.............................. .............................

قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]
وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] وقال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]

فهذه ثلاثة أصول لأهل محبة الله تضمنتها هذه الآيات الثلاث:

فالآية الأولى تضمنتمتابعةَ الحبيب في أقواله وأفعالهوهَدْيه وسيرته.
والآية الثانية تضمنت إفرادَ الرب تعالى بالمحبة وإخلاص الدين له، وأنْ لا يُحَبَّ معه سواه، وكل محبوب فإنما تَسُوغ محبته تبعًا لمحبة الله، فيحبه لله وفي الله، لا مع الله، فمحبة المشركين مع الله، ومحبة المخلصين لله وفي الله.
والآية الثالثة تضمنت الجهادَ في سبيل الله لإعلاء كلماته وإعزاز دينه، وترك الالتفات إلى اللُّوَّام.

فهذه الأصول الثلاثة هي الفرقان بين الناس ، وبها يُوزَن أهل الانحراف وأهل الصراط المستقيم، فمَن أحبّ شيئًا غير الله كما يحب الله فهو ممن اتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله.

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]

فلا يُنجِي العبدَ إلا أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه من كل شيء، فطاعة الله ورسوله آثرُ عنده من كل شيء، والله تعالى لم يَرضَ من عباده أن يكون حبُّهم له ولرسوله كحب الأهل والمال، بل أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله، أحبَّ إليهم من أهليهم
وأموالهم ومساكنهم وتجاراتهم وعشائرهم.

والمقصود أن للمحبين ثلاثة أصول، بها تتحقق محبتهم:

الإخلاص وإفراد محبوبهم تبارك وتعالى بالمحبة.
والثاني: الجهاد في سبيله، وهو الذي يُصدِّق إيمانهم ويكذِّبها، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 15].
وبذلك وصف أهل المحبة في قوله: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]،

فوصفهم بست صفات:

أحدها: محبتهم له.
والثانية: محبته لهم.
والثالثة: ذلُّهم ولينُهم على أوليائه.
والرابعة: عِزّهم وشدّتهم على أعدائه.
والخامسة: جهادهم في سبيله.
والسادسة: احتمالهم لومَ الخلق لهم على ذلك، وأنهم ليسوا ممن يصدُّه الكلامُ والعَذْلُ عن الجهاد في سبيل الله، وأنهم ليسوا بمنزلة مَن يحتمل الملام والعذل في محبة ما لا يحبه الله، ولا بمنزلة مَن أظهر من مكروهات الرب تبارك وتعالى ما يُلامون عليه، ويُسمّون بالملامتية إظهارًا منهم لما يُلامون عليه في الظاهر، وهم مُنطَوون في الباطن على الصدق والإخلاص، سترًا لحالهم عن الناس، فهم فعلوا ذلك لعدم احتمالهم الملامَ، والأولون احتملوا الملام فيما لا يحبه الله، وأحبَّاء الله فعلوا ما أحبَّه الله، ولم تأخذهم فيه لومة لائم.

فالأقسام ثلاثة:

أحدها: مَن يصدُّه اللوم عن مَحابِّ الله.
والثاني: مَن لا تأخذه في محبة الله لومة لائم.
والثالث: من يُظهِر ما يُلام عليه إخفاءً لقيامه بمحابِّ الله.

فالأول مفرِّط، والثالث مؤمن ضعيف، والوسط هو الوسط الخيار، وهو المؤمن القوي، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . وأعلى ما يحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله، واللائمون عليه كثير، إذ أكثرُ النفوس تكرهه، و اللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذِّل مفتِّر للهمة، ومُرجِف مُضعِف للقوة والقدرة.انتهى

الكلام على مسالة السماع