يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى --التوكل من الأمور الدينية التي لا تتم الواجبات والمستحبات إلا بها والزاهد فيها زاهد فيما يحبه الله ويأمر به ويرضاه . ----التوكل هو محبوب لله مرض له مأمور به دائما وما كان محبوبا لله مرضيا له مأمورا به دائما لا يكون من فعل المقتصدين دون المقربين فهذه ثلاثة أجوبة عن قولهم : المتوكل يطلب حظوظه .
وأما قولهم إن الأمور قد فرغ منها فهذا نظير ما قاله بعضهم في الدعاء أنه لا حاجة إليه لأن المطلوب إن كان مقدرا فلا حاجة إليه وإن لم يكن مقدرا لم ينفع الدعاء وهذا القول من أفسد الأقوال شرعا وعقلا . وكذلك قول من قال : التوكل والدعاء لا يجلب به منفعة ولا يدفع به مضرة وإنما هو عبادة محضة . وإن حقيقة التوكل بمنزلة حقيقة التفويض المحض وهذا وإن كان قاله طائفة من المشايخ فهو غلط أيضا وكذلك قول من قال : إن الدعاء إنما هو عبادة محضة . فهذه الأقوال وما أشبهها يجمعها أصل واحد : وهو أن هؤلاء ظنوا أن كون الأمور مقدرة مقضية يمنع أن تتوقف على أسباب مقدرة - أيضا - تكون من العبد ; ولم يعلموا أن الله سبحانه يقدر الأمور ويقضيها بالأسباب التي جعلها معلقة بها من أفعال العباد وغير أفعالهم ولهذا كان طرد قولهم يوجب تعطيل الأعمال بالكلية .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الأصل مرات فأجاب عنه كما أخرجا في الصحيحين عن عمران بن حصين قال : { قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار ؟ قال : نعم . قالوا : ففيم العمل ؟ قال : كل ميسر لما خلق له } وفي الصحيحين عن { علي بن أبي طالب قال : كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ومعه مخصرة فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض ثم رفع رأسه وقال : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من النار أو الجنة إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال : فقال رجل من القوم يا نبي الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى السعادة ومن كان من أهل الشقاوة ليكونن إلى الشقاوة قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له . أما أهل السعادة فييسرون للسعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون للشقاوة