تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 106

الموضوع: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة (57)




    المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(6-8)



    موقفهم من خبر الآحاد :

    وتناقض المعتزلة في حجية خبر الآحاد، فحكى الآمدي عن أبي الحسين البصري جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً(1)، وحكي الإمام الجويني عن قوم من المعتزلة، والرافضة قالوا : "لا يجوز العمل به شرعاً"(2) .

    ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي عن الخياط المعتزلي، أنه مع ضلالته في القدر، وفي المعدومات؛ منكر الحجة في أخبار الآحاد، قال الأستاذ أبو منصور، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة، فإن أكثر فروض الفقه مبنية علي أخبار من أخبار الآحاد(3) .

    تناقض المعتزلة في العدد المطلوب لقبول خبر الآحاد :

    ومن قبل خبر الآحاد من المعتزلة تناقض في العدد المطلوب لقبوله، وذهب إلي عدم الاحتجاج به في الأعمال إلا بشروط .

    فأما تناقضهم في العدد المطلوب لقبوله . فحكي عن أبي علي الجبائي "أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة"(4) . وحكي عنه أيضاً قوله : "لا يقبل في الشرعيات أقل من اثنين"(5)، ونقل عنه أيضاً قوله : "يعتبر عدد يزيد عن شهود الزنا"(6).

    واشترط رجلين عن رجلين "إسماعيل بن إبراهيم بن عليه" وهو من الفقهاء المحدثين، إلا إنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلي الاعتزال، وقد كان الإمام الشافعي يرد عليه ويحذر منه .

    ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي : "أن بعضهم اشترط في قبول الخبر : أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلي منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة إلي منتهاه، وبعضهم خمسة عن خمسة إلي منتهاه، وبعضهم سبعة عن سبعة"(7).

    أما من ذهب إلى عدم الاحتجاج به في الأعمال إلا بشروط؛ فاشترط :

    1- ألا يخالف ظاهر القرآن الكريم، وهو أحد أصولهم كما سبق، فإذا ورد الحديث مخالفاً لظاهر القرآن الكريم؛ كان دليلاً علي عدم صحته حتى مع إمكان الجمع بين هذا التعارض الظاهري، وهذا الشرط أصل من أصول أهل الزيغ والابتداع من الخوارج والجهمية والجبرية والمعتزلة كما حكاه عنهم الأئمة : ابن قيم الجوزية(8)، والشاطبي(9)، وابن قتيبة(10) وغيرهم .

    2- كما اشترط بعضهم ألا يخالف خبر الآحاد العقل: قال أبو الحسين: لم يقبل ظاهر الخبر في مخالفة مقتضي العقل، لأنا قد علمنا بالعقل علي الإطلاق أن الله عزَّ وجلَّ لا يكلف إلا ما يطاق وأن ذلك قبيح، فلو قبلنا الخبر في خلافه، لم يخل، إما أن نعتقد صدق النبي صلي الله عليه وسلم . في ذلك فيجتمع لنا صدق النقيضين، أو لا نصدقه فنعدل عن مدلول المعجز وذلك محال(11).

    3- كما ذهب فريق الاعتزال إلي أن خبر الآحاد لا يقبل فيما طريقه الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد إنما ينبني علي اليقين لا الظن، وخبر الآحاد إنما يفيد الظن(12)، وأما اليقين فإنما يؤخذ من حجج العقول؛ كما قال الجاحظ : " وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل"(13) .

    وقال :" والاستنباط هو الذي يفضي بصاحبه إلي برد اليقين، وعز الثقة، والقضية الصحيحة، والحكم المحمود "(14).

    وقال القاضي عبد الجبار : " وإن كان - أي خبر الآحاد - مما طريقه الاعتقادات ينظر، فإن كان موافقاً لحجج العقول قبل واعتقد بموجبه، لا لمكانه بل للحجة العقلية، وإن لم يكن موافقاً لها، فإن الواجب أن يرد ويحكم بأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يقله، وإن قاله فإنما قاله علي طريق الحكاية عن غيره، هذا إذا لم يحتمل التأويل إلا بتعسف، فأما إذا احتمله فالواجب أن يتأول"(15) .

    بل زعموا أن من أخبار الآحاد ما يعلم أنه بروايته ارتكب عظيماً، مما روي في باب التشبيه والجبر وغيرها من ضروب الخطأ، ولولا الدلالة علي وجوب العمل به علي بعض الوجوه لم يكن في نقله فائدة(16).

    وسيأتي الجواب عن هذه الشروط في الرد علي شبه منكري حجية خبر الآحاد .







    (1)- الإحكام للآمدي 2 /68، 75، وانظر : المعتمد في أصول الفقه 2 /106.

    (2) - البرهان في أصول الفقه 1 /228، 231، وانظر : المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 238، والمعتمد في أصول الفقه 2 /106 وما بعدها . وفضل الاعتزال ص 195.

    (3) - الفرق بين الفرق ص 168 ، وانظر : الملل والنحل 1 /66.

    (4) - انظر : تدريب الراوي 1 /72.

    (5) - البرهان للجويني 1 /231.

    (6) - المسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 236، 238.

    (7) - تدريب الراوي1 /75، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسةوتقويماً للدكتور عليبن سعد بن ص333

    (8) - أعلام الموقعين 2 /275، 276.

    (9)- انظر : الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1 /199.

    (10)- تأويل مختلف الحديث ص84 وما بعدها، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص210-212

    (11)- المعتمد في أصول الفقه 2 /549، وانظر : شرح الأصول الخمسة ص 565.

    (12)- انظر : المعتمد في أصول الفقه 2 /102، وشرح الأصول ص 769

    (13)- رسالة التربيع والتدوير، ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.

    (14)- كتاب المعلمين . ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.

    (15) - شرح الأصول ص 770، وانظر : فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 182، والمعتمد في أصول الفقه 2/549.

    (16)- الانتصار ص 152، 153.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة (58)



    المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(7-8)

    موقف المعتزلة من الصحابة وأثر ذلك علي السنة النبوية :
    موقف المعتزلة من الصحابة رضي الله عنهم ، لا يقل سوءً وخطراً من موقف الشيعة من الصحابة وأول ما يطالعنا من موقفهم من الصحابة أحد أصولهم الواردة علي لسان أحمد بن يحيي بن المرتضي، وهو تولي الصحابة، والاختلاف في عثمان بعد الأحداث، والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص . وهذا الأصل كما سبق هو أحد الفوارق في الأصول عندهم فهم وإن صححوا خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى من قال منهم بأفضلية علي بن أبي طالب إلا أننا نجد النظام يتطاول عليه، وعلي كثير من أعلام الصحابة كالفاروق عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي هريرة وغيرهم . فلا ندري ماذا يعنون بتولي الصحابة قبل اختلافهم في سيدنا عثمان رضي الله عنهم .
    حتى إذا كانت فتنة سيدنا عثمان رضي الله عنه رأيناهم يشكون في عدالته، فيعلنون التوقف فيه وفي خاذليه وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم، لأنهم أشكل عليهم الأمر في حاله رضي الله عنه قبل الفتنة وبعدها، فتركوا أمره لله عزَّ وجلَّ .
    وهذا التوقف والشك في عدالة أمير المؤمنين، حكاه كما سبق الخياط عن واصل بن عطاء، وقال الخياط :" هذا قول لا تبرأ المعتزلة منه، ولا تعتذر من القول به"(1) .
    حتى إذا كانت فتنة علي بن أبي طالب ومعاوية - رضي الله عنهما - رأيناهم ما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن بفسقهما معاً، وأعلنوا البراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن كان في شقهما(2) بل إن البلخي وهو أحد شيوخ المعتزلة تجرأ برميهما - رضي الله عنهما - بالإلحاد، كما سبق .
    حكي الإمام عبد القادر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) عن شيخ المعتزلة واصل ابن عطاء زعمه أن فرقة من الفرقتين (أصحاب الجمل وصفين) فسقه لا بأعيانهم، وأنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازا أن يكون الفسقة من الفرقتين علياً وأتباعه، كالحسن، والحسين، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وسائر من كان مع علي يوم الجمل، وأجازا كون الفسقة من الفرقتين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر أصحاب الجمل، ثم قال في تحقيق في الفرقتين : لو شهد علي، وطلحة، أو علي، والزبير، أو رجل من أصحاب الجمل عندي علي باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمي بأن أحدهما فاسق لا بعينه، كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمي بأن أحدهما فاسق لا بعينه، ولو شهد رجلان من إحدى الفرقتين أيهما كان قبلت شهادتهما .
    يقول الإمام البغدادي : "ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة في عدالة علي وأتباعه، ومقالة واصل في الجملة كما قلنا في بعض أشعارنا :
    مقالة ما وصلت بواصل *** بل قطع الله به أوصالها(3)
    وإذا كان واصل بن عطاء أيقن بفسق إحدي الفرقتين لا بعينها، فقد أيقن بفسقهما معاً وصرح بذلك عمرو بن عبيد كما حكاه عنه البغدادي(4).
    وعن طعن المعتزلة في الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - قال الإمام البغدادي في الفضيحة الحادية والعشرون من فضائح النظام : "ثم إن النظام - مع ضلالاته التي حكيناها عنه - طعن في أخيار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم بالاجتهاد، فذكر الجاحظ عنه في كتاب (المعارف) وفي كتابه المعروف بـ (الفتيا) أنه عاب أصحاب الحديث ورواياتهم أحاديث أبي هريرة رضي الله عنهم ، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس، وطعن في الفاروق عمر رضي الله عنه، وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه، وشك يوم وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ، وأنه كان فيمن نفر بالنبي صلي الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأنه ضرب فاطمة، ومنع ميراث العترة، وأنكر تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلي البصرة، وزعم أنه ابتدع صلاة التراويح، ونهي عن متعة الحج، وحرم نكاح الموالي للعربيات ...إلخ .
    ... ثم إنه قال في كتابه : "إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة، إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم، وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وإما أنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف، وأن يكونوا رؤساء في المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي، فنسبهم إلي إيثار الهوى علي الدين، وما للصحابة رضي الله عنهم عند هذا الملحد المفتري ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادعوا مع الله تعالي خالقين كثيرين (5)
    وقد ذكر الإمام البغدادي بعد ذلك: "أن نسبة النظام الصحابة إلي الجهل والنفاق يترتب عليه خلود أعلام الصحابة في النار علي رأي النظام، لأن الجاهل بأحكام الدين عنده كافر، والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار علي الخلود(6) .
    وهذا الذي ذكره الإمام البغدادي وافقه علي أكثر ما فيه الإمام الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل). والإمام ابن قتيبة في كتابه (تأويل مختلف الحديث) وقد أغنانا في الرد علي النظام ومن ذهب مذهبه وعلي كل دعاويه واتهاماته الباطلة لصحابة سيدنا رسول الله رضي الله عنهم بما لا يدع مجالاً للشك في تهافت فكرهم وتفاهة رأيهم، وتحقيراً لشأنهم، الإمام ابن قتيبة (7) .
    وهكذا يظهر واضحاً أن المعتزلة ما بين شاك في عدالة الصحابة، منذ عهد فتنة سيدنا عثمان رضي الله عنه وما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن بفسقهما معاً، وما بين طاعن في أعلامهم، متهم لهم بالكذب والجهل والكفر والنفاق كالنظام . مع أن رؤساءهم وخاصة الذين طعنوا منهم في الصحابة - كانوا من الرقة في الدين بحيث يصف أحدهم وهو ثمامة بن أشرس - جمهور المسارعين إلي الصلاة بأنهم "حمير" : وكانوا من الشعوبية والكره للعرب بحيث يقول ثمامة نفسه : "انظر إلي هذا العربي يعني محمد صلي الله عليه وسلم ماذا فعل بالناس؟" فماذا ننتظر من هذا الشعوبي الماجن أن يقول عن صحابة رسول الله رضي الله عنهم ؟ وماذا ننتظر أن يكون رأيه في السنة التي حققها أئمة الحديث ومحققوهم(8)؟
    ولا يقف قدح المعتزلة عند الصحابة فقط، بل يمتد إلي القدح في التابعين رضي الله عنهم وفيمن اتفق الأئمة من المحدثين علي عدالتهم وإمامتهم . وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة لينفروا الأمة عن إتباع السنة وأهلها(9).



    (1) - الانتصار ص 152، 153.
    (2) - ومن عجيب الأمر أن الخياط يعيب علي المحدثين عدم أخذهم بأصل المعتزلة بالبراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن في شقهما، فيقول [ولقد أفرطوا في ذلك حتي تولوا من قامت الحجة بعدواته والبراءة منه] انظر : الانتصار ص 213.
    (3) - الفرق بين الفرق ص117، وانظر: الملل والنحل للشهرستاني 1 /43.
    (4) - الفرق بين الفرق ص118، وانظر : الملل والنحل للشهرستاني 1 /43.
    (5) - الفرق بين الفرق ص 140-142، وانظر : ضحي الإسلام 3 /86.

    (6) - الفرق بين الفرق ص 143.
    (7)- تأويل مختلف الحديث ص 33 - 44.
    (8) - السنة ومكانتها في التشريع ص6، وانظر : تأويل مختلف الحديث ص 54، وانظر : ما قاله الأئمة عن فساد دين رؤوس المعتزلة في تأويل مختلف الحديث ص 28، والفرق بين الفرق ص 143.
    (9) - الاعتصام 1 /186 وما بعدها .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة (59)



    المعتزلة وموقفهم من السنة النبوية(8-8)





    والخلاصة:

    أن أصول المعتزلة علي اختلافها كان لها أسوء الأثر علي الإسلام ورواته حيث وقف المعتزلة بأصولهم من الوحي قرأناً وسنة، ومن الصحابة موقف التحدي، فإذا بدا خلاف في ظاهر النصوص وبين أصولهم أو رأي لا يرونه أولوا النص بما يخرج عن معناه الحقيقي إلي ما يوافق رأيهم(1)

    وعن خطورة تأويلهم آيات القرآن الكريم بما يوافق أصولهم يقول الإمام الأشعري:" إن كثيراً من الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل القدر، مالت بهم أهواؤهم إلي تقليد رؤسائهم، ومن مضي من أسلافهم، فتأولوا القرآن علي آرائهم تأويلاً لم ينزل به الله سلطاناً، ولا يصح به برهاناً، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين"(2) .

    ويقول فضيلة الدكتور أبو شهبة - رحمه الله - : "المعتزلة من أعظم الناس كلاماً وجدالاً، وقد صنفوا تفاسيرهم علي أصول مذهبهم، مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم، شيخ إسماعيل بن عليه، الذي كان يناظر الشافعي، ومثل كتاب أبي علي الجبائي، والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني والكشاف لأبي القاسم الزمخشري . والمقصود : أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين في رأيهم، ولا في تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم، وتارةً من العلم بفساد ما فسروا به القرآن ...، ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحاً، ويدس السم في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى أنه يروج علي خلق كثير من أهل السلف، كثير من تفاسيرهم الباطلة"(3)أ.هـ. .

    ولا يقف خطر أصولهم عند تأويلهم القرآن الكريم مما لم ينزل به الله سلطاناً، وإنما كان لهذه الأصول خطرها الأعظم علي السنة المطهرة، فما تعارض من الأحاديث الصحيحة مع هذه الأصول، إما يؤولونه تأويلاً يشبه الرد، وإما يصرحون بالرد بحجة أن الخبر آحاد، والآحاد لا يحتج بها في العقائد(4)، وهم في كل ذلك يتطاولون علي رواة السنة ويطعنون فيهم سواء من صحابة رسول الله رضي الله عنهم أو من التابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين .

    وفي مواقف المعتزلة من الكتاب والسنة والصحابة، وجد أعداء الإسلام وأعداء السنة المطهرة، ثغرات يلجون منها في الكيد لدين الله عزَّ وجلَّ - قرآناً وسنة - بما وجدوه من ثروة طائلة من السخافات والمثالب، فصوروا الإسلام في صورة الخرافات، وطعنوا بدورهم في أئمة المسلمين وتاريخهم وحضارتهم المجيدة، وقد اغتر بهم الجهلة في عصرنا الحاضر ونسجوا علي منوال أساتذتهم، ورموا علماء المسلمين في كل عصر بكل نقيصة وبهتان، والله يشهد إنهم لكاذبون(5).

    فالمستشرقون، ودعاة التغريب، واللادينية، وهم يهاجمون السنة اليوم، ويثيرون حولها الشبهات اهتموا بالاعتزال والمعتزلة، لأنهم وجدوا فيهم منهجاً له أثره في إفساد الفكر الإسلامي علي العموم، وإبطال حجية السنة وتعطيلها علي الخصوص، ويبدوا هذا واضحاً في إحيائهم للفكر الاعتزالي والثناء عليه، ووصفهم للمعتزلة بأنهم أغارقة الإسلام الحقيقيون، أو وصفهم بالمعتزلة العظام، أو المفكرون الأحرار في الإسلام(6) .

    يقول الدكتور أحمد أمين :" وفي رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة، وعلى أنفسهم جنوا"(7).

    ومن هنا ندرك خطورة تأثر بعض علماء المسلمين الأجلاء من رواد المدرسة العقلية الحديثة بالفكر الاعتزالي ومنهجه في تعامله مع النصوص قرآناً وسنة(8).

    واستغل ذلك التأثر بعض أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة، في دعوتهم الباطلة، وصبغها صبغة شرعية وذلك بالاستشهاد بأقوال رواد تلك المدرسة، والزعم بأن منهجهم العقلي المعتزلي، هو المنهج الحق، وربما ادعوا بأنه منهج سلفنا الصالح(9) .








    (1) - انظر : موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة ص 43، 73، 97، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص 212-215

    (2) - الإبانة للأشعري ص 14.

    (3) - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، ص 114، 115.

    (4) - سيأتي بالبرهان الواضح أن القضية مع المعتزلة في العقائد ليست قضية متواتر وآحاد، وإنما قضية أصولهم فهي الأصل، والقرآن والسنة الفرع، بدليل تأويلهم لآيات القرآن المتواترة في أحاديث العقائد لتعارضها مع أصولهم، ولو صدقوا في دعواهم بأن الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، فلماذا يؤولون تأويلاً أشبه بالرد، الآيات المتواترة في العقائد؟ انظر : موقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة حسين ص 97، 98.

    (5) - انظر:الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 332 بتصرف، والسنة ومكانتها في التشريع ص142، والضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور أحمد محرم الشيخ1 /189-196.

    (6) - انظر : العقيدة والشريعة لجولدتسيهر ص 100 - 102، 118 - 120، وانظر : تراث الإسلام لجوزيف شاخت ص 203، 218، ودراسات في حضارة الإسلام لهاملتون جب ص 268 - 269، 274، ودائرة المعارف الإسلامية ص 576، 580، 584.

    (7) - ضحي الإسلام 3 /207.

    (8) - انظر : المدرسة العقلية وموقفها من التفسير للدكتور / فهد الرومي ، والمدرسة العقلية وموقفها من السنة النبوية للصادق أمين.

    (9) - انظر : أضواء علي السنة محمود أبو رية ص377 وما بعدها، والأضواء القرآنية السيد صالح أبو بكر 1 /16، 36، وتبصير الأمة بحقيقة السنة إسماعيل منصور ص 656، ومجلة روزاليوسف العدد 3586 ص 38 -40، والعدد 3559 ص 48-50، مقالات لأحمد صبحي منصور . وانظر هذا المبحث في السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ( 1 / 103 ــ 124 ).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)


    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة (60)



    المستشرقون والسنة النبوية(1-6)





    أولا : التعريف بالاستشراق لغة واصطلاحاً

    الاستشراق لغة : استشرق من الفعل "شرق" يقال : شرقت الشمس أي طلعت، واسم الموضع المشرق ، وكل ما طلع من المشرق فهو شرق(1)

    واستشرق : أي طلب دراسة ما يتعلق بالشرق، فالألف والسين والتاء في أي فعل تدل على الطلب كاستغفر أي طلب المغفرة .

    الاستشراق اصطلاحاً : هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي ، وهو تعبير أطلقه الغربيون على الدراسات المتعلقة بالشرقيين شعوبهم، وتاريخهم، وأديانهم،ولغاته م، وأوضاعهم الاجتماعية،وبلا دهم، وأرضهم، وحضارتهم، وكل ما يتعلق بهم . وهذا معنى عام للاستشراق .

    وهناك معنى خاص وهو : دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية لخدمة أغراض التبشير من جهة، وخدمة أغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى، ولإعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام وتحطيم الأمة الإسلامية(2).

    وهذا المعنى الخاص لمفهوم الاستشراق هوالذي يعنينا،وهو الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي الإسلامي عندما يطلق لفظ استشراق أو مستشرق ، وهو الشائع أيضاً في كتابات المستشرقين المعنيين(3) .

    والمستشرقون : هم الذين يقومون بهذه الدارسات من غير الشرقيين، ويقدمون الدراسات اللازمة للمبشرين، بغية تحقيق أهداف التبشير، وللدوائر الاستعمارية بغية تحقيق أهداف الاستعمار .

    ومع الدراسات الاستشراقية الموجهة لأغراض التبشير والاستعمار، قام بعض محبي العلم بدراسات استشراقية حيادية غير موجهة، وكان من بعض هؤلاء منصفون للحقيقة ، وبعض هؤلاء المنصفين تأثر بالإسلام وبالحضارة الإسلامية فأسلم (4) .

    هذا ومما لا شك فيه أن الاستشراق كان له أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوربية عن الإسلام وأمته، وفى تشكيل مواقف الغرب إزاء الإسلام على مدى قرون عديدة وحتى يومنا هذا(5) .

    والاستشراق من تعريفه الخاص السابق، موقف عقائدي وفكري معاد للإسلام يقفه الكافرون بهذا الدين بوجه عام، وبعض أهل الكتاب من اليهود والنصارى بوجه خاص .

    وهذا الموقف - في جوهره النابع من العداوة في العقيدة - ليس بجديد وإنما هو امتداد لموقف أسلافهم الكافرين بالإسلام من المشركين وأهل الكتاب - منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم : وهو موقف الإنكار للرسالة، والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإثارة الشبهات حول الإسلام بوجه عام ، وحول القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة بوجه خاص، بغية تشكيك المسلمين في دينهم، ومحاولة ردهم عنه .

    وقد تختلف وسائل المشركين ووسائل أهل الكتاب، ولكنهم - في نهاية المطاف - يلتقون حول الهدف : وهو محاولة منع الخير - وهو الإسلام - عن المسلمين، ومحاولة ردهم عنه ، كما قال الله تعالى : ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم) [ سورة البقرة / 105 ] . وقال تعالى ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [ سورة البقرة /109 ] .









    (1) ـــ القاموس المحيط 3/241، ومختار الصحاح ص 336.

    (2) ــ أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للأستاذ عبد الرحمن الميدانى ص 50 بتصرف، وانظر : الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى للأستاذ الدكتور محمود زقزوق ص 24.

    (3)ــ الاستشراق للدكتور زقزوق ص 24،25، وانظر : المستشرقون والتاريخ الإسلامى للدكتور على الخربوطلى ص 26، ورؤية إسلامية للاستشراق للدكتور أحمد غراب ص 7.

    (4) ــ أجنحة المكر الثلاثة ص 50، 51.

    (5) ـــ الاستشراق للدكتور زقزوق ص20.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 61 )


    المستشرقون والسنة النبوية(2-6)




    ثانيا : منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

    قبل أن نتعرف على موقف المستشرقين من السنة النبوية المطهرة يجدر بنا أن نتعرف أولاً على منهجهم في دراستهم الاستشراقية للإسلام، فبمعرفة هذا المنهج سنقف على أثره في نظرتهم للإسلام، وللسنة النبوية المطهرة ونحن كثيراً ما نسمع المستشرقين يكثرون من القول: إن التحقيق والموضوعية والتحرر منهجهم في كل ما يبحثون لا فرق في ذلك عندهم بين عدو وصديق أو بين قريب وبعيد، ويكثرون من القول أيضاً: أنهم يدرسون العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق ... هكذا يدعون!

    والحق أنهم بعيدون كل البعد عن البحث العلمي النزيه ولا يمتون إليه بصلة، ويستوي في هذا سائر المدارس الاستشراقية(1) .

    ولا أدرى كيف يكون منهج الاستشراق اللاهوتي الوليد من عصبية وحقد النصارى للإسلام ولأمتنا الإسلامية - لا أدرى كيف يكون نزيهاً ومحايداً في دراسته للإسلام ...؟!

    وحتى بعد تطوره في العصر الحديث إلى استشراق علماني استعماري لم يتخل عن العصبية الدينية، وإن لم تطغ هذه العصبية طغيانها قديماً فهو استشراق استعماري طامع في خيرات هذه الأمة حاقد عليها ، ولا أمل له في السيطرة على هذه الأمة إلا بإضعاف عقيدتها بدينها وبتاريخها وحضارتها ، ولا يكون ذلك إلا بالاستشراق اللاهوتي التبشيري،

    وكذلك حال الاستشراق اليهودي في منهجه، كانت تحركه نزعتين :

    إحداهما دينية : تحمل أشد العداوة والحقد للإسلام والمسلمين .

    وثانيهما سياسية : تحمل في داخلها حلم إعادة مملكة سيدنا داود عليه السلام فى فلسطين وحكم العالم أجمع .

    والبحث العلمي النزيه لا صلة له إطلاقاً بما يكتبون عن الإسلام والمسلمين؛ لأنهم وهم يكتبون لا يتخلون أبداً عن أهوائهم وحقدهم الدفين ضد الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وأمته التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، وحتى لو فرضنا أن هذا لا يكون في نفوس بعضهم حين يكتبون عن الإسلام، فإنه مما لا شك فيه يكون في نفوسهم الطمع في خيرات هذه الأمة وهذا يحملهم أيضاً على التحامل على الإسلام، وصدق رب العزة في بيان نزعتهم الدينية في قوله تعالى: ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ سورة البقرة /109 ].

    وصدق رب العزة في بيان نزعتهم الاستعمارية في قوله تعالى : ( مَا يوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [ سورة البقرة / 105 ].

    والمستشرقون في كتاباتهم عن الإسلام لن يتخلوا أبداً عن هاتين النزعتين الدينية والاستعمارية، لأن التحول عنهما، إنما يعنى التحول إلى الإسلام، وهذا التحول إلى الإسلام يعنى في الوقت نفسه التحول عن الاستشراق وأهدافه الخبيثة، وهذا ما حدث بالفعل لبعض المستشرقين ممن أكرمهم رب العزة بالإسلام وهداهم إليه .

    وصدق رب العزة في بيان سبب عدم تخليهم عن نزعتهم الدينية سواء يهودية أو نصرانية في قوله تعالى : ( وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) [ سورة الحج / 55 ]

    فالسبب أنهم أبداً وإلى أن تقوم الساعة في شك من هذا الدين ومن نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وهم دائماً في موقف الحذر منه والتربص به ، ومهما حدث من أمور يظهرون من خلالها التودد والمجاملة، إلا أن ذلك يخفى حقيقة في قلوبهم لا يريدون إظهارها ففعلهم في واد، وقلوبهم في واد آخر .

    وإذا كان هناك من رضاً متوقع، فلن يكون إلا في حين اتباع ملتهم، والسير خلفهم، وعدم مخالفتهم فيما يفعلون أو يكتبون من خرافات وأساطير عن الإسلام أما دون ذلك فلا، قال تعالى:( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [ سورة البقرة / 120 ] ، وقال تعالى: ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [ سورة النساء / 89 ] .

    فالولاء الوحيد في قلوب هؤلاء؛ إنما هو لدينهم ولمصلحتهم لا للإسلام ولا للمسلمين ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [ سورة الأنفال / 73 ] .







    (1) ــ وهى المدرسة النصرانية، والمدرسة اليهودية، والمدرسة العلمانية، والمدرسة الإلحادية الشيوعية . انظر : أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للأستاذ عبد الرحمن الميدانى ص 124، 125، والاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى للدكتور زقزوق ص 48، 49.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 62 )



    المستشرقون والسنة النبوية(3-6)



    ماذا تقتضي الموضوعية في البحث:

    وإذا كان هؤلاء المستشرقون صادقين في ادعائهم الموضوعية والحيدة فيما يكتبون، فنحن نطلب منهم أن يلتزموا بأوليات بديهية يتطلبها المنهج العلمي السليم فعندما أرفض وجهة نظر معينة لابد أن أبين للقارئ أولاً وجهة النظر هذه من خلال فهم أصحابها لها ثم لي بعد ذلك أن أوافقها أو أخالفها .

    وعلى هذا الأساس نقول عندما يكتب عن الإسلام ينبغي أن أقرر : أن الكيان الإسلامي كله يقوم على أساس الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي تلقى القرآن وحياً من عند الله .

    ويجب على العالم النزيه والمؤرخ المحايد أن يقول ذلك لقرائه عندما يتعرض للحديث عن الإسلام حتى يستطيع القارئ أن يفهم سر قوة هذا الإيمان في تاريخ المسلمين(1) ، ثم له بعد ذلك أن يخالف المسلمين في معتقداتهم وتصوراتهم أو يوافقهم.

    غير أن هذا المنهج المنطقي والطبيعي قلما يتبع مع الأسف، ويتبعون بدلاً منه منهجهم القائم على ما يلي :

    1- تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوروبية، فهم حكموا على الإسلام معتمدين على القيم والمقاييس الغربية المستمدة من الفهم القاصر والمحدود



    والمغلوط الذي يجهل حقيقة الإسلام(2) .

    2- تبييت فكرة مسبقة ثم اللجوء إلى النصوص واصطيادها لإثبات تلك الفكرة واستبعاد ما يخالفها، وذلك منهج معكوس وليد الهوى .

    3- اعتمادهم على الضعيف والشاذ من الأخبار،وغض الطرف عما هو صحيح وثابت منها(3) .

    4- تحريف النصوص، ونقلها نقلاً مشوهاً، وعرضها عرضاً مبتوراً(4)، وإساءة فهم ما لا يجدون سبيلاً لتحريفه (5) .

    5- غربتهم عن العربية والإسلام منحتهم عدم الدقة والفكر المستوعب في البحث الموضوعي، حتى ولو اختص أحدهم بأمر واحد من أمور الإسلام طيلة حياته(6) .

    6- تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه ، ويصححون ما ينقله (الدميري) في كتاب "الحيوان" ويكذبون ما يرويه "مالك" في "الموطأ" كل ذلك انسياقاً مع الهوى، وانحرافاً عن الحق(7) .

    7- إبراز الجوانب الضعيفة، والمعقدة، والمتضاربة، كالخلاف بين الفرق، وإحياء الشبه، وكل ما يفرق، وإخفاء الجوانب الإيجابية والصحيحة وتجاهلها(8) .

    8- الاستنتاجات الخاطئة والوهمية وليدة التعصب، وجعلها أحكاماً ثابتة يؤكدها أحدهم المرة تلو المرة، ويجتمعون عليها حتى تكاد تكون يقيناً عندهم(9) .

    9- النظرة العقلية المادية البحتة التي تعجز عن التعامل مع الحقائق الروحية(10).

    10- تفسير سلوك المسلمين، أفراداً وجماعات بأنه مدفوع بأغراض شخصية، ونوازع نفسية دنيوية، وليس أثراً لدافع ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة (11) .

    وهذا المنهج في دراسة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وأمته وتاريخهم المجيد سيبدو واضحاً في وسائلهم للكيد للسنة النبوية المطهرة .






    (1) ــ نقد كتاب فييت (مجد الإسلام) للدكتور حسين مؤنس ملحق بكتاب الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار ص 459 : 463، وانظر : الاستشراق للدكتور زقزوق ص 95.

    (2) ــ السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 188، والاستشراق والمستشرقون للدكتور السباعى ص 49، ومناهج المستشرقين فى الدراسات العربية والإسلامية لجماعة من العلماء ص364، والإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء ص 191، والاستشراق والمستشرقون وجهة نظر للأستاذ عدنان محمد وزان ص 124.

    (3) ــ انظر : السنة ومكانتها فى التشريع ص 188، والاستشراق والمستشرقون للدكتور السباعى ص43، والإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء ص 251.

    (4) ــ انظر : الإسلام والمستشرقون ص 248.

    (5) ــ السنة ومكانتها فى التشريع ص 188، والاستشراق والمستشرقون وجهة نظر ص 130.

    (6) ــ انظر : الرسول صلى الله عليه وسلم . فى كتابات المستشرقين للأستاذ نذير حمدان ص 16.

    (7) ــ انظر : السنة ومكانتها فى التشريع ص 188-189.

    (8) ـــ الإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء ص 241.

    (9) ـــ المصدر السابق ص 247.

    (10) ـــ انظر : الرسول صلى الله عليه وسلم . فى كتابات المستشرقين ص 16.

    (11) ــ انظر : أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للأستاذ عبد الرحمن الميدانى ص147، 148.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 63 )

    المستشرقون والسنة النبوية(4-6)

    نتائج عدم الموضوعية في البحث:
    ونتيجة لهذا المنهج نشروا صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين، وزعموا كذباً أن هذه الصورة الفاضحة هي صورة الإسلام والمسلمين التي يعتقدونها ويعيشونها قديماً وحديثاً، واقتنع بها أبناء جلدتهم، وبعض من أبناء جلدتنا ممن يجهلون دينهم، أو يرغبون في الشهرة، أو مخدوعين بما يدعيه أولئك الأعداء من المنهج العلمي المزعوم، مما جعلهم يصدقون كل ما يكتبه المستشرقون عن الإسلام، بل يعجبون به ويتعصبون له في كثير من الأحيان .يقول الدكتور السباعي :" ترى لو استعمل المسلمون معايير النقد العلمي التي يستعملها المستشرقون في نقد القرآن والسنة وتاريخنا، في نقد كتبهم المقدسة، وعلومهم الموروثة، ماذا يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من قوة؟ وماذا يكون فيها من ثبوت؟ نعم سنخرج بنتيجة من الشك وسوء الظن أكبر بكثير مما يخرج به المستشرقون بالنسبة إلى مصادر ديننا وحضارتنا وعظمائنا ، فحضارتهم مهلهلة رثة الثياب، ورجال هذه الحضارة من علماء وسياسيين وأدباء يبدون في صورة باهتة اللون لا أثر فيها لكرامة ولا خلق ولا ضمير .نعم لو فعلنا ذلك كما يفعلون لرأوا كيف عاد هذا المنهج الذي زعموا أنهم يستخدمونه لمعرفة (الحقيقة) في ديننا وتاريخنا، وبالاً عليهم، لعلهم يخجلون - بعدئذ - من استمرارهم في التحريف والتضليل والهدم"(1) أ.هـ.ويقول الدكتور محمود زقزوق :1- إن الاستشراق - من بين شتى العلوم الأخرى - لم يطور كثيراً في أساليبه ومناهجه . وفى دراسته للإسلام لم يستطع أن يحرر نفسه تماماً من الخلفية الدينية للجدل اللاهوتي العقيم الذي انبثق منه الاستشراق أساساً .2- أن الاستشراق في دراسته للديانات الوضعية مثل البوذية والهندوسية وغيرها غالباً ما تكون دراسات موضوعية بعيدة عن أي تجريح ولكن الإسلام وحده من بين كل الأديان هو الذي يتعرض للنقد والتجريح والمحاربة على الرغم من أنه دين يؤمن بالله ويحترم اليهودية والمسيحية ويؤمن بموسى، وعيسى، ويرفعهما فوق النقد بوصفهما من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام . والمسلمون فقط من بين الشرقيين جميعاً هم الذين يصفون بشتى الأوصاف الدنيئة .3- إن الإسلام الذي يعرضه هؤلاء المستشرقون - المتحاملون على الإسلام - في كتبهم هو إسلام من اختراعهم، وهو بالطبع ليس الإسلام الذي ندين به، كما أن محمداً الذي يصورونه في مؤلفاتهم ليس هو محمد الذي نؤمن برسالته، وإنما هو شخص آخر من نسيج خيالهم(2).

    (1) ــ السنة ومكانتها فى التشريع ص 24 وما بعدها بتصرف .
    (2) ــ انظر : الفكر الإسلامى الحديث للدكتور محمد البهى ص 473، والاستشراق للدكتور محمود زقزوق ص 138 - 143 بتصرف .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 64 )


    المستشرقون والسنة النبوية(5-6)

    تقييم الدراسات الاستشراقية:

    وهكذا يمكن القول بأن الاستشراق في دراسته للإسلام، ليس علماً بأي مقياس علمي، وإنما هو عبارة عن أيديولوجية خاصة يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام، بصرف النظر عما إذا كانت هذه التصورات قائمة على حقائق أو مرتكزة على أوهام وافتراءات(1) .

    ويقول : " الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث، وهى أبعد ما تكون عن بيئة العلم والتحرر، وجمهرة المستشرقين مستأجرون لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه"(2).

    وتقول الدكتورة عزية علي طه شاهدة على منهج المستشرقين بعد أن تتلمذت على بعضهم في الولايات المتحدة، أثناء حصولها على درجة الماجستير في مقارنة الأديان، قالت: " وما كنت أتخيل بأن هؤلاء الناس الذين برعوا في جميع أوجه الحياة، بما في ذلك إبداع كل العلوم والمعارف المعاصرة ...، لم أكن أتخيل أنهم بهذا القدر من التعصب الأعمى والتمسك بملة آبائهم وأجدادهم دون تدبر ولا وعى، ولا إدراك .

    ليس هذا فحسب، بل إنهم اشتطوا في العدوان على عقائد من خالفهم الرأي ولم يتورعوا عن الكذب والدس والبهتان كي يبرروا معتقداتهم الباطلة ويسيئوا إلى العقائد الأخرى، وخاصة الدين الإسلامي الحنيف ورغم ما كنت ألاقيه من عنت ومشقة في الصبر على أذاهم باستماعي لطعنهم في دين الله عزَّ وجلَّ ، بجانب مضايقاتهم المتكررة لي باعتباري مسلمة يجب أن ترتد عن دينها، أو حتى تحاول أن تهدم بعض أركانه باسم التطور، إلا وكان هدفي من الصمود أمام تحدياتهم وكثير بلواهم طيلة هذه المدة، الإحاطة بكل ما يمكن معرفته من عقائدهم الفاسدة ووسائلهم المنكرة في نشرها بين الناس، من طرق تنصير وغيره، واستراتيجية تهجمهم على الديانات الأخرى وخاصة الإسلام"(3) .

    وأخيراً أقول كما قال الدكتور مصطفى السباعي : "إذا كنا نشتد هذه الشدة في حق جمهور المستشرقين المحرفين والمضللين أمثال "جولد تسيهر"، فإننا لا نغمط غيرهم من المنصفين حقهم ممن درسوا الإسلام بموضوعية ونزاهة علمية وأنصفوه وأنصفوا أهله وأدى الأمر ببعضهم إلى اعتناق الإسلام" (4) .

    وإن كنت أرى أن هؤلاء أيضاً سواء من أنصف الإسلام منهم ظاهراً أو حتى ممن كانوا مسلمين لا يجوز الاغترار بإنصافهم هذا ولا الاعتماد في فهم ديننا على ما يكتبون، فكثير منهم دس السم في الدسم، وبعضهم أسلم ثم ارتد بعدما أدى الدور الذي كان مطلوباً منه(5)






    (1) ـــ الاستشراق للدكتور زقزوق ص144،وانظر: الإسلام فى تصورات الغرب للدكتور زقزوق ص14

    (2) ــ دفاع عن العقيدة والشريعة ص 8، وقارن بالإسلام على مفترق الطرق للأستاذ محمد أسد ص53، وانظر : ص 61 كلامه عن استمرار الاستشراق فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين إلى الآن بالرغم أن الشعور الدينى فيه ما هو إلا قضية من قضايا الماضى . وانظر : رؤية إسلامية للاستشراق للدكتور أحمد غراب، ص37 وما بعدها .

    (3) ــ منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص 14،15، وللاستزادة فى بيان حقيقة منهجهم . انظر : رؤية إسلامية للاستشراق للدكتور أحمد غراب ص 79، والمستشرقون والتراث للدكتور عبد العظيم الديب ص 27 وما بعدها .

    (4) ــ السنة ومكانتها فى التشريع ص 25، 26 بتصرف يسير .

    (5) ــ انظر : السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ( 1 / 131 ــ 139 ) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 64 )



    المستشرقون والسنة النبوية(6-6)



    ثالثا : المستشرقون وموقفهم من السنة النبوية

    أدرك المستشرقون أهمية السنة النبوية بالنسبة للإسلام عموماً والقرآن الكريم خصوصاً، وأن التشكيك والنيل منها نيل من القرآن الكريم بل من الإسلام نفسه .

    يقول المبشر الأمريكي (جب) : "إن الإسلام مبنى على الأحاديث أكثر مما هو مبنى على القرآن الكريم، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء، وصار شبه صبيرة طومسون، وطومسون هذا رجل أمريكي، جاء إلى لبنان فقدمت له صبيرة فحاول أن ينقيها من البذر، فلما نقى منها كل بذرها لم يبق في يده منها شيء"(1) .

    وأول مستشرق قام بمحاولة واسعة شاملة للتشكيك في الحديث النبوي كان المستشرق اليهودي "جولد تسيهر" الذي يعده المستشرقون أعمق العارفين بالحديث النبوي، كما وصفه بذلك "بفانموللر" وقال :" وبالأحرى كان "جولد تسيهر" يعتبر القسم الأعظم من الحديث بمثابة نتيجة لتطور الإسلام الديني والتاريخي والاجتماعي في القرن الأول والثاني . فالحديث بالنسبة له لا يعد وثيقة لتاريخ الإسلام في عهده الأول : عد طفولته، وإنما هو أثر من آثار الجهود التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عصور المراحل الناضجة لتطور الإسلام .

    كما بارك جولد تسيهر موقف المعتزلة من السنة النبوية، ورأى أن وجهتهم في رد الأحاديث بالعقل هي الوجهة الصحيحة التي يجب أن تناصر وتؤيد ضد المتشددين الحرفيين الجامدين على النصوص(2) .

    وعلى درب "جولد تسيهر" في موقفه من السنة صار المستشرقون ورددوا شبهاته واعتبروا أنفسهم مدينين له فيما كتبه من شبهات حول السنة .

    وفى هذا يقول عنه كاتب مادة (الحديث) في دائرة المعارف الإسلامية : "إن العلم مدين ديناً كبيراً لما كتبه (جولد تسيهر) في موضوع الحديث، وقد كان تأثير "جولد تسيهر" على مسار الدراسات الإسلامية الاستشراقية أعظم مما كان لأي من معاصريه من المستشرقين فقد حدد تحديداً حاسماً اتجاه وتطور البحث فى هذه الدراسات"(3).

    ومن هنا كان الرد على هذا الداهية الخبيث رداً على عصابة المستشرقين إجمالاً فيما أثاروه من شبهات وطعون حول السنة النبوية المطهرة . وهذا ما سنعرض له فيما بعد إن شاء الله تعالى .









    (1) ـــ التبشير والاستعمار للدكتور مصطفى خالد والدكتور عمر فروخ ص 98.

    (2) ــ انظر : العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 109، 110.

    (3) ــ دائرة المعارف الإسلامية ص231، وانظر : الاستشراق للدكتور محمود حمدى زقزوق ص122، 123.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 65 )



    شبهات حول السنة والرد عليها(1)


    عرضنا فيما سبق للتعريف ببعض الاتجاهات المنحرفة ، وأبنا إجمالا عن موقفها من السنة النبوية المطهرة ، وبداية من هنا وما يأتي سنعرض بمشيئة الله تعالى لشبهاتهم حول السنة النبوية ــ وهي شبهات متعددة ، منها ما يتعلق بحجية السنة ، ومنها ما يتعلق برواتها ، ومنها ما يتعلق بأهم مصادرها ، ومنها ما يتعلق بمناهج الأئمة في وضع القواعد لحفظها ، ومنها ما يتعلق ببعض نصوصها ، إلى غير ذلك مما سنعرض له ، وسوف نقوم بتوفيق الله تعالى بدحض هذه الشبه والرد عليها ، وبيان خطأ وزلل مقترفيها .
    أولا : شبة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم:
    زعم بعض خُصماء السنة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم فيقولون : علينا بالاكتفاء بالقرآن الكريم فقط؛ فهو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول للإسلام، وهو الذي سلم من التغيير والتبديل … إلى آخر ما يقولونه ، تظاهراً بحبهم للإسلام، ودفاعاً عنه، وغيرة على ما في كتاب الله عز وجل من شريعة وأحكام، غير أنهم لا يريدون - مع ذلك - أن يضبطوا أنفسهم وعقولهم بهذا الذي أمر القرآن الكريم بضبط أنفسنا وعقولنا به، من اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مصطنعين لأنفسهم ما يشاءون من آيات القرآن الكريم، يستدلون بها على الاكتفاء بالقرآن وحده، وعدم حجية السنة والحاجة إليها .وتتلخص شبههم حول عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم ، في شبهتين
    الأولى : شبهة الاكتفاء بالقرآن وعدم الحاجة إلى السنة النبوية.
    والثانية : شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.
    أولا : شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم وعدم الحاجة إلى السنة النبوية
    وقد استدلوا على ذلك من القرآن الكريم بآيات عديدة منها :
    1- قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )[ سورة الأنعام / 38 ] .
    2- وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )[ سورة النحل / 89 ] .
    3- وقوله تعالى : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[ سورة الأنعام /114 ]
    4 ــ وقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [سورة الأعراف / 52 ]
    5 ــ وقوله تعالى : (كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[ سورة فصلت / 3 ]
    6- وقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا )[ سورة الأنعام /115 ] .
    7- وقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )[ سورة المائدة / 3 ]
    8- وقوله تعالى : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )[ سورة الأنعام /19 ]
    9- وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )[ سورة الأعراف /170 ]
    10- وقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[ سورة العنكبوت / 51 ]
    هذه الآيات الكريمات وما في معناها؛ استدل بها دعاة الفتنة ــ قديما وحديثا ــ على عدم حجية السنة النبوية المطهرة، وشبهتهم فى هذه الآيات؛ أنها تبين أن القرآن تام قد حوى كل شيء، كما فى آية الأنعام (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صدقا وعدلا )، والله عز وجل ما فرط فى الكتاب من شيء، كما فى آية الأنعام (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) فأتى بالعام ثم فصله تفصيلاً، كما فى آية الأنعام ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) وغيرها، وأتى بالمجمل ثم بينه للناس تبياناً تاماً، كما فى أية النحل (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فهو لا يحتاج بعد هذا البيان إلى شيء آخر، وإلا لو احتاج إلى شيء آخر لكان القرآن غير صادق فيما قال، وهذا أمر مستحيل على الله عز وجل، ومستحيل على كلامه .
    هذه هى ناصية الشبهة الأولى وجماعها، وهم يذكرون لها حشداً عظيماً من الآيات التى تؤيدها سواء كان الدليل فى موضوعه كما فى الآيات التى استشهدوا بها سابقاً، أو فى غير موضوعه كما فى باقى الآيات ، كقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ) ، ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ) ، ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ )
    فهؤلاء المدلسون ما عليهم إلا أن يفتحوا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وينقلوا منه الآيات التي يشوشون بها على المسلمين، ويضعون أمام كل آية جملة تلائمها، ولا يهمهم بعد ذلك أبقيت وحدة الموضوع بين أيديهم أم لم تبق .
    على أية حال فإن هذه هى الشبهة الأولى فى أصلها الأصيل وكلياتها التي لا تخرج عنها مهما علا الضجيج أو ارتفع الصياح(1) .
    يقول الدكتور السباعى - رحمه الله تعالى ــ ، تتلخص حجة من يرد الأخبار كلها كما حكاه الشافعى فى قولهم :" إن القرآن جاء تبياناً لكل شيء، فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد فى القرآن؛ كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار، لقطعية - وهو القرآن - والظني لا يقوى على معارضة القطعي، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن؛ كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تبيناً للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه، بظني لا يكفر من أنكر ثبوته، وهذا غير جائز .
    وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار؛ لأنها قطعية الثبوت، فكيف عمم الشافعي بقوله : "رد الأخبار كلها"؟ والذى يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قطعياً أيضاً بل هو عندهم ظني؛ لأنه جاء من طرق آحادها ظنية، فاحتمال الكذب فى رواته لا يزال قائماً ولو كانوا جمعاً عظيماً"(2) أ.هـ.



    (1) ــ السنة في مواجهة أعدائها ص 63 ، 64 ، والسنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1 / 192 ، 193 .
    (2) ــ السنة ومكانتها في التشريع ص 151 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 66 )


    شبهات حول السنة والرد عليها(1)



    عرضنا فيما سبق للتعريف ببعض الاتجاهات المنحرفة ، وأبنا إجمالا عن موقفها من السنة النبوية المطهرة ، وبداية من هنا وما يأتي سنعرض بمشيئة الله تعالى لشبهاتهم حول السنة النبوية ــ وهي شبهات متعددة ، منها ما يتعلق بحجية السنة ، ومنها ما يتعلق برواتها ، ومنها ما يتعلق بأهم مصادرها ، ومنها ما يتعلق بمناهج الأئمة في وضع القواعد لحفظها ، ومنها ما يتعلق ببعض نصوصها ، إلى غير ذلك مما سنعرض له ، وسوف نقوم بتوفيق الله تعالى بدحض هذه الشبه والرد عليها ، وبيان خطأ وزلل مقترفيها .
    أولا : شبة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم:
    زعم بعض خُصماء السنة عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم فيقولون : علينا بالاكتفاء بالقرآن الكريم فقط؛ فهو كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول للإسلام، وهو الذي سلم من التغيير والتبديل … إلى آخر ما يقولونه ، تظاهراً بحبهم للإسلام، ودفاعاً عنه، وغيرة على ما في كتاب الله عز وجل من شريعة وأحكام، غير أنهم لا يريدون - مع ذلك - أن يضبطوا أنفسهم وعقولهم بهذا الذي أمر القرآن الكريم بضبط أنفسنا وعقولنا به، من اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مصطنعين لأنفسهم ما يشاءون من آيات القرآن الكريم، يستدلون بها على الاكتفاء بالقرآن وحده، وعدم حجية السنة والحاجة إليها .وتتلخص شبههم حول عدم حجية السنة اكتفاء بالقرآن الكريم ، في شبهتين
    الأولى : شبهة الاكتفاء بالقرآن وعدم الحاجة إلى السنة النبوية.
    والثانية : شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها.
    أولا : شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم وعدم الحاجة إلى السنة النبوية
    وقد استدلوا على ذلك من القرآن الكريم بآيات عديدة منها :
    1- قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )[ سورة الأنعام / 38 ] .
    2- وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )[ سورة النحل / 89 ] .
    3- وقوله تعالى : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )[ سورة الأنعام /114 ]
    4 ــ وقوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [سورة الأعراف / 52 ]
    5 ــ وقوله تعالى : (كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[ سورة فصلت / 3 ]
    6- وقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا )[ سورة الأنعام /115 ] .
    7- وقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[ سورة المائدة / 3 ]
    8- وقوله تعالى : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )[ سورة الأنعام /19 ]
    9- وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )[ سورة الأعراف /170 ]
    10- وقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[ سورة العنكبوت / 51 ]
    هذه الآيات الكريمات وما في معناها؛ استدل بها دعاة الفتنة ــ قديما وحديثا ــ على عدم حجية السنة النبوية المطهرة، وشبهتهم فى هذه الآيات؛ أنها تبين أن القرآن تام قد حوى كل شيء، كما فى آية الأنعام (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صدقا وعدلا )، والله عز وجل ما فرط فى الكتاب من شيء، كما فى آية الأنعام (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) فأتى بالعام ثم فصله تفصيلاً، كما فى آية الأنعام ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) وغيرها، وأتى بالمجمل ثم بينه للناس تبياناً تاماً، كما فى أية النحل (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فهو لا يحتاج بعد هذا البيان إلى شيء آخر، وإلا لو احتاج إلى شيء آخر لكان القرآن غير صادق فيما قال، وهذا أمر مستحيل على الله عز وجل، ومستحيل على كلامه .
    هذه هى ناصية الشبهة الأولى وجماعها، وهم يذكرون لها حشداً عظيماً من الآيات التى تؤيدها سواء كان الدليل فى موضوعه كما فى الآيات التى استشهدوا بها سابقاً، أو فى غير موضوعه كما فى باقى الآيات ، كقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ) ، ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ) ، ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ )
    فهؤلاء المدلسون ما عليهم إلا أن يفتحوا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وينقلوا منه الآيات التي يشوشون بها على المسلمين، ويضعون أمام كل آية جملة تلائمها، ولا يهمهم بعد ذلك أبقيت وحدة الموضوع بين أيديهم أم لم تبق .
    على أية حال فإن هذه هى الشبهة الأولى فى أصلها الأصيل وكلياتها التي لا تخرج عنها مهما علا الضجيج أو ارتفع الصياح(1) .
    يقول الدكتور السباعى - رحمه الله تعالى ــ ، تتلخص حجة من يرد الأخبار كلها كما حكاه الشافعى فى قولهم :" إن القرآن جاء تبياناً لكل شيء، فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لم ترد فى القرآن؛ كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهي الأخبار، لقطعية - وهو القرآن - والظني لا يقوى على معارضة القطعي، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن؛ كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تبيناً للقطعي الذي يكفر منكر حرف منه، بظني لا يكفر من أنكر ثبوته، وهذا غير جائز .
    وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار؛ لأنها قطعية الثبوت، فكيف عمم الشافعي بقوله : "رد الأخبار كلها"؟ والذى يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قطعياً أيضاً بل هو عندهم ظني؛ لأنه جاء من طرق آحادها ظنية، فاحتمال الكذب فى رواته لا يزال قائماً ولو كانوا جمعاً عظيماً"(2) أ.هـ.



    (1) ــ السنة في مواجهة أعدائها ص 63 ، 64 ، والسنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1 / 192 ، 193 .
    (2) ــ السنة ومكانتها في التشريع ص 151 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 67 )


    شبهات حول السنة والرد عليها(2)

    والجواب عن هذه الشبهة :
    إن أعداء السنة المطهرة فهموا أن المراد من الكتاب فى قوله تعالى ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) القرآن، ولكن مجموع الآيات ابتداء ونهاية، يفيد أن المراد بالكتاب هنا هو اللوح المحفوظ الذى حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام كما جاء فى الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" . قال : "وعرشه على الماء"(1).
    وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) . والمثلية فى الآية ترشح هذا المعنى؛ لأن القرآن الكريم لم ينظم للطير حياة كما نظمها للبشر، وإنما الذى حوى كل شيء للطير والبشر، وتضمن ابتداءً ونهاية للجميع هو اللوح المحفوظ .
    يقول الحافظ ابن كثير : "أي الجميع علمهم عند الله عز وجل، لا ينسى واحداً من جميعها، من رزقه وتدبيره سواء كان برياً أو بحرياً؛ كقوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَه َا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [ سورة هود / 6 ] . أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها"(2) . والآية نظير قوله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [ سورة الأنعام / 59 ].
    وقوله تعالى : ( عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [ سورة سبأ/ 3 ].
    وعلى هذا الأساس، ففهم أن المراد بالكتاب فى قوله تعالى :( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ). هو القرآن غير دقيق، ويأباه السياق العام للآية وربطها بما قبلها، وبغيرها من الآيات التي فى معناها وسبق ذكرها .
    ومن المعلوم بداهة أن الكلمة فى اللغة العربية يكون لها أكثر من معنى، ويتحدد المعنى المراد منها من خلال سياق الكلام الذى وردت فيه.
    وكلمة "الكتاب" تجيء فى القرآن بمعنى الفرض، والحكم، والقدر. فبمعنى القدر قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) [ سورة آل عمران / 145 ] .
    يقول الحافظ ابن كثير : أى لا يموت أحد إلا بقدر الله، وحتى يستوفي المدة التى ضربها الله له، ولهذا قال تعالى : ( كتاباً مؤجلاً ) . وكقوله تعالى ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ) [ سورة فاطر / 11 ] . وكقوله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) [ سورة الأنعام / 2 ](3) .
    وبمعنى الفرض قوله تعالى :( إن الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) [ سورة النساء /103 ] قال ابن عباس أي مفروضاً(4). والكتاب يأتي فى القرآن الكريم تارة مراداً به اللوح المحفوظ كما سبق وأن بينا، وتارة أخرى يأتي مراداً به القرآن الكريم كما في قوله تعالى : ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) [ سورة إبراهيم / 1 ]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة .



    (1) ــ أخرجه مسلم ، كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام ( 2653 ) .
    (2) ــ تفسير ابن كثير 2 / 2 / 131 ، 132 .
    (3) ــ انظر : تفسير ابن كثير 1 / 410 .
    (4) ــ تفسير ابن كثير 1 / 550 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 68 )



    شبهات حول السنة والرد عليها(3)


    تكملة الرد على الشبهة :
    ومع هذا فنحن نسلم لكم أن المراد من الكتاب "القرآن"، ولكننا نقول لكم : إن هذا العموم غير تام، بل هو مخصص بقول الله تعالى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ سورة النحل / 64 ] .
    والذى يجعلنا نذهب إلى تخصيص هذا العام أمران :
    1- لتتفق آيات القرآن ولا تتعارض فى ظاهرها؛ فإن القرآن ملئ بالآيات التي فوض الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى شرح أحكامها .
    2- إن كثيراً من الأمور الجزئية فى حياة المجتمع تحتاج إلى حكم، وليس فى القرآن إلا قواعده الكلية العامة(1) .
    وعلى هذا فلا بأس أن يكون الكتاب فى الآية الكريمة هو القرآن الكريم.
    ونقول لكم : نعم لم يفرط ربنا عز وجل فى كتابه في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال، ومن بين ما لم يفرط فى بيانه وتفصيله إجمالاً بيان حجية السنة ووجوب اتباعها والرجوع والتحاكم إليها؛ فالقرآن جامع - دون تفريط - كل القواعد الكبرى للشريعة التي تنظم للناس شئون دينهم ودنياهم، والسنة النبوية هى المبينة لجزئياتها وتفاصيلها وهي المنيرة للناس طريق الحياة، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التي تؤكد بالنص أهمية السنة تجاه ما في الكتاب من القواعد التى تحتاج إلى تخصيص أو تقييد أو توضيح أو تبيين..إلخ(2)

    وهنا نأتي للرد على الآيات الأخرى التي استدلوا بها على أن القرآن أنزل مفصلاً وتبياناً لكل شيء، فلا يحتاج بعد هذا البيان إلى السنة المطهرة .
    أما قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ) . وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) .
    فالمراد بالتفصيل والبيان هنا : تفصيل وبيان كل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [ سورة النحل / 44 ] فقاعدة وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا عز وجل فى كتابه العزيز كما فى الآية السابقة، وكما في قوله تعالى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ )[ سورة النحل /64 ]
    يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شيء ، وقال مجاهد: كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعي : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أي بالسنة (3).
    ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعي - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي .
    ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شيء قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالي السابق ولكن الفساد فيما بنوه عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم ، وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ )[ سورة النحل /38 ، 39 ] .
    وقال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ سورة النحل/44 ]

    وقال تعالى : (وما أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[ سورة النحل / 64 ]
    فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبى صلى الله عليه وسلم صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة – البيان ــ التي هي من مهام الرسل جميعاً كما قال عز وجل ( وما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )[ سورة إبراهيم / 4 ] . وقال عز وجل : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ )[ سورة آل عمران / 187 ] . ويوقع التناقض بآية ( ونزلنا عليك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )
    إن كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التي تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!!(4)



    (1) ــ انظر البحر المحيط للزركشي ( 1 / 441 ) .
    (2) ــ انظر : حجية السنة ص 384 ، 385 ، والسنة بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 18 ــ 24 .
    (3) ــ تفسير ابن كثير ( 2 / 582).
    (4) ــ انظر السنة في كتابات أعداء الإسلام ( 1 / 197 ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 69 )

    شبهات حول السنة والرد عليها(4)





    أقوال للعلماء مؤيدة لما قررناه



    وحري بنا بعد هذا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى الآية التي استشهدوا بها

    يقول الإمام الشاطبي: " تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئي، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى .

    وقد قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ سورة المائدة / 3 ] وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود،وغير ذلك .

    فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم بيان صحيح لا إشكال في صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ولا خلاف في هذا البيان النبوي (1) .

    ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولي : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذي هو الوظيفة الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) [ سورة المائدة /67 ] ، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه في آية "التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل"دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …

    و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كي يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح .

    و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، المخاطب .

    و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً .

    ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدى الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أي الناس، وعُدِّى الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هي السبب والحكمة من ورائه، وهي توحي بقوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمري إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى في نفسه "البيان" و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس في فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ واختلافهم في فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين (2) .








    (1) ــ الموافقات 3 / 274 ــ 276 ، 300 ، 301 ، 330 ــ 338 بتصرف .

    (2) ــ السنة بيانا للقرآن ص 4، 5 ، 13 ، 47 ــ 69 .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 70)



    شبهات حول السنة والرد عليها(5)



    بقية أقوال العلماء:



    ويقول الإمام الشافعى : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله عز وجل لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :

    1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً".

    2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التي أنزلها فى كتابه عز وجل .

    3- ومنها ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل (1).

    مما سبق من قول الإمامين الشاطبى والشافعى يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد فى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إلى سنته المطهرة (2)، ففى تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله عز وجل.

    يقول الإمام الشاطبى : "القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا يعوزه منها شيء؛ فهو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية، والتي منها السنة النبوية، فهي حاصلة فيه فى الجملة، والدليل على ذلك أمور :

    1- منها : النصوص القرآنية، كقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ سورة المائدة / 3 ] وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) [ سورة النحل / 89 ] وقوله تعالى :( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) [ سورة الأنعام /38 ] وقوله تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [ سورة الإسراء /9 ] وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما فى الصدور،ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء (3) .

    2- ومنها : ما جاء فى الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" (4) .

    وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : "هَلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن . حسبنا كتاب الله(5)، وأشباه هذا مما روي مرفوعاً وموقوفاً بالاقتصار على القرآن فقط .

    يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الاقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم؛ ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى :( وما ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ سورة الحشر / 7 ] (6)

    وكلام الحافظ ابن حجر السابق نقله مبتوراً الأستاذ جمال البنا فقال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله". وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة المطهرة كما صرح ابن حجر(7) .

    وهذا ما فعله أيضاً الدكتور أحمد صبحى منصور فى كتابه "حد الردة" نقل كلام الحافظ بن حجر الذى نقلناه، وبتر منه لفظة النبى صلى الله عليه وسلم فصارت العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به"(5) أ.هـ.

    وفى هذا الجواب الأخير تعلم الجواب عن باقى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة على الاكتفاء بالقرآن، وعدم حجية السنة، للاقتصار على ذكر القرآن فقط، والوصية به كقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، وقوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ) ، وقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) وقوله تعالى ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) ، وأشباه هذه الآيات الكريمة التى ورد الاقتصار فيها على الوصية بكتاب الله عز وجل، وما ذلك إلا كما علمنا، أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه فى الشرائع والأحكام واتباعه، والعمل بما فيه عمل بالسنة النبوية المستمدة حجيتها ومصدرتيها التشريعية منه . فهى من الوحى الغير متلو، والوحى ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن فى قوله تعالى : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )






    (1) ــ الرسالة ص 20 ، 22 .

    (2) ــ انظر : البحر المحيط ( 1 / 441 ) .

    (3) ــ الموافقات ( 3 /333، 334 ) بتصرف .

    (4) ــ.أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ( 1218 )

    (5) ــ أخرجه مسلم ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ( 1638 )

    (6) ــ فتح الباري ( 5 / 425 ، 426 رقم 2740 )حديث عبد الله بن أبي أوفى .

    (7) ــ السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .

    (8) ــ حد الردة ص 89 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 71)



    شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(1)


    الشبهة الثانية
    زعم أعداء السنة المطهرة أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة، واحتجوا لذلك بقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[ سورة الحجر /9 ] وقالوا : لو كانت السنة حجة ووحياً مثل القرآن؛ لتكفل الله عز وجل بحفظها؛ كما تكفل بحفظ القرآن الكريم.
    والجواب عن هذه الشبهة فيما يلي :
    مما لا شك فيه أن منشأ هذه الشبهة فى كلمة (الذكر) حيث اقتصر فهم المنكرين لحجية السنة المطهرة على أن المراد بكلمة الذكر فى الآية هو "القرآن الكريم" وحده دون السنة، وأن الضمير فى قوله تعالى "له" عائد على القرآن، وأن الآية فيها حصر بتقديم الجار والمجرور وهذا الحصر يفيد عندهم قصر الحفظ على القرآن وحده دون ما عداه (1) .
    ونقول رداً على ذلك : إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والعقل، والتاريخ(2) .
    أولاً : أما الدليل من كتاب الله عز وجل على تكفل الله بحفظ السنة كما تكفل بحفظ كتابه الكريم :
    1- قوله تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[ سورة النحل / 44 ].
    يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد السيد ندا:" فى الآية الكريمة إخبار من الله تعالى : بأن السنة مبينة للقرآن، وقد تكفل الله بحفظه فى قوله تعالى : (إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[ سورة الحجر / 9 ] ، فيلزم من هذا أن يكون قد تكفل أيضاً بحفظ السنة؛ لأن حفظ المبين يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما.
    2- وقال تعالى :(إنا عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)[ سورة القيامة 17ــــ19]. فإنه نص صريح يدل على أن الله قد تكفل بحفظ السنة على وجه الأصالة والاستقلال لا على طريق اللزوم والتبع؛ لأنه تكفل فيه ببيان القرآن فى قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }. أى بيان القرآن، والبيان كما يكون للنبى صلى الله عليه وسلم يكون لأمته من بعده،وهو يكون للنبى صلى الله عليه وسلم بالإيحاء به إليه ليبلغه للناس، وهو المراد فى الآية السابقة :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [ سورة النحل /44] وقوله تعالى :( وماأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ)[ سورة النحل / 64 ] فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله عز وجل (بوحى غير متلو).
    يقول فضيلة الدكتور محمد السيد ندا : "فهذان دليلان على أن الله تكفل بحفظ السنة كما تكفل بحفظ القرآن، وتحقيقاً لهذا الوعد الكريم من الله عز وجل هيأ الأسباب لحفظها، والذود عن حياضها؛ فأثار فى نفوس المسلمين عوامل المحافظة عليها، والدفاع عنها؛ فكانت موضع اهتمامهم ومحل تقديرهم ورعايتهم منذ أن أشرقت شمسها إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"(3) .



    (1) السنة بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص25.
    (2) انظر : السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام 1 / 203 ــ 216 .
    (3) المؤتمر العلمي الرابع للسيرة والسنة 2 / 531 ، 532 . بتصرف .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 72)



    شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(2)





    الدليل الثالث من القرآن على تكفل الله سبحانه بحفظ السنة

    3- ويذكر الإمام ابن حزم دليلاً ثالثاً من كتاب الله على تكفله جل علاه بحفظ السنة فى قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )[ سورة النساء / 59 ]

    يقول الإمام ابن حزم : "هذه الآية الكريمة جامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وذكرت أصولاً ثلاثة وهى قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ). فهذا أصل وهو القرآن،ثم قال تعالى: ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ). فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى: ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ). فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه.

    وصح لنا بنص القرآن، أن الأخبار هى أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }. والبرهان على أن المراد بهذا الرد؛ إنما هو إلى القرآن،والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا، وإلى كل من يخلق ويركب روحه فى جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس؛ كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى لو شغب مشاغب بأن هذا الخطاب إنما هو متوجه إلى من يمكنه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أمكنه هذا الشغب فى الله عز وجل، إذ لا سبيل لأحد إلى مكالمته تعالى؛ فبطل هذا الظن، وصح أن المراد بالرد المذكور فى الآية التى نصصنا إنما هو إلى كلام الله تعالى، وهو القرآن، وإلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم المنقول على مرور الدهر إلينا جيلاً بعد جيل، وأيضاً فليس فى الآية المذكورة ذكر للقاء ولا مشافهة أصلاً، ولا دليل عليه، وإنما فيه الأمر بالرد فقط، ومعلوم بالضرورة؛ أن هذا الرد إنما هو تحكيم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم دون تكلف تأويل ولا مخالفة ظاهر .


    والقرآن والخبر الصحيح بعض من بعض وهما شيء واحد فى أنهما من عند الله تعالى، وحكمها حكم واحد فى باب وجوب الطاعة لهما للآية المذكورة وقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ؛ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[ سورة الأنفال / 20، 21]

    وكلام النبى صلى الله عليه وسلم كله وحى لقوله تعالى :( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[ سورة النجم /3،4] والوحى ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فصح أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله فى الدين وحى من عند الله عز وجل؛ لا شك فى ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة فى أن كل وحى نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل، فالوحى كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه؛ فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرف منه شيء، أبداً تحريفاً لا يتأتى البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك؛ لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خاسئا، وهذا لا يخطر ببال ذى مسكة عقل، فوجب أن الدين الذى أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ بتولى الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل من طلبه مما يأتى أبداً إلى انقضاء الدنيا، قال تعالى :(لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)[ سورة الأنعام 19] فإذا كان ذلك كذلك؛ فبالضرورى نتيقن أنه لا سبيل ألبته إلى ضياع شيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز عند أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك؛ لكان الذكر غيرمحفوظ، ولكان قول الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } كذباً ووعداً مخلفاً،وهذا لا يقوله مسلم

    فإن قال قائل : "إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذى ضمن تعالى حفظه دون سائر الوحى الذى ليس قرآناً . قلنا له وبالله تعالى التوفيق : "هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى :( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[ سورة البقرة / 111] فصح أنه لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحياً يبين بها القرآن، وأيضاً فإن الله تعالى يقول : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )[ سورة النحل / 44 ] فصح أنه عليه الصلاة والسلام مأمور ببيان القرآن للناس .

    وفى القرآن مجمل كثير؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، ولكن بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان بيانه - عليه الصلاة والسلام - لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه؛ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها، وما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب، ومعاذ الله من هذا"(1) .









    (1) الإحكام في أصول الأحكام 1 / 96 ، 117 ، 118 بتصرف يسير .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)


    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 73)


    شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(3)


    الدليل الرابع من القرآن على تكفل الله بحف السنة
    4- ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية : دليلاً رابعاً من كتاب الله عز وجل على تكفله -جل جلاله- بحفظ السنة فى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )[ سورة المائدة / 3 ] وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )[ سورة آل عمران / 85 ] . وقال تعالى :(إن الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )[ سورة آل عمران / 19 ].
    يقول ابن قيم الجوزية : "فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شرائع الإسلام غير محفوظ، وأنه يجوز فيه، التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطاً لا يتميز أبداً، أخبرونا عن إكمال الله تعالى لنا ديننا، ورضاه الإسلام لنا ديناً، ومنعه من قبول كل دين سوى الإسلام .
    أكل ذلك باق علينا ولنا وإلى يوم القيامة؟
    أم إنما كان ذلك للصحابة رضي الله عنهم فقط؟
    أولا للصحابة ولا لنا؟ ولابد من أحد هذه الوجوه .
    فإن قالوا : لا للصحابة ولا لنا؛ كان قائل هذا القول كافراً لتكذيبه الله جهاراً، وهذا لا يقوله مسلم .
    وإن قالوا : بل كل ذلك لنا وعلينا وإلى يوم القيامة؛ صاروا إلى قولنا ضرورةً، وصح أن شرائع الإسلام كلها كاملة والنعمة بذلك علينا تامة .
    وهذا برهان ضرورى وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدين، وفى بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به ما ليس منه أبداً .
    وإن قالوا : بل كان ذلك للصحابة فقط، قالوا : الباطل، وخصصوا خطاب الله بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات الكريمة التى ذكرها عموم لكل مسلم فى الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الإسلام غير كامل عندنا، والله تعالى رضى لنا منه ما لم يحفظه علينا وألزمنا منه ما لا ندرى أين نجده، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة . ووضعوه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيهم صلى الله عليه وسلم - وهذا بيقين ليس هو دين الإسلام، بل هو إبطال لدين الإسلام جهاراً، ولو كان هذا - ومعاذ الله أن يكون - لكان ديننا؛ كدين اليهود والنصارى الذين أخبر الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وما هو من عند الله .
    ونحن قد أيقنا بأن الله تعالى هو الصادق فى قوله :( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ )[ سورة البقرة / 213 ] وأنه تعالى قد هدانا للحق، فصح يقيناً أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هدانا الله تعالى له، وأنه حق مقطوع به حفظه الله تعالى، وقد قال تعالى : { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }[ سورة فاطر / 43 ]
    وقال تعالى :(لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )[ سورة يونس / 64 ] . فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول بأنه سنة الله وبيان نبيه يمكن فى شيء منه التحويل أو التبديل؛ لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذباً، وهذا لا يجيزه مسلم أصلاً؛ فصح يقيناً لا شك فيه أن كل سنة سنها الله عز وجل لرسوله، وسنها رسوله لأمته، لا يمكن فى شيء منها تبديل ولا تحويل أبداً، وهذا يوجب أن نقل الثقات فى الدين؛ يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله عز وجل"(1) أ.ه




    (1) مختصر الصواعق المرسلة 2 / 543 ، 544 .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 74)



    شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(4)





    أدلة السنة على تكفل الله بحفظ السنة


    ثانياً : أما الدليل من السنة النبوية الصحيحة على تكفل الله عز وجل بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(1)

    وقوله صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض )(2).

    ففى هذه الأحاديث وغيرها - يخبر النبى صلى الله عليه وسلم؛ أن له سنة مطهرة تركها لأمته، وحثهم على التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ؛ ففى اتباعها الهداية، وفى تركها الغواية، فلو كانت سنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف والتبديل؛ فلا يتميز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفٌ للواقع، وهذا محال فى حقه صلى الله عليه وسلم، فأمره بالتمسك بها، يدل على أنها ستكون محفوظة تأكيداً لقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ). فدل ذلك على إخبار بالغيب صادق فى الواقع .








    (1) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ( 4607 ) والترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ( 2676 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ، المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ( 42 ، 43 ) .
    (2) جزء من حديث أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ( 1218 ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)

    الدفاع عن السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 75)



    شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(5)


    الدليل العقلي على تكفل الله بحفظ السنة:
    ثالثاً:الدليل العقلى على تكفل رب العزة بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
    يقول الدكتور رؤوف شلبى : "ليس بلازم فى الاحتمالات العقلية أن يكون المراد من الذكر القرآن الكريم وحده، لأمرين :
    1- أنه لو كان المراد من الذكر القرآن الكريم وحده؛ لصرح المولى عز وجل به باللفظ، كما صرح به فى كثير من الموضوعات كما فى قوله تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )[ سورة الإسراء / 9 ] . وقوله تعالى : ( بل هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )[ سورة البروج / 21 ، 22 ] وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ )[ سورة القمر / 17 ] .
    2- لو كان المراد بالذكر القرآن لعبر عنه بالضمير ( إنا نحن نزلناه ) إذ افتتاح السورة فيه نص وذكر للقرآن ( تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُبِينٍ )[ سورة الحجر / 1] والتعبير بالضمير فى نظر اللغة أجود؛ لأن العَلمَ فى المرتبة الثانية من الضمير، إذ هو أعرف المعارف، وهو عمل يتفق مع منزلة القرآن، وتعتمده الصناعة الإعرابية .
    وإذن : فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد فى نظر العقل؛ لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين اللذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوى .
    وإنه لأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين :
    الأول : أن يكون المراد من الذكر الرسالة والشرف الذى استحقه الرسول صلى الله عليه وسلم واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه، ويقوى عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاحة سورة "الحجر" حيث صورت مقالات الكافرين المعتدين على النبوة بأوصاف مفتراه ذكرها رب العزة فى كتابه حكاية على لسانهم( وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَة ِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[ سورة الحجر / 6 ـــ 9 ] .
    فالآيتان الأوليان تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة، والآيتان التاليتان ترد على هذه الاتهامات، وتعد بحفظ الرسالة والشرف الذى نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ويرشح لهذا الاحتمال قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )[ سورة الزخرف/ 44] فعود الضمير فى الآية "إنه" على ما ذكر قبلاً فى قوله تعالى : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ )[ سورة الزخرف / 43 ] دليل على أن التصريح به مراد الشرف، لا سيما ومن قبل ذلك قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )[ سورة الزخرف / 31 ]. فذكر القرآن بالنص أولاً، وذكره بالوحى ثانياً، ووصف ذلك بأنه ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم ولقومه، مما يقوى الاحتمال العقلى، أن المراد من الذكر فى سورة الحجر هو الرسالة والشرف .
    الثانى : أن يكون المراد من الذكر الشريعة مطلقاً، ويرشح لهذا الاحتمال ما تناولته السورة بعد الآية التى معنا فى ذكر موقف الأمم السابقة مع رسلهم، يقول الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ )[ سورة الحجر / 10 ــ 13 ] .
    والأنبياء يكلفون الأمم بالشرائع، والشريعة : كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والذى يستعرض حالات الأمم مع الأنبياء يتضح له أن محاجاة الكافرين مع الرسل، تدور كلها حول التكليف الذى مصدره ما ينزله الله بالوحى المعبر عنهما بالكتاب والسنة.
    وتكون الآية التى معنا قد نبهت على أمر خطير : هو أنه إذا كان الأمر فى الأمم السالفة ينتهى إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الرسل وأممهم؛ فإن هذه الشريعة قرآناً وسنة سيحفظها رب العزة إلى قيام الساعة من كيد أعدائه وأعداء دينه كما وعد فى قوله تعالى: ( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[ سورة الحجر / 9 ] وعلى ذلك فإن الذكر فى الآية مراد به الشريعة، ويكون الضمير فى قوله "له" عائد على الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن الكريم، والسنة المطهرة(1) .
    قلت : ومما يرشح لهذا الاحتمال الثانى : تفسير الإمام الشاطبى للحفظ المضمون فى الآية الكريمة؛ بأنه حفظ أصول الشريعة وفروعها فيقول : "من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه . فهذه ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : هو الأصل والمعتمد، والذى عليه مدار الطلب، وإليه تنتهى مقاصد الراسخين وذلك ما كان قطيعاً أو راجعاً إلى أصل قطعى . والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة فى أصولها وفروعها؛ كما قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التى بها يكون صلاح الدارين : وهى الضروريات والحاجيات، والتحسينات وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها وهى أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعى على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال فى أنها علم أصل، راسخ الأساس، ثابت الأركان(2) .





    (1) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 25 ـــ29 بتصرف .
    (2) الموافقات ( 1 / 32 ، 70 ) ( 2 / 368 ــ 371 ) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •