تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 7 من 7 الأولىالأولى 1234567
النتائج 121 إلى 128 من 128

الموضوع: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)

  1. #121
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (23)
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر




    بسم الله الرحمن الرحيم




    الخلق مع الله تعالى ( 8-9)


    رابعاً : اجتناب الشرك

    والشرك اتخاذ الند مع الله ، سواء كان هذا الند في الربوبية أو الألوهية(1) ، وهو ضد التوحيد ، وهو غاية الظلم ، كما في قوله سبحانه ( إن الشرك لظلم عظيم )(2) .

    وينقسم إلى شرك أكبر وشرك أصغر ، وإليك بيانهما :

    الشرك الأكبر :

    هو اتخاذ العبد من دون الله نداً يسوّيه برب العالمين ؛ في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته(3) ؛ فمن اعتقد أن المدبر أو المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل أو من يعلم الغيب ... غير الله أو معه فقد أشرك بربويته ، فإن صرف له شيئاً من العبادة كالمحبة والرجاء والتوكل والاستعانة والاستغاثة و الدعاء والصلاة والطواف والذبح والنذر .... وغير ذلك فقد أشرك أيضاً في ألوهيته سبحانه(4).

    وهذا الشرك ينافي التوحيد بالكلية ، ومخرج عن الملة ، قال سبحانه ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً )(5).






    (1) الشرك في القديم والحديث 1/121 .



    (2) سورة لقمان آية 13 .



    (3) انظر الشرك في القديم والحديث 1/141 .



    (4) المرجع السابق باختصار .



    (5) سورة النساء آية 48 .






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #122
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (24)
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر




    بسم الله الرحمن الرحيم




    الخلق مع الله تعالى ( 9-9 )

    الشرك الأصغر :


    وهذا له أنواع كثيرة يمكن حصرها بما يأتي :

    أولاً قولي : أي ما كان باللسان ، ويدخل فيه ما يأتي :

    1- الحلف بغير الله ، قال عليه الصلاة والسلام ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد )(1) ، وقال ( من حلف بالأمانة فليس منا )(2) .

    2- قول ( ما شاء الله وشئت ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان )(3)، ومثله قول لولا الله وفلان ، أو متوكل على الله وفلان ، أو هذا من بركات الله وبركاتك ....الخ . [ ولعل الضابط في هذا أن يكون الشيء مما يختص بالله جل وعلا ، فيعطف عليه غيره سبحانه لا على سبيل المشاركة ، وإنما بمجرد التسوية في اللفظ ، وأما إن كان يعتقد المشاركة فهذا يدخل تحت الشرك الأكبر ](4).

    3- التعبيد لغير الله تعالى ، كعبد النبي وعبد الرسول ( إذا لم يقصد به حقيقة العبودية ) .

    4- إسناد بعض الحوادث إلى غير الله تعالى ، مثل أن يقول : لولا وجود فلان لحصل كذا ، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص ، أو ي

    قول : لولا الله وفلان ، أو يقول مطرنا بنوء كذا وكذا ، قال عليه الصلاة والسلام ( قال الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ؛

    فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب

    )(5).

    لأنه أنكر نعمة الله تعالى ونسبها إلى سبب لم يجعله الله تعالى سبباً(6) .



    ثانياً فعلي : وهو ما كان بأعمال الجوارح ، ويدخل فيه ما يلي :

    1- الرقى المشتملة على الشرك ، وتعليق التمائم والتولة ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن الرقى والتمائم والتَّولة شرك ) (7) ، فإن اعتقد أنها سبب فقد أشرك شركاً أصغر ، وإن اعتقد أن لها تأثير لذاتها فقد أشرك شركاً أكبر .

    والضابط في الأشياء كلها مما تتخذ أسباباً لجلب نفع أو دفع ضر ؛ هو أنها إذا لم يكن لها تأثير بمقتضى الشرع أو العادة أو التجربة فإن اتخاذها لذلك شرك أصغر(8).



    2- إتيان الكهان والعرّافين(9)، وسؤالهم دون تصديق لقوله عليه الصلاة والسلام ( مَن أتى عرّافاً فسأله ، لم تقبل له صلاة أربعينيوماً )(10)،وذلك لأنه وسيلة إلى الشرك ؛ إذ لو وقع مما أخبر به شيء ، اعتقده الناس عالماً بالغيب فصار شركاً أكبر(11).



    3- التنجيم أي تعلم علم النجوم أو اعتقاد تأثير النجوم ؛ ويكون شركاً أصغر إذا اعتقد أنها سبباً لحدوث الخير والشر ، فإذا وقع شيء نسبه إلى النجوم ، أي بعد الوقوع ، أما إذا جعلها سبباً يدعي به علم الغيب كسعادة فلان أو شقاوته ونحوه لأنه وُلد في النجم الفلاني فهذا شرك أكبر إذ لا يعلم الغيب إلا الله تعالى(12).



    ثالثاً قلبي : وهو الرياء ، وهو قصد المدح والثناء أو شيئاً من الدنيا ومن أمثلته ما يلي :



    1- أن يكون الرياء بالأعمال ، كمن يطيل صلاته لنظر الناس إليه ، أو يظهر صومه وصدقته ... طلباً لثناء الناس ومديحهم ، أو يتعلم العلم الشرعي لينال منصباً ، أو يواظب على الصلاة في المسجد لأجل وظيفة أو نكاح أو مسكن ... ، ونحو ذلك .

    2- أن يكون الرياء من جهة القول ؛ كالرياء بالوعظ والتذكير ، أو تلاوة القرآن ... ونحو ذلك طلباً للسمعة والثناء .



    حكم الشرك الأصغر :

    أنه محرم ، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر ، لكنه لا يخرج من ارتكبه عن ملة الإسلام .









    (1)- أخرجه أبو داود ك الأيمان والنذور باب كراهية الحلف بالآباء ح3248-3/219 ، وصححه السيوطي والألباني انظر صحيح الجامع الصغير ح7126-6/137 .

    (2) - أخرجه أبو داود ك الأيمان والنذور باب كراهية الحلف بالأمانة ح3253- 3/220 ، وأحمد 5/352 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح94-1/149 .

    (3) - أخرجه أبو داود ك الأدب باب لا يقال خبثت نفسي ح4980-4/297 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح137-1/214 .

    (4) - الشرك في القديم والحديث 1/170 .

    (5) -أخرجه البخاري ك الاستسقاء باب قول الله ( وتجعلون رزقكم ..) ح1038-2/522 مع الفتح ، ومسلم ك الإيمان باب كفر من قال مطرنا بالنوء 2/59 مع شرح النووي .

    (6) - انظر القول المفيد ص392 ، والشرك في القديم والحديث 1/170 .

    (7) - أخرجه أبو داود ك الطب باب في تعليق التمائم ح3883-4/9، وابن ماجه ك الطب باب تعليق التمائم ح3530-2/1166 ، وأحمد 1/381 ، والحاكم ك الطب 4/217 ، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير ، وكذا صححه الألباني انظر صحيح الجامع الصغير ح1628-1/67 ، والرُّقية هي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ، والمقصود بها هنا الرقى التي اشتملت على الشرك ، التمائم هي العوذ التي تعلق على الإنسان وغيره لدفع الآفات عنه من أي شيء كان ، سواء كان خيطاً أو خرزاً أو حلقة ونحو ذلك مما يلبس أو يعلق . انظر أحكام الرقى والتمائم ص27 و210 ، والقول المفيد ص112، وأعلام السنة المنشورة ص192 ، والتولة شيء يعلقونه على الزوج ، يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والزوج إلى امرأته . انظر القول المفيد ص113 .

    (8) -انظر القول المفيد بتصرف ص106 .

    (9) - الكاهن هو من يخبر عن المغيبات في المستقبل ، والعراف هو من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك ، انظر القول المفيد ص356 .


    (10) -أخرجه مسلم ك السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكاهن 14/227.

    (11) -هذا إذا لم يكن ما أخبروا به مما يستند إلى أمور حسية ، فإن كان كذلك فليس هو من علم الغيب . مثل أحوال الطقس ، وأوقات الخسوف . انظر القول المفيد ص344 .
    (12) - القول المفيد ص377 باختصار .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #123
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (25)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم



    الخلق مع الملائــــــكة



    الملائـكة من الغيب الذي لا ندركه بحواسنا ، ولا نعلم عنه شيئاً إلا عن طريق الوحي (الكتاب و السنة) . ومن الخلق الذي يجب علينا تجاههم ما يلي :



    1) الإيمان بهم(1)،وهو يشمل الإيمان بوجودهم ، وبأنهم خلق من خلق الله تعالى خلقهم من نور ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

    (خلقت الملائكة من نور،وخلق الجان من مارج من نار،وخلق آدم مما وصف لكم)(2).

    وأن لهم أجنحة كما أخبر سبحانه في قوله ( الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير )(3).

    وأنهم يعبدونه بالليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون قال سبحانه ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون )(4).


    ونؤمن أن لهم وظائف وأعمال موكلون بها ولهم أسماء كما ورد في الكتاب والسنة ، من ذلك ما روي عن سمرة رضي الله عنه ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( رأيت الليلة رجلين أتياني ، فقالا: الذي يوقد النار مالك خازن النار ، وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل )(5).

    2) الاستحياء منهم وإكرامهم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إياكم والتعري ؛ فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم )(6) .

    3) عدم إيذاءهم، وذلك بالرائحة الكريهة ؛ عن جابر رضي الله عنه عن النبي

    صلى الله عليه وسلم قال ( مَن أكل من هذه البقلة الثوم – وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث – فلا يقربن مسجدنا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )(7). وفي هذا الحديث دليل على منع آكل الثوم والبصل والكراث والفجل(8) وكل ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة من دخول المسجد وإن كان خالياً ؛ لأنه محل الملائكة(9) ، كذلك يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه البقول من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة ، وذلك لئلا يتأذى من رائحتها الملائكة والمسلمون ، لكن إذا أراد أحد أن يتخذها حيلة لترك الجماعة حرم عليه ذلك(10) .

    4) إكرامهم في البيوت، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : حشوت للنبي صلى الله عليه وسلم وسادة فيها تماثيل كأنها نمرقة ، فجاء فقام وجعل يتغير وجهه ، فقلت : مالنا يا رسول الله ؟ قال ( ما بال هذه ؟ ) قلت : وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها ، قال( أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ؟) وأن من وضع الصور يُعذب يوم القيامة فيقول أحيوا ما خلقتم ؟ )(11).

    بقلم د. إلهام بدر الجابري






    (1) - انظر شرح الواسطية 1/64 وما بعدها .



    (2) - -خرجه مسلم ك الزهد باب أحاديث متفرقة 18/123 مع شرح النووي .



    (3) - سورة فاطر آية 1 .



    (4) -سورة الأعراف آية 206 .



    (5) -أخرجه البخاري ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ...ح3236-6/313 .



    (6) - أخرجه الترمذي ك الأدب باب ما جاء في الاستتار عند الجماع ح2008 وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير ح2193-2/255 ، لكن يشهد لمعناه حديث بهز رضي الله عنه في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن العورات ، قال : قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال ( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ) وقد سبق الحديث .



    (7) - أخرجه مسلم واللفظ له ك الصلاة باب نهي آكل الثوم والبصل ونحوهما عن حضور المسجد 5/50 مع شرح النووي ، والبخاري ك الأذان باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث ح855-2/339 مع فتح الباري .



    (8) - ورد النص عليه في حديث أخرجه الطبراني ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/17:[ رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يحيى بن راشد البراء البصري وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات ] .




    (9) -انظر فتح الباري 2/343و2/575 وشرح النووي لصحيح مسلم 5/49 .



    (10) - انظر فتح الباري وتعليق الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عليه 2/343 .



    (11) -أخرجه البخاري ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ..ح3224-6/311 مع فتح الباري .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #124
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (26)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم



    فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (1-3)


    إن الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- لا يجب فقط على الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين عاشوا معه وصحبوه وإنما يجب الأدب على كل مسلم تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة ويتمثل ذلك في عدة أمور هي ما يلي :

    الأول: الإيمـان بالنـبي -صلى الله عليه وسلم-:

    والإيمان به واجب قال –سبحانه-: ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا )(1) ،

    والإيمان به يقتضي أربعة أمور هي : تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع .

    1-تصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل قال –سبحانه-: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )(2).

    ولقد ضرب أبو بكر في ذلك أروع الأمثلة حتى لُقَّب بالصديق ، تقول عائشة -رضي الله عنها-: ( لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى ، أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتدّ ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر ، فقالوا : هل لك إلى صاحبك ، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أوَ قال ذلك ؟ قالوا : نعم ! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟! قال : نعم ! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي الصديق )(3). وكان النبي -صلى الله عليه

    وسلم - يدرك صدق إيمان أبي بكر وعمر به ويشيد بهما فقد قال يوماً لأصحابه ( بينما راعٍ في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها ، فالتفت إليه الذئب ، فقال له : مَن لها يوم السبع ليس لها راعٍ غيري ؟! وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، فالتفتت إليه فكلمته فقالت : إني لم أُخلق لهذا ، ولكني خُلقت للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإني أُومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب )(4).

    2-طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وهذه الطاعة واجبة بأمر الله – تعالى- قال – سبحانه-: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )(5) وجعل –سبحانه- طاعة نبيه طاعة له فقال: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )(6) وتوعّد

    من يعصه ويعص رسوله فقال: ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً )(7)وقال –سبحانه-: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(8)،بل إن

    التسليم التام لأمره وارتفاع الحرج عن الصدر هو حقيقة الإيمان قال –سبحانه-: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )(9).

    3-ألا يُعبد الله إلا بما شرعه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )(10)، وقال -صلى الله عليه وسلم- ( مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )(11).

    قال ابن رجب رحمه الله تعالى :[ فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب ؛ فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء ](12)، وقال - عليه

    الصلاة والسلام-:(...فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)(13) .



    والبدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله –سبحانه- (14) .








    (1) - سورة التغابن آية 8 .

    (2) - سورة النجم آية 3 .

    (3) - أخرجه الحاكم باب أبو بكر بن أبي قحافة t ح4407- 3/65 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وصححه الألباني لشواهده في السلسلة الصحيحة ح 306.

    (4) - أخرجه البخاري باب استعمال البقر للحراثة ح2199-2/818 .

    (5) -سورة محمد آية 33 .

    (6) - سورة النساء آية 80 .

    (7) - سورة الجن آية 23 .

    (8) -سورة الحشر آية 7 .

    (9) - سورة النساء آية 65 .

    (10) - سورة آل عمران آية 31.


    (11) - أخرجه مسلم 2/1342 ح1718.

    (12) -جامع العلوم والحكم 1/176 .

    (13) - أخرجه أبو داود ك السنة باب في لزوم السنة ح6407-4/200 ، والترمذي ك العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة ح2676-5/44 ، وأحمد 4/126 ، والحاكم ح1/95 وقال صحيح ليس له علة ووافقه الذهبي .
    (14) - الاعتصام للشاطبي المختصر ص7 .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #125
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (27)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم



    فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم(2-3)

    الثاني/ محبتــه صلى الله عليه وسلم:

    ومحبته صلى الله عليه وسلم واجبة قال سبحانه ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )(1).

    قال القاضي عياض رحمه الله بعد أن أورد هذه الآية :[ فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم بقوله تعالى ( فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ) ثم فسّقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله ](2)، وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )(3).

    وقد بلغ حب الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عظيماً فلما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ (4).

    واشتهرت مواقف وأقوال كثيرة للصحابة في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل قائل يقول : لا عجب فهم رضي الله عنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبوه فحق لهم أن يحبوه ، أما نحن فأنى لنا أن نبلغ مبلغهم في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟! وأترك الإجابة عن هذا التساؤل لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( مِن أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله )(5).

    بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم :

    1- حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم نابع من حبنا لله تعالى قال ابن القيم رحمه الله تعالى :[ وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه ، كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه ؛ فإن أمته يحبونه لمحبة الله له ، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له ، فهي محبة لله من موجبات محبة الله ، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ](6).

    2- حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته كما قال سبحانه ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )(7).

    وقد ظهر هذا الحرص في صور عدة منها ؛ حرصه على تبليغ الدعوة وهداية أمته قال سبحانه ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً )(8).

    وحينما جاءه جبريل عليه السلام يبلغه بأن ملك الجبال يستأمره بما يصنع بكفار قريش وقد كذبوه وآذوه حتى بلغ به الأذى ما بلغ ( يا محمد إن الله قد سمع ول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليه الأخشبين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )(9).

    ومنها حرصه على تخفيف التكاليف الشرعية عن أمته ولعل من أقرب الأمثلة على ذلك تخفيف الصلاة المفروضة من خمسين صلاة إلى خمس صلوات مع بقاء أجر الخمسين ، ولولا خشية الإطالة لسردنا الكثير من الأمثلة التي تظهر حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التخفيف والتيسير وحسبنا قول الله تعالى ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )(10).

    ومنها أنه بعث عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين قال سبحانه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )(11)، وقال سبحانه أيضاً ( بالمؤمنين رءوف رحيم )(12)، فكان مبعثه رحمة وحياته رحمة قال سبحانه ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )(13).

    وبه أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى. ومنها ادخاره دعوته لأمته فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وإني اختبيء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة )(14) .

    ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة ففي الحديث ( يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم _ إلى قوله – فيأتونني فانطلق حتى استأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله، ثم يقال ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ، فيحد لي حداً ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي – مثله – ثم أشفع ، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ، ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا مَن حبسه القرآن ووجب عليه الخلود ... )(15).

    3- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة التي امتدحه بها الله سبحانه وتعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم )(16)، هذا الخلق الذي نالنا منه نصيب وافر ونحن لم نلقه ولم نره ؛ كدعائه صلى الله عليه وسلم لعامة أمته من لقيهم ومن لم يلقهم ، والشفاعة لكل من استحقها من أمته وإن لم يلقه ، وكذا أضحيته عمن لم يضح من أمته ، ورحمته بأمته التي ندركها في كثير من التكاليف الشرعية ، ووصيته بالنساء والضعفاء ونحوهم ، وكل من يقرأ في سيرته عليه الصلاة والسلام يتملكه الإعجاب به ومحبته بل إن معرفة كريم خلقه صلى الله عليه وسلم دفع الكثيرين إلى الدخول في الإسلام .

    4- أن محبته صلى الله عليه وسلم من أجلّ القرب وأفضل الطاعات ، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال ( يا أيها الناس ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ) قال : أُبي : فقلت يا رسول الله ، إني أكثر من الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ( ما شئت ) قلت : الربع ؟ قال : ( ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ) قلت : فالنصف ؟ قال : ( ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ) قلت : فالثلثين ؟ قال : ( ما شئت فإن زدت فهو خير لك ) قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : ( إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك )(17) .

    علامات صدق محبة النبي صلى الله عليه وسلم :

    1- تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأوامره على من سواه وهذا معنى محبته أكثر من الولد والوالد والناس أجمعين ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )(18)، وقال سبحانه ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )(19).

    2- الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم والاستنان بسنته ، وقد عُرف هذا منذ القدم في الدلالة على المحبة فمازال الناس يتتبعون سنن مَن يحبون ويحاكونهم في عاداتهم وسلوكياتهم وهيئاتهم وإن لم يكونوا أهلاً للحب والاقتداء ، والناظر للمجتمع يرى من ذلك عجباً. ومما يساعد على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم مطالعة سيرته وإلا بأي شيء سيستن!

    3- الصلاة والسلام عليه قال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )(20)، وقال صلى الله عليه وسلم ( البخيل مَن ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ )(21).

    4- محبة حديثه وأهل بيته وصحابته ، فإن محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة أصحابه من محبته صلى الله عليه وسلم لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم .








    (1) - سورة التوبة آية 24 .

    (2) - الشفا بتعريف أحوال المصطفى 2/18 .

    (3) - أخرجه البخاري باب حب الرسول من الإيمان ح 15-1/14 ، ومسلم باب وجوب محبة النبي r أكثر من الأهل والولد والوالد ح44-1/67 .

    (4) - شرح الشفا ملا علي القاري 2/40 .

    (5) - أخرجه مسلم باب فيمن يود رؤية النبي r بأهله وماله ح 2832-4/2178 .

    (6) - جلاء الأفهام ص297 .

    (7) - سورة الأنبياء آية 107 .

    (8) - سورة الكهف آية 6 .

    (9) - أخرجه البخاري باب ما لقي النبي r من أذى المشركين ح3059-3/1180 .

    (10) - سورة الأعراف آية 157 .

    (11) - سورة الأنبياء آية 107 .

    (12) - سورة التوبة آية 128 .

    (13) - سورة الأنفال آية 33 .

    (14) - أخرجه البخاري باب لكل نبي دعوة مستجابة ح945-5/2323 ، ومسلم باب اختباء النبي r دعوة الشفاعة لأمته ح199-1/189.

    (15) - أخرجه البخاري باب قول الله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ح 4206-4/1624 ، ومسلم باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ح 193-1/180 .

    (16) - سورة القلم آية 4 .

    (17) - أخرجه الترمذي وحسنه ح2587 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح1999 وفي الصحيحة ح954 .


    (18) - قال ابن حجر في الفتح 13/289 : أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر الأربعين .

    (19) - سورة الأحزاب آية 36 .

    (20) - سورة الأحزاب آية 56 .

    (21) - أخرجه الترمذي باب قول النبي r رغم أنف الرجل ح 3546- 5/551 وقال :حسن صحيح غريب ، وابن حبان ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي r ح 909-3/189 ، والنسائي في السنن الكبرى باب من البخيل ح 9883-6/19 ، وأحمد ح 1736- 1/201













    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #126
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (28)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم



    لا تزدحمــــا



    قال ابن جريج : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام – وكان أميراً على الحج - النساء الطواف مع الرجال ، قال : كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الرجال ؟ قلت : أبعد الحجاب أم قبل ؟ قال : إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب ، قلت : كيف يخالطن الرجال ؟ قال : لم يكن يخالطن ، كانت عائشة - رضي الله عنها- تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم ، فقالت امرأة : انطلقي نستلم يا أم المؤمنين ؟ قالت: عنكِِ. وأبت، فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأُخرج الرجال (1).



    ومعنى هذا أن ابن هشام لما كان أميراً على الحج منع طواف النساء والرجال في وقت واحد، وعمد إلى تقسيم الأوقات بينهم ، فاستنكر ذلك عطاء ، واستند على طواف زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- مع الرجال غير مختلطات ، فعائشة وغيرها - رضي الله عنهن- كانت تطوف حجرة - أي معتزلة الرجال- . ولهذا لما أخبرتها مولاة لها أنها طافت بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً قالت لها : لا آجرك الله ، لا آجرك الله ، تدافعين الرجال ، ألا كبرت ومررت (2). وكن يخرجن مستترات بالليل فيطفن مع الرجال، وهن إلى الجهة القريبة من الكعبة(3) .



    من هنا يُعلم أنه ليس للنساء مدافعة الرجال، والعكس، والتساهل في ذلك والاعتذار بالازدحام، وأداء النسك ، وعلى الرجل والمرأة اتقاء الله تعالى، وبذل الوسع ليتجنبا الالتصاق والازدحام، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخيَط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )(4).







    (1) - أخرجه البخاري ك الحج باب64 طواف النساء مع الرجال ح1618-3/479، 480 مع فتح الباري.

    (2) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/81 .

    (3) - انظر: فتح الباري 3/480.
    (4) - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ح487-20/212 ، والبيهقي في شعب الإيمان ح5455-4/374 ، وإسناده حسن قال الألباني في السلسلة الصحيحة ح226-1/395 :[ وهذا سند جيد ...] .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #127
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (29)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم

    هل تغطي المحرمة وجهها؟
    تخطئ كثير من النساء فهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ( لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين )(1) فتظن أن المحرمة لا تستر وجهها، بل تظن خطأً أنه لا يجوز لها ذلك ، وهذا غير صحيح ، فالمرأة في الحج يتأكد في حقها مزيد من الستر والتغطية لإحاطة الرجال بها من كل جانب ، لا سيما في الطواف والسعي ، والمراد أن النقاب الذي رُخّص لها في غير حال الإحرام لا يُرخص لها في الإحرام ، وأنها مأمورة بسدل الخمار على كامل وجهها .
    فها هي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- تذكر من حالها وحال الصحابيات معها في الحج قائلة ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ) أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي .
    وتخبرنا أسماء بنت أبي بكر فتقول: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال ، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ) أخرجه ابن خزيمة، والحاكم وقال:: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي .


    وبذلك يتضح أن على المحرمة تغطية وجهها أمام الرجال الأجانب، وهذا الذي يتماشى مع سماحة الإسلام في تشريعاته للرجال والنساء ؛ إذ كيف يؤمر الرجل بغض البصر ، ويؤثم بإطلاقه ، وهو مُحاط بالنساء السافرات من كل جهة في الطواف والسعي !!

    (1) - أخرجه البخاري في جزاء الصيد باب ما ينهى عن الطيب للمحرم ح1838.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #128
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: كيف نبنى الاسرة المسلمة السعيدة (متجدد إن شاء الله)




    السلسلة الثانية
    (أخلاق البيت السعيد)
    الحلقة (30)
    الدكتورة إلهام بدر الجابرى




    بسم الله الرحمن الرحيم

    فقه الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم (3-3)


    الثالث: تعظيـم النـبي صلى الله عليه وسلم:

    وتعظيمه واجب قال الله – تعالى - : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً )(1).

    والتعزير: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه مما يؤذيه .

    والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار(2).


    والتعظيم يقتضي ما يلي :

    1- استشعار هيبته صلى الله عليه وسلم، وجلالة قدره، وعظيم شأنه ومكانته .

    2- التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم، بألا يُذكر باسمه مجرداً؛ بل يُوصف بالنبوة أو الرسالة .

    3- الأدب في مسجده، وكذا عند قبره، وهذا مُستفاد من النهي عن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم في قوله – تعالى -: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(3).

    وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُلْزِمُ الناس بهذا الأدب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند قبره ، فعن السائب بن يزيد قال : [ كنت قائماً في المسجد ، فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : اذهب فائتني بهذين ، فجئته بهما ، قال : مَن أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله!](4).

    4- توقير حديثه صلى الله عليه وسلم والتأدب عند سماعه ودراسته ، وتقديمه على كل قول ورأي ، قال ابن القيم - رحمه الله -: [ ومن الأدب معه ألا يُستشكل قوله ، بل تُستشكل الآراء لقوله ، ولا يُعارض نصه بقياس ، بل تُهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه ، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته](5) . وحدّث ابن سيرين - رحمه الله - رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان وفلان كذا، فقال ابن سيرين: أُحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول قال فلان وفلان كذا وكذا ؟ والله لا أكلمك أبداً (6) .

    وقد كان لسلف الأمة وعلمائها مواقف تدل على أدب جم مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتصر على موقف واحد منها ، قال أبو سلمة الخزاعي : [ كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يُحدث توضأ وضوءه للصلاة ، ويلبس أحسن ثيابه ، ويلبس قلنسوة ، ويمشط لحيته ! فقيل له في ذلك، فقال: أُوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)إذا جلس جلس للحديث قعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار (8).

    ولكن يُحذر من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ورفعه فوق منزلة النبوة، وإشراكه في علم الغيب ، أو سؤاله من دون الله ، أو القسم به ، وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )(9) .

    وقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله)(10).

    ولما همّت طائفة من الناس بالغلو فيه فقالوا: أنت سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا.قال لهم ( يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل- )(11) .

    وكذا حذر من أن يُتخذ قبره وثناً يعبد من دون الله، أو مسجداً، أو عيداً ، فقال - عليه الصلاة والسلام-: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )(12) يُحذِّرُ مما صنعوا(13) .










    (1) - سورة الفتح آية 8و9 .

    (2) - الصارم المسلول ص422.


    (3) - سورة الحجرات آية

    (4) - أخرجه البخاري باب رفع الصوت في المساجد ح 458- 1/179، الفتح 1/667.

    (5) - مدارج السالكين 2/406 .

    (6) - الدارمي 1/124 رقم247 .

    (7) - الجامع للخطيب 2/34 .

    (8) - الشفا 2/601 .

    (9) - أخرجه البخاري باب كيف يستحلف ح 2533-2/951، ومسلم باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى ح1646-3/1267.

    (10) - أخرجه البخاري باب ( واذكر في الكتاب مريم ...) ح 3261-3/1271 .

    (11) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى ذكر اختلاف الأخبار في قول القائل سيدنا وسيدي ح 10087-6/71 ، وأحمد ح 12573-3/153 قال الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم .

    (12) - أخرجه البخاري باب النهي عن بناء المساجد على القبور ح 1265-1/446، ومسلم باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ح529 -/376.

    (13) - انظر في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلمإضافة إلي ما سبق: هذا الحبيب يا محب، للشيخ/ أبو بكر الجزائري، و حقوق النبي صلى الله عليه وسلمبين الإجلال والإخلال، إعداد فيصل البعداني، صادر عن مجلة البيان .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •