أنت ما لك، ما يعيش في هذه الخرابة أحد يسمعك ويعطيك، وليس فيها أكل، اسأل الذي يعطيك إذا سمع صوتك، وعرف حاجتك.إذاً، فمن هنا: دعاء وسؤال الأضرحة وأهل القبور، سواء كانوا سادة أو دونهم، من عبد القادر الجيلاني إلى الشيخ البدوي ، فليضحك المصريون، أما سيدي عبد القادر هذا إله الأبيض والأسود، يا سيدي عبد القادر ! يسوق السيارة لما يحصل ارتجاج يا سيدي عبد القادر ، لا إله إلا الله. دعني من سيدي عبد القادر ، يا رسول الله! ما في فرق، أنت تسوق سيارة تكون خرجت بك عن الطريق وفزعت، ماذا تقول؟ يا ألله يا ألله.. يا رب، لا يا رسول الله.. يا رسول الله.. يا رسول الله.. يسمعك رسول الله؟ عالم بك وأنك في طريق ينبع؟ قادر على أن يمد يديه إليك؟ لا لا لا لا.. إذاً: ماذا ستفعل هذه؟ هل تلعب وتعبث؟ اسأل الذي يراك ويقدر على إعطائك وإنقاذك وهو معك أينما كنت، الله جل جلاله، وعظم سلطانه.لو يفكر إخواننا المسلمون بتفكير عقلي حقيقي، والله ما بقي من يدعو الأولياء أبداً، يعرف أنه ميت لا يسمع كلامه، ولا يرى بدنه وذاته ولا يعرف حاجته، وإن فرضنا عرف، يستطيع أن يمده بشيء؟ والله ما يستطيع، من يمده؟ الله، إذاً: اتصل مباشرة بالله، لم تذهب إذاً عن الله؟ رأساً اسأل الله، هذا الدعاء وهو مخ العبادة، وهو العبادة، من سأل غير الله ممن لا يسمعه ولا يراه، ولا يقدر على إعطائه وإمداده، فقد أشرك أعظم الشرك؛ لأنه سلب صفات الله، وأعطاها لهذا المخلوق الميت، وجعله مثل الله، يسمعه ويبصره، ويراه ويقدر على إعطائه.هذا من أعظم ما وقع فيه العالم الإسلامي، دعاء الأموات، يا سيدي فلان، يا فاطمة ، يا حسين ، يا بدوي ، يا عبد القادر يا كذا.. لا إله إلا الله.أنا أقول على علم: انتبهوا! المرأة ممسكة بالحبل والطلق يهزها، حبلى تضع، ما في مولدة ولا قابلة، وهي يا ألله، يا رسول الله، يا رجال البلاد ... تذكر الله ومعه عشرة أسماء، من هؤلاء رجال البلاد؟ شيء يؤلم أو لا؟ آه! ما عرفت، ما علموها، لو علموها لأعلموها أنه لا يسمع صراخها ولا يقدر على إنقاذها إلا الله خالقها، أو ممرضة أو قابلة تستدعيها تعالي. لا بأس، أنقذيني يا أم فلان، آلمني الطلق؛ لأنها تسمعها وتراها وتمد يدها، أما أن تنادي ميتاً من ألف سنة وبينك وبينه عشرة آلاف كيلو متر، كيف يمكن هذا؟ في أقصى المغرب يا عبد القادر الجيلاني ، قلنا لهم: من المغرب إلى العراق كم ألف كيلو؟ أكثر من عشرة آلاف، كم بينكم؟ ألف سنة، ألف زمان وعشرة آلاف كيلو يسمعك؟ ممكن يسمع أو مستحيل؟ مستحيل أن يسمع، وإن فرضنا سمعك، ينقذك يا مغربي؟ يرد عليك دابتك؟ كل ما نقول: الحمد لله، حنانيك بعض الشر أهون من بعض.الدعاء مقابله النذر، والنذر يسمى في بلاد المغرب عندنا العدة، الوعدة، يضمون الواو، تسمونها الوعدة أنتم أهل الحجاز أو لا؟ ما عندكم، العدة بلغة القرآن، والوعدة محرفة، وهي النذر.تمر امرأة على ولي في تل أو جبل .. قبة، ضريح، يا سيدي فلان إذا نجحت في قضيتي نفعل لك كذا.. تنادي صاحب الضريح: إذا نجحت في الخصومة مع زوجها أو مع من يخاصمها تذبح له كذا، أو توقد له كذا شمعة، أو تأتي بكذا بخور، مواجهة هكذا، والله العظيم، النذر، العدة، الوعدة، إذا شفى الله مريضي أذبح لسيدي عبد القادر كذا.. بعضهم يوجه كلاماً رأساً لـعبد القادر والبدوي وفلان وفلان، وبعضهم لا، إذا شفى الله مريضي أفعل لك كذا وكذا، أما الله وحده لا، إن شفى الله مريضنا نذبح لك كذا.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #245
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (20)
    الحلقة (244)

    تفسير سورة النساء (27)


    جاء في كتاب الله عز وجل في مواضع كثيرة تحذير العباد من الشرك وبيان أنه ظلم عظيم، وفي أغلب هذه المواضع قرن الله عز وجل بين التحذير من الشرك بالله والأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما، لما لهما من الفضل على الولد، فقد حملته أمه تسعة أشهر كرهاً ووضعته كرهاً، ثم أرضعته عامين إلى أن فطمته، وقامت مع والده على رعايته والاهتمام بشئونه، إلى أن قوي عوده واشتد ساعده، فمهما فعل هذا الابن فلن يرد شيئاً من معروف والديه عليه، فكان حقهما عظيماً ومقامهما كبيراً عند الله عز وجل.
    تابع تفسير قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). الحمد لله على إفضاله، الحمد لله على إنعامه، الحمد لله أن وفقنا لهذا الإنعام والإفضال.وها نحن مع سورة النساء ومع آية الحقوق العشرة، وقد سبق أن تحدثنا: بأن هذه الآية تعرف عند أهل العلم من سلف هذه الأمة الصالح بآية الحقوق العشرة، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].هذه الآية احفظوها يا معشر المؤمنين والمؤمنات، يا من لم يكن قد حفظها من قبل، وصلوا بها النوافل؛ لتكفيك أن تقوم الليل كله بها، تقرأ بها في الفرائض؛ لأنك كلما قرأتها ذكرت الله والحقوق الواجبة عليك، وهذه الذكرى نعم الذكرى، وبإمكان أي أميٍّ أن يحفظها، يجلس في طرف المسجد في وقت ما، ويقول لأخيه: من فضلك حفظني هذه الآية، يتلو عليه كلمة بكلمة إلى أن يحفظ. ‏
    معنى قوله تعالى: (واعبدوا الله)
    هيا ندرس الحق الأول، وهو أوجب الحقوق وآكدها على الإطلاق؛ إنه حق الله، قبل كل حق أو لا؟ دل على هذا الحق قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فأمرنا تعالى نحن المؤمنين والمؤمنات؛ لأننا آمنا وعلمنا.أمرنا أولاً: أن نعبده وذلك بطاعته فيما يأمر بفعله، وبترك ما ينهى عنه، ولا بد من معرفة أوامر الله ونواهيه لا محالة، ما هناك أبداً طريق إلا أن نعرف ما أمر الله به وما نهى عنه؛ فإن لم نجد في قريتنا من يعرف أوامر الله أو نواهيه نرحل إلى قرية أخرى؛ إذ الهجرة لطلب العلم واجبة، لا يحل لمؤمن أن يقيم بدار لا يجد من يسأله عن أمر أو نهي، يجب أن يخرج من هذا البلد؛ لأن أمر الله هذا لا يتحقق إلا بالعلم. وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، قلت: نعم مستعد أن أعبد ربي، كيف وقد خلقني ورزقني، وإليه مصيري؟! أعبده ولكن بأي شيء، ما علمت؟ فيعلمك العالم أوامر الله، كالصلاة، الزكاة، بر الوالدين، الإحسان، المعروف، الحج، الرباط، الصدقات، ذكر الله، التسبيح، ويعلمك منهياته وما نهى عنه من الكذب والشرك والكفر والزنا والربا والغش والخداع وأذية المؤمنين.. وهذا كله في كتابه وبيانات رسوله صلى الله عليه وسلم، أما أن يعيش المرء خمسين أو ستين سنة لا يعرف أمراً من أوامر الله ولا نهياً من نواهيه، كيف يعبده؟ مستحيل، ما أطاع الله.وسر هذه العبادة أنها السلم الذي تصعد عليه إلى الملكوت الأعلى، إن رأيت فيها صعوبة، مشقة، شدة.. كيف أعرف أوامر الله؟ كيف أعرف نواهيه؟ لن تكون في الصعوبة كأن تريد أن تخترق السبع السماوات وتنزل بالفراديس العلا، أيهما أصعب؟ أوما أنت راج ولا طامع أن تنزل الجنة؟ أعوذ بالله.فما دام أملك الوحيد هو أن يرضى عنك مولاك ويرفعك إليه، إذاً فهذه الأوامر إلا إذا عجزت، أما وأنت قادر عليها ما تتردد أبداً، أما النواهي لا خير في فعلها، ما هو إلا الإثم والوسخ والهبوط والسقوط، ما فيه كلفة، عش خمسين سنة ما تكذب كذبة، يلزمك شيء؟ وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36] أولاً، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] ثانياً، وهذا معنى لا إله إلا الله.ما تفسير لا إله إلا الله؟ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.إذاً: يا معاشر المؤمنين والمؤمنات يجب أن نعرف بم نطيع الله عز وجل؛ حتى نعبده بذلك، نعرف ما أحل الله وما حرم، ما أمر به وأوجب حتى يتأتى لنا أن نعبده، نسأل أهل العلم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].وسر هذه العبادة هو الطهر، الصفاء، العز، الكرامة، وأخيراً: رضوان الله، والنزول مع الأبرار، ما هي مجانية بدون مقابل.
    معنى قوله تعالى: (ولا تشركوا به شيئاً)
    قوله: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] فهذا الموضوع يحتاج منا إلى بيان.أولاً: قوله: (لا تشركوا به) أي: بالله، (شيئاً): من الشرك أو الشركاء.كيف نعرف هذا؟اسمعوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) هذه كلمة رسول الله أو كلمة صحابي؟ كلمة رسول الله، الرسول الذي ما سئل عن كبائر الإثم والذنوب إلا ذكر الشرك أولاً، تذكرون عبد الله بن مسعود وقف في آخر الحلقة وأراد أن يعلم: أي الذنب أعظم عند الله يا رسول الله؟ فقال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب عبد الله بن مسعود أو لا؟ ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقه، ما قال: هذا ما يقع منه شيء من الشرك: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، وفي جلسة من الجلسات عاصرناها وعايشناها، فقال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ) (ألا): انتبهوا، اسمعوا، أنتم حاضروا العقول والأحاسيس؟ ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله ) وهو يخاطب من؟ أبا جهل وعقبة بن أبي معيط ؟ يخاطب أبا بكر وعمر وعثمان ، لم؟ لأن الشرك يوقع فيه إبليس، أقسم لله بعزته ألا يفتر وأنه سيعمل حتى يطغينا كلنا.وقال في جلسة أخرى: ( اجتنوا السبع الموبقات، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله ) خائف على أصحابه أن يشركوا أو لا؟ أو قال: هؤلاء معصومون علماء لن يقعوا فيه.وقال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أحب أم كره.( من حلف بغير الله ) ما غير الله؟ كل الخلق: حلف برأسه، بأبيه، بالصلة التي بينه، بفلان، بفلان.. والعوام يحلفون حتى بالطعام، يقول: والملح الذي أكلناه، ما تركوا شيئاً إلا حلفوا به، لا تلمهم يا شيخ، من علمهم؟ من عرفهم؟ قرون والأمة تائهة، هذا هو السر، وإلا كيف يعرف مؤمن يرجو الله والدار الآخرة أن من حلف بغير الله فقد أشرك، ثم يحلف بغير الله؟ والله لو يذبح ما يرضى أن يكفر بعد إيمانه، لكن لعب الثالوث لعبته وأهبطنا إلى الأرض وأبعدنا من كل سلالم الرقي والصعود والقرآن أبعده على الموتى، والسنة تقرأ على البركة، واتركوا أمة الإسلام تتخبط في حيرتها.وقال له أحد أصحابه: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله)، بأدب، بظرف وتلطف! قال: ( قل: ما شاء الله وحده، ما زدت أن جعلتني لله نداً؟ ) شريكاً له، قل: ما شاء الله وحده، مع هذه نقول: إيش فيه إذا كان انحنى أو ركع أمام سيدي فلان!!
    شرك المستغيثين بالأولياء وحبوط أعمالهم
    سبق أن بينا أن القباب التي تضرب على الأضرحة من إندونيسيا إلى موريتانيا في رءوس الجبال، في السهول، في المدن، في القرى.. تلك القباب ما بنيت إلا من أجل أن يعبد الشيطان، ما أمر الله بذلك، ولا أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أمر بها علماء الأمة العالمون العارفون أبداً، إنما أمر بها الجهل والشياطين حتى يصرفوا الناس عن الله، فمن هنا وجب هجران تلك القباب، والبعد عنها وعدم زيارتها، وعدم الدخول إليها أولاً.ثانياً: الذين يحلفون بأصحابها، الذين يستغيثون بهم، الذين يسألونهم الحاجات، الذين يتوسلون بهم إلى الله.. هؤلاء يعملون الشرك الواضح الصريح الذي لا لبس فيه، فوالله لو كانوا عالمين كما نعلم الآن وتعمدوه ما ذاقوا طعم الإيمان ولا دخلوا الجنة مع المؤمنين، لكن لما كانوا جهلاء ما علموهم وما عرفوا، نترك أمرهم إلى الله، أما لو كان أحدهم علم كما علمنا أن من الشرك أن تدعو فلاناً: يا سيدي افعل بي كذا وكذا، أو تسوق له بقرتك أو شاتك وتذبحها له، وعرف أن هذا من الشرك، وعمله متعمداً فهو آيس من دخول الجنة، اللهم إلا إذا تاب قبل موته.واسمعوا وتأكدوا من قول الله عز وجل وهو يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ [الزمر:65]. وعيسى قال عيسى لبني إسرائيل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] من قال هذه الكلمة؟ هذا عيسى ابن مريم، من سجلها لنا؟ الله رب العالمين آية من سورة المائدة، حرم الله عليه الجنة وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ [الزمر:65] وهذه (لئن) تعرفونها، وعزتنا وجلالنا لئن أشركت يا رسولنا لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].وإن كان يقول أهل العلم: إن هذا من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، بمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هيهات هيهات أن يشرك، والله عاصمه، لكن إذا كان رسولنا يوجه إليه هذا الخطاب ماذا نصنع نحن؟ نذوب، ما يبقى لنا عذر أبداً. وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] وحبوط العمل هبوطه وبطلانه، لو تعبد الله تسعين سنة، وآخر يوم تقول: يا سيدي فلان! المدد، الغوث، أنا خادمك. ومت، ما أعطيت حسنة واحدة، على عبادة تسعين سنة؛ لأنها انمحت، وذهب أثرها.قالت العلماء: إليكم هذا المثل: توضأت وأحسنت الوضوء على أتمه، ثم وأنت ذاهب إلى المسجد فسوت أو ضرطت، أيبقى وضوء؟ كيف ما يبقى؟ أنا توضأت وغسلت يدي ووجهي وكذا، والآن تقولون انتقض؟ إي نعم، حبط، كذلك تعبد الله ثم تقول كلمة الكفر أو الشرك يبطل كل عمل، استأنف العمل من جديد.إذاً: الشرك في عبادة الله عز وجل هو أنك تعبد غيره بعبادته.
    صور من الشرك في الدعاء
    الدعاء عبادة أو لا؟ ماذا عرفتم عنه؟ عرفتم أنه هو العبادة، وفي حديث الترمذي -وإن ضعف-: ( الدعاء مخ العبادة ) هل الحياة تتم بلا مخ؟ هذا الدعاء سؤال غير الله عز وجل الحاجة، وقلت لكم بالأمس: إذا كان الذي تسأله يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك، لا بأس اسأله جائز، أما أن يكون لا يسمع نداءك، ولا يرى مكانك، ولا يقو على إعطائك؛ فسؤاله عبث، باطل، لهو، قل ما شئت وأضف إلى ذلك أنه الشرك والكفر.وقد ضربت لكم مثلاً، تمر برجل واقف أمام خربة، ما بها سكان أبداً، ما فيها إلا الكلاب والقطط، وهو واقف أمام الخربة: يا أهل البيت! يا أصحاب الدار! أخوكم جائع، إذا مررت به تسكت أو تعلمه؟ تعلمه تقول: يا عبد الله ما في البيت أحد، هذا خرب ما يسمعك أحد، ما يمد يده إليك أحد، امش إلى البيت الفلاني، فالذي يدعو رسول الله، فاطمة ، الحسين -أشرف الخلق- يدعو البدوي ، فلان، فلان، فلان.. هل يسمعونهم؟ والله ما يسمعونهم، هل يعلمون أين هم موجودون؟ والله ما يعلمون، هل يقدرون على أن يعطوهم؟ والله ما يقدرون.إذاً: لم نسألهم؟ فقط دعاني إبليس نستجيب له فقط! أما الفائدة معدومة، فدعاء غير الله ومنه الاستغاثة والاستعاذة -طلب الغوث أو طلب الحفظ- كل هذا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ألا وهو الشرك في عبادة الله تعالى.ونبهنا إلى الانحناء، لا تنحن تعظيماً لشخص من الأشخاص، ولا تركع ولا تسجد أبداً، إنما ذلك لله، والجهال إذا أتوا الضريح يركعون، وبعضهم يسجد، ما علموا، ما عرفوا.. لم ما نعلمهم؟ ما يريدون، كيف ما يريدون؟ نعم.إخواننا الروافض هل هم الآن بيننا يتعلمون؟ لماذا ما يحضرون ويتعلمون؟ ويبقون على الضلالات والجهالات التي لا يقرها القرآن ولا السنة بحال من الأحوال، ونحن في أسف وحزن وألم وهم لا يحضرون، من يلومنا إذاً؟ كذلك عامة المسلمين في قراهم، في مدنهم ما يريدون أن يتعلموا، ما قرعوا أبواب العلماء، ولا طالبوهم بأن يبينوا لهم، يجلس العالم في مسجده، يجلس حوله عشرة أو عشرون ، أين القرية ذات العشرين ألفاً، أين هم؟ كيف يتعلمون؟ تنبيه: تقبيل اليد ليس من الشرك هذا أبداً، ولا قال به أحد.أقول: معاشر المستمعين: القباب، الأضرحة، المزارات هذه مظاهر الشرك في أمة الإسلام لما جهلت وهبطت.فلننبه إخواننا المؤمنين والمؤمنات، إلى أن يعتزلوا هذه المقامات، وأن يبتعدوا عنها.ثانياً: ألا يدعو غير الله بدعوى أبداً، ولا يستعيذوا بغير الله أدنى استعاذة، ولا يتحصن بغير الله بأدنى تحصن.. ما لنا إلا الله فقط، به نحلف، وحده ندعو، به نستغيث، به نستعيذ، ليس لنا إلا هو؛ إذ هو معنا يسمعنا ويرانا، ويقدر على إعطائنا، وعلى منعنا، وهو على كل شيء قدير، وكل ما عندنا هو منه وعطاؤه، أما غير الله فدعاؤه، سؤاله، الاستغاثة به، الاستعاذة به.. هو الشرك الأعظم الأكبر، أما الانحناء والركوع والسجود فهذا شر منه أيضاً.وقد ذكرت لكم لما جاء أشخاص تعودوا في الشام على أن يسجدوا لأمرائهم أو علمائهم نهاهم وقال: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما له عليها من الحقوق، ولكن لا سجود إلا لله )، والركوع والسجود بمعنى واحد.
    صور من شرك الربوبية
    هناك شرك في ربوبية الله، يجهله أكثر الناس، والعرب في جاهليتهم كانوا موحدين في ذلك، شرك الربوبية هو أن تعتقد وجود من يعطي أو يمنع أو يضر أو ينفع في الكون غير الله.. اعتقادك وجود من يخلق، يرزق يدبر في الكون مع الله هذا الشرك الأعظم وهو شرك في ربوبية الله تعالى، وقد وقع فيه بلايين المسلمين، نذكر على سبيل المثال، ما تعرفون عن البدلاء، أو الأبدال، الأقطاب، الأوتاد؟ يقولون: سيدي فلان القطب الفلاني، ما قصة الأبدال والبدلاء؟حدثني شيخي رحمة الله عليه ذبحوه، طالب بالحكم الإسلامي عقب الاستقلال ذبحوه مع غيره.يقول هذه فذلكة ولكن لا بأس بها تطيب مجلسكم أو لا؟ ثم تبقى في نفوسكم، يقول لي: كان رجل من أهل القرية والظلام كما تعلمون في الزمان الأول ما في كهرباء. فمر بمسجد وإذا به يسمع الكلام الأخذ والعطاء، نفعل كذا وكذا.. ففهم أن هؤلاء التجار جاءوا من قرية أخرى إلى الأسواق، وهم يتحاسبون على الأموال وماذا يفعلون، فقال إذاً: لأبيتنهم الليلة الآتية، نمكر بهم ونقتلهم ونأخذ أموالهم، لص والدنيا كلها لصوص إلا من شاء الله.فجاء صلى العشاء مع الناس، ولما خرج أهل القرية لف حصيراً -أيام الحصر- ووقف فيها وهي ملفوف فيها، وهي مع الحائط، فجاء الأبدال، أخذوا بالكلام إذا مات القطب الفلاني من تعينون بدله، قال: نعين فلاناً، وإذا مات قطب الشام من تولون؟ من تنصبون بدله؟ قالوا: قطب العراق.. فلان فلان فلان، واختلفوا في قطب من يستبدلونه به من الأبدال، لما اختلفوا قال لهم أحدهم: اجعلوا هذا الذي في الحصير، عينوه، تعال اخرج أنت أمسيت قطباً الليلة، لما يسمع هذا آباؤنا: سبحان الله! دخل لصاً خرج قطباً، ويبكون من الخشوع.لا إله إلا الله!الأبدال: هم الذين يديرون دفة الكون، من أهلهم؟ الله.إذاً فمهمة الأبدال إغناء فلان، إفقار فلان، تبديل فلان، إعطاء الولد لفلان.. وهكذا، فجعلوهم آلهة متعددة وسلبوا الله ربوبيته، فهؤلاء بمنزلة الأرباب، والذي يعتقد هذا أشرك في ربوبية الله غير الله؛ لأن الذي يعز ويذل ويميت ويحيي ويعطي ويمنع ليس إلا الله، فمن اعتقد أن قطباً أو بدلاً يفعل هذا فقط جعل لله شركاء في ربوبيتهشرك الربوبية: اعتقادك أن إنسان كائناً من كان يعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويحيي ويميت، ويدير الكون.. هو الشرك في ربوبية الله، والعرب على جاهليتهم ما أشركوا هذا الشرك، وإليكم استنطاقات ربنا لهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9]، كذا أو لا؟ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31].أعيد هذه الآية من سورة يونس أو لا؟ قل لهم يا رسولنا وهم يعبدون الآلهة: من يرزقكم من السماء والأرض؟ من يملك السمع والأبصار؟ من يخرج الحي من الميت؟ ومن يدبر الأمر؟فسيقولون: الله، إذاً: اعبدوا الله واتركوا اللات والعزى.في آيات عديدة العرب في الجاهلية موحدون في ربوبية الله، ما يعتقدون من يخلق ذبابة مع الله أبداً، ولكن عبدوا الأصنام والتماثيل عبارة عن وسائل يتوسلون بها، فذبحوا لها، وأقسموا بها، وطافوا حولها.. كما فعلنا نحن والعياذ بالله.تذكرون هذا البيت من الشعر؟رب يبول الثعلبان برأسهلقد ذل من بالت عليه الثعالبهذا البيت لمشرك أحضر له صنماً يعبده في شعب من شعاب المنطقة -الشعاب بين وادي وجبال- قبل ما يقضي حاجته يتوسل به هو؛ إذ كان لكل واحد إلهاً حتى في خيمته، فجاء يوماً ليزوره لا ليعبده، فوجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعها على كتف الصنم ويبول عليه؛ لأن الذئاب والكلاب إذا بالوا كيف يبولون؟ لا بد أن يرفع رجله، أين يضعها؟ أعلى شيء، فلما نظر إليه والثعلب يبول عليه، قال: أرب يبول الثعلبان برأسهلقد ذل من بالت عليه الثعالبولم يرجع إليه أبداً، فطن ذكي، رب يخلق ويرزق ويعطي ويحيي ويميت ويبول الثعلب على رأسه؟! هذا ما هو معقول أبداً.. لقد ذل من بالت عليه الثعالب، وتركه إلى الأبد.إذاً: الشرك في الربوبية كان في العرب نادراً، ولكن جاء غلاة المتصوفة والزنادقة، وغلاة التحريف والتبديل، وإحباط هذه الأمة؛ فأوجدوا الأقطاب والبدلاء، والأوتاد، وادعوا أنهم يتصرفون في الكون بإذن الله، قد يقولون لك: إن الله أذن لهم؟ أين إذن الله إذاً؟ تكذبون على الله؟ فالذي يعتقد أن فلان يعطي، يمنع، يميت، يحيي.. فقد أشرك في ربوبية الله عز وجل.
    صور من الشرك في الأسماء والصفات
    يبقى الصنف الثالث من أصناف الشرك، وهو شرك في الأسماء والصفات، أسماء الله مائة اسم إلا اسماً واحداً وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] هذه الأسماء بها ندعو الجبار تعالى: يا رحمن، يا رحيم، يا علي، يا كبير، يا سميع، يا عليم، يا خبير.. ادعه بحسب حاجتك، سمعتم؟ يستجيب لك لا محالة، وهو إما أن يقضي حاجتك إن كان لك فيها خير، أو لا يقضيها لأنها شر لك وأنت ما تدري، ويعطيك بدلها حسنات درجات، أو يدفع عنك مكروهات أيضاً، لن يضيع دعاءك أبداً، إذا أخلصت الدعاء وأقبلت عليه بقلبك ووجهك: يا رب! اسأل تعط، فإن سألت ولداً وهو يعلم أن هذا الولد لو تعطاه يكبر ويذبحك، أو يقف في حلقك كالشجى، يفعل ويعطيك الله؟ أو سألته سيارة، وهو يعلم أنك لو ركبتها قتلت نفسك أيعطيك؟ يغشك ربك؟ حاشى لله.وقضية الخضر مع موسى واضحة، أليس كذلك؟ خرق السفينة وقتل الولد وجدد البناء؛ لما أعلمه الله تعالى من العاقبة. أقول: ادع الله، وأخلص الدعاء، واطمئن إلى أن الله يجيب دعوتك، إن كان ما طلبته فيه خير لك أعطاك، وإن كان ما فيه خير لك بل فيه أذى وشر ما يغشك مولاك ولا يعطيك ذلك الطلب، ماذا يفعل؟ إن كان هناك مكروه نازل يدفعه بذلك الدعاء، ما في مكروه نازل يرفعك درجات ما كنت لتصلها بصيامك ولا صلاتك، لقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ولكن احذر شرك العبادة تغيظ ربك وتغضبه عليك، يا ألله ويا رسول الله! يا رب ويا سيدي عبد القادر! يا ألله ويا رجال البلاد! تغيظ الله أو لا؟ خلقهم ليعبدوا معه مخلوقين له! كيف تدعوهم معه وتشركهم مع الله؟ هذه الكلمات المنتنة العفنة عاشت عليها أمة الإسلام قرابة ألف سنة، قل من يقول: يا رب! لا بد يا الله ويا سيدي فلان!معشر الأبناء أنتم أحداث ما بلغكم، اسألوا أصحاب اللحى البيضاء يخبرونك بالواقع، قل من يقول: يا ألله فقط، لا بد معه آخر، ومع هذا المؤمن يؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وإذا نزل وسقط نعله: يا رسول الله! أنت كنت تعلن عن التوحيد أو لا؟وعلة ذلك: أنهم ما علموا، ما عرفوا، ورثوا الجهالات وسهلها العدو، وزاد في رغبتها إليهم؛ ففعلوها وهم لا يعلمون، أما من علم لو تذبحني أنا سبعين ذبحة على أن أسأل غير الله والله ما سألت؟وأستثني من الجائز لو يجيء شخص يضع المسدس في عنقي أو في صدري: هاه.. قل يا عبد القادر أو نقتلك، ممكن إذا خفت من الموت أقولها بلساني وقلبي ما هو مطمئن إليها، هذه رخصة جائزة، لكن إن شاء الله ما نأخذ بها، لكن لو أخذنا بها لقول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].عمار بن ياسر رضوان الله عليه ابن سمية الشهيدة، وياسر ، يمر به الرسول في مكة عند الصفا وهو يعذب بأنواع التعذيب، والرسول ما يملك شيئاً، فيقول له: أعطهم يا عمار .. أعطهم يا عمار ؛ لأنهم يقولون: سب محمداً، ماذا يصنع؟ تعظم آلهتنا وتقدسها أو لا؟ فإن قال: لا. يصفعونه بالصخر على رأسه، فقال: أعطهم يا عمار ، هذه الحالة الصعبة حالة الموت يجوز للمؤمن أن يدفع هذا الشر بلسانه؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ على قولة الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ [النحل:106]ساكن، هادئ، واثق بإيمانه.شرك الأسماء والصفات أقول: لا يصح ولا يجوز أن تسمي ولدك الله، ومن فعل كفر، ولد له مولود، ماذا نسميه؟ قال: سموه الله، يجوز؟ يشرك في أسماء الله عز وجل؟ ما يجوز، وصفات الله عز وجل أن تضفى للمخلوقين وتعطونها ويرتفعون بها، هذا الشرك لا يقره الله ولا يقبله المؤمنون، ورسولنا من قبل رفضه ولم يقبله، أبداً، أسماء الله وصفاته لا يتصف بها مخلوق، ولا يسمى بها مخلوق.العزى: تحريف العزيز، اللات تحريف عن الله؛ فحرف العرب أسماء الله عز وجل؛ فنزل القرآن فأدبهم وأبطل تلك الترهات والأباطيل، العزيز الله، ما هي اللات ولا العزى.والشاهد عندنا في من يقول: فلان إذا نظر إليك عرف ما في قلبك! من هو الذي يعلم ما في قلبك؟ الله، فإذا قلنا: فلان من أقطابنا من أولياء الله، إذا وقفت أمامه قال كذا وكذا، أشركوا صفة الله العليم للغيب بهذا الشخص الذي يعلم الغيب، وهذا أيضاً شاع وذاع بين المسلمين، ينسبون إلى الأولياء علم الغيب، وقد استأثر الله به وحده إن الغيب إلا لله، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].تنبيه: الاسم الأعظم أخفاه الله عز وجل حتى لا تستغن به عن أسمائه وتهجرها، كما أخفى تعالى ساعة يوم الجمعة، لو علمها لكان الناس كلهم لا يصلون إلا تلك الصلاة فجعلها عامة، ليلة القدر بألف سنة لو عينها وتعينت ما عبد الناس الله في رمضان إلا تلك الليلة، ويدلك على هذا خارج بلادك أو في بلادك، لا يجتمعون إلا ليلة سبعة وعشرين، يجيء الحاكم والضباط والدنيا يعبدون الله في رمضان ليلة سبعة وعشرين، رجاء أنها ليلة القدر، باقي الليالي في المقاهي.فأنت تعرف أن الله هو لاسم الأعظم بحيث لا يسمى به مخلوق أبداناً ولا تذكر إلا أول الأسماء: يا الله، يا عليم، يا حكيم.. ما تقول: يا لطيف، يا خبير يا الله أبداً، هو الأول، وادعوا الله بأسمائه كلها إذ قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] اسألوه بها.
    سبب استحقاق الله لأن يعبد وحده لا شريك له
    وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] هذا الحق الأول، من صاحبه؟الله، بم استوجبه؟ من لم يعرف الليلة يبيت يبكي خير له، بم استوجب الله هذا الحق بأن يعبد وحده ولا يشرك به، بم استوجب هذا الحق؟ بالهراوة يعني؟ لأنه خلقك ورزقك وخلق الدنيا كلها من أجلك، وخلق الجنة والنار لك ومن أجلك، صاحب هذا الإنعام، هذا الإكرام، هذا الإفضال، ما له حق عليك؟ يكفي أنه وهبك عقلك، فالله استحق هذا الحق بماذا؟ بخلقه ورزقه وتدبيره، فلهذا الكافر شر البرية.دائماً نقول: إن اليهودي، المسيحي، البوذي، الملحد، المشرك، العلماني، القردة والخنازير والكلاب والحيات أفضل منهم، يعجب الناس، لم؟ أما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: كفروا الله ورسوله وشرعه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] البريئة ما هي؟ الخليقة، برأ إذا خلق، وإن قرأت البرية أدغمت الهمزة حولتها إلى ياء وأدغمتها، من شر الخليقة؟ الذئاب، الكلاب؟ لا والله، الكفار والمشركين.يا شيخ! كيف تقول؟ أنا قلت أم ربي الذي قال؟ الله. قل: بين لي وجه هذا؟ نعم. أبين لك، الكلاب والذئاب والقردة والخنازير والحيات والثعالب ما عصت الله ما خلقها له فهي تفعله بانتظام، ما أشركت به ولا أنكرته أبداً، وهذا الذي خلقك وفضلك وآثرك على غيرك وسودك وأعطاك وأعطاك تكفره وتغطيه وتجحده وتسبه أيضاً وتكفر به، أو تجعل له تماثيل وأصناماً تقارنهم به؟ أي ظلم أعظم من هذا؟ فهذا شر الخليقة، لو بلغنا هذا اليهود والنصارى بعلم لبكوا ودخلوا في الإسلام.من شر البرية؟ الكفار والمشركون، وجه الشر ما هو؟ أيخلقهم خالق ويرزقهم رازق ويربيهم مربي عليم حكيم رحيم ويجحدونه ويتنكرون له! ولا يقبلون عليه ولا يرفعون أيديهم إليه، ويدعون إليه فيسخرون من الدعاء، ويقاتلونهم ويقتلونهم أليسوا شر الخلق؟ بلى.
    معنى قوله تعالى: (وبالوالدين إحساناً)
    قال تعالى: وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] الحق الثاني، لاحظ اذكر هذا، ما ذكر تعالى حقه إلا ذكر بعده حق الوالدين، ما السر؟السر: عرفنا الآن لم حق الله؟ لأنه خلق أو لا؟ وربى أو لا؟ وأغدق النعيم أو لا؟ والوالدان ما هو السبب فقط، أنت دمهما، أمك ما نمت في بطنها؟ دمها ولحمها وكلها أخذته أنت لما ولدتك، ربتك بالطعام والشراب، وأبوك كذلك، سنتين ثلاث أربع، هذا إحسان أو لا؟ هذا إحسان يقابل إحسانه وهو تقريب منه، فلهذا إحسانك للوالدين بعد حق رب العالمين. وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وتقدير الكلام: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأحسنوا بالوالدين إحساناً خاصاً، ما قال: وأحسنوا إلى الوالدين، استنبطنا منها معنى لطيف، خذ كأس اللبن واجعله في فم أبيك لا تضعه هناك وتقول له: خذ واشرب، إذا تريد أن تصل، قال: وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وأحسنوا بهم ما قال: أحسنوا إليهم، أخرجت الألف ريال والخمسمائة طلبة ما ترميها قدامه وتقل له: خذها، عيب هذا، ضعها في كفه أو في جيبه، وعلى هذا فقيسوا.ما قال: وإلى الوالدين إحساناً، قال: وبالوالدين، صل إحسانك به ما تفصله عنه، ومن هذا الإحسان أدنى ما عندنا إذا مشيت مع أبيك ما تمشي أمامه، سمعت؟ وإذا كنت طويلاً وهو قصير ما تمشي إلى جنبه، امش وراءه.الخلاصة: أن تبذل المعروف له، وأن تكف الأذى عنه.خطوتان: الخطوة الأولى: أن تبذل وتعطيه ما يحتاج من معروف في حدود طاقتك، والثانية: أن ترفع الأذى عنه ولا كلمة أف أبداً مقابل الإنعام إن كنت ذا بصيرة ووعي وقلب سليم، اذكر فقط حملك في بطن أمك، اذكر تربيتك، اذكر ما أغدقه والدك عليك وعلى أمك، واذكر واذكر.. تستحي، تخجل أن تتعرض لهم بسوء.الإحسان بالوالدين إيصال المعروف إليهم، والمعروف كل خير، وكف الأذى عنهما، أدنى أذى إياك، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ بماذا؟ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، هو وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] هي هي الآية أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] آية سورة لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي ثم لمن؟ وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] وهكذا ما ذكر تعالى حقه في العبادة والطاعة إلا ذكر حق الوالدين، فلنذكر هذا ولنعود إليه غداً إن شاء الله.وصلى الله على نبينا محمد.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #246
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (21)
    الحلقة (245)

    تفسير سورة النساء (28)


    بين الله عز وجل الحقوق التي يلزم العبد المؤمن الإتيان بها، وأول هذه الحقوق حق الله عز وجل الذي خلقه ورزقه، والمستحق لطاعته وعبادته، وثاني هذه الحقوق حق الوالدين لسابق فضلهما على الابن وكونهما سبباً لوجوده في الدنيا، ثم تأتي حقوق ذوي القربى من الأرحام والأصهار، وحق اليتامى والمساكين، وحق الجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وحق ابن السبيل، وحق ملك اليمين، وكل هذه الحقوق يسأل الله عز وجل العبد عنها يوم القيامة لينظر ما فعل فيها.
    تابع تفسير قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث قبلها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).الحمد لله على توفيقه، الحمد لله على آلائه وإنعامه.ما زلنا مع سورة النساء المباركة، وبالذات مع آية الحقوق العشرة، وقد تكرر هذا، وأكثر المستمعين والمستمعات قد وعوه، آية من سورة النساء تضمنت عشرة حقوق على كل مؤمن ومؤمنة أن يؤديها كاملة وافية، وإلا فهو مسئول ومراقب إلا أن يشاء الله.هذه الآية المباركة طالبت المستمعين والمستمعات بحفظها، وليصلوا بها النوافل والفرائض؛ حتى تستقر في نفوسهم؛ لأنها حقوق واجبة، إذا لم تعرفها كيف تؤديها؟ من غير المعقول إذا لم تعرف الحق كيف تؤديه؟
    حق الله في العبادة
    وسبق أن قلنا: إن الحق الأول هو حق الله تبارك وتعالى، الذي وجب له علينا مقابل أن خلقنا ورزقنا وحفظنا، ولو فتحنا أعيننا ونظرنا إلى نعمه المتوالية نذوب حياء، وهذا الحق هو: أن نعبده بما شرع من العبادات، ونخلصها له ولا نشرك به سواه.وعرفنا أنه من غير المعقول أن تعبد الله تعالى وأنت ما تعرف ما تعبده به، فوجب أن نتعلم أنواع العبادات التي جاءت في كتابه وعلى لسان رسوله عبادة عبادة، وأن نتعلم كيف نؤديها؛ فنؤديها على الكيفية التي شرعها الله عز وجل، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم.وأصبحنا عالمين مطمئنين إلى أن العبادة عبارة عن أداة تزكية، مادة تطهير، فهذه المادة لا بد وأن تكون خالصة كما هي، وأن تعرف أوقاتها المعينة لها وكيفياتها التي حددت لها، وإلا ما تنتج لك نوراً ولا هداية.وعرفنا أن الشرك يحبط العبادة ويبطلها ويزيل أثرها، ويحول نفس المشرك إلى نفس مظلمة كأرواح الشياطين، فالحذر الحذر أن يراك الله عز وجل تلتفت إلى غيره بقلبك، بلسانك، بوجهك، بأعمالك؛ فلتكن أقوالك وأعمالك كلها المراد بها الله.مررنا على رجل يحرث في أرض، لمن يحرث هذا؟ ينبغي أن يحرث لله، كيف لله؟ ينوي بحرثه أن يستنتج بإذن الله قوته وقوت أسرته، وأن ينتفع مؤمن أو غير مؤمن بهذا الزرع الذي ينبت، إذاً أصبح الحرث لله. مررنا برجل يهدم في جدار بالفئوس لم؟ لله، كيف تهدم لله؟ نعم. خشيت أن يسقط هذا الجدار على مؤمن أو مؤمنة فيهلك، فأنا أهدمه لذلك.مررنا برجل يبني جداراً، ما هذا؟ قال: لله، كيف لله، آلله أمرك؟ قال: نعم، أريد أن أبني منزلاً أكن فيه نفسي وأسرتي، ونحن عبيد الله، فنعمل لله.هذه هي الغاية التي ينبغي أن يعقلها كل مؤمن ويفهمها ويكيف حياته لها، وإلا ما معنى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] ما معنى محياي ومماتي؟ خرج عن الحياة والموت شيء؟ معناه: أننا وقف على الله، تعرفون الوقف أو لا؟ ريع الوقف ودخله لمن؟ لمن وقف عليه، ونحن وقف على الله نأكل من أجل الله، نشرب من أجل الله، نتزوج من أجل الله، نطلق من أجل الله، نبكي من أجل الله، نبتسم ونضحك من أجل الله.. كل حياتنا لله، فلو عرف المسلمون هذا لارتقوا إلى سماء الكمالات، لكن الجهل غشاهم وغطاهم من ألف سنة إلا من رحم الله عز وجل، مع أن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات ) عملك منوط بنيتك، إن أردت الله ووجهه فزت، نسيت، غفلت، أردت ليلى أو سلمان.. عملك لغير الله حابط.وهيا نتغنى بالآية تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].أولاً: عرفنا حق الله عز وجل وهو: أن نعبده وحده ولا نشرك به سواه، ونتعلم أنواع العبادة ونعبده بها، طاعة في الأمر والنهي، وعرفنا حقوق الوالدين، وذكرت لكم لطيفة ما تنسوها، ما ذكر الله حقه إلا وعقب عليه بحق الوالدين، فما العلة؟ ما السر؟ ما الحكمة؟لأن الله استحق عبادتنا؛ لأنه خلقنا ورزقنا وكسانا ولطف بنا.
    حقوق الوالدين
    ثانياً: الوالدان: ألست من ماء أبيك وماء أمك؟ ألست قضيت تسعة أشهر في بطن أمك، ويستحيل دمها إلى لبن أبيض تشربه؟ أليس والدك قائماً عليك وعليها؟ يغدق عليك الطعام والشراب والكسوة، كيف ترد هذا الحق؟ بالإحسان بهما أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].والمراد بـ: (الوالدين) الأم والأب، إلا أن حق الأم متضاعف ثلاث مرات ( من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟ قال: أمك. قلت: ثم من؟ قال: أمك. ثم من؟ وفي الرابعة قال: أبوك ) والحكم واضح، مثلنا مرة: تعال نربط في بطنك نعلاً فقط ولا تنزعه لا ليل ولا نهار تسعة أشهر، تستطيع؟ يمتص من دمك ولا لحمك، فقط مربوط، تأتي إلى الليل ما تستطيع تنزعه، فكيف بأم تحملك في بطنها وتتغذى بدمها؟!إذاً: ما الإحسان بالوالدين؟أولاً : طاعتهما في المعروف فيما أذن الله تعالى بفعله أو تركه، إذا قال الوالد لولده: قف هنا يقف، إذا قال: يا بني اجلس يجلس، إذا قال: لا تقف لا يقف، لا تجلس لا يجلس.طاعتهما في المعروف؛ فإن طلبا منه غير المعروف فالقاعد عند المؤمنين والمؤمنات محفوظة: ( إنما الطاعة في المعروف )، قاعدة قانونية ( إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).بعد طاعتهما في المعروف، كف أدنى أذى عنهما، كل ما يُحدث ألماً في نفس أبيك أو أمك حرام أن تفعله حتى رفع الصوت والانتهار، فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، وتأتي آداب أخرى منها: أنك لا تريهم وجهك وأنت غضبان تؤلمهم، لا تمش أبداً وأنت أطول من أبيك وتمشي إلى جنبه ويصبح هو دونك امش وراءه، لا تمش أمامه كأنك تقوده، صوتك منخفض عن صوته، تؤثره في المجلس .. في تناول الطعام، في أي شيء هو المقدم وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ [الإسراء:24] تعرف الطائر كيف يميل بجناحه؟ أنت كذلك، أظهر الذلة في نفسك لهما، لا تتعنتر، وختام الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].وعقوق الوالدين من أكبر الذنوب، من مات عاقاً لوالديه لن يدخل الجنة إلا بعد تصفية كاملة قد تكون آلاف السنين في جهنم، وإن أمراك بمعصية الله فلا، إذا قال أباك: لا تصل، هل تطيعه؟ قال: سب فلاناً أو اضربه من المؤمنين، أتطيعه؟ الطاعة في المعروف فقط.وهناك حقوق ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للوالدين بعد موتهما، منها: أولاً: الصلاة عليهما ما حييت، وأنت تستغفر لهما وتترحم عليهما طول حياتك بعد موتهما.ثانياً: الاستغفار لهما.ثالثاً: صلة الرحم التي لا صلة لك بها إلا من طريقهما من سائر الأقارب.وأخيراً: أن تبر أهل ود أبيك.وقد عرفنا تلك الحادثة ما بين مكة والمدينة، كان ابن عمر رضي الله عنهما معتمراً أو حاجاً ويركب على حمار يروح به على نفسه، عنده جمل ولكن الحمار معه إذا ملَّ وسئم من ركوب البعير ركب على الحمار يروح؛ لأن المسافة عشرة أيام، واستراحوا وجاء سائل يسأل من البدو، فعرفه عبد الله فقام فأخرج عمامة كان يربطها على رأسه في الليل يستريح بها، فأعطاه العمامة وأعطاه الحمار، فعجب مولاه نافع وقال له: يا مولاي! هذا أعرابي حفنة من التمر تكفيه، لم تعطيه عمامة تشد بها رأسك وحماراً تروح به على نفسك؟ قال: اسكت، هذا أبوه كان صديقاً لـعمر ، هذا الذي تقول والده كان صديقاً لأبي.والحمد لله عرفنا عجوزاً كانت صديقة لأمي، أما أبي فلا أعرفه فقد توفي وأنا رضيع، ولما عرفنا هذا العلم ذهبت إليها وأحسنت إليها وزرتها؛ لأنها كانت صديقة لأمي، فهل تفعلون؟
    حقوق ذوي القربى
    ذكر الله بعد الوالدين الأقارب فقال: ذِي الْقُرْبَى [النساء:36] أي: الأقارب، الأقرب فالأقرب، أخوك أقرب من عمك، وعمك أقرب من ابن عمك، وخالتك أقرب من بنت خالتك، وهكذا الأقرب فالأقرب في حدود طاقتك، وعمر وضع قاعدة رضي الله تعالى عنه وهي قوله: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)، تعلموا أيها المؤمنون أيها المستمعون من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، أما الذي ما تستطيعون أن تصلوه كابن ابن ابن.. كذا ما هناك حاجة إليه، لكن الذين تجب صلتهم تعلمه، اعرف خالتك، وخالك، وعمك، وابن عمك، وابن خالتك.. وهكذا في حدود طاقتك، حقهم ماذا؟ الإحسان إليهم، وذلك بإسداء الفضل والمعروف لهم، وكف الأذى عنهم كالوالدين.أقارب حقهم عليك أن تبر بهم وتحسن إليهم، ولا تؤذ أحداً منهم، لا باللسان ولا بالمال ولا بالسنان، أبداً؛ لأنك تجمعك وإياهم رحم واحدة، وهكذا الإسلام يكون المجتمعات المتضامنة المتكافلة المتعاونة، يبدأ بين العبد وربه، ثم بين العبد ووالديه، بين العبد وأسرته، ثم ينتقل حتى تصبح الأمة كأنها جسم واحد، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92].
    حقوق اليتامى
    وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [النساء:36] ما حقوق اليتامى؟اليتامى : جمع يتيم، من فقد أباه، أما فاقد الأم لا يقال له يتيم، اليتيم من فقد أباه هنا، فهو الذي يعوله وينفق عليه ويكلؤه ويحفظه، هذا الذي فقد المعيل وهو الأب يتيم ولو في حجر أمه، ولو في بيت جده، اليتامى ابتلاهم الله فقبض آباءهم امتحاناً وابتلاءاً لحكماً عالية أدركناها أو لم ندركها.إذاً: هذا امتحان لنا بأن نقوم عليهم، فلا ينقصهم شيء ونحن قادرون على مدهم به الطعام، الشراب، الكساء، الدواء، دفع الأذى، دفع الضرر، حمايتهم واجبة المؤمنين والمؤمنات. حقوق اليتامى:أولاً: إياك أن تسلب من مالهم شيئاً، أو تأخذ منه شيئاً، لا يحل أبداً لأنهم يتامى، وأكل مال اليتيم ظلماً يتحول إلى نار في بطن الآكل، وقد تقدمت الآية الكريمة إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] فاليتيم بين المؤمنين محفوظ، يبقى إلى أن يبلغ سن الرشد وهو نقي طاهر كريم.يا شيخ! أولادهم ضيعوهم فضلاً عن أولاد اليتامى، أولادهم يلعبون في الشوارع ويسبون الله.نحن علينا أن نتعلم ونبين، ويجب على كل ذي ولد ألا يهمل ولده، يجب أن يحفظه.وتعلموا قاعدة عمر رضي الله عنه، عرفناها يا شيخ وما استطعنا نعمل بها، لم ما تستطيعون؟ أين طاقاتكم وأين جهودكم؟قاعدة عمر لو وضعها كافر لتغنت بها إذاعات العرب والعجم، لكن وضعها عمر ، قاعدة عمر احفظوها وطبقوها من الليلة إن شاء الله، يقول رضي الله عنه: (لاعب ابنك سبعاً)، بمعنى: العب معه في الغرفة التي فيها، في الحوش الذي أنت فيه.. حتى تقوى بنيته وتسلم أعضاؤه.(وأدبه سبعاً)، إذا انتهت السبع الأولى، املأه بالحكم والقرآن والسنة والمعارف، احشوه حشواً، سبع سنوات وهو يبتلع، لا يبق مثل ولا حكمة ولا موعظة ولا آية ولا حديث إلا وحفظه. سبع سنين وأنت تؤدبه.(واصحبه سبعاً)، بلغ السادس عشر إياك أن تتركه وحده، إن كنت نجاراً فهو معك في النجارة، كنت كناساً في البلدية اطلب إذناً له ووظفه معك يكنس معك في البلدية، في الشوارع، كنت طباخاً هو معك في المطبخ.. خياطاً ملابس إلى جنبك هو يخيط.. فلاحاً هو إلى جنبك في المزرعة، أنت عسكري اطلب له العسكرية ليكون إلى جنبك، المهم لا يفارقك حتى تصل إلى فراشه وينام وتعلمه ما يقول عند النوم وتطفئ عليه الضوء.وقبل الفجر تأتي أنت وتقومه سبع سنوات، بلغ الواحدة والعشرين، يذهب حيث شاء ألق حبله على غاربه، أصبح مثلك ورثك وأنت حي، إذا صحبك سبع سنوات والله ليصبح يبتسم كما تبتسم، ويرفع صوته كما ترفعه، ويتناول الأشياء كما تتناول، ويخاطب الناس كما تخاطب؛ لأنه ورثك، معك ليلاً نهاراً ما يرثك.هذه القاعدة من قعدها؟ عمر . لو يجتمع علماء البشر كلهم من أهل الكفر والله ما عرجوا عليها، ومع هذا ميتة هذه لا وجود لها عند المسلمين؛ لأنهم هجروا كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.إذاً: وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [النساء:36] عرفتم حقوق اليتامى؟ من أبرزها ألا تتناول منها شيئاً أبداً، ولما كان المؤمنون في طور رقيهم وكمالهم لما نزلت الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى [النساء:10] منعوا الاختلاط معهم، والله إن المرأة لتطبخ قدراً ليتيمها وآخر لزوجها وأولادها، الماء في سقاية لليتيم وسقاية لهم، وشق عليهم الأمر وتكلفوا، وبعد ذلك تساءلوا ورحمهم وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220] وترككم في تلك المشقة، لكن اعملوا دائماً على إصلاح مال يتاماكم، وقدمنا: لما تطبخوا له طبخة تكلفه عشرون ريالاً، لكن لما يكون من جملة أولادها ما تكلفه ريالين، أو ما هو واضح هذا المعنى؟ واضح.فمن ثم اختلطوا بهم، ولكن يراعون دائماً صالح اليتامى، (إصلاح لهم خير).
    حقوق المساكين
    قال: وَالْمَسَاكِينِ [النساء:36] أيضاً، والمساكين جمع مسكين، والمسكين الفقير الذي مسكنته الحاجة، كادت تسكنه بالأرض، ما يستطيع، يقول: ما عنده شيء، ما يستطيع يتحرك، إذاً فهو مسكين، هذا المسكين الذي ابتلاه الله وابتلاه من أجلكم وابتلاكم من أجله يجب أن يجد حقه بينكم.أولاً: إياك أن تضحك منه أو تسخر به أو تستخف به، أو تعطيه ما لا خير فيه، اجعله محترماً بيننا كما هو الغني فينا، لا ازدراء ولا احتقار ولا تهكم ولا إلقاء شيء بعنترية.ثانياً: إن جاع يجب أن يطعم، إن عطش يجب أن يروى، إن عري يجب أن يكسى، وأهل القرية هم المسئولون عن هذا، أما الذين في بلاد أخرى ما هو مسئول عن مسكين في المدينة، أهل القرية والحي مسئولون عن مساكينهم.أما التكبر عليهم، والازدراء بهم، والاستخفاف بهم، ورفع الصوت عليهم.. هذا كله حرام، حقه أن تحترمه وتبجله وتطعمه إن جاع وتكسوه إن عري، أو تعالجه إن مرض بالتعاون مع إخوانك في القرية أو في الحي.حق المساكين عرفتموه؟
    حقوق الجار ذي القربى
    قال الله: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى [النساء:36] الجار المجاور من الجوار، هذا بيت، وهذا بيت، وهذا بيت.. بيوت في الشارع، في القرية، في الحوش، في الحي.. هذا الجار المجاور له حق، وهذه الصديقة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أم المؤمنين حب الرسول صلى الله عليه وسلم، بنت الصديق ، وبلغنا أن بعض الضيع يلعنونها، أعوذ بالله! أين يذهب بعقولهم؟ الذي يقول فيها سوءاً وباطلاً كفر، خرج من ملة الإسلام؛ لأنه كذب الله تعالى وكذّب رسوله. أقولها بالبربرية: ووصم رسول الله بالدياثة، والله برأها في سبعة عشر آية من سورة النور، وختمها بقوله: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:26].لم تقول هذا يا شيخ؟لعلمنا أنه يوجد بين المسلمين من في هذا الضلال؛ لعله تبلغه كلمة.أنا أقول: يجب على كل واحد أن يسأل عن دينه وعن الطريق الموصل إلى ربه، ما يقلد شيخاً ولا إماماً ولا أماً ولا أباً، اعمل على تزكية نفسك يا عبد الله لتنقذها من الخلود في نار جهنم.الصديقة رضي الله عنها رأيتها في منامي وأنا طفل ألعب مع الأطفال.قالت: قلت: ( يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منكِ باباً )، الذي بابه أقرب من الثاني إليك قدمي له الهدية، وما هي الهدية؟ حفنة تمر، مرق.. حسب الطاقة، فمن هنا الجيران الأقرب فالأقرب، الأقرب منك، ورد أن الجيران أربعون داراً، ولكن طاقتك لا تتسع لهذا كله؟ إذاً: في حدود طاقتك، كما قدمنا في ذوي القربى.وهنا قالت العلماء: الجيران ما يلي: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد.قال تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى [النساء:36] أو لا؟ الجار صاحب القرابة له ثلاثة حقوق: حق الجيرة، وحق القرابة والرحم، وحق الإسلام.وجار له حقان فقط: حق المنزل، وحق الإسلام.وجار له حق واحد وهو الجار البعيد مؤمن أو غير مؤمن، الجار البعيد له حق واحد وهو حق الجيرة، يبقى كونه كافراً أو ما هو من أقاربك شأنه، المهم الجار الذي هو ليس من أقربائك والغالب أنه يكون كافراً يهودي، أو نصراني وهو جار كم حق له؟ حق واحد فقط.هذا والتعاليم النبوية في هذا الباب كثيرة اسمعوا منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) كثَّر علي من الوصية حتى جاء في قلبي أنه ممكن يورثه بالسدس أو الخمس أو العشر كباقي الورثة، لكن ليس بمورث ولا بوارث، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) معناه: لا يهينه، ولو بنظرة شزراء، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن! قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ) الذي لا يأمن جاره بوائقه وطوامه ومهلكاته لا يدخل الجنة، ما آمن.ومن الإحسان إلى الجار الكلمة الطيبة، إذا احتاج إلى مرق، إلى كبريت نار، إلى ماء، إلى دابة، إلى كذا وأنت قادر، مع كف الأذى مطلقاً لا تؤذيه في طفله ولا في أهله ولا في بهيمته، ولا تأتي بالسيارة وتغلق عليه باب بيته، كما نفعل، يأتي بسيارته ويعترضها في بابه، من أين يدخل؟ ما يجوز.جارك الذي لا يصلي ينبغي أن تلازمه حتى يصلي، لم تتركه لا يصلي؟ يجب أن تدعوه حتى يصلي، وإذا كنت في دولة الإسلام التي نعيش فيها حرام أن تسكت عليه والهيئة موجودة، يجب أن تأتي بالهيئة: هذا ما يصلي.وإذا كنت في بلاد لا إسلام فيها حسبك أن تعرض له وتذكره حتى الموت. هذا من حقه عليك. وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36] ما معنى الجار الجنب؟ الجنب كافر يهودي أو نصراني، أو جار ما هو من قرابتك من بلاد أخرى، له حق الجيرة.
    حقوق الصاحب بالجنب
    وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36] من هو الصاحب بالجنب هذا؟ هذا الصاحب الذي إلى جنبك، سافرت هو معك، أتيت المسجد هو إلى جنبك، أنت في البيت هو معك، ما يفارقك، هذا صاحب مصاحب أو لا؟ وابدأ أولاً بالمرأة، صاحبتك أو لا؟ والمرأة تسمى صاحبة، وهذا ما معنى قوله: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3]؟ زوجة، فالزوجة يجب أن تعطيها حقها رغم أنفك، وحقوقها موضحة الصاحب بالجنب قد يكون الذي يسافر معك إلى حج إلى عمرة إلى تجارة معك دائماً، فهل تنقصه من حقه وهو ملازم لك؟ الجواب: لا يجوز أبداً.الصاحب بالجنب تلميذ يدرس عندك، أو يلازمك في المدرسة، ما هو ملازم؟ كل من يلازمك ليل نهار أصبح صاحباً بالجنب يجب أن ترعى حقه.أولاً: أن تبذل له المعروف.ثانياً: أن تكف عنه الأذى، لا يتأذى منك، إذا كان يتأذى بصوتك العالي ما ترفع صوتك أبداً، أوصاك الله بهذا، هذا الصاحب بالجنب.
    حقوق ابن السبيل
    قال الله: وَابْنِ السَّبِيلِ [النساء:36] السبيل هي الطريق، وفي القرآن بمعنى السبيل قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] سبيل الله الطريق الموصل إلى رضاه، والسبل الأخرى طرق الشياطين والمبتدعة والضلال، السبيل الطريق، كيف قلنا: هذا ابن الطريق؛ لأننا ما عرفناه إلا منها، دخل القرية أو دخل البلد ونحن ما نعرف له أم ولا أب ولا قبيلة ولا بلد، من أين هذا؟ هذا ابن الطريق باختصار، وإن قلت: كيف؟ قلنا: الله عز وجل هو الذي أطلق هذا الاسم ابن السبيل.حقه إذ استرشدك يجب أن ترشده، إذا استعلمك يجب أن تعلمه، إذا استضافك يجب أن تضيفه، إذا قدم حاجته إليك من جوع أو كذا ينبغي أن تقضيها، ومن هنا لو أخذنا بمبدأ التضامن الإيماني إذا دخل ابن السبيل القرية لا يخاف أبداً، آمن في ماله، في دمه، في ما عنده لا يحتاج إلى طعام ولا إلى شراب وإلى كساء أو أداة حتى يسافر.ويعطى هذه الحقوق ولو كان في دياره من أغنى أهل بلاده، لكن وصل عندنا ما عنده شيء.كان قبل هذه الأعصر إذا دخل ابن السبيل أهل القرية يقومون به ما يوجد فندق ولا مطعم ولا.. ولا.. فمن يقوم به؟ أهل القرية، الآن في فنادق، مطاعم، استراحات، فإذا كان لديه مال ما هو في حاجة إلى أحد، لكن انقطع ما عنده، وعلمت انقطاعه يجب أن تؤدي هذا الحق أنت وإخوانك المؤمنين.تنبيه: والصاحب بالجنب يشتغل معي، طول العام صاحب أو لا؟ قال: نصحت له بأن يترك الدخان غضب علي، وما كلمني.أنت أديت واجبك، وإذا رأيته سلم عليه وعليكم السلام، وأعد النصح له المرة الثانية والثالثة بلطف حتى تؤدي حقك معه.
    حقوق ملك اليمين
    أخيراً: الحق العاشر: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].ما عندنا يا شيخ لا خادمة ولا خادم، لم؟ لأن سيوف الجهاد كسرناها، أين الذين ملكت أيمانكم؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: ( للمملوك طعامه وشرابه وكساؤه، ولا يكلف عملاً لا يطيقه )، تحفظ هذه، للمملوك على مالكه: طعامه وشرابه وكسوته، وألا يكلفه من العمل ما لا يقدر عليه ولا يطيقه، وفي هذه الأحاديث النبوية يقول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يقل أحدكم: هذا عبدي وهذه أمتي ) يصبح كأنه هو الله، ( بل يقول: هذا فتاي وهذه فتاتي )؛ لأنه إذا قال: عبدي معناه: ترفع وأذله وأهانه، وإذا قال: هذه أمتي. معناه: أنه تربب عليها واستعلى فحطم معنوياتها وهي مؤمنة، فاستبدل الحبيب صلى الله عليه وسلم هذه العبارة بهذه: لا يقل: هذه أمتي، الله الذي يقول: هذا عبدي وهذه أمتي، قل: هذا فتاي وهذه فتاتي، حفاظاً على كرامتهما، وإبقاء على شرفهما، أليسوا عبيد الله مثلك؟ لا سيما إذا كانا مؤمنين صالحين، يجب أن تتطامن وأن تذل لهما، وإن كنت تأمر افعل ولا تفعل، والإحسان إليهما واجب. هذا حق من الحقوق العشرة.
    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً)
    وختم الله هذه الحقوق بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].من منكم لا يبالي أحبه الله أم غضب عليه؟ أعوذ بالله! والله لو نعلم أن الله غير راض عنا لمتنا، كيف؟ تعرف أن الله لا يحبك وتسعد وتأكل وتشرب؟إذاً: فتجنب كل عمل قلبي أو جوارحي من شأنه أن يغضب الله تعالى عليك، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ [النساء:36] ومن لا يحبه الله يسعد؟ والله ما سعد، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، المختال الذي يتبختر في مشيته تكبراً وتعالياً؛ ليهين أصحاب الحقوق ويزدريهم وينظر إليهم بنظرة شزراء، هذا النوع لا يحبه الله؛ لأنه أراد أن يسلب الله صفات الكمال، الكبر لمن؟ الله أكبر. الكبرياء لله؛ فمن أراد أن يتكبر أراد أن يأخذ من صفة الله عز وجل، والشيطان هو الذي أغراه وفتنه والعياذ بالله، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ [النساء:36] أبيض أسود في الأولين في الآخرين، رجل امرأة حر عبد، مَنْ كَانَ مُخْتَالًا [النساء:36] وفخوراً، الفخور الذي يتمدح بأمجاده.. بحسبه.. بنسبه.. بأمواله.. بعلومه.. بمعارفه؛ ليكون أعلى من عباد الله المؤمنين، ما يرضى الله هذا، أنت عبده؛ فلا تؤلم عبيده بالتكبر عليهم والاختيال والتعالي عليهم بمجدك أو مالك أو حسبك.هذه الآية تجعل المؤمنين كجسم واحد، الذي يملك ملياراً كالذي يملك ديناراً، لا تشاهد خيلاء ولا فخراً ولا تعالي على الله أبداً، والله العظيم.هذه التعاليم الإلهية عرفها المسلمون؟ما عرفوها؛ لأنها في القرآن، والقرآن يقرأ على الموتى لا يقرأ على الأحياء، وقالوا في القرآن: تفسيره خطأ وخطؤه كفر، فأصبح الرجل إذا قال الرجل: قال الله، يغلق أذنيه ويهرب خشية أن تنزل صاعقة؛ لأنه تكلم بكلام الله، هذا واقع وعاشت عليه أمة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعمائة سنة، إذاً: كيف تتعلم؟ لولا أننا جلسنا أربعة أيام خمسة في هذه العشرة الحقوق نتعلمها ما نتعلم.هذه الحقوق العشرة إليكم الآية مرة ثانية: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].فإن كانت الأخرى؛ إذ لا يمنع من هذه الحقوق إلا نوع الكبر والتعالي، قد يتكبر حتى على والديه، ويسخر منهم، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #247
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (22)
    الحلقة (246)

    تفسير سورة النساء (29)


    من الصفات الخبيثة التي نهى الله عباده عن الاتصاف بها صفة البخل، وقد ذم الله عز وجل أناساً يبخلون بما آتاهم الله من فضله، ويتواصون فيما بينهم ويوصون غيرهم بالبخل على المؤمنين، فلا يعطونهم من مال الله الذي آتاهم، بل ويزيدون على ذلك أنهم يبخلون بما آتاهم الله من عمل ومعرفة، ثم هم إذا انفقوا لم ينفقوا إلا رياء وسمعة، وقد توعد الله عز وجل هؤلاء بالعذاب المهين يوم القيامة.
    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم حقق رجاءنا؛ إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء ومع هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:37-39].تأملوا وتدبروا أيها الدارسون ويا أيتها الدارسات، لا تغفلوا ولا تذهلوا.هذه الآيات الثلاث مرتبطة بالآية قبلها وهي آية الحقوق العشرة، وقد درسناها وفهمناها، والتزمنا بتطبيقها، هيا نتلو الآيات الأربع مع بعضها البعض لارتباطها في سلك واحد، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، هؤلاء أصحاب الحقوق العشرة، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:36-39].معاشر المستمعين! أذكركم بأن هذه الحقوق العشرة يجب أداؤها إلا من عجز ولم يستطع أن يقوم بواجب من هذه الواجبات، أو بهذا الحق من الحقوق؛ فأمره إلى الله باستثناء الحق الأول الذي هو حق الله، وهو: أن نعبده بما شرع وحده ولا نشرك في عبادته أحداً، هذا حقه، بم استحق هذا الحق وكان له؟ مقابل خلقنا ورزقنا وإطعامنا وسقينا وحياتنا، الذي وهبك بصرك فقط أصبح له أعظم حق عليك؛ فكيف بالذي وهبك كل حياتك؟ فحق الله أن يعبد من أجل أن يذكر ويشكر فقط وأما عوائد العبادة فهي إسعاد العابدين وإكمالهم، أما الله فلا ينتفع بشيء منها فإنه غني عن خلقه، ولكن أراد أن يذكر ويشكر؛ فأوجد هذا العالم، وأوجد هذا الإنسان، وأوحى إلى رسله، وعلمهم كيف يذكرونه ويشكرونه، وعوائد الذكر والشكر عائدة على الذاكرين والشاكرين؛ فمن كفر ولم يشكر ونسي ولم يذكر فهو من الخاسرين، وتقرر هذا المعنى.ثانياً: وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].الوالدان هما الأم والأب، الإحسان إليهما فريضة واجبة وحق نافذ، واذكر من أين أتيت أنت، من حملك في بطنه؟ أنت ماء من؟ أصلك من؟ من أنفق عليك وأنت طفل إلى أن بلغت السابعة والعاشرة؟ من رعاك؟ من حفظك؟ من بكى لبكائك؟ أهذا الذي تنساه أأنت حيوان؟ وحق الوالدين طاعتهما في المعروف وإيصال البر والخير إليهما، وكف مطلق أذاه عنهما حتى بالكلمة العالية.حقوق القرابات: من عم وابن عم وخال وابن خال وعمة وخالة.. وما إلى ذلك، وابدأ بالأقرب فالأقرب، ماذا تصنع معهم؟ تكف أذاك عنهم، وتبذل المعروف لمن احتاج إليه منهم، من كان يؤذيهم ما أبداً أدى حقهم، كف الأذى وبذل المعروف والندى.حقوق اليتامى: اليتيم من حقه علينا ألا نؤذيه بأي أذى، وألا نأخذ ماله أدنى أخذ، ونحفظ حياته فلا نعرضه للمرض ولا للدمار ولا للخراب، امتحننا الله به، أخذ والده الذي كان يقوم عليه ويرعاه؛ فبقي يتيماً بيننا فيجب أن نرعى حقوقه: التربية.. التوجيه.. الإصلاح.. إطعامه إن جاع سقيه إن عطش.. وهكذا، ونبني دور اليتامى وننفق عليها.المساكين: من أذلهم الفقر، ومسكنتهم الحاجة، ومدوا أيديهم سائلين يجب أن نحسن إليهم بالكلمة الطيبة، وألا نسمعهم كلمة أذى أبداً، ونضع في أيديهم ما يسد حاجتهم، أين التكافل الإيماني الإسلامي؟ ما نستطيع أن نحقق هذا الهدف إلا إذا كنا جماعات مسلمة ربانية في قرانا وفي أحيائنا ومدننا، لن يتم هذا إلا من طريق أن نكون كجسم واحد: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد ).أهل القرية سواء كانوا قبائل مختلفة أو مذاهب متنازعة يجب أن يجتمعوا في بيت ربهم، يصلون الصلوات الخمس لا يتخلف منهم أحد، وبعد المغرب يجلسون جلوسنا هذا، النساء وراءنا، والأطفال أمامهن، والفحول أمام الجميع، وليلة آية من كتاب الله كالتي ندرسها، وليلة حديثاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويوماً بعد يوم نتعلم ونحلم ونكمل، ما تمضي سنة إلا وأهل القرية كجسم واحد لا مذهبية ولا طائفية ولا وطنية ولا نعرات.. ولا ولا، أمرهم واحد، لا تقل: أنا شافعي ولا مالكي ولا إباضي ولا كذا مسلمون، في ذلك المسجد تتكون لجنة من إمام المسجد والمؤذن والداعي الواعظ وترعى أهل الحي، من هو الذي تخلف عن صلاة الصبح اليوم؟ فلان زوروه، ما له؟ قالوا: مريض، كيف مريض وما اطلعنا عليه، إذاً اسألوا عن حاجته، فلان تخلف عن صلاة العشاء البارحة، ما له؟ اسألوا عنه، قالوا: سافر. اللهم رده بخير، وحينئذ نصبح حقاً المسلمين، الأمة الواحدة، ما يبقى في القرية من يرضى أن يؤذى مؤمن بين يديه بكلمة فقط، فضلاً عن صفع، فضلاً عن قتل ودمار، فضلاً عن التكفير والسب والشتم وما إلى ذلك، والله لا تعود أمة الإسلام إلى سماء عليائها أيام كانت سائدة قائدة إلا إذا بدأت الطريق من طريق محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن القلوب تمرض ومرضها أخطر من مرض الأجسام، ولأن الشياطين مهمتها التي مهيأة لها الإضلال والإفساد والتدمير للبشر، فإما أن تقارننا الملائكة أو الشياطين: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38].ثم نعرف قيمة المسافر وابن السبيل الذي نزل بقريتنا لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد إلا في الطريق، يؤوى ويفرش له ويطعم ويحفظ وتقضى حاجته حتى يسافر، من يفعل به هذا؟ إخوانه المؤمنون.ثم هذا الاجتماع ليلياً لمدة سنة .. سنتين، ما يبقى في القرية جاهل ولا جاهلة، وإذا رفع حجاب الجهل وحل محله النور يقع ظلم.. اعتداء؟ والله ما يقع، وإنما الظلم والاعتداء والبخل والأمراض والشرك وكل المصائب هي نتيجة الجهل وظلمة الجهل، ما عرفوا، ما هذبوا، ما ربوا في حجور الصالحين، بأدنى شيء يهتز ويقول الباطل وينطق بالفجر.كيف تصلح هذه الأمة؟ على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قال إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام وهما يبنيان الكعبة: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129]، ابعث في أولاد إسماعيل الآتين رسولاً منهم يعرفون لغته، ويفهم لغتهم، ماذا يفعل بهم؟ يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إذا لم يجتمع المسلمون في أي مكان على الكتاب والسنة اجتماع إيماني حقيقي لن يفارقهم الجهل والخبث والشر والفساد، والتاريخ شاهد، ما نستطيع نجلس من المغرب إلى العشاء.وقد بينا لهم من سنين أن الشيوعيين يجعلون هذه المنظمات في بلادهم، والله العظيم! حتى في بلاد العرب، الحزب الشيوعي عنده لجنة في كل قرية وفي كل حي من أحيائها، وأهل لا إله إلا الله يقولون: كيف يقع البلاء وكيف ينزل الشقاء.. وكيف.. وكيف؟ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].لا يقول أحدكم: عبدي ولا أمتي وليقل: فتاي أو فتاتي، فيجب الإحسان إلى المملوكين الذين هم في قبضتنا وفي يميننا، حيث أعطيناهم في الجهاد في سبيل الله، يجب أن نحسن إليهم، أن نطعمهم وأن نكسوهم وأن نسقيهم وأن نداويهم، وألا نكلفهم ما لا يطيقون، فيصبح ذلك العبد كأنه بين أمه وأبيه أو أجل أو أكثر، فما هي إلا ساعات أو أيام وقد دخل في رحمة الله وأسلم لله؛ لما يشاهد من الإحسان، وإن شككتم كيف دخل العالم في الإسلام على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم؟شاهد أنوار العدل والرحمة والولاء والإخاء، لما غزا المسلمون البلد الفلاني ما فرضوا عليهم الإسلام: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، لكن ما إن يحل المسلمون بينهم، ويشاهدون أنوار العدل والرحمة والطهر والصفاء حتى يندمجون.وكان هذا الختم الأخير: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].يا من يريدون ألا يكرههم الله! يا من يرغبون ألا يبغضهم الله! لأن المكروه لله المبغوض له شقي خاسر خسراناً أبدياً، يا من يريد أن يحبه الله! إذاً فليجتنب الاختيال والفخر، وهنا عجب هذا القرآن وإلا لا؟ قالت الجن عجب أو نحن قلنا؟ الجن قالوا، ما إن سمعوه فقط والرسول يقرأ في صلاة الصبح قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، انظر كيف ذيل وعقب على الحقوق العشرة التي يجب أن ننهض بها وأن نؤديها، وأعلاها أن نعبد الله بما شرع لا بما شرع الناس ونفرده بتلك العبادة، فلا نلتفت لا بقلبنا ولا بأعيننا ولا بأي حركة، لا نرى إلا الله لا يعبد إلا هو: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].هذه الحقوق العشرة قال بعدها: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، فأغلب الذين ما يقومون بهذه الحقوق ولا يؤدونها مصابون بمرض الاختيال والفخر، المختال المفتخر ما يتنازل للفقراء والمساكين والجيران ويرحم ويعطف ولوالديه أبداً؛ لأنه منتفش منتفخ متكبر، كيف يحسن؟ ما يعرف الإحسان، ومعنى هذا: يا عبد الله لِن وتطامن وإياك أن تنتفخ أو تتكبر، فإن الله لا يحبك، وإذا لم يحبك الله يا ويلك هلكت وتمزقت.مرة ثانية: لم عقب على هذه الحقوق العشرة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، المتكبر يأبى أن يسجد لله أو يتطامن، يأبى أن يطيع رسول الله في سنة من سنته فضلاً عن الحقوق الأخرى ما يبالي بها؛ لأنه مصاب في عقله بمرض الكبر والاختيال والفخر، هذه الصفة يجب أن تمنحى من قلوب المؤمنين والمؤمنات حتى يتراحموا، حتى يتعاونوا، حتى يتلاقوا ولا يفترقوا، أما مع هذا المرض لا التقاء ولا اتفاق أبداً ولا تراحم.
    تفسير قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ...)
    قال: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37] بدل من الأولى، أو هم الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37] يبخلون أي: يمنعون الحقوق الواجبة ومنها الحقوق العشرة وغيرها من الحقوق. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37].ما يؤدي هذا الحق، ويأمر من يقوى على أمره ويستطيع أن يقول: لا تفعل، الآية وإن كانت نزلت في مجموعة من اليهود كانوا يأتون إلى الأنصار من أهل المدينة وينصحون لهم بألا يبذلوا أموالهم لمحمد والمهاجرين، ويخوفونهم بالفقر وما يصيبهم بعد، ولعل هذه الدعوة ما تنتصر ثم تعودون، فيبخلون من جهة ويأمرون غيرهم بالبخل، والبخل: هو منع الحق وعدم إعطائه وبذله لصاحبه، ومن البخل أيضاً: أن يتسع طعامك وشرابك ويفضل فضلة وتمنعها عن غيرك وهو محتاج إليها، هذا العيب العظيم: يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37]، وإلى الآن في مجتمعاتنا الإسلامية من يبخل وينصح ألا ينفق فلان، لم تنفق على هذا؟ ما الفائدة من هذا؟ هذا كله يضيع، إلى الآن، يبخل هو في حد ذاته ويقول لأقربائه وأصدقائه: ما في حاجة إلى هذا، هذا المال ما ينفع، هذه النفقة باطلة.. وهكذا، يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37].وأخرى: وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37].يجحدون يخفون مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37] أولاً: العلم والمعرفة، ما يريدون أن يبصروا الناس، أن يعرفوهم بالحق ويهدوهم إليه، وهذا يتناول -كما قلنا- علماء اليهود، جحدوا نعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في التوراة واضحة وضوح الشمس والقمر، ويحرفونها ويقولون للمنافقين من الأوس ولأولادهم وإخوانهم: اكتموا هذا النور واجحدوه: وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37].وهنا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكتم علماً علمه الله وعرفه، إذا علمك الله شيئاً ووهبك هذا النور يجب ألا تكتمه وأن تبينه، وخاصة العلم الشرعي، أما علم الصناعة فلا يجوز كتمانه، وإن كان النصارى يكتمونه وغير المؤمن ما يكتم العلم، تعال أعلمك كيف تطبخ، أو كيف تسوق السيارة، ولا حرج، ويكتمون ما آتاهم وأعطاهم الله من فضله؛ إذ كل ما عند الإنسان هو من الله، أو هناك شيء ما وهبه الله إياه؟ لا يوجد شيء إلا والله واهبه ومعطيه.فلا يحل إذاً أن يقف هذا الموقف: يبخل، ويأمر الناس بالبخل، ويكتم أيضاً ما هو حق ومعروف؛ لتبقى الأمة أو الجماعة أو أهل القرية في ضلالها وتعبها وشقائها.فلهذا معاشر المؤمنين! نقوم بهذه الحقوق العشرة ويساعدنا على أدائها تطهير قلوبنا من الغل والغش والمرض والكبر والعياذ بالله والاختيال والبطر، هذه الأمراض مانعة بتعليل الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38] ألا نتصف بالبخل، البخل مذموم، وقد يبخل الإنسان حتى بكأس الماء، يبخل بالكلمة، وأبشع من ذلك أن يأمر الناس ويعلمهم البخل، وأفظع من ذلك أن يكتم ما فيه خير للناس ويجحده للحفاظ على مصلحة أو على مركز أو على موقف من المواقف، كما منع اليهود من هذا؛ لأنهم يحافظون على مركز وجودهم.وعقب تعالى على ذلك بقوله: وَأَعْتَدْنَا [النساء:37] أحضرنا وهيأنا. لِلْكَافِرِينَ [النساء:37].ما قال: لهم، السياق يقول: وأعتدنا لهم عذاباً مهيناً، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله أعتدنا لهم عذاباً مهيناً، قال: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ [النساء:37] ليعلمنا أن الذين يتعمدون البخل ويأمرون به والله ما هم بمؤمنين، والذين يكتمون الحق ويجحدون المعروف لتبقى الناس في ضلالها وشقائها والله ما هم بالمؤمنين، منافقون يتظاهرون بالإيمان أمام الناس حفاظاً على وجودهم، أما الإيمان الحق ما هم بمؤمنين، أما الإيمان الحق ما هم بمؤمنين. وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:37].وليشمل هذا العذاب كل كافر وكل كافرة، وإلا لقال: وأعتدنا لهم عذاباً مهيناً، لا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ [النساء:37] هم كافرون كفروا نعمة الله، ما شكروها، جحدوا العلم، جحدوا المال والفضل، أي كفران أكثر من هذا؟ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:37].
    تفسير قوله تعالى: (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ...)
    قال الله: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ [النساء:38].صنف آخر من هذه الجماعات.قال: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ [النساء:38].إذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى احتساب وجمع المال يخرجون بالأموال وهم لا يؤمنون، فقط ليقال: أنفق فلان وتصدق فلان، وهذا وإن كان في المنافقين في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هل طهرت الأرض منه؟ يوجد من المؤمنين المنتسبين للإيمان والله ما ينفقون لوجه الله، ما ينفقون إلا للسمعة والشهرة وترويج السلعة والبضاعة، نحلف لكم أيضاً موجود، يدلك على ذلك: لم ما يصلي؟ لم يأكل الربا؟ لم ما يحضر جماعة المسلمين؟ لم ما يتجنب كبائر الذنوب ويتصدق لأجل الله إذاً؟ لا يتصدق لوجه الله إلا طالب رضا الله، كيف يطلب رضاه؟ أليس بطاعته وطاعة رسوله، بفعل الأمر واجتناب المنهي، وإن زلت قدمه يوماً تاب من تلك الزلة ما يواصل الجريمة.أقول: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ [النساء:38]. صامتة أو ناطقة قليلة أو كثيرة. رِئَاءَ النَّاسِ [النساء:38]. يرون الناس أنهم ينفقون، لماذا؟ للشهرة.. للسمعة.. لغض الطرف عنهم.. لستر عوراتهم، ما أنفقوا ليرضى الله عنهم، أو ليقيهم عذاب النار، رِئَاءَ النَّاسِ [النساء:38]، وأنتم تعرفون عن الشرك الأصغر، وهو الرياء، الرياء: أن يعمل المؤمن عملاً يريد أن يحمده الناس عليه.وهنا إذا عندكم قدرة على الفهم السليم إليكم بياناً شافياً:أولاً: على المؤمن والمؤمنة إذا أراد أن ينفق في أي وجه من وجوه النفقة: الفقراء.. المساكين.. المساجد، أن يكون الباعث والدافع له لذلك هو طلب رضا الله عز وجل، ولا يرى إلا الله، ومع هذا لا يرغب أبداً أن يراه الناس أو يسمعوا به أنه أنطق حتى تبقى تلك النفقة لؤلؤة مضيئة في نفسه.ثانياً: ينفق في سبيل الله، ما بنى هذا المسجد، ولا فتح هذه المدرسة، ولا كسا هذا العبد، ولا أطعم هذا إلا طلباً لرضا الله، ولكن نفسه تحب أن يحمده الناس وألا يذموه، انتبهتم؟ وهذا الطابع طبع به أغلب الناس، هو أنفق في سبيل الله لا يريد إلا الله، ولكن نفسه تميل إلى أن يقال: فلان أنفق، ليس ببخيل فلان، فهذا ما دامت نفقته لله، ولا قال للناس: امدحوني ولا إثم علي ولا طهروني من كذا وكذا، ولكن هو يرغب نفسياً لو حصل، نقول: هذا لا بأس به، وتصبح القضية: قضية حسنات الأبرار سيئات المقربين. حسنات الأبرار تعتبر سيئات عند المقربين وإلا لا؟ثالثاً: المنفق الذي ينفق ولا يريد وجه الله، فقط يريد أن يحمد بين الناس يثنى عليه تروج بضاعته يسود الناس ويتكبر عليهم من أجل هذا ينفق، فهذا الأخير هالك، والأول في درجة ما نصل إليها، والثاني وسط؛ لأنك ما تستطيع أن تسيطر على نفسك، أنت ما بعثت مالك ولا تحركت إلا لله، لكن في نفسك خواطر إذا سمعت من قال: فلان فعل كذا تفرح أنت، ولا بأس، ولكن حول فرحك إلى الله، هذا من فضل الله عز وجل.ماذا ترون في هؤلاء الثلاثة؟الأول: لا يرى إلا الله، ولا يحب أن يثني عليه أحد، ولا أن يمدحه أو يرفعه؛ لأنه ما له إلا الله، هذا فوق الكل، دونه الذي ينفق لأجل ما في ذلك شك، لولا الله ما أنفق ريالاً واحداً ولا جاع ليشبع فلان، لكن يحصل له رغبة، إذا أثني عليه إذا قالوا فيه خير يفرح بذلك، لا بأس، وتصبح حسناته هذا كسيئات الأولين، حسنات الأبرار كسيئات المقربين، والهالك ذاك الذي ينفق ما له رياء، لا يرجو الله ولا الدار الآخرة يرجو فقط الشهرة والسمعة والسلطة، أو ترويج البضائع والسلع.قال: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38].يوجد هؤلاء المنافقون، كما قلت مقدماً: كل الذين ينفقون ولا يريدون وجه الله إنما ينفقون لأجل الشهرة والسمعة، وهم بذلك والله ما هم بالمؤمنين، لو آمنوا بالله ولقائه، والوقوف بين يديه، والجزاء الخالد الأبدي في الجنة أو النار ينفقون لوجه الله، فما داموا أعرضوا عن الله وأنفقوا للشهرة والسمعة، أو دفع الأذى والخطر عنهم، والله ما آمنوا بالله واليوم الآخر؛ إذ الذي يؤمن بالله يطلب رضاه، الذي يؤمن باليوم الآخر يقدم له؛ ليأخذ الجزاء في المعاد يوم القيامة، فالذي ينفق أمواله وصحته وجهده ولا يريد وجه الله والله ما هو بمؤمن لا بالله ولا باليوم الآخر.والقرآن عجب اسمع: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38]، فأين الخبر؟ هذا المبتدأ: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38] ما لهم؟ هؤلاء ماذا قلنا في الحاشية؟ الخبر محذوف: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38] فالشيطان قرينهم، هو الذي منعهم من أن يؤمنوا بالله ولقائه، هو الذي منعهم من أن يتقربوا إلى الله وينفقوا في سبيله، هؤلاء الشيطان قرينهم، وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38]، فالشيطان قرينهم، ومن يكن الشيطان له قريناً فساء القرين قريناً، والقرين المقرون في حبل واحد، الذي يلازمه الشيطان ويصبح لا يفارقه، ما يسمح له أن يقول كلمة خيراً، ولا أن ينفق درهماً في سبيل الله.
    التحذير من قرناء السوء
    وهنا الآية تحذرنا من قرناء السوء وجلساء السوء، امرأتك أو زوجك يا امرأة إذا كان سيئاً فلا خير في البقاء معه، وكل الذين يقارنون أهل السوء يصبحون مثلهم. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [الكهف:28] يا رسول الله، مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28] نصيحة الله ورسوله: لا يقارنك لا يلازمك لا يجالسك إلا مؤمن، أما أن تقارن وتجالس وتلازم سيئ الخلق فاسد العقيدة غير صالح يا ويحك! ومن يكن الشيطان له قريناً فساء ذلك القرين قريناً.ما الذي حملهم على أن ينفقوا أموالهم رئاء الناس، وعلى ألا يؤمنوا بالله واليوم الآخر، من؟ الشيطان؛ لأنهم لازموه واقترنوا به وأصبحوا عبيداً له يسخرهم كيفما شاء، هذا ما يلعن الشيطان ولا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الشيطان كما علمتم أخبرنا الله تعالى أنه عدونا من يوم ما كان أبانا وأمنا في الجنة في دار السلام أعلن العداوة، وأقسم بالله عز وجل وبجلاله ألا يبرح يضللهم حتى لا يهتدي منهم أحد. ما ننسى هذه الجملة: يا أبناء الإسلام! يا نساء المؤمنات إذا كانت الزوجة ما هي صالحة قرينة سوء لا تبقها في بيتك، ولا تنجب من بطنها أولادك، اعمل على هدايتها.. على تربيتها.. تهذيبها، يوم بعد يوم، شهر بعد آخر إذا كانت سليطة قبيحة سيئة تاركة للصلاة تريد الرقص والفيديو أخرج هذه الفتنة من بيتك.وأنت يا مؤمنة إذا كان زوجك كما يبلغني يعيش على القمار والباطل والشر والفساد بل واللواط أيضاً -وأنت تعرفين ذلك- لا بقاء مع هذا القرين، فإنه قرين سوء، اذهبي إلى أهلك.يا شيخ! لم تقول هذا، تريد أن تمزق المجتمع؟ تقولون هكذا؟ لا. بل أريد أن يرتقي المجتمع لا أن يتمزق، هذا الله يقول: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38]، والرسول الحليم الحكيم يقول: ( مثل الجليس الصالح والجليس السيئ، الجليس الصالح كبائع المسك: إما أن يحذيك شيئاً من العطر، أو تشم رائحته وأنت في خير، والجليس السوء كنافخ الكير )، أيام كانت الكير في أيديهم ينفخونها، إما أن يتطاير الفحم عليك والنار، وإما الدخان والرائحة الكريهة، ومعنى هذا: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يجالس قرين السوء، ألا يكون له قرين سوء، بل يكون له قرين صالح. وهذا نستطيع أن نهيئه كما قلنا: إذا اجتمعنا في قريتنا على الكتاب والحكمة، أو في مسجد حيِّنا، وأصبحنا نصفو ونطهر، ما يبقى بيننا قرين السوء، صفوا وطهروا كلهم، تعيش سنة ما تسمع كلمة سوء، ولا تشاهد منظراً باطلاً؛ لأنهم علموا: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
    طلب العلم الشرعي سبب لحصول السعادة الدنيوية
    وأقول أيضاً: يا أهل القرية الفلانية. يا أهل الإقليم الفلاني. يا أهل كذا! أقسم لكم بالله على أن أعلمكم بالله في تلك البلاد أتقاكم لربكم وبالتجربة، قريتك أعلم أهلها والله أتقاهم لله، وأجهلهم أفجرهم وأكثرهم خروجاً عن الآداب والأخلاق والإيمان والإسلام؛ فلهذا يجب أن نتعلم، حرام في حرام أن يبقى المسلمون في ضلال الجهل وهم يتخبطون، والفتن تجتازهم من مكان إلى آخر.العلم بالله وبمحابه وبمساخطه وبما لديه لأعدائه وبما عنده لأوليائه، هذا علم الكتاب والسنة قال الله قال رسوله، هذا الذي تطهر عليه النفوس وتزكو وتطيب القلوب وتطهر، وتصبح الأعضاء كلها خاشعة لله، ما يفتح عينه وينظر ما لا يحل له، يستحي أن يقول كلمة سوء، يموت جائعاً والله ما يمد يده، بدون هذا العلم ما يمكن أن نكمل ولا نسعد، والرسول يعلمنا وإلا لا؟ ماذا قال؟ ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -ماذا يفعلون؟- يتلون كتاب الله -ليحفظوه- ويتدارسونه بينهم -ليفهموه- إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده )، لو فتحنا نافذة على العالم الإسلامي نرى في هذا الوقت بالذات كل المسلمين في المقاهي والملاهي، أو في المدينة في المتاجر والدكاكين، آلله أمر بهذا؟ ولا يعرفون العلم ولا يعرفون الهداية.وقد كررنا القول وقلت: ما دمتم يا عرب يا مسلمون تقتدون بالأوروبيين وتمشون وراءهم وتنفذون حتى حكاياتهم، إنهم والله إذا دقت الساعة السادسة مساء يقف دولاب العمل، ولم يبق متجراً ولا مقهىً.. ولا ولا، وإذا بأولئك النصارى يحملون أطفالهم ونساءهم بعدما يغيرون ملابسهم ويتنظفوا ويتطيبوا ويذهبون إلى دور السينما والمراقص والمقاصف والملاهي والملاعب، يضحكون يتمرغون يزيلون آلام الكفر من نفوسهم وظلمة الجهل إلى نصف الليل، ويعودون كالبهائم إلى فرشهم، لم نحن إذاً وندعي الإسلام ونرجو الله والدار الآخرة ما نعمل كما يعملون؟ كما يعملون يعني: نذهب إلى السينما والملاهي؟ لا.إذا دقت الساعة السادسة توضأنا وتطهرنا حملنا نساءنا وأبناءنا إلى مسجدنا، وصلينا المغرب، وجلسنا هذا المجلس، كل ليلة وطول العام إلا مريضاً في بيته أو ممرضاً يمرضه، من أجل ماذا، قولوا؟من أجل أن تطهر قلوبنا، وتزكو نفوسنا، وترتفع آدابنا وأخلاقنا، ويسودنا الولاء والحب والطهر والصفاء، ونصبح كجسم واحد، لن تسمع جريمة ارتكبت في قريتك إلا بعد عشرين سنة ممكن، وينتهي الخوف من الفقر والجوع والبلاء والعجب، كله ينمحي؛ لأن البخل انتهى والإسراف انتهى، والرضا بالقليل ساد وأصبحنا في وضعية لو تقول: خذ يا فلان يقول: ما أنا في حاجة إليه شبعان.هل تتحقق هذه الكمالات بغير هذه الدعوة الربانية؟ والله ما تتحقق، لماذا إذاً ما عملنا؟ كم سنة يا أبنائي وهذا الصوت يتحدث؟ هل تحقق شيء من هذا في قرية من القرى أو مدينة من المدن؟ إذاً ماذا ننتظر؟ الرزايا والبلايا والإحن والمحن، وهذا شأن من أعرضوا عن ذكر ربهم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #248
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (23)
    الحلقة (247)

    تفسير سورة النساء (3)


    يوصي الله عز وجل عباده المؤمنين بالأيتام، بأن يرعوهم كما يرعون أبناءهم، وإن كان لهم مال أن يحفظوا لهم أموالهم، وألا يأكلوها إسرافاً وبداراً، وألا يضموها إلى أموالهم فتضيع، ومن كان في حجره يتيمة فلا يتزوجها إن خشي أن يظلمها، وليعدل عنها إلى غيرها من النساء فيتزوج مثنى وثلاث ورباع إن شاء.
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع فاتحة سورة النساء -بعد أن درسنا الفاتحة والبقرة وآل عمران بفضل الله الرحمن- وقد درسنا الآية الأولى منها، والآن أسمعكم تلاوتها، وأستعرض معكم هدايتها تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
    هداية الآية
    قال: [ من هداية هذه الآية:أولاً: فضل هذه الآية؛ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب في حاجة تلا آية آل عمران] وهي[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]وتلا هذه الآية]: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1][ ثم آية الأحزاب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ * وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، ثم يقول: أما بعد. ويذكر حاجته.ثانياً: أهمية الأمر بتقوى الله تعالى؛ إذ كررت في آية واحدة مرتين، في أولها وفي آخرها.]أولها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وآخرها: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1].أقول: (أهمية الأمر بتقوى الله تعالى إذ كررت) التقوى (في آية واحدة مرتين، في أولها وفي آخرها).[ ثالثاً: وجوب صلة الأرحام وحرمة قطعها ] لأن الله قال: وَالأَرْحَامَ [النساء:1] أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها.[ رابعاً: مراعاة الأخوة البشرية بين الناس واعتبارها في المعاملات ].يهودي.. نصراني.. بوذي.. مشرك.. مجوسي.. عربي.. عجمي.. غني.. فقير، لا بد من مراعاة البشرية، فلا ظلم ولا جور ولا غش ولا خداع ولا كذب، لا تقل: هذا يهودي أكذب عليه، والله ما يجوز، أو تقول: هذا صليبي أخدعه، أو هذا مجوسي أمكر به، هذا لا يجوز، من أين اهتدينا إلى هذه؟من قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:1] أبيضكم وأسودكم، كافركم ومؤمنكم، خطاب عام لكل البشر، تذكرون هذه، أو تقول: لا بأس. هذا عدو أمكر به؟ فقط لا تحب غير المؤمنين، ولا يأكل طعامك غير المؤمن، أما أنك تؤذي المرء لكونه كافراً لا يصح أبداً، إلا في حال واحدة، وهي إعلان الحرب بيننا وبينهم، استبيحت الدماء فكيف بالأموال؟ أما في حال السلم وعدم الحرب والمعاهدات لا يحل لمؤمن أن يؤذي إنساناً من أي جنس كان، العدل هو المطلوب.إذاً: هذه الآية الكريمة أفادتنا ما علمتم، فضلها كذا؟ أهمية الأمر بتقوى الله.ثالثاً: وجوب صلة الأرحام وحرمة قطعها.رابعاً: مراعاة الأخوة الإنسانية أو البشرية، لا قبلية ولا عنصرية ولا وطنية ولا كفر ولا إيمان، لا يحل لإنسان أن يؤذي أخاه الإنسان بأي أذى.
    تفسير قوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ...)
    الآن مع ثلاث آيات كريمات، إليكم تلاوتها ورددوها في أنفسكم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:2-4].ممكن نشرح آية أو آيتين أما الثلاث فطويلة:قال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2].أي مؤمن عربي ما يفهم معنى هذه الآية؟ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، يا من في حجورهم يتامى كفلوهم وتولوا أمرهم لفقد وليهم من أب، أعطوهم أموالهم عند بلوغهم سن الرشد.واليتامى جمع يتيم ويجمع على أيتام، واليتيم بمعنى: المنفرد، ومنها اليتيمة الغراء.فمن فقد أباه فهو يتيم. هذا من الناس، أما من الحيوانات فمن فقد أمه فهو اليتيم؛ لأن البقر والناقة والشاة وما إلى ذلك هي التي تحتضن ولدها، وتقوم على رعايته وإطعامه وحفظه، أما الأب فلا علاقة له بأولاده، أما الإنسان -وهو في مستوى أعلى من مستوى الحيوان إن آمن وأسلم- فاليتيم عنده هو من مات أباه، أما لو ماتت أمه فلا يقال عنه يتيم.
    معنى قوله تعالى: (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب)
    قوله تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2].أنتم لا تعرفون هذا، لما تكون كافلاً لليتيم وعنده بستان وعندك بستان، في إمكانك إن هبطت من درجة الكمال إلى أسفل أن تأخذ العجوة التي عنده وتعطيه البرني، تبيع عجواه بسبعين ريال الكيلو وتبيع تمرك أنت البرني بعشرة ريالات، استبدلت الخبيث بالطيب.قد يكون في غنمك الماعز، وتحتاج إلى بيعه فتستبدل وتعطيه العنزة وتبيع الشاة الطيبة لتستفيد من ثمنها، وكذلك في الدقيق والبر، وفي كل ما هو مال، إياك أن تستبدل الطيب الذي عند يتيمك لجهله وعدم معرفته، وتعطيه الخبيث من مالك، لولا أن هذا وقع ما أنزله الله، ويقع إلى اليوم، إلا من عرف الله فخافه وأحبه، أما أهل الجهل فإنه يفعلون أكثر من هذا. وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] كل مال، مطلق مال؛ لأن اليتيم في عمر ستة أشهر أو سنة أو خمس سنوات أنت مالكه .. أنت كافله .. أنت وليه لا يعرف شيئاً، فتغرك نفسك فتستبدل ماله الطيب وتضع له الخبيث، هذا حرام، ولا يحل، وصاحبه ارتكب كبيرة، وإن لم يتب منها هلك.
    معنى قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً)
    وقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا [النساء:2].الحُوب اسم، والحَوب مصدر من حاب يحوب إذا تأثم وتلطخ بالإثم، الحوب الإثم الكبير، كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2].ما هذا الاستبدال؟ لا تأكلوا أموالهم وتتركوا أموالكم، هات الشاة الفلانية يا إبراهيم للضيف، هذه الشاة من مال اليتيم يذبحونها، أيش في؟ نزل علينا ضيف وكلنا سواء، وتبقى شاته هو لا يذبحها، يأكل أموالهم ليبقي أمواله ويحافظ عليه، يا أحمد هات كذا كيس من تمر ابن عمك إبراهيم قدمه للناس أو للبيت، فيأكل مال اليتيم ويبقي ماله هو، هذا يقع من ضعاف القلوب وإلا لا؟ ضعاف النفوس.. الجهلة الذين لا بصيرة لهم، يقول: هذا صغير، يعيش أو يموت الله أعلم، ونحن في حاجة، إذاً سيأكل مال اليتيم ليوفر ويبقي ماله هو، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2].ثم قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ [النساء:2] أي: هذا الأكل، أكل مال اليتيم والإبقاء على مالك أنت أيها الكفيل، حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2] انتبه!
    تفسير قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)
    الآية الثانية: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] هذه مسألة أخرى لها علاقة بأكل مال اليتيم.سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من ابن أختها عن هذه الآية فأجابته إجابة هي الحق بعينه فقالت: يكون للرجل يتيمة في بيته. عرفتم؟ مات أبوها وكفلها، ولا كفيل لها إلا هو، إذاً ويكون لها مال ورثته من أبيها، فيعمل على أن يتزوجها ليأخذها هي ومالها. انتبهتم؟ يتيمة في حجره كبرت وبلغت، وآن أوان زواجها وهي ذات مال.. بساتين.. أو أنعام.. أو ما إلى ذلك، فيرى وليها -كافلها- أن يتزوجها لأجل مالها، وقد تكون دميمة غير جميلة، ولكن لأجل المال، وبعد ذلك يسيء إليها؛ لأنه ما يحبها.إذاً: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتيماتكم اللائي في حجوركم فزوجوا هذه المؤمنة من غيركم ولا تتزوجوها أنتم، وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن. هذا بيان الله عز وجل وهدايته. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3].أي: تعدلوا. وقد عرفنا أن أقسط إذا عدل، وقسط إذا جار، وآية: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15]، والجن قالوا: مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن:14]، والقاسط: الظالم الجائر. والمقسط: العادل، وكأن الهمزة للسلب أقسط أزال الظلم والجور. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3] أي: تعدلوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] فلا تنكحوهن بل زوجوهن من غيركم، وتزوجوا أنتم ما شئتم: مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3].واسمع الآية: وَإِنْ خِفْتُمْ [النساء:3] أيها المؤمنون الكافلون لليتامى أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3] ألا تعدلوا إن أنتم تزوجتم بهؤلاء اليتيمات لمالهن وعدم العدل. وقد قلت لكم: لما يتزوجها لأجل مالها لا يرغب في جماعها.. ما يرغب في الإحسان إليها؛ إذ همه أنه فاز بمالها؛ فمن خاف منكم ألا يعدل فليزوج هذه المؤمنة من رجل آخر ويتزوج هو ما شاء، أما أن يحتضنها وهي صغيرة ولما تكبر ويعرف أن لها مالاً ورثته يتزوجها فقط لأجل مالها ويفضل عليها زوجة أخرى، ولا يقسط ولا يعدل بينها وبين الأخرى بل همه أنه يأخذ مالها فهذا الخلق فاسد وباطل حرمه الله ومنعه على المؤمنين، وحينئذ: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]. مثنى أي: اثنتين اثنتين، ثلاث: ثلاث. رباع: أربع.وهبط بعض المسلمين وقال: يجوز أن يتزوج الرجل تسعاً. قالوا: الآية شاهدة: (مثنى) يعني: اثنتين، و(ثلاث) صارت خمس، أربع صارت تسع، وعندنا أيام كنا هناك في عالم من هذا النوع تزوج تسع، لكن الناس كلهم أبغضوه وهددوه، وهو يحتج بهذه الآية.والآية من يتولى بيانها؟ أليس رسول الله؟إذاً: فَانكِحُوا [النساء:3] والنكاح هنا بمعنى: التزوج، أي: فتزوجوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3].طاب يطيب إذا لذ وحسن وكان صالحاً مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] و(من) بيانية، و(النساء) لفظ دال على متعدد ولا مفرد له من اللفظ، وواحدة نساء: امرأة،كلفظ إنسان واحده رجل، لكن وجد الآن من النساء المتعلمات من قلن: إنسانة، وهذا لا يصح لكن تقول: امرأة، فإنسان اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى، رجل وامرأة، واحده رجل أو امرأة، أما إنسانة فهي لغة عصرية.قال: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى [النساء:3] أي: اثنتين ويكفي، وثلاث لا بأس، وأربع لا بأس، وأما فوق الأربع فحرام بالإجماع ولا يحل لمؤمن أن يتزوج خامسة.وهناك لطيفة وهي: هل على الرجل عدة كما تعتد المرأة؟إي نعم. كيف هذا؟ الرجل الفحل يعتد. قالوا: نعم يعتد بمعنى: يتربص. من هو؟الجواب: رجل تزوج زينب وأراد أن يتزوج من أختها بعد أن طلقها فيجب أن يتربص وينتظر حتى تنتهي عدتها؛ إذ لو تزوجها في العدة يكون قد جمع بين الأختين. إذاً: اعتد ثلاثة أشهر تقريباً.كذلك لو تزوج أربعاً ثم طلق الرابعة فهل يتزوج الخامسة أو ينتظر حتى تنتهي العدة؟ الجواب: ينتطر حتى تنتهي العدة، وبعد ذلك يتزوج، والتي هي خامسة هي رابعة. ‏
    معنى قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)
    قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3].أي: فتزوجوا واحدة فقط، (فإن خفتم ألا تعدلوا) في أي شيء بين النساء.. بين الضرات، أو الضرتين، أو الثلاث ضرائر. والضرة هي التي تضر بأختها، أو تضرها أختها، ما تضر هي فقط، وهذه اللغة عند العوام من النساء عرب وعجم، الضرة اسمها وليس الطبينة، والطبينة لا ندري من أين جاءت ؟ تطبن ماذا؟ أما تضر فإي نعم.وهنا بلغني عن بعض الأفاضل العلماء عندنا أنهم قالوا: الأصل هو التعدد، وأنا لا أرى أبداً في الآية ما يدل على أن الأصل التعدد، بل الأصل عدم التعدد، فإن احتاج إلى التعدد عدد، وإن استغنى بواحدة فهي الواحدة، الأصل أن يتزوج الرجل امرأة كما تزوج آدم حواء، هذا هو الأصل؛ فإن لم تسد حاجته أو اضطر لأحوال تقتضي التعدد عدد وينتهي إلى الرابعة ويقف عندها.وأما تزوج الحبيب صلى الله عليه وسلم بتسع، واجتمعن في حجراته- وإن كان تزوج إحدى عشرة خديجة ماتت، وأخرى طلقها- فأقول: ذاك خاص بإذن الملك جل جلاله وعظم سلطانه: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50]، الملك الحاكم الرحمن الرحيم الذي قصرنا على أربع فتح الباب لرسوله فتزوج تسعاً.ونحن نقول: نحن مع تعدد الزوجات، ولقد شنع القسس والعلماء البريطانيون والألمانيون والفرنسيون وبشعوا الإسلام ولاموا وعتبوا وصاحوا وضجوا وكتبوا وألفوا: كيف يتزوج الرجل أربع نسوة؟ كيف يتزوج اثنتين؟ يؤذي هذه المرأة ويفعل ويفعل ويفعل، وطبقوا ما أوحاه الشيطان؛ فلا يوجد في أوروبا ولا أمريكا من يتزوج اثنتين إلا نادراً.وفي بلد عربي هبط وتمزق وانتهى قننوا بأنه لا يحل لمواطن أن يتزوج اثنتين. ممنوع، وإن شاء يقول: هذه خليلتي، يأذن له القضاء الإسلامي في الدولة العربية الإسلامية أن يتخذ عاهرة يزني بها في بيت آخر، وإن عقد عليها يقول: لا. هذه صديقتنا خليلة. فهمتم هذه اللغة البربرية أم لا؟!أقول: هذا كفر، والذين ما أنكروه وصفقوا له ورضوا به كفروا، وأغلب البلاد الإسلامية لا يمنعون التعدد، وإن كان بعض القضاة يضعون عوارض لكن لا يهم، وهذا البلد هو الوحيد الذي شاع فيه وعرف علناً: ممنوع أن تتزوج باثنتين، ومن اضطر أن يقول: هذه صديقتي خليلتي، ولا يقول: زوجتي أبداً، والعالم الإسلامي سكت ما صاحوا، ولا رفعوا أصواتهم، ومنهم من علم ومنهم من لم يعلم.والشاهد عندنا: علماء الغرب الملاحدة والمتدينين من اليهود والنصارى شنعوا تشنيعاً عجيباً على تزوج اثنتين أو ثلاث وأربع، ورد عليهم علماء الإسلام ردوداً، ومن أراد أن يقف على ذلك فعليه بتفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا تغمده الله برحمته، ففي هذه الآية بالذات ذكر أقوال المستشرقين وتشنيعهم وسخطهم، وذكر الرد الملزم المفحم لهم، ونحن والله لسنا في حاجة إلى أن نرد عليهم إلا بكلمة واحدة هي: أن الذي شرع هذا التشريع أليس هو الله، العليم الحكيم، البر الرحيم، الذي تجب طاعته، والانقياد له، وقبول أمره ونهيه واعتقاد ما أمر باعتقاده؟ مع العلم اليقيني أنه لا يشرع إلا ما فيه خير وصلاح وهداية ورحمة وعدل، ولا يمنع ولا يحرم إلا ما فيه أذى وشر وظلم وخبث وفساد، فمن هنا إذا قال هذا الملحد أو هذا القس أو هذا المستشرق هذا نقول له: تأدب أنت يا هذا، أنت كافر بالله، هذا شرع الله وما هو شرع المسلمين، هذا ما وضعه علماء الإسلام وشرعوه، بل هذا تشريع الرحمن الرحيم، فيستحيل أن يكون غير نافع .. أن يكون غير مصلح، أن يكون غير مثمر .. أن يكون غير رضا له عز وجل. الذي يقف ويقول: الإسلام يفعل كذا، معناه: ازداد في كفره وضلاله وعمى بصيرته، ولا نرهق أنفسنا ولا نتعب ونأخذ نذكر المبررات والمسوغات، كل ما عندنا: أنه لا يحل لك أن تجمع بين اثنتين أو ثلاث أو أربع إلا إذا كنت موقناً من العدالة، ومتوفر لك أن تعدل بين هؤلاء المؤمنات؛ فإن خفت ألا تعدل لضعفك وقدرتك الضعيفة نفسياً أو مالياً وتعجز عن العدل حرام أن تعدد، أما قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] فقط؟ أبعد هذا يشنع الهابطون، ويتكلمون على الإسلام والمسلمين؟كون المسلمين جاروا وما أقسطوا وما عدلوا فذنوبهم ليس ذنب الإسلام هذا ولا شريعة الله، فالمسلم الجاهل الذي أخذته نفسه وهواه وأضر بإحدى المؤمنات أقبل على هذه وأدبر عن هذه، يضحك في وجه هذه ويغضب في وجه هذه، فيعطي هذه الحلل ويعطي هذه الحبال. هذا ما هو ذنب الإسلام ولا المسلمين، هذا ذنب هذا العبد الجاهل؛ لأن الله العليم الحكيم قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3].بداية: قال: اعدلوا في أيتامكم اللائي في حجوركم، لا تتزوجها لمالها ثم لا تعدل بينها وبين ضرتها. أي: لا تحسن إليها لدمامتها أو لعدم أهليتها، إذاً: زوجها من غيرك، ولا تأخذ مالها، وأنت تزوج ما شئت إما اثنتين وإما ثلاث وإما أربع؛ فإن خفت ألا تعدل وخفت الميل فحرام عليك التعدد، ولا يحل لك إلا أن تتزوج بواحدة. ما هو العدل؟ العدل: ضد الميل والانحراف، وأما الأمور التي يجب فيها العدل فهي:أولاً: العدل في السكن. هذه لها غرفتها وهذه لها غرفتها، فإذا كان البيت ذا غرف وحجر فكل زوجة في حجرتها، ولا تجمع بينهما في حجرة واحدة أبداً، عندك حجرة واحدة حرام أن تتزوج اثنتين، ولا يحل أبداً.ثانياً: القسمة في المبيت: الخميس في ليلة زينب، والجمعة في ليلة خديجة، وإياك أن تتجاوز هذه الليلة وتذهب رأساً إلى ليلة الجمعة! حرام عليك ولا يحل.ويكفينا مثلاً أعلى ضربه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، لما مرض - فداه أبي وأمي - كانوا يحملونه على أكتافهم ليبيت في حجرة فلانة، والليلة الثانية يحملونه ليبيت في بيت زينب .. ليبيت في بيت حفصة .. ليبيت في بيت عائشة . وهذا لتعرفوا العدالة ما هي! ثم عرفت المؤمنات أن هذا يتأذى به رسول الله، وعرفن أنه يرغب في أن يمرض في بيت عائشة ، وطلب منهن بعد رضاهن أن يعلنن عن رضاهن بأن يمرض في بيت عائشة الصديقة فأعلنَّ عن رضاهن، وكيف لا يرضين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟أما قضية القلب فقد ضرب لذلك المثل، وقال: ( يا رب! هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )، قضية ميل النفس هذه يملكها الله، أما أن تأتي للمؤمنة وتضطجع معها على فراشها فهذا الحق الواجب، قضية الجماع إذا ما استطعت فمعذور.ثالثاً: العدل في الطعام والشراب، لا أن تأكل البقلاوة عند خديجة وتأكل الكراث في بيت عائشة .. في بيت خديجة المشوي والمصلي هذه الليلة خاصة، وفي بيت المسكينة الأخرى رز حاف بلا مرق أو سليق، بل يجب أن يكون الطعام هو هو. نعم. إذا كانت هذه تحسن الطبخ فهذا شأنها، وأنا علي أن آتي بكيس رز وكيس رز هنا، واللحم الأسبوعي كيلو هنا وآخر هنا، لكن كونها هي تجيد ذلك فشأنها.ثالثاً: العدل في اللباس، في الكسوة، في الفراش، لا أن هذه تفترش حصيرة وهذه تفترش قطيفة .. هذه تستصبح بكهرباء وهذه بفانوس لأنها غير ذات قيمة. لا يحل هذا.رابعاً: العدل حتى في النظرة والابتسامة فلا تنظر إلى هذه وتبتسم وإلى هذه تعبس وتقطب.هذا العدل من فرضه؟ الله جل جلاله ولي المؤمنين والمؤمنات؛ لأنه أعدل العادلين وأرحم الراحمين، ومع هذا يتبجح يهودي أو نصراني هابط ويقول: كيف يتزوج المسلم أربع ليؤذي النساء ويفعل ويفعل ويفعل؟فلو جاءني هذا المستشرق يريد أن يتكلم بمثل هذا الكلام نقول له: الذي شرع هذه الشريعة الله وإلا أنت أو أبي أو أبيك؟ شرعها الله رب العالمين، أليس تعرفونه بأنه أرحم الراحمين وأنه منزل العدل وفارضه على الخلق، فكيف إذاً يأذن في هذا الذي تقول؟أأنت أعلم من الله؟ فإن قال: نعم فهو مجنون تقول له: اذهب عن وجهي، ولا نقبل جداله.والآية نص صريح: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3]، هذا أذن إباحة، فما فرض الله علينا أن نعدد الزوجات، فإن كانت الزوجة قد عجزت وضعفت فاتفق معها وهي التي تخطب لك، وتأتي بزوجة أخرى.امرأة مات عنها زوجها فأصبحت أرملة تبيت تبكي خائفة، فتقول الزوجة لزوجها: يا فلان! نأتي بهذه تعيش معنا لوجه الله، لا نستطيع أن نتركها بدون زواج، فيقول لها: لا يحل لي أن أنظر إليها ولا أن أخلو بها، فمضطر لا بد من عقد نعقد عليها وتعيش معكم، ولا بأس أن تكون لها غرفتها وليلتها، وكلنا أولياء الله وعبيد الله.أي مانع؟ فكل أزواج الرسول تزوجهن -ما عدا خديجة- من أجل هذا الإحسان، المرأة يموت زوجها في الجهاد وتبقى تبكي من يؤويها؟ يؤويها رسول الله؛ إذ لا تسكن نفسها ولا تستريح إلا في بيت النبوة. كم تزوج الرسول من بكر؟ والله ما تزوج إلا عائشة فقط، وما كان تزوجه للغريزة الجنسية أبداً.والآن غلبناكم، يأتي بخادمة وما تكفيه يأتي بأخرى وثالثة، وتظهر لأول مرة أنها متزوجة، تترك زوجها في إندونيسيا في أفريقيا وتأتي، كيف هذا؟ في أي كتاب أو سنة هذا؟ امرأة تترك زوجها وتذهب تشتغل وراء البحر في أسرة؟ هذا يدمي القلب هذا، ومؤمنة، ورضينا بهذا، فبدل ما تأتي بخادمة أو خادمتين تزوج أرملة من النساء وآوها وضمها إلى بيتك واحفظها وعلى زوجتك أن تفرح بذلك وتقر عينها، ويجب أن تتطامن وتذل لله عز وجل.المهم إن شكونا نشكو جهلنا، وعدم بصيرتنا، وعدم يقيننا وجهلنا، هذا الذي صب علينا هذا البلاء، أما تشريع الله فإنه أعظم تشريع يحقق البر والخير والرحمة والعدالة والإخاء والمودة، وأما العلة فنحن.
    الرد على من يقول بدوران الأرض
    وصلتني رسالة من أحد الطلبة، وهو كتاب يريد أن يقنعني به أن الأرض تدور، فنقول: إن الله عز وجل يقول: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس:38].العزيز: القوي الذي لا يقهر، الذي لا يمانع في شيء أراده، الله الذي يقول للشيء كن فيكون.العليم: الذي أحاط علمه بكل ذرات الكون قبل أن يكون الكون.لما يخبر بهذا الخبر يأتيني عالم كوني، ويقول: اسمعوا! خطأ. الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور حولها. ما تقولون يرحمكم الله؟ أتكفرون من أجل هذا الملحد.. هذا الكافر الذي يبول ولا يستنجي؟هل نرضى بالكفر من أجل نظرية شخص ساقط هابط الخنزير أفضل منه عند الله؟ثانياً: هناك آيات يقول الله فيها: جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا [النمل:61]، قال: (الأرض قراراً) يعني: أن الناس هم القارون أما هي فليست قارة. الرسول جهل هذا وما عرفه؟ ما قال: أيها المؤمنون إن مراد الله من قرار الأرض أنكم أنتم القارون، أما هي فليست بقارة؟ والرسول حاشاه أن يقف هذا الموقف، فهذا الموقف لا يقفه إلا مجنون.. إلا ملحد.. إلا ماكر خادع.نحن لنا الحواس الخمس وإلا لا؟ بأبصارنا هل شاهدنا الأرض تدور؟ نحن الآن ساعة وربع على الكرسي هل نجد أنفسنا قريبين من الرياض مشت؟! هذا المسجد النبوي ألف وأربعمائة سنة ما تزحزح أبداً، باق في مكانه، فهل نقول: قار وإلا نقول: طائر؟ قار.إذاً: كيف نفعل؟ والحقيقة التي يجب أن تعتقد: أن ما أخبر الله تعالى به يستحيل أن يكون خلاف ما أخبر؛ وذلك لسابق علمه وقدرته.ثالثاً: ثم إذا بحثوا وعرفوا أعطونا نتائج يستنتجونها للبشرية، إذا قال الأرض: ليست بقارة والشمس واقفة أعطونا النتائج، ما نمرض، يتوفر الطعام والشراب. أعطونا النتيجة؟ لا شيء قط، لا مطر يكثر ولا يقل، ولا شمس تستحر ولا تبرد، ولا ولا، الأرض هي هي والعالم هو هو.وسر القضية وهي: أن هؤلاء الملاحدة أرادوا أن يكفروا البشرية بربها؛ لأن هذا من وضع اليهود، هم الذين أوجدوا هذه المبادئ لتكفير من يؤمنون بالله؛ فخرجوا على العالم - منذ خمسين سنة أو سبعين سنة فقط- بمقولة: أن الأرض تدور والشمس واقفة، وهذا القرآن خرافة، وقد اكتشفنا واطلعنا وليس هذا صحيحاً والقرآن كله خرافة. إذاً: والله خرافة في أذهانكم فقط!والله العظيم لهذا هو الباعث لهم، والدافع لهم على أن يقولوا هذا!وقلنا: لو كانوا ربانيين ووجدوا فائدة عظيمة في إفادة البشرية بأن الأرض تدور وليست بقارة لكانوا يقولون، لو وجدوا في هذا ما يزيد في إيمان المؤمنين لقالوا: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! الأرض اكتشف أنها تدور في فلكها، ومن عجيب قدرة الله، من عجيب رحمة الله، من عجيب ألطاف الله، من عجيب إحكام الله، أن ذلك الدوران الدائر بذاتها، وأقر الله كل شيء فوقها، لا تتزعزع ولا تزول حتى يأتي أمر الله، الله أكبر! يجب أن نؤمن بالله، يجب أن نركع ونسجد. هذا هو الموقف لو كانوا يريدون الإيمان بالله، هم لا يريدون إلا زعزعة الإيمان، وقد نجحوا فثلاثة أرباع المسيحيين ملاحدة بلاشفة لا يؤمنون بالله، وعامة من تعلم عنهم أيضاً من المسلمين عقيدته مزعزعة وهابطة.الله يخبرنا بالواقع: الأرض أرساها لئلا تميد بكم، لو كانت تميد وتميل لانهدم البناء في كل أسبوع، ثابتة في مكانها شرق غرب أنت عليها، تريد أن تتجاهل هذا كله وتفيد الناس بشيء آخر ماذا تفيدهم؟ إلا أنك تكذب الله، وتكفر به.معشر المستمعين فهمتم كلامي وإلا لا؟ نحن نبحث عما يزيد في إيماننا بالله وحبنا فيه، لسنا في حاجة إلى نظريات لا تغني.أنا قلت لهم: إلى الآن عرفتم كذا، ماذا أفدتم البشرية؟ أكثرتم الأمطار، حولتم الجو الحار إلى بارد؟ أفيدونا، ماذا استفدنا من هذه النظريات؛ إذ منشؤها والله ما هو إلا تكفير البشرية بربها؟وأنتم تعرفون قضية القمر كيف تبجحوا وطاروا وهبطوا، ما مضت ثلاثون سنة حتى كذبوها، قرأناها يوم ما بدأت في الجرائد المصرية: احجز رحلة إلى القمر! ونحن نصفق كالبهائم، الآن الرائد الأمريكي منذ سنتين أعلن رسمياً أنه كذب وما طلع القمر، ولن يطلع إليه.فتلك النظريات من أسوأ ما تكون، ما هي فائدة الطلوع إلى القمر؟ ننزل هناك ونسكن؟ مستحيل أن تموت يا ابن آدم في غير الأرض التي خرجت منها: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ [طه:55]، هذا ابن مريم .. هذا عيسى مخلوق من الأرض، والله ليعودن ليموت عليها ويدفن فيها، إذاً: ما فائدة التبجح في إلى الطلوع إلى القمر؟القضية عرفناها وبينا أنها لزعزعة الإيمان، يريدوا من البشرية أن تصبح بهائم ينزو بعضها على بعض؛ لأن من كفر بالله وما أيقن به لا فرق بينه وبين البهائم.هذا والله تعالى أسأل أن يثبتنا، وأن يرزقنا نوره وهدايته، اللهم آمين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #249
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (24)
    الحلقة (248)

    تفسير سورة النساء (30)


    بعد أن بين الله عز وجل لعباده ما يجب من الحقوق تجاه ربهم سبحانه أولاً، ثم تجاه والديهم، ثم تجاه الأقربين وسائر من يرتبط معهم العبد بعلاقة، بعد ذلك كله حذرهم الله عز وجل من اتخاذ الشيطان قريناً؛ لأنه إنما يأمر أولياءه بالفحشاء وينهاهم عن البر والتقوى، ويفتنهم عن فعل الصالحات، والإنفاق ابتغاء مرضات الله واليوم الآخر، ودعاهم سبحانه إلى تصحيح إيمانهم والاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى.
    تفسير قوله تعالى: (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء ومع هذه الآيات الخمس، ولعلنا ننهيها في درسنا هذا، هيا نتلو الآيات الخمس وقد درسناها إلا الآية الخامسة منها، وهي قوله تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:39]. وَمَاذَا عَلَيْهِمْ [النساء:39].أولئك الذين كفروا بالله وبلقائه وحملهم ذلك الكفر على أبشع أنواع الظلم والخبث والشر والفساد، حتى أصبح الشيطان قريناً لهم، فليراجعوا أنفسهم، ماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر، ما الذي يترتب على إيمانهم سوى نفعهم وكمالهم وسعادتهم وطمأنينة نفوسهم وشعورهم برضا الله عز وجل؟ فما الذي يمنعهم من الإيمان؟ فإذا آمنوا بالله حق الإيمان واستقاموا على منهجه طاعة له ولرسوله يفعلون المأمورات ويجتنبون المنهيات، هل هذا يضرهم.. يفقدهم حياتهم.. أموالهم.. عزهم.. كرامتهم؟ ما الذي ينقصهم؟ استفهام للتعجب، وهذا من مظاهر رحمة الله بعباده مع ما وقفوه من ذلك الموقف وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38]، وسبب ذلك: مقارنة الشيطان لهم، وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38]، هؤلاء ماذا عليهم لو آمنوا بالله حق الإيمان؟ لأن المنافقين أكثرهم يؤمن بوجود الله، واليهود كذلك يؤمنون بالله وباليوم الآخر، ولكنه إيمان غير سليم ولا صحيح.وقد عرفنا -وزادكم الله وإياي معرفة- أن الإيمان إذا صح وسلم أصبح صاحبه يعيش في كنف الله ورضاه، وأصبح لا يشعر بآلام هذه الحياة، وأصبح همه أن يلقى ربه وتصبح الآخرة خيراً له من الدنيا، لا يستبدل بها شيئاً من متاع هذه الحياة، وإذا أُمر وجد نفسه قادراً على أن ينهض بالأمر ولو كان فيه مشقة، وإذا نهي عن شيء وجد في نفسه القدرة على التخلي عنه والبعد عنه مهما كان، وذلك لصحة إيمانه وسلامته، هذا الإيمان إذا انعدم بالمرة، وأصبح المرء كافراً بالله ولقائه، هذا الكافر في قضاء الله حكمه حكم الجمادات والأحجار والحيوانات، لم يبق فيه خير قط، وإذا مات على ذلك فهو شر من كل ذي شر من هذه المخلوقات، إذ قال تعالى فيهم: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] أي: الخليقة.إذاً: الإيمان الضعيف يقوى على فعل واجب ويعجز عن آخر، يقدر على أن يجتنب سوءاً ويعجز عن اجتناب آخر، فيبقى في مرضه؛ فإن وافاه الأجل ومات على كبيرة من كبائر الذنوب هلك، وإن تاب الله عليه وختم له بحسن الخاتمة نجح.مرة ثانية: الإيمان الصحيح، هذا الذي ينجي ويسعد، ويكمل ويطهر، أما الإيمان الضعيف وجوده لا أقول كعدمه، ولكن صاحبه مريض، ما يكمل ولا يسعد في الدنيا ولا في الآخرة.فقوله تعالى في هذه الآية: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ [النساء:39]. أي شيء يصيبهم. لَوْ آمَنُوا [النساء:39]. حق الإيمان بالله رباً وإلهاً، لا إله غيره ولا رب سواه، وباليوم الآخر ولقاء الله فيه للحساب والجزاء، إما بالنعيم المقيم في دار السلام، وإما بالعذاب الأليم في دار البوار والشقاء والهلاك.تعجب من حالهم، وفي نفس الوقت مظاهر رحمة الله بعباده تدعوهم إلى النجاة إلى السعادة والكمال؛ لأن إيمانهم بالله واليوم الآخر لا ينقص كمالهم ولا سعادتهم ولا وجودهم ولا شيء، بل العكس يحقق لهم ما يحلمون به أو يفكرون فيه من أنواع السعادات في الدنيا والآخرة.
    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
    نتلو الآيات الخمس مرة ثانية ونتتبعها في الشرح لنتأكد من صحة ما علمنا، ولنتهيأ أيضاً للقيام بما وجب علينا من هذه الحقوق العشرة، وتأملوا.
    حق الله في العبادة وحده لا شريك له
    قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].وهذا معنى لا إله إلا الله، يا من قلت لا إله إلا الله يجب ألا تلتفت إلى غير الله لا بقلبك ولا بوجهك، أسلم لله وجهك وقلبك؛ إذ أنت اعترفت بأنه لا يستحق العبادة إلا هو فاعبده، وأفرده بالعبادة، وخصه بها، ولا تشرك معه سواه. هذا حق الله، مقابل أن خلقنا ورزقنا، وخلق الحياة هذه من أجلنا، وخلق عالم السعادة والشقاء من أجلنا، أصبح صاحب حق وإلا لا؟إذاً: حقه أن نعترف به فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونعبده بما أمرنا أن نعبده به، إن قال: صوموا صمنا، وإن قال: أفطروا أفطرنا، إن قال: طلقوا طلقنا، وإن قال: تزوجوا تزوجنا، هذه أمثلة إذ الطاعة استجابتك لأمر الله إذا أمرك واستجابتك لنهيه إن نهاك فانته وابتعد، ثم فرغ قلبك لله، لا تخف.. لا ترج.. لا تطمع.. لا تسأل.. لا تبك بين يدي مخلوق إلا بين يدي الله؛ إذ لا إله إلا الله. هذا حق.
    حق الوالدين في الإحسان إليهما
    والحق الثاني: وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].حق الوالدين أن نحسن إليهما ولا نسيء أدنى إساءة، وقد عرفنا أن الإحسان إلى الوالدين يتمثل في طاعتهما في المعروف، إذا أمرتك أمك يا عبد الله، أو أمرك أبوك يا عبد الله، بقول أو فعل أو ترك أمر لم يمنعه الله منه ولم يحرمه يجب أن تطيعه، فإن أمراك بمعصية الله. لا، لماذا لا؟ لأن طاعة الله قبل طاعة الوالدين وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وطاعة الوالدين بالإحسان بهما، وذلك بطاعتهما في المعروف، وكف الأذى عنهما، مطلق الأذى حتى الكلمة العالية، ثم إسداء المعروف، وتقديم الخير في حدود ما تطيقه. هذا مقابل أن أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتحول دمها إلى لبن خالص من أجلك لترضع ولترتوي وتكبر، أبوك يعمل الليل والنهار من أجل تغذيتك وكسوتك والحفاظ عليك، بم تقابل هذا الحق؟ بطاعتهما، يا عبد الله اربط البهيمة يربطها، عبد الله اسكت اسكت، ولكن: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )، قاعدة قعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما الطاعة في المعروف لا في المنكر.
    وجوب أداء الحقوق إلى سائر أصحابها
    قال الله تعالى: وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء:36].الحق الثالث: أقرباؤك من أمك وأبيك صلهم ولا تقطعهم، أحسن إليهم ولا تسيء إليهم، وعاملهم بالمعروف.. بالحسنى.. بالكلمة الطيبة، والنظرة الباسمة، والطاعة في المعروف، وبذلك ما استطعت من خير لهما، ودفع الأذى والشر عنهما، ولا ترضى بأذيتهما ولا بنقصناهما، بل افرح بكمالهما وسعادتهما، أقرباءك. وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، هؤلاء هم أصحاب الحقوق العشرة.وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].العلة: لأن الذي يمنع حقوق بالله عز وجل سببه مرض الكبر والاختيلاء في نفسه، الذي يمنع هؤلاء حقوقهم ما سبب المنع؟ الشعور بالعزة والارتفاع والتعالي سبب مرض الكبر، فإذا علمت أن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً إذاً فطهر نفسك من هذا المرض ونقها تنقية كاملة، تطامن تواضع، اعرف من أنت وما مستقبلك، وحينئذ لا تنكر معروفاً ولا تجحده، ولا تأتي منكراً ولا تفعله.
    التحذير من صفة البخل
    قال: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37].وقد وقفنا على هذه ساعة، يبخل ويأمر الناس بالبخل، يفسد ويأمر الناس بأن يفسدوا، فهذا الموقف لا يقفه عبد آمن بالله ولقائه، على فرض بخل هو شح ما يأمر الناس بأن يبخلوا ويشحوا ولا يعطوا المعروف ولا يبذلوه، وقد عرفتم كان هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبقى إلى يوم القيامة، يوجد أشخاص ما يحبون الخير، إذا رأوك تبذل معروفاً ما يريدون ينهونك.. يخوفونك من الفقر.. يحذرونك. يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37].هذه الصفة انطبقت على اليهود في المدينة، وما زالوا إلى اليوم يكتمون ما آتاهم الله من العلم، والله إن كبراءهم وأحبارهم وعلماءهم ليعرفون أنه لا نجاة للإنسان إلا بالدخول في الإسلام، وأنه لا كمال ولا طهر ولا صفاء على الأرض ولا في الملكوت الأعلى إلا بهذا الدين الذي وضع الله قوانينه وشرائعه من أجل إسعاد الآدميين وإكمالهم وإكرامهم، يعرفون هذا في التوراة، بل والله يعرفونه في القرآن، ووقفوا عليه وعرفوه، ويكتمونه ويجحدونه، ولا يرون إخوانهم أبداً صورة مشرقة للإسلام، بل يبغضونهم في الإسلام والمسلمين، وحالهم كحال الرهبان من النصارى أيضاً، لم؟ لما علمنا من أن اليهود يريدون أن يعيدوا مجدهم ودولتهم ومملكتهم، فمن هنا لا يريدون إنساناً يكمل أبداً، بل يعملون بوسائل التدمير والتخريب والإفساد حتى تصبح البشرية كالبهائم وحينئذ يسوقونها حيث شاءوا.وقد قلت وكررت القول: والله إن أعمال الخبث ومظاهر الشر والفساد، وإفساد العقول والأخلاق والآداب، والإبعاد عن عبادة الله، ليد اليهود هي التي تنشر هذا الباطل حتى تبقى البشرية كالبهائم.وقلت لكم وأكرر: الشيوعية القائمة على مبدأ لا إله والحياة مادة، لا إيمان بالله ولا باليوم الآخر، هذا المبدأ أوجده اليهود وصنعوه وقدموه، ونجحوا في ذلك وخاصة في النصارى في المسيحيين، كان في النصارى رأفة، كانت فيهم رحمة، كان فيهم نوع من العدل، لما كانوا يؤمنون بالله ولقائه والدار الآخرة، فلما نشروا المذهب البلشفي فيهم ثلاثة أرباع النصارى ألحدوا وكفروا، وما أصبحوا يؤمنون بالله ولا بلقائه، لا عيسى بابن الله ولا هو الله، ومن ثم ظهر الخبث والشر والفساد والباطل، ظهرت أندية اللواط والعهر، والعجب العجاب.أزيدكم: كانت المسيحية تسبل على وجهها قطعة من القماش الأسود ولا تكشف وجهها أمام العالم، فما الذي كشف الوجوه والفروج؟ اليهود، فلاحظ الفتاة كاشفة عن فخذيها.. عن ساقيها.. عن رأسها، والرجل يلبس بنطلوناً يجره في الأرض، واليهود يضحكون يسخرون، المرأة التي بالفطرة تكون مستورة مغطاة محفوظة ما تخرج أبداً إلا مستورة تلبس المينجيب والمكيروجيب وتخرج في الشوارع، والفحل يلبس سروالاً إلى تحت الكعبين، واقع هذا وإلا لا؟ من نفخ هذه الروح؟ اليهود وهم يضحكون ويسخرون.على كل حال قال تعالى: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:37].أحضرناه وهيأناه، ما إن يفقد الآدمي جسمه وتستقل عنه روحه إلا وتلقى تلك الروح من أنواع العذاب المهين الذي يذل ويهين ما لا يتصوره الإنسان، ولا يدرك حقيقته في العالم الأسفل.
    التحذير من طاعة الكافرين
    وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:38-39].معاشر المستمعين والمستمعات! هذا كلام الله، من هو الله؟الجواب: الذي خلق هذه العالم كلها ويديرها إدارة الحكيم العليم، يميت ويحيي.. يعز ويذل.. يعطي ويمنع.. يصحح ويمرض، بهذا النظام العجب، ومنذ آلاف السنين، وإذا قلت: نريد ما يعرفني به أكثر؟ ما عندك أكثر من كلامه، هذا كلامه، هل يتصور هل يعقل يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل، يوجد موجود بدون موجد؟ مستحيل ولو هذه الورقة، هذا الله جل جلاله يحب أولياءه وينصرهم، هو الذي أنزل هذا الكتاب وبعث هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فلهذا اسمع الله تعالى يقول من سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] اليهود والنصارى، يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، هذا خبر الله وإلا لا؟ في من ينقضه؟ والله ما ينقضه ويستحيل، إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] ما قال: إن تطيعوا الذين أوتوا الكتاب؟ لا. لكن فريقاً منهم، وهم الذين يدعون العلم والمعرفة.. و.. و.. ، فإن أنتم أطعتموهم ردوكم بعد إيمانكم كافرين.وما أصاب العالم الإسلامي من الإلحاد والعلمانية وزيغ القلوب.. أكثر ما أصاب الذين جلسوا بين يدي أولئك العلماء وتخرجوا عنهم في كلياتهم ومدارسهم في ألمانيا.. في أمريكا.. في بريطانيا، وأكثر المسئولين في العالم خريجو تلك الجامعات، درسوا عن من؟ جلسوا بين يدي من؟ كافر وإلا لا؟ كيف لا ينفخ فيهم روح الكفر؟ واسألوهم تجد قلوبهم ميتة، وإنما يجاملون فقط البلد الذي هم فيه، أصيبوا بهذا المرض، وهذا هو الله جل جلاله يخبر بهذا الخبر في نداء عجيب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، فالذين يسخرون من الشريعة الإسلامية ويستهزئون بها، ويعدونها تخلفاً ورجعية من هم: عوام المسلمين؟ والله للذين درسوا على أيدي الكافرين، وتخرجوا من كلياتهم وجامعاتهم.
    رحمة الله بالناس بإرسال الرسل إليهم
    ثم تتجلى رحمة الله تعالى بنا فيقول: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].(وكيف تكفرون)، كيف يتأتى لك يا عبد الله المؤمن أن تكفر وأنت تتلى عليك آيات الله، وبين يديك رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فوضع البلسم الشافي والدواء النافع، وهو إذا كان الطالب الذي يدرس على أيدي الكافرين يتلو كتاب الله، ويعيش على سنة رسول الله يتحقق له بذلك العصمة، ولن يستطيع الكافر مهما كان أن يؤثر على هذا المؤمن ما دام يتلو كتاب الله أو يسمعه، وما دام يعيش على سنة رسول الله ويعلمها.الرجاء من المستمعين أن يفهموا هذه:أولاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100]، ما الذي يحصل؟ جوابه: يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، وبعد؟ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] من أين يأتيكم الكفر بعد الإيمان؟ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].فمن هنا الحصانة والمناعة للمؤمنين ألا يتخلوا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.وهذا الذي نطالب به: مساء كل يوم أهل القرية أو أهل الحي يجتمعون في بيوت ربهم اجتماعنا هذا يتلون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من أين يأتيهم الكفر؟ هم يقلبون الكفر إلى إيمان، والجحود إلى اعتراف؛ لكمال حياتهم، أما مع تخلينا وبعدنا عن الكتاب والسنة فالذي حصل هو ثمرة ذلك ونتيجته.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير
    إليكم شرح هذه الآيات كما في الكتاب وتأملوا.‏
    معنى الآيات
    قال: [ ما زال السياق الكريم في هداية المؤمنين وبيان الأحكام الشرعية لهم ليعملوا بها فيكملوا ويسعدوا، ففي الآية الأولى يأمر تعالى المؤمنين بعبادته وتوحيده فيها وبالإحسان إلى الوالدين، وذلك بطاعتهم في المعروف، وإسداء الجميل لهم، ودفع الأذى عنهم، وكذا الأقرباء واليتامى والمساكين والجيران مطلقاً أقرباء أو أجانب، والصاحب الملازم الذي لا يفارقك كالزوجة والمرافق في السفر والعمل والتلمذة والطلب.. ونحو ذلك من الملازمة التي لا تفارق إلا نادراً، إذ الكل يصدق عليه لفظ الصاحب بالجنب، وكذا ابن السبيل وما ملكت اليمين من أمة أو عبد، والمذكورون الإحسان إليهم آكد وإلا فالإحسان معروف يبذل لكل الناس، كما قال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وقال وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36] -هذا اللفظ- دال على أن منع الإحسان الذي هو كف الأذى وبذل المعروف ناتج عن خلق البخل والكبر وهما من شر الأخلاق. هذا ما دلت عليه الآية الأولى.وأما الآية الثانية وقد تضمنت بمناسبة ذم البخل والكبر التنديد ببخل بعض أهل الكتاب وكتمانهم الحق وهو ناتج عن بخلهم أيضاً، قال تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37] أي: من مال وعلم، وقد كتموا نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته -الدالة عليه- في التوراة والإنجيل، وبخلوا بأموالهم وأمروا بالبخل بها، إذ كانوا يقولون للأنصار: لا تنفقوا أموالكم على محمد فإنا نخشى عليكم الفقر.وخبر الموصول (الذين) محذوف تقديره هم الكافرون حقاً، دل عليه قوله: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:37]. هذا ما جاء في هذه الآية الثانية. أما الآيتان الثالثة والرابعة؛ فإن الأولى منهما قد تضمنت بيان حال أناس آخرين غير اليهود وهم المنافقون، فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ [النساء:38] أي: مراءاة لهم ليتقوا بذلك المذمة ويحصلوا على المحمدة، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:38] لأنهم كفار مشركون، وإنما أظهروا الإسلام تقية فقط، ولذا كان إنفاقهم -المال- رياء لا غير.وقوله: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38] أي: بئس القرين له الشيطان، وهذه الجملة: ومن يكن الشيطان له قرين؛ دالة على خبر الموصول المحذوف اكتفي به عن ذكره كما في الموصول الأول، وقد يقدر بمثل: الشيطان قرينه هو الذي زين لهم الكفر، وهو كذلك. هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ [النساء:39] فقد تضمنت الإنكار والتوبيخ لأولئك المنافقين الذين ينفقون رئاء الناس، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ بسبب فتنة الشيطان لهم وملازمته إياهم، فقال تعالى: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ [النساء:39] أي: أي شيء يضرهم أو أي أذى يلحقهم في العاجل أو الآجل لو صدقوا الله ورسوله وأنفقوا في سبيل الله مما رزقهم الله، وفي الخطاب دعوة ربانية لهم بتصحيح إيمانهم واستقامتهم بالخروج من دائرة النفاق الذي أوقعهم فيها القرين -عليه لعائن الله- إبليس، فلذا لم يذكر تعالى وعيداً لهم، وإنما قال: وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:39].وفي هذا تخويف لهم من سوء حالهم إذا استمروا على نفاقهم، فإن علم الله بهم مستوجب الضرب على أيديهم إن لم يتوبوا ] تاب الله علينا وعليهم.
    هداية الآيات
    الآن مع هداية هذه الآيات، هيا نراجع استنباط الهدايات.[ أولاً: تقرير عشرة حقوق والأمر بأدائها فوراً، وهي: عبادة الله وحده، والإحسان بالوالدين، وإلى كل المذكورين في الآية ].مرة ثانية: من هداية هذه الآيات: أولاً: تقرير وإثبات عشرة حقوق على كل مؤمن أن ينهض بها ويأتي بها طاعة لله ورغبة في ما عند الله.تقرير عشرة حقوق والأمر بأدائها فوراً، وهي: عبادة الله وحده، والإحسان بالوالدين والأقرباء، إلى غير ذلك من العشرة المذكورين في الآية.[ ثانياً: ذم الاختيال -الناتج- الناجم عن الكبر وذم الفخر، وبيان كره الله تعالى لهما ].واسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذم الاختيال، ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء )، الذي يطيل ثوبه ويجره في الأرض خيلاء هذا مبغوض لله، والله ما ينظر إليه، فلهذا أمرنا ألا يزيد ثوب أحدنا عن كعبيه أبداً، لا يطول ثوبك، برنوسك، سروالك، أي شيء تلبسه على الكعبين، عند الكعبين يقف، خوفاً من أن يبغضنا الله بغضاً، فلا ينظر إلينا أبداً. ( إن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء ).ويقول صلى الله عليه وسلم في البخل: ( وأي داء أدوأ من البخل؟ ) أي: أكثر ضرراً من البخل؟ لا شيء.ويقول: ( إياكم والشح ) والشح والبخل بمعنى واحد، إلا أن الشحيح باخل وحريص على المال، والبخيل قد يمنع ويبخل وما هو بالحريص، فالشح شر من البخل، ولذا يقول: ( إياكم ) احذروا. ( إياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم ) كيف؟ قال: ( أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) هذان الخلقان أو هذا الخلق من شر الأخلاق، والآية الكريمة من هدايتها: [ ذم الاختيال، وحرمة البخل والأمر به، وحرمة كتمان العلم وخاصة الشرعي ] فالذي يبخل بالمال كالذي يبخل بالعلم. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كتم علماً ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة ) من كتم علماً والناس في حاجة إليه وجحده لاعتبار من الاعتبارات جزاءه يدخل النار ويلجم بلجام منها يتميز به بين أهل النار لأنه كتم العلم الشرعي، وأول من يتناول هذا اليهود الذين إلى الآن يكتمون العلم عن الناس، وكل ذي علم عرف عن الله وسئل فكتم داخل في هذا.[ ذم الاختيال الناجم عن الكبر وذم الفخر، وبيان كره الله تعالى لهما.ثالثاً: حرمة البخل والأمر به ].وهل هناك من يأمر بالبخل؟ إي نعم. قد تجد الرجل يأمر ولده بالبخل، يجد أن ولده منفقاً أو يتصدق ينهاه. لا تفعل.[ رابعاً: حرمة الرياء وذم صاحبه ].ما الرياء؟ أن يعمل العبد العمل الإصلاح الخيري من أجل أن يراه الناس. وقد بينت لكم ذلك: الناس ثلاثة، فأكملنا الذي يعمل العمل ولا يريد أن يراه أحد إلا الله، ويتألم إذا أثني عليه أو مدح به، ما يريد، يعمل العمل ولا هم له إلا رضا ربه فقط سواء كان مالاً أو كان عبادة، هذا من المقربين. والرجل الثاني يعمل العمل ولا يريد إلا الله، لكن يحب أن يحمد أو يثنى عليه بخير، ويجد في نفسه رغبة لذلك، مع أنه ما فعله ولا قام به إلا لله طاعة لله وتقرباً إليه، لكن إذا أثنى عليه أو امتدحه سر بذلك وفرح، وهذا دون الأول.مرة ثانية: هذا يقوم يصلي في الليل يتهجد، ينفق ماله في سبيل الله، يدعو إلى الله، ولا هم له إلا الله، أمر به ربي أنا أطيعه، لكن يجد في نفسه فرحاً وسروراً إذا أثنى عليه إخوانه أو امتدحوه أو ذكروه بخير، هذا غير الأول وإلا لا؟ الأول ما يريد أبداً أن يطلع أحد أو يتكلم فيه.الرجل الثالث الهالك هو عندما يقوم يفعل الخير ما يريد الله ولا رغبة في الله ولا في طاعته، فقط يريد هذا العمل من أجل أن يشكر ويثنى عليه ويحمد، أو من أجل أن يشيع ويذيع صيته بين الناس، كبعض التجار الكبار ينفقون لأجل التشهير بسلعتهم وبضاعتهم في الجرائد وفي غيرها. هذا الذي ينفق نفقة أو يعمل عملاً صالحاً وهو لا يريد رضا الله ولا حب الله ولا ما عند الله، فقط يريد أن يرفع عنه المذمة، حتى ما يقال: بخيل أو شحيح أو لئيم؛ فينفق ليقال: كريم وسخي، أو ينفق للاعتبارات حتى يبقى بين الناس محترماً، فهذا هو المنافق وهو الذي ينفق لغير الله، فاذكروا هذه القضية برجالها الثلاثة.أفضلهم الأول، وهو الأول الذي ما يريد أن ينظر إنسان إليه أبداً، يريد الله فقط، هذا أكمل المنفقين العاملين.الثاني: لا يريد بعمله إلا الله، يعطي ماله.. يعطي كلمته.. جهده طاقته يريد التقرب إلى الله والتزلف إليه ليحبه ويرضى عنه ويكرمه ويسعده، لكن في نفسه هوى؛ إذا أثني عليه إذا حُمد يفرح بذلك، وأذن الرسول بذلك، ما يضرك هذا، لأنك أول ما فعلت إلا لله، فإذا جاء حمد أو ثناء فهذا فضل الله أيضاً عليك.وشر الناس الذي يعمل الصالحات الخيرات من إنفاق وهو لا يريد الله، إما لكفره بالله. كالمنافق والكافر، وإما لضعف إيمانه وعدم بصيرته إذا تصدق.. إذا قال.. إذا كذا.. يريد حمد الناس له وثناؤهم عليه، هذا هالك وخاسر والعياذ بالله.[ خامساً: ذم قرناء السوء ].يا عبد الله! يا أمة الله! لا تجالس إلا عبداً صالحاً. يا رجل! لا تتزوج إلا امرأة صالحة، يا مؤمنة! لا تتزوجي إلا رجلاً صالحاً، يا من يريد العمل! لا تعمل إلا مع عبد صالح حتى في رعاية غنم أو إيجاد مزرعة أو عمل، يجب علينا أن نتعاون ومن باب التعاون أن نتعاون مع الصالحين، وقد عرفتم الحديث الشريف: ( مثل الجليس الصالح وجليس السوء ) ما مثلهما؟ الأول كبائع عطر، تجلس إليه تشم رائحة أو ينفحك منه شيئاً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، إما ينالك الدخان والنتن أو تحترق ثيابك. ومن هنا ما يبقى في القرية فاسد، يهزئونه ما دامت أخلاقه هابطة، سلوكه شائن ما يريده الناس مع من يجلس إذاً؟ يضطر إلى أن يتوب وأن يستقيم، والله العظيم. ما يستطيع أن يعيش في القرية والناس كلهم ملتفتون عنه لا ينظرون إليه ولا يجالسونه.أما قال تعالى: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38] قبح هذا القرين. كيف الشيطان يكون قريناً لك؟ لأنه يأمرك فتطيع، ينهاك فتطيع، يزين لك القبيح فتزينه، حتى يملكك ويصبح من جسمك، فلا يفارقك ليلاً ولا نهاراً.[ ذم قرناء السوء لما يأمرون به ويدعون إليه قرناؤهم حتى قيل ].هذا بيت شعر عن الأولين.[ عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي ].يا عبد الله! لا تسأل عن فلان كيف حاله، اسأل عن قرناه من هم؟ إذا كان الحشاشين أو الخمارين أو المقامرين أو المتلصصين يكفيك، لا تسأل عنه؛ لأنك إن سألت عنه قد لا تجد الجواب الحقيقي، لكن إذا سألت: من يجالس فلان؟ من هم الذين معه؟ فإذا وجدتهم صالحين أبشر، لن يكون هو إلا صالحاً، وإذا عرفت أنهم فاسدون فهو مثلهم. عن المرء لا تسأل وسل عن قرينةفكل قرين بالمقارن يقتديفالمصاحبة والملازمة ويكفينا في ذلك هداية الله لرسوله، إذ قال له: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [الكهف:28] احبسها. مع من؟ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:28] نهاه أن يجالس أبا جهل ، عقبة بن أبي معيط أو فلاناً وفلاناً من أغنياء مكة، قال: لازم الفقراء مثل بلال وعمار وفلان وفلان ولا تبال بالآخرين. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [الكهف:28].معاشر الأبناء والإخوان! يا معاشر النساء! يجب أن نرتبط بالصالحين، كل من أراد عملاً صالحاً يجب عليه أن يصاحب من يكون صالحاً.وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #250
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (25)
    الحلقة (249)

    تفسير سورة النساء (31)


    الله عز وجل حكم عدل، لا يظلم عباده مثقال ذرة، فيجازي كلاً بعمله ويغفر لمن يشاء، ويضاعف الحسنات فضلاً منه ورحمة لمن يشاء، فإذا جاء يوم الدين، وجمع الأولين والآخرين، وأتى بالنبيين ليشهدوا على أقوامهم، وأتى بهذه الأمة ونبيها ليشهدوا على سائر الأنبياء أنهم قد أبلغوا رسالات ربهم، ثم استشهد محمداً صلى الله عليه وسلم على أمته، ساعتها يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو كانوا تراباً تسوى بهم الأرض؛ لأنهم ساعتها لن يمتنعوا عن الله، ولن يكتموه شيئاً مما يسألهم عنه ويقررهم به.
    تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة ...)
    الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وأخرى أيها الأبناء! يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وثالثة: الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم وارحمهم، حتى نصلي العشاء ونخرج من المسجد. كيف نظفر بهذا الخير لولا فضل الله وإحسانه وإنعامه علينا؟! محروم منه بلايين البشر، وما دفعنا غالياً ولا رخيصاً، كل ما في الأمر: آمنا بالله وبلقائه، فرغبنا في أن نتعرف إليه، وأن نتعرف إلى ما يحب وما يكره، لنتوسل إليه ونتملق بفعل ما يحب وبترك ما يكره، وتلك ولاية الله، وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الحمد لله على هذا الإنعام والإفضال.وها نحن مع صورة النساء المباركة، ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا نتغنى بها حتى نحفظها أو نكاد نحفظها، ثم نأخذ في دراستها بيننا لنستخرج الهدى، ونأخذ العلم الذي به سر كمالنا وسعادتنا.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:40-42].
    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)
    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! اسمعوا هذا الخبر من أخبار الله تعالى العليم الحكيم، يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] فأحبوه، اطلبوا حبه، هذا العظيم الجليل الذي نشر العدل وأقامه، وأمر به، ورفع أهله وأجلسهم على منابر من نور يوم القيامة الله هو موجده، لا يظلم أحداً من الإنس ولا من الجن ولا من الملائكة مثقال ذرة، كيف لا تحبونه؟ كيف لا تعرفونه؟ كيف لا توادون من أجله؟ هذا هو الله يخبر عن نفسه: إن الله جل جلاله وعظم سلطانه، رب السماوات والأرض وما بينهما، رب العالمين، الله ذو الجلال والإكرام لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40].وقد اختلفوا في مثقال الذر، ما الذرة؟ أصغر ما يمكن أن تتصور، قل: عين الإبرة، قل: عين النملة، قل نملة، قل هباء في كوة البيت وتشاهده، كناية عن أصغر شيء. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] لا يظلم إنسياً ولا جنياً ولا غيرهما من المخلوقات.إذاً: هذا يجب أن نؤمن به وإلا لا؟ ونتزلف ونتملق له وإلا لا؟ كيف إذاً نكفره ونجاحد فيه ولا نذكره وننساه، وندعو الناس إلى الكفر به؟! أي ضلال أعظم من هذا الضلال؟!والآية لها ارتباط بما سبقها، تذكرون أن الذين والوا الشيطان، وأصبح الشيطان قريناً لهم أولئك البخلاء الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، أولئك يقول تعالى فيهم: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ [النساء:39] هل كان يصيبهم أذى أو بلاء أو شر؟وزاد أيضاً يرغبهم ويدعوهم بدعوى عجب إلى أن يتراجعوا عن باطلهم وضلالهم وفسادهم ويعودوا إلى الحق ويسلكوا سبيل الرشد مع المؤمنين، فيقول لهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] فكيف لا تؤمنون به؟ كيف لا تعبدونه؟ كيف لا تطيعونه؟ بل كيف لا تحبونه؟
    معنى قوله تعالى: (وإن تك حسنة يضاعفها)
    وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40] وإن توجد حسنة لك يا عبد الله! يضاعفها إلى ألف ألف.. إلى ألفي ألف. وهذا بناءً على أنه غني عما سواه، فما هو أبداً في حاجة إلى أن يظلم أو ينقص أبداً لغناه المطلق إذ كل شيء له وبيديه، فلا تتصور ظلمه أبداً، ثم لفضله وإنعامه وإحسانه وكرمه الحسنة يضاعفها إلى أضعاف أضعاف أضعاف، كما أخبر رسول الله بأن ذلك يصل إلى ألفي ألف، مليونين وأكثر.وهذه الآية الكريمة إحدى آيات ثمانين في هذه السورة، تقدم أن بيناها وهي تزن الدنيا وما فيها، هذه الآية يقول أحد الأصحاب رضوان الله عليهم: ( لو كانت لي سيئات مهما كانت وكبرت وعندي حسنة فقط والله لخير لي من الدنيا وما فيها)، سيئات كثيرة لا تعد، يا ليت لي حسنة فقط فإن هذه الحسنة مع تلك السيئات التي لا تحصى خير لي من الدنيا وما فيها؛ لأنه ثبت أن أهل الجنة لما يدخلون يسألون عن إخوانهم الذين كانوا يصلون معهم وكانوا يصومون ويجاهدون فيعلمون أنهم في النار فيسألون ربهم، فيقول لهم: من تريدون؟ فلان اطلبوه، علامة إيمانه صفاء وجهه. هل له حسنة؟ نعم تقول الملائكة: له حسنة، إذاً: يضاعفها له ويخرجه من النار ويدخله الجنة. ما هو واحد ولا ألف ولا مليون؛ لأن الله أخبر أنه لا يظلم مثقال ذرة، وهذا عنده حسنة كاملة وهي توحيده لله رب العالمين وإن زنى وإن سرق، إذاً: فلا يخلد في النار. هذه الحسنة لن تضيع أبداً، فيخرجه من النار بها.وهنا هذا الموقف الأم تظلم ولدها أو تظلم زوجها وتحتاج إلى حسنة، تطالب مولاها أن يعطيها حقها من هذا الرجل أو من هذا الولد، فتعطى حسنة الظلم التي ظلمت فتدخل بها الجنة، والأم كالأب، والقريب كالبعيد، الكل نفسي نفسي.إذاً: هذه الحسنة إذا بقيت وتوفرت بها يدخل الله عبده الجنة ويؤت من لدنه أجراً عظيماً، وإن توجد حسنة يضاعفها ويؤت (من لدنه) من فضله وإحسانه أجراً عظيماً.مثال ذلك: أن تقف مع خصومك فيسلبونك حسناتك لأنك سببت وشتمت، آذيت وآلمت، أخذت مالهم، اعتديت عليهم؛ فيأخذون من حسناتك حتى لم يبق لك إلا حسنة واحدة، فيدخلك الله تعالى بها الجنة، يأخذ حسناتك يعطيها لمن ظلمتهم، فإذا لم يبق للعبد حسنة طرح في النار.. يؤخذ من حسناته لمن ظلمهم واعتدى عليهم، فإذا بقيت له حسنة ضاعفها الله تعالى له أضعافاً كثيرة وأدخله الجنة؛ فإن لم يبق له حسنة وما زال مطالباً توضع سيئات المظلومين على سيئاته ثم يهلك في جهنم. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] وزن من الثقل من الوزن.(وإن تك حسنةٌ) قراءة سبعية، أو: وَإِنْ تَكُ [النساء:40] تلك الحسنة مثقال ذرة يُضَاعِفْهَا [النساء:40] بمعنى: يكثرها أضعافاً مضاعفاً.
    معنى قوله تعالى: (ويؤت من لدنه أجراً عظيماً)
    وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] فبشرى لأهل الإيمان، بشرى لأهل الإسلام والإحسان، إذا كانت قلوبهم خالية لا يوجد بها إلا الله، وهذا هو التوحيد هو معنى لا إله إلا الله، فإن قارف أحدهم ذنوباً وإن تكاثرت وعظمت فإن مآله إلى الجنة دار السلام، ومن كان قلبه منتكساً مظلماً، ما عرف الله ولا آمن به، ما عرف الشريعة ولا مشى في مناهجها، وأصبح كله ظلمة، وكله مساوي وسيئات هذا مصيره -والعياذ بالله- الخسران المبين. قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].ومرة ثانية: بشروا أهل لا إله إلا الله، من هم أهلها؟ الذين لا يرفعون أصواتهم داعين سائلين إلا لله، الذين لا يرغبون ولا يطمعون ولا يرجون إلا الله، الذين حياتهم موقوفة على الله، هؤلاء المؤمنون الموحدون إذا زلت أقدامهم ووقعوا في كبائر الذنوب والآثام ولم يتوبوا منها عاجلهم الموت فتابوا فهؤلاء مآلهم الحقيقي دار السلام، وإن يعذبوا ويمتحشوا في النار فإن مصيرهم إلى دار السلام، وهذه الآية التي تزن الدنيا وما فيها: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ [النساء:40] ويعطي مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].

    عداوة اليهود والنصارى للمسلمين وإضلالهم لهم عن التوحيد

    عرف العدو المكون من المجوس واليهود والنصارى، عرفوا هذه الحقيقة، كيف نحرمهم من الجنة؟ كيف نقودهم إلى مصيرنا لنحترق معهم؟ لم يظفرون بالفوز؟ لم ينجون من العذاب؟ ما الفرق بيننا وبينهم؟ إذاً: لنعمل على أن نربطهم بحبل معنا، فكيف نعمل؟ قالوا: أفسدوا عقائدهم، حتى أصبح الرجل يسوق السيارة إذا هي مالت عن الطريق وانحرفت يقول: يا رسول الله، ولا يقول: يا ألله. الرجل ذو اللحية والعمامة بيده المسبحة يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لما ينعس وتسقط المسبحة يا سيدي عبد القادر ، هذا من أهل لا إله إلا الله. جهلوهم من أجل أن يهلكوهم ويردوهم، لا عذر بالجهل، كيف نقبل ما يصبونه علينا من الفتن والضلال المبين؟ القرآن نور، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8] ما النور الذي أنزل الله؟ القرآن لا تتردد، والنور يهدي وإلا يضل؟ إذا أخذت المصباح في الظلام وتمشي وهو أمام يهديك وإلا يضلك؟ يهديك، وإذا أطفأته أين تمشي؟ وإذا تركته وراءك ومشيت في الظلام أمامك تهتدي؟ القرآن نور، ولا هداية والله إلا عليه وبه، هيا نقرأ لنهتدي. لا. نقرأ على الموتى، مات السيد الفلاني، في بعض البلاد في نقابة بالتلفون، ألو ألو، توفي الآن السيد الفلاني نريد عدداً من طلبة القرآن ليقرءوا عليه، يقول: من فئة مائة ليرة وإلا خمسين؟ إذا كان الميت غنياً ثرياً من مائة ليرة أو مائة ريال، وإذا كان من المتوسطين خمسين، فهمتم؟ هذا القرآن لما هجروه أصبحوا يقرءونه على الموتى، ما الفائدة منه؟ ما دمنا ما نهتدي به ماذا نصنع؟ نقرؤه على الموتى حتى ندخلهم الجنة به، يضعون الميت بين أيديهم ويقرءون بعضهم يضحك وبعضهم يبكي ثم يأخذون الفلوس ويخرجون، هذا القرآن.إن شئتم حلفت لكم، لهذا الثالوث ورجاله الذين يعملون إلى الآن على إفساد هذه الأمة وإحباط وإبطال هدايتها، لقد عرفوا أن العقيدة هي القوة الدافعة التي تدفع إلى الكمال، فقالوا: لنفسدها عليكم، فأوجدوا لنا القباب والخرافات والضلالات والطرق والمشايخ و.. و.. و.. وعندنا ذلك بالبينة: فرنسي ادعى الطريقة الفلانية وفتح له زاوية في بيت المسلمين وديارهم أربعين سنة، وهو يدعو إلى الطريقة الفلانية التي تصرف عن الله الحق، وبعدما أدى مهمته عاد إلى فرنسا وخرج في مظهره الأول البرنيطة والكرفته والبدلة، هذا هو السيد فلان، هذا شيخنا. فأعظم الطرق أنشأها هؤلاء، ونفخوا الروح فيها، وانتشرت بين المسلمين من إندونيسيا إلى موريتانيا، من أجل إفساد عقائد المؤمنين حتى يفقدوا التوحيد فيهلكوا مع الهالكين، هم قرءوا هذا ونحن ما نقرؤه. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] حتى الكافر المشرك إن عمل خيراً يعطيه الله جزاءه في الدنيا، ولا يحرمه عطاءه. وأما المؤمن فيعطيه ويدخر له في الدار الآخرة، ما تضيع حسنة أبداً، أيما عمل عملته لوجه الله تريد به الله عز وجل مما طلب منك أن تفعله، والله لن تفقد جزاءه أبداً، كن مطمئناً، أما في الدار الآخرة فقد علمنا وعرفنا واعتقدنا أن أهل لا إله إلا الله بحق، أهل التوحيد الذين ما عرفوا إلا الله يدعونه، يتضرعون بين يديه، يبكون بين يديه، يتملقونه بذكره، بطاعته في كل ميدان وماتوا على ذلك وإن غرقوا في الذنوب؛ فإن حسنة التوحيد تخرجهم من النار وتدخلهم الجنة دار الأبرار، والله العظيم. ولا نشك في هذا.هذا معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] لم نبق أنفسنا مبعدين عنه؟ لم لا نؤمن به؟ لم لا نطلبه؟ لم لا نتعرف إليه؟ لم لا نتملقه بما يحب من قول أو عمل؟ وهذا هو كماله، وهذه أثر رحمته وجلاله، كيف نمشي وراء الشيطان ليبعدنا عن الرحمن؟ لنهلك في الدنيا والآخرة، ذي دعوة الله لعباده.
    تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ...)
    يقول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء:41] هذا في عرصات القيامة، في ساحة فصل القضاء.
    شهادة محمد وأمته للأنبياء بتبليغ الرسالة
    هنا يقول تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ [النساء:41] من الأمم، أبيضها وأصفرها من عهد آدم إلى يوم القيامة، من كل أمة جئنا بشهيد يشهد على أن رسولها بلغها، وما قصر في إبلاغ رسالته، وأنها أعرضت عنه، وقد بلغنا وصح: أن بعض الرسل يأتي معه ثلاثة أنفار، خمسة، عشرة، وحسبك دليلاً وبرهاناً: أن نوحاً عليه السلام دعا إلى الله تسعمائة وخمسين عاماً، ألف سنة إلا خمسين عاماً، لما بلغ الأربعين وأرسله الله عاش بعدها ألف سنة إلا خمسين، ما آمن به سوى نيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، كقدر السفينة التي حملتهم، السفينة من خشب ما هي من سفن اليوم، تحمل ثلاثة وثمانين، أو خمسة وثمانين رجلاً وامرأة.. دعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً، مع أن الدعوة كانت لا نظير لها، واقرءوا سورته عليه السلام: إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [نوح:5] ما هو في النهار فقط، أسررت لهم إسراراً، جاهرتهم جهاراً، ويسخرون منه ويستهزئون، لما كان يصنع الفلك قالوا: يا نوح! تأتي بالبحر هنا وإلا هي تنقلها إلى البحر؟!ثم يقول الله عز وجل لذلك الرسول: من يشهد لك أنك بلغت رسالتنا؟ فيقول: يشهد لي محمد وأمته. هذه الأمة الخاتمة التي لا تعدلها أمة قط.إذاً: فيستشهد الله الرسول والمؤمنين فيشهدون، كيف نشهد نحن؟ أعلمتنا يا ربنا في كتابك المنزل علينا بأن نوحاً بلغ رسالة الله، وأن هوداً كذا، وأن لوطاً كذا.ولطيفة أخرى في العدد: تعرفون عن لوط عليه السلام؟ لوط ابن أخي إبراهيم هاران من بابل العراق، لما هاجر إبراهيم بعد الحكم عليه بالإعدام، وألقوه في النار التي أججوها أكثر من أربعين يوماً، والنساء الجاهلات عابدات الشيطان يساهمن بالحطب، تنذر للإله بأن هذه الحزمة من الحطب ليحترق إبراهيم الذي يحارب إلهنا، حتى الوزغة المعروفة في بيوتنا القديمة كانت هي أيضاً تنفخ في النار لتأججها. تعرفون الوزغة؟ اقتلوها، كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تضع جريدة من النخل في حجرتها، كلما رأتها قتلتها؛ لأن الرسول علمها ذلك صلى الله عليه وسلم.فلما خرج إبراهيم عليه السلام مهاجراً خرجت معه زوجته سارة، وابن أخيه لوط فقط، أمة إبراهيم ما آمن منها إلا هؤلاء، لكن لما انتقل إلى ديار الشام آمن به ملايين، وكان لوط عليه السلام في مدينة سدوم على البحر الميت الآن، وما آمن به سوى ابنتيه فقط، والقوم كلهم ضربهم الله تلك الضربة النهائية. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74] ما آمن مع لوط إلا ابنتاه. نعطيكم فرية يهودية، كيف يقولون؟ يقولون: لوط جامع ابنتيه وأنجب منهما حتى يبيح لأنفسهم جماع بناتهم، ولا تعجب ممن هبطوا كهبوطنا هذا.
    مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب
    فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ [النساء:41] من هم؟ نحن، هذه الأمة عربها وعجمها، مؤمنوها وكافروها، هذه هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو في من يشاركهم؟ هل جاء بعده نبي؟ ما في، من نبي هذه البشرية؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما من باب الأدب نقسم أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قسمين: أمة الاستجابة، أي: الذين آمنوا به ودخلوا في الإسلام وعبدوا الله به، والذين ما استجابوا وأعرضوا؛ أمة الدعوة. ما معنى أمة الدعوة؟ الأمة التي يجب أن ندعوها، والتي دعاها الرسول وأعرضت وأمته تقوم بهذا الواجب وتدعو هذه الأمم الكافرة إلى أن تعبد الله وتوحده. فهمتم هذه اللطيفة؟أمة محمد صلى الله عليه وسلم قسمان: أمة الاستجابة وأمة الدعوة. من هي الأمة التي تشهد؟ أمة الاستجابة. وقال تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ [البقرة:142] من هؤلاء؟ المنافقون واليهود. سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142] لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لما هاجر إلى المدينة صلى نحواً من سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، ولما كان في مكة يأتي من الجهة اليمانية فيكون مستقبلاً بيت المقدس شمالاً، ثم بدأ اليهود يتبجحون والمنافقون يرددون: يكفرنا ويصلي إلى قبلتنا، وكانت نفسه صلى الله عليه وسلم تتوق وتشوق لو أن الله يبعده عن هذه القبلة ويوجهه إلى الكعبة. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144] لماذا؟ ينظر متى ينزل الله أمره، يتطلع، الخبر يأتي من عند الله فوق وإلا أسفل؟ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنّ َكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144] هذا عطاء، هذا فضل الله وإحسانه على رسوله. فَلَنُوَلِّيَنّ َكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] والآية التي بها شاهدنا: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:142-143].
    وسطية أمة محمد صلى الله عليه وسلم
    وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] اليهود يستقبلون المغرب، والنصارى مطلع الشمس، وأنتم وسط بينهما تستقبلون بيت الله عز وجل، إلى الآن أين قبلة اليهود؟ غرب. أين قبلة النصارى؟ مطلع الشمس شرق. أين قبلة المسلمين؟ بيت الله، وسط، ومعنى (وسط): خياراً عدولاً، الوسط: الخيّر الأعدل، ومظاهر ذلك واضحة، خيار وعدول، مظاهر العدل متجلية فينا وإلا لا؟ إليكم أمثلة: اليهود -عليهم لعائن الله- قالوا في عيسى روح الله وكلمته عبد الله ورسوله، قالوا: عيسى ابن زنا، وأمه داعرة وزانية، واسألوهم الآن يقولوا: إي نعم، اتصل بيهودي من أهل اليهود الحق واسأله؛ يقول: ابن زنا هذا. وقال النصارى: هو ابن الله، وطوائف قالوا: هو الله، وأخرى قالوا: هو ثالث ثلاثة مع الله يكونون الإله. ضلال وإلا لا؟ عمى وإلا لا؟ لا إله إلا الله. وجئتم أنتم أيها الأمة الوسط فقلتم: عيسى ليس بابن الله، ولا الله ولا ثالث ثلاثة مع الله، وإنما هو عبد الله ورسوله، ما هو بابن زنا ولا ابن دعارة ولا، كان بكلمة كن يا عيسى فكان عيسى عليه السلام. وسطية هذه وإلا لا؟اليهود كان حكم الله فيهم إذا قتل القاتل يقتل، لا دية ولا شفاعة ولا وساطة، اقتلوه؛ لظلمهم واعتدائهم. جاء النصارى وجاء عيسى: الذي يقتل يجب أن تعفو عنه، لا قصاص ولا دية، جئتم أنتم يا أهل القرآن الله الله! أيام كنا، إذاً: من قتل؛ أهل الدم مخيرون، إن شاءوا اقتصوا، وإن شاءوا أخذوا دية، وإن شاءوا عفوا عنه لوجه الله. أمثلة هذه الوسطية كثيرة.
    شهادة النبي على أمته يوم القيامة
    وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] لم؟ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] آه! إذا شهد علينا رسول الله كيف ننجو؟ قال الهابطون رءوس الحيات: اسمع! أنتم ما تعرفون تفسير كلام الله، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] أي: لكم شهيداً، (على) حرف جر وإلا لا؟ أصلها اللام: ليكون الرسول لكم شهيداً، غنوا، زمروا، طبلوا، اكفروا، لا تخافوا؛ لأن الرسول يشهد لكم، ويقول: هؤلاء المسلمون، احفظها يا إسماعيل . قال: حروف الجر تتناوب وإلا لا؟ اللام على ومن وإلى.. حروف جر. إذاً: ويكون الرسول شهيداً لكم لا عليكم، معناه: زغردوا، افعلوا ما تشاءون، الرسول يشهد لكم بأنكم أولياء الله وصالح عباده، أدخلوهم في الجنة. تجدون هذا في التفاسير؟ قال: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، اذكروا لتردوا هذا التفسير الباطل الهاوي، اذكروا ما علمتم من أن يوم من الأيام في هذه المدينة، في هذا المسجد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن مسعود الهذلي وكان لا يفارق رسول الله حتى قالوا: هو ظله، أين يمشي رسول الله عبد الله وراءه، يأخذ نعله، يأخذ عصاه، هذا عبد الله بن مسعود الهذلي ، قال له يوماً: ( يا ابن أم عبد ) هو عبد الله بن مسعود ، لم كناه؟ لأنه يحب هذه التكنية. ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن ) الرسول يقول لهذا التلميذ الملازم: ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن، قال: أعليك أنزل وعليك أقرأ؟ ) يسأله عبد الله متعجباً! ( أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري ) فهمتم هذه؟ ائتسوا برسولكم صلى الله عليه وسلم، واطلبوا من يقرأ لكم لا عليكم بعد الموت لتسمعوا كلام الله، وقد قلت لكم وكررت القول، وإني لآثم وأستغفر الله عز وجل: ما عرفنا من يقول لأخيه وهو تحت ظل الشجرة أو الجدار أو على كرسي العمل: أي فلان! أسمعني شيئاً من القرآن، ما عثرنا على واحد هذا في الأمة، إلا ما كان من عبد الرحمن ، هذا تلقى التوحيد الحق من خريجي المسجد النبوي من الطيب العقبي أيام العثمانيين، ذاك الذي أسس جريدة القبلة، ثم حولها إلى جريدة أم القرى، وما زالت أم القرى إلى الآن، واستخلفوه بـالطيب الساسي ، هذا الشيخ جاء الله به إلى الديار الجزائرية فأنارها بالتوحيد، وواجه من السخرية والاستهزاء والمكر والسب والشتم، لا إله إلا الله. والشاهد عندنا: فتلامذته من هم؟ عنده محاضرة في الأسبوع فقط في نادي الترقي، فتخرج عليه رجال منهم الآن بينكم، لا يعرفون إلا الله، لا عبد القادر ولا بدوي ولا سيدي مبروك .فـعبد الرحمن هذا وكنت طفلاً صغيراً، يأتي من العاصمة إلى الصحراء ونحن صحراويون، صحراؤنا كالقصيم نخيل وغنم، يأتي في العطلة وأنا أحفظ القرآن في العاشرة من عمري، يجلس ويضع رأسه يقول لي: أسمعني يا أبا بكر شيئاً من القرآن، وهو والله ما يعرف الألف من الباء، لا يقرأ ولا يكتب، والله يتربع ويطأطئ رأسه ويقول: اقرأ علي، هذا الوحيد الذي رأيناه. عرفتم هذه وإلا لا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أنزل ويقول: ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله ويقول: عليك أنزل وعليك أقرأ؟ يقول: نعم، أحب أن أسمعه من غيري ). آه! بيوتنا في المدينة في القرون الذهبية يقولون: كنت إذا مررت بأزقتها في الليل تسمع دوياً كدوي النحل من القرآن، النساء والرجال يقرءون طول الليل، ولما هبطنا -والحمد لله انتصرنا في هذا العهد الأخير- كنت كلما مررت ببيوتنا قبل هذه الكهرباء والتلفاز لا تسمع إلا الأغاني إلى عنان السماء، ما استطعنا ننام في الليل، في السطوح. بائع الفول وهذا الفصفص في يده إذاعة تغني في الشوارع، الدكاكين، المقاهي، السيارات، النقل، الحمال كذا.. كلها أغاني، لا إله إلا الله. وشاء الله أن تنسخ هذه، الآن تمر بك مائة سيارة تسمع واحدة تغني؟ ممكن. الآن تمر في الأزقة ما تسمع أغاني في البيوت، لكن الشيطان عدونا لما انتصرنا عليه في هذه الدعوة ماذا يصنع؟ جاء بالفيديو والتلفاز والدش والصحن الهوائي، وها نحن نقول: سيأتي يوم ما يبقى تلفاز في بيت إن شاء الله.قاومنا الدخان .. السجائر، والله يا أبنائي إن أصحاب الدكاكين ليستوردون حلويات للأطفال في شكل سيجارة، رأسها أحمر كسيجارة أمريكية، يأخذها الطفل ويخرج يلعب من المدرسة يعودونه على التدخين، وقامت هذه الدعوة وانتشرت بإذن الله، الآن حتى الحكومات مشت وراءنا ويمنعون التدخين في محلات كثيرة في المملكة وغيرها، ممنوع التدخين في الطائرة.إذاً: وسيأتي إن شاء الله الانتصار فلا نسمع في بيوتنا إلا القرآن، أما نسمع عاهرة تغني في بيت الإيمان والإسلام، كافر يتبجح وينطق ويتمثل كيف يصح هذا؟ إذاً: ( أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت عليه: بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] ) إلى أن انتهيت وهي قرابة كم آية؟ أربعين آية. قال: ( إذا انتهيت إلى قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] قال: فإذا عينا رسول الله تذرفان الدموع وهو يقول: حسبك حسبك حسبك ). أرأيتم حبه لكم وإلا لا؟ لم يبكي؟ لأنه يشهد علينا، كيف ننجو إذا شهد علينا؟ وهل يشهد بباطل؟ هل يزور؟ يقول في الفاسق: بر وصالح؟ في المشرك: موحد ومؤمن؟ والله ما يكون وهو بين يدي الله. فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] أنزلوا كلمة (لك) بدل (عليك)، هذه ضلالة من ضلالات القوم.
    تفسير قوله تعالى: (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ...)
    يَوْمَئِذٍ [النساء:42] إذا أردت أن تعرف لم يبكي الرسول؟ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ [النساء:42] (يود): يحب بكل قلوبهم وأرواحهم. الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:42] جحدوا، غطوا، جحدوا ماذا؟ شريعة الله، قوانينه، رسله، كتبه، أما الإيمان بالله فالمشركون واليهود يؤمنون بالله، ما كفروا. وَعَصَوُا [النساء:42] من؟ الرَّسُولَ [النساء:42] (أل) هنا للتفخيم والتعظيم، (أل) هنا للعهد، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ما هو عيسى ولا موسى. وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى [النساء:42] أصلها: تتسوى. بِهِمُ الأَرْضُ [النساء:42] كيف؟ يغوصون فيها، يودون أن تخسف بهم الأرض. انتبهتم؟ لا سيما عندما يسألهم الله فينكرون: والله ما كنا بمشركين، يقول تعالى لأفواههم: انتهي واسكتي، وانطقي أيتها الجوارح، فتأخذ العين تشهد والأذن تشهد يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] هنا يود أحدهم لو ساخت به الأرض. وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42] ما يستطيعون، وهذا كقوله تعالى من آخر سورة النبأ: وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] لما يشاهد سائر الحيوانات التي أوجدها الله عز وجل ليقتص لها من بعضها البعض، لتتجلى عدالته ورحمته، لما ينتهي الحكم فيها يقول تعالى لها: كوني تراباً، فتتحول كلها إلى تراب، لا بقرة ولا جمل ولا ثور ولا كذا.. هنا أهل الكفر وهم يقادون إلى جهنم، آه! يا ليتنا كنا تراباً، لكن لن يكونوا تراباً، بل يعظمون في أجسامهم حتى إن عرض أحدهم مائة وخمسة وثلاثين كيلو متراً. يا شيخ! من أين لك هذا الكلام؟ الرسول كان يعرف الكيلو؟ تكذب على الناس؟ أنا أقول: لو نكشف ما في قلوب السامعين كبير. الجواب: يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما بين كتفي الرجل في النار كما بين مكة وقديد ) المسافة من مكة إلى قديد كم كيلو؟ مائة وخمسة وثلاثين كيلو متر.قبل أن نقرأ هذا الحديث ويبلغنا كنا نؤمن ونعجب، لما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن ضرس الكافر كجبل أحد وما علينا إلا أن نقول: آمنا بالله، ضرسه كجبل أحد، لما عرفنا جسمه ما في غرابة أبداً، إذا كان العرض فقط مائة وخمسة وثلاثين كيلو والطول كم إذاً؟ إذاً والضرس نعم كجبل أحد، فتأكله النار ملايين السنين، وكلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب. يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ [النساء:42] اسمعوا! لو كفروا فقط، وعصوا محمداً صلى الله عليه وسلم ما استجابوا له ولا أطاعوه في أمر ولا نهي. لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42].معاشر المؤمنين والمؤمنات! انفتح باب التوبة لنا وإلا لا؟ هيا نتوب.وصلى الله على نبينا محمد وآله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #251
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (26)
    الحلقة (250)

    تفسير سورة النساء (32)


    الصلاة هي عمود الدين، ومن شرط إقامتها أن يكون الإنسان طاهراً من كل ما ينجسه، سواء في بدنه أو في نفسه، وقد نهى الله عز وجل عباده المؤمنين أن يقربوا الصلاة وفيهم أثر السكر، وذلك في أول الأمر قبل تحريم الخمر، لما في ذلك من عدم حضور العقل وعدم الشعور بالصلاة وما يقال فيها، كما أمرهم بالتطهر للصلاة من الجنابة بالغسل، ومن الغائط وغيره بالوضوء، ومن لم يجد الماء في الحالين، أو عجز عن استعماله فله أن يتيمم لرفع حدثه.
    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ...)
    الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء الميمونة المباركة، ومع هذه الآية أيضاً، هذه الآية يجب حفظها وفهم معانيها والعمل بها، ولا إخال أحدكم ينكر ذلك؛ لأنها تحمل مسائل علمية من الضروريات الفقهية، هيا نتلو الآية ونتغنى بها، ثم نأخذ في بيان هدايتها.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:43]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43] هذا كان قبل أن يحرم الله شرب الخمر.
    سبب نزول الآية
    ولهذه الآية سبب لنزولها وهو: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه أحد العشرة المبشرين بالجنة -حسب رواية الترمذي - أقام مأدبة وضيافة لبعض الأصحاب، فأكلوا وشربوا وحضرت الصلاة وآن وقتها فقاموا لها للصلاة وتقدم أحدهم يصلي بهم، فقرأ بسورة الكافرون: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ))[الكافرون:1] وكان ثملاً، سكران، فقرأ: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ))[الكافرون:1] أعبد ما تعبدون، وهذا باطل، وواصل قراءته بحذف حروف النفي فنزلت: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ))[النساء:43] حتى تزول السكرة والثملة وتصبحون واعين بما تقولون وتقرءون.وفي آية سورة النحل قال الله تعالى: (( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ))[النحل:67] فيها منة الله على الناس بأن أوجد لهم ثمار النخيل والأعناب يتغذون ويأكلون ويشربون ويسكرون، وكان العرب بالذات يعظمون الخمر عجباً ويتنافسون في ذلك؛ لأنهم فارغون ما لهم أعمال وخاصة في مكة.فلما هاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأخذ الإسلام ينتشر وأنواره تعلو حدثت هذه الحادثة أول ما حدثت، فأمرهم تعالى إذا كانوا قد شربوا الخمر ألا يدخلوا في صلاة حتى يذهب السكر عنهم، فأخذوا يتحفظون، معناه: لا يشربونها في الغداء إذ بعده صلاة الظهر، ولا يشربونها بعد المغرب إذ بعدها تأتي صلاة العشاء، فكانوا يشربونها بالليل، وأحدثت اضطراباً وأخذت التساؤلات، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه، كما أخبر تعالى بذلك في قوله من سورة البقرة: (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ))[البقرة:219] فانكمش الناس وأخذوا يفرون من الخمر والميسر، وكان عمر رضي الله عنه يدعو الله ويقول: (اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً)، لأنه (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) معناه: تشربونها في غير أوقات الصلاة، الخمر فيها إثم وفيها منافع؟ ما شفي صدر عمر وما زال يرفع يديه إلى الله: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، حتى نزلت آية المائدة: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ))[المائدة:90-91] قال عمر: انتهينا يا ربنا.فهذه الآية فصلت وقطعت الطريق، (( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ))[المائدة:91] قالت العلماء: هذا أبلغ من قوله: (فانتهوا)؛ لأن (فهل أنتم منتهون) معناها: التهديد والوعيد، ما إن نزلت هذه الآية وقرأتها الألسن ودارت في الدور وفي كل مكان؛ أخذوا يهريقون الخمر من دنانها وقربها وبراميلها حتى جرت أزقة المدينة بها، من العتبة تفتح القربة يسيل الخمر، فجرت أزقة المدينة بالخمر.وكان مثلاً أعلى في امتثال أولئك المؤمنين لأمر الله تعالى، ما ترددوا. انتهينا يا ربنا فانتهوا.ويدخل في هذا الأمر كل ما يخامر العقل ويغطيه، الخمر من الخمار الذي يغطي الرأس، فكل ما يخمر العقل ويغطيه فيصبح لا يعي ولا يفهم فهو خمر، وسمه هيروين وإلا كوكاوين وإلا ما شئت أو حشيشة، هو خمر.ووضع الرسول لذلك حداً وهو جلد ثمانين جلدة؛ لأنه إذا شرب وسكر هذى، وإذا هذى قال ما لا يقال في الزنا وغير ذلك.إذاً: هذه الآية الكريمة أيام نزولها كانت الخمر مباحة، فقال تعالى للمؤمنين -ونحن إن شاء الله منهم-: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ))[النساء:43] وإلى اليوم إذا كان المرء مبتلى بهذا المسكر -والعياذ بالله- يجب ألا يدخل في الصلاة إلا بعد أن يصبح واعياً عليماً فاهماً ويتوضأ ويصلي، أما أن يدخل في الصلاة وهو ثملان فهذا حرام، يعظم الإثم مرتين، ما أطاع الله في هذا وما أطاعه في تحريم الخمر، فيا ويله!(( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ))[النساء:43] هذه جملة حالية، والحال أنكم سكارى.(( حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ))[النساء:43] إلى أن تزول تلك الغفاوة والغشاوة والعمى وتصحو وعندئذ صلوا.
    معنى قوله تعالى: (ولا جنباً إلا عابري سبيل)
    وقوله تعالى: وَلا جُنُبًا [النساء:43] ما الجنب؟ الجنب من قامت به جنابة، والجنابة سببها أحد أمرين: إما الجماع أو الاحتلام، من احتلم فأفرز المني الماء الثخين الأبيض أصبح جنباً، ومن واقع امرأته وأولج ذكره في فرجها وغاب رأس الذكر في فرجها ولو لم ينزل، ولو لم يخرج ماء أصبح جنباً، وهي أيضاً جنب.وهذا اللفظ (جنب) يطلق على الجماعة، والواحد جنب، المرأة جنب، ما تقول: (جنبة) من باب المصادر التي تطلق على الجميع الواحد والاثنين والذكر والأنثى على حد سواء، وأنتم جنب. وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] الصلاة أين تقع؟ في المساجد، كذا وإلا لا؟ فإذا كان أحدنا جنباً أو كنا جماعة جنب هل يجوز لنا أن ندخل المسجد ونجلس؟ الجواب: لا؛ لأنه مكان الصلاة، والصلاة لا يدخلها سكران ولا ثملاً.إذاً: فمن كان جنباً لا يحل له أن يدخل بيت الله ويجلس فيه، اللهم إلا إذا كان ما له طريق إلى منزله إلا على المسجد؛، إذ كان هذا المسجد حوله بيوت الصحابة، وعندهم أبواب تدخل إلى المسجد، جدار بيته يفتح فيه باباً للمسجد، ويريد أن يذهب إلى البقيع، فبدل ما يلف على المدينة يخرج من بابه مع المسجد ليخرج مع الباب الثاني، ومع هذا صدر الأمر النبوي في آخر الأمر بإغلاق تلك الأبواب كلها إلا ما كان من باب أبي بكر ، ( أغلقوا تلك الخوخات إلا خوخة أبي بكر ) وفيه رمز وإشارة إلى الخلافة، باب الرسول الحجرة مفتوح وباب أبي بكر . الرسول شمال شرق وأبو بكر غرب، وما زال باب الصديق إلى الآن وخوخته موجودة. إذاً: هذه الكلمة الكريمة: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] حرمت علينا الجلوس في المساجد بيوت الله إذا كنا جنباً، وأذنت لنا بالمرور للحاجة، المرور عابر سبيل من العبور يدخل مع هذا الباب ويخرج مع الثاني، أما أن يجلس أو يقف يتحدث فلا يحل أبداً.وهكذا الحائض أيضاً؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( لا أحل المساجد أو المسجد لحائض ولا لجنب ) الحائض ما تدخل المسجد، قد يسيل دمها في المسجد وإن كانت عليها حفائظ عصرية لكن الحكم الشرعي يبقى دائماً، ما دامت حائض ما طهرت من حيضها لا تدخل المسجد، الجنب كذلك، إلا من اضطر اضطراراً وما وجد سبيلاً إلا المرور يمر ولكن لا يقف ولا يجلس.
    حكم الغسل من الجنابة وصفته
    ومن نام فاحتلم في المسجد بمجرد ما يستيقظ ويجد نفسه قد احتلم يخرج من المسجد على الفور: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] إلى أن تغتسلوا، كيف نغتسل؟ رسولنا يبين لكم كيف تغتسلون، هذه الآية مجملة، فالذين يسمون بالقرآنيين لا يريدون السنة أبداً، كيف يغتسلون؟ الله قال: ( حتى تغتسلوا )، ووكل أمر كيفية الاغتسال إلى رسوله ليبين لنا كيف نغتسل.كيف نغتسل؟ اسمعوا، بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الاغتسال، احفظوا. يا جنب! إن جلست إلى الماء انو رفع الحدث الأكبر، انو رفع هذه الجنابة والتطهر منها، لا بد من إرادة قلبية أنك تريد أن تغتسل لأمر الله بذلك، هذه النية شرط في صحة الاغتسال، لو تدخل تسبح في البحر سبع ساعات وتخرج بدون ما قصدت الاغتسال والله لأنت جنب.إذاً: لما تجلس قل: بسم الله. إن كنت في غير مرحاض -حمام- واغسل كفيك ثلاث مرات، واستنج، والاستنجاء: قطع الأذى في الفرجين، أي: اغسل ذكرك ودبرك، وهما الفرجان، والمؤمنة تغسل أيضاً فرجها ودبرها، واغسل ما حولهما بنظافة، ثم إذا فرغت إن كان عندك صابون اغسل يديك بالصابون، ما عندك كما كان الرسول ما عنده حك كفك على الأرض أو الجدار لتذهب آثار الرائحة الكريهة من البول والعذرة، والآن الصابون متوفر، اغسل كفيك بالصابون.بعد ذلك توضأ وضوء الصلاة، اغسل كفيك ثلاثاً، تمضمض ثلاثاً، استنشق واستنثر ثلاثاً، اغسل وجهك ثلاثاً، اغسل يديك إلى المرفقين ثلاثاً، امسح برأسك وأذنيك مرة واحدة، واغسل رجليك إذا كنت في أرض غير طاهرة أو فيها تراب لا بأس أن تؤخر رجليك أي: قدميك؛ لأنك إذا غسلتهما ثم جلست تغتسل تتلطخان بالطين والتراب والماء قليل، فلا بأس بأن تؤخر غسل رجليك، ما المراد من الرجلين؟ القدمين، وإن غسلتهما فذاك، هذا الوضوء توضأته، حينئذ بُلَّ أصابعك أو أفرغ الماء على كفيك وخلل أصول شعرك، سواء كان لك شعر، أو كان لها شعر، المهم حتى البشرة تستأنس بالبلل، ولا يضرها الماء إذا صببت على رأسك الماء، فتصاب بالزكام، ذي تعاليم الطبيب الأول صلى الله عليه وسلم.فإذا خللت أصول الشعر واستأنست البشرة خذ غرفة بكفيك وصبها على الجهة اليمنى وادلك كل رأسك بتلك الحفنة، زد ثانية وضعها على الجهة اليسرى وعمم بها كامل الرأس، خذ الثالثة وضعها في وسط رأسك واغسل بها كل رأسك، ومن ذلك الأذنين ظاهراً وباطناً.الآن ننتقل إلى باقي الجسم: اغسل جنبك الأيمن من أذنك من رأسك إلى قدمك، وأنت تغسل تتبع أماكن ينبو الماء عنها كالإبط، والرسغ، وتحت الكعبين؛ لأن كل شعرة تحتها جنابة. فرغت من هذه الجهة اليمنى إلى اليسرى، تغسل من أذنك من رأسك إلى قدمك، وظهرك تصب الماء وتغسل بيديك ما استطعت.هذا هو الغسل الذي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينه وكانت أم المؤمنين تبينه، وقد دخل الوضوء في الغسل، ما هناك حاجة إلى أن تتوضأ مرة أخرى، اللهم إلا إذا انتقض وضوءك، فسوت أو ضرطت أو مسست ذكرك بكفك وأنت تغتسل، انتقض الوضوء أم لا؟ لما تفرغ وتريد أن تلبس ملابسك توضأ للصلاة، فإن أنت ما انتقض وضوءك، لا بفساء ولا بضراط ولا بخارج من القبل أو الدبر ولا مسست ذكرك بكفك وأنت تدلك وتغتسل؛ فوضوءك صحيح، ولا تعده أبداً.يا من أجنبت! أجنبت بم؟ احتلمت البارحة أو جامعت أهلك، الجماع لا بد وأن يخفى رأس الذكر في الفرج، ومنه : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ) أما إذا كان ما غاب الرأس فلا غسل إلا إذا تدفق الماء.إذاً: اغتسل. كيف تغتسل؟ أولاً: اعلم أنه لا يحل لك أن تدخل المسجد وتقوم فيه وأنت جنب، لا يحل لك أن تقرأ كلام الله، لا آية ولا آيتين ولا أكثر ولا أقل وأنت جنب، لا يحل لك أن تمس كتاب الله بيدك وأنت جنب، لا يحل أن تطوف ببيت الله وأنت جنب، يجوز فقط الذكر، والاستغفار والدعاء، أما تلاوة كتاب الله لا آية ولا أكثر، أما مس المصحف فلا، ولا طواف؛ لأنه جنب، حتى يغتسل، كم ساعة؟ هو وظروفه، فما هو الغسل؟ لا يحل للجنب أن يقرأ آية من كتاب الله بالإجماع، ذاك المحدث حدث الوضوء ما هو متوضئ يقرأ القرآن كله غيباً، لكن ما يقرأ من المصحف، كلامنا على من أحدث حدثاً أكبر.والحائض إذا كان لها محفوظات وخافت نسيانها أذن لها في تلاوتها بهذا الشرط، عندها سور محفوظة لها وخافت تنساها أذن لها أهل العلم بقراءتها.إذاً: الحدثان منهما حدث أكبر والثاني أصغر، ما هو الأكبر؟ الجنابة، وما هو الأصغر، الوضوء.إذاً: اجلس عند الماء ناوياً عازماً على طاعة ربك، إذ أمرك بقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] أسأحضر هذا، اغسل كفيك ثم استنج وأزل النجاسة من على فرجيك، واغسل ما حولهما حتى لا تعود إليه، ثم توضأ وضوءك للصلاة، كأنك أمام الناس، أم أن وضوء الصلاة ما نعرفه أيضاً؟ اغسل كفيك ثلاثاً، نبهنا إلى أنك لو باشرت الأذى والنجاسة في الفرجين اغسل يدك بالصابون، وإلا حكها بالتراب والأرض أو الجدار، عملاً بهداية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توضأ، اغسل كفيك ثلاثاً، تمضمض ثلاثاً، استنشق ثلاثاً واستنثر، كلما يستنشق يستنثر، ولا يبقي الماء في أنفه، اغسل وجهك ثلاثاً، يدك اليمنى مع المرفق، اليسرى كذلك، امسح رأسك وأذنيك، وإن شئت غسلت رجليك أو أخرتهما، لم التأخير؟ الماء قليل، والمكان فيه طين وتراب، وإذا غسلتهما فأنت محتاج إلى غسلة أخرى، فأخرهما إلى آخر غسلك.إذاً: توضأ أم لا؟ ماذا يصنع الآن ليتم غسله؟ يخلل أصول شعر رأسه، وإن كانت امرأة تجمع شعرها كاملاً وتخلخله وتخضخضه؛ حتى يدخل الماء، ثم تأخذ الحفنة الأولى وتغسل بها كل رأسك وضعها من الجهة اليمنى، تأخذ الثانية من الجهة اليسرى، الثالثة من الوسط وكل حفنة تغسل بها عامة الرأس والأذنين معه.الآن بقي البدن: اغسل يمينك إلى قدمك وشمالك أو يسارك إلى الظاهر والباطن على حد سواء، ولا تبق لمعة بدون غسل، ولا يحملك الوسواس على أن تغتسل ساعتين ثلاثة، احذر الوسواس، توكل على الله، غسلت ما تلتفت إليه، في بعض الناس يبكي حتى يغتسل! هذا معنى قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].
    معنى قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر ...)
    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ [النساء:43] وأماكنها ومواطنها المساجد وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى [النساء:43] والمرضى: جمع مريض، من به علة تمنعه من الغسل، جراحات آلام عجز كامل ما يستطيع أن يغتسل، وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [النساء:43] أي: مسافرين؛ لأن السفر في الغالب يفقد صاحبه الماء، أيام كنا نسافر أربعين يوماً تحمل الماء في قربة لشرابك وطعامك، كيف تتوضأ بها؟ إذاً: السفر كان مظنة انعدام الماء، ولا نلتفت إلى من قال: السفر مبيح للتيمم ولو كان الماء معه، هذا أخذ بظاهر اللفظ ونسي الفقه، يوجد من الفقهاء من يقول: السفر مبيح للتيمم، والصحيح: لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر وأصحابه سافروا عشرات المرات وكانوا يتوضئون، وإنما ذكر السفر لأن الغالب في المسافر ما يجد الماء، أيام كنا نسافر على بهائم وعلى أرجلنا. وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] ما الغائط هذا الذي يجيء منه؟ بستان أم دكان؟ الغائط: مكان التغوط، وسمي الغائط لأنه غوط الأرض، من الآداب ألا تأتي على تل وتشمر على ثيابك وتبول، بل تبحث عن مكان منخفض وغوط من الأرض تختفي فيه، هذا الكلام ليس لأيامكم هذه، إنما لأيام كان فيها أهل المدينة ليس عندهم مراحيض في بيوتهم، النساء يخرجن مرة واحدة في الأربعة والعشرين ساعة إلى ما وراء البقيع .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #252
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (27)
    الحلقة (251)

    تفسير سورة النساء (33)

    أخبر الله تعالى عن نفسه بأنه لا يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر، وأما سائر الذنوب؛ كبيرها وصغيرها فإنها تحت المشيئة، إن شاء غفر لمرتكبها وإن شاء عذبه، فالشرك الذي لا يغفره الله صاحبه قد اختلق الكذب العظيم، إذ عبد من لا يستحق العبادة، وأله من ليس بأهل للتأليه، فهو قائل بالزور، عامل بالباطل، ليس له جزاء إلا النار ما لم يتدارك نفسه بالتوبة والرجوع إلى الله.
    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ...)
    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء:47]. آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا [النساء:47] قال: نزلنا؛ لأن القرآن نزله الله في ظرف ثلاثة وعشرين سنة، التنزيل شيئاً فشيئاً آية بعد أخرى، أما التوراة فقد أنزلها جملة واحدة؛ فلهذا بعد الغفلة انتبهتم. نزلنا لا يكون للتوراة، بل التوراة نزلت جملة واحدة؛ ولهذا قال المشركون وهم يستقون هذه الضلالات من اليهود: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32]، جاء من سورة الفرقان.مرة ثانية: نَزَّلْنَا [النساء:47] هذا التنزيل يكون شيئاً بعد شيء، فتم تنزيل القرآن في ظرف ثلاثة وعشرين سنة، أما التوراة فقد أنزلها الله جملة واحدة على موسى عليه السلام، فها هو ذا تعالى ينادي اليهود المعاصرين وغير المعاصرين، لكن الذين هم في المدينة أول من ينادى بهذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ [النساء:47] أي: مما هو حكم الله في التوراة، ما في فرق بين ما في القرآن وما في التوراة، كله كلام الله، يحمل شرعه وهدايته لخلقه، كله يدعو إلى العدل وإلى الطهر والصفاء، لا فرق بين التوراة والقرآن: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ [النساء:47].القرآن ما كذب أبداً موسى عليه السلام ولا عيسى ولا غيرهما، بل صدق رسالتهما، وصدق ما أوحاه الله إليهما من الشرائع والأحكام، إلا أن الشرائع والأحكام ينتقيها الله حسب تغير الظروف والأحوال والبشرية، ولكن المشرع هو الله، المحلل هو الله، المحرم هو الله.إذاً: فيجب على كل مؤمن أن يؤمن بما شرع الله على موسى وعلى محمد صلى الله عليهما وسلم.وقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا [النساء:47] هذا التهديد وهذا الوعيد لا يطاق، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا [النساء:47] يصابون بمسخ، فإذا أعينهم تنطمس، وإذا أنوفهم تنطمس، ويصبح القفا هو الأمام، وليس هذا على الله بعزيز، ولا بمستنكر، أما لعن أصحاب السبت فحولهم إلى مجموعتين؛ مجموعة من القردة وأخرى من الخنازير؟! وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163] إلى أنهم انقسموا ثلاث طوائف، طائفة أنكرت المنكر وفرت من وجودها بينهم، وأخرى سكتت، والثالثة استمرت على ذلك العصيان، وهو مجرد صيد يوم السبت؛ فمسخهم الله بكلمة: كونوا قردة وخنازير، ثلاثة أيام والناس يشرفون على أسوار المدينة ويشاهدون القردة والخنازير، ثم أبادهم الله ورموا بهم في البحر. مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ [النساء:47]، ماذا فعل بأصحاب السبت؟ مسخهم قردة وخنازير، واللعن: الطرد والبعد من كل رحمة ومن كل خير.هذه الآية عجب! لو شاء تعالى لفعل وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء:47].ولكن ولعل بركة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والرحمة التي أودعها الله فيه، وقد أخبر أنه لا يصيب أمته بما أصاب الأمم السابقة بعذاب الاستئصال والإبادة، وهم يعتبرون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هو رسولهم الحق.قال مالك رحمه الله: كان أول إسلام كعب الأحبار ، وهو من علماء اليهود وليس بصحابي بل هو من التابعين، أسلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كعب الأحبار مر برجل يقرأ هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء:47].فوضع كعب الأحبار كفيه على وجهه ورجع القهقرى، لما سمع هذه الآية وفهمها وضع كفيه على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته، وقال: والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي، انفعل انفعالاً عجيباً؛ ووضع كفيه على وجهه ساخطاً على نفسه، ورجع القهقرى إلى بيته، خاف ألا يصل إلى البيت حتى يمسخ الله وجهه. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [النساء:47] هذه الآية ما زالت أنوارها تهدي إلى اليوم إلى أن يرفع القرآن، ألم يوجد الآن اليهود والنصارى أهل الكتاب؟ لم لا يؤمنون بما نزل الله من القرآن العظيم مصدقاً لما في التوراة والإنجيل؟ لم ما يخافون كما خاف كعب الأحبار ؟!ومع هذا الآية تحمل وجهاً آخر أيضاً، الطمس على الوجه: على الفهم والعقل والبصيرة الداخلية، فيصابون بمسخ آخر لا يرجعون إلى الله أبداً، وهذا حصل لهم، طمس الوجه في الوجه، أسلمت وجهي لله، الوجه القلبي الباطني، عجلوا أو تصابوا، وهذا الذي حصل، مسخوا أم لا؟ ما آمنوا ولا أسلموا وأصابهم الذل والعار وأجلوا من الجزيرة وطردوا إلى الشام، وما زالوا في ذلهم إلى الآن!
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير
    هداية هذه الآية نتلوها على السامعين والسامعات.
    هداية الآيات
    قال: [أولاً: المفروض أن ذا العلم ] أي: صاحب العلم من أي جنس كان، المفروض في أن صاحب العلم [ يكون أقرب الناس إلى الهداية ] أليس كذلك؟ والله العظيم! هذا المفروض فينا يابني الناس! أن صاحب العلم يكون أقرب إلى الهداية من الجاهل.[ ولكن من سبقت شقوته ] في الأزل في كتاب المقادير [ لا ينفعه العلم! ] سبقت شقوته في كتاب المقادير أنه من أهل الشقاء؛ [ لما يعلم الله تعالى من اختياره الشر والإصرار عليه ] هذا [ لا ينفعه العلم ].مرة ثانية هداية الآية: [ المفروض أن ] صاحب [ العلم يكون أقرب إلى الهداية ] أم لا؟ أقرب إلى الهداية. أي علم وأي هداية، حتى العلم بالمنزل الفلاني صاحب العلم أقرب في الوصول إليه مثلاً، لا سيما العلم الرباني، [ ولكن ] لاحظ هذا الاستدراك [ من سبقت شقوته ] ما معنى سبقت شقاوته؟ لما كتب الله كتاب المقادير أما كتب قبل أن يخلق الخلق كلهم وكتب الشقي والسعيد أم لا؟ إي والله العظيم! السؤال: لم يكتب شقاوة هذا الرجل وسعادة هذا وهو أخوه وابن عمه؟ الجواب: علم أزلاً أن هذا الشقي يختار الكفر على الإيمان، والظلم على العدل، والشقاء على الرحمة؛ فكتب ذلك.أعيد هذا وتأملوها: لما كتب الله كتاب المقادير علم كل ما يكون، وكتب بحسبه، مثلاً كعب الأحبار اليهودي كتب سعادته والله العظيم! هذا اليهودي الذي الآية نزلت فيه كما سيأتي كتب الله شقاوته في كتاب المقادير، لما نزل آدم وزوجه وتناسلوا وأخذت البشرية تنمو وتزداد وتنتشر، وهي لن تزيد على ما كتبه الله بنفس واحدة، إذاً: كعب الأحبار أسلم؛ لأنه كتب الله سعادته، علم أنه يختار الإسلام على الكفر، وقد رأيناه اختاره البارحة ووضع كفيه على وجهه. وهذا الطاغية عبد الله بن صوريا -أو غيره- علم الله أنهم يرفضون الإسلام ويكفرون به ويحاربونه، كتب بحسب ما علم من عملهم.مثلاً قريباً نضعه للإخوان دائماً: الفلاح صاحب المزرعة يحمل بذر البطيخ، أو الحبحب في كفه، وبذر الحنظل في كفه، وهو يعلم قبل ما يبذر قبل ما ينبت قبل ما يوجد لا حنظل ولا حبحب، يعرف أن هذا ينتج حبحباً حلواً يطعمه الناس، وهذا ينتج ثمراً مراً لا يؤكل هو الحنظل، أيوجد من يشك في هذا؟ على يقين، علم بهذا قبل أن يوجد، فعلم الله عز وجل الأزل، عرف كل من يقبل الهداية ويطلبها فكتب سعادته، وكل من يرفض الهداية ويطلب الضلال كتب شقاوته: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]. فقط لا يقول القائل: إذاً: ما دامت القضية هكذا هيا نلعب، هذا عبث، هذا جنون! ما دامت القضية هكذا هيا نؤمن ونسابق في الخيرات والصالحات! فمن لم يستطع ووقف شقي.وهذا حصل في البقيع .. في جنازة جلس الرسول وجلس بعض رجاله والناس يدفنون الميت وفي يده عود فخط خطوطاً وقال: ( السعيد من سعد في الأزل، والشقي من شقي، فقالوا: إذاً: فيم العمل يا رسول الله! ) إذا كانت القضية هكذا، الشقي شقي، والسعيد سعيد لم العمل إذاً؟ ما الفائدة. قال: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) اعملوا فكل واحد من البشر ميسر ومسهل لما خلق له، واضحة هذه العقيدة أم لا؟ وختامها تحلف بالله الذي لا إله غيره ولا تحنث: ألا يدخل الجنة دار السلام أحد بالشرك والكفر والمعاصي أبداً، ولا تشك! وتحلف بالله أن النار لا يدخلها ذو الإيمان والعمل الصالح أبداً، هذه ما تحتاج إلى دليل.فما دامت القضية أن السعادة بالإيمان والعمل الصالح والشقاء بالكفر والمعاصي؛ الأمر أوضح من النهار، إن كنت ترغب في سعادتك فاعمل لها، وإن كنت لا ترغب في السعادة وتريد الشقاوة أيضاً فاسلك سبيلها.وأوضح من هذا: أن الإيمان والعمل الصالح من شأنهما تطهير النفس البشرية وتزكيتها؛ لتصبح كأرواح الملائكة في صفائها وطهرها، والروح الزكية الطاهرة هي التي يقبلها الله في جواره في دار السلام في الجنة، والروح الخبيثة المنتنة كأرواح الشياطين هي التي يرفضها الله، ولا يقبلها في جواره، وتنزل إلى الدركات السفلى.فالإيمان والعمل الصالح أداة غسل وتنظيف للنفس، اغسل نفسك عبد الله! زكها وطيبها وطهرها إن أردت السماء، ما تريد انغمس في بؤرة الشرك والكفر والمعاصي، فإنك تنزل إلى أسفل سافلين.هل فهمتم هذه الحقائق؟ لأنا قلنا: أولاً: [ المفروض أن ذا العلم ] صاحب العلم [ يكون أقرب إلى الهداية ] أم لا؟ [ ولكن من سبقت شقاوته ] أزلاً [ لما يعلم الله تعالى من اختياره للشر على الخير والإصرار على الكفر ] من أجل علم الله بذلك، فهذا [ لا ينفعه العلم ] علماء بحور وهم مشركون ضلال كافرون؛ لأن شقوتهم سبقت، هل ظلمهم الله في شيء؟ لا.قال: [ المفروض أن ذا العلم يكون أقرب إلى الهداية، ولكن من سبقت شقوته لما يعلم الله تعالى من اختياره الشر والإصرار عليه لا ينفعه العلم ولا يهتدي به، هؤلاء اليهود الذين دعاهم الله تعالى إلى الإيمان فلم يؤمنوا ] سبقت شقوتهم.ثانياً: قال:[ وجوب تعجيل التوبة قبل نزول العقوبة ] لاحظ كعب الأحبار كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما إن سمع فقط الآية تتلى يقرؤها قارئ حتى وضع يديه على وجهه ورجع إلى الوراء ما التفت، ودخل بيته وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، عجل بالتوبة قبل أن يفوت الوقت.فلهذا من هداية الآية: [ وجوب تعجيل التوبة قبل نزول العذاب وحلول ما لا يحب الإنسان من عذاب ونكال.[ثالثاً: قد يكون المسخ في كلمة (الوجه) يكون بمسخ الأفكار والعقول، فتفسد حياة المرء وتسوء، وهذا الذي حصل ليهود المدينة، فنقضوا عهودهم فهلك من هلك منهم، وأجلي من أجلي نتيجة إصرارهم على الكفر وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ].
    تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ...)
    قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48].
    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)
    هذا خبر من أخبار الله الصادقة، يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التوكيد: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] لا يغفر أي: ذنوب من أذنب بالشرك والكفر.الذنوب صنفان: صنف هو ذنب الكفر والشرك، فهذا من مات عليه آيس من رحمة الله، وذنب غير الشرك والكفر، وهو ذنب المعاصي كالظلم، كالاعتداء، كارتكاب الكبائر، إلى غير ذلك، هذا إن شاء الله غفره له ذلك، وإن شاء واخذ به كل بحسبه، فقد يدخل المرء الموحد النار ويخرج منها، فدخلها بذنوبه وآثامه؛ لأن نفسه لوثها وخبثها ودنسها، فلا يدخل الجنة والنفس كذلك، لا بد من عملية تطييب وتطهير، ثم يخرج لأن في نفسه ذرة إيمان التوحيد ويدخل الجنة.ومن المذنبين من لا يدخل النار، يؤخر يؤجل ثم يدخل الجنة، منهم من يشفع في من أراد أن يشفع، يا فلان! اشفع في فلان، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لعصاة أمته بالملايين، اسمع هذا الخبر: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48].فليعلم كل مؤمن ومؤمنة أن من مات على الكفر والشرك أو الشرك أو الكفر.. كل مشرك كافر وكل كافر مشرك ميئوس من رحمة الله، أما إذا تاب قبل موته ولو بساعة، ولو وهو على سرير الموت، وقال في صدق: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولم يبق قلبه ملتفتاً إلى غير الله؛ ينجو بحمد الله، لكن إن مات مصراً على الشرك والكفر؛ فالرحمة مقطوعة واليأس هو نصيبه؛ لهذا الخبر الإلهي. وتكرر مرتين في سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] فلهذا لن يدخل الجنة يهودي ولا نصراني ولا مجوسي ولا مشرك أبداً؛ لأنهم كفار ومشركون، كفروا بكتاب الله القرآن العظيم، وما يحمل من الهدى والهداية للبشر، كفروا برسوله المنزل عليه محمد صلى الله عليه وسلم.إذاً: تزكو نفوسهم على ماذا؟ على الشرك الذي يتعاطونه والمعاصي؟ النفس تزكو على الإيمان والعمل الصالح، وقد كفروا بذلك وهجروه، تزكو نفوسهم على أيش؟! إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:48] أي: ما دون الشرك لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] موضوع تحت المشيئة الإلهية؛ ولهذا علينا أن ندعو ونستغفر لإخواننا المذنبين ولا نجزم أبداً بأن فلاناً في النار وإن ارتكب أكبر كبيرة، ما دام موحداً لا نجزم أبداً لا بدخوله النار ولا بخلوده، جائز أن يدخل النار ولا يخلد، إذ قد يغفر الله، وقد تقدمت الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].
    معنى قوله تعالى: (ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً)
    وقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [النساء:48] من ذكر وأنثى في الأولين والآخرين في أي جيل فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48] افترى: اختلق، والافتراء: الكذب المختلق الذي لا سبب له ويوجده الشخص، إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]؛ لم؟ لأنه بباطله بفهمه أوجد معبوداً يعبده مع الله، وهل يستحق العبادة كائن دون الله؟ الله استحق العبادة لأنه خلقني ورزقني، وخلق الكون كله من أجلي، بم نكافئه؟ بذكره وشكره، هو طلب هذا، والذي ينسى خالقه ويعمى عن رؤيته ويعبد سواه فيطرح بين يديه، ويتذلل له ويسأله حوائجه؛ أي شخصية هذه؟! هذا أسوأ من البهائم، أليس كذلك؟ أتترك خالقك رازقك واهبك حياتك وحياة الدنيا وأمك وأبويك وتلتفت إلى حجر إلى صنم إلى صورة إلى تمثال، إلى قبر إلى شخصية مزعومة من زعماء الباطل، وتعطيه صفات الله! فتقبل عليه تدعوه، تستغيث به، تسأله، تطرح بين يديه، تملأ قلبك من حبه والخوف منه؟ كيف يصلح هذا؟! إنه مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48] أم لا؟نأ ما بعد هذا الإثم إثم. مثال ذلك عندنا: في بيتك إنسان أنت تطعمه وتسقيه وتكسوه، ويجلس في بيتك ويظل معك تؤمنه تحفظه، ولا يقول لك: السلام عليك ولا كيف أنت! ويقبل على الجار الفلاني يعبده بالسلام والتحية! كيف تفسرون هذه الشخصية؟أو عندك شخص مأمور تطعمه وتداويه، وتسقيه وتفرش له الفراش، أنت حاميه أنت مولاه؛ ولا يذكرك بكلمة! معرض عنك تماماً، ومقبل على آخر دونك، ويحبه ويتكلم معه ويشتغل ويخدمه ويصلح نعاله! كيف تنظر إلى هذا المخلوق؟ أتبقيه؟ هذا ما تجازيه إلا بالقتل والإبعاد، أو تطرده من ساحتك.فالله عز وجل هو الذي وهبنا حياتنا وأرزاقنا، وهذه الساعات والنهار والليل كل الكون من أجلنا: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] من أجل أن تذكروه وتشكروه، نترك ذكره وشكره ونقبل على أصنام وتماثيل أو شهوات وأهواء نعبدها! أمر عجب هذا أم لا؟ وصدق الله العظيم: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48].
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير
    لنستمع إلى الآية شرحاً في الكتاب. ‏
    معنى الآيات
    قال: [ معنى الآية الكريمة. يروى ] أو يروي الخبر، أو يروي الماء يشربه، هذا يدخل في الأذن وهذا في البطن، قال: [ يروى أنه لما نزل قول الله تعالى من سورة الزمر ].الزمر: جمع زمرة أم لا؟ جمع زمرة: الطائفة؛ لأن أهل الجنة يدخلونها زمراً، وأهل النار زمراً، ما هم دفعة واحدة بليارات، زمرة بعد زمرة الأول فالأول، السورة تسمى سورة الزمر.[ لما نزل ] فيها [ قول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] ] أي: بالمعاصي بالشرك والكفر [ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] ] .مرة ثانية: قل يا رسولنا! بلغ عنا عبيدنا: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] صبوا عليها أطنان المزابل والأوساخ من الشرك والكفر لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] ولا تيأسوا إِنَّ اللَّهَ [الزمر:53] من شأنه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] خبر مفرح أم لا؟ قال: [ قام رجل فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: والشرك يا نبي الله؟! فكره ذلك رسول الله ] ما أحب أن يذكر القضية، اجعلها كما هي أحسن. عرفتم؟ ما دامت رحمة الله تفتحت أبوابها، وطمع فيها كل مؤمن لماذا أنت تقول هذا السؤال؟! إذاً: تقطعها [ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ] فلهذا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ [المائدة:101] فلهذا ممنوع التعنت في الأسئلة، السؤال بقدر الحاجة، عطشان حقيقة أو تستطيع تصبر إلى البيت؟ تستطيع ما تطلب الماء! فعلى هذا فقيسوا.فنزل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] [ فأخبر تعالى عن نفسه بأنه لا يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر، وأما سائر الذنوب كبيرها وصغيرها فتحت المشيئة، إن شاء غفرها لمن ارتكبها، فلم يعذبه بها، وإن شاء آخذه بها وعذبه، وأن من يشرك بالله تعالى فقد اختلق الكذب العظيم إذ عبد من لا يستحق العبادة، وأله من لا حق له في التأليه، فلذا هو قائل بالزور وعامل بالباطل، ومن هنا كان ذنبه عظيماً ] قال بالزور أم لا؟ أي زور أكبر من أن تعبد من لا يستحق العبادة كالذي تعطيه بيت فلان أو تعطيه سيارة فلان وليست له بحق؟!
    هداية الآيات
    قال: [ هداية الآية الكريمة. أولاً: عظم ذنب الشرك والكفر، وأن كل الذنوب دونهما ] دلت الآية على عظم ذنب الشرك والكفر، وأن كل ذنب دونهما، حتى قتل النفس إلا إذا قتلها مستحلاً لها كافر! هذه اللطيفة دعهم يأخذونها الزوار، اعلموا أيها الزائرون الكرام! أن الله تعالى يقول وقوله الحق: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] ماذا تفهمون من هذا الخبر؟ ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً اللهم إلا خطأً، أما عمداً عدواناً ما يمكن، إيمانه ما يسمح له، نوره المتجلي في قلبه لا يجعله يقدم على نفس فيقتلها. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] أما عمداً عدواناً فالمؤمن ما يصدر عنه هذا، ثم لما بين كفارة القتل الخطأ قال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].من هنا تستنبط أن الذي يتعمد قتل المؤمن وهو بكامل وعيه أنه ما فعل ذلك وهو مؤمن والله أبداً، ما فعله إلا ساعة كفره، إذ لو بقي إيمانه فيه ينير له الطريق، كيف يقدم على عبد من عبيد الله يعبدون الله، فيقطع عبادة الله، ويتجاهل أن هذا مملوك لله؟ هذا عبد الله ما هو عبدك أنت حتى تقتله، فيقدم عليه ويقتله والله ما هو بالمؤمن، وتبقى الآية على ظاهرها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. أما القتل الخطأ، أو شبه الخطأ هذا يحدث في العوام، وجد شخصاً أخذ شاته أو بعيره يقتله، يظن أن له الحق، انتبهتم أم لا؟ شخص سبه وقال: يا ديوث! يا طحان! يقول: هذا نال مني وكذا يقتله، سمعت؟ يرى أن له الحق لماذا يفعل به هكذا؟ أكثر قتل العوام بهذه الطريقة، أما أن يقتل متعمداً وانتهاكاً لحرمة الله، يريد أن يقتل هذا بدونما سبب؛ والله ما هو بالمؤمن، وإن قلتم: كيف؟ أما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يسرق السارق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) يسلب الإيمان، ينطفئ النور فيقع.من هداية الآية الكريمة: [ أولاً: عظم ذنب الكفر والشرك، وأن كل الذنوب دونهما.ثانياً: الشرك ذنب لا يغفر لمن مات بدون توبة منه ] من مات يذبح لغير الله، ينذر لغير الله، يستغيث بغير الله، يعكف على غير الله، قلبه متعلق بولي ميت أو حي إذا مات على تلك الحالة؛ هلك. لطيفة خذوها أيضاً قد لا تسمعونها.يوجد ملايين- لأن الأمة هبطت من ألف سنة - يقرءون القرآن، يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، يقيمون الصلاة، يتصدقون، وفي نفس الوقت يدعون الأولياء، يستغيثون بهم، يذبحون لهم؛ ظناً منهم أن هذا هو الدين، واقع هذا أم لا؟ ننظر إلى هذا الشخص! إذا كان أهلاً لرضا الله؛ فإنه لما يمرض ويعاني من المرض الذي يموت فيه- شاهدنا هذا- يتخلى عن تلك النزعات كلها، ولم يبق يذكر لا عبد القادر ولا رسول الله، ما يبقى معه إلا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا فاطمة ولا الحسين ؛ هذا بشروه، هذا لصدقه لطف الله به حتى ما يضيعه ألهمه أن يموت على التوحيد، وفي الحديث الصحيح: ( من مات وآخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة ).كيف ترون هذه اللطيفة؟ لأن شخصاً سبعين سنة وهو يعبد الله، أليس كذلك؟ عبادة بمعنى الكلمة، ويتصدق ويبكي من خشية الله، ولكن نشأ وتربى في جهل وجاهلية: يا سيدي عبد القادر ! يا كذا! موسم من المواسم يسوق شاة ويذبحها؛ ظناً أن هذا منه عبادة، فمثل هذا الشخص أغلبهم يموتون عند موتهم موحدين، ما تسمع يقول: يا عبد القادر ! ولا يا سيدي فلان! ولا مولاي فلان! أبداً. لا إله إلا الله محمد رسول الله! وتقبض روحه، هذا نجا أم لا؟ نجا.السر هو كون الإنسان يعيش خمسين سنة يعبد الله بصدق ولكن وقع في ورطة الشرك لعدم العلم والبصيرة؛ فالله عز وجل لما يعلم من صدقه ما يخيبه، يتوب عليه قبل أن يموت، ومن تاب قبل موته تاب الله عليه بلا خلاف.أما الذين يتعمدون الشرك؛ لأنهم يأكلون به، ويترأسون به، ويضللون الناس من أجل أنفسهم؛ هؤلاء قل من يتوب منهم.قال: [ ثالثاً: سائر الذنوب دون الشرك والكفر لا ييأس فاعلها من مغفرة الله تعالى له، وإنما يخاف ]، زاني سارق مرابي، كذاب، كذا هذه ذنوب ما ييأس صاحبها يقول: أنا مستحيل أن أدخل الجنة، لا يأس، لا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87]، ولكن عليه أن يخاف وأن يعيش خائفاً، ويموت خائفاً، أما أن ييأس وهو ما أشرك بالله ولا كفر به لا يحل اليأس أبداً؛ لأن الله قال: وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ [المائدة:40] أما إذا قال: إن الله لا يغفر أن يشرك به آيس هذا، من مات على الشرك ولم ير التوحيد كلنا آيسون من أن يرحمه الله ويدخله الجنة.مرة ثالثة: [ سائر الذنوب دون الشرك والكفر لا ييأس فاعلها من مغفرة الله تعالى له، وإنما عليه أن يخاف.رابعاً -وأخيراً- الشرك زور، وفاعله قائل بالزور فاعل به ] نعم! أخذ حق الله وأعطاه لمخلوق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #253
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (28)
    الحلقة (252)

    تفسير سورة النساء (34)


    يبين الله عز وجل حال اليهود وتزكيتهم لأنفسهم، عائباً عليهم ذلك إذ الله عز وجل هو الذي يزكي من يشاء من عباده، فهو عز وجل الخبير بهم، العليم بأحوالهم، أما اليهود فهم إنما يفترون الكذب على الله بفعلهم هذا، وهم أسوأ الناس أخلاقاً وأقلهم عند الله خلاقاً؛ لأنهم كذبوا بما جاءهم به الرسول، وزعموا أن دين الكافرين خير من دين الله الذي ارتضاه لعباده المؤمنين، وما ذاك إلا للحسد الذي ملأ قلوبهم، فكان جزاؤهم أن لعنهم الله وأعد لهم سعيراً.
    تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ومن أراد أن يشاهد فلينظر إلى الحلقة. هل فيها قيل وقال؟ سبائب وشتائم، حركات واضطرابات؟ والله إنها السكينة، والرحمة غشيتنا؟ إي والله! هل تشاهد مظهراً من مظاهر العذاب فينا؟ الجواب: لا.حفتهم الملائكة، والله لتدور بالحلقة وإن كنا ما نراها لضعف أبصارنا، وإذا تمت هذه التي في الأرض فالتي في السماء تتم بإذن ربنا، أن يذكرنا الله بخير، ويثني علينا بين ملائكته، الحمد لله رب العالمين.معاشر المستمعين والمستمعات! معنا ست آيات موضوعها واحد، ما هناك حاجة إلى فصلها أو تفرقتها، وإليكم تلاوتها فتأملوا وتدبروا.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:49-55].
    تزكية اليهود لأنفسهم
    آيات ست تدور حول اليهود، يقول تعالى وهو يخاطب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وكل من هو أهل بإيمانه وصلاحه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:49] ما معنى: يزكون أنفسهم؟ يتبجحون أنهم أولياء الله، أحباء الله، أبناء الله، الجنة لنا، النار لن ندخلها إلا أياماً معدودات وزمناً مؤقتاً.هم الذين قالوا ما أخبر تعالى عنهم بقوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] ما هذا التبجح هذا، وتزكية النفس؟! معشر المستمعين! لا يحل لمؤمن أن يزكي نفسه بأن يذكر فضائله وكمالاته، لا يفعل هذا مؤمن، لكن إن زكيت مؤمناً لا بأس، أما أن تزكي نفسك: أنا أفعل أنا كذا هذا لا ينبغي؛ فكيف بالذي يزكي نفسه وهي خبيثة؟ شر الخلق هم ويزكون أنفسهم؟! إنها حال تستدعي التعجب، وهذا الاستفهام للتعجب في الآية إنما هو لذلك: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [النساء:49] الله هو الذي يزكي من يشاء تزكيته، فيثني عليه ويذكره بخير، أما المرء نفسه يزكي نفسه فلن ينتفع بهذا، لا سيما إذا كان يكذب، لو قال أحدنا: أنا أصوم النهار، وأقوم الليل، أنفق كذا وكذا وهو كاذب؛ هذا هلك! حتى ولو كان غير كاذب ما يجوز هذا: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].لكن هؤلاء المتبجحون لأجل الإضلال والإبقاء على الباطل والكفر يزكون أنفسهم، فالله عز وجل حمل رسوله على أن يتعجب من هذه المواقف.وقوله: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] هذه عامة، والفتيل: هو الخيط الذي في وسط المواد، أو تقول هكذا وأنت في عرق وتعب تفتل فتجد بين أصبعيك شيئاً من العرق، وهو كناية عن أصغر شيء، وهذا عام لنذكر أن من عمل حسنة لن يفقد مثوبتها، فالكافر المشرك إذا عمل خيراً مما يرضاه الله يثيبه عليه، فإن كان في الدنيا بارك له في ماله وأهله؛ لما يقدم من العمل والخير للناس، وهو كافر، وفي الدار الآخرة يخفف عنه عذابه، ولا يكون في مستوى الآخرين، وشاهد هذا من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمه أبا طالب لما توفي وكان ناصراً له وعضداً وساعداً له لا يشك في هذا أحد، رآه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، إذاً: فالله عز وجل أخبر عن نفسه، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49].مرة ثانية: لا تفهم أن الكافر لو أنفق الأموال وفعل ما فعل من الصالحات- عبد الطرق، أنشأ المشافي- يدخل الجنة، هذا مستحيل! إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].وعندكم صورة واضحة: عبد الله بن جدعان هذا كان قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكسو كل حج ألف حلة يستوردها من الشام أو اليمن، ويكسو بها الفقراء في منى وعرفات، والحلة البدلة ثوبان، وكان ينحر كل حج ألف بعير، وهو كافر ومشرك، لكن فيه نزعة الخير وبقايا الإيمان من عهد إسماعيل، فقالت يوماً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ( أرأيت يا رسول الله! عبد الله بن جدعان كان كذا وكذا، أيدخل الجنة؟ قال: لا! إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ما كان يؤمن بالبعث والجزاء، ولا يسأل الله في ذلك اليوم النجاة.لكن لا نشك أن عذابه أهون مليون مرة من أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، لكنه في عالم الشقاء، في جهنم.
    افتراء اليهود الكذب على الله تعالى
    ثم قال تعالى لرسوله: انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النساء:50] انظر إلى هؤلاء اليهود كيف يفترون ويختلقون الكذب على الله؟ ويقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، ونحن أولياؤه ونحن.. ونحن؛ لم يكذبون هذا الكذب؟ قالوا: نحن نعلم أولادنا التوراة فيكبرون عليها فلا يذنبون، ونحن نذنب بالنهار ويغفر لنا بالليل! وقالوا: العذاب عذاب النار نعم، ولكن ما هو إلا أربعون يوماً فقط ونخرج من النار، المدة التي عبد فيها أجدادنا العجل هي أربعون يوماً ندخل النار ونخرج! انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ [النساء:50] أي: بالكذب على الله إِثْمًا مُبِينًا [النساء:50] نعم. تكذب على صعلوك مثلي ليس كأن تكذب على الشيخ عبد العزيز بن باز ، تكذب على علي بن أبي طالب لكن لا ككذبك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكذب على رسول الله لا ككذبك على الله. والله يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [الصف:7] أورسول الله يقول: ( من كذب علي متعمداً- فليلج النار- فليتبوأ مقعده من النار )، وسر ذلك: أنك لما تكذب على الله تريد أن تشرع، وتكذب على الرسول تريد أن تقنن وتشرع، وما تنشره أنت من الباطل لا يقادر قدره، تكذب على عالم على مفتي كذبة معناها: أبحت ممنوعاً، أو أذنت في غير جائز، هذا هو السر، أو ما فهمتم هذا؟ تكذب على عامي ما يضر، تكذب على عالم قال: كذا وكذا نشرت ذلك بين الناس! لأن الناس يأخذون عن العالم.
    تضليل اليهود للناس عن الإسلام
    قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ [النساء:51] ألا وهو التوراة. نصيب فقط، ما هو كله، إذ حرفوها وبدلوها وأدخلوا فيها وزادوا عليها. نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] الجبت: السحر، الكهانة، الكذب كل أنواع التدجيل الباطل جبت، أصل الجبت: الفاسد، يؤمنون بالسحر والكهانة، وعندهم نصيب من الكتاب. وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] الطاغوت: كل ما عبد من دون الله ورضي بعبادته، يدخل أولاً الشيطان هو الطاغوت الأكبر، جميع الأصنام هي الطواغيت، كل من عبد من الناس ورضي بذلك فهو طاغوت، أي: طغا وارتفع وتجاوز حده كإنسان، أصبح إلهاً يعبد! وهنا وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51] ذهبوا إلى مكة يحزبون الأحزاب، ويؤلبون المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علمنا في غزوة الخندق، حيي بن أخطب وفلان وفلان، وكانوا مع المشركين حول البيت وحولها ثلاثمائة وستون صنماً، فسألوهم عن الإسلام وعن نبيه، يريدون أن يستفسروا، فقالوا لهم: دينكم أفضل من دينه، دينه لا شيء، أنتم أفضل منه، وأنتم أقوم ديناً منه، وانظر إلى قول الله تعالى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51] طريقكم سليم، وحياتكم أكمل، وسعادتكم مضمونة، ولا تلتفتوا إلى هذا الرجل، قالوا هذا؟ إي والله عز وجل.
    لعن الله تعالى لليهود لتوغلهم في الخديعة والمكر
    قال تعالى: أُوْلَئِكَ [النساء:52] البعداء لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء:52] أبعدهم من رحمته أبداً، لن يدخلوا الجنة ولن يؤمنوا ولن يدخلوا الإسلام؛ لتوغلهم في الخديعة والشر والكذب. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء:52] واسمع وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:52] مستحيل أن تجد من يمكر فيبعد عنه العذاب، أو يبعد عنه الذلة والمسكنة والضياع! لأن الله هو الذي أذله.
    وصف الله لحكم اليهود
    قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ [النساء:53] لو كان لهم نصيب من الملك فَإِذًا [النساء:53] والله لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] لو يحكم اليهود ويفوزون ما يرحمون أحداً حتى بتمرة أو بشربة ماء، انتبهتم؟ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ [النساء:53] من غيرهم نَقِيرًا [النساء:53].فلهذا نعوذ بالله أن يحكموا ويملكوا، مررنا بكلمات من شرح التوحيد رشيد رضا في تفسيره. كانت أيامه هو والدولة العثمانية أيام كانت حاكمة، فذكر ووجه. قال: على العثمانيين أن يتنبهوا ألا يسمحوا لليهود أن يملكوا في فلسطين أرضاً ولا بستاناً، وأن يحدوا من هجرتهم إليها؛ لأنهم يريدون أن يملكوا، وإذا ملكوا سوف لا يؤتون الناس نقيراً، وشاء الله ووقع ما وقع، العثمانيون انهزموا لفسقهم وفجورهم وكيد اليهود لهم، سقطت الخلافة تمزقت، احتلت بريطانيا المنطقة وفرنسا، ووجد اليهود مجالاً، أسسوا ممالك وحكموا، الذي توقعه وقع! هذا إخبار من؟ الله. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا [النساء:53] أي: لو كان لهم نصيب لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] كل من لم يكن يهودياً لا يرحمونه أبداً.
    حسد اليهود لكل من سواهم
    أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] إي والله يا رب! حسدوا رسول الله والمؤمنين، حسدوا الإسلام والمسلمين، ولسان حالهم: كيف يدخلون الجنة وندخل النار؟ كيف يسودون ويحكمون ونذل ونطرد؟ وما زال هذا في نفوسهم والله إلى الآن، وعلى علم يقيني أن المسلم سعيد كامل ولي الله، لا يدخل إلا دار السلام، يعرفون هذا كما يعرفون أبناءهم، كيف إذاً: يعملون؟ يسلمون؟! ما يريدون أن تنتهي اليهودية، ولا تنتهي من نفوسهم من مملكة بني إسرائيل، ماذا يصنعون؟ إذاً: يعادون المسلمين ويمكرون ويخططون وقد نجحوا والله نجحوا. أما أسسوا دولتهم في فلسطين القدس؟ من نشر الخبث في بلاد المسلمين؟ والله لأصابع اليهود هي التي تعمل؛ لعلمهم ما نستطيع أن نغلب العالم ونذله، إذاً: لا بد.فأول خطوة خطوها بالنسبة إلى أعدائهم الصليبيين، رقم واحد: المسلمون ليسوا بأعداء اليهود كالنصارى، فأوجدوا ذلكم المذهب الخبيث المنتن العفن مذهب البلشفة: لا إله والحياة مادة، فضربت الصليبية ضربة ما حصلت لهم في التاريخ أبداً. الآن ثلاثة أرباع النصارى لا يؤمنون بالله ولا بيوم القيامة! ولهذا انتشر المنكر والباطل والفجور والفسق بصور عجيبة! من حوَّل المسيحيات اللائي كن يستحين إذا قابلن الرجال، ويضعن على وجوههن الخمار الأسود، يلبسن المكروجيب والمنجيب، من صنع هذه؟ تشكون؟ هم للمسخ، أما آلام المسلمين بيناها عشرات المرات.فلهذا يقول تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] من الإيمان والحكمة والمعرفة والهداية، يحسدونهم هكذا؟
    فضل الله على أنبيائه
    ثم يقول تعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء:54] لم ما حسدوا أسلافهم وأجدادهم؟ فقط رأونا نحن أولاد إسماعيل؟ لا! فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:54] أم لا؟ مملكة سليمان كانت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء:54] لم ما نحسدهم نحن؟ ويحسدون المسلمين كيف تظهر دولتهم، وكيف تسود في الدنيا؟!
    وعيد الله لكل من كفر بالإسلام وكذب الرسول
    ثم قال تعالى التسجيل الأخير: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ [النساء:55] بالإسلام، به، بمحمد وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ [النساء:55] وأعرض وصد الناس عنه وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:55] هؤلاء الذين ما آمنوا بالإسلام ورسوله وكتابه منهم من صد نفسه وصد غيره، ولكن الجزاء: وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:55] ناراً مستعرة ملتهبة، يحرقون فيها بليارات السنين بلا نهاية!
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيتين الأوليين
    قال: [ معنى الآيتين الأوليين ]. قال: [ عاد السياق إلى الحديث عن أهل الكتاب ] من هم؟ اليهود [ فقال تعالى لرسوله والمؤمنين ] أي: من أصحابه ونحن معهم [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ [النساء:49] وهو أمر يحمل على العجب والاستغراب، إذ المفروض أن المرء ] أي: الإنسان [ لا يزكي نفسه حتى يزكيه غيره، فاليهود والنصارى قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111] ] غير اليهود والنصارى لن يدخل أحدهم الجنة، يقول هذا رؤساؤهم المضللون لهم.قال: [ وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:24] إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة، ولما أنكر تعالى عليهم هذا الباطل الذي يعيشون عليه فعاقبهم عن ترك الإيمان والدخول في الإسلام، وأخبر تعالى أنه عز وجل هو الذي يزكي من يشاء من عباده، وذلك بتوفيقه إلى الإيمان وصالح الأعمال التي تزكو عليها النفس البشرية ] هذا عندنا من الضروريات. تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم! تتملق بها إلى الله وتتزلف لتنتج لك نوراً في قلبك، وطهارة في روحك.تصلي ركعتين كما صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً موقناً تنتجان لك نوراً تزكو به نفسك، فالنفس لا تزكو بغير الإيمان والعمل الصالح، ما هو بالتبجح والكلام! قال: [ وذلك بتوفيقه إلى الإيمان وصالح الأعمال التي تزكو عليها النفس البشرية، فقال تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] أي: أقل قليل، فلا يزاد في ذنوب العبد، ولا ينقص من حسناته.ثم أمر الله تعالى رسوله أن يتعجب من حال هؤلاء اليهود والنصارى، وهم يكذبون على الله تعالى ويختلقون الكذب بتلك الدعاوى التي تقدمت آنفاً، وكفى بذلك إثماً مبيناً، يغمس صاحبه في النار ] ويخلده فيها.
    هداية الآيتين الأوليين
    قال:[ أولاً: حرمة تزكية المرء نفسه بلسانه والتفاخر بذلك، إما لطلب الرياسة وإما تحلياً وإما تخلياً عن العبادة والطاعة؛ بحجة أنه في غير حاجة] إلى تلك العبادة، أو إلى ذلك الطهر، هذا أصاب المسلمين في الجهل، وأصبح الشخص لا يصلي ولا يصوم ويقولون عنه: ولي الله! سليمان ! أين ذاك البهلول الذي كان في الشوارع؟ سيدي كامل ، يسب يكفر يقول الباطل لا يصلي وهذا ولي الله، يتبركون بلعابه! والنوع هذا في العالم الإسلامي ما أكثره! إذاً: حرمة تزكية المرء نفسه بلسانه والتفاخر بذلك، لا بد إما طلباً للرياسة وإما تخلياً عن العبادة ما هو في حاجة إلى العبادة، مغفور له.قال: [ بحجة أنه في غير حاجة إلى ذلك لطهارته ورضا الله تعالى عنه.ثانياً: الله يزكي عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى، ويزكيه بتوفيقه وإيمانه للعمل الصالح بما يزكي من صلاة وصدقات، وسائر الطاعات المشروعة لتزكية النفس البشرية وتطهيرها ].الله يزكيك أولاً: يذكرك في الملكوت الأعلى، كما في هذه الليلة إن شاء الله.ثانياً: يوفقك للعمل الصالح والإيمان الصحيح؛ فتزكو نفسك بذلك، من زكاك؟ أليس الله؟ أما أن تقول: أنا فعلت وأنا كذا وأنا كذا هذا لا يصح؛ لأنه يتنافى مع الاستقامة والمنهج، فإذا كان حقاً ما ينبغي هذا، كنت تصوم النهار وتقوم الليل لا تقل هذا، وإن كان كذباً فتلك هي الطامة الكبرى.قال:[ ثالثاً: عدالة الحساب والجزاء يوم القيامة؛ لقوله تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] ] عدالة الجزاء والحساب يوم القيامة، لا تخش أبداً أن يزاد في سيئاتك سيئة، أو ينقص من حسناتك حسنة، كن مطمئناً؛ لأن الله في غنى عن خلقه، وهو الغني الحميد.
    معنى الآيات
    قال:[ معنى الآيات روي أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ذهبوا إلى مكة يحزبون الأحزاب لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا مكة قالت قريش: نسألهم -فإنهم أهل كتاب- عن ديننا ودين محمد أيهما خير؟ فسألوهم، فقالوا لهم: دينكم خير من دين محمد، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله تعالى هذه الآيات إلى قوله: عَظِيمًا [النساء:48] ].ما هي؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51].قال: [ وهذا شرحها أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] ألم ينته إلى علمك أيها الرسول! أن الذين أوتوا حظاً من العلم بالتوراة يصدقون بصحة عبادة الجبت والطاغوت، ويقرون عليها ويحكمون بأفضلية عبادتها على عبادة الله تعالى ] لأن العرب في مكة يعبدون الأصنام وهي الطواغيت.قال: [ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:51] وهم مشركو قريش: دينكم خير من دين محمد، وأنتم أهدى طريقاً في حياتكم الدينية والاجتماع لها.ألم يكن موقف هؤلاء اليهود مثار الدهشة والاستغراب والتعجب لأهل العلم والمعرفة بالدين الحق، إذ يقرون الباطل ويصدقون به. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء:52] أولئك الهابطون في حمأة الرذيلة، البعيدون في أغوار الكفر والشر والفساد لعنهم الله، وأبعدهم من ساحة الخير والهدى. وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ [النساء:52] يا رسولنا! نَصِيرًا [النساء:52] ينصره من الخذلان الذي وقع فيه، والهزيمة الروحية التي حلت به، فأصبح وهو العالم يبارك الشرك ويفضله على التوحيد ] والعياذ بالله.[ ثم قال تعالى في الآية الثالثة والخمسون: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] أي: ليس لهم نصيب من الملك كما يدعون، فالاستفهام للإنكار عليهم دعوة أن الملك يئول إليهم، وهم لشدة بخلهم لو آل الملك إليهم لما أعطوا أحداً أحقر الأشياء وأتفهها، ولو مقدار نقرة نواة، وهذا ذم لهم بالبخل بعد ذمهم بلازم الجهل وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد ].كانوا يعلنون أنهم سيحكمون، سيملكون، وكم سنة وهم يعملون؟ ألف وأربعمائة سنة تقريباً حتى أوجدوا دولة اليهود، لكن ما زالوا عاملين حتى يصفي حسابهم المسلمون. متى هذا؟ لما ترى المسلمين أقبلوا على الله وأصبحت كلمتهم واحدة، ورايتهم واحدة، وإمامهم واحد؛ ما الدليل؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ( لتقاتلن اليهود )، كيف نقاتلهم؟ أين هم اليهود؟ شردناهم مزقناهم كيف؟ لا بد، ( لتقاتلن اليهود ) قاتلناهم أم لا؟ وهزمونا؟ قولوا: قاتلناهم أكثر من خمس مرات وننهزم نحن العرب، لا المسلمين.( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم ) كثيراً ما نقول في الدورس: لتسلطن عليهم، لو يستقيم المسلمون العرب في أربعة وعشرين ساعة يوجد الله عز وجل لفرنسا لبريطانيا لأمريكا مؤامرة ضدها، فتضرب اليهود وتقول للعرب:خذوهم. ونظير ذلك هتلر النازي لما اكتشف مؤامرة ضده ماذا فعل باليهود؟ قتلهم حرقهم مزقهم، أذلهم أكبر وإذلالاً، من سلطه؟ الله.فهكذا نقول: لو أن الفلسطينيين فقط -دعنا من العروبة- استقاموا وراء إمام وبايعوه والتفوا حوله، وأقاموا الصلاة؛ والله لينصرنهم الله، ما عندهم قدرة؟ كما قدمنا يوجد مؤامرة يهودية ضد أمريكا، فتغضب غضبتها وتضربها أو تقول للفلسطينيين: خذوهم، هذا استفدناه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثم لتسلطن عليهم ) تسليط أم من جهة أخرى؟ وتصديق الله من باب أولى.( ثم لتسلطن عليهم فتقتلوهم؛ حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجرة اليهود ) شجر الغرقد كان موجوداً في البقيع، لما يصب المطر ينبت هناك؛ فلهذا سمي بقيع الغرقد، أما الآن يخبروننا إخواننا الفلسطينيون بأن هذه الشجرة محترمة في بلاد إسرائيل، وتسقى بعناية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، شجرة اليهود، من علمنا هذا؟ الله. هنا لطيفة قلناها. الشجر يكذب؟ الحجر يكذب؟ يا مسلم! أو قال: يا عربي؟! أو قال: يا مواطن؟! إذاً: من منا يقول: أنا مسلم، ويشهد للشجر والحجر؟ ومعنى هذا: أن يوماً سيأتي يسلم فيه العرب والمسلمون ويكمل إسلامهم، ويقاتلون اليهود ويسلطهم الله وينطق الشجر والحجر في صدق: يا مسلم! إذاً: عرفتم ضعف الإسلام عندنا أم لا؟ ولا نسبة عشرين في المائة! ما نحن بالمسلمين بمعنى الكلمة، هذا بالنسبة للعام، أما يوجد أفراد أولياء الله وصالحو عباده.قال: [ وقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء:54]، أم بمعنى: بل كسابقتها للإضراب- الانتقال من حال سيئة إلى أخرى- والهمزة للإنكار، ينكر تعالى عليهم حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على النبوة والدولة وهو المراد من الناس.وقوله تعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ [النساء:54] كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل. وَالْحِكْمَةَ [النساء:54] التي هي السنة التي كانت في ولاية الأنبياء يتلقونها وحياً من الله تعالى، وكلها علم نافع وحكم صائب سديد، كما هي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وحكمته.والملك العظيم: هو ما كان لداود وسليمان عليهما السلام، كل هذا يعرفه اليهود؛ فلم لا يحسدون ما كان لهم، ويحسدون محمداً والمسلمين؟! والمراد من السياق: ذم اليهود بالحسد كما سبق ذمهم بالبخل والجهل مع العلم.وقوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ [النساء:55] يريد أن من اليهود المعاهدين للنبي صلى الله عليه وسلم -منهم- من آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وهم القليل، ومنهم من صد عنه، أي: انصرف وصرف الناس عنه، وهم الأكثرون. وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:55] لمن كفر حسداً، وصد عن سبيل الله بخلاً ومكراً، أي: حسبه جهنم ذات السعير جزاء له على الكفر والحسد والبخل والعياذ بالله تعالى ].
    هداية الآيات
    قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: وجوب الكفر بالجبت والطاغوت ].يا شيخ! إذا كان الجبت السحر والكهنة والتدجيل امتلأت بلاد المسلمين منه، حتى المدينة النبوية! نبكي أو نضحك؟ يجب الكفر بالسحر أم لا؟ ويقتل الساحر حيث بان سحره ولا تقبل توبته، والناس يأتون يشتكون: أنا مسحور، من سحرك في المدينة؟! من ينشر السحر؟ علة هذا الجهل، ما عرفنا الله حتى نخافه ونرهبه، أو نحبه ونرغب في طاعته، والله لهذا هو السبب.[ ثانياً: بيان مكر اليهود وغشهم، وأنهم لا يتورعون عن الغش والكذب والتضليل ].إلى الآن هذا مبدؤهم، الغش .. تعرفون الغش أم لا؟ يريك صورة وهي خلاف ذلك، يقول الكلمة وهو يريد خلافها.[ ثالثاً: ذم الحسد والبخل ].أو يجوز الحسد والبخل؟ البخل والعياذ بالله من أسوأ الأخلاق، والحسد من شرها، الحسود لا يسود، والمجتمع الإسلامي إن شئت قل واحلف: (75%) يحسدون! في الحكم في العمل في الوظيفة، في التجارة في كذا، في العلم في المعرفة، لا إله إلا الله! مظاهر هذا ملموسة معروفة، الحسد والبخل لا تسأل! [رابعاً: إيمان بعض اليهود بالإسلام وكفر أكثرهم مع علمهم بصحة الإسلام ووجوب الإيمان به والدخول فيه ].فالذين آمنوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عدد محدود، والذين آمنوا بعده، وإلى اليوم قد يدخل اليهودي، لكن عددهم من حيث هم أمة صغيرة قليلة، والذين أسلموا أقل القليل، ولم كفروا؟ لجهلهم؟ لا، لمعرفتهم؟ لا تدخلوا في الإسلام تذهب دولتكم وآمالكم، فابقوا على ما أنتم عليه، والله عز وجل أذلهم وأخزاهم ولعنهم وطردهم، وسوف يسلط المسلمين عليهم وهي النهاية الأخيرة، ما ندري متى؟ لو لاحت الآن في الآفاق الآيات لقلنا: المسلمون ما زالوا في وقت يستطيعون أن يبايعوا إماماً لهم، ويدينون بالطاعة من أقصى الشرق إلى الغرب، ويخطب الخطبة ويسمعها الرجل والمرأة وفي العرب والعجم في ساعة واحدة، عجب هذا! ولكن نترك الأمر لله عز وجل، ما في فرصة تجمع المؤمنين وتوحد كلمتهم وصفوفهم كهذه الأيام، كانوا إذا أرادوا أن يبايعوا الرسول من أقصى الهند وإلى الأندلس يحتاجون إلى شهرين ثلاثة، أليس كذلك؟ الآن أقصى البلاد تصل إلى المدينة في يوم واحد.. في نصف يوم، لو يجتمع المسئولون في الروضة وينظرون من يبايعونه؟ بايعنا فلاناً إماماً للمسلمين، ما الذي يصيبهم؟ قولوا لي؟ يمرضون، يصابون بالهزال، لماذا؟ لا شيء إلا أنهم رجوا العالم وهزوه، أربعين يوماً والدستور الإسلامي بين أيديهم في يد كل قاضي في العالم الإسلامي، يطبقه كما هو، ولكن نقول: هي الذنوب، ذنوبنا هي المانعة لنا، الحاجبة لنا عن هذا النور.والله تعالى أسأل أن يتوب علينا إنه تواب رحيم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #254
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (29)
    الحلقة (253)

    تفسير سورة النساء (35)


    ذكر الله عز وجل في هذه الآيات الوعد والوعيد، الوعد والبشرى لعباده المؤمنين، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون الشرك والمعاصي والمنكرات، وعدهم بجنات عرضها الأرض والسماوات، تجري من تحتها الأنهار، ويدخلهم ظلاً ظليلاً، وأما أهل الكفر والطغيان فقد توعدهم الله بإدخالهم النيران، كلما أنضجت النار جلودهم أبدلهم الله غيرها، ليستمروا في العذاب المقيم في نار الجحيم، لا يزحزحون عنها وما هم منها بمخرجين.
    تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).الحمد لله على ما أولانا وأعطانا، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأفضلت وأحسنت، وأنت أهل ذلك يا رب العالمين، وها نحن مع سورة النساء الميمونة المباركة، ومع هاتين الآيتين.فهيا نتغنى بتلاوتهما ثم نأخذ في دراستهما، عسى الله أن يملأ قلوبنا إيماناً ونوراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:56-57].هل تاقت نفوسكم أيها الأبناء والإخوان إلى معرفة ما في هاتين الآيتين؟
    إخبار الله تعالى عمن زكى نفسه ومن دساها
    أولاً: هذان خبران من الله، وإن شئتم فقولوا: هذا خبر من الله، والله عز وجل لا يشك في إخباره! ولن تكون إلا كما أخبر؛ وذلك لعلمه وقدرته، هذا الخبر في الحقيقة هو يحمل حكماً ربانياً، قضى الله تعالى وحكم بأن الذين كفروا يدخلهم النار يشقون فيها أبداً، والذين آمنوا يدخلهم الجنة يسعدون فيها أبداً، وهذا الخبر وهذا الحكم، يذكر بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].أفلح: فاز بنجاته من النار ودخوله الجنة؛ لأنه زكى نفسه طيبها وطهرها، أسألكم بالله: ما هي مواد التزكية، بِم تزكو النفس وتطهر؟ الإيمان والعمل والصالح. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، خاب: خسر وأضاع كل شيء، خسر حتى نفسه وأهله، ما سبب خسرانه؟ تدسية نفسه، ما هي مواد التدسية حتى نهرب منها ونجانبها حتى لا نقع فيها؟ الكفر والمعاصي. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أبيض كان أو أصفر، في الأولين أو في الآخرين، في الأشراف أو الضاعة، أفلح من زكى نفسه، هذا حكم الله، والله إذا حكم لا يعقب على حكمه، إذ لا أعلم منه ولا أحكم ولا أعدل، وقد حكم أن من دسى نفسه خسر، بم تدسو النفس أو تنتن وتتعفن؟ بالكفر والمعاصي، سبحان الله، ما أسهل الطريق وما أوضحه، ومع هذا الناس يمشون في ضلال.فهاتان الآيتان ما خرجتا عن بيان حكم الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].كثيراً ما نقول للمستمعين: هنا تقرير المصير، أو في الأمم المتحدة؟ هنا تقرير المصير، في الدنيا أو في الآخرة؟ في الدنيا هنا، الآدمي يقرر مصيره، فإن آمن وعمل الصالحات وتجنب الشرك والمعاصي والله لقد فاز ونجا وأفلح، وقل ما شئت عنه، على شرط أن يموت على الإيمان والعمل الصالح، ومن أشرك وكفر، وغشي الذنوب والمعاصي خسر.وعند المستمعين أهل الحلقة المباركة الحكم، لماذا الذين تزكو أنفسهم يدخلون الجنة، والذين تخبث أنفسهم يدخلون النار؟ لأن الله لا يقبل ذا نفس خبيثة منتنة يجاوره في الملكوت الأعلى، بل ينزله إلى أسفل سافلين، وذو النفس الخبيثة المنتنة العفنة هل تتلاءم مع أرواح الملائكة والأنبياء والصديقين والشهداء؟ ما تقبل، الآن نحن هكذا، لو يدخل علينا رجل ملطخ بالدماء والقروح والبول والعذرة والأوساخ، تسمحون له يدخل عندكم، يجلس بينكم؟ اذهب اغسل نفسك تطيب، هذا واقعنا.فلهذا ما ننسى هذا الحكم الإلهي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، وعلى كل عاقل أن يعرف مواد التزكية وكيف يستعملها، وأن يعرف مواد التخبيث والتلويث وكيف يبتعد عنها؟ ( طلب العلم فريضة ) لا بد من هذا، أو غششنا أنفسنا.هيا نقرر مصيرنا بأيدينا اليوم لا غداً، ونعود إلى الآيتين الكريمتين نتدارسهما.
    مصير الكافرين بآيات الله ورسله
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [النساء:56] أولاً: القرآن الكريم، التوراة والإنجيل، وكل آيات الله.ثانياً: آيات الله الحاوية لشرائعه وأحكامه وقوانينه، وأخباره وصفاته وكماله، هؤلاء الذين كفروا بها، أي: جحدوا بها، وأبوا أن يعترفوا بها، أو يقروا بما فيها، أو يقبلوا على فهمها والعمل بها، هؤلاء كفروا وغطوا ودسوا هذه الآيات، هؤلاء يخبر تعالى عن حكمه فيهم، فيقول: سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56]، (نصليهم) من أصلاه يصليه إذا أدخله النار ليحترق فيها، و(سوف) على بابها، أي: بعدما يموتون ويعودن إلينا ما هو الآن.(ناراً) التنكير للتفخيم والتعظيم.والنار إليك بيانها: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56] نضج اللحم إذا استوى.. نضجت تهرت وتساقطت: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لِم؟ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].وهنا لطيفة! كان عمر رضي الله تعالى عنه جالساً وإذا بأحد المؤمنين يقرأ هذه الآية، أو انتهى إليها، فقال عمر: أعد تلاوة الآية؛ لأن التدبر يحتاج إلى تكرار السماع، والمتدبر للقرآن هو الذي كلما ختم الآية وانتهى إلى دبرها أعادها من أولها، المرتين والثلاثة والأربعة حتى تدخل بكاملها في قلبه.وقد عرفنا أن بعض الصالحين أحيا ليلة كاملة بآية واحدة، قام يتهجد فانتهى إلى قول الله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، ويبدأ بالبكاء ويعيدها فيبكي.. ويعيدها حتى قضى ليلة كاملة في هذه الآية.والمراد من تدبر الآيات: أنك كلما ختمت الآيات في موضع واحد تعيدها من جديد، كلما أعدتها لاحت أنوار أخرى لك.. وهكذا حتى تفهم وتمتلئ بنورها.أعد يا قارئ فأعاد، وكان حبر اليهود، وهو كعب الأحبار هو تابعي، كان حاضراً في المجلس، فقال لـعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين! إن عندي تفسيرها، تأذن لي أن أفسرها لك؟ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، قال: أنا عندي تفسير لها، فذكر له أنها تبدل في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، تحترق الجلود وتتساقط، ثم تعاد كما كان في الساعة الواحدة -قطعاً ما هي ستين دقيقة؛ لأن ما عندهم ساعة- لكن المعروف تقريباً من هذه الساعات، مائة وعشرين مرة، هذا عرفه من التوراة. كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56] لماذا؟ علل؟ قال: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، والآن نحن إذا زالت القشرة والجلد ما يشعر الإنسان بالألم كما كان يشعر به والجلد على جسمه؛ لأن الحساسية والآلام في الجلد.إذاً: كلما تهرت الجلود وتساقطت يعيدها الله كما كانت في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة، وإلى متى؟ بلا نهاية، ما في نهاية، الحياة القابلة للنهاية انتهت، انطوت صفحاتها، والآن حياة خالدة أبدية.قال: لِيَذُوقُوا [النساء:56] والتذوق في الحقيقة يكون للحلوى والعسل أو لا؟ لكن هنا فيه ضرب من التهكم. لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، وسمي العذاب عذاباً؛ لأنه يُذهب بالعذوبة، عذوبة الحياة ينهيها، كل التمر أو البطاطس أو البقلاوة وأنت مريض ما تشعر؛ فالعذاب سمي عذاباً لأنه ما فيه عذوبة.ثم قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ وما زال: عَزِيزًا غالباً قاهراً، لا يمانع في شيء يريده: حَكِيمًا [النساء:56]، يعذب من يستحق التعذيب ويسعد من يستحق السعادة، ما تفهم أن الله يخلط ويخبط!! لا حكمة عنده، قد يدخل أبا طالب النار ويخرج أبا جهل منها؟!! والله ما كان، هذا الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، هذه العدالة الإلهية، هذا التعليل: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا [النساء:56] أي: قادراً على أن يعذب من يعذب، ولكن يعذبهم بعدالة إلهية لا ظلم فيها، هذا هو الله، هذا رب العالمين.هؤلاء دسوا أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي.
    تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...)
    قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57].
    تلازم الإيمان والعمل الصالح
    الإيمان أول أو ثان؟ الإيمان أول، حتى إذا ذكر في القرآن العمل الصالح، يأتي بجملة حال، كقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، والحال: وأنه مؤمن، أولاً: لا يتصور وجود عمل صالح بدون إيمان، من لا يؤمن الإيمان الحق هيهات هيهات أن يوجد له عملاً صالحاً ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولهذا علمتم زادكم الله علماً أن الإيمان بمثابة الروح للحياة، المؤمن حي بروح الإيمان، والكافر ميت لسلبه روح الإيمان، أو تشكون في هذه؟ المؤمن الصادق الإيمان حي، يسمع ويبصر، وينطق ويأخذ ويعطي، ويجيب؛ لأنه حي، والكافر أصم أعمى ميت، والدليل حتى لا يجادلوكم أهل الباطل، الدليل قولوا لهم: إذا دخلنا دار كفر وسدنا أهلها، وسمحنا لهم بالبقاء على دينهم كاليهود والنصارى لا نأمرهم لا بغسل، ولا بصلاة، ولا بصيام، ولا بحج، ولا بجهاد أبداً، قولوا: لِم؟ لأنهم أموات، أتكلف الميت أنت، انفخ فيه روح الإيمان، فإذا عرف وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يقوم يغتسل بالماء البارد، ويسبقك إلى المحراب ليصلي، أما وهو ميت تكلف الميت أنت، سبحان الله العظيم، هذا معروف عند أهل العلم أو لا؟ أهل الذمة من اليهود والنصارى تحت رايتنا نحميهم وندفع الأذى عنهم ولا نظلمهم ولا نسيء إليهم، ومع هذا لِم نحن نصلي وهم ما يصلون؟نحن نصوم وهم ما يصومون، نحن نخرج للجهاد نموت، ونحمي ديارهم وهم لا نسمح لهم بالخروج، والله ما نقبلهم يجاهدون معنا، لِم؟ نحن نجاهد لندخل الجنة، وهم يجاهدون ليدخلوا النار .. كفار.
    علامات صحة الإيمان
    قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] حق الإيمان.وما زلت أردد وأقول: من أراد أن يعرف هل هو مؤمن أو غير مؤمن، يقرأ القرآن الكريم، إذا كان يحسن القراءة، أو يستمع إلى من يقرأ عليه، فإن وجد نفسه مؤمناً حمد الله وأثنى عليه وسأله التثبيت عليه، وإن وجد نفسه ضعيف الإيمان فليجدد العهد، فليؤمن.ومعنا آيتان كالشاشتين البيضاوين، من أراد أن ينظر: هل هو مؤمن أو لا؟ فليصغِ إليّ ويسمع: وليشاهد نفسه، قال تعالى في بيان المؤمنين بحق وصدق: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، واضحة أو لا؟ والآية الثانية: وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ [التوبة:71] بحق وصدق، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] أولياء بعض؟ هذه الولاية تتمثل في شيئين، من يعرفهما؟ الحب والنصرة، إذا لم تحب أخاك المؤمن أو أختك المؤمنة ما أنت بمؤمن، هل يوجد مؤمن يكره المؤمن؟ ما هو بمؤمن، يكره ولي الله! إذا استنصرك أخاك وأنت قادر على نصرته ثم انهزمت وتركته ما أنت بمؤمن: وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].ثانياً: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ثالثاً: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [التوبة:71]، رابعاً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71]، خامساً: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] في الأمر والنهي: أولئك هم المؤمنون حقاً.
    صور من الأعمال الصالحة وشرط قبولها
    وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:57] أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57].الصالحات: جمع صالحة، الفعلة الصالحة، الخصلة الصالحة، العبادة الصالحة، هذه الصالحات أين توجد؟ لو طلبناها أين نجدها؟ في كتاب الله وبيانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في كتب العلم والفقه.الصالحات: هي أعمال القلوب والألسن والجوارح، وهي من كلمة: (لا إله إلا الله) إلى (إماطة الأذى عن طريق المؤمنين والمؤمنات الصلاة، الزكاة، الصيام، الجهاد، الذكر، الدعاء، وقراءة القرآن) كل هذه العبادات هي الصالحات فقط، علمناها: أنك لا بد وأن تؤديها تفعلها، كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زدت فيها أو نقصت منها أو قدمت أو أخرت بطل مفعولها.وعلى سبيل المثال في الزيادة والنقصان: كم صلاة الصبح من ركعة؟ اثنتان.لو أن مؤمناً قوي الإيمان قال: أنا أصلي أربعاً، لِم أبخل على ربي؟! أصلي أربعاً، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة، هو يعتذر يقول: أنا أصلي لربي أكثر، ما دام طلب مني ركعتين سنزيد ركعتين، هل يوجد فقيه يقول: صلاتك صحيحة؟ لا.صلاته باطلة ويقال له: أعد صلاتك، وأنتم يا أهل البصيرة لم نقول: بطلت، ما معنى بطلت؟ ما تولد ولا تنتج الحسنات المزكيات للنفس؛ لأنه عمل فاسد، عرفنا السر أو لا؟تكبيرة الإحرام فقط، لو تركها مصلٍ، وبعدما قرأ الفاتحة والسورة كبر تكبيرة الإحرام تصح صلاته؟لا. باطلة، لماذا؟ ما تنتج له؟ أعد صلاتك، هذا التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لا يجوز.والظرف: لو أننا الآن نصلي العشاء ونقول: نحن لا ندري أنصبح أو لا نصبح هيا نصلي الصبح، ويؤمنا الإمام ونصلي الصبح، هل نجد فقيهاً في الدنيا يقول: صلاة الصبح صحيحة الآن؟ لماذا؟لأنه ليس وقتها، إذاً: والله ما تنتج أبداً ولا تولد طاقة ولا نوراً.إذاً: الصالحات تلك العمليات التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان رسوله، وبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف تؤدى، بين أوقاتها، بين تقديمها، تأخيرها كمياتها.. يجب أن نعلم هذا علماً حقيقياً ونعبد الله به.فلهذا الجهل حرام أو حلال؟ لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يعيش وهو لا يعرف كيف يعبد الله؟ لو اضطر إلى الهجرة والله يجب أن يهاجر، يعني: وجد في قرية ما فيها من يعرف شيئاً، يريد أن يسأل: كيف يتوضأ؟ ما يجد، يجوز البقاء له في هذه البلدة؟ والله يجب أن يهاجر، ولا يحل له البقاء في هذا البلد.
    جزاء من عمل الصالحات
    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:57] ماذا لهم؟ اسمع خبر الله عنهم: سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ [النساء:57] جمع جنة، والجنة: البستان ذو الأشجار ذات الزهور والأوراق التي إذا دخلتها تحسها غطتك وجنْتك: جَنَّاتٍ [النساء:57] من وصفها: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] تجري من تحتها، أي: من تحت القصور والأشجار الأنهار، كم نهراً يرحمكم الله في الجنة؟ أربعة، ما هذه الأنهار؟أولاً: نهر الماء العذب الفرات، الغير الآسن -المتغير- أبداً: أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] لا بالحموضة ولا بغيرها، نهر كامل كالنيل يجري لبن. وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ [محمد:15] ما في وصف أعظم من هذا؛ لأننا ما نعرف الخمر ما هي؟ كذا أو لا؟ ما ذقناها، إذاً: قال: لَذَّةٍ [محمد:15]، تعرفون اللذة أو لا؟ في الأكل الطيب والشراب الطيب.. لذة، لذة لمن؟ للشاربين.اسمعوا هذا الخبر الجديد: من مات مدمناً على الخمر.. مات يشرب بلا توبة لن يشربها في الجنة.. من مات مدمناً للخمر لم يتركها ولم يتب منها حتى مات على ذلك فإن كان مستحلاً لها، فهو كافر من أهل النار بلا جدال، وإن كان يفعلها وهو خائف وهو مؤمن حتى إذا دخل الجنة يصرف عنها، ما يشربها، لا تفهم أنه يريد أن يشرب ويمنع: لا، أبداً، يصرف عنها ما يريدها ولا يسمع عنها، وإلا في دار السلام أقل من يأخذ من المساحة مثل الدنيا عشر مرات، أقل ما تأخذ، عشرة كواكب فقط. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [النساء:57] جمع (نهر)، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، خلوداً أبدياً، يخرجون إلى أين؟ في عالم آخر، ما في إلا عالمان، فوق الجنة وأسفل جهنم، ما في عالم آخر. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، أبداً: بمعنى لا يخرجون منها، إلى أين يخرجون؟ أولاً: لا يموتون، لا يمرضون، لا يكبرون، لا يهرمون، لا.. لا، إذاً: يبقوا هكذا في نعيمهم. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] الأزواج: جمع زوجة أو زوج؟ أين أهل الحلقة؟ جمع زوجة أو جمع زوج؟عرفنا: أن الفرد إذا ضم إليه آخر قيل فيه: زوج، فلهذا: الرجل زوج وامرأته زوج، وإنما يقال: زوجة (بالهاء) للعامة حتى يفهموا، لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ [النساء:57] بمعنى: زوجات، كم؟ الله أعلم.فقط عندنا يقين: أن امرأتك إذا كانت من أهل الجنة لإيمانها وصالح أعمالها، وبعدها عن الشرك والمعاصي، إذا ماتت في عصمتك هي زوجتك، لا يأخذها آخر، وإن طلقتها أو مت وتزوجت غيرك ما لك فيها نكاح، الذي تموت عنده هو زوجها.فلهذا: أحد الأصحاب في الشام وهو أبو الدرداء مرض وكان وباء كبير -عافانا الله وإياكم والعالم الإسلامي- قد أصاب البلاد، فلما أصيب قال لزوجته: أي فلانة إذا تريدين أن تكوني زوجتي كما أنت الآن يوم القيامة فلا تتزوجي بعدي، وإذا ما تريدين شأنك، فما تزوجت، وما هي إلا أشهر وماتت بعده، رضي الله عنهما وأرضاهما. أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57] ما قال: (مطهرات) لأن القرآن أسلوبه راق، يحمل معنى الخفة وعدم الثقل (مطهرة) كل واحدة مطهرة، من طهرها؟ الله.كيف طهرها؟ عند العامة التطهير هو الختان، مطهرة من كل أذى، ومن كل قذى، ومن أبرز ذلك: دم الحيض والنفاس، لا ولادة ولا حيض ولا نفاس، أما عرق الرجال كالنساء، والله لأطيب من ريح المسك، أضف إلى ذلك: لا تخرأ ولا تبول، أبداً.إذاً: وتأكل؟ إي نعم، أصناف الأكل، ولكن يتحول ذلك كله إلى عرق وجشاء، وهذا الجشاء أطيب من ريح المسك.لطيفة! كان أحد اللبنانيين من المؤمنين يركب سيارة مع مسيحي، فقال المسيحي للمسلم: أمركم عجب أنتم أيها المسلمون! تؤمنون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون؛ لأن النصارى يقولون: الجنة تدخلها أرواح فقط، ضللهم اليهود ومسخوهم، كيف إذاً: يأكل ويشرب وما يبول وما يتغوط، ما هذا الاعتقاد الفاسد عندكم؟!فيلهم الله تعالى ذاك اللبناني العامي، وهذا ما نستشهد به دائماً عند قول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]، عامي قال: يا مسيو! أنت تقول هذا؟ عندنا الطفل في الشهر السادس والسابع والثامن والتاسع وهو يتغذى يبول في بطن أمه، يخرأ؟ لو كان يبول ويخرأ كيف يصبح بطن أمه؟يبول ويخرأ، أين الغذاء الذي يتغذاه؟ يتحول إلى دم، فكذلك أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منها نأكل ونشرب ويتحول ذلك إلى جشاء وإلى عرق. وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، إن شئت قل بمعنى: حياة النعيم الواسعة الوارفة، لا، ما هناك حاجة هو حاصل، ولكن حتى الظل؛ لأن الجنة قال تعالى من سورة الإنسان: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان:13]، الزمهرير: البرد، أي: لا حر ولا برد، اعتدال دائم.والظل يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن شجرة طوبى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]، هذه الشجرة (طوبى) يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها.إذاً: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57]، قولوا: اللهم اجعلنا منهم؟ اللهم اجعلنا ووالدينا وكل المؤمنين والمؤمنات منهم يا رب العالمين.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات
    قال: [ على ذكر الإيمان والكفر في الآية السابقة ]، تقدم أو لا؟ بالنسبة إلى اليهود.قال: [ ذكر تعالى في هاتين الآيتين الوعيد والوعد، الوعيد لأهل الكفر، والوعد لأهل الإيمان ] في فرق بين الوعد والوعيد، الوعيد بالعذاب، والوعد بالخير، دائماً وأبداً.قال: [ فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56] يريد: يدخلهم نار جنهم يحترقون فيها ويصطلون بها، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء:56]، تهرت وسقطت بدلهم الله تعالى فوراً جلوداً غيرها ليتجدد ذوقهم للعذاب وإحساسهم به، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56]، تذييل ] تعرفون التذييل تأتي جملة بعد الأخرى كذيل لها.[ تذييل المقصود منه إنفاذ الوعيد بهم؛ لأن العزيز الغالب لا يعجز عن إنفاذ ما توعد به أعداءه، كما أن الحكيم في تدبيره يعذب أهل الكفر به والخروج عن طاعته ]؛ لأنهم خرجوا عن طاعته ووسخوا أنفسهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى من وعيد لأهل الكفر.[ وأما الآية الثانية فقد تضمنت البشرى ]، البشرى ما هي؟ الخبر السار إذا سمعته تهلل وجهك بالبشر والطلاقة، البشرى.[ فقد تضمنت البشرى السارة -المفرحة- لأهل الإيمان وصالح الأعمال، مع اجتناب الشرك والمعاصي ].أما يعبد الله ويقول كلمة شرك ينمسح، ينتهي ذلك ما ينفع، لا بد مع اجتناب الشرك والمعاصي.قال: [ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [النساء:57]، يريد نساء من الحور العين ]، ما معنى الحور العين؟الحور: جمع حوراء التي يغلب بياض عينيها على سوادهما، عرفتم؟ إذا كان الظاهر سواد عينها أكثر تصير كالحية، إذا كان بياض العين أكثر من السواد أجمل، حوراء، والعين: جمع عيناء ذات العين الواسعة.قال: [ من الحور العين، مطهرات من كل ما يؤدي أو يُخل بحسنهن وجمالهن نقيات من البول والغائط ودم الحيض ]، أما النفاس لا وجود له.[ وقوله تعالى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء:57] وارفاً كنيناً -يكنهم ويسترهم ويغطيهم- يقيهم الحر والبرد، قال: وحدّث يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة، فقال: ( في الجنة شجرة تسمى شجرة الخلد يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطع ظلها )]، اللهم اجعلنا من أهلها.
    هداية الآيات
    الآن: [ هداية الآيتين ] ولا تخلو آية من هداية.[ أولاً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي ].يقيناً: الكفر والمعاصي موجبات للعذاب الأخروي.[ ثانياً: بيان الحكمة في تبديل الجلود لأهل النار، وهي: أن يدوم إحساسهم بالعذاب.ثالثاً: الإيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي موجبات للنعيم الأخروي.رابعاً: الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها ].كل شيء يكدر صفوها أو السعادة ممنوع، لا يوجد في الجنة ما يكدر أبداً صفوها وسعادة الناس فيها، اللهم اجعلنا من أهلها.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #255
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (30)
    الحلقة (254)

    تفسير سورة النساء (36)


    الأمانات شأنها عظيم، وقد أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، لما في حملها من التبعة والإصر العظيم، أما الإنسان فإنه احتمل الأمانة فأمره ربه عز وجل بأدائها على وجهها، سواء كانت هذه الأمانة تتعلق بما بين العبد وربه من أداء للأوامر واجتناب للنواهي، أو كانت تتعلق بما بين العبد وغيره من المخلوقين في المعاملات المالية وغيرها.
    تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم حقق لنا هذا الخير يا رب العالمين!وها نحن مع سورة النساء، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].قوله جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58] يأمرنا؛ لأننا عبيده، ولا يستقيم أمرنا إلا على طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، بماذا؟ قال: أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] يأمركم بأي شيء؟ بأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.
    تعريف الأمانة وحكم ردها إلى أصحابها
    الأمانات: جمع أمانة، وكل نسائنا ورجالنا.. عربنا.. عجمنا يعرفون الأمانة.الأمانة: ما اؤتمنت عليه، ووضع في جيبك أو في بيتك أو في صدرك، وقيل لك: احفظ هذا حتى تسلمه لي يوم أحتاج إليه، احفظ هذا حتى آتيك في يوم من الأيام، وأقول: أعطني ذاك الذي ائتمنك عليه.وقد يكون الائتمان على قول: أبلغتك هذا، أسمعتك هكذا، نبأتك بهذا، فهو أمانة في عنقك، لا تخبر به أحداً أبداً، وجب عليك أن تحافظ على هذه الأمانة ولا تطلع عليها زوجة ولا أباً، والرسول يقول: ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).الآن بالصورة العامة عرفنا: إنسان ترك سيارته عندك أو ناقته أو ثوبه أو سيفه، أو قلمه وقال: احفظه حتى أعود، ماذا يسمى ذاك الشيء؟ أمانة، ويجب أن تحافظ عليه وتحفظه، اللهم إلا إذا أخذ منك قسراً، أو أخذ منك نسياناً، وأنت لم تفرط: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك )، فأداء الأمانة فريضة الله؛ لأن الله أمر بذلك: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بماذا؟ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يغيب صاحب الأمانة عشرين سنة، ويأتي وتقول: تفضل أمانتك عندنا، فإن ضاعت قسراً وقهراً لا شيء عليك، فإن أضعتها؛ لأنك غير مبالٍ ولا ملتفت ولا مهتم وأخذت فأنت ظالم؛ لأنك فرطت في حفظها، أما مع الاستعداد الكافي، والعزم الصادق على ألا تضيع هذه الأمانة، فإذا ضاعت فوق إرادتك فلا شيء عليك، القاضي لا يقضي عليك بأدائها؛ لأنك مؤتمن.وهنا: إن شاء الله هذه الأمانة ما منا أحد إلا وهو يحافظ عليها، لكن هناك أمانة للملك جل جلاله وعظم سلطانه، يا ويح من أضاعها وفرط فيها، إن كان عاجزاً مقهوراً لا شيء عليه، أما مريداً مختاراً، فيا ويحه!
    أمانة الله في أعناق البشر
    ما هي أمانة الملك جل جلاله؟ هذه الواجبات وهذه المنهيات أمانة أودعها عندنا، فلنحافظ عليها، واقرءوا قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، السماوات والأرض والجبال خافت، ولسان حالها: ما نستطيع يا ربنا، لا تحملنا هذه الأمانة، وقال ابن آدم: هاتها، وإذا به ضيعها إلا من شاء الله.لِم قبلها وأضاعها؟ لأن فيه غريزيتين: غريزية الظلم والجهل، فمن عالج هاتين الغريزتين فأصبح غير ظالم وعالماً غير جاهل لا تخف عليه، وهناك أيضاً مرضان عجيبان ألا وهما الظلم والكفر، وكان عمر يدعو الله ويقول: (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري): إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].وهناك غريزة طامة وعامة، وهي: أنه إذا شعر بالاستغناء طغى وارتفع، كم علة.. كم مرض؟ خمسة: الظلم، الكفر، الجهل، الطغيان عند الشعور، هل هناك في القرآن مرض آخر يا أهل القرآن؟الهلع: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، فسر لنا يا ربنا الهلع ما عرفناه؟ قال: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21]، لا إله إلا الله.هيا الليلة نعمل على علاج هذه الأمراض، عسى الله أن يشفينا منها، كم مرض؟ الظلم، الكفر، الجهل، الهلع، الطغيان.الطغيان: قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، متى: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:7]، إن الإنسان ابن آدم أبيض أو أصفر (ليطغى) متى؟ لما يرى نفسه قد استغنى.والطغيان: مجاوزة الحد، التخلي عن الحق، عن الآداب، عن الأخلاق، الظلم، الاعتداء: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ [المعارج:19] كيف؟ هَلُوعًا [المعارج:19].فسر الله تعالى لنا الهلع، فقال تعالى في بيانه: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، الجزع، الصياح، الضجيج، الغضب، أنا كذا، لا يعرف: آمنت بالله، ولا يعرف الصبر والاحتساب، ولا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقط شوكة شاكته يبيت يصرخ، القرية يدوخهم، طبعه هكذا: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:19-20]، كثير الجزع: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21]، أي: كثير المنع، وهذا مشاهد ومجرب.
    أداء الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    وهناك يا معاشر المستمعين، يا من يجدون في طلب الهدى أعلمكم أن هناك وصفة طبية، طبيب الأطباء ومعلمهم وضعها، ذات ثمانية أرقام من استطاع أن يحفظها ويعمل بها يشفى ولو كان من أكثر الناس جفاءً، لا ظلم، لا جهل، لا كفر، لا طغيان، لا جزع، لا منع.لو اجتمع علماء النفس كلهم إلى جانبهم علماء الطب لعلاج هذه الغرائز والله ما استطاعوا ولا قدروا على ذلك، ولكن الله غارز الغرائز وطابع الطبائع هو الذي يقدر على علاجها، فوضع لنا وصفة طبية ذات ثمانية أرقام أول، وثاني، وثالث.. استعملها في صدق.ومن الخير أن تستعملها تحت إشراف طبيب ماهر، أما الذي يستعملها بدون طبيب أحياناً ينجح وأحياناً ما ينجح، ينجح في دواء وما ينجح في الثاني، عرفتم؟ إذا استعملتها تحت إشراف طبيب عليم حكيم نجحت بإذن الله، وإن لم تجد الطبيب أو ما أحببت أن تجلس بين يديه وتتعلم، أمرك إلى الله، عسى أن تنجح وعسى أن لا تنجح.هيا بنا إلى الأرقام الثمانية: قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، هذا إخبار من الخالق أو لا؟ في من يقول: لا.. لا لا، ما هو هلوع؟ ما الهلع هذا؟ إنه إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، بالغ نهاية الجزع، يغضب، يسب، يشتم كما تشاهدون، يطلق المرأة، الجزع، فقط ضاعت الدابة يهول الدنيا؛ لأنه مريض وما علم ما هو بنفسه من مرض: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] كثير المنع.ثم قال تعالى في بيان الدواء: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23]، هذا رقم واحد الذين يديمون الصلاة ولا يقطعونها، ويؤدونها في أوقاتها بشرائطها تنتج لهم مادة النور، وبها يبصرون الحسن والقبيح. هذا رقم واحد.أما المفرطون في الصلاة المهملون لها، التاركون لها، والله للمرض معهم، ولن يستطيع أحد أن يزيله، هذا الرقم سهل أو صعب؟ الحمد لله.

    أداء الزكاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    ثانياً: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:22-25].الذين يعترفون بوجوب الزكاة، وأنها حق الله، وأهلها من سماهم الله، هذا الذي يقوم بهذه الوصفة، الزكاة، بحمد الله تعالى، الشح والبخل والسرقة.. كلها تنقشع وتزول، فالذي ينفق أمواله في سبيل الله يسرق؟ معقول هذا الكلام؟ ينفق ماله يتملق إلى الله ويتزلف، فيضعه في أيدي البهاليل الفقراء والمساكين هذا يخون ويكذب، والله ما كان.انتهى ذاك النوع من المرض، لا شح ولا بخل ولا اعتداء ولا ظلم، ما هو معقول ينفق ماله في سبيل الله ثم يسرق، مجنون هذا؟ لِم أنفق ماله وهو أعز إليه؟ من أجل أن يرضى عنه ربه، كيف يعصيه إذاً في نفس المال؟ هذا الرقم ذو أثر كبير لا تنس، وهو المداومة على الصلاة، والثاني: الإنفاق مما رزق الله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ [المعارج:24-25] الذي يسأل وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25] الذي ما يسأل لحيائه واحتشامه.
    التصديق بيوم الدين مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، هذا الرقم ذو أثر عظيم، الذي يصدق بيوم القيامة وما يجري فيه، وما يتم للبشرية من إسعاد أو شقاء بعد الحساب الدقيق الذي يؤمن بهذا اليوم ما يجزع ولا يمنع، بالإضافة إلى الأرقام الآتية والسابقة، لا تقول هذا الرقم يكفيني.الطبيب إذا أعطاك ثلاثة أدوية، لو تقول: أنا استعمل هذا فقط، يقول لك: ما ينفع هذا الدواء، لا بد من أن تستعملها كلها، ويحدد لك المقادير والكميات والأزمنة والظروف أو ما ينفع، هذا الرقم وهو: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، يؤمنون إيماناً كاملاً باليوم الآخر، يوم الدين هو يوم الجزاء أو لا؟ هذه الدار دار عمل أو دار جزاء؟ أجيبوا.دار عمل، ومتى نتقاضى أجورنا؟يوم القيامة، هذه الدار، يا عباد الله! يا إماء الله، دار عمل، صل وصم وجاهد ولا تطلب جزاء، ليس الجزاء هنا، واصل عملك حتى تنفض يديك وتدخل قبرك وتلقاه.إذاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، والدين: الجزاء على العمل، وهذا الذي نقوم به دين أو لا؟ صلاتنا، صيامنا، رباطنا، جهادنا.. دين، كذا أو لا؟ نجزى به أو لا؟ فهو جزاء، وشيء آخر يا إسماعيل دين؛ لأن الله خلقنا ورزقنا وحفظنا وعافنا وخلق كل شيء من أجلنا، له حق علينا أو لا؟ ما هذا الدين الذي علينا؟ أن نعبده، الدين عبادة وهو دين، ولكن يوم الدين: هو يوم الجزاء، يوم القيامة.
    الإشفاق من عذاب الله مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، هذا الرقم عالي وغالي، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، ما يقدرون على أن ينغمسوا في باطل من القول أو العمل؛ خوفاً من عذاب الله، مشفقون: خائفون، يهم بالشيء ثم يخاف من الله ويتركه، قد يمد يده ثم يذكر عذاب الله، ينظر.. يخاف عذاب الله، مشفق طول حياته، هذا الرقم ذو أثر عظيم أو لا؟ صاحبه ما يسرق، ما يزني، ما يلوط، ما يفجر، ما يكذب، ما يكفر، وأنى له ذلك وهو خائف؟فهذا الرقم رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] خائفون ترتعد فرائصهم، تجل قلوبهم، إذا ذكرتهم بالله، وجلت القلوب وذرفت العيون بالدموع، واقشعرت الجلود؛ لأن إيمانهم سليم وصحيح، هذا الرقم الرابع، وهو: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لِم؟ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما ندري، وإذا النيران اشتعلت في ديارنا، ما يدرينا، ما يدريك وأن عدواً صب رصاصه وبلاءه علينا؟ ما ندري وأن وباء انتظمنا كلنا، ما ندري، عذاب الله مأمون؟ من عنده ضمانة لعام كامل ما يمرض؟ لو عرف هذا إخواننا ما انغمسوا في الملاذ والشهوات والأهواء والمزامير، ما عرفوا الله، آمنون. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، من يؤمنك؟ هذا الرقم أعظم.تعليل: لِم هم مشفقون من عذاب الله؟ لأن عذاب الله غير مأمون، ما هو فقط يوم القيامة، قد ما تصل إلى بيتك إلا وقد تمزقت، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، تعليل للرقم الخامس أو الرابع؟ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لماذا؟ لأن عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما يدري الإنسان ما يحل به غداً أو الآن بعد دقيقة، فلهذا هم دائماً خائفون من الله فلا يسبون ولا يشتمون، ولا يعيرون، ولا يسخرون، ولا يضحكون، ولا يأكلون أموال الناس.. ولا.. ولا، خائفون، وإن رأيت تقياً حقاً ذا علم، فاعلم أنه متأثر بهذه الأرقام الثمانية، علمها وطبقها ونفذها.
    حفظ الفروج مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، كما يحافظون على أموالهم وأعراضهم، وأبنائهم وأولادهم وأزواجهم، يحافظون على فروجهم، الفروج: جمع فرج، والمراد به القبل والدبر، وسمي فرجاً لانفراج ذاك المكان حين يخرج منه البول أو العذرة. اشتدي أزمة تنفرجي.إذاً: المراد بالفروج هنا: القبل والدبر، حافظون لفروجهم -والله- أكثر من حفاظهم على أموالهم وعلى أبدانهم، ومعنى الحفاظ على الفرج:أولاً: لا يكشف فرجه لأحد إلا إذا كان بين يدي طبيب ولا بد من كشف فرجه كعلاج الناسور، لا يكشف فرجه، يحافظ عليه أكثر من الذهب، لو تعطيه ما تعطيه ما يستطيع أن يخلع ثوبه أمامكم ويكشف عن سوأته؛ لأن كشف العورة وإبداءها صاحبها ما حافظ على فرجه أبداً، حتى الزوجة.يا ذا الزوجة من الخير أن لا تكشف عورتك لها، كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: ( ما رأيت من رسول الله ولا رأى مني )، مع أن هذا ليس بإثم، ولا ذنب فيه، لكن الآداب والكمال، وتحقيق هذا الرقم حتى زوجته ما يبدي فرجه أمامها، وإذا دخل المرحاض أو الحمام ما يتبجح يدخل ملتئماً ساتراً نفسه، وأحفظ من ذلك وأكثر: ألا يزني ولا يلوط.المقصود: أنه يعيش سبعين سنة، أو ثمانين وما عرف الزنا ولا اللواط أبداً، حافظ لفرجه من صباه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، صاحب هذه لن يكون لصاً ولا خبيثاً ولا مجرماً، وهو يقاوم شهوته وغريزته، ويعيش سنين عدداً ولا يقدم على أن يبدي فرجه أو يضيعه، لولا إيمانه يفعل هذا؟ هذا رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29] اللهم إلا: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30].الأزواج: جمع زوج، المرأة لها زوج، والرجل له زوج أيضاً، والآية عامة في الرجال والنساء: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30]، وهنا المرأة لا دخل لها؛ فالرجل إذا ملك جارية بيمينه أعطيها في جهاده، أو اشتراها بنقده، له أن يطأها رحمة بها، وشفقة عليها، أما المرأة إذا ملكت عبداً لا يصح أبداً أن تمكنه من نفسها، وتقول: هذا عبدي أنا أملكه، إياك أن يتسرب إليك هذا المعنى. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30] من الجواري لا من العبيد، أو يقول: هذا عبدي ألوط به!!اعلموا أن المراد من هذا: الجواري، وهي جمع جارية: المرأة التي أصبحت ملكاً لك؛ لأنك اشتريتها، أو أخذتها في قسمة الغنيمة يوم غزونا البلاد الفلانية. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، الله أكبر! هذا إعلان المولى تعالى: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، من يلومهم؟ يوجد عاقل يلومك على أنك نكحت امرأتك، كيف يكون هذا؟ تجد عاقل يلومك على أنك تسريت بجاريتك، لا يلومك الملائكة ولا البشر ولا رب العالمين، هذا من الله، وقد أخبر، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31]، ابتغى وطلب وراء ذلك المذكور، وهو: المرأة الزوجة والمملوكة فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المعارج:31] أي: المعتدون المجاوزون للحد المتعرضون للحدود وإقامتها عليهم، ولعذاب الله وسخطه: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31] المذكور من الزوجة والأمة: فَأُوْلَئِكَ البعداء هُمُ ما لهم؟ الْعَادُونَ [المعارج:31]، أكثر من المعتدين، العادي أكثر من المعتدي، المعتدي يحاول الاعتداء، والعادي انتهى، وصل إلى غايته وفرغ منها، عجيب هذا التعبير! ما قال: المعتدون (العادون). هكذا الرقم السادس.
    رعاية الأمانات الدنيوية مانع للإنسان من التفريط في الأمانة الأخروية
    قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، أصبحوا رعاة غنم أو إبل؟ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32].لو تشاهد راعي الغنم، وهو ينظر إلى العنيزات أو الشويهات طول النهار، ما يغمض عينيه ولا يفرط أبداً، فهؤلاء لأماناتهم التي ائتمنهم الله عليها، وهي دينه كله كما علمنا، ولما وضع بين أيديهم من أمانات استؤمنوا عليها، وكذلك عهودهم التي بينهم وبين الله، وبينهم وبين عباد الله، راعون، لا تفريط أبداً، هذا الرقم ذو شأن عظيم، أين البنسلين والأدوية للأجسام، هذا أعظم دواء. هذا السادس. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ [المعارج:32] جمع أمانة، ما درسنا الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ [النساء:58]، أمانات الله ما كلفنا به وأعاد به إلينا، وأمانات نؤتمن عليها بيننا، والعهود ما هي؟ أول عهد هو الذي بيننا وبين الله، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله إلا وقد أعطى عهداً وميثاقاً: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أعطى عهداً والتزم بأن يعبد الله ويطيع رسوله. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] لا يفرطون أبداً لا في ليل ولا في نهار، لا في حال الصحة ولا المرض، لا في الحضر ولا في السفر، راعٍ، فهمتم معنى الرعاة والراعي كيف أو لا؟ ما سمينا الراعي راعي إلا لأنه يرعى شويهاتنا، هؤلاء يرعون حدود الله والأمانات ما يضيعون ولا يفرطون أبداً.
    القيام بالشهادة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    الرقم السابع: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَتِهِمْ ) قراءة سبعية: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم ْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، في الرخاء، وهو ضد الغلاء، في الفقر في الغنى، في الصحة، في المرض، في أي موطن شهادته يقيمها هكذا، لا يميل هكذا ولا هكذا، ولا أمام ولا شمال، كلما شهد على شيء أو بشيء واستدعي إلى أن يشهد يقيمها، حتى إنه يشهد على نفسه أنه فعل، أو على أبيه أو أخيه لا يبالي، وهذا الموقف ليس بهين، ترى جماعات يشهدون لبعضهم البعض، وفي ناس موجودون متهيئون: إذا تريد شهادة أعطي له عشرة ريالات يشهد معك في المحكمة، أو ألف ريال! لأن هؤلاء هبطوا، سقطوا، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ [النحل:21]، علتهم: ما عرفوا الله ولا آمنوا به حق الإيمان، المؤمن والمؤمنة يؤدي الشهادة كما أمر الله أن يؤديها بلا حيف ولا ميل مهما كان المشهود له، أو المشهود عليه: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم ْ قَائِمُونَ [المعارج:33]. تذكرون أن يهودياً اتهم علياً في الدرع، ثم تحاكموا إلى القاضي شريح ، علي هو خليفة المسلمين، وشريح أحد قضاة الدولة الإسلامية، فاليهودي تقاضى عند شريح القاضي ، وادعى على علي بأخذ درعه، من آداب القاضي أنه يجلس الخصمين أمامه، وجهاً لوجه، وينظر إليهما معاً، ما ينظر إلى هذا وهذا لا، وحتى صوته إذا تكلم ما ينخفض مع هذا ويرتفع مع هذا العدل.إذاً: كيف تدعي أن الدرع لك؟ من يشهد لك يا علي ؟ قال: يشهد الحسن والحسين ؟فاليهودي انبهر! خليفة المسلمين يتقاضى ويطلب منه القاضي من يشهد؟ فيقول: ابني، فيقول: الابن لا يشهد للأب، اطلب شاهداً آخر، فلم يصبر ذاك اليهودي حتى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ورد الدرع لصاحبه.والشاهد عندنا: شهادة الابن -انتبهت؟- على أبيه، أو الأب على ابنه.وفي هذا أمثلة كثيرة، والمسلمون أهل الإيمان وتقوى الله عز وجل لهم مواقف في هذا، والشاهد عندنا في هذا الرقم الخطير: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم ْ قَائِمُونَ [المعارج:33].
    المحافظة على الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة
    الرقم الثامن والأخير: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، بدأ بالرقم الأول الصلاة، وختم بها بالرقم الثامن، وما بينهما ثمرة الصلاة وإقامتها، فالذي لا يؤدي الصلاة لا خير فيه بالمرة، ولا يستطيع استعمال رقم من أولئك، والذي يضيع الصلاة، ما يحافظ عليها، لا يؤديها في أوقاتها في بيوت الله مع المؤمنين، لا يخشع ولا يرتعد ولا يبكي، ويقع في المهاوي، ويسقط في المهالك، هل عرف الأبناء والإخوان هذه الوصفة الطبية؟ من الطبيب هذا؟هل في الإمكان استعمال هذه بدون طبيب؟ قل من ينجح. فلا بد إذاً من أن نجلس بين يدي المربين؛ حتى نتعلم ونعرف: كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ كيف وكيف.. أما أن نستعملها بعيداً عن إشراف طبيب قل من ينجح، وهنا انعدم الجهل أو لا؟ استعمال هذه الأرقام بالعلم. إذاً: انعدم الجهل، وإذا ذهب الجهل وحل العلم انفتح باب الانفراج.
    سبب نزول الآية
    إذاً: نعود إلى الآية الكريمة، يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يروى أن سبب نزول هذه الآية، وقد يكون كذلك، وقد يكون نزلت في المدينة، وليست في مكة، والرسول ذكرها استشهاداً بها. يقولون: لما فتح الله على رسوله والمؤمنين مكة في السنة الثامنة من هجرة ودخل ومعه اثني عشر ألف مقاتل من الأنصار والمهاجرين، واستسلم أبا سفيان الحاكم العام في مكة، واستقبل الرسول خارج مكة، وأعطاه وساماً لم تعرف الدنيا نظيره، ادخل أبا سفيان وأعلن: ( أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )، الله أكبر!إذاً: دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وإذا برجالات قريش قد تجمعوا في الحرم، وطأطئوا رءوسهم ينتظرون حكم رسول الله فيهم، وهم مستوجبون للقتل، وقف أمامهم، وقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم )، بينما الآن لما يستقل إقليم من أقاليم المسلمين يبحثون عمن كان يتعامل مع الاستعمار، ويذبحون يذبحون يذبحون.. لأنهم ما سمعوا ما قال الرسول: اذهبوا فأنتم الطلقاء؛ لأننا حكمنا وسدنا والآن نحق الحق ونبطل الباطل، وهرب مجموعة قالوا: لن نستطع أبداً أن نرى محمداً يعفو عنا أو يقتلنا، على رأسهم عكرمة بن أبي جهل ، مات أبو جهل ، فخلفه عكرمة في كل صفاته من الغش والمكر، وقال: ما أطيق أن أصافح الرسول وأبايعه هرب إلى جدة، وجد سفينة تريد أن تقلع فركب، وأبحرت، لما أبحرت السفينة، قال ربانها: يا معشر الركاب! الشحنة قوية، والسفينة عاجزة عن مواصلة السير، فماذا تريدون؟ إذاً: افزعوا إلى الله، لا ينجيكم إلا الله، يا الله.. يا الله.. قال عكرمة : أنا هربت من هذه الكلمة، ما نريد نسمعها، فما دام لا بد من أن ندعو الله وحده، الآن نرجع إلى محمد، والله ترجع بنا إلى الشاطئ، فرجع الربان بالسفينة وهبط، وظل يجري حتى احتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل يده. نحن هربنا من التوحيد أو لا؟ يلحقنا حتى بالبحر؟ إذاً: نعود أحسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة ليصلي فيها النافلة، طلب المفتاح من عثمان بن طلحة الحجبي، فأعطاه المفاتح ففتح البيت وصلى ركعتين، ووجد فيها صوراً، قال: أزيلوها، وما خرج حتى أزيلت، صور لإبراهيم وإسماعيل. فـالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، طمع. قال: أعطني المفتاح؛ ليكون من أهل السدانة كما هو من أهل السقاية، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، منهم من يقول: نزلت عليه، ومن يقول: لا، تلاها استشهاداً بها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فرد المفتاح لـعثمان بن طلحة الحجبي ، الحِجبي والحُجبي يعني: حاجب البيت، هكذا قيل في سبب نزول الآية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.معاشر المستمعين! عرفنا الأرقام الثمانية، نعمل بها ونطبقها ونستشير الأطباء، أي: العالمين من الفقهاء؛ حتى نؤديها كما هي، وحينئذٍ فنحن آمنون من الجهل، من الكفر، من الظلم، من الطغيان، من الهلع، وأصبحنا أصحاء والحمد لله.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #256
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (31)
    الحلقة (255)

    تفسير سورة النساء (37)


    في كل وقت وحين يحصل الافتراق، ويقع الخلاف، وقد أمر الله عز وجل عباده إذا نشب بينهم الخلاف أن يكون مردهم والحكم الفصل بينهم هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أمر الله عز وجل به يطاع، وما وجه به النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل، وتترك أفكار الناس واجتهادات البشر جانباً؛ لأنهم قاصرون، يحصل منهم الخطأ كما يحصل منهم الصواب وما من أحد منهم معصوم.
    تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فالحمد لله على هذا الإفضال والإنعام.وأخرى يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه، كان كالمجاهد في سبيل الله ).وثالثة: الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم؛ حتى نصلي العشاء ونخرج من المسجد، ماذا نبغي بعد هذا؟!والوقت ليس بمانع لنا من طلب عيشنا والحصول على أقواتنا، كل البشر كفاراً ومؤمنون إذا دقت الساعة السادسة تفرقوا للهو والباطل وتركوا العمل، ونحن لم لا نتفرغ لذكر الله، لطلب الهدى، للتزلف إلى الله، لذكره وتلاوة كتابه؟ وا أسفاه.. وا أسفاه.. أين ذهبت أمة رسول الله؟ صرفوها عن بيوت الله؛ لتجهل، فتضل فتفسق وتفجر وتحرم سعادة الدنيا وكمالها.بالأمس تلونا آيتين ودرسنا الأولى منهما، فإليكم إعادة التلاوة، وأذكركم فيما بعد بما فهمناه من الآية الأولى ونتدارس الآية الثانية إن شاء الله.يقول تعالى ونحن في سورة النساء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].بالأمس خرجنا مطمئنين على أننا من أهل الأمانات، والذين كان فيهم مرض وضعف وصفنا لهم تلك الوصفة الربانية ذات الأرقام الثمانية، وهم يعملون بها ويعالجون ما أصابهم من ضعف على ضوئها، وأصبحنا تضع عند أحدنا مليار دولار، والله لا يخونك في ريال واحد، أودعه ما شئت وقل له: احفظ هذا أمانة عندك، يحفظ ذلك ولو يموت دونه؛ لأننا عرفنا الأمانة التي أمر الله تعالى بحفظها وأدائها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، يا عباده.. يا أولياؤه! أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].
    وجوب العدل في الحكم وعدم الحيف فيه
    يقول الله تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].معشر الإخوان، معشر المؤمنين والمؤمنات! ليس شرطاً أن تكون قاضياً فتعدل أو حاكماً، كلنا مأمور أن يعدل:أولاً: بين نسائه. ثانياً: بين أولاده. ثالثاً: في صحبته. رابعاً: أن يعدل وأن يكون عدلاً في كلامه إذا تكلم، فلا يجر ولا يحيف. أن يعدل في طعامه وشرابه، فلا يسرف حتى يثخن فيهلك، ولا يقلل ويجف حتى ييبس ويعجل. في إنفاقه على أهله يجب أن يعدل، يجب أن يعدل في مشيه ما يتماوت ولا يجري ويسرع؛ يعتدل، العدل مأمور به، والعدل خلاف الجور والظلم، حاجة بين شيئين اعتدلت، مالت انحرفت، العدل في القول والفعل والقضاء والحكم كل من أسند إليه أمر ليحكم فيه يجب أن يعدل؛ لأن الله أمر به أو لا؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، سواء كنت أميراً أو كنت قاضياً أو مسئولاً، أو كنت في بيتك أو كنت في سوقك، أو كنت حيث ما كنت، إذا أسند إليك القضاء في قضية فاعدل، ولا تخش إلا الله.والذين لا يعدلون يا ويلهم؛ لأنهم عصوا الله عز وجل، ما أطاعوه في ما أمر وفرض.إن الله نعما وعظنا به، إذا أمرنا بأداء الأمانات بيننا؛ ليسود الإخاء والمودة والولاء، وأمرنا بالعدل بيننا؛ حتى لا يبقى ظلم ولا جور ولا حيف، وبذلك تصبح أمة كأننا كواكب في السماء، فقط لو أطعنا الله في هذا الحكم لسدنا، لا إله إلا الله، يا شيخ! بلايين المسلمين ما درسوا هذا الآية، ولا سمعوا بها، كيف نعدل؟ وكيف نعرف؟ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، أي: يأمركم به العدل وأداء الأمانة، عليهما تستقيم المجتمعات البشرية، فإذا خينت الأمانة وعبث بها، وجير في الحكم والعدل هبطت الأمة، تصبح كالكلاب، يأكل بعضها بعضاً؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا [النساء:58]، لأقولكم، بَصِيرًا [النساء:58]، بأحوالكم، والظاهر كالباطن، فراقبوا الله عز وجل. والآية بعد هذه اسمعوا هذا النداء الإلهي.
    نداءات الرحمن في كتابه وشفاؤها للأبدان
    كم نداءات الرحمن في القرآن؟ تسعون نداءً، المفروض أن كل مؤمن ومؤمنة يعرف هذه النداءات، وقد درسناها نداءً بعد نداء، ووزعت منها الألوف، وطالبنا بترجمتها، وقلنا: المفروض كل فندق، كل نزل، في كل سرير موضوع نداءات الرحمن، قبل أن ينام الضيف أو النازل، يسمع نداء من نداءات ربه، الله أكبر! ربك تسمع نداه؟ إي والله، كيف يتم هذا؟ إي نعم، تسمع نداء ربك إليك.ومع هذا فما زلنا كما كنا، نداءات الرحمن، تسعون نداء في الإيمان، في العبادة، في السياسية، في العسكر، في الجهاد، في كل متطلبات الحياة، حتى الوضوء، و(75%) بها جاهلون؛ لا يعرفون أن لله نداءات، وأنه ناداهم، وقد عرفنا أنه من رحمته بنا، ولطفه وإحسانه إلينا، ما ينادينا إلا ليعلمنا ما نحن به جاهلون، أو ليأمرنا بما يسعدنا، أو لينهانا عما يلوث حياتنا ويسقط بنا إلى السفول والنزول، أو ينادينا ليبشرنا فتنشرح صدورنا، وتطمئن قلوبنا، ونواصل سيرنا في طريق السلام، أو ليحذرنا حتى نرهب ونخاف من الوقوع في الشر والفتن والبلاء، ما نادانا لهواً ولا لعباً، حاشاه جل جلاله وعظم سلطانه.تسعون نداءً، كل مؤمن يحفظ تلك النداءات، ويفهم معناها، ويعمل بها يصبح سيد الناس ولا فخر، لا يحتاج إلى كلية ولا جامعة، فقط يحفظ النداءات ويفهم معناها ويطبقها، ليصبح أعلمنا، وأعبدنا، وأصلحنا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، قولوا: لبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير بيديك، والشر ليس إليك، أو ما تشعرون أنكم منادون؟ من قال: أنا لا.. اجعل برنيطة على رأسك وامش إلى أوروبا؛ ما تنادى ولا أنت أهل لهذا. لكن نادى المؤمنين، يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وآمنتم بلقاء الله، والجزاء في الدار الأخرى، أنتم الأحياء بإيمانكم، ينادكم ربكم ليأمركم أو ينهاكم، أو يبشركم أو ينذركم، أو يعلمكم ما أنتم به جاهلون، الحمد لله، قولوا الحمد لله، والله الحمد لله ما نحن ومن نحن حتى ينادينا ربنا؟ الله أكبر.وسر ذلك أننا مؤمنون، المؤمن حي، يسمع، يبصر، يتذوق، ينطق، يأخذ ويعطي، يمشي ويقعد، لإيمانه الذي هو قوة حياته، الكافر ينادى؟ يسمع؟ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، هكذا يقول الله لرسوله، أولاً: يؤمن الشخص، فإذا آمن حيي، فإذا حي مره يفعل، انهه يترك، بشره يستبشر، حذره يحذر، لكمال حياته.فلهذا عرفنا والحمد لله: أن الروح هي الإيمان، آمن عبد الله أو أمة الله حيي أو حيت، كفر مات وماتت، ضعف إيمانه ما استقر ولا لاحت أنواره؛ لجهله وبعده عن كتاب الله، فهو مريض تمام المرض، يفعل الواجب ويترك آخر، يترك معصية ويرتكب أخرى لأنه مريض، يسمعك الآن وغداً ما يسمعك، فإن نقل إلى مستشفى رباني وعالج شفي بإذن الله، وإن ترك هكذا في أسقامه أوجاعه يفنى ويهلك وأمره إلى الله، هل هناك مشافي للعلاج؟ آه! مشافي، مستشفيات، تنفق عليها الملايين، بل المليارات لعلاج الشعب في أبدانه، وهل من مشافي لعلاج الأراواح؟ يا شيخ! نحن ما نعرف الروح تمرض أو لا تمرض، ما سمعنا بهذا، نحن فقط نعلم أن العلاج لشفاء الأبدان، أيهما يا مشعر البصراء أما العميان لا وجود له ولا قيمة له، أيهما أعز الروح أو البدن؟ الروح، لولا الروح ما قيمة البدن؟ لما تخرج تتركه كالخشبة، كذا أو لا؟ إذا مرض البدن ومرضت الروح أيهما تستعجل؟ الروح أولاً.إذاً: ومشافي الأرواح: هي اجتماع المؤمنين والمؤمنات في بيوت الله لتلقي الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس وتطهيرها، وقد امتن الله بهذا على أسلافنا، أما نحن فقد أعرضنا، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].المستشفى الروحي بيوت الله، إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، وغسلنا أيدينا، وتوضأنا وأتينا بنسائنا وأطفالنا إلى بيت ربنا في قريتنا أو في حينا، نصلي المغرب كما صلينا، ونجتمع كاجتماعنا، النساء وراءنا دون ستارة، والأطفال صفوفاً منظمين بين أيدينا، والفحول كما أنتم، والعالم والرباني الذي يعلمنا الكتاب والحكمة، ويعمل على تزكية نفوسنا وتطهيرها، نجلس بين يديه، ندرس ماذا؟ الفلسفة والمنطق؟ النحو والفقه؟ لا، فقط ندرس كتاب الله، وسنة رسوله المبينة المفسرة لكتاب الله، ليلة آية، وأخرى حديثاً، وطول العام، بل وطول الحياة.هذا نظام حياتنا بالنور خط وبالذهب، هذا حال أمة تريد أن تسود وتسمو وتعلو.عرف هذا الثالوث الأسود، المكون من المجوس واليهود والنصارى، فأبعدوا الأمة عن هذا المستشفى؛ لتبقى مريضة تتخبط يركبون على ظهورها ويسوقنها إلى جهنم. أحلف لكم بالله أو ما تشكون؟ لا تفهموا أن شيخاً مقبل على الله يكذب عليكم وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يتكلم عن جهل.لو نقبل في صدق فقط أربعين يوماً، ما إن يؤذن المغرب والدنيا وقفت، وكل المسلمين في بيوت ربهم، يتعلمون الكتاب والحكمة لا مذهبية ولا حزبية ولا عنصريات.. قال الله قال رسوله، مسلم مسلمون، في أربعين يوماً يتغير تاريخ الدنيا، ما صنعنا هيدروجين ولا ذرة ولا ولا.. فقط أقبلنا على الله في صدق، وأخذنا نتلقى الكتاب والحكمة.. أربعين يوماً لم يبق فاجر ولا فاجرة، لا ظالم ولا ظالمة، لا بخيل ولا بخيلة ولا ولا.. كالملائكة على نحو ما كان عليه أصحاب رسول الله وأولادهم وأولاد أولادهم من أحفادهم.ما لنا لا نقبل على هذا الخير؟ ما بلغنا هذا يا شيخ، ما سمعنا به، أما نحن فمنذ سنة ونحن نصرخ.والآن وضعت رسالة في هذا الباب، فإذا يسر الله طبعها بعشرات الآلاف تقيم الحجة لله على كل عباده، الحكام والعلماء والأميين.
    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ...)
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ [النساء:59].
    الأمر بطاعة الله فيما أمر
    في ماذا؟ أجيبوا؟ فيما يأمركم بفعله، وفيما ينهاكم عن فعله، في غير هذا؟ إذا أمر أن تقول قل، أمر أن تترك اترك، أمر أن تفعل افعل، وهكذا.. ولكن هل يمكنك أن تعرف أوامر الله ونواهيه وأنت جاهل معرض عن كتاب الله وسنة الرسول؟مستحيل، إذا لم تتعلم وأنت في بيتك، في حجر أمك وأبيك الحرام والحلال، والواجب وغير الواجب وأنت طفل في البيت، ثم بعد ذلك تجلس في مجالس العلم وتتعلم، أما أن يعيش أطفالنا في الشوارع يلعبون، وفتحنا لهم فتنة الدش، والأوراق والعبث، ويتعلمون السخرية والاستهزاء والكذب، وبعد ذلك يصبحون ربانيين، هذا من باب المستحيل، كيف تطيع الله وأنت ما عرفت ما أمرك به؟ وإذا عرفت أنه أمرك بالصلاة، هل عرفت كيف تصلي؟ لا بد من معرفة الكيفية، وإلا ما تنتج الصلاة النتاج الطيب لزكاة النفس. الشاهد من هذا: أننا مأمورون بطاعة الله في ما أمرنا به من الاعتقاد والقول والعمل والصفة، وفي ما نهانا عنه من قول فاسد، عقيدة باطلة، سلوك منحرف، صفة خبيثة، يجب أن نعرف هذا وأن نعلمه، وإن قلت: يا شيخ! هذا أمر صعب وكذا.. أيهما أصعب: أن تخترق السماوات السبع وتنزل دار السلام في مواكب النبيين والصديقين والصالحين، أو تلتزم بهذه الآداب؟ أيهما أصعب؟كل عاقل أو مجنون، يقول: هذه أسهل بكثير، كوني فقط ألتزم بتعاليم الله فقط مدة من الزمان وأموت، أسهل مليون مرة، كيف نخترق السبع السماوات وننزل بالجنة دار الأبرار؟ ثم الذين يطالبون بالأمن والرخاء والإخاء والمودة والمحبة و.. و.. و.. بدون أن يعرفوا أوامر الله ونواهيه، بدون أن يفعلوا ويطبقوا، والله ما تم له أمن ولا رخاء ولا مودة ولا تلاقي ولا حب، مستحيل، بل تظهر فيهم مظاهر.الآن بلديات عدة في فرنسا أباحت عقد النكاح على الذكور، يأتي الذكر وبيده آخر يقول له: اعقد لنا عقد نكاح، يصبح زوجته، أين الترقي؟ وأين الفوز؟ وأين وأين..؟ آه! ما سبب ذلك؟ ما عرفوا الله ولا الطريق الموصل إليه، جهل بعد جهل، وكفر بعد كفر.
    وجوب طاعة الله ورسوله وأمراء المسلمين
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، (الرَّسُولَ): (أل) هنا للعهد والتفخيم والتعظيم، محمد صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول كطاعة الله إذا أمرك افعل، وإذا نهاك اترك فقط، ومن قال: نكتفي بطاعة الله عز وجل كذا أو لا؟ نكتفي بطاعة الله.. طاعة الله مجملة، ولهذا بعث رسوله؛ ليبينها، أمر الله بإقام الصلاة أو لا؟ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، الذي ما يأخذ عن رسول الله كيف يصلي؟ يطأطئ رأسه؟ يحرك رجله؟ كيف يصلي؟ إذاً: لا بد من رسول يبين كيف تصلي؟ الركوع والسجود والجلوس والقراءة والتسبيح؛ حتى تعرف، فلهذا الذين يسمون: بالقرآنيين، أشبه بالملاحدة، وأشبه من الثالوث، في إفساد أمة الإسلام، هؤلاء، أدنى مؤمن منها يضرب على وجوههم، القرآن فقط، السنة لا، قالوا: فيها زيادة وضعف، وقوة وكذا.. السنة نتركها.إذاً: علمونا كيف نصوم؟ علمونا كيف نحج؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، كيف نحج؟ علمونا كيف نقسم تركاتنا؟ ماذا يقولون؟ إذاً: لابد من رسول الله أو لا؟والآية نص قطعي الدلالة صريح: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، ما قال: أطيعوا الله والرسول، هنا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، أي: فيما يأمركم أمراً جازماً، وفيما ينهاكم عنه نهياً تحريماً؛ إذ فيه مناهي وأوامر آداب، فضائل، مستحبات. وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وأطيعوا أولي الأمر منكم، ما كرر وأطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله والرسول، والذي يوضح هذا السنة النبوية، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله؛ إذ قال: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني )، من أطاع أميري الذي أمرته عليكم فقد أطاعني، ومن عصى أميري الذي أمرته عليكم ليقودكم فقد عصاني، هذا الحديث فيصل كامل في القضية، من هم أولي الأمر؟ منا. لا من اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركون ولا ولا.. (مِنْكُمْ) أيها المؤمنون، عقيدة التوحيد، الإيمان بالله وبما أمر الله أن نؤمن به، وفق ما بين الله وبين رسوله، العبادات يؤدونها كما أداها رسول الله وبينها، فكلمة: (مِنْكُمْ)، لطيفة هذه من ألطف ما يكون، يجوز أن نولي بريطاني علينا؟ فرنسي؟ أسباني؟ الجواب: لا بد وأن يكون مؤمناً، تقياً، عالماً أيضاً.
    صفات أولي الأمر وأعمالهم بين الأمة
    من هم أولو الأمر، أي: أصحاب الأمر؟أولاً: الحكام.ثانياً: العلماء.ثالثاً: أهل الحل والعقد فينا.هؤلاء هم أولو الأمر:الحكام: ينبغي أن يكونوا عالمين، عارفين، بمحاب الله ومساخطه، عالمين بالأحكام التي يصدرونها، عادلين في تطبيقها وإنفاذها.العلما : لا بد وأن يكونون فقهاء، بصراء بالكتاب والسنة.أهل الحل والعقد: وهم العارفون بشئون هذه الدنيا، كقادة الأجناد، وكالمسئولين عن متاع الأمة وأموالها، أهل الخبرة والبصيرة فيها.ومن هنا: إذا أمر الله أو أمر رسوله أو أمر أولو الأمر يجب الطاعة.مثال بسيط: لما كانت السيارات تزدحم في الطرقات، وما كنا رشداء صابرين من أولي الحلم والبصيرة كل واحد لن يجوز، والطرق تقابلت، فرأى أولو الحل والعقد: أنه لا بد من نورين أحمر يؤذن بالوقوف، وأخضر يأذن بالمشي، هل هذا موجود في كتاب الله أو في سنة رسول الله؟ الجواب: لا، هذا أهل الحل والعقد من أولي الأمر درسوا القضية بين أيديهم وتشاوروا فيها، وانتهوا إلى هذه الحقيقة، لو تركنا الأمة تمشي كما تريد لحطم بعضها بعضاً، ولكن نبحث عن سبيل أو وسيلة تحقن هذه الدماء، وتوقف هذا التيار الفاسد، فقالوا: إذاً علامة حمراء قف، علامة خضراء سر.هل يجوز لك يا عبد الله أن تخترق العلامة الحمراء؟ما يجوز، لكن الذين ما يعرفون الجواز والمناع، فقط خائفون من العسكري، ما هم خائفين من الله، ما عرفوا: (وَأُوْلِي الأَمْرِ)، خائفين من العسكري، إذا ما رأى عسكري يمشي، ولو يصطدم، هذا مثال فقط؛ لأن الحياة ذات أفنان متعددة، وليست كلها موجودة بالنص في القرآن والسنة، فأهل الحل والعقد من أولي الأمر إذا حدثت حادثة يعرضونها على الكتاب والسنة.ومن هنا لنذكر أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس هذه الأربع، إلا أن القياس لا بد وأن يكون قياساً مقبولاً، تلوح فيه أنوار الكتاب والسنة، ما هو كل من يريد يقيس يقيس.. حتى يهبطوا بالشريعة ويمزقونها، عند الحاجة الضرورية حدثت حادثة ما وجدنا نصها لا في الكتاب ولا السنة، يجتمع العلماء الفقهاء البصراء، وينظرون، هل تحدث ضرراً؟ قالوا: نعم، حرم الله الضرر أو لا؟ لا ضرر ولا ضرار. إذاً: ما دامت تأتي الضرر امنعوها، قياساً على ما حرم الله من محدثات الضرر، وهذا الموضوع لأهل العلم.الإجماع كذلك، إذا أجمعت الأمة لا تجتمع على ضلالة أبداً، ولكن تحدث ظروف، اجتمعت الأمة في القرن العاشر على كذا من الأمور التي ليست في الكتاب ولا السنة، استنبطت فقط من نور الكتاب والسنة، ثم جاءت ظروف وتغير ذلك الضرر وأصبح نفعاً، هل يمكن أن ينقض الإجماع الأول؟ ينقض بإجماع آخر.الذي لا يقبل هو أن يقول قوم ويقول آخرون، أن يجتمع أهل المشرق ويترك أهل المغرب، إذا اجتمعت الأمة في يوم من الأيام على شيء، اعلموا أنه حق وواجب ومشروع، حلال، جائز؛ لأنها لا يمكن أن تجتمع على ضلالة؛ لأنهم يؤمنون بالله ولقائه ويخافون وعد الله ويرجون وعيده، يخافون وعيد الله ويرجون وعده.إذاً: الكتاب أولاً. السنة ثانياً. الإجماع ثالثاً. القياس الذي ارتضاه عمر وأصحاب رسول الله؛ لأن الأقيسة اختلفوا فيها وتسابق فيها العلماء، وأرادوا أن يحلوا كل حرام، القياس بتحفظ، ولا بد أن يكون أولي الأمر الصلحاء، وأن يكون العلماء ربانيين، وأن يكون أولي الحل والعقد صالحين، وأن تكون الأمة مقبلة على ربها، راضية بحكم القضاء فيها، ترجوه وترجوا الدار الآخرة، لا بد من مجتمع رباني، لكن هذا الأصول التي وضعها الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].يقول ابن مسعود تفسيراً لآية: وأطيعوا وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .فلا تقل: ما قال الله وأطيعوا، إذاً: ما تطيعوهم، إذاً: هذا تفسير ما هي قراءة كما يقولون.
    وجوب رد النزاع إلى الله ورسوله
    قال الله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، صغر أم كبر من أمور الدين أو الدنيا، تنازعتم كل يريد أن ينزعه من الآخر، تعرفون النزاع أو لا؟ بينهم شيء كل واحد ينتزعه من يد الثاني. تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، من أمور دينكم، من أمور دنياكم، فَرُدُّوهُ [النساء:59]، ذاك المتنازع فيه، ردوه إلى الله، أي: إلى كتابه، وإلى رسوله، أي: سنته، فمن قال: لا. فهو كافر ما هو بمؤمن، قال: ما نعترف بالكتاب ولا بالرسول، ننقل القضية للأمم المتحدة، لمجلس الأمن، وأنتم تشاهدون، نحن نبكي قضايا تحدث بين العرب والمسلمين يرفعونها إلى أيدي الكفار، موت هذه أو حياة؟ موت، ما السبب؟ الأمة ميتة فمات حكامها معها، لو حييت الأمة والله لحيي حكامها، كل مرض تشاهده في حاكم هو استقاه وحصل له من الأمة الميتة، أوما تتذوقون هذا؟ لو أن أميراً في قرية وأهل القرية على أتم الاستقامة، الصدق، الطهر، الوفاء، السلام، الرحمة، يبقى ذاك الأمير يلعب ويعبث؟ والله ما يبقى، ما يستطيع، وإذا شككت في هذا فرسول الله يقول: ( كيف ما تكونوا يولى عليكم )، فهل حكام المسلمين جاءوا من بريطانيا أو من أسبانيا؟ جاءوا من نفس الأمة ونفس الشعب الهابط المتآكل الضال الجاهل، ماذا ترجوا منهم؟ أمة جاهلة والحاكم يكون عالماً، مالك بن أنس أو الشافعي ؟ مستحيل هذا.إذاً: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء:59]، سواء شعب مع آخر، إقليم مع إقليم، دولة مع دولة، واحد مع واحد، نرد ذلك إلى الله والرسول، لو أخذنا بهذا المبدأ، انتهى الخلاف، ما بقي بيننا خلاف أبداً، لكنا معرضون وما فينا من يعرف أيضاً الله ولا الرسول حتى نرد إليه، أين هم؟ تجد المدينة ما فيها عالم ولا بصير، لكن هو هذا نظام الله للناس أو لا؟ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أين الله؟ كتابه، أين الرسول؟ سنته، والرسول لو كان حياً، كلما نختلف في أسبانيا أو في المغرب نأتي إليه هنا؟ ما هو شرط، نطبق سنته وأحكامه، حياً أو ميتاً، أليس كذلك؟ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أي: فما حكم به الله والرسول هو الخير، هو المعروف، وما حكم به بما لا تريدون هو الخير، لكن إذا لم نطرحه بين يدي الله والرسول وحكمنا فيه العقول، وحكمنا فيه الأهواء والشهوات والعنصريات والمذهبيات، كيف تكون الحال؟
    تعليق التحاكم إلى الله ورسوله بالإيمان
    الله يقول: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، هذه الجملة الذهبية، إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ [النساء:59]؛ فإن قلنا: ما نرد إلى الله والرسول، معناه: ما آمنا بالله ولا باليوم الآخر.يقع الخلاف بين المسلمين في ديارهم فيرفعون القضايا إلى الأمم المتحدة، إلى هيئة، إلى مجلس الأمن، وأخيراً رفعت قضية عندنا إلى إيطاليا إلى القسس، لا إله إلا الله، لا تلومونا يا إخواننا فقد هبطنا من ألف سنة، كنا في علياء السماء فهبطنا، فنحن كالبهائم على سطح الأرض إلا من رحم الله، اختلف اثنان هنا في المسجد في سنة أو فريضة يجب أن يرجع إلى الله، تعال نمشي إلى العالم، يا عالم هذا يجوز أو لا يجوز؟ ما هو السنة، وما هي البدعة؟ ويرجعان متحابين متواليين، مطمئنين، ما دام قال الله قال الرسول قبلنا، إن سقطت غداً في عالم آخر، كذلك الحمد لله قبلنا لو مائة مرة؛ لأنا نجري وراء طاعة الله والرسول، متى نقبل هذا؟ لما نربى ونحن في حجور أمهاتنا على حب الله ورسوله وطاعتهما، وكل آمالنا في الملكوت الأعلى. إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ [النساء:59]، بالله رباً وإلهاً حكيماً عليماً، ولقائه في اليوم الآخر، حيث الحساب والجزاء، إما خلد في دار النعيم، أو آخر في دار الشقاء، الذي يؤمن بالله واليوم الآخرة ما يستمر على جريمة، ولا يقر معصية أبداً، وإن شئت حلفت لك بالله: والله ما يقيم عليها، نعم ليس بمعصوم؛ وقع، فجر، كذب، خان، كذا.. لكن سرعان ما يبكي ويرجع إلى الله، والذي لا يؤمن بالله ولا بلقائه يخاف فقط من الكرباج، كرباج العسكري أو الرصاصة، فإذا خلا وحده وأمن يفعل ما يشاء كالحيوانات، ولا لوم عليه لأنه ميت. إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، ما اليوم الآخرة؟ ذاك الذي يوم لا يوم بعده، انتهت الأيام وما بقي إلا البقاء بين يدي الرحمن بلا نهاية.ويختم تعالى هذا الأمر بقوله: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، والتأويل: ما يئول إليه الشيء، أي: العاقبة من قال هذا الكلام؟ الله أو لا؟ أليس حيكماً عليماً؟ أليس رحيماً خبيراً؟ قرر ماذا؟ إن نحن إذا اختلفنا في شيء، في البيت، في السوق، في المسجد، في أي مكان، نرده إلى الله والرسول ليحكما فيه، هذا يقول تعالى عنه: (خَيْرٌ)، من جهة خير، (وَأَحْسَنُ) عاقبة، فإن لم نرد إلى الله والرسول، ونرد إلى الجهلة والظلمة أو الكفار. إذاً: ذلك يكون شراً وأسوأ عاقبة والعياذ بالله، وهذا الذي حصل، وهذا الذي يوجد.متى نعود إلى الله يا عباد الله؟ عندما نجتمع في بيوت الله في صدق نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونطهر أرواحنا وآمالنا في الملكوت الأعلى، يومها أيما خلاف يقع في القرية في السوق في أي مكان إلى الله والرسول العلماء أهل الكتاب والسنة.والله تعالى أسأل أن يتوب على هذه الأمة، وأن يرجع بها إلى الصواب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #257
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (32)
    الحلقة (256)

    تفسير سورة النساء (38)


    أمر الله عز وجل ولاة الأمور ممن تولى على المؤمنين أن يحفظوا حقوق رعيتهم، وأن يحكموا بينهم بالعدل، وفي مقابل ذلك أمر الرعية أن يلتزموا بطاعة ولي الأمر فيما هو معروف للشرع، أما ما كان غير ذلك فلا طاعة إلا لله، وإن حصل النزاع والاختلاف في شيء من أمور المسلمين فيرد حكمه لكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخطاب يشمل الراعي والرعية على حد سواء.
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).فاللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء، ومع الآيتين الكريمتين اللتين تدارسناهما ليلتين وهذه الثالثة، وما وفيناهما حقهما ولن نستطيع ذلك، وإنما نأخذ بقدر ما وهب لنا وأعطيناه، هيا أتلو عليكم الآيتين، وأنتم ترددون التلاوة في نفوسكم أولاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].هيا مع شرح الآيات في كتاب: أسير التفاسير؛ لنزداد يقيناً ونزداد علماً أيضاً.
    معنى الآيات
    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ روي أن الآية الأولى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ [النساء:58]، نزلت في شأن عثمان بن طلحة الحجبي ].وبيان ذلك قال: [ حيث كان مفتاح الكعبة عنده بوصفه سادناً -أي: قيماً على البيت، البيت الحرام- فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه صبيحة يوم الفتح ]، أي: يوم فتح هذا؟ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، أي: فتح مكة، فقد كان يديرها المشركون..مغلقة على المؤمنين، متى فتحها الله؟ في السنة الثامنة من الهجرة (صبيحة)، لما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح من عثمان أعطاه إياه.قال: [ فصلى في البيت ركعتين -وشاهد صوراً وتماثيل داخل البيت صورها العرب فأمر بإنزالها وإبعادها وخرج، فقال العباس رضي الله عنه -عمه- أعطنيه يا رسول الله].أي: أعطني المفتاح لأضمه إلي فأصبح سادناً وساقياً، السقاية له، ويريد أن يضيف إليها السدانة.[ليجمع بين السقاية والسدانة، فانزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها ]، وهما الآيتان اللتان ندرس.وقد يقال: الآيتان نزلتا في المدينة، لأن سورة النساء مدينة، ولا مانع أن تنزل الآية والآيتان في مكة، وبعد عام عامين، ويقول جبريل ضعها: يا رسول الله في المكان الفلاني، بين الآية والآية. وجائز أن يقرأها الرسول استشهاداً بها واستدلالاً، فيفهم الناس أنها نزلت الآن، والكل صالح وحسن.قال: [ فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية على الناس -قرأ عليهم ليسمعوها- ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه المفتاح ]، أما هذا الجزء فهو حق ناداه وأعطاه المفتاح.قال: [ غير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ].إن كانت الآية نزلت في هذه الحادثة، فالله فرض على هذه الأمة أن تؤدي الأمانات طول الحياة، وعلى أن من حكم منهم أن يعدل في حكمه.(العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، اللفظ عام أو لا؟ اسمع! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، يدخل فيه هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة، أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:58]، يأمركم أيضاً: أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، لأنه العدل، وأداء الأمانة، والحياة قائمة على هذين: العدل والأمانة، نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58].قال: [ غير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولذا فالآية في كل أمانة، فعلى كل مؤتمن على شيء أن يحفظه ويرعاه؛ حتى يؤديه إلى صاحبه، والآية تتناول حكام المسلمين أولاً بقرينة: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، العدل: الذي هو القسط، وضد الجور ومعناه: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من أفراد الرعايا.وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، يريد أن أمره تعالى أمة الإسلام حكاماً ومحكومين أمره إياهم بأداء الأمانات والحكم بالعدل هو شيء حسن، وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو النهوض بأداء الأمانات والحكم بالعدل ].تذكرون أن العبادات أنها كلها أمانة عندنا، حتى قلم الأظافر.قال: [ وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، فيه الحث على المأمور به -وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل- بإيجاد ملكة مراقبة الله تعالى في النفس ].فالذي يوجد الله له هذه الملكة، ويصبح يراقب الله في كل حركاته وسكناته؛ قل ما تزل قدمه أو يسقط، إذا علمت أن الله عز وجل كان وما زال سميعاً لأي قول.. لأي صوت، حتى أصوات النمل وكلمها، سميع وبصير بكل دقيقة وجليلة، ما تعجز حتى الآلات عن تصوره أو فهمه أو إدراكه فالله عليم به؛ فإذا وجدت هذه الملكة في النفس، وأصبح عبد الله أو أمة الله يعيش مع الله، يراقب الله في كل شيء لعلمه اليقيني أنه يسمع ما يقول ويبصر ما يفعل، أمكنه أن يستقيم على منهج الحق، يبدأ بأمانات الله أولاً، ثم أمانات عباده، ثم العدل في كل حياته حتى في أكله وشربه كما بينا هذا.قال: [ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، فيه -أي: في هذا الجملة من كلام الله تعالى- الحث على المأمور به ]، وهو الحكم بالعدل وأداء الأمانة.قال: [ بسبب إيجاد ملكة مراقبة الله تعالى في النفس؛ فإن من ذكر بقلبه أن الله تعالى يسمع أقواله، ويبصر أعماله، استقام في قوله فلم يكذب، وفي عمله فلم يفرط، هذا ما دلت عليه الآية الأولى.أما الآية الثانية: فإن الله تعالى لما أمر ولاة أمور المسلمين] قلنا: الإمام ورجاله والقضاة، وكل من له مسئولية يقوم بها، هو ولي أمر [أمرهم بأداء الأمانات التي هي حقوق الرعية، وبالحكم بينهم بالعدل، أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولاً، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانياً ]، إذا كان الأمير يأمر وما يطاع ما فائدة وجوده؟ وإذا لم يطع الأمير من يطع الأب أو الأم؟ الفوضى والخراب والدمار.
    منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام
    سأل بعض الإخوان بالأمس، قال: كيف نطيع الحكام وهم ما يحكمون الشريعة الإسلامية؟ نقول: أطعهم حيث أمرك الله ورسوله أن تطيعهم، فيم تطيعهم؟ فيما هو معروف، جائز، مشروع، أما أن تطيعهم تلبس برنيطة؟ لا. أن تعلق صليباً في عنقك؟ لا. أن تصنع الخمر في بيتك وتسقيها زوجك وأولادك؟ لا. وهل هم أمروا بذلك؟ والله ما كان، نحن الأتباع المحكوم فيهم، أضعنا ديننا بأنفسنا، ثم أصبحنا نلقي بالتبعة على الحاكم. اسأل: من موريتانيا إلى إندونيسيا: هل هناك حاكم شرع قانوناً بأن لا صلاة بعد اليوم؟ سمعتم هذا؟ أو صدر قانون أن من يعلم أنه يخرج زكاة ماله يسجن سبعين سنة؟ حصل هذا ومنعوا الزكاة؟ هل بلغكم أن أمراً صدر أن أيما امرأة لا تكشف وجهها ورأسها وتلبس الميكروجيب والمنيجيب، يحكم عليها بالإعدام.. بالقتل.. بالسجن أبداً؟ صدر هذا؟ والله ما كان، هل صدر أمر من حاكم من الحكام: يجب كما ترقى الغرب والشرق أن نترقى بأن نبيح الخمر ويشربها نساؤنا وأطفالنا في الشوارع، أحصل هذا؟ هل هناك حاكم قال: ما نعترف بطاعة الأبناء لآبائهم الطاعة للحاكم، أيها الأبناء لا تطيعوا أولادكم، اضربوهم والعنوهم، نترك هذه الرجعية؟ هل حصل هذا؟أنا أتكلم، لو كنت في الصين أتكلم بهذا الكلام، إياكم أن يعبث الشيطان بقلوبكم، ويقول: الشيخ يقول الباطل ويتملق. والله لا أقول إلا ما أعلم أنه الحق بعينه، ما هذه الوساوس؟ إذاً: وبالأمس قلنا: جاءت الاشتراكية، العلمانية.. ما هناك حكومة أمرت بالكفر ولا بالشرك ولا ألزمت بالمعاصي ولا بالفسق ولا بالفجور، واستثنينا دويلة عدن الشيوعية، وقد ذهب الله بها وأراح المسلمين منها، فقد ألزموا المواطنين بأشياء كفرية، وانتهت في أيامنا.يبقى للذين يقولون: لا نطيع الحكام وهم لا يحكمون كتاب الله، هذه هي المشكلة أو لا؟ لما ما تطيعونهم تخرجون عليهم وتقاتلونهم، آلله أمركم بهذا؟ لا. آلرسول أمر بهذا؟ لا. الرسول يقول: ( عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم حبشي رأسه كالزبيبة )، ويقول: ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )، اسمعوا وأطيعوا ولا تخرجوا أبداً عن طاعة الحاكم وإن كان فاسقاً، ظالماً، فاجراً، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، حينئذٍ نخلع هذا الحاكم، ونبعده ونضع غيره، هذا هو الطريق أو لا؟ فأنتم لما تصيحون في بلادكم في حكوماتكم، أين الأمة التي تبايع الإمام إذا ظهر؟ أمة استباحت المحرمات، واستحلت ما حرم الله، وجهلت الطريق إلى الله، وما عرفت ربها، ثلاثة أرباعها ما عرفوا الله، وأنت تريد أن تخلع الحاكم، كيف تخلعه؟ قل لي كيف: بالاغتيالات؟ بالتفجيرات؟ لو بقيتم تفجرون وتغتالون ألف سنة هل هذا سيسقط الحاكم؟ لا. وهل الله أذن بهذا؟ هل الله أذن في أن تقتل مسلماً؟ الرسول قال: اقتلوه أو قال: اعزلوه؟ تعزلونه إذا كنتم أمة على قلب رجل واحد، أمة ربانية، كلهم أولياء الله، تقولون: يا فلان! قلت أو فعلت ما هو كفراً بواحاً، ابتعد عن الحكم، اعل يا فلان واحكم، هل هذه الشعوب الهابطة فيها هذه الروح وتقدر على هذا؟ وشاهدنا البلاء ينزل تبجحوا في البلد الفلاني، وقالوا: ضربوا ضربة شديدة، مات الإسلام من بلادهم، في البلد الفلاني تنتقل من محنة إلى محنة؛ لأنه سلوك هائج، باطل، حرام، والله لا يحل. إذا ما عندنا قدرة أن نخلع ونعزل يجب أن نسكت، نعمل كيف نحفظ ديننا، لا أن نهيج الفتن ونثير المشاغب والمتاعب في أمة حتى ينتهي الإسلام.هذا أمر الله (وأولي الأمر منكم)، على شرط ما يكون يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، مؤمن فسق فجر، الشعب ثلاثة أرباعه فسقة فجرة،لم أغير الحاكم؟ أليس شعبنا ما يصلي وفيه العديد ممن يشرب الخمر والحشيش والباطل والعقوق والربا والفجر؟ موجود أو لا؟ لماذا ما ننظر إلا إلى الحاكم ونهيج الناس، مع العلم أن من آدابنا الإسلامية ألا نذكر مؤمناً بفاحشة أبداً، بل نستر عليه ونغطيها.ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره، فمجالسنا كلها في الطعن والنقد للعلماء والحكام، ونهيج الجهلة والمساكين فيحملون السلاح، ليتمزقوا وتتمزق أمتهم.لعلكم ما فهمتم؟افهموا: يجب أن نطيع الحاكم في غير معصية الله، ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف )، لا في المنكر.إذاً: وإذا كان الحاكم ما طبق الشريعة وضعف، أو عجز، أو ضغط عليه فهذا شأنه ونحن نطبق الشريعة، نحن الذين نطبقها أو الحاكم؟ نحن الأدوات والآلات، ما نسمح لأحد في قريتنا أن يبيع الخمر، ندخل إلى بيته ونتمرغ بين يديه، تأتيه جماعة بعد جماعة، اترك هذا الباب وأغلقه حتى يتوب. امرأة كشفت عن وجهها وخرجت تعربد، نحن المسئولون وليس الحاكم، نأتي إلى ذويها وأهلها احجبوا ابنتكم.. نحن نتوسل إليكم إلى الله أن تفعلوا وتفعلوا، وهم بشر ما هم حجارة، ويتعطل ذاك المنكر، وهكذا في قريتنا، في حي شاهدنا إبراهيم ما يصلي، أو عثمان يصلي يوم ويوم لا، ننتظر الحاكم؟ كيف الحاكم؟ نحن الذي يجب أن نأمره وأن نزوره في بيته، وفي عمله وندعوه إلى الله؛ حتى ما تفسد حالنا ونهبط، وهكذا كلما ظهرت معصية بيننا في قريتنا في حينا في أي مكان، نحن المأمورون بإصلاحها، أما فقط نتبجح بتكفير الحكام، وإذا قلت: ما كفروا؛ كفروك، وقالوا: الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله هو كافر، والعلماء الذين سكتوا كفار، والأمة التي سكتت كافرة، ولم يبق مؤمن إلا الذي يقول هذا.هذه جماعة التكفير والهجرة، تربت هنا، وخرجت هناك، وتوغلت في الأفغان، وعادت الآن شراذم هنا وهناك، هذا معتقدهم، الحاكم ما حكم بما أنزل الله كافر، العلماء سكتوا كفروا، الأمة طأطأت رأسها ورضيت كافرة، من هو المسلم؟ قولوا؟الذي يقول هذا، الذي يكفر المسلمين كلهم هو المؤمن والرسول يقول: ( من قال لأخيه يا كافر فقد بها أحدهما )، من كفر المؤمن فهو الكافر.ثم قضية الآيات التي يؤولونها بدون فهم، قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، لم هذا التكرار؟ الذي يحكم بغير ما أنزل الله يكفر إذا قال: ما نعترف بهذا الدين.. لا أؤمن بهذه القوانين القرآنية.. أنا كافر بها، هذا كافر أو يشك في كفره؟ لا يشك في كفره، هيا ماذا نصنع؟ نحاربه، حتى نوجد أنفسنا، قادرون على حربه أو لا؟ قال: نحن غير قادرين.إذاً: نتملق ونعرف كيف نخرج من الفتنة، نحن فقط نتبجح بكفره، ونحن أعجز ما نكون عن إزاحته، لم نوقع أمتنا في البلاء والشقاء؟ آلله أمر بهذا؟ثانياً: الحاكم إذا كان يصوم ويصلي ومؤمن بالله واليوم الآخر، كيف تقول: كافر؟ وجد هذه القوانين فرضتها بريطانيا وفرنسا وما عرفها إلا هي وهو يطبقها، وهو غير مؤمن بها، يكفر؟ والله ما يكفر، الكفر لا بد له من اعتقاد، إذا اعتقد أن هذا باطل، ولا ينفع ولا يصح أبداً أبعدوه عنه، كفر قطعاً لا يشك ذو دين في كفره، أما فقط كونه ما طبق، وما قطع يد السارق ولا رجم الزاني، لعجز أو ضعف أو خوف ما أقول: هذا كافر أبداً، ظالم نعم، فاسق نعم، خرج عن الطاعة الإلهية.ومنذ سنين قلنا لهم: يا إخواننا، لما الحاكم نحكم بكفره ننظر: هل نحن قادرون على خلعه ونصب غيره أو لا؟ فإن قالوا: لا ما نستطيع. إذاً: حرام أن نتكلم بكلمة نحدث بها فتنة، نعمل على إصلاح أنفسنا، هذا الحاكم ما أصلحنا.. ما هو متهيئ للصلاح، إذا نعمل على إصلاح أنفسنا، أما أن نكون نحن ثلاثة أرباعنا لا صلاة، لا زكاة، لا ذكر الله لا تقوى الله، والتكالب على الدنيا، والفسق والفجور، ونقول: الحاكم فقط.أمور تحرق القلوب، وقد شاهدنا آثار هذه الحركات، لو نسمي بلاد مسحوا الإسلام بها، وها نحن الآن في الديار الجزائرية، النار ملتهبة، أيجوز لمسلم أن يقتل مسلماً؟تكفره ظلماً وعدواناً وتقتله؟ كيف يصح هذا؟ ما هي النتائج، ما جاء الرسول بهذا، ولا جاء الإسلام بهذا أبداً، الرسول ثلاثة عشرة سنة في مكة ما أمر صحابياً مؤمناً أن يغتال مؤمناً، والله ما أمر، ثلاثة عشر سنة في مكة أو لا؟ وإخوانه يضطهدون ويعذبون أو لا؟ وهو يهرب بهم من جهة إلى جهة، هل سن سنة اغتيال أو قتل وهم مشركون كافرون؟ وهذا أخوه يصلي في المسجد ويقتله.هذه هي ثمار الجهل والعياذ بالله، ما عرفنا الله ولا عرفنا الطريق إليه.إذاً: أنا أتحداهم: دلونا على جماعة غضبت لله، واستطاعت أن تقيم دولة إسلامية؟ كيف ما لا يوجد؟ لأن الأمة لاصقة بالأرض، ما هي أهل أبداً لأن تعبد الله وحده وترفع راية لا إله إلا الله إلا الله، فلما ربى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين من المهاجرون والأنصار، جاء الأمر إلهي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]، (أُذِنَ)، من الآذن؟ الله لا إله إلا هو، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39].
    تابع معنى الآيات
    قال: [ أما الآية الثانية، فإن الله تعالى لما أمر ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانات التي هي حقوق الرعية، وبالحكم بينهم بالعدل، أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولاً، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانياً، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ].ما قال: وأطيعوا أولي الأمر، ما أعاد الفعل؛ لأن طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله والرسول، فإذا أمر ولي الأمر بمعصية الله فلا طاعة.فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] والطاعة لأولي الأمر مقيدة بقيد، ما هو بما كان معروفاً للشرع، أما في غير المعروف فلا طاعة في الاختيار، إذا كنت مكرهاً والكرباج على رأسك، والحديد، في يديك، وقالوا: سب الله. ما أنت بمختار، لكن في حال الاختيار ما في إكراه ولا إلزام، وقال الأمير: افعل كذا أو كذا من الباطل، لا يحل أن تفعل أبداً، الطاعة في المعروف.قال: [ وإنما الطاعة هي في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وقوله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فهو خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلواً كان أو مراً ].يبقى: أين الذين يعرفون كلام الله وكلام رسوله حتى نرد إليهم ما اختلفنا فيه؟يجب أن يوجد في كل قرية، في كل مدينة العالمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. العلم الصحيح.. علم الفقه والبصيرة ما هي مسائل سطحية لا نظير لها، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ [النساء:59] من يقوم مقام الله في القرية أو المدينة؟ العالم بكتاب الله، الفاهم لأسراره، العليم بشرائعه بما فيه من حلال وحرام.والرسول من يخلف الرسول أيضاً فينا؟ العالم بسنة رسول الله، الفقيه فيها، المحقق لمعانيها. [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فهو خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أي أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلواً كان أو مراً.وقوله تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] ] ما هي دعوى [ فيه: أن الإيمان يستلزم الإذعان ] والتسليم [ لقضاء الله ورسوله ] ومن رفع رأسه وأبى كفر ما هو بمؤمن بالله ولا باليوم الآخر [ وهو يفيد أن رد الأمور المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن.وقوله: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، يريد ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حالاً ومآلاً ] أي: مستقبلاً [ لما فيه من قطع النزاع، والسير بالأمة متحدة متحابة متعاونة ].هذا هو القرآن الذي نقرأه على الموتى.
    هداية الآيات
    هاتان الآيتان فيهما هداية عجيبة، عرفناها، من باب التقرير اسمع.قال: [ هداية الآيتينمن هداية الآيتين:أولاً: وجوب رد الأمانات بعد المحافظة عليها ].حافظ عليها لعام أو عامين... الزمن المطلوب وتقدمها كما هي، سواء كانت ليهودي أو نصراني أو لفاسق أو لفاجر، أو حتى لمكار، اؤتمنت على شيء يجب أن ترده.[ ثانياً: وجوب العدل في الحكم وحرمة الحيف والجور فيه ].وفي غير الحكم أيضاً بينا أن العدل في الكلام يجب أن يكون عدلاً، في النظر إلى وجه امرأتيك تبتسم في هذه وتبتسم في هذه في كل حياتنا العدل.[ ثالثاً: وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وولاة المسلمين من حكام وعلماء فقهاء ].إذا أمر الحاكم يأمر بأمر الله، وإذا أمر العالم بأمر الله أيضاً، إذا أفتاك الفقيه هذا ما يجوز، لا تقل: ماذا فيه؟ وتصر على عدم الطاعة حرام ما أطعت أولي الأمر. [ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لحديث: ( من أطاعني فقد أطاع الله ) ].رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة أقرأها عليكم:قال: ورد أو روي في الصحيح أن عبد الله بن حذافة الأنصاري رضي الله عنه وكان به دعابة. من أخلاقه أنه يداعب الإنسان إذا جالسه وما إلى ذلك، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من ألف أو خمسمائة أو عشرة سرية تسري للعدو، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية فأمرهم عبد الله بن حذافة يوماً أن يجمعوا حطباً فجمعوا الحطب، ويوقدوا ناراً، فأوقدوا النار في ذلك الحطب العظيم، ففعلوا، ثم أمرهم أن يدخلوها، ادخلوا النار، محتجاً عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني ).إذاً فماذا يفعلون؟ إذا عصوه عصوا رسول الله، وإذا عصوا رسول الله عصوا الله، وقال: ادخلوها. فلم يستجيبوا له، وقالوا له: إنما آمنا وأسلمنا لننجو من النار، فكيف نعذب أنفسنا بها؟! وتركهم، هو أراد فقط أن يمتحنهم، قال: وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف ) لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة أبداً ( إنما الطاعة في المعروف ) ، فإذا الأمير أو العالم أمر بمعصية ما يطاع أبداً.. ونفس الحاكم ما يأمر بالمعصية لأنه عارف ما يطاع فيها، من يطيعه؟قال: [ ثالثاً: وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وولاة المسلمين من حكام وعلماء فقهاء ].أما عالم بالهندسة أو المكانيك! لا. علماء فقهاء بأسرار الشريعة. [ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للحديث الصحيح: ( من أطاعني فقط أطاع الله، ومن أطاع أميري فقط أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني ) ].هذه محفوظة في الزمان الأول عند النساء والرجال والعوام.[ رابعاً: وجوب رد المتنازع فيه: عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة ].اختلفنا في مسألة في العقيدة نردها إلى الله ورسوله، في العبادة سنة أو باطل أو بدعة نردها، في مال فلان لفلان نرده إلى الكتاب والسنة.[ وجوب رد المتنازع فيه: عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة، ووجوب الرضا بقضائهما ].إذا حكم الحاكم أو العالم بأن الحق لفلان يجب أن تبتسم أنت وترضى، وتخرج وأنت فرح، لأن الله نجاك من باطل.[ خامساً: العاقبة الحميدة والحال الحسنة السعيدة في رد أمة الإسلام ما تنازع فيه إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ].
    حكم إطلاق لفظة سيدنا عند ذكر النبي وغيره
    سائل بالأمس يقول: لم الشيخ يقول: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟أولاً: هذه القضية اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأصحابه قولوا: سيدنا، علمهم الأذان والإقامة والتشهد بأن يقول المؤمن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فلا ينبغي لمؤذن على المنارة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، والذي في صلاته بين يدي ربه يتشهد ما يقول: وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله؛ لأن الرسول علمهم قالوا: أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد )، ما قال: على سيدنا محمد وعلى سيدنا إبراهيم، وهذه كتب السنة من موطأ مالك أول كتاب إلى الصحاح إلى غيرها، لا توجد فيها هذه الكلمة عند السلف أبداً، انتبهتم؟لكن لما هبطت الأمة وأصبحت تسيد من هب ودب، وأصبح الشائع: سيدنا علي ، سيدنا فلان، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا أو لا؟ وارتفع مستوى الجهل حتى إذا سمعوا شخصاً ما يقول: سيدنا رسول الله، يكفرونه، أو يغلقون آذانهم، أو يحرمون وجودهم من طلب العلم، فهمتم هذا أو نحلف لكم؟ والله العظيم، هذه وضعية هذه الأمة من يوم ما هبطت بالجهل بالكتاب والسنة، فنحن نقول: إذا أنت قلت في مناسبة: سيدنا. على المنبر ما يضر، لا سيما إذا كنت تراعي ذلك الجانب التائه الهابط؛ لتسترده له، وتعود به للصواب.فخلاصة القول: ما علمنا الرسول أن نقول فيه: سيدنا، نقول، وما لم يعلمنا لا نقول فيه وما نبتدع بدعة، والرسول قال: ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) إي والله العظيم لا سيد فوق رسول الله من البشرية قط، كذا أو لا؟ وإنما العبادة شيء والتمدح شيء ثاني.فلهذا إذا تشهدنا نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلينا عليه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد؛ لأن الصحابة والتابعين والأئمة هذه كتبهم ما قالوا: سيدنا فيها، وهل نحن أعلم منهم، أو نحن أفضل أو أفقه؟ خطأ.المهم هذا من آثار الجهل والهبوط، فمن قال: سيدنا ما كفر ولا أثم، هو سيدنا رغم أنوف الكافرين، ومن لزم السنة خير له من أن يزيد في دين الله.وصلى الله على نبينا محمد.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #258
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (33)
    الحلقة (257)

    تفسير سورة النساء (39)


    إن الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الخصومة، وعدم إقامتهما بين المتخاصمين لهو دليل على مرض في القلب، ونفاق عند العبد، فالله عز وجل ورسوله هما الحكم العدل، ودستورهما هو الدستور القويم الذي يعطي كل ذي حق حقه، فعلى المسلم الحق التحاكم إليهما وقبول ما حكما به برضا ويقين،
    والتسليم لهما في سائر أمور الدنيا والدين.
    تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع هذه الآيات المباركات الأربع، هيا نتلوها، ثم نتدبرها ثم نشرحها، لنعلم مراد الله تعالى منها، فما كان عقيدة اعتقدناها، وما كان واجباً نهضنا به، وما كان ممنوعاً تخلينا عنه وتركناه، وما كان أدباً سامياً تأدبنا به، وهذه هداية القرآن الكريم.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مع العلم أننا مع سورة النساء. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:60-63].معاشر المستمعين والمستمعات!يخاط الله تعالى رسوله ومصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: أَلَمْ تَرَ [النساء:60] ألم ينته إلى علمك إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ بالقول أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ من القرآن الكريم، وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من التوراة وغيرها، وهذا الاستفهام للتعجب من خالقه، ألم ينته إلى علمك أولئك الذين يزعمون، وزعم في الغالب تطلق على الادعاء الباطل. يَزْعُمُونَ : يدعون. أَنَّهُمْ آمَنُوا وجزموا بصحة بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ من القرآن العظيم وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ كالتوراة والإنجيل والزبور يُرِيدُونَ مع هذا الادعاء وهذا الزعم بأنهم مؤمنون بالقرآن والتوراة. يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء:60] ما الطاغوت؟ كل من حكم بغير الله طاغوت، كل ما صرف عن عبادة الله وحده طاغوت، وما أكثر الطواغيت، والمراد هنا: إما أن يكون كعب بن الأشرف اليهودي أو كاهن من كهنة العرب من جهينة؛ لأنه اختصم المنافق مع يهودي.اليهودي قال: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلم اليهود اليقيني أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يحكم بالحق وبالعدل.والمناف يخاف أن يحكم عليه لصاحبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالعدل والحق، فقال: لا لا. نتحاكم عند كعب بن الأشرف ، أو نذهب إلى الكاهن الفلاني، وهذا نقص وعيب وضلال وكفر، وهذا الرجل منافق من الأشراف الأوس أو الخزرج، يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وانكشفت عورته هنا، اليهودي يقول: تعال إلى محمد، هذا نبيكم نتحاكم عنده، لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي بينهما بالحق، والمنافق يعرف هذا فيريد أن يهرب إلى قاض آخر وحاكم حتى يحصل على الحق الباطل، فقال: إما إلى كعب بن الأشرف وإلا إلى كاهن جهينة فلان.وقد علم الله بحالهم، انظر كيف يطلع رسوله والمؤمنين عليهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] أما أمرنا الله أن نكفر بالطاغوت ونؤمن بالله؟ وكلمة طاغوت معناها عام لكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت؛ لأنه ارتفع وطغى حتى أصبح إلهاً يعبد، ورأس الطواغيت الشيطان؛ إذ كل الذين يعبدن الأوثان في الحقيقة يعبدون الشيطان، هو الذي سول لهم ذلك وزينه لهم، الشيطان الملعون ينتفش وينتفخ حتى يعبد، طغى فهو طاغوت. وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن الحق ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] حتى لا يرجعوا أبداً إلى الإيمان والإسلام، وهذه مهمته، لا يريد أن يرى آدمياً يعبد الله عبادة تنجيه من عذاب الله وتوصله الجنة وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60].
    تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ...)
    قال الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النساء:61] هيا نتحاكم إلى ما أنزل الله أي القرآن وإلى الرسول، هذا بذاته موجود بيننا رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ وهذا عام وإلى الآن. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] ما يقبلون عليك، ما يريدون هذا.كيف حال العالم الإسلامي؟ هذا هو، إلا من رحم الله عز وجل، هيا إلى الله وإلى الرسول، نتحاكم إلى كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وننهي الخلاف بيننا والصراع الدائر فينا، والفتن المتأججة النار عندنا.. يصدون عنك أو لا؟ بل يصدون يسبون ويلعنون، ويسخرون ويستهزئون، هؤلاء لأن الله ينزل وحيه فهم يخافون يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] ما قال: يشتمون ولا يسبون،يخفون كفرهم ويظهرون إيمانهم، فلهذا لا يقولون كلمة من شأنها أن تسيء إليهم، لكن يعرضون إعراضاً كاملاً، ما يقبلون.هذه محنة عظيمة لا يقدر قدرها، العالم الإسلامي الذي تحكم حكوماته بغير ما أنزل الله، فلو كانوا مؤمنين بحق يتحاكمون إلى الكتاب والسنة، أليس لهم مسجد؟ بلى، أليس لهم إمام وعالم فيه؟ بلى، في مسجدهم مع إمامهم يتحاكمون على الكتاب والسنة، ومن أعطاه الله أخذ ومن منع امتنع.أولاً: لم يبق لهم مسجد يجتمعون فيه، أبعدوهم عن المساجد، والمساجد ينعق فيها الغراب، أين المسلمون؟ في الشوارع والدكاكين والأسواق، والمساجد خاوية فارغة خالية، أين الإمام العالم؟ ما عندنا.إذاً نتحاكم إلى من؟ إلى الطاغوت، ونحن نعرف أن هذا القانون ليس بإسلامي، كيف أجيز لأنفسنا أن نذهب ونتحاكم عنده؟ نعم المظلوم يبكي ماذا يصنع؟ يريد أن يسترد حقه وهو في حاجة إليه، ولكن الظالم المعتدي لم يذهب إلى الطاغوت؟ من أجل أن يحكم له بالباطل، وتأملوا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ نحكم به علينا وَإِلَى الرَّسُولِ ذاته صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان بينهم قاضياً وحاكماً، رَأَيْتَ رؤية حقيقية الْمُنَافِقِينَ المتضلعين في النفاق الذين يقولون آمنا بألسنتهم وقلوبهم كافرة غير مؤمنة يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61].
    تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ...)
    فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء:62] كيف تكون حالهم؟ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [النساء:62] وما زلت أقول: الذي ينظر إلى أوضاع العالم الإسلامي، يرى أنهم في انتظار محنة ما سبقتها محنة، وفتنة ما عرفتها الأمة الإسلامية مرة قبل هذه، الاستعمار الذي داسهم بنعاله، وبال على رجالهم، ومزق كرامتهم ذاك الاستعمار البلاء الآتي أعظم بكذا مرة؛ لأننا لما تهيئنا للاستعمار كنا فسقة ضلالاً فجرة، فسلط الله علينا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا وهولندا.. ليؤدبنا، لكن ظلمنا الآن وذنوبنا وإعراضنا أعظم مما كانوا بلا منازعة، فلهذا أليس الله يقول: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [النساء:62] من ذنوبهم ومساوئهم وأخطائهم. ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62] ظهرت المصيبة.قال: [ روي أن المنافق في هذه الحادثة لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب باليهودي إلى أبي بكر فحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرض المنافق فذهب بخصمه اليهودي إلى عمر ، فذكر له اليهودي القصة، فقال عمر للمنافق وهو يشير: أكذا هو؟ قال: نعم. قال: رويدكما حتى أخرج إليكما ] اجلسا مكانكما حتى أخرج. [ فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم، وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمر : ( أنت الفاروق ) ]. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62].جاءوا يطالبون بالدية أهل المنافق وجماعته، ويقولون: ما أردنا بمخاصمتنا إلا الإحسان والتوفيق.قال تعالى في التعقيب على هذا الموقف: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النساء:63] من مرض النفاق والكفر والضعف والفساد والشر فوق ما نتصور، أولئك البعداء الأذلاء الرخصاء -والعياذ بالله- يعلم الله ما في قلوبهم من الكفر والنفاق.
    تفسير قوله تعالى: (فأعرض عنهم وعظهم ...)
    قال الله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:63] لا تتكلم معهم ولا تواجههم ولا تبتسم في وجوههم ولا تضحك لهم، أعطهم عرضك. هذا أولاً حتى يصبحوا في حيرة، في فتنة اضطراب وهم وكرب، لما يصابون بذلك عظهم قولهم الكلمات التي عسى أن تحرك قلوبهم وتذهب ما فيهم من ذلك المرض العفن وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63] وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، ما رأت الدنيا أفصح منه ولا أشد بياناً، ولهذا قال له تعالى: قل لهم قولاً بليغاً ينفذ إلى قلوبهم ويخترقها، ويبلغ إلى ما وراء ذلك، علهم يرجعون ويتوبون، وهذا الذي تمَّ، ما مات وبالمدينة منافق واحد، كلهم بهذا التوجيه الإلهي وبهذا العمل النبوي يعرض عنهم يومين ثلاثة يكربون، يحزنون، يذلون، يطيعون.. يعظهم وينهاهم فيفعلون، وبذلك دخلوا في رحمة الله، وقلَّ من هلك ومات على نفاقه كـابن أبي .
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير
    هيا نسمح شرح الآيات الأربع من التفسير لنزداد علماً، وبتأنٍ. ‏
    شرح الآيات
    قال: [ روي أن منافقاً ويهودياً ] المنافق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، هذا المنافق، مم اشتق له هذا اللفظ؟ من أنفقة اليربوع والعامة تسميه الجربوع، اليربوع أو الجربوع نحن اصطدناه أيام الصبا، يجعل له تحت الأرض منزلاً يأوي إليه ويلد فيه، ويقيل فيه، ويسهر فيه، وله طريق يخرج منه ويدخل، ويفعل نافقة من الجهة الأخرى يحفر الأرض حتى يكاد يخرق الأرض ويطلع، يترك قشرة رقيقة من التراب، فإذا جئت أنت تطلبه وتمشي وتحفر الأرض لما يشعر بك ما يخرج أمامك مع الطريق الأول الرسمي! لا. من النافقة يضربها برأسه ويخرج، ما تستطيع أن تلحق به، هذه نافقة اليربوع.فالمناف ون يظهرون الإيمان وعندهم اتصالات بالمشركين، عندما تستدعي الحال يخرج.إذاً قال: [ روي أن منافقاً ويهودياً اختلفا في شيء ] دنيوي كعنز، أو بستان، أو مال [ فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ] لا لإيمانه بمحمد، هو يعلم أنه رسول الله، ولكن رجالهم قالوا: لا. إذا نحن دخلنا في دين محمد وأسلمنا انتهت آمالنا، انمحى من نفوسنا أمل أن نعود من جديد إلى مملكة بني إسرائيل.اليهود على علم يقيني بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام هو دين الأنبياء من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا نجاة من النار إلا بالدخول فيه، والعمل بما فيه، يعرفون هذا أكثر من العرب، وحال بينهم وبين الدخول فيه أن مشائخهم وكهانهم رهبانهم أحبارهم قالوا: لا لا. نتعذب في النار ونخرج منها، ولكن لا نتابع الرجل فنترك ملتنا ونتخلى عن شرفنا وأمجادنا، ونحن ننتظر متى تعود إلينا مملكة بني إسرائيل، والآن تشكون في هذا؟ شككتم؟ ودولة بني إسرائيل من أقامها رغم أنوفنا؟ أليسوا هم؟هذه هي النواة التي يعملون عليها، ألف سنة وأربعمائة عام حتى أوجدوا دولة، وهم يحلمون أن تكون المملكة، كلمة دولة مؤقتاً فقط، وإلا فهي مملكة إسرائيل.[ فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أنه يحكم بالعدل ولا يأخذ رشوة.وقال المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لما اختلفا تحاكما إلى الرسول [ فقضى لليهودي ] قضى أي: حكم لليهودي بذلك الحق [ فنزلت فيهما هذه الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [النساء:60] ] هذا المنافق وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60] هذا اليهودي يَتَحَاكَمُوا [النساء:60] الآية.قال: [ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [النساء:60] والمراد بهذا المنافق ] والذي يدعي أنه آمن بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.[ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النساء:60] المراد به اليهودي ] هو الذي آمن بالتوراة.[ والاستفهام هنا للتعجب، أي: ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء:60] كعب بن الأشرف أو الكاهن الجهني، وقد أمرهم الله أن يكفروا به ] أي: بالطاغوت، وهو من يحكم بغير ما أنزل الله.قال: [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ [النساء:61] ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون عنك إعراضاً هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء:62] وحلت بهم قارعة بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ [النساء:62] قائلين: ما أردنا إلا الإحسان في عملنا ذلك، والتوفيق بين المتخاصمين. هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث، وأما الرابعة وهو قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء:63]. فإن الله تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة والانحطاط، فيقول: أُوْلَئِكَ [النساء:63] ] أي: البعداء [ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النساء:63] أي: من النفاق والزيغ ] وهو الميل عن الحق [ فهم عرضة للنقمة وسوء العذاب ].عرضة: متعرضون للنقمة وسوء العذاب، ونقمة الله عز وجل منهم.قال: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فلا تؤاخذهم ] لا تنظر إليهم ولا تؤاخذهم [ وَعِظْهُمْ آمراً إياهم بتقوى الله والإسلام له ظاهراً وباطناً، مخوفاً إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت، وقل لهم في خاصة أنفسهم قولاً بليغاً ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون ].
    هداية الآيات
    من هداية الآيات معاشر المستمعين والمستمعات:[ أولاً: حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ] وما نجا منه أحد سوى المملكة، إخواننا في الشرق والغرب يتحاكمون إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، أخرجوهم، أنقذوهم، كيف نفعل؟ المطلوب منهم: أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وهي: أن يعودوا إلى بيوت ربهم، كما كان سلفهم الصالح لا يتخلون عن صلاة الجماعة وقتاً من الأوقات، ويجلسون في وقت الفراغ من العمل الدنيوي، وذلك بين المغرب والعشاء، وكل ليلة يتلقون الكتاب والحكمة، ليصبحوا علماء عالمين عارفين، ومن ثم واعظهم، مربيهم، مزكيهم، عالمهم، إذا حدث بين اثنين نزاع خصومة، بدلاً من أن ينقلوها إلى القوانين اللاإلهية ينقلوها إلى كتاب الله وسنة رسوله، ولو اجتمعنا وانقدنا لربنا ممكن في العشر سنوات ما تحدث خصومة، وإذا حدثت نتحاكم إلى الله ورسوله، ولنترك الحاكم يطبق ما شاء من قوانينه المادية، أما نحن معشر المؤمنين إذا اختلفنا في شيء عندنا كتاب الله، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فإذا كان أمراً دنيوياً، مالاً، حينئذ ما ترك الله وما فرط في الكتاب من شيء، وإذا حكم إمام المسجد بأن الحق لفلان افرح أنت وابتسم، واحمد الله أن نجاك وما أخذت حق أخيك، وهو أيضاً إذا حكم له يسجد لله شكراً على إفضاله وإنعامه، ويطلب السماح من أخيه، ويأخذ يلينه ويطيبه حتى تبقى المودة والإخاء كما أمر الله أن يكون بين المؤمنين، أما هذا الجفاء، هذا الجهل، هذا البعد، هذا الانقطاع، هذه الفهوم المختلفة، هذه الأفكار المتنوعة، لا نجاة إلا عند الله.قال: [ حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ].نعم إذا ظلمك كافر أو يهودي أو نصراني، لا بأس أن تتحاكم عند حاكمه لتأخذ حقك ما تتنازل، أما إذا خاصمك مؤمن فقل: أترك هذا الحق لوجه الله، ولا أدخل معك محكمة يحكم فيها بغير شرع الله، من يصل إلى هذا المستوى؟ العالمون، العارفون، كيف نصبح عالمين عارفين؟ بالبركة.. بالانتساب.. بقراءة المجلات والجرائد.. كيف؟ إذا لم نعكف في صدق في بيوت الله، نتلقى الكتاب والحكمة في صدق، وما علمنا شيئاً إلا عملنا به، فنترقى في العلم والعمل فيكمل العلم ويكمل العمل، ونستنير ونصبح بصراء عالمين.[ ثانياً: وجوب الكفر بالطاغوت أياً كان نوعه ].واقرءوا قول الله عز وجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:256-257]. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] من هم المؤمنون؟ المؤمنون الذين آمنوا بالله بعدما عرفوه، آمنوا بمحابه ومكارهه، ووطنوا النفس على أن يأتوا المحبوب ويتخلوا عن المكروه، أولئك الذين اتقوا الله بعدما آمنوا به، فلم يجرؤ أحدهم على أن يخرج عن طاعته أو يفسق عن أمره، أولئك المعنيون بقوله: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ [البقرة:257] من ظلمات الشرك والكفر والذل والنفاق والسقوط والهبوط إلى النور الإلهي في قلوبهم وأبصارهم، وفي كل حياتهم، أين المؤمنون، وأين أهل العلم، وأين الدعوة إلى الله، وأين أين؟لا إله إلا الله، لا كاشف لها إلا الله. [ ثالثاً: وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها ].يجب أن نقوم بدعوة المؤمنين إذا أرادوا أن يتحاكموا إلى الكتاب والسنة، لا إلى قال فلان وقال فلان، من الفتاوى الهابطة، ولا قال القانون الفلاني، الكتاب والسنة، ووجوب قبول الحكم.إذا حكم القاضي أو الإمام أو المفتي يجب أن تخرج من المحكمة وقد حكم عليك وأنت تبتسم فرحاً، لا غضباً ولا انتقاماً ولا ثأراً، وسيأتي في آية بعد هذه، وهي قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا [النساء:65] أدنى حرج مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].اختر لنفسك عبد الله أنت مؤمن أو لا؟ قال: [ وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها ].إذا تحاكمنا وحكم علينا يجب أن نقبل، ما نرفع القضية إلى محكمة أخرى، أو نخرج غضاباً ساخطين! بل نخرج ونحن نبتسم فرحين بأن الله نجانا من هذا الحق وهو ليس لنا.[ رابعاً: استحباب الإعراض عن ذوي الجهالات ] يستحب أن نعرف عن أصحاب الجهالات المتنوعة، حتى لا نقع معهم في فتنة، ما عندهم آداب ولا سلوك ولا كذا، نأخذ في جدالهم، والصراع معهم فتنة بلا معنى، استرشاد بهذه الآية نعرض عنهم، وجاءوا تائبين، نادمين، آسفين، حينئذ وعظهم وبشرهم وبين لهم، ما داموا في تلك الضوضاء وذلك الاضطراب والقلق اتركهم.قال: [ ووعظهم بالقول البليغ ] وهذا لا بد وأن يكون الواعظ ذا بلاغة، ذا فصاحة، ذا بيان، ذا لغة كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحدث كل قبيلة بلهجتها صلى الله عليه وسلم.قال: [ ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم فيهزها ].فإذا اهتزت القلوب معناها تحركت وذهب الجمود واللصوق، وأصبحت قابلة لأن تفهم وتعي وتعلم.معشر المستمعين اسمعوا الآيات مرة ثانية وتأملوها. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] شيء مؤسف أو لا؟ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] وبالأمس بكينا وقلنا: تحدث خلافات بين البلاد الإسلامية ويرفضون التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويرفعون قضاياهم إلى الكفر، إلى الأمم المتحدة، إلى مجلس الأمن، أيجوز هذا؟ أليس تناقضاً تاماً مع الإيمان؟ وشيء آخر: هل استقرت حالهم؟ هل استفادوا من ذلك شيئاً العداء والبغضاء والنزاع والصراع هو هو.. لم ما يأتون إلى روضة رسول الله، تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين، ويخرجون متحابين.يا شيخ ما يستطيعون. لم؟لأنهم ما آمنوا، لو كان هناك إيمان حق، ما هو صوري تقليدي، والله ما يستطيع أن يقف في وجهه كافر، وينظر إليه ليتحداه أبداً، ويقول لخصمه: خذ ما تريد ولا أقف أمامك أبداً، لكن أين الإيمان؟ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء:60] من أمرهم؟ الله عز وجل وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عن طريق الحق، عن طريق الهداية، عن طريق الكمال والإسعاد ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] حتى لا يرجعوا.فسرنا مرات الضلال البعيد، هل هناك فرق بين الضلال القريب والبعيد؟ إليكم مثالاً: أخونا يريد أن يمشي الآن إلى مكة في الجنوب من المدينة. خرج من هنا وبعد ما دارت به الطريق ومشى شمالاً، إلى غد صباحاً وهو في طريق الشام، وبعد قيل: أين ذاهب أنت؟ قال: إلى مكة، أين يذهب بعقلك؟ أنت جئت من المدينة ذاهب إلى مكة؟ قال: نعم. مكة تركتها وراءك، ضللت يا عبد الله.إذاً: مسافة ليلة واحدة ما زال عنده الطعام والشراب، يستطيع أن يرجع في ذلك اليوم إلى المدينة ويتجه جنوباً إلى مكة، هذا ضلال قريب أو بعيد؟قريب، لكن إذا مشى شهراً كاملاً وهو ذاهب إلى الشمال، وبعد قيل: أنت إلى أين يذهب بعقلك؟ أنت ما أنت ذاهب إلى مكة؟ كيف شهر كامل، يعود في شهر آخر أو لا؟ أين طعامه؟ أين شرابه؟ ما يستطيع انتهى؛ لأن ضلاله بعيد، فالضلال القريب صاحبه إذا عُلِّم علم، الآن يوجد ضلال بعيد في قلوب ملايين المسلمين، ما يرجعون، ضلال قريب مؤمن تقي بر، ارتكب جريمة من الجرائم، وعظته، أنبته ذكر الله بكى يرجع، أما الذي توغل في الزنا والجرائم والباطل والشر.. ما يرجع، ضلاله بعيد، والآيات تصرح بهذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يضرب لذلك مثلاً، اسمع ما يقول عند قول الله تعالى: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذنب العبد ذنباً -العبد هو المؤمن رجلاً كان أو امرأة- وقع في قلبه نكتة سوداء -ظلمة- فإن هو تاب ونزع صقلت الله ) انمحت ويبقى القلب مستنيراً يرى الحق ويقدم عليه، ويرى الباطل ويبتعد عنه، فإن هو زاد ذنباً آخر وقعت النكتة إلى جنب النكتة، صيّرت نكتة أكبر من الأولى أو لا؟ وما نزع ولا تاب ولا صقل، وزاد ذنباً ثالثاً ورابعاً، غشى وغطى القلب ذاك السواد تلك الظلمة، ذلكم الران الذي قال الله فيه: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14].فلهذا أمرنا بتعجيل التوبة، وعدم التباطؤ والتراخي، فريضة الله على كل مؤمن ومؤمنة إذا أذنب أن يتوب على الفور، ما يقول: حتى يقع كذا، حتى يحصل كذا وكذا. بإجماع الأمة أن التوبة تجب على الفور، لماذا؟ خشية أن تتراكم الذنوب وتتراكم السيئات ويصبح أحدهم يضحك عند المعصية.وضربنا لهذا مثلاً نذكركم به: مسلمة تدعي الإسلام من عشرين سنة وتلبس القصير وتتعنتر بالشوارع، هذه لما تمر بك لو قلت لها : يا أمة الله اتقي الله، احتجبي، ماذا تصنع معك؟ تسخر، وتخرج لسانها وتقول: هذا رجعي كذا، تستهزئ، والله العظيم.ومؤمنة فقط أسبوعها الأول بدأت تكشف عن وجهها، هذه إذا وجدتها كاشفة إن قلت لها: أما تتقين الله يا مؤمنة! استحت وغطت وجهها، لماذا؟ لأن ضلالها قريب من أسبوع فقط أو أسبوعين، لكن التي عاشت عشرين سنة وهي كالعاهرة في الشوارع ترجع هذه؟ ما ترجع أبداً.مثال آخر مريض، أول مرض الأطباء يعالجونك، إذا استشرى الداء وانتشر، يقولون: خذوه إلى المقبرة، لو عالجتها من قبل، وهكذا يجب علينا أن نتعاهد نفوسنا، وأن نعرف من نحن، وما نحن، وإلى أين المصير؟والطريق واضح، والله يدخل في رحمته من يشاء.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #259
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (34)
    الحلقة (258)

    تفسير سورة النساء (4)


    لما أمر الله سبحانه وتعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها، أتبع ذلك بالأمر لأوصياء اليتامى أن يعطوهم أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد، ونهاهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الطيبة بأموالهم الرديئة، لما فيه من أذيتهم والإضرار بمصالحهم، ومن كان عنده يتيمة في حجره وكان لها مال فلا يتزوجها إن خشي أن يظلمها، وإنما يزوجها لغيره، ويختار هو من شاء من النساء غيرها مثنى وثلاث ورباع مما أحله الله لعباده.
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين!وها نحن مع سورة النساء، ويا لها من سورة، وهنيئاً للمؤمنات بهذه السورة المباركة، نتلو الآيات، وقد تلوتها في عجالة بالأمس، ثم ندرسها من الكتاب لنقف على أسرار هذه الآيات وأحكامها الشرعية.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:2-4].‏
    شرح الكلمات
    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [شرح الكلمات]قوله [ الْيَتَامَى [النساء:2]: جمع يتيم ] وهو الفرد [ذكراً كان أو أنثى ].وحقيقة اليتيم: من مات والده وهو غير بالغ، أما إذا مات الوالد والابن قد بلغ سن الرشد والتكليف فلا يقال فيه يتيم، أما الحيوانات من الأنعام وغيرها فاليتيم فيها هو من ماتت والدته؛ لأن الشاة إذا مات جديها أو خروفها لا يعوله والده ولا يعترف به، والبقرة إذا مات الثور، هل العجل يبحث عن والده؟ لا. معه أمه، لكن إذا ماتت الأم تيتم، وأصبح منفرداً يستحق الرحمة والإحسان.قال: [ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] ] والخبيث [ الحرام. والطيب: الحلال ] وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] أي: لا تستبدل الحرام بالحلال، أو الحلال بالحرام، فتأخذ الحرام وتترك الطيب الحلال.قال: [ الخبيث: الحرام. والطيب: الحلال. والمراد بها هنا: الرديء والجيد ].المراد من الطيب هنا: الجيد. كالتمر الجيد، والخبيث هو الرديء من زرع وتمر أو غير ذلك، فالجيد هو الطيب، والخبيث هو الرديء الذي لا يصلح ولا يقبل.وقوله: [ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]: الحوب: الإثم العظيم. أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3] أي. أن لا تعدلوا ] والقسط هو العدل، والإقساط مصدر العدل، والقاسط الظالم الجائر، والمقسط العادل: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15]. من هم القاسطون؟ الظالمون الذين بدل أن يعبدوا سيدهم ومولاهم عبدوا الهوى والدنيا والشيطان، فهؤلاء ظالمون.وورد: ( المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن يوم القيامة )، والمقسطون هم العادلون في أقوالهم.. في أفعالهم.. في قضائهم.. في حكمهم.. في كل شيء، حتى في الأكل والشرب لا يجورون ولا يظلمون.قوله: [ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ] معناه [ أي: اثنتين أو ثلاث أو أربع؛ إذ لا تحل الزيادة على الأربع ].وقوله: [ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3] ]. أي: أقرب، والدنو القرب، أقول: دنا مني فلان؛ إذا قرب، وهذا أدنى من هذا؛ أي: أقرب [ أَدْنَى أقرب أن لا تجوروا بترك العدل بين الزوجات ] وقوله: [ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] ] الصدقات [ جمع صدقة: وهي الصداق والمهر، ونحلة بمعنى: فريضة واجبة ] لا بمعنى عطية، فالمهر عطية أعطاهم الله إياها، وهي في حقنا واجبة بها استحللنا به الفروج [ هَنِيئًا [النساء:4] الهنيء: ما يستلذ به عند أكله ] الهنيء من الطعام والشراب الذي تجد له لذاذة في فمك ونفسك عند أكله أو شربه [ مَرِيئًا [النساء:4] المريء: ما تحسن عاقبته، بأن لا يعقب آثاراً سيئة ].هل هناك فرق بين الهنيء والمريء؟ لما يأكل أخوك أو يشرب تقول له: هنيئاً مريئاً، هل مريء بمعنى: هنيء؟ إذاً سيكون هذا تكرار للقول، فالهنيء: ما يستلذ به عند تناوله، تقول: هنيئاً هذا الشراب لك. أي: تجد لذة فيه. ومريء لا يعقب أثراً سيئاً، فلا تخمة ولا قيء ولا مغص ولا ألم، وأهل الجنة يقال لهم: هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].وأهل المغرب يقولون لمن أكل أو شرب: صحة، العامة يفتحون الصاد فيقولون: صَحة، فبحثنا من أين جاءتهم هذه الكلمة، فعثرنا عليها في الصحيح من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلكم: أن أم أيمن ، واسمها بركة وكنيت بـأم أيمن ، وهي مولاة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ورثها من أبيه عبد الله لما مات، فقد ترك له خمسة جمال وأم أيمن ، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:8]، كان صلى الله عليه وسلم لآدابه الرفيعة يتبول في الليل -ليالي الشتاء- في إناء من طين ويضعه تحت سريره، ما عندهم مراحيض، ويحتاج إلى أن يخرج، فليلة من الليالي السعيدة قامت أم أيمن ظامئة، وما عندهم مصباح ولا فانوس البيت كله ظلام، هيا نشكر الله. ما نستطيع! لو نظل الليل والنهار نقول: الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله. ما نوفيه، المصابيح كأننا في الجنة، وفي بيوتنا في مراحضنا، وأكثرنا ما عرف شكر الله ولا حمده. بيت النبوة بيت فيه رسول الله، بيت ينزل فيه جبريل ما عندهم مصباح، فوجدت القدح فيه البول فظنته ماء فشربته ولم تشعر بمرارة ولا بعدم طيب، يا ليتني كنتها، فقام الحبيب صلى الله عليه وسلم لشرفه وآدابه ليريقه في الصباح، فأخذ القدح فوجده فارغاً، فنادى: أم أيمن !أين البول؟ قالت: شربته يا رسول الله! قال: صحة يا أم أيمن ! فوالله ما شكت بطنها حتى ماتت، صحة يا أم أيمن . دعوة أبي القاسم لا ترد.فمن ثم أخذ أهل المغرب دعوتهم من هنا، ولا شك أنها نقلت إليهم من أصحاب رسول الله الفاتحون عبد الله بن جعفر وعقبة بن نافع ومن وأمثالهم.صحة يا أم أيمن ، ونحن نقول: هنيئاً. والجملة دعائية: اللهم اجعله هنيئاً في بطنه ومريئاً له.
    معنى الآيات
    قال: [ معنى الآيات: لما أمر تعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها في الآية السابقة ]وهي قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولا تصلوها، نعم [ لما أمر تعالى بصلة الأرحام وحرم قطعها في الآية السابقة؛ أمر في هذه الآية أوصياء اليتامى ] الأوصياء: جمع وصي [ أمر أوصياء اليتامى أن يعطوا اليتامى أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد، وآنسوا منهم الرشد ] يا أوصياء اليتامى! إذا بلغوا اليتامى سن الرشد وآنستم وأبصرتم منهم الرشد لا السفه أعطوهم أموالهم.كم سن الرشد ؟ أول الرشد قد يكون في الخامسة عشر، وقد يتأخر إلى الثامنة عشر، إذا دخل الولد الثامنة عشر تقطع يده إذا سرق، ويرجم إذا زنى أو يجلد، ولهذا مالك وتلامذته يقولون: سن البلوغ الثامنة عشر، وغيرهم يقول: الخامسة عشر، ونحن أمة الوسط نقول: يبتدئ من الخامسة عشر إلى الثامنة عشر.وللبلوغ علامات وصفات وآيات تدل عليه، منها بالنسبة إلى الذكور: إنبات الشعر، فإن أنبت الولد الشعر، والمراد به: شعر العانة، الشعر الذي يطوف بذكره وحول فرجه، إذا نبت الشعر هناك بلغ الغلام.ومن آداب الفقهاء أنهم قالوا: إذا كان ولدك يهرب من التكاليف، فضع مرآة تحته وهو واقف؛ لأهم لم يكن عندهم سراويل، فلما تضع مرآة تحته وتنظر تعرف إذا نبت الشعر أو لم ينبت. حتى ما ينظر إلى العورة نظراً كما هو، مع أنه والده، وأما إنبات الشعر في الشارب فهذا قد تجاوز البلوغ.وعلامة ثانية، هذه لا يعرفها إلا الولد: الاحتلام، إذا نام فاحتلم فأفرز المني فقد بلغ، إذا نام فرأى نفسه يواقع أو يطارد أو يعامل النساء فأفرز المني، وهو ماء أبيض ثخين، هذا المني شبيه بطلع الذكر من النخل، سبحان الله! ولهذا العامة يقولون: قال سيدنا رسول الله: (استوصوا بعمتكم النخلة خيراً)، أكرموا عمتكم النخلة؛ لأنها أخت أبيكم. كيف؟ قالوا: الطينة التي صنع الله منها آدم هي التي نبتت منها النخلة، والرسول الكريم قال: إن من الشجر شجرة مثلها مثل ابن آدم، فأخذ الأصحاب يسيحون في الصحارى: ما هذه الشجرة التي مثلها مثل ابن آدم؟ ما عرفوا. وكان بينهم عبد الله بن عمر ، قال: فوقع في نفسي أنها النخلة، ولكن استحيت وأنا بين الشيوخ، وحدث بها والده عمر فقال: أي عبد الله ! لو قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم، ثم لما جهلوا قال: النخلة.وفيها شبه كبير بالرجل المسلم لا الكافر والعياذ بالله، النخلة كل ما فيها صالح، الكرناف، الليف، الخشب، الطلع، الجريد، التمر.. كل ما فيها صالح، يصنعون منها الأبواب، يسقفون منها البيوت، الجريد يصنعون منه الفرش، لا إله إلا الله! مثلها كالرجل المسلم كل ما فيه نافع، كلمته نافعة، نظرته نافعة، أخذه إعطاؤه كل ما فيه نافع وليس فيه ضرر.إذاً: النخلة كالرجل المسلم كلها خير، وإذا كان الرجل فيه شر وشرور فلا علاقة له بالنخلة، وإنما علاقته وشبهه بالسدر وبذات الشوك. قال: [ أمر في هذه الآية أوصياء اليتامى أن يعطوا اليتامى أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد ].الرشد ضد السفه، الرشيد الذي يضع كل شيء في موضعه لحكمته وعلمه وتمام عقله، سن الرشد ما هي؟ البلوغ، علامات البلوغ للذكر الإنبات والاحتلام، وللأنثى الحيض والإنبات أيضاً، إذا حاضت الجارية وهي بنت عشر أو خمسة عشر انتهى أمرها وبلغت، وأصبحت مكلفة إذا حاضت، وقد تحيض في الحادية عشرة أو الثانية عشرة بحسب قوة بنيتها، فبلوغ الجارية أسرع ويأتي قبل بلوغ الغلام. قال: [ فقال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، ونهاهم محرماً عليهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الجيدة بأموالهم الرديئة فقال تعالى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ [النساء:2] أي: الرديء من أموالكم بالطيب من أموالهم -أموال اليتامى- لما في ذلك من أذية اليتيم في ماله ].المراد من هؤلاء الأوصياء وإلا لا؟ ما هو كل واحد.قال: [ ونهاهم أيضاً عن أن يأكلوا أموال يتاماهم مخلوطة مع أموالهم؛ لما في ذلك من أكل مال اليتيم بغير حق، فقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] ].(إلى) هنا يصح أن تكون بمعنى (مع)، ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم، أي: مخلوطة بها، ويصح أن تبقى (إلى) على ظاهرها: ولا تأكلوا أموالكم مضافة إلى أموالهم، مخلوطة إلى أموالهم.[ فقال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] وعلل ذلك -التحريم- بأنه إثم عظيم، فقال عز وجل: إِنَّهُ [النساء:2] أي: الأكل. كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2] والحوب: الإثم ]. هنا معنى آية ستأتي: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] آية بالنسبة إلى أهل الإيمان واليقين جعلتهم فقدوا النوم، وذهبت بلذة الحياة عندهم. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] تراه ماء هابط أو طعام وهو في الحقيقة نار.لما نزلت هذه الآية وقف أوصياء اليتامى ففصلوا أموال يتاماهم عن أموالهم، فأصبحت المرأة تنصب القدر لتطبخ غداءها وغداء زوجها وأولادها، وقدر آخر ليتيمها، القربة كانت واحدة؛ والآن قربة الولد اليتيم وحدها يشرب منها، وقربة الزوجة وأولادها وزوجها ثانية، الفراش كذلك، فصعب الأمر وشق عليهم وبكوا، أيبكون خوفاً من الدولة؟لا. بل خافوا من الله؛ لأنهم آمنوا به حق الإيمان، والله لقد كربوا وحزنوا، فنظر الله تعالى إلى أوليائه وصالح عباده فرحمهم؛ فأنزل آية من سورة البقرة بعد النساء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220] يسألونك يا رسولنا عن اليتامى ماذا يعملون بأموالهم؟ أجبهم: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220] اخلطوا مالكم مع مالهم على شرط أن يكون مالهم متوفراً محفوظاً نامياً، فالتي تنصب قدراً خاصاً بالولد، الفلفل والبطاطس واللحم يكلفه هذا الغداء كم؟ عشرون ريالاً، لما يكون مع خمسة أولاد وزوجة وأم كم؟ ثمن وإلا لا؟ ثمانون ريالاً عليه منها عشرة ريال فقط، أيهما أولى الخلط أم الفصل؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] إذا كان خلطهم لأجل تنمية أموالهم وإصلاحها والزيادة فيها اخلطوا، وإذا كان الخلط لتأكلوا أموالهم فلا.سبحان الله العظيم! أرأيتم كيف يتلقى المؤمنون تعاليم الله وهدايته وشرعه وأحكامه! أصبحوا أمة مضرب المثل في العدل والمعرفة والكمال، عرف عدونا هذا وسلب القرآن منا والسنة وتركونا كالحيوانات يأكل بعضنا بعضاً.ماذا فعلوا؟ يا شيخ! ما لك تقول هذا؟ ما لي! نسبة العالمين في أمة الألف مليون والله لا تزيد على واحد في المائة، وتسعة وتسعون همج رعاع ضياع لا يعرفون الحق من الباطل، ما يجلسون في حجور العلماء، ولا يسألون ولا يتعلمون، ولا يقرءون كتاباً ولا سنة، ولا يرحلون لطلب العلم، كيف يتعلمون؟ إذاً: يصح خلط مال اليتيم بمال الوصي على شرط: أن يكون الخلط أنفع لليتيم وأصلح لماله؛ فإن كان الخلط ينقص مال اليتيم وينتفع الوصي به لا يحل أبداً، وهذه الآية المحرمة هي هذه: ولا تأكلوا أموالكم مخلوطة إلى أموالهم، وعلل ذلك بأنه إثم عظيم، فقال عز وجل: إِنَّهُ [النساء:2] أي: الأكل. كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2] والحوب: الإثم.قال: [ هذا معنى الآية الأولى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2].وأما الآية الثانية؛ فقد أرشد الله تعالى أولياء اليتيمات ] لا اليتامى الذكور [ أولياء اليتيمات إن هم خافوا ألا يعدلوا معهن إذا تزوج أحدهم وليته أرشدهم إلى أن يتزوجوا ما طاب لهم من النساء غير ولياتهم مثنى وثلاث ورباع. يريد اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع كل بحسب قدرته، فهذا خير من الزواج بالولية فيهضم حقها وحقها آكد لقرابتها ].وإليكم ما قالت أم المؤمنين، روى مسلم صاحب الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، من عائشة هذه؟ لو تجمع نساء العالم كلهن ما كن مثل عائشة أبداً. هل هي جامعية؟ عندها دكتوراه؟
    المرأة المسلمة وحاجتها إلى التعليم
    اشتكت بعض المؤمنات: لم هذا الشيخ يثبط النساء من أن يتعلمن ويحصلن على شهادات عالية جامعية؟قلنا لهم: سوف تعلمن! من الخير للمؤمنة أن تتعلم كيف تعبد ربها، كيف تزكي نفسها، كيف تتأهل لدار السلام، أما أن ترمي بنفسها في المدارس المتوسطة والثانوية والجامعة والهدف معروف، ماذا؟ الوظيفة، وإن كانت خسيسة.لعل الشيخ واهم؟ هذا قلته من أربعين سنة تقريباً وكان كما قلت، لما بدأ الكتاب في المملكة يكتبون في جريدة البلاد والمدينة: المرأة السعودية في ظلام، في ديجور، لم لا تفتح لها مدارس وتتعلم؟قلنا لهم: اسمعوا! المؤمنات بأعيننا، تخرج البنت وتدخل عند جارتها تتعلم كيف تعبد الله؛ لأن الجار عالم يعلم أمه وزوجته وبناته، وعشنا ألفاً وأربعمائة سنة والمؤمنات يتلقين العلم من بعضهن البعض، العلم الذي به يعرف الله ويعبد، به تنمو الأخلاق وتزداد الفضائل، ما هو علم الريال والدينار، وقلنا: والله! إن فتحتم المدارس الابتدائية لتفتحن الثانوية -وأيامها لم تكن قد وجدت المتوسطة بعد- ولتفتحن الجامعة ولتوظفن البنات، وتبقى الوظيفة محدودة في دائرة التعليم، لكن هذه مرحلة أولى فقط، وسوف تَراهن -لا قدر الله- إن عشت موظفات في الدوائر الحكومية؛ لأنها خطوة فخطوة، وأصحاب هذا الفن يقولون: هي الظروف، لا تستعجلوا، لا بد وأن تأكلهم جهنم. ما مضت الأربعون سنة وقد وصلنا الآن إلى الوظيفة بالتعليم.والله تعالى أسأل أن يبقي حكومة آل سعود أولاد عبد العزيز ؛ فإن هي ذهبت إن لم تروا بناتكم وأخواتكم موظفات كاشفات عاريات فاذبحوني. أين أنت يا شيخ؟ أحرقوا قبري بالنار؛ لأنها السنن، والعدو المتربص المتململ يقول: لم يبق هذا النور في هذه البلاد؟ لم لا تكون هذه كغيرها من العالم؟ لم يبق هذا اللباس الأسود وهذا الحجاب وهذا التعنتر؟فلهذا أوصي كل مؤمن ومؤمنة ألا يعصي الله في هذا البلد؛ لأن معاصينا هي التي تسقط حكومة آل سعود. والله الذي لا إله غيره! أيعرف هذا اليهود والمجوس ولا نعرفه نحن؟ ألسنا أهل القرآن؟ أما قال: ( ويل للعرب من شر قد اقترب. قالت زينب : أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ) عرف هذا الثالوث فهو يملأ بيوتنا بالخبث، وقلوبنا بالضلال، ونفوسنا بالشهوات بوسائط مختلفة من التلفاز، إلى الدش، إلى المجلة، إلى الإذاعة، إلى كذا كذا.. حتى ننهار وقد انهار ثلثينا.فلهذا أوصيكم قبلتم أو لم تقبلوا: ألا يراك الله ترتكب في هذه البلاد ذنباً من الذنوب؛ فإنك تساعد على إسقاط حكومة القرآن، أما أن تتكلم فيها وتطعن؛ فهذه والعياذ بالله من أكبر الذنوب والآثام، قد لا تغفر لصاحبها؛ لأنه عمل فيها بالفأس لهدمها.يا شيخ! لم العلماء ما يقولون هذا؟ أنت فقط تعرف هذا الكلام؟إي نعم. إني على علم، على بصيرة، على معرفة، عاشت هذه البلاد في أيامها الأولى ما تعرف إلا بالوهابية، والمذهب الخامس، وأنهم كفار، من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يعرفون السعودي إلا كافر ووهابي، من أثار هذه؟ من هيج هذا؟ لأن راية القرآن ارتفعت، الأمن ساد، الطهر انتشر، تحقق ما لم يتحقق في أعظم دولة في العالم مع جماعة من البدو، كيف تم هذا؟ هذا تم لأنه بنيت الدولة على قول الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] عمي عنها المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا، وما رأوها ولا شاهدوها، وأقاموا الدول ذات الانتفاخات والصياح ولم يقيموا من هذه الأربعة ركناً واحداً، من منعهم؟ قالت فرنسا: يا شمال إفريقيا! نعطيكم الاستقلال على شرط ألا تقيموا دولة القرآن؟بريطانيا لما نادت وحررت ممالك الهند اشترطت عليهم ألا يكونوا دولة القرآن، لكن لم لا نقيم دولتنا على أسس وضعها الله لإقامة الدولة الإسلامية؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] وحكموا وسادوا، ماذا فعلوا؟ غنوا ورقصوا؟! أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] وتكالب عليهم العرب والعجم. تجولنا في الشرق والغرب ما نسمع من أحد يثني خيراً على هذه البلاد من عرب وعجم، لم؟ لأن الشياطين ما تريد أن تبقى هذه الراية. عرفتم هذا؟ أنا أقول: هذه آية الله أقامها في العباد، لما أيس العالم من وجود دولة إسلامية تقوم على هذه الأركان القرآنية الأربعة جاء الله بها، وتحقق أمن وطهر وعدل ما عرفته الدنيا إلا أيام أحفاد أصحاب رسول الله في القرون الثلاثة، ومن وقتها وهم يكيدون ويمكرون حتى تحللنا وأصبح في بلادنا العهر، الزنا، السرقة، الجرائم، التلصص، الربا. لا إله إلا الله، أصابع من هذه؟ أصابع الثالوث، ومددنا أعناقنا وسكتنا، لم ما ينصح بعضنا لبعض؟طهر بيتك لا نسمع فيه إلا القرآن يقرأ، ما نسمع فيه أغاني ومزامير ولا نشاهد سوءاً ولا أباطيل، أدب أولادك، علمهم ذكر الله، احفظ بناتك، تحمل العناء والتعب واصبر ولا تخن ولا تغش ولا تكره، ولا تطلب وظيفة بدون حق.خلاصة القول: الآن كنا في حاجة إلى وقود للسيارة، ما بقي إلا دقيقتين ثلاثة كيف نعمل؟ قلنا: نتوكل على الله ونمشي علنا نحصل عليه، ثم وجدنا المحطة. هيا صب، أخذ يصب، لما قال المغرب: الله أكبر. نزع، قال: ما نزيد، الله أكبر الله أكبر. سبحان الله! قال: نعم ممنوع، أعطوني عشرة ريالات للترات التي صببتها، هذه الآية من آيات الله، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من يوم أن سمعناه ونحن نشاهد الطعن في الهيئة والنغزة والطعن ما يريدونها؛ لأنها جبل أشم، ودعامة عظيمة للدولة القرآنية، ونحن نقول: أطيعوا الهيئة، تعاونوا معها، أحبوا رجالها؛ لأنها أعظم دعامة لكم يا عباد الله، والأعداء يكرهون ويبغضون ويكتبون الطعن في الجرائد أيضاً؛ لأنهم عالمون ونحن ما عرفنا شيئاً، ما علمنا. خلاصة القول: يا مؤمن -وسوف تسمع هذا في قبرك- لا تعص الله في هذا البلد أبداً، تريد أن تعصيه اخرج إلى بلاد أخرى حفاظاً على هذا النور وعلى هذه الدولة القرآنية. هذا أولاً.وثانياً: إياك أن يسمعك الله تطعن أو تتكلم بسوء في هذه الحكومة؛ لأن الطعنة عبارة عن فأس تضرب وتهدم، والعدو عمل على هذا وعمل وانمدت الأعناق والبلاء، ما نريد أن تزول هذه الدولة حتى توجد دول عظيمة أخرى تُحكِّم شرع الله، أما أن يمسح هذا وتقوم الحجة لليهود والنصارى، ما نرضى بهذا أبداً بحال من الأحوال.كلمة أقولها يضحك منها الهابطون من إخواننا السعوديين، نقول: والله الذي لا إله غيره! لأن أرضى أن أذبح وأسرتي فرداً بعد فرد على أن تبقى هذه البقية الباقية على ما هي عليه من الضعف أحب إلي من أن تذهب، نذبح واحداً واحداً وتبقى هذه البقية، يبقى صوت أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، صوت تطبيق حد من حدود الله هو خير لنا.هيا نعمل: نطهر ديارنا وبيوتنا وإخواننا، ما نرضى بالخبث؛ لأن العدو عرف أنه إذا ما استطعنا من طريق حرب الخليج نستطيع من طريق إفشاء الخبث وحب الدنيا والشهوات والتكالب على أوساخها حتى يهبط الشعب في متاهة، وحينئذ يتم مراد العدو.هذا الكلام سمعتموه؟ ما تسمعونه، لم ما تنقلونه؟ أنتم أمناء وإلا لا؟ قل: أخي! لا تعص الله في هذا البلد بأي معصية حفاظاً على هذه البقية الباقية من النور الإلهي، ومن تكلم بكلمة ضد هذه الحكومة نقداً أو طعناً أو تشهيراً، قل له: اسكت، هذا الكلام لا يصح في راعي غنم فضلاً عن أن يكون في حاكم مسلم، والهابطون يطعنون في العلماء، في الحكام، في كل واحد؛ لأنهم هبطوا من علياء السماء، ما عرفوا الله ولا الطريق إليه.
    تابع معنى الآيات
    قال: [ فهذا خير من الزواج بالولية ] ما دمت ما تستطيع أن تحسن إليها وتزوجت بها لجمالها أو لأجل مالها فقط، لا تتزوجها وتزوج من شئت من المؤمنات، إن شئت اثنتين أو ثلاثة أو أربعة، فوق أربع لا يصح أبداً، والإجماع على أن من تزوج أكثر من أربع يقام عليه حد الرجم إذا كان عالماً، وإذا كان جاهلاً يجلد حتى يتوب.قال: [ هذا معنى قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] -أي: اليتيمات- فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] ] ولذَّ.[ مَثْنَى [النساء:3]، ] حال كونه اثنتين اثنتين أو ثلاث ثلاث أو أربع أربع [ وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] يريد تعالى: وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين زوجاته لضعفه؛ فليكتف بواحدة ولا يزد عليها غيرها، أو يتسرى بمملوكته إن كان له مملوكة ]. المملوكة أيام كان الجهاد، غزونا إيطاليا وانتصرنا ماذا نعمل بالأسرى؟ نقتلهم؟ لا. ماذا نعمل بالنساء والأطفال؟ نجوعهم؟ حرام، نعذبهم؟ لا يجوز، نوزعهم على المجاهدين على شرط أن يطعموهم مما يطعمون ويكسونهم مما يكتسون، حتى يدخلوا في رحمة الله. المرأة ماذا تصنع بها؟ لها غريزة ولها شهوة جنسية وإلا لا؟ إذاً: ما دامت عندك وأنت تملكها تسرى بها، تحسن ثيابها وطعامها وفراشها وتطأها بإذن مولاك ومولاها، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3].إذا عجزت عن التعدد لضعفك، وعدم القدرة على العدل انكح مرأة واحدة، ولك أن تتسرى بمملوكة من مملوكاتك، اشتريتها أو ملكتها بجهادك. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3].[ وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] ] الأيمان تملك؟ الجهاد، السيف بم تأخذه بيسارك أو بيمينك؟ قال: [ يريد تعالى: وإن خاف المؤمن ألا يعدل بين زوجاته لضعفه فليكتف بواحدة ولا يزد عليها غيرها، أو يتسرى بمملوكته إن كان له مملوكة، فإن هذا أقرب إلى ألا يجور المؤمن ويظلم نساءه، هذا معنى قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى [النساء:3] -أي: أقرب- أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3] ].والعول هنا بمعنى الجور، ويكون بمعنى الفقر أيضاً، ما نستطيع نتزوج اثنتين خشية عدم القدرة على النفقة ويكثر الأولاد.عال يعول إذا افتقر أيضاً، فلان يعول العائلة الفلانية يزول فقرها بيده.قال: [ وفي الآية الرابعة والأخيرة يأمر تعالى المؤمنين بأن يعطوا النساء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على الرجل لامرأته، فلا يحل له ولا لغيره أن يأخذ منه شيئاً إلا برضا الزوجة؛ فإن هي رضيت فلا حرج في الأكل من الصداق؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] ] ما هو كله [ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] ] تزوجت وأعطيت عشرة آلاف ريال لا يحل لك أن تأخذ ريالاً واحداً إلا برضاها، فإن رضيت وأعطتك خلخالها، سوارها، ذهبها لك ذلك. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] على شرط تكون نفسها طيبة، ما تكون حيية يغلبها الحياء وما ترد عليك، إذا فهمت هذا ما تأخذ. عرفتم؟ وهذا حتى في الرجال، فلان معروف بالحياء، وكل من يطلب منه شيئاً لا يرده، إذا عرفت هذا منه فلا يجوز لك أن تطلبه. ما أخذ بالحياء ما يؤخذ، يعرف بين الناس أفراداً كثيرو الحياء، كل ما تطلب يعطيك حتى مشلحه؛ هذا ما يجوز أن تطلبه، أنت تعرف أنه ما يردك وهو ما عنده، فكذلك صداق المرأة إذا تعرف أنها حيية واستحت منك، وقلت لها: أعطينا ما عندكِ فتعطيك ونفسها غير مطمئنة ولا راضية ما يجوز، لم؟ أما قال تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا [النساء:4] عرفت أن نفسها طيبة بما أعطتك. فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] فإن علمت أنها ما أعطتك إلا حياء أو خوفاً منك ما يجوز أن تأخذه. هل فهمتم معاشر المستمعين والمستمعات؟ لو كان المؤمنون في العالم الإسلامي والمؤمنات كل ليلة في بيوت الله طول العام يتعلمون الكتاب والحكمة هل يبقى جاهل أو جاهلة؟ والله ما يبقى، وإذا رفع الجهل ماذا حل؟ العلم، وإذا حل العلم حل الطهر والأمن والصفاء.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #260
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة النساء - (35)
    الحلقة (259)

    تفسير سورة النساء (40)


    طاعة الله عز وجل ورسوله هي مفتاح دار السعادة، والله عز وجل ما أرسل الرسل إلا ليبلغوا الناس محاب الله فيأتوها، ويبينوا لهم مكاره الله فيجتنبوها، والتحاكم إلى غير الله ورسوله عصيان وضلال وكفر بعد إيمان، فيجب على كل مسلم التحاكم عند الخصام إلى كتاب الله وسنة رسوله، وقبول ذلك الحكم والتسليم له، ورضا القلب واقتناع النفس به، وأنه فيه صلاح العبد في الدنيا والآخرة.
    تفسير قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ...)
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء المباركة ومع هاتين الآيتين المباركتين.إليك تلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فتأملوا وتدبروا في هاتين الآيتين؛ فإن فيهما العلم الكثير، والأجر العظيم.قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:64-65]. ‏
    معنى قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)
    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يخبر تعالى عن نفسه فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا [النساء:64] نحن رب العزة والجلال والجمال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ [النساء:64] وقد علمتم أن الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أولهم نوح، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فعشرات الآلاف، مائة وأربعة وعشرون ألفاً، إلا أن النبي يتبع الرسول الذي تقدمه أو عاصره. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمر الله وإعلامه العباد بأنه إذا أرسل إليهم رسولاً يجب أن يطيعوه، فحاشاه تعالى أن يرسل رسولاً ويأذن للناس ألا يطيعوه، كيف يكملون ويسعدون؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ في أي زمان وفي أي مكان مع آية أمة إلا وقد أعلم تعالى وألزم الناس بطاعته إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].وقد علمتم -زادكم الله علماً- أن طاعة الرسول من طاعة الله؛ إذ لا يأمر الرسول ولا ينهى إلا بما يحب الله أن يُفعل وبما يحب الرسول، فطاعة الله عز وجل هي مفتاح دار السعادة، والذي لا إله غيره ما سعد امرؤ حق السعادة بغير طاعة الله ورسوله، فلا ترهبن، ولا تخافن من كلمة الطاعة؛ لأن هذه الطاعة من أجل إكمالك في عقلك، في أدبك، في أخلاقك، في ذاتك، في آمالك، في حياتك، في أموالك.. لا تفهمن أبداً أن طاعة الله تنقصك شيئاً أو تؤذيك بأي أذى، أو تحدث لك شراً أو ضرراً! والله ما كان؛ لأن الله تعالى ولي المؤمنين فهو يأمرهم كالطبيب يأمر المريض بالأدوية ليشفى، وكالأم تأمر الطفل ليرضع من أجل أن يحيا وينمو، فالله عز وجل يأمر عباده وينهاهم، يأمرهم بما يزيد في كمالهم، وينهاهم بما يسبب خسرانهم أو ضياعهم، ثقوا في هذا، والذي لا إله غيره ما أمر تعالى أولياءه ولا نهاهم إلا من أجل إكمالهم وإسعادهم في الدنيا، وفي الآخرة لا تسأل؛ إذ الآخرة أي الحياة الآتية بعد هذه، ونحن نرحل واحداً بعد واحد، تلك الحياة السعادة فيها، وهي أن ينزل الإنسان في دار السلام، في الجنة دار الأبرار، في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا ينزل عبد ولا أمة لا رجل ولا مرأة إلا إذا كان قد طهر نفسه وطيبها وزكاها، بأدوات التطهير والتطييب والتزكية، والله ما هي بالماء ولا الصابون، وإنما هي بطاعة الله والرسول.إذا أمر الله بأن تقول قل تلك القولة وفي لحظة وإذا هي انعكاسات على نفسك من طهارة وصفاء، إذا نهاك عن كلمة وتركتها له خوفاً منه أو حباً فيه، ما إن تتركها في تلك اللحظة وأقل من اللحظة، وإذ هي إشاعة نور في قلبك، وما ننسى القاعدة التي لا يجهلها إلا الضالون، وهي قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].وكل إلينا التزكية والتدسية أو لا؟ لأننا نحن الذين نباشر العمل الصالح والعمل الطالح، نحن الذين نعمل بالطاعة ونعمل بالمعصية، فالذين يعملون بطاعة الله ورسوله زكوا أنفسهم، طيبوها، طهروها، أصبحت قابلة للعروج والنزول في الملكوت الأعلى، والذين دسوها ولوثوها، وخبثوها وعفنوها، بمعصية الله والرسول، هؤلاء أرواحهم لا تقبل -والله- في الملكوت الأعلى، ويعرج بها ملائكة الموت، ملك الموت وأعوانه، وما إن يصل إلى السماء الأولى وهي سبع، فيستفتحون فلا يفتح لهم، وتعود إلى أسفل سافلين، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].المجرمون والظالمون ما زكوا أنفسهم ولا طهروها، بل خبثوها ودسوها ولوثوها، من يقبلها في ذلك الملكوت الأعلى؟ وقد علق تعالى دخول هذه النفس الخبيثة إلى الجنة تعليق المستحيل، هل يعقل أن الجمل الأورق البعير الأكبر يدخل في عين الإبرة؟ مستحيل.. مستحيل.فذو النفس الخبيثة بالشرك والمعاصي والذنوب والآثام، هذه النفس الخبيثة يستحيل في حقها أن تدخل دار السلام، هذه حقيقة ينبغي لكل إنسان -ولا أقول: كل مؤمن فقط- أن يعيها ويفهمها. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمره وإعلامه بذلك، لماذا؟ لأن الله عز وجل لا يخاطب الناس واحداً واحداً ولا جماعة، وتعالى الله عز وجل على أن يسمع كلامه ويفهم مراد الله منه لأنهم أقل شأناً، فمن هنا يرسل الرسول ويوحي إليه ويكلمه وهو يبلغهم، فمن هنا ما أرسل من رسول إلا وأوجب طاعته بإذن الله؛ لأن طاعة الرسول هي: أن تعمل بمحاب الله فتزكو نفسك وتطيب وتطهر، وتتجنب مكاره الله ومساخطه فتسلم لك الطهارة، ويبقى لك الصفاء والطيب.
    معنى قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ...)
    قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] سبق أن عرفنا أن منافقاً من منافقي المدينة، ويهودياً من يهود المدينة على عهد رسول الله قبل أن تنزل هذه الآيات، اختلفا في شأن من شئونهم، اختصما في قضية من قضايا دنياهم، فاليهودي قال: نتحاكم إلى محمد، لعلم اليهودي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالحق، ويستحيل أن يجور أو يحيف أو يظلم، وهو يريد أن يأخذ الحق، والمنافق المشرك والعياذ بالله خاف من هذا العدل والحق فقال: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف أو إلى فلان الكاهن، وهي زلة من أعظم الزلات.فها هو ذا تعالى يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بأي ذنب؟ بالهروب من التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الله والحاكم العام، وقل ما شئت، يكفي أنه نائب عن الله في إصدار أحكامه، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بذاك الذنب، الرغبة عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه كفر، ظلم. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] يا رسولنا، يأتونك إلى مسجدك، إلى روضتك، إلى بيتك، ما كان عنده صلى الله عليه وسلم قصور ولا حصون، جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء:64] أول خطوة أن يأتوا؛ لأنك صاحب الحق، فأعرضوا عنك هروباً من الحق وإحقاقه، فأولاً يأتوا بين يديك، ويستغفرون الله، يصلون إليك، ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه، ثم تستغفر لهم أنت، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64] ما قال كما في الأول: جاءوك، كان المفروض أن يقال: واستغفرت لهم: قال: واستغفر لهم الرسول؛ لأن هذه العظمة وهذا الجلال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا من كونه محمد أو عربي، ولكن من كونه رسول الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] لتاب عليهم وغفر لهم ورحمهم.
    مسألة: المعنى المراد من استغفار الرسول في الآية
    هنا مسألة تأملوها يفتح الله علينا وعليكم فيها وتأملوا، ذكرناها في هداية الآيات، قال في هذه الآية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].هنا يتجلى بطلان من يزعم أن في الآية دليلاً على جواز طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم، ملايين من القرون التي هبطنا فيها، والعلماء وو.. كلهم يقول: يا رسول الله استغفر لي، يا رسول الله استغفر لي، أمام الحجرة الشريفة، كيف يستغفر لك رسول الله؟ هل هو ما زال يعبد الله ويتعبد الله في الدنيا بالصيام والجهاد والصلاة؟ الرسول صلى الله عليه وسلم في الملكوت الأعلى: جسده الطاهر محفوظ هنا، وروحه في الجنة في دار السلام، كيف تكلفه بأن يستغفر لك؟ أيعقل هذا؟!ومع هذا اتخذوها سنة مطردة متبعة: استغفر لي يا رسول الله، نعم أيام كان صلى الله عليه وسلم في الدنيا يعبد الله ويتقرب إليه بالعمل الصالح، لو قال مؤمن: يا رسول الله استغفر الله لنا، ويقول الرسول: اللهم اغفر لفلان.. اللهم اغفر لفلان، أما بعد وفاته والتحاقه بالملكوت الأعلى نكلفه بأن يستغفر، ما يستغفر.قال: لأن قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] الآية نزلت في الرجلين اللذين أراد التحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي، وإعراضهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشترط الله لتوبتهما إتيانهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفارهم الله تعالى، واستغفار الرسول لهما، وبذلك تقبل توبتهما وإلا فلا توبة لهما، أما من عداهما فتوبته لا تتوقف على إتيانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لاستغفاره له.. وهذا محل إجماع بين المسلمين.تأمل لو كان يذنب ذنباً في الهند، في الصين، في أوروبا، في أمريكا، في أفريقيا.. لا تقبل له توبة إلا إذا جاء للرسول واستغفر له الرسول، من يستطيع أن يتوب؟ كان الرسول صلى الله عليه وسلم قريباً في مكة الناس بعد فتحها في البلاد هنا بالجزيرة، ما فيه مؤمن يذنب ذنباً ويقول: أنا لا بد لي وأن أذهب إلى رسول الله، وأستغفر الله ويستغفر له الرسول حتى يغفر الله له، والله ما كان هذا أبداً، وإنما المؤمن في أي مكان كان إذا أذنب استغفر ربه وتاب إليه يغفر له.وشيء آخر لو كان هذا لازماً لكان الرسول ينبغي أن يبقيه الله على حياته إلى يوم القيامة؛ لأن توبة البشر متوقفة على استغفاره، لكن ما هناك من يوضح أو يبين أو يهدي، فوقع المسلمون في هذا الخلط والخبط، هذه خاصة برجلين ظلما أنفسهما بالتحاكم عند يهودي أو كاهن، وأرادا التوبة أرشدهم الله كيف يتوبون؟تعالوا إلى رسول الله الذي ظلمتموه؛ حيث تحاكمتم إلى غيره وهو الحاكم، واستغفروا الله ويستغفر لكم الرسول -وقطعاً ما يمنعهم لما جاءوا تائبين- وحينئذ يتوب الله عليكم.اسمعوا الآية مرة ثانية: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ من هو هذا؟ رسول الله فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ أولاً وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].مرة أخيرة: لا تفهم يا عبد الله، يا تفهمي لا أمة الله أنه يجوز لي أو لك أو لفلان أن يأتي إلى القبر الشريف ويقول: يا رسول الله استغفر لي، ويقرأ هذه الآية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64] هذا فعله جهلة مقلدون لا أقل ولا أكثر في أيام الظلمة والهبوط، ومن أذنب ذنباً في الشرق أو الغرب ليس إلا أن يقول: أستغفر الله.. أستغفر الله، يصرخ بها ويقلع عن ذلك الذنب ويفر منه ويهرب، ويندم على زلته يبصر ذنبه وتمح خطيئته.اسمعوا الآية مرة ثانية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] فلم هرب هذا المنافق واليهودي من التحاكم إلى رسول الله وطاعته إلى كعب بن الأشرف؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64].
    تفسير قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...)
    قال تعالى، وهذا لنا ولهم ولكل مؤمن ومؤمنة: فَلا [النساء:65] ليس الأمر كما يفهمون أو يدعون، وَرَبِّكَ يقسم تعالى بنفسه؛ إذ هو رب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورب العالمين، وربك يا محمد لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] إذا اختلط أمرهم عليهم واختلفوا في قضية من قضاياهم، لا بد وأن يأتوا إليك ويحكموك فيها، وأنت الذي تحكم بالحق، من رفض ذلك ما هو بمؤمن.هذه الآية عظيمة الشأن، فهي لا تسمح لمؤمن أن يتحاكم إلى كافر أبداً، اختلف مؤمن مع مؤمن يجب أن يتحاكموا إلى الله ورسوله، إلى الكتاب والسنة فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي: اختلط عليهم من الأمور ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65]، إذا دخلت المحكمة القرآنية تتحاكم مع أخيك الذي اختصمت معه، إذا صدر الحكم عليك يجب أن تخرج من المحكمة ونفسك طيبة، لا ضيق فيها ولا تململ ولا حرج أبداً، رضاً بقضاء الله تعالى وحكمه. حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا [النساء:65] مما قضيته وحكمت به عليهم ويسلموا تسليماً كاملاً.شيئان: الأول: أن لا يوجد في نفسك ضيق من هذا الحكم، بل يجب أن ينشرح صدرك وتطمئن نفسك وتفرح أن الله نجاك من أكل أموال الناس أو حقوقهم.ثانياً: وتسلم بالحكم تسليماً، إذا قضى بأن تخرج من هذه العمارة ليست لك سلمها كاملة، قضى بأن هذه السيارة ليست لك أعطها كاملة، ويسلموا تسليماً كاملاً، ومن لم يتصف بهذه الصفات ما هو بمؤمن؛ لأن الله هو الذي نفى الإيمان أو لا؟ وأقسم على ذلك وحلف: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].وقد بينا غير ما مرة أن على الذين يساسون ويحكمون بغير كتاب الله وسنة رسوله، قلنا: على أهل القرية أو أهل الحي أن يتحابوا أن يتعاونوا بعد أن يتعارفوا ويتلاقوا على عبادة الله في بيت ربهم، حتى يصبحوا كأسرة واحدة، أبيضهم كأصفرهم، وغنيهم كفقيرهم، وإذا حصل خلاف بين اثنين، رأساً إلى الإمام إمام المسجد على أن يكون فقيهاً، ويتقاضيان عنده، وما قضى به وحكم به يسلم له صاحبه ويأخذه، ويحمد الآخر ربه ولا يبق في صدره حرج، وبعد ذلك لا نبال بالحكام حكموا أو لم يحكموا.ستقولون: ما نطيق هذا، كيف ما نستطيع؟ ما نستطيع أن نجتمع في بيت ربنا ونحن أهل قرية واحدة أو سكان حي من أحياء المدينة الكبيرة، نجتمع كل ليلة كما نحن الآن مجتمعون، نتعلم كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً بعد يوم والحب ينمو والطهارة تعلو والإخاء والمودة يفرضان أنفسهما علينا، وإذا بأهل القرية كأنهم أسرة طيبة، فإن حصل خلاف بين اثنين إلى أين نتحاكم؟ إلى القانون الفرنسي أو الإيطالي؟ عندنا كتاب الله وسنة رسول الله، وإذا القرية ما فيها عالم نأتي به، نذهب إلى الشرق أو الغرب ونبحث عن عالم نقضيه ونحكمه في قضايانا في بيت ربنا؛ لأننا مسلمون مؤمنون، أما والوضع كما تشاهدون وتعلمون، كيف نعرج إلى الملكوت الأعلى وندخل دار السلام، كيف؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، الكذبة الواحدة تلطخ النفس، النظرة الشزرا تعوقها، فكيف بالسب والشتم والقتل والضرب، والغيبة والنميمة والكذب والسرقة والتلصص والحسد والكبر.. لا إله إلا الله، كيف ندخل الملكوت الأعلى؟ كيف نستطيع وقد أصدر الله حكمه وقضاه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10].كن ابن من شئت يا عبد الله لن تنفعك أبوة ولا بنوة ولا أخوة ولا قبيلة ولا.. ولا..، إنما هي نفسك إن زكيتها طيبتها طهرتها بهذه العبادات المقننة المقدرة، وثبت على ذلك في صدق، وجاء ملك الموت أخذ نفسك وهو فرح مسرور، وتفتح لها أبواب السماء، ويسجل اسمك في عليين، وإن كنت لا تريد هذا ولا تعرفه فسيأتي اليوم الذي نندم فيه حيث لا ينفع الندم.معاشر الأبناء! الشيخ مريض وتعب، وأنا جئت لعدة مسائل: منها التبرك بدعائكم ليشفينا الله.اللهم اشفنا.ثانياً: حتى ما يتعب الإخوان بزيارتي إلى البيت ويرهقون أنفسهم.وثالثاً: نسمع كلمات الهدى وننتفع بها إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •