عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ ، فطوبى للغرباء » . رواه مسلم (145)
قال يونس بن عبيد : ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها .
وروي عنه أنه قال : أصبح من إذا عرف السنة فعرفها غريبا وأغرب منه من يعرفها .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" وأما السنة الكاملة فهي الطريق السالمة من الشبهات والشهوات كما قال الحسن ويونس بن عبيد وسفيان والفضيل وغيرهم ، ولهذا وُصِفَ أهلُها بالغربة في آخر الزمان لقلتهم وغربتهم فيه ، ولهذا ورد في بعض الروايات كما سبق في تفسير الغرباء : « قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم » وفي هذا إشارة إلى قلة عددهم وقلة المستجيبين لهم والقابلين منهم وكثرة المخالفين لهم والعاصين لهم .
ولهذا جاء في أحاديث متعددة مدح المتمسك بدينه في آخر الزمان وأنه كالقابض على الجمر ، وأن للعامل منهم أجر خمسين ممن قبلهم ، لأنهم لا يجدون أعوانا في الخير .
وهؤلاء الغرباء قسمان : أحدهما من يُصلح نفسه عند فساد الناس ، والثاني من يُصلح ما أفسد الناس وهو أعلى القسمين وهو أفضلهما . أهـ (كشف الكربة في وصف أهل الغربة)
قال ابن القيم :
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء ، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات . فأهل الإسلام في الناس غرباء . والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء . وأهل العلم في المؤمنين غرباء ، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء . والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين . هم أشد هؤلاء غربة . ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً ، فلا غربة عليهم ، وإنما غربتهم بين الأكثرين . أهـ المدارج 3/195
وقال أيضاً :
ومن صفات هؤلاء الغرباء -الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وسلم- - التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس ، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة. بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده ، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده . وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً وأكثر الناس ، بل كلهم لائم لهم . فلغربتهم بين هذا الخلق : يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم.
فضل التمسك بالسنة :
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : السنة كسفينة نوح من ركبها فقد نجا ، ومن تخلف عنها غرق.ذم الكلام وأهله (1/81)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا حق ، فإن سفينة نوح إنما رَكِبها مَن صَدّق المرسلين واتَّبَعَهم ، وإن مَن لم يَركبها فقد كَذّب المرسلين ، واتَّباع السنة هو اتِّباع الرسالة التي جاءت مِن عند الله ، فتابِعها بِمَنْزِلة مَن رَكِب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا ، والْمُتَخَلِّف عن اتِّبَاع الرسالة بِمَنْزِلة الْمُتَخَلِّف عن اتَّباع نوح عليه السلام ورُكوب السفينة معه . اهـ .مجموع الفتاوى (4 /137)
" و عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال :
السُّنّةُ والذي لا إله إِلا هُو ، بين الغَالِي والجَافي .. فآصبروا عليها رحمكُم الله ، فإن أهلَ السُّنّة كانوا أقلّ الناسِ فيما مضىٰ ، وهم أقلُّ الناس فيما بقِيَ ، الذين لم يَذهبُوا مع أَهلِ الإِترافِ فِي إتِراَفِهم ، ولاَ مَعَ أهلِ البِدَعِ في بِدَعِهم ، صَبَرُوا عَلَى سُنَّتِهِمْ حتىٰ لقَوا ربهم .. فكذلك إن شاء الله فَكُونُوا .
.
إغَاثةُ اللَّهفانِ : [ ١ / ٧٠ ]
والله المستعان .. وإليه المُشتَكَى .. وحسبنا الله ونعم الوكيل