تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 19 من 26 الأولىالأولى ... 91011121314151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 361 إلى 380 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #361
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (358)

    - باب التعوذ من عذاب القبر - باب وضع الجريدة على القبر

    جعل الله حياة الإنسان على مراحل، فبعد الدنيا مرحلة القبر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن له فتنة من أعظم الفتن، وأن الناس فيه ما بين منعم ومعذب، ومر على قبرين يعذبان فوضع عليهما جريدة من النخل ليخفف عنهما العذاب، وأمرنا بالاستعاذة من فتنة القبر وعذابه.
    التعوذ من عذاب القبر

    شرح حديث: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التعوذ من عذاب القبر.أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: التعوذ من عذاب القبر، والأحاديث التي وردت في هذه الترجمة كلها دالة على إثبات عذاب القبر؛ لأن التعوذ منه دليل على ثبوته، وأنه حاصل، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن ينجيه منه وأن يعيذه منه، فالترجمة الأولى في إثبات عذاب القبر، وهذه في إثبات التعوذ، وهي أيضاً دالة على ما دلت عليه الترجمة السابقة من حيث إثبات عذاب القبر، وعلى التعوذ منه، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن يعيذه منه، فكل الأحاديث التي فيها التعوذ فهي دالة على إثبات عذاب القبر، والتي ليس فيها التعوذ دالة على إثبات عذاب القبر، لكن الترجمة هنا المقصود بها التعوذ من عذاب القبر، وأن الإنسان يسأل الله عز وجل أن يعيذه منه.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) هذه أربع كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها.
    قوله: [(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)] أربعة أشياء كان عليه الصلاة والسلام، يستعيذ بالله منها، والمقصود منها الفقرة الأولى: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) فالحديث دال عليها، وهو دال أيضاً على التعوذ بالله من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة عذاب النار، ففيه: الاشتمال على أمور خاصة، وعلى أمور عامة.
    (فتنة المحيا والممات) يعني: ما يجري في الحياة من الفتن، وكذلك ما يجري في القبر من الفتن، ففيه إثبات عذاب القبر والفتنة فيه، وأن الإنسان يستعيذ بالله من هذه الأمور الأربعة: عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال الذي تواترت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي يأتي في آخر الزمان، ويبتلي الله عز وجل به من يبتلي، ويمتحن به من يمتحن، فيتبعه من يتبعه ويبتعد عنه من يبتعد، وفتنته هي من أعظم الفتن التي حذر منها رسول الله عليه الصلاة والسلام، بأنه يأتي بأمور عظيمة وعجيبة، فيثبت الله عز وجل من شاء من عباده فلا ينخدع بما معه مما يفتن، ويخذل من يخذل فيتبعه ويصدقه فيما يقول، والعياذ بالله، وهو من علامات الساعة؛ لأنه إذا خرج ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويقتله بباب لُد من أرض فلسطين، ويري الناس دمه بحربته، فيكون مسيح الهداية يقتل مسيح الضلالة، المسيح عيسى بن مريم يقتل المسيح الدجال في آخر الزمان، وكل منهما من علامات قيام الساعة الكبرى التي إذا جاءت وإذا وجدت، فإن الساعة قريبة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ...)

    قوله: [أخبرنا يحيى بن درست].هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبو إسماعيل].
    هو القناد، واسمه إبراهيم بن عبد الملك البصري، وهو صدوق، في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب الكلمة المأثورة التي شأنها عظيم في طلب العلم، والحث عليه، وهي قوله: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فمن أراد أن يحصل العلم فلن يحصله بالراحة والإخلاد إليها، وإنما يحصله بالتعب، والنصب، والمشقة، وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه هذا الأثر عنه بإسناده إليه؛ فمن أراد شيئاً فليبذل أشياء في سبيل تحصيله، أما أن يريد ولا يبذل، فهذه هي الأماني الكاذبة، التي هي أمان لا تتجاوز ذهن صاحبها ولا يحصل صاحبها شيئاً من ورائها، وإنما يحصل الإنسان العلم بالتعب، والنصب، والمشقة.
    [أن أبا سلمة حدثه].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن فقهاء المدينة السبعة ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء، والسابع فيه ثلاثة أقوال، فالمتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فإذاً: أبو سلمة هذا هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، وهؤلاء الفقهاء السبعة هم في المدينة في عصر التابعين، اشتهروا بهذا اللقب، وهذا يأتي في كتب الفقه في بعض المسائل: قال بها الفقهاء السبعة، يكتفون بهذا اللقب قال بها، أو قال بهذا القول الفقهاء السبعة، يعنون بذلك هؤلاء الفقهاء السبعة.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه على الإطلاق حديثاً، والصحابة المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم أبو هريرة، وهو أكثرهم أبو هريرة رضي الله عنه، وكذلك أنس رضي الله عنه وهو منهم، فهم سبعة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث أبي هريرة: (سمعت رسول الله بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، وفيه: (أنه سمع رسول الله بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر)، يعني: بعد الحالة التي قد حصلت، ولا أذكرها الآن، ولعلها بعد ما أخبرهم بالتعوذ من هذه الأشياء، وأنه كان بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر، يعني: بعد أن أوحي إليه بأن الناس يعذبون في قبورهم، قال: (سمعته بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر)، ففيه: الاستعاذة من عذاب القبر، وهو ضمن الترجمة التعوذ من عذاب القبر.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (سمعت رسول الله بعد ذلك يستعيذ من عذاب القبر)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].هو عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرنا يونس بن يزيد].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره.
    [عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.


    شرح حديث: (قام رسول الله فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر تقول: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك! ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر قوله؟ قال: قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال)].أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بأن المرء يفتن في قبره فضجوا، فحصل منهم أصوات من الخوف والذعر لما أخبرهم به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فخفي على أسماء رضي الله عنها شيء من آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت رجلاً قريباً منها عن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر ما قال، فقال: (إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريباً من فتنة الدجال)، فالمقصود بهذا التشبيه: هو شدة الهول والعظم والعموم، يعني: معناه كما أن فتنة الدجال هي عظيمة وعامة، فكذلك الفتنة في القبور تشبهها في شدتها، وعظمها، وخطورتها، ففيه: إثبات عذاب القبر وإثبات الفتنة في القبر، وهو ما ترجم له النسائي، بقوله: التعوذ بالله من عذاب القبر.
    وهذا اللفظ ليس فيه ذكر التعوذ بالله من عذاب القبر، لكن فيه إثبات الفتنة وبيان عظم شأنها وأن شأنها عظيم، وأنها خطيرة، وأنها في عمومها، وشمولها، وخطرها، وعظمها قريب من فتنة الدجال، والنبي عليه الصلاة والسلام، كان يجمع في التعوذ بين فتنة الدجال وبين عذاب القبر، كما مر في الحديث الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التعوذ بالله من عذاب القبر، والتعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، من أربع منها هاتان الفتنتان، فتنة القبر، وفتنة المسيح الدجال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره ...)


    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [أخرني عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام وهو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين الذين مر ذكرهم، وهو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، عروة بن الزبير بن العوام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع أسماء بنت أبي بكر].
    يعني: عروة بن الزبير يروي عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها؛ لأن أمه أسماء وخالته عائشة، فهي من رواية الأبناء عن الآباء، ابن الزبير يروي عن أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء ... وأعوذ بك من عذاب القبر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزبير عن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)].يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: التعوذ بالله من عذاب القبر، ومر جملة من الأحاديث التي تحت هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث الداخلة تحتها، والمشتملة على التعوذ بالله من عذاب القبر، وكما أسلفت أن الأحاديث دالة على إثبات عذاب القبر، وعلى التعوذ بالله منه؛ لأن الأحاديث الدالة على التعوذ منه دالة على إثباته، فهي مشتملة على هذا وعلى هذا، وسبق للنسائي أن وضع ترجمة في إثبات عذاب القبر، وعقبها بهذه الترجمة التي هي التعوذ بالله من عذاب القبر، وهي أيضاً دالة على ما دلت عليه الترجمة السابقة، وفيها بالإضافة إلى إثبات عذاب القبر إثبات التعوذ منه، ومشروعيته، وأن السنة قد جاءت بالتعوذ منه عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقد أورد النسائي هنا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، (أنه كان يعلمهم هذا الدعاء المشتمل على التعوذ بالله من عذاب القبر ومن أمور أخرى معه، كما يعلمهم السورة من القرآن)، ومعناه أنه يعتني به عناية تامة، وأنه يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن؛ حتى يأتوا به، وحتى يستعيذوا بالله عز وجل من هذه الأمور التي يتعوذ بالله منها، فهو دليل على الاعتناء والاهتمام، وعلى عظم شأن هذا الدعاء، وأن شأنه عظيم، وأن الإنسان عليه أن يحرص عليه، بل يأتي به في آخر صلاته في التشهد الأخير، وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ في ذلك في صلاته كما سيأتي في بعض الأحاديث، فهو دال على الاهتمام بهذا الدعاء المشتمل على أربعة أمور، التعوذ بالله من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وقد مر بعض الأحاديث المشتملة على هذه الأربع الجمل التي اشتمل عليها هذا الدعاء من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ففيه: إثبات عذاب القبر، وإثبات التعوذ منه، والاهتمام بهذا الدعاء وبيان عظم شأنه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يهتم به حتى أنه يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن، وكذلك التعوذ بالله من عذاب النار، وإثبات النار، وإثبات عذابها، وإثبات التعوذ من عذابها، وأنها موجودة، ومن يستحق العذاب يصل إليه عذابه قبل أن يبعث في قبره، كما سبق أن مر في قصة آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
    وفتنة المحيا والممات: تشمل الفتن التي تجري في الحياة وفي الممات، وفتنة المسيح الدجال هي من فتنة الحياة وتكون في آخر الزمان في الوقت الذي ينزل فيه عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الدجال الذي يكون في الأرض قبل أن ينزل عيسى، فعيسى مسيح الهداية يقتل الدجال مسيح الضلالة، كما ثبتت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء ... وأعوذ بك من عذاب القبر ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس].
    هو ابن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


    شرح حديث عائشة: (دخل علي رسول الله وعندي امرأة من اليهود ... فسمعت رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور، فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما تفتن يهود، وقالت عائشة: فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها وعندها امرأة من اليهود، فقالت: إنكم تفتنون في القبور، فأخبرت عائشة رضي الله عنها، بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتاع لذلك؛ لأنه لم يوح عليه شيء في ذلك، وهو إنما يتكلم بالوحي وينطق به وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقال: (إنما تعذب يهود، ثم إنه لبث ليالي أو أياماً، وبعد ذلك قال: أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور) فدل هذا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوحي إليه بإثبات الفتنة في القبر، وبحصول السؤال فيه، وكان عليه الصلاة والسلام قبل ذلك لم ينزل عليه شيء يدل على ذلك، ولكنه أخبر بأن اليهود تفتن في قبورها، وأنها تعذب في قبورها، وقد سبق أن ورد في بعض الأحاديث أنه مر بقبور وسمع صوتاً، وقال: (يهود تعذب في قبورها)، فدل ذلك على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أطلعه الله عز وجل على أن اليهود يعذبون في قبورهم، ثم أوحي إليه بعد ذلك أن الناس يمتحنون ويفتنون في قبورهم، وقد جاء ذلك مبيناً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءت الأحاديث بكون الإنسان يسأل عن ربه، ودينه، ونبيه، وأن الله تعالى يثبت من يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين.
    ففيه: إثبات عذاب القبر، وإثبات الامتحان والاختبار وأن الامتحان، والاختبار، والعذاب إنما يكون لهذه الأمة كما يكون لغيرها، فالامتحان يكون لهذه الأمة ولغيرها، والعذاب يكون لمن يستحقه من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (دخل علي رسول الله وعندي امرأة من اليهود ... فسمعت رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر)

    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود]هو سليمان بن داود المصري أبو الربيع، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام التابعي المشهور أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية السنة ومن المراجع التي يرجع إليها فيها، لا سيما فيما يتعلق بالأمور البيتية، وفي الأمور التي تكون بين الرجل وأهله، فإن الله تعالى حفظ بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلموهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، وقد سبق أن مر أن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة أنهم سبعة ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (أن النبي كان يستعيذ من عذاب القبر ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال وقال: إنكم تفتنون في قبوركم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال وقال: إنكم تفتنون في قبوركم)، وهذا بعدما أوحى الله عز وجل إليه بأنهم يفتنون في القبور، وكما عرفنا في الحديث الماضي، أنه قبل ذلك لم يكن يوحى إليه أنهم يفتنون في قبورهم، ولكنه أوحي إليه بعد ذلك، وهذا الحديث دال على ما دلت عليه الأحاديث الثابتة الدالة على حصول الفتنة في هذه الأمة في قبورها، وأن منهم من ينعم، ومنهم من يعذب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يستعيذ من عذاب القبر ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أ صحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو ابن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرة].
    هي بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، مكثرة من الرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله تنها قالت: (دخلت يهودية عليها فاستوهبتها شيئاً فوهبت لها عائشة فقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أنه كان عندها امرأة من اليهود استوهبتها شيئاً يعني: طلبت منها حاجة فأعطتها إياها، فدعت لها وقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت: فوقع في نفسي شيء، فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) وهذا يفهم منه أن المقصود بذلك اليهود، وأنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم، وقد جاءت الأحاديث بأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن الناس يفتنون في قبورهم، وأن هذا ليس خاصاً باليهود، وإنما يكون فيهم وفي غيرهم، وفي الحديث أن الله عز وجل يسمع البهائم ما يجري في القبور من العذاب؛ وذلك لأنها غير مكلفة، وأما الذين هم مكلفون -وهم الجن والإنس- فقد أخفى الله عليهم ذلك حتى يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به، وقد أطلع الله نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام على ذلك فأسمعه من عذاب القبر ما أسمعه، ولم يسمع الناس ذلك، وإنما أسمع البهائم التي هي غير مكلفة، ولم يسمع المكلفين؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا هناد].هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، يدلس، ويرسل إرسالاً خفياً، والإرسال الخفي هو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه، فهذا فيه احتمال اللقيا، فيقال له: إرسال خفي، بخلاف الإنسان إذا روى عمن لم يدرك عصره فهذا إرسال واضح، كونه يروي عن شخص لم يدرك عصره فهذا إرسال واضح جلي، أما إذا روى عن شخص عاصره ولم يلقه فإن هذا يعتبر إرسالاً خفياً، فـأبو معاوية الضرير معروف بالتدليس، وبالإرسال الخفي.
    والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن الإرسال الخفي: هو أن يروي عمن عاصره ولم يلقه، أما إن عاصره ولقيه وأخذ عنه وروى عنه ما لم يسمعه منه فإن هذا هو المدلس، يعني: معروف بأنه شيخ من شيوخه، وأنه أخذ وسمع منه، ولكنه يروي عنه بالعنعنة وهو مدلس، أما إذا روى عنه وهو معاصر له لكنه لم يلقه، ولم يسمع منه، فهذا يقال له: الإرسال الخفي، فإن روى عمن لم يدرك عصره وبينه وبينه مدة فهذا هو المرسل الجلي الواضح الذي ليس فيه خفاء، ومحمد بن خازم الضرير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، مدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به، فيأتي ذكره باللقب أحياناً كما يأتي ذكره بالاسم فيقال: سليمان بن مهران، ويقال: سليمان فقط، وأحياناً يأتي الأعمش كما هنا، ومن أنواع علوم الحديث معرفة ألقاب المحدثين، وهو أن من له اسم معروف به، وله لقب معروف به، فيحتاج إلى معرفة الألقاب حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، لا سيما إذا ذكر مرة بالاسم، وباللقب أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، لكن إذا عرف الإنسان أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش، فإن جاء الأعمش في إسناد، أو جاء سليمان في إسناد لا يتلبس على من يعرف أن هذا شخص واحد، ومن لا يعرف يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر.
    [عن شقيق].
    هو ابن سلمة الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وله كنية اشتهر بها وهي أبو وائل، أحياناً يأتي باسمه فيقال: شقيق، وأحياناً بكنيته فيقال: أبو وائل، ويقال فيه ما قيل في سليمان بن مهران الكاهلي، من معرفة الكنى التي اشتهر بها بعض المحدثين، وذلك حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، لا سيما إذا ذكر باسمه مره، وذكر بكنيته مرة أخرى، ومن لا يعرف يظن أن شقيق بن سلمة شخص، وأن أبا وائل شخص آخر، وهنا جاء شقيق باسمه، وسيأتي بعد ذلك حديث فيه ذكره بالكنية، فمن يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق بن سلمة لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء هذا عرفه وإن جاء هذا عرف أنه هو هذا.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة ... فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن عجوزتين من عجز يهود المدينة قالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قال: صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها، فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر)].أورد النسائي حديث عائشة، وهو أنه كان عندها عجوزتان من عجائز يهود المدينة، وأنهما قالتا: إن الناس يفتنون في قبورهم، فكذبتهما ولم تنعم أن تصدقهما، يعني: أنهما أهل لأن يكذبا؛ لأن اليهود معروفون بالكذب والتحريف والتبديل، يعني: ما طابت نفسها لكلامهما، لأنهم معروفون بالتحريف والتبديل والكذب، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك فقال: (صدقتا)، وهذا دليل على أن الحق يقبل ممن جاء به، ومن المعلوم أنهم أهل كتاب، وهذا الذي صدقه صلى الله عليه وسلم يدل على ثبوته، ومن المعلوم أن ما كان عند أهل الكتاب فإنهم لا يصدقون ولا يكذبون، بل إن جاء في السنة ما يدل على التصديق صدق مثلما هنا؛ لأنهم عندهم الناس يعذبون في قبورهم، وجاءت السنة بإثبات ذلك، فصار هذا الكلام صدقاً، وأما إذا جاء في السنة ما يكذب ذلك فإنه يكذب، وإذا لم يأت في السنة لا تصديق ولا تكذيب فإنهم لا يصدقون ولا يكذبون، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) يعني: إذا حدث أهل الكتاب بشيء عما في كتبهم، فلا يصدقون ولا يكذبون، لكن إن جاءت السنة أو جاء في هذه الشريعة ما يدل على كذب شيء معين جاء عنهم فيقطع بكذبه؛ لأن السنة جاءت بتكذيبه، وإن جاء شيء يدل على الصدق صدق كما في هذا الحديث الذي أخبرتها عن شيء، وأخبر الرسول بأن ذلك حق وأن ذلك صدق، وأما إذا لم يوجد ما يدل على التصديق ولا على التكذيب، فإنه يسكت عنه، ولكن يقال: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46]؛ لأنهم لو صدقوا في كل ما يقولون لأمكن أن يصدقوا بباطل، ولو كذبوا في كل ما يقولون لأمكن أن يكذب ما هو حق، وإذا لم يصدقوا ولم يكذبوا، وقال الإنسان: (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46] فهذا كلام حق، فإن كان منزل فنحن مؤمنون به، وإن كان غير منزل فنحن لا نؤمن ولا نصدق بشيء لم يكن منزلاً، (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ )[العنكبوت:46])، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها، فما رأيته بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ فيها من عذاب القبر) وهذا يدلنا على مشروعية التعوذ بالله من عذاب القبر في الصلاة، بل التعوذ بالله من الأربع التي جاءت في الأحاديث السابقة وهي: عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.


    تراجم رجال إسناد حديث: (دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة ... فما رأيته صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور بن المعتمر].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل].
    هو شقيق بن سلمة الذي مر ذكره في الإسناد السابق، واسمه شقيق، وهنا جاء بكنيته أبو وائل، فيأتي ذكره أحياناً بالكنية، وهو مشهور بها، ويأتي ذكره أحياناً بالاسم، ومعرفة الكنية التي يشتهر بها شخص مع معرفة اسمه يندفع به احتمال أن يظن الشخص الواحد شخصين، وهو ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    وضع الجريدة على القبر

    شرح حديث: (... ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الجريدة على القبر.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان مكة أو المدينة سمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستبرئ من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا، أو إلى أن ييبسا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: وضع الجريدة على القبر، أي: لتخفيف العذاب على المقبور، وقد ثبت في السنة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فليس لأحد أن يضع على القبور شيء من الجريد، ولا شيء من الزهور، ولا شيء من النباتات، أو الأشياء الخضرة، وإنما هذا يعتبر من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الله تعالى أطلعه على العذاب، وعلى سببه، على أنهما معذبان، وأن عذابهما سببه كذا وكذا، فوضع الجريدتين؛ لأجل أن يخفف عنهما ما لم ييبسا، أما غيره من الناس فلا يعلم ما يجري في القبور، ولا يعلم عن المنعم ولا عن المعذب، ولا يعلم سبب العذاب، حتى مع كونه لا يعلم العذاب فهو لا يعلم سببه، والرسول صلى الله عليه وسلم علم العذاب، وعلم سبب العذاب، فوضع الجريدتين للتخفيف على صاحبي القبرين، فاعتبر هذا من خصائصه، ولهذا لم يكن معروفا في الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أن يفعلوا ذلك مع آبائهم، وأمهاتهم، وإخوانهم، وأخواتهم، وأقربائهم، وما كانوا يفعلون ذلك، فعدم فعلهم له دل على أنهم اعتبروا هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
    وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما الذي أورده النسائي هنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى) وفي بعض الروايات: (بلى إنه كبير) وقد فسر بعدة تفسيرات -النفي والإثبات-: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) يعني: في أنفسهما، وأنه ليس بذي بال، وكأنهما لم يعرفا أنه عظيم، فهو في نظرهما وفي ذهنهما أن الأمر هين، ولكنه كبير، بل هو عظيم، فهذا وجه مما قيل في وجه التفريق بين النفي والإثبات في قوله: (وما يعذبان في كبير، بلى، إنه كبير) هو كبير وعظيم عند الله، وهو من كبائر الذنوب؛ لأن التعذيب بالنار دليل على أنه كبيرة، فالنميمة وعدم الاستبراء من البول هذان من الكبائر التي يستحق صاحبها العذاب.
    ثم أيضاً: الحديث فيه دليل على ثبوت العذاب لغير الكفار؛ لأن هذا ثبت في حق عصاة، وفي حق أناس مؤمنين عندهم معاصي، وسبب ذلك التعذيب هو النميمة، وعدم الاستبراء من البول، أما من يكون كافراً فعنده الكفر الذي ليس وراءه ذنب، وليس هناك ذنب أعظم منه، والعذاب إنما يكون عليه، ولما كان العذاب إنما هو من أجل النميمة، ومن أجل عدم الاستبراء من البول، فعرف أن العذاب يكون لمن شاء الله عز وجل من العصاة كما يكون للكفار، والأحاديث التي وردت بأن اليهود تعذب في قبورها يعني: عذاب الكفار، والآيات القرآنية التي دلت على أن آل فرعون يعذبون في النار، يعني: عذاب كفار في قبورهم (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فهو دال على حصول العذاب لأهل المعاصي، يعني: من شاء الله عز وجل أن يعذب، ووضع الجريدتين -كما قلت- هو من خصائصه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا جرير عن منصور].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن مجاهد].
    هو ابن جبر المكي، وهو ثقة، ثبت، معروف بالتفسير، وهو الذي يروي التفسير عن ابن عباس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    رضي الله عنهما وقد مر ذكره.


    شرح حديث: (... ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ فقال: لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، والإسناد كلهم مر ذكرهم في هذا الدرس، هناد بن السري، وأبو معاوية، والأعمش، ومجاهد، وطاوس، وابن عباس، كلهم مر ذكرهم.

    شرح حديث: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار حتى يبعثه الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو لا يدل على الترجمة التي جاءت: وضع الجريد على القبر، ولكنه يدل على نعيم القبر وعذابه، وليس فيه ذكر الجريد، أو وضعه على القبر كما دل عليه حديث ابن عباس من الطريقين السابقتين، لكنه دال على إثبات عذاب القبر، وأن الإنسان يعرض عليه مقعده وهو في قبره، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، حتى يبعثه الله عز وجل، وهذا العرض فيه تنعيم وتعذيب، كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أنه إن كان من الموفقين فتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وإن كان من المعذبين فتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها حتى يبعثه الله، وكما جاء في القرآن عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً )[غافر:46] يعني: يعذبون بعذاب النار وهم في قبورهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] ينتقلون من عذاب النار بعذاب شديد، إلى عذاب أشد، في النار والعياذ بالله، فهو دال على إثبات عذاب القبر، وأن الإنسان يعرض عليه مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده في النار إن كان من أهل النار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث].قد مر ذكره.
    [حدثنا الليث]
    هو الليث بن سعد المصري، هو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما].
    وهو الصحابي الجليل ابن الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من صغار الصحابة المشهورين بهذا اللقب، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    والحديث رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر، يعني: بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.

    شرح حديث: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر سمعت عبيد الله يحدث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي، فإن كان من أهل النار فمن أهل النار قيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، من طريق أخرى، وهو أنه (يعرض على أحدكم مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل النار فمن أهل النار قيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].
    يعرض على الإنسان مقعده من الجنة أو النار في الغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة، فإنه يعرض عليه مقعده من الجنة، ويأتيه من نعيمها، وإن كان من أهل النار يعرض عليه مقعده من النار، ويأتيه من سمومها وحرها، وذكر الغداة والعشي مثل ما جاء في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] حتى يبعثه الله فينتقل إلى النعيم الأعظم، وإلى العذاب الأشد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يعرض على أحدكم إذا مات مقعده من الغداة والعشي ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا المعتمر].
    هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المصغر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث: (إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع واللفظ له، عن ابن القاسم، حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة)].أورد النسائي حديث ابن عمر وهو مثل الرواية السابقة التي قبل هذه الرواية.
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [والحارث بن مسكين المصري].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].
    أي: في شيخه الثاني وهو الحارث بن مسكين، وأخذ ذلك عنه بالعرض، يعني: كونه يقرأ عليه وهو يسمع.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #362
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (359)


    - باب أرواح المؤمنين وغيرهم

    جاء في الأحاديث كثير من دلائل النبوة لرسول الله كالإخبار عن أحوال أرواح الموتى والخطاب معهم، والإخبار عن أجساد الموتى غير الأنبياء أنها تفنى إذا دفنوا في قبورهم إلا عجب الذنب.
    أرواح المؤمنين وغيرهم

    شرح حديث: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: أرواح المؤمنين وغيرهم.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب أرواح المؤمنين وغيرهم. أي: إذا نزعت الأرواح من الأجساد بالموت، فإن أرواح المؤمنين تكون في الجنة، وقد جاء في حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، الذي أورده النسائي في بيان أن أرواح المؤمنين أنها على صورة (طير في الجنة)، وفي بعض الروايات (تعلق في شجر الجنة)، أي: تأكل وترعى في شجرها، فهي على صورة طير، وجاء في بعض الأحاديث في حق أرواح الشهداء أنها في أجواف طير خضر، وأما أرواح المؤمنين فهي على صورة طير تعلق في الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده.
    قوله: [(حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة)].
    يعني: حتى يرده إلى جسده الرد الكامل، وإلا فإن الأرواح لها اتصال بالأجساد، وتعاد إلى الأجساد، فتكون في الجنة ولها تعلق بالأجساد، ولا يعني: أن الأجساد لا علاقة لها بالأرواح، وأمور الغيب يجب الإيمان والتصديق بها، وإن كان لا يدرك الإنسان كنهها، فأمور الآخرة وأمور البرزخ وأمور الغيب ليست مثل ما هو مشاهد في الدنيا، فالأرواح تكون في الجنة ومع ذلك لها اتصال في الأجساد، كما أنه جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان يكون في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة إن كان من المؤمنين، وباب إلى النار إن كان من الكافرين، ويصل إليه عذاب النار ونعيم الجنة، يصل نعيم الجنة إلى من يستحقه، وعذاب النار إلى من يستحقه في القبر، ومن المعلوم أن الجنة في السماء، وسقفها عرش الرحمن، ومع ذلك فإن الله يفتح له في قبره باباً إلى الجنة، ويفتح لمن دخل في النار باباً إلى النار.
    أورد النسائي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما نسمة المؤمن طائر في الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة) أي: أن الأرواح تكون في الجنة على صورة طير، وأنها تعلق في الأشجار أي: تأكل منها وتنتفع بها أي: أشجار الجنة، هذه أرواح المؤمنين، ولكن لها ارتباط واتصال بالأجساد على الكيفية التي شاء الله عز وجل والتي يعلم الله سبحانه وتعالى، أما الشهداء فقد جاء في أنها في أجواف طير خضر، وقد قال بعض أهل العلم: إن الله تعالى خص الشهداء بأن جعل أرواحهم في أجواف كطير خضر؛ لأنها لما كانت أرواحهم في أجسادهم، وقد أرخصوها في سبيل الله، وقدموا أنفسهم في الجهاد في سبيل حتى استشهدوا، فالله تعالى جعل لتلك الأرواح أجواف طير، فكما كانت في أجساد في الدنيا نقلها الله من جسدٍ في الدنيا إلى أجواف طيرٍ في الجنة، فهي في جسم في الدنيا، فتكون في أجواف طير في الآخرة؛ وأما أرواح المؤمنين فإنها تكون على صورة طير، كما جاء في هذا الحديث، وهذا في عموم المؤمنين، أما خصوص المجاهدين في سبيل الله فقد جاء فيها أنها في أجواف طير كما سمعتم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة والتي حصل لها انتشار وأتباع عنوا بها وخدموها فتميزت على غيرها بهذا السبب، وإلا فإن هناك من العلماء في زمنهم وبعد زمنهم، وقبل زمنهم من كانوا أصحاب اجتهاد، ولكن ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة؛ كان في أزمانهم وقريباً من أزمانهم مثل: الليث بن سعد المصري فقيه مصر ومحدثها، ومثل: أبي عمرو عبد الرحمن الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وكذلك سفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من الأئمة الأجلاء المشهود لهم بالفقه، والذين جمعوا بين الفقه والحديث، ولهم اجتهادات ولهم أقوال كثيرة منثورة في كتب الفقه والحديث، وفي كتب التفسير، فعندما يأتي مثلاً مسائل قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا، لكن أصحاب المذاهب الأربعة اشتهروا؛ لأنه حصل لهم أتباع، وحصل لهم تلاميذ وأناس عنوا بمذاهبهم، فاشتهروا بذلك، وإلا فإن هناك من هو مثلهم في الفقه، وفي التمكن في العلم مثل الذين أشرت إليهم في أقطارٍ مختلفة.
    بل قد عرفنا أن المدينة فيها فقهاء سبعة مشهورون بهذا اللقب: (الفقهاء السبعة)، ومعروفون في الفقه، ومعروفون في الحديث، وفي كل زمن في الأزمان المتقدمة، يعني: فيه أناس علماء أجلة جمعوا بين الفقه والحديث، ولهم اجتهادات، ولهم أقوال مشهورة ومنثورة في الكتب، لكن ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من وجود أتباع عنوا بأقوالهم ومذاهبهم، كما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة.
    والإمام مالك حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة جميعاً.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، معروف بالفقه والحديث، وإمام مشهور، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن كعب بن مالك، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    [أن أباه].
    هو كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا والذين نزل فيهم القرآن بقول الله عز وجل: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ )[التوبة:117] ثم قال: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا )[التوبة:118] فهو أحد هؤلاء الثلاثة الذين نزل فيهم القرآن، وأنزل الله توبته عليهم في آيات تتلى في كتاب الله عز وجل، هو أحد هؤلاء الثلاثة كعب بن مالك رضي الله عنه.
    ثم إن هذا الحديث بهذا الإسناد رواه الإمام أحمد في مسنده عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي رواه عن الإمام مالك، ففي إسناد هذا الحديث عند الإمام أحمد ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة يروي بعضهم عن بعض، وكل منهم يكنى بأبي عبد الله، مالك كنيته أبو عبد الله، والشافعي كنيته أبو عبد الله، وأحمد كنيته أبو عبد الله، فهم يكنون بكنية واحدة هي: أبو عبد الله.
    ولما ذكر ابن كثير هذا الحديث في سورة آل عمران عند قوله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169] ذكر هذا الحديث، وعزاه إلى المسند، وقال: هذا إسناد عزيز يعني: نادر وقوي، ففيه ندرة من حيث أن الأحاديث التي تصب في هذه السلسلة ليست كثيرة، وأيضاً فيه قوة من جهة أن فيه هؤلاء الأئمة الأجلاء، قال: هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة.
    وكعب بن مالك أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) في أهل قليب بدر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع عمر رضي الله تعالى عنه، بين مكة والمدينة أخذ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس قال: هذا مصرع فلان إن شاء الله غداً، قال عمر رضي الله تعالى عنه: والذي بعثه بالحق ما أخطئوا تيك، فجعلوا في بئر فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فنادى: يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني الله حقاً؟ فقال عمر: تكلم أجساداً لا أرواح فيها، فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة الكفار الذين قتلوا في بدر، وألقوا في القليب، قال عمر رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يخبرهم بمصارعهم بالأمس، يعني: اليوم الذي قبل يوم المعركة، يقول: فلان يقتل هنا، وفلان يقتل هنا، وفلان يكون هذا مكانه، فيريهم أماكنهم قبل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه القتال، وقبل أن يكون اليوم الذي قتلوا فيه، أطلعه الله عز وجل، وأخبر أصحابه بالأماكن التي يصرع فيها كل واحد من هؤلاء الصناديد من صناديد الكفار، فلان هذا مكانه، وهذا مكانه، وهذا مكانه وهكذا يريهم عليه الصلاة والسلام، أماكنهم قبل اليوم الذي حصل فيه قتلهم.
    قال: فما تجاوزوا تيك. أي: تلك الأماكن التي أشار إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، كل وجد في المكان الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، ومن إطلاع الله عز وجل على ما شاء من غيبه، فإنه أخبر أن فلان يقتل وأنه يقتل في المكان الفلاني الذي بينه لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد وجد، وتحقق ذلك بالفعل طبقاً لما أشار إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن كل واحد ما تجاوز المكان الذي أشار إليه النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فهو من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، ومن الأمور الخارقة للعادة، حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، بقتل أناس قبل أن توجد المعركة، وأخبر بمكان كل واحد منهم، ثم وقع طبقاً لما أخبر به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو من دلائل نبوته، وأنه رسول الله حقاً، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    ثم إنهم ألقوا في قليب، جروا ورموا في قليب في بدر، فجاءهم النبي عليه الصلاة والسلام وناداهم بأسمائهم: يا فلان، يا فلان، يا فلان، إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، يخاطبهم بأسمائهم ويناديهم، قال عمر رضي الله عنه: كيف تخاطب أجساداً لا أرواح فيها؛ لأنه يعلم بأنه عندما يحصل الموت تخرج الروح من الجسد، فتبقى الجسد بدون روح، لكن كما عرفنا الأرواح تعاد إلى الأجساد، وحديث البراء بن عازب الطويل المشهور: إذا وضع الإنسان في قبره تعاد إليه روحه، ويأتيه ملكان ويجلسانه، ويسأل ويجيب، إن كان من الموفقين أتى بالجواب الطيب الذي يثبته الله عليه، وإن كان من المخذولين كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله.
    وقوله: [(تخاطب أجساداً لا أرواح فيها)]، يعني: أنهم قد ماتوا، لكن الروح لها اتصال بالجسد، وحديث البراء بن عازب دل أن الروح ترجع إلى الجسد، لكن لا يعني أنها تكون موجودة في الأجساد دائماً، بل تذهب ويكون لها اتصال بالأجساد، والله على كل شيء قدير.
    النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) يعني: أنهم يسمعون، وأنتم لستم أسمع منهم وإن كنتم بجواري، والله تعالى أسمعهم ذلك، لكن هذا لا يعني: أن كل ميت يسمع إذا خوطب؛ لأن هذا دليل خاص، والنبي عليه الصلاة والسلام، خاطبهم؛ لأن في ذلك تكبيتاً وتقريعاً لهم، لأنهم توغلوا في الإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام، واشتدوا في إيذائه عليه الصلاة والسلام، وحصل منهم ما حصل، فخاطبهم هذه المخاطبة، فلا يدل على أن الميت يخاطب، وأنه يسمع من يخاطبه مطلقاً، وإنما هذا حصل مع هؤلاء في هذه القصة، وفي هذه الحادثة فقط، والله تعالى على كل شيء قدير.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) في أهل قليب بدر


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس المحدث الناقد، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث ناقد كتلميذه؛ لأن كلاً من عمرو بن علي الفلاس ويحيى بن القطان نقاد، وكلامهم في الرجال كثير، إلا أن عمرو بن علي كثيراً ما يأتي بلفظ الفلاس عندما يقول: ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا المراد به عمرو بن علي هذا، ويحيى بن القطان يقال: القطان، ضعفه القطان أو وثقه القطان، أو ينسب فيقال: يحيى بن سعيد القطان، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن المغيرة) هذه الذي قالها هو من دون يحيى بن سعيد القطان، إما عمرو بن علي أو النسائي أو من دون النسائي، وهذه طريقة العلماء عندما يكون هناك شخص ذكره تلميذه باختصار باسمه فقط دون أن ينسبه، فإن من أراد نسبته لا ينسبه كما ينسبه تلميذه فيقول: فلان بن فلان بن فلان، وإنما يأتي بلفظ يدل على أنه ليس من التلميذ وهي قوله: (هو ابن فلان)، لأن يحيى بن سعيد القطان ما زاد في روايته عن ذكر شيخه إلا على لفظ سليمان شيء، قال: حدثنا سليمان، ما زاد عليها شيء، الذي بعده قال: (هو ابن المغيرة)، لكن لم يستجز لنفسه أن يقول: سليمان بن المغيرة؛ لأنه لو قال: سليمان بن المغيرة علم أنها من التلميذ هو الذي ينسب بدون (هو) وبدون (يعني)، أما غيره إذا أراد أن يوضح وأن يأتي بزيادة توضيح فيأتي بلفظ يدل عليه وهو إما (هو) وإما (يعني)، يعني: ابن فلان، أو هو ابن فلان.
    فإذاً: كلمة: (هو ابن المغيرة) الذي قالها هو من دون يحيى بن سعيد القطان ولا يقولها يحيى بن سعيد القطان؛ لأن يحيى بن سعيد القطان إذا أراد أن يقول فإنه يقول: فلان بن فلان بن فلان بدون (هو)، لكن الذي دونه هو الذي يحتاج إلى (هو) أو إلى (يعني).
    [حدثنا ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وتحمل الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا فهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وعائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    [كنا مع عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، الذي ورد في فضائله الأحاديث الجمة الكثيرة، الدالة على فضائله ومناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد تولى الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، ومكث فيها عشر سنوات كثرت فيها الفتوحات، وانتشرت دعوة الإسلام، وفتحت البلاد في تلك السنوات، فكان تحقق فيه ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في الرؤيا التي رآها، وهي: أنه رأى نفسه على بئر ينتح منها من الماء، فنتح منها ما شاء الله أن ينتح ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنتح منها ذنوباً أو ذنوبين، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أرى عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن، يعني: حتى رووا من الماء، وهذا فيه: إشارة إلى انتشار الإسلام في زمانه، وإلى كثرة الفتوحات في زمانه، وإلى طول مدة خلافته، وحصول الفتوحات العظيمة التي حصلت فيها رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد العشرة الذين سردهم النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث واحد وبشرهم بالجنة أولهم الخلفاء الراشدين الأربعة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) سردهم في حديث واحد، وثانيهم بل أفضلهم وأفضل الصحابة عموماً بعد الصديق الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    شرح حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ...) في أهل قليب بدر من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (سمع المسلمون من الليل ببئر بدر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم ينادي: يا أبا جهل بن هشام، ويا شيبة بن ربيعة، ويا عتبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ قالوا: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم، أو تنادي قوماً قد جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وهنا ناداهم بأسمائهم: (يا أبا جهل بن هشام، يا شيبة بن ربيعة، عتبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا فلان يا فلان بأسمائهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا؟ فقيل: يا رسول الله! هل تخاطب قوماً قد جيفوا؟) يعني: ماتوا وتغيرت أجسادهم وصارت جيفاً، هذا هو معنى قوله: (جيفوا)، قال عليه الصلاة والسلام: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إلا أنهم لا يستطيعون أن يجيبوا)، يعني: لا يستطيعون أن يردوا ولكنهم يسمعون؛ لأن المقصود هو تكبيتهم وتقريعهم وقد حصل ذلك، فإنهم سمعوا وأسمعهم الله عز وجل، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ...) في أهل قليب بدر من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر]هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أنبأنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وذكر في ترجمته أنه مات وهو ساجد في الصلاة.
    [عن أنس].
    وقد مر ذكره.
    وهذا الحديث رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه سويد بن نصر، وابن المبارك، وحميد، وأنس أربعة، فبين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، فاثنان مروزيان، واثنان بصريان، اثنان مروزيان هما: سويد، وعبد الله بن المبارك، واثنان بصريان وهما: حميد بن أبي حميد الطويل، وأنس بن مالك.

    شرح حديث: (إن رسول الله وقف على قليب بدر فقال: ... إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم ...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قال: إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم، فذكر ذلك لـعائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت: وهل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] حتى قرأت الآية)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنها لما بلغها عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ما جاء في أهل بدر أي: الكفار الذين قتلوا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) قالت: ابن عمر غلط وأخطأ، إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون ما أقول لهم، ثم تلت الآية: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وهي استدلت بعموم الآية، ولكن كما هو معلوم هذا مما خص من عمومها، وأن الله تعالى أسمع هؤلاء الكفار هذا التكبيت وهذا التقريع الذي خاطبهم به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحديث ثابت عن ابن عمر وعن غيره، وفيه ثبوت السماع، وما حصل من عائشة هو من الاستدلال بالآية، ولكن يوفق بين ما استدلت به عائشة وبين ما جاء في هذه الأحاديث من أن هذا مما خص، وأن الله تعالى أسمع هؤلاء لما فيه من التوبيخ والتقريع والتكبيت لهم؛ لأنهم قد آذوا الرسول عليه الصلاة والسلام وبالغوا في إيذائه، وخاطبهم بهذا الخطاب الذي فيه التقريع والتبكيت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله وقف على قليب بدر فقال: ... إنهم ليسمعون الآن ما أقول لهم ...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبدة بن سليمان].
    هو عبدة بن سليمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير بن العوام تابعي مشهور، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورين بهذا اللقب، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك ومغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم -وفي حديث مغيرة : كل ابن آدم- يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل بني آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب) يعني: منه خلقه الأول، ثم منه يركب الخلق، يعني: بعد ذلك مرة أخرى، فيكون هو الذي بدأ به في الأول، ويكون كذلك في الإعادة بحيث يكون غيره من الجسد تابعاً له وهو عجب الذنب، وفي رواية مغيرة: (كل ابن آدم)، يعني: أن الفرق بين مالك وبين المغيرة بهذين اللفظين، مالك قال: (بني آدم) والمغيرة قال: (كل ابن آدم يبلى)، أي: خلقه.
    وهذا يدل على أن الأجساد تبلى وأنها يأكلها التراب، والله تعالى يقول في القرآن: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: فنحن نعيدك، نعلم الذي أخذت الأرض منهم فنعيد، ونستخلص من الأرض ما اختلط بها حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، وإعادة الخلق إنما هو رجوع الأجزاء التي كانت فيه من قبل بحيث كل جزء يركب في مكانه حتى يعود الجسد الذي كان في الدنيا، وليس معنى أنه منه خلق ومنه يركب أن عجب الذنب هو الموجود، ثم يأتي ذرات أو يأتي أجزاء تركب عليه وهي لا وجود لها في الدنيا، لا، بل الذي يأتي وكل ذرة تأتي إلى مكانها من الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء فيناله النعيم والعذاب، ولو كان يحصل شيء لا وجود له في الدنيا يكون العذاب على شيء لا وجود له في الدنيا، ولكن النعيم والعذاب يكون على شيء موجود في الدنيا، الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، ليس تركيباً جديداً وتكويناً جديداً فلا علاقة له بالجسد الأول، بل هو نفس الجسد الأول، ولهذا جاء في القرآن: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ [يس:65] تكلم الأيدي التي كانت في الدنيا وليست أيد جديدة، فالأيدي التي كانت في الدنيا هي التي تتكلم وتشهد، تقول اليد: أنا بطشت، وتقول الرجل: أنا مشيت، ويقول الفرج: أنا زنيت.. وهكذا، يعني: نفس الأجزاء التي في الدنيا هي التي تعاد حتى تلقى الجزاء إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولو كان الذي يعاد جسد آخر لكان ينعم جسد لم يعمل خيراً، ويعذب جسد لم يعمل شراً، بل نفس الأجساد الأولى هي التي تعاد.
    إذاً: فعجب الذنب الذي منه الخلق ومنه يتركب، معناه أنه تأتي الأشياء وتتابع حتى يعود الجسد كما كان، ثم يبعثه الله فتفتح القبور ويخرج أصحابها منها، وأول قبر ينشق عن صاحبه قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (أنا سيد الناس يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع) ويستثنى من عموم هذا الحديث أجساد الأنبياء فإنها لا تبلى، ولا يأكلها التراب، بل هي باقية، في قبورهم كما وضعت لا يحصل لها تغير، ولا يحصل لها تأثر، ولا تأكل الأرض منها شيئاً، بل تبقى كما وضعوا، وحتى يحصل البعث، فتخرج تلك الأجساد من القبور، وليست حالها أنها تجتمع وهي متفرقة كما يحصل لغيرهم، أما غير الأنبياء فلم يأتِ شيء يدل على بقاء الأجساد دون أن تتغير، ودون أن تتأثر، الذي ورد فيه حديث الأنبياء: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أما غيرهم فإنه لم يرد فيه شيء، لكن وجد في المشاهدة والمعاينة من مضى عليه وقت طويل، ثم نبش ووجد أنه لم يتغير جسده، وهذا حصل لـعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو ممن استشهد يوم أحد، فإنه دفن في مكان المعركة، ثم إن الوادي انحصر فقرب من القبر، فخشي ابنه جابر أن يصل إليه السيل وأن يحمله، فنبشه بعد ستة أشهر من دفنه فوجده كما وضع لم يتغير منه شيء، كان على حالته التي وضع عليها رضي الله عنه وأرضاه، لكن هذا لا يدل على بقاء الأجساد إلى يوم البعث والنشور؛ لأن هذا لم يرد فيه دليل، فالذي ورد فيه دليل يؤمن به ويصدق به، والذي ما ورد فيه دليل لا يقطع له بالبقاء، وأن الأرض لا تأكل جسده، بل يحتمل أن يبقى، ويحتمل أن تأكل الأرض جسده، والله تعالى أعلم، لكن هذا مما شوهد وعوين بعد ستة أشهر أنه لم يتغير.


    تراجم رجال إسناد حديث: (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [عن مالك والمغيرة].
    مالك قد مر ذكره، والمغيرة هو المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان لقبه أبو الزناد، وفيه لقب على صورة الكنية أو على صفة الكنية، ليست كنيته أبو الزناد ولكنه لقب بها، وكنيته غيرها، فأبو فلان وليس أبو فلان، وإنما هذا لقب له، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هذا لقب لـعبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وهو مشهور بلقبه يأتي ذكره باللقب ويأتي ذكره باسمه عبد الرحمن بن هرمز، وقد ذكرت أن من أنواع علوم الحديث أن تعرف الألقاب حتى لا يظن أن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مره، وإذا ذكر بلقبه مره، من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، وفي الحقيقة إنما هو شخص واحد وليس شخصين، لكن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن عرف لا يلتبس عليه الأمر، عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج وأبو الزناد أيضاً هو لقب لـعبد الله بن ذكوان، أبو الزناد لقب والأعرج لقب، إلا أن الأول لقب على صيغة الكنية وعلى صفة الكنية.
    [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي الجليل المكثر من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً مع أنه إنما أسلم عام خيبر، يعني: في السنة السابعة، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنوات مكنته من أن يتلقى الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة ولا عجب من كونه يتأخر إسلامه ثم يكون مكثراً من الحديث؛ لأنه حصل له أمور مكنته من ذلك، من هذه الأمور أنه لازم النبي عليه الصلاة والسلام، يأكل من طعامه ويشرب من شرابه، ويجلس معه في مجلسه، ويسمع حديثه، فكثر حديثه بسبب هذه الملازمة، وأما غيره فكانوا يذهبون ويأتون، يأتون إلى مجلسه ويذهبون عنه، وأما هو فملازم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقير ليس عنده ما يأكل إلا ما يحصله تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل له بذلك أن سمع الحديث كثيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أن النبي عليه السلام دعا له بالحفظ، فكان يحفظ الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أنه عمّر ومكث مدة طويلة وعاش، وكان مقامه في المدينة والناس يأتون إليها ويصدرون عنها، ومن المعلوم أن الذين يقدمون المدينة إذا سمعوا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فإنهم يأتون إليه، ويأخذون منه ويعطونه، وليس بغريب ولا بعجيب أن يكون الذي لازمه بعد خيبر أكثر مما لازمه في مكة، فبعض الصحابة تقدم إسلامهم ولم يرو عنهم من الحديث مثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #363
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (360)

    - تابع باب أرواح المؤمنين وغيرهم - باب البعث

    أن إحياء الموتى أهون وأسهل من إيجاد الخلق أول مرة من العدم، وفي ذلك دلالة على قدرة الله العظيمة، ومن ذلك قصة الرجل الذي أوصى أولاده إذا مات أن يحرقوه ويذروه في الريح.

    تابع أرواح المؤمنين وغيرهم

    شرح حديث: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ... وليس آخر الخلق بأعز علي من أوله ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم، ولم يكن ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: إني لا أعيده كما بدأته وليس آخر الخلق بأعز علي من أوله، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد)].الترجمة التي عقدها النسائي والتي مرت قبل: أرواح المؤمنين وغيرهم. وقد أورد النسائي في ذلك عدة أحاديث سبق أن مر بعضها، وقد أورد فيها هذا الحديث وبعض الأحاديث التي بعده، وليس فيه تنصيص على ما يتعلق بالروح نفسها من حيث أين تذهب، وأين تكون بعد مغادرة الجسد، أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(كذبني ابن آدم، ولم يكن له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما كان ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: إنني لا أعيد الخلق كما بدأته، وأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولداً، وأنا الله الواحد الأحد، الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد)]. ليس فيه كما أشرت نص يتعلق بالروح، ومن المعلوم أن العمل إنما يكون من الروح والجسد في هذه الحياة الدنيا، والعذاب والنعيم يكون في الآخرة على الروح والجسد؛ لأن العمل لم يحصل من الجسد بدون الروح، ولم يحصل من الروح بدون الجسد، والجزاء إنما هو للذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، والعقاب على الذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، فهو بمجموع الأمرين.. فالثواب لمجموع الأمرين الروح والجسد، والعقاب لمجموع الشيئين الروح والجسد.
    وهذا حديث قدسي، والأحاديث القدسية هي: التي تضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مسنداً إياه إلى ربه، وهذا هو الذي يشتمل على ضمائر المتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى، والتي لا يمكن أن يتكلم بها غيره؛ لأن الضمائر ترجع إليه، ولا ترجع إلى غيره، فقول الله عز وجل: (كذبني وشتمني) هذا ضمير متكلم يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فالمتكلم بذلك هو الله سبحانه وتعالى، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما يحكي كلام الله سبحانه وتعالى، وغالباً ما تكون الأحاديث القدسية أنها تأتي مصدرة بقوله: (قال الله عز وجل)، أو (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا)، ثم ترجع الضمائر إلى الله عز وجل كما في الأحاديث مثل: (الصوم لي، وأنا أجزي به) (يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني) (يا عبادي، كلكم عار) (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) فالذي يقول: يا عبادي، هو الله سبحانه وتعالى، وهذه هي الأحاديث القدسية التي تضاف إلى الله سبحانه وتعالى.
    وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي الغير متلو؛ لأن الوحي وحيان وحي متلو هو القرآن، ووحي غير متلو وغير متعبد بتلاوته وهي السنة، ويدخل تحتها الأحاديث القدسية؛ لأنها ليست متعبداً بها، وهي من كلام الله سبحانه وتعالى، لكن هل لفظها أو لفظ الأحاديث القدسية من الله؟ فلو أن الأحاديث القدسية ما دخلتها الرواية بالمعنى، لكان المتكلم بها هو الله سبحانه وتعالى، لكن لما كانت الأحاديث القدسية كغيرها من الأحاديث تدخلها الرواية بالمعنى، وتأتي بألفاظ مختلفة وهي من تصرف الرواة ومن عمل الرواة؛ لأن الراوي إذا أتقن المعنى ولم يتقن اللفظ، فله أن يرويه وأن لا يكتمه، وإذا عقل اللفظ والمعنى جميعاً فيأتي بهما جميعاً وهذا هو الأحسن.
    إذاً: فالأحاديث القدسية هي التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً إياها إلى ربه سبحانه وتعالى، وهي مشتملة على ضمائر للتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى.
    قوله: [(كذبني ابن آدم وما كان له أن يكذبني)] ثم بين ذلك بأنه قال أي: ابن آدم أن الله تعالى لا يعيده، والله تعالى أخبر بأنه يعيد الخلق مرة أخرى، وأنه قادر على ذلك، قد جاء في القرآن آيات كثيرة تحكي عن الكفار زعمهم إنكار البعث، وأن الله عز وجل لا يعيد الإنسان بعد أن أفناه، وبعد أن أكلته الأرض، ولهذا جاء في القرآن في سورة يس في آخرها: ( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )[يس:77] ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )[يس:78] يعني: أنها إذا اختلطت بالأرض، وانتشرت، وتفرقت فلا تعاد، والله عز وجل قال: ( وَنَسِيَ خَلْقَهُ )[يس:78] وفي هذا الجواب يكفي، لكن جاء بعدها ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )[يس:79] يعني: فجاء الجواب مرتين، مرة في قوله: (ونسي خلقه) ومرة بعد ذلك في أن الله تعالى هو الذي أنشأها لأول مرة، وهو الذي يعيدها سبحانه وتعالى، فهذا هو التكذيب الذي حصل من ابن آدم، أن الله تعالى أخبر بأنه يعيد وهو يقول: إن الجسد لا يعاد، وكيف يعاد إذا كان عظاماً؟ وكان رفاتاً؟ وكان تراباً؟ ولهذا الله عز وجل يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4] يعني: فنحن نعيد، ونستخرج من التراب هذه الأجزاء التي اختلطت بالتراب.

    والبعث وإعادة الخلق إنما تكون للخلق الأول، وليس خلقاً جديداً، فعندما يبعث الناس لا يخلقون خلقاً جديداً، وإنما يبعث الجسد الذي كان في الدنيا، والذي أكلته الأرض واختلط بالأرض، فهذا هو الذي يعاد، ولهذا قال: ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4] يعني: فنحن نعلمه، ونستخرجه من الأرض، ونجمع الأجزاء بعضها على بعض، حتى يعود الجسد الذي كان في الدنيا ليلقى الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن كان محسناً حصل الثواب، وإن كان مسيئاً حصل العقاب.

    والجزاء إنما هو على الجسد والروح، الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، ويثاب، ويعاقب، والروح كذلك معه؛ لأن النعيم للروح والجسد، والعذاب للروح والجسد، وليس خلقاً جديداً؛ لأنه لو كان خلقاً جديداً، لكان العذاب يقع على جسد غير الذي أساء، لكن العذاب يقع على الجسد الذي أساء، وليس على جسد جديد لا وجود له في الدنيا، وقد جاء ذلك مبيناً في القرآن: ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )[يس:65] فمعناه: أن الأيدي تقول: بطشت في الدنيا، والأرجل تقول: مشيت، الجوارح تشهد بما حصل منها، وتلك التي تشهد هي التي كانت في الدنيا ليست أجساداً جديدة لا وجود لها في الدنيا، ولم يحصل لها وجود في الدنيا، وإنما التي وجدت في الدنيا هي التي أعيدت، وهي التي تنعم وتعذب، تجازى بالإحسان إحساناً، وتعاقب على الإساءة بالعقوبة التي يستحقها المسيء، فهذا هو التكذيب، يعني في كونه يستبعد أن تكون الأجزاء المتفرقة تجتمع.

    والله عز وجل بين في القرآن كيفية البعث، وكيفية الإعادة بالنصوص، أي أن: الله تعالى أحيا بعض المخلوقات في الدنيا التي منها يتبين كيفية البعث يوم القيامة، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما أمره الله عز وجل بأن يأخذ أربعة من الطيور، ثم يقطعهن ويمزق لحمهن، ويخلطه بعضه إلى بعض، ثم يأخذ من كل هذه اللحم المخلوط من الطيور الأربعة قطعة، ويضع كل قطعة في جهة، ثم يدعهن، فتنطلق تلك الأجزاء التي اختلطت الأربعة، وكل طير تجتمع أجزاؤه حتى يعود الطير على هيئته التي كان عليه، وقد اجتمع لحم الطيور الأربعة وخلط بعضه ببعض، حتى صار قطعة واحدة، ولكن الله عز وجل يجعل كل جزء من هذه الأجزاء تذهب وتثبت في مكانها الذي نزعت منه، حتى يعود الجسد كما كان قبل أن تذبح تلك الطيور، فهذه كيفية البعث.
    وجاء في السنة أيضاً ما يوضح هذا، كما سيأتي في الحديثين الآتيين ففيهما بيان ذلك.
    وأما قوله: [(شتمني)] فما زعمه وادعاه بأن الله تعالى اتخذ الصاحبة والولد، والله عز وجل هو الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وهذا هو الذي اشتملت عليه سورة الإخلاص، وهذا مقتضى سورة الإخلاص: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4]، وهو سبحانه وتعالى الصمد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، فكل من سواه مفتقر إليه لا يستغني عن الله لحظة.

    وكذلك من يكون له والد، ومن يكون له ولد يكون محتاجا ويكون غير مستغن؛ لأن الولد غير مستغن عنه الوالد؛ لأنه هو الذي نشأه ورباه، والوالد أيضاً يحتاج للولد يساعده، ولا سيما إذا كبر، وكذلك ليس هناك من يكافئه ويساويه ويماثله، فالله تعالى مستغن، وهو منزه عن الأصول، والفروع، والأشباه، والنظراء، فليس معه أصول، وهذا هو معنى قوله: (لم يولد)، أس: لم يكن له أصل، يعني: لم ينشأ عن ولادة، ولم يكن له فرع، فلم يتفرع منه ولد، فهو مستغن عن الأصول والفروع، النظراء والأشباه والنظائر، وهذا هو معنى قوله: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4] فهو مستغن عن الأصول والفروع، والنظراء، والأشباه، والنظائر، وهذا فيه كمال غناه سبحانه وتعالى، وكمال عظمته وجلاله أنه الواحد، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فهذا شتمه لربه، وهذا سبه لربه كونه قال هذه المقالة، وأضاف ذلك إلى الله عز وجل.


    تراجم رجال إسناد حديث: (قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ... وليس آخر الخلق بأعز على من أوله ...)


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شعيب بن الليث].
    هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني لقبه أبو الزناد على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه أبو الزناد على صيغة الكنية اللقب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني مشهور بلقبه الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.


    شرح حديث: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه، قال: ففعل أهله ذلك، قال الله عز وجل: لكل شيء أخذ منه شيئاً أد ما أخذت فإذا هو قائم، قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك، فغفر الله له)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه، يعني: أنه وقع في ذنوب وخشي أن الله تعالى يعاقبه على ذنوبه، فانقدح في ذهنه أنه إذا عمل عملاً، فإنه ينجو من عذاب الله، وأوصى بنيه إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه، ثم يذروه في البحر في الهواء حتى تتساقط أجزاء ذلك الرماد الذي جاء نتيجة لإحراقه وسحقه في البحر، وقال: [(لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين)]، فوقع في ذهنه أنه إذا صار على هذه الطريقة أنه يتلاشى جسده ويضمحل وأنه يسلم من عذاب الله عز وجل.
    وهذا الرجل من المسلمين وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا يغفر لهم، وهذا قد غفر له، ولكنه صاحب معاص أسرف على نفسه، وظن لجهله أنه إذا فعل بجسده ذلك أنه ينتهي، وأنه لا يناله العذاب، وأن الله تعالى لا يعذبه، فالله عز وجل أمر كل شيء أخذ منه شيئاً أن يؤديه، يعني: أن يلفظه وأن يخرجه، فخرجت تلك الأجزاء التي انتشرت في البحر، ورجعت حتى عاد الجسم كما هو، فإذا هو قائم على هيئته قبل أن يحرق، وقبل أن يفرق وتذر أجزاؤه في الهواء، فالله تعالى أعاد تلك الذرات حتى عاد الجسد كما كان، قال: [(ما حملك على ذلك، قال: خشيتك)]، أي: يخشى من عقاب الله عز وجل، فغفر الله له، وهذا يدل على أنه من المؤمنين، وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا سبيل إلى المغفرة لهم، ولا سبيل إلى نجاتهم وسلامتهم، بل ليس أمامهم إلا النار، ولا يغفر الله تعالى لهم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )[النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عن صاحبه وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه لا بد له أن يخرجه من النار ويدخله الجنة، أما الكافر، فإنه لا سبيل له إلى المغفرة، ولا سبيل له إلى الجنة؛ لأن الله تعالى شاء أن لا يغفر للكفار، سبقت مشيئة الله عز وجل وقضاؤه وقدره، أن الكافر لا يغفر له، أما غيره فهو تحت المشيئة إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وإذا عذب ينجو الإنسان في آخر الأمر ويسلم، ويدخل الجنة، والكافر هو الذي يدخل النار ويستمر فيها أبد الآباد، ولا يخرج منها بأي حال من الأحوال.

    فالحديث واضح الدلالة على أنه مسلم، ولكنه حصل عنده ذهول، وحصل عنده شيء أذهله من الخوف حتى قال هذه المقالة، ويشبه هذا الكلام الذي قاله في حال الذعر، وشدة الخوف، فتكلم بهذا الكلام وظن هذا الظن أن الله تعالى لا يعذبه إذا كان بهذه الطريقة.. وهذا يشبه في جانب شدة الفرح قصة الرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، حصل له شيء جعله يذهل، ويتكلم بكلام غير صحيح فعكس القضية، يعني: الأصل أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، وهذا أخطأ من شدة الذعر، وهذا الذي في الحديث أخطأ وتكلم بهذا الكلام من شدة الذعر، ومن شدة الخوف، وهذا أخطأ من شدة الفرح، فهذا فيه خطأ في جانب الفرح، وهذا منه خطأ في جانب الخوف والخشية، فغفر الله له.
    وفي هذا: دليل على كيفية البعث، وكيفية إعادة خلق الإنسان بعد الموت، وأنه تعاد أجزاؤه ولو كانت تفرقت في البر والبحر، الله عز وجل يأمر كل من وقع عليه جزء من هذه الجزئيات بأن يؤديه، يعني: بأن يلفظه وأن يتركه، وأن يخرج منه، فتخرج تلك الأجزاء حتى تعود كل ذرة إلى مكانها، ويعود الجسد كما كان.
    والحديث كما هو معلوم ليس فيه شيء يتعلق بذكر الروح؛ لأن الروح إذا مات الإنسان نزعت الروح، ولها اتصال بالجسد، والجسد هو الذي أحرق، ومزق، وذر في الهواء حتى صار متفرقاً في البحر، فخرجت تلك الأجزاء من البحر حتى عاد الجسد كما كان، والله عز وجل يقول: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ )[ق:3] (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، فنحن نعيد تلك الأجزاء من الأرض حتى تركب كل ذرة في مكانها، وحتى يعود الجسد على هيئته التي كان عليها.


    تراجم رجال إسناد حديث: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...)


    قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محمد].
    هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [الزبيدي].
    هو محمد بن وليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري من صغار التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر، فإن الله إن يقدر على لم يغفر لي، قال: فأمر الله عز وجل الملائكة فتلقت روحه، قال له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب، ما فعلت إلا من مخافتك فغفر الله له)].ثم أورد النسائي من حديث حذيفة رضي الله عنه، يعني: في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه والذي كان في الأمم السابقة، وحصل منه ما حصل وأوصى بهذه الوصية، وأهله نفذوا هذه الوصية، وفيه، أنه قال: [(فأمر الله الملائكة فتلقت روحه)]، ومن المعلوم أن الملائكة تتلقى الأرواح من الأجساد سواء كانت محسنة، أو مسيئة، وقد جاء ذلك مبيناً في أحاديث إذا كانت طيبة تخرج وتبشر قبل خروجها، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء من سهولة خروجها؛ لأنها تخرج إلى ما بشرت به، وأما إذا كانت بخلاف ذلك -والعياذ بالله- تبشر بالعذاب، فإنها تتفرق في الجسد، ويبين ما أمامها من الوعيد وما أمامها من العذاب، فتستخرج من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، يعني: الحديدة التي فيها أشواك، ثم تكون في صوف، فإذا جرت فإنه يتمزق من الصوف ما يكون مقابل تلك الأشواك، يعني: معناه شدة الإخراج، فهذا تشبيه لشدة الإخراج، فهي لا تريد الخروج؛ لأنها ستخرج إلى عذاب، فالملائكة تتلقى الأرواح إن كانت طيبة، فتكون في كفن من الجنة وحنوط من الجنة، وإذا كانت سيئة يؤتى بشيء من النار والعياذ بالله فتوضع فيه، كما جاء ذلك مبيناً في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه في مسند الإمام أحمد وغيره.
    فقال هنا: [(تلقت الملائكة روحه)]، وأما الكلام على الحديث فهو مثل الرواية السابقة يعني: من جهة أنه أوصى بأن يحرق، وأن يطحن، وأن يذر في الهواء، وأنه إن قدر الله عز وجل عليه لا يغفر له، فالله عز وجل أمر الذرات بأن تعود كل ذرة إلى مكانها، وقال له: (ما حملك على ذلك، قال: مخافتك فغفر له).

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي من أقران الأعمش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ربعي].
    هو ربعي بن حراش الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة].
    هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    البعث

    شرح حديث: (إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة عراة غرلاً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [البعث. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: البعث، وفي الحقيقة الأحاديث التي مرت هي ألصق بالبعث؛ لأن فيها كيفية البعث، فالأول كون الله عز وجل يعيد الجسد، وأن ابن آدم كذب الله أنه لا يعيده، والله تعالى يعيده، والثاني والثالث في قصة الذي أسرف على نفسه، والله تعالى أعاد تلك الذرات حتى رجعت كل ذرة إلى مكانها، وهذه كيفية البعث، وأن أجسادهم تعود كما كانت، لا أنه يخلق أجساداً جديدة.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)].
    سمع ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، على المنبر يقول: [(إنكم ملاقو الله حفاة، عراة، غرلاً)] فهذا فيه: البعث، وأن الناس يلاقون الله عز وجل عندما يبعثون في مكان الفصل بين الناس، ومكان الحشر، حفاة، عراة، غرلاً، حفاة ليس على أرجلهم شيء، وعراة ليس على أبدانهم شيء، وغرلاً غير مختونين، كما خلقوا أولاً يعادون، حتى أنهم لما خلقوا في الأول غير مختونين فإنه يعاد خلقهم غير مختونين على الهيئة التي كانوا عليها؛ لأن الله قال: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104] يعني: نفس الهيئة التي كان عليها عند الإيجاد الأول، يكون عليها عند الإيجاد الثاني من جهة أنه يولد أغرل ويوجد حافياً، ويوجد غير كاس، فكذلك يعاد ويبعث على الهيئة التي كان عليها حافياً، عارياً، أغرل، وهو غير مختون، وليس على رجليه شيء، وليس على جسده شيء، فالناس يبعثون على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية.

    وجاء خلقهم ثانياً غرل؛ لأن الله تعالى وعد بأن يعيد الخلق كما كان أول مرة، ولما كانت العزلة موجودة أول الخلق وجدت عند الخلق الثاني، فيكون الخلق الثاني مطابقاً للخلق الأول حتى في الغرلة التي كان عليها في الخلق الأول: [(إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً)].


    تراجم رجال إسناد حديث: (إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة عراة غرلاً)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.


    شرح حديث: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن سفيان حدثني المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً، وأول الخلائق يكسى إبراهيم عليه السلام، ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104])].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه [أن الناس يحشرون عراة، غرلاً، وأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104]]، يعني: فيه توضيح لكونهم يخلقون حفاة، عراة، غرلاً، فكذلك يكون بعثهم على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية.

    فهذا الحديث مثل الذي قبله، ولكن فيه زيادة إيضاح أن خلقهم غرلاً، ويعاد خلقهم غير مختونين حتى يكون ذلك مطابقاً لما حصل لخلقهم الأول، والله تعالى قال: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104] يعني: على الهيئة التي كان عليها تماماً، حتى الغرلة تكون موجودة.

    ثم قال: [(أول من يكسى إبراهيم)] أي: بعد ما يخرجون حفاة عراة، فأول من يكسى ويستر جسده هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم يكسى الناس بعده، وقيل في تخصيص إبراهيم بهذه الميزة وتقديمه على غيره أقوال من أحسنها: أنه لما رمي في النار فتجرد لله عز وجل جازاه على صبره، وإيمانه، بأن جعله هو الذي يكسى أولاً، ومثل هذه الفضيلة لإبراهيم لا تعني أن يفضل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بل هذا يدل على فضله، ولا يدل على أفضليته على من هو أفضل منه، وهو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن أفضل الأنبياء والمرسلين هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ويليه إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي البصري الملقب الزمن، والمكنى بـأبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومثله في ذلك شخصان آخران، وهما: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة جميعاً ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة (256هـ).
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني المغيرة بن النعمان].
    هو المغيرة بن النعمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.


    شرح حديث: (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ..) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية أخبرني الزبيدي أخبرني الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، فقالت عائشة رضي الله عنها: فكيف بالعورات؟ قال: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37])].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وأن الناس يبعثون [حفاة عراة غرلاً، فقالت: فكيف بالعورات] أي: كيف يحشرون حفاة، عراة، غرلاً، الرجال ينظرون للنساء والنساء ينظرن إلى الرجال، [فقال عليه الصلاة والسلام: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37]] يعني: جاءهم ما يشغلهم عن أن يفكروا بالعورات، وأن ينظروا إلى العورات، فالأمر أعظم من ذلك؛ لأن عندهم ما يذهلهم من شدة الخوف، ومن شدة الفزع الذي هم فيه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37] يغنيه من أن يفكر بهذه الأمور، وأن ينقدح في ذهنه شيء من هذه الأمور، بل عنده ما يشغله، وعنده ما يغنيه عن أن يفكر في ذلك.


    تراجم رجال إسناد حديث: (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً..) من طريق ثالثة


    قوله: [عن عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني الزبيدي].
    هو محمد بن الوليد الحمصي، أخرج له الجماعة إلا الترمذي.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    أي: خالته عائشة أم المؤمنين، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإثم في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وكان من فضلها ونبلها أنها تحتقر نفسها وترى أنها دون هذا الذي خصت به، وأعطيت إياه، وكانت تقول رضي الله عنها: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) قالت: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا، يعني: يحلم في المنام على أنها بريئة، ولكن الله تعالى برأها بقرآن أنزله على رسوله، يتلو الناس فيه على مر العصور والدهور براءتها، وهذا من فضلها، ونبلها، وتواضعها لله عز وجل، تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه: (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) عندما جاء ذكر الآل، وأن أمهات المؤمنين داخلات فيه، ذكر تراجم مختصرة لهن جميعاً، وذكر شيئاً من مناقب كل واحدة، ولما ذكر عائشة رضي الله عنها، ذكر من مناقبها في هذه الترجمة أنها لتواضعها ونبلها وفضلها كانت تقول هذه المقالة، فقال رحمه الله: (فأين هذا ممن يصوم يوماً، أو يصلي ليلة، ثم يقول: أنا فلان، وأنا فلان). أي: يتبجح بعمله، ويدل بعمله، وهذه الصديقة بنت الصديق يحصل لها ما يحصل من الفضل ثم تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى)، وهذا شأن أولياء الله عز وجل، أنهم مع كمالهم، ومع شرفهم، ونبلهم يتواضعون لله عز وجل.

    شرح حديث: (إنكم تحشرون حفاة عراة ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا أبو يونس القشيري حدثني ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم تحشرون حفاة عراة، قلت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)].ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أنه قال لما قالت: [(الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك)]، يعني: عندهم ما يشغلهم، وعندهم من الهول، والفزع، والذعر ما يشغلهم أن يفكر بعضهم في العورات، أو النظر إلى العورات؛ لأن عندهم ما يشغلهم عن ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنكم تحشرون حفاة عراة ...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو يونس القشيري].
    هو حاتم بن أبي صغيرة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #364
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الجنائز

    (361)

    - (تابع باب البعث) إلى (باب نوع آخر من التعزية)


    ورد في السنة أن الناس يحشرون على ثلاث طرائق راغبين راهبين، وأن أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام. كما ورد فيها استحباب التعزية، والتي فيها دليل على الألفة والتآخي بين المسلمين وقوة الترابط فيما بينهم.
    تابع البعث

    شرح حديث: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البعث.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام حدثنا وهيب بن خالد أبو بكر حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب البعث.
    وقد مرت أحاديث في هذه الترجمة تتعلق بقضية البعث، وأن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً، وقد أورد النسائي أيضاً أحاديث في هذه الترجمة منها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا)]، وهذا الحديث فسر بأن المراد بالحشر فيه: حشر دنيوي، وهو ما يحصل في آخر الزمان، وفي نهاية الدنيا من اجتماع الناس في مكان واحد، وذهابهم إلى جهة واحدة، وأنهم يذهبون إلى أرض الشام، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على هذا، قيل: إن المراد بهذا الحشر الذي في الحديث هو هذا الحشر، حشر يكون في آخر الدنيا، ومما يدل على أنه حشر دنيوي، وليس حشراً أخروياً أن النبي عليه الصلاة والسلام بين في هذا الحديث أنهم يكونون ركباناً وأنهم يركبون اثنين، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، وأن بقيتهم تحشرهم النار، تقيل معهم حيث قالوا وتصبح حيث أصبحوا، وتمسي حيث أمسوا، وهذا إنما يكون في الدنيا، وهذه قرائن، وأدلة تدل على أن الحشر إنما هو دنيوي، ومن العلماء من قال: إنه حشر أخروي، وأقرب الأقوال في هذه المسألة: أنه الأول، وأنه حشر دنيوي، وأن ذلك حيث يكون الناس في آخر الزمان يحشرون إلى المحشر، وأن النار تسوقهم حيث يجتمعون في أرض الشام، وفيها يخرج الدجال، وفيها ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويقتل الدجال، وأنه يخرج نار من عدن تحشر الناس إلى المحشر، وتسوقهم، وتقيل معهم حيث قالوا، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويبين بعضها بعضاً، فأظهر القولين في المسألة أنه حشر دنيوي، وليس حشراً أخروياً.
    والثلاثة الطرائق التي جاءت في الحديث جاء في صحيح البخاري أنهم راغبون راهبون، واثنان على بعير، فعلى هذا تكون الأولى من هذه الطرائق الثلاث: راغبين راهبين، والثانية: أنهم يكونون على هذه المركوبات، التي هي: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، والثالثة: النار التي تحشر بقيتهم، تقيل معهم حيث قالوا، وتصبح حيث أصبحوا، وتمسي حيث أمسوا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو هشام].
    هو المغيرة بن سلمة وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، أي: ما أخرج له البخاري في الأصول، وإنما خرج له تعليقاً، ولم يخرج له أبو داود.
    [حدثنا وهيب].
    هو وهيب بن خالد أبو بكر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه على الإطلاق حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث: (إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: (إن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج: فوج راكبين، طاعمين، كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النار، وفوج يمشون ويسعون يلقي الله الآفة على الظهر فلا يبقى، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها)].أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وفيه: أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج: فوج راكبين، طاعمين، كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، وفوج يمشون، ويسعون يلقي الله الآفة على الظهر أي: على ما يركب، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة لذات القتب لا يقدر عليها، يعني: يدفع الحديقة في مقابل ناقة عليها قتب، وهو الرحل الذي يجلس عليه الراكب، والذي يشد فيه المتاع، والحمل الذي يحمل عليها، معناه: أنه تحصل الآفة، ويحصل المرض الذي فيه يقل الظهر، والمراد بالظهر: الدواب التي يركب عليها وهي الإبل، حتى إن الإنسان ليدفع الحديقة في مقابل الناقة ذات القتب الذي هو الرحل الذي يوضع عليها لركوب الراكب، ولشد المتاع عليها، وهذا أيضاً حشر دنيوي، وهذا مثل الحديث الذي قبله هو حشر دنيوي. ومما يوضحه أن قوله فيهم: (فوج راكبين، طاعمين، كاسين)، ومن المعلوم: أن الناس يوم القيامة يحشرون حفاة، عراة، غرلاً؛ يعني: ليس على أجسامهم شيء، وليس على أرجلهم شيء، ويبعثون وهم غرل كما ولدوا غير مختونين، وفي الحديث هنا أنهم راكبون طاعمون كاسون، ثم في آخر الحديث أن الآفة تصيب الظهر، فيقل حتى إن الإنسان يدفع الحديقة، وهذا إنما يكون في الدنيا لذات القتب؛ ليشتري بها ناقة يركب عليها، إنما هذا يناسب الدنيا، ولا يتفق مع الآخرة، فأوله: كونهم طاعمين كاسين، والناس إنما يبعثون يوم القيامة عراة، وفي آخرها أنهم يركبون، وأنهم يقل فيهم الظهر، وأن الواحد يدفع الحديقة التي يملكها في مقابل ناقة عليها قتب يركب عليها، فلا يستطيع أن يحصلها لقلة الظهر، وهذا واضح أنه في الدنيا وليس في الآخرة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج ...) من طريق أخرى


    قوله: [قال: أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الوليد بن جميع].
    هو الوليد بن عبد الله بن جميع، وهو صدوق يهم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبو الطفيل].
    هو عامر بن واثلة صحابي من صغار الصحابة، قيل: إنه ولد عام أحد، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة مائة وعشر، قيل: إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة بن أسيد].
    صحابي، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن أبي ذر].
    هو جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض: أبو الطفيل عامر بن واثلة، وحذيفة بن أسيد، وأبو ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنهم، ففيه ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض.


    ذكر أول ما يكسى

    شرح حديث: (أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان أخبرنا وكيع، ووهب بن جرير وأبو داود عن شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموعظة فقال: يا أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله عز وجل عراة، قال أبو داود: حفاة غرلاً، وقال وكيع، ووهب: عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده، قال: أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وإنه سيؤتى، قال أبو داود: يجاء، وقال وهب ووكيع: سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: رب! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [المائدة:117] إلى قوله: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ [المائدة:118] الآية، فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مدبرين، قال أبو داود: مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: أول من يكسى، أي: أن أول من يكسى هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد مر الحديث من بعض الطرق، وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أول من يكسى بعدما يحشر الناس حفاة عراة غرلاً، وسبق أن مر أنه علل بتعليلات، ووجه بتوجيهات، من أقربها أنه لما ألقي في النار جرد وصبر وكان في ذات الله عز وجل، فالله تعالى جازاه على ذلك بأن جعله أول من يكسى بعدما يحشر الناس حفاة، عراة، غرلاً، فهو أول من تحصل له الكسوة وأول من يوارى جسده بالكسوة عليه الصلاة والسلام.
    وأورد حديث ابن عباس الذي سبق أن تقدم من بعض الطرق، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قام بموعظة في أصحابه وقال: [أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله حفاة، عراة، غرلاً]، وقد ذكر النسائي أن بعض الرواة رواه بلفظ (عراة)، وبعضهم رواه (عراة غرلاً)، وبعضهم (حفاة غرلاً)، وأشار إلى الاختلاف في بعض الروايات في هذا الإسناد، وأن بعضهم رواه على صفة، وبعضهم على صفتين، وبعضهم على صفتين أيضاً فيها التفاوت مع الصفة السابقة، و(أن أول من يكسى إبراهيم)، هذا هو محل الشاهد للترجمة الذي أورد الحديث من أجله، وإلا فإنه قد مر في الحشر وكيفية الحشر، ثم إنه جاء في آخر الحديث: (أنه يؤتى بأناس فيذهب بهم ذات الشمال) يعني: إلى النار، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرفهم، وهم من أصحابه، فيقول: [أي رب، أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مدبرين]، وفي بعض الروايات: [لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم]، والمقصود من هذا بلا شك هم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وماتوا على الردة، وقاتلهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وماتوا قتلى على أيدي الغزاة الفاتحين الذين أرسلهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، هؤلاء هم المعنيون بهذا الحديث، وليس المقصود بهم ما تقوله الرافضة المخذولون من أن المقصود بذلك: الصحابة، وأنهم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر، وإنما يقوله من خذله الله، وإنما المقصود من ذلك: هم الذين ارتدوا وماتوا على الردة بأيدي الجيوش المظفرة التي بعثها الصديق رضي الله عنه وأرضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم، وفي هذا دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب ولا يطلع، وأنه ما يجري بعده، وما يحصل بعده لا يعلمه عليه الصلاة والسلام وهو في قبره؛ لأنه قال: [فأقول أصحابي]، وهو لا يعرف الذي حصل لهم، وأنهم ارتدوا وماتوا على الردة، فهو من الأدلة التي يستدل بها على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يطلع من الغيوب إلا على ما أطلعه الله عليه، وأن هذا من الغيوب التي أخفاها الله عنه، ولم يطلعه عليها صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعرف أنهم كانوا مسلمين، وأنهم كانوا من أصحابه، ولكنهم غيروا وبدلوا بعده، وارتدوا، وماتوا على الردة، فأخذ بهم إلى النار.


    تراجم رجال إسناد حديث: (أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام)


    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [أخبرنا وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الكوفي الرؤاسي، وهو ثقة، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ووهب بن جرير].
    هو ابن حازم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المغيرة بن النعمان].
    هو المغيرة بن النعمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.


    في التعزية


    شرح حديث: (... فلقيه النبي فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التعزية.أخبرنا هارون بن زيد وهو: ابن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا خالد بن ميسرة سمعت معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلاناً؟ قالوا: يا رسول الله! بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان! أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: فذاك لك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التعزية، والمراد بها: تهوين المصاب بالميت، وذكر الكلام الذي يؤنسه، ويخفف عليه مصابه، هذا هو المراد بالتعزية، وليس لها وقت محدد يعني: بثلاثة أيام، أو أقل، أو أكثر، ولكنها لا تستمر وتكون مع طول الوقت بعد الموت، وفي حال المصيبة، وفي الأيام التي تكون بعد المصيبة، أما إذا مضى زمن طويل، وحصل السلوان، وذهبت الشدة التي حصلت للإنسان والمصيبة التي حلت بالإنسان فإنه لا يعزى في تلك الحال، ولكنه إذا ذكر الميت يدعى له، وأما أن يعزى بعد وقت طويل، وقد حصل السلوان، وذهب ما في النفس من الشدة، وما حصل للإنسان من المصيبة، فإن هذا لا يناسب التعزية، وليس لها تحديد بثلاثة أيام، بل يمكن أن تكون بعد ثلاثة أيام ويمكن أن تكون أقل، لكن بعد دهر طويل ووقت طويل حصل معها السلوان لا يناسب ذلك.
    وقد أورد النسائي حديث قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا جلس، جلس معه نفر من أصحابه يحدثهم، ويتلقون الحديث منه عليه الصلاة والسلام، وكان فيهم رجل له ولد صغير يأتي من ورائه، ويجلسه في حجره، فهلك ذلك الابن الصغير، فتخلف ذلك الرجل عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتذكر ابنه، وما يحصل له، فلم يأت، ففقده النبي عليه الصلاة والسلام فسأل عنه فقال: بني، الذي كان يأتي معه، ويجلس في حجره هلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام لقيه وعزاه بكلام حسن لطيف أدخل السرور عليه، وقال له: أيما أحب إليك أن تمتع به عمرك؟ يعني: يكون معك في الحياة، ويخدمك، وتستفيد منه، أو يكون أمامك، فلا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وتجده أمامك يريد أن يفتح لك الباب، قال: بل أريد أن يفتح لي باب الجنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام هون مصيبته وبين أن فقده إياه سيعود عليه بالخير، وأنه يكون فرطاً له، ويكون شفيعاً له، ويفتح له باب الجنة، فعند ذلك سر ذلك الرجل من كونه يحصل نفعه أمامه، فإن كان فاته النفع الدنيوي الذي يكون معه في حياته فإن ذلك النفع الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو النفع الأتم، وهو النفع الأعظم حيث يجده أمامه، ويفتح له باب الجنة، فهذا كلام فيه تعزية، وفيه تسلية، وفيه جبر للمصيبة، وأن الإنسان على خير، بل هذا الرجل فضل هذه الحالة التي حصلت، وهي: أن يكون أمامه يفتح له باب الجنة على أن يمتع به عمره في هذه الحياة الدنيا بأن يخدمه، ويستفيد منه، وتقر عينه به في هذه الحياة، ففضل تلك الحالة على هذه الحالة.
    ومن خير ما يعزى به ذكر الموت، وأن الموت لا بد منه، وأنه مهما طال الأمد لا بد أن يموت الإنسان، وأن هذا الطريق طريق مسلوك، لا مفر منه، إن عاجلاً أو آجلاً، وكذلك أن يقال في التعزية: (لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى)، وكذلك التذكير بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر، وخير الناس، وأنفع الناس إلى الناس، ولو كان البقاء لأحد لكان أحق الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    فالحاصل: أن التعزية تكون بالكلام الذي يلقي السرور على المصاب الذي أصيب بذلك الميت يؤتى بالكلام اللطيف الذي يهون مصابه، ويخفف عليه ما حصل له من المصيبة.
    ثم في الحديث ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من اللطف بأصحابه، ومن تفقدهم، وسؤاله عن حال من يتخلف منهم حيث يحصل منه شيء على خلاف ما اعتاده؛ والنبي عليه الصلاة والسلام قد ألف واعتاد أن هذا الرجل يأتي، ففقده، ويشبه هذا ما حصل لـثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم، (أنه لما نزل قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )[الحجرات:2]، وكان جهوري الصوت، خلقة وجبلة -يعني: يتكلم كلامه المعتاد، فيرتفع صوته- فلما نزلت هذه الآية خشي أن يكون ممن عنته الآية، وأن يكون حبط عمله، فجلس في بيته يبكي، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل سعد بن معاذ سيد الأوس، وقال: يا أبا عمرو، ما حال ثابت بن قيس؟ قال: أنا آتيك بخبره يا رسول الله، فذهب يبحث عنه، ووجده في منزله يبكي، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبره بالذي جعله يتخلف فقال له: إنه من أهل الجنة، إنه ليس من هؤلاء إنه من أهل الجنة). يعني: ليس ممن تعنيهم الآية، وإنما هو من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فشهد له النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة.
    فالحاصل: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتفقد أصحابه، وإذا تغيب أحد منهم أو تخلف سأل عنه، كما حصل في قصة والد هذا الابن الصغير الذي هلك وتخلف ابنه؛ لأنه يجد في نفسه عندما يذكره في تلك الحلقة، وذلك المجلس، وقد ألف أنه يأتي، ويجلسه في حجره فكان يتذكر ابنه فيتأثر فلم يأتِ إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه حتى علم خبره، ثم عزاه بهذه الكلمات اللطيفة التي أختار فيها ما هو أمامه على ما هو في هذه الحياة الدنيا.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... فلقيه النبي فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ...)


    قوله: [أخبرنا هارون بن زيد وهو: ابن أبي الزرقاء].هو ابن أبي الزرقاء وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وكلمة: (هو: ابن أبي الزرقاء) هذه الذي قالها من دون النسائي؛ لأن النسائي ما يقول (هو: ابن أبي الزرقاء)، بل يقول ابن أبي الزرقاء رأساً دون (هو)؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول (هو)، وإنما الذي يحتاج إلى أن يقول هو من دون التلميذ، وهذا دليل واضح على أن من دون النسائي قد يزيد، يعني: في الإسناد شيء على ما عند النسائي؛ لأن النسائي ما قال: (هو ابن أبي الزرقاء) ولا قال: ابن أبي الزرقاء وإنما هارون بن زيد فقط، فأتى من دون النسائي بكلمة ابن أبي الزرقاء وكلمه (هو) قبلها حتى يبين من هو هارون بن زيد هذا، فهو من شيوخ النسائي، ولا يحتاج النسائي إلى أن يقول (هو فلان)، الذي احتاج إليه من دون النسائي، وهذا مثال من الأمثلة التي يستدل بها على أن من دون النسائي يمكن أن يزيد في الإسناد شيئاً يوضح به رجلاً في الإسناد؛ وذلك بأن يأتي بما فيه الإيضاح والبيان مسبوقاً بـ(هو) أو بكلمة (يعني).
    [حدثنا أبي].
    أبوه هو زيد بن أبي الزرقاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا خالد بن ميسرة].
    قال عنه في التقريب: صالح الحديث، وقد أخرج حديثه أبو داود، والنسائي أيضاً.
    [سمعت معاوية بن قرة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو قرة بن إياس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.


    نوع آخر


    شرح حديث: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا محمد بن رافع عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عز وجل إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم مه؟ قال: الموت، قال: فالآن، فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر)].
    ثم أورد النسائي نوع آخر أي: من التعزية تحت هذه الترجمة، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة مجيء ملك الموت في صورة آدمي إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه صكه، أو دفعه ففقع عينه، فرجع إلى ربه وقال: إنك أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، قال: فأعاد إليه عينه، وقال: اذهب إليه، وقل له: يضع يده على متن ثور، يعني: على ظهر ثور، ثم إن له بكل شعرة مما غطت يده سنة، قال: ثم مه؟ قال: الموت، قال: فالآن، وسأل الله عز وجل أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، قال عليه الصلاة والسلام: [(لو كنت، ثم لأريتكم قبره عند الطريق تحت الكثيب الأحمر)].
    والمقصود من إيراد الحديث في التعزية من جهة أنه قال في الحديث لما قال: إذا وضع يده على متن ثور، وأن له في كل شعرة سنة قال له: ثم مه؟ قال: الموت، يعني: أنه مهما يكن من شيء فإن الموت لا بد منه، طال الأمد أو قصر، فالموت هو النهاية التي لا بد منها، وما دام أن الموت آتٍ، وأنه هو النهاية، وأنه لا بد من وجوده، فإذاً: إذا جاء الموت في أي وقت فقد جاء الأجل، وفي ذلك تعزية وسلوى.
    فالموت لا بد من حصوله، وفي ذلك تعزية لأي إنسان تصيبه مصيبة الموت يصاب بموت قريبه، أو من يعز عليه، فإن الكل سيسلك هذا الطريق، والكل سيصل إلى هذه النهاية، إذاً هذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة؛ يعني: من العزاء الذي يعزى به الإنسان: أن الموت لا بد منه طال الأمد أو قصر، وليس البقاء لأحد، بل البقاء لله سبحانه وتعالى.
    وفي الحديث: أن الملائكة تتشكل وتأتي على صور مختلفة؛ فتأتي الملائكة على صور الآدميين، كما جاء في هذا الحديث، وأنه جاء على صورة بشر، وكذلك في قصة إبراهيم ولوط جاءتهم الملائكة على صورة بشر حسان الوجوه، وكذلك جبريل كان يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام على صورة دحية بن خليفة الكلبي، وأحياناً يأتي على صورة رجل غير معروف، كما في حديث جبريل المشهور، (أنهم كانوا في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبته إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه، وقال: أخبرني على الإسلام وسأله الأسئلة، وفي آخرها قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، فالله تعالى جعل الملائكة ذوي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، وجبريل له ستمائة جناح، وقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام على هيئته التي خلقه الله عليها مرتين؛ مرة في السماء عندما عرج به إلى السماء فوق السماوات رآه على هيئته التي خلقه الله عليها، ومرة وهو في الأرض قد سد الأفق لكبر خلقه.
    وهذه الهيئة الكبيرة من الملائكة يتحول فيها إلى صورة رجل، وإلى صورة بشر، فموسى عليه الصلاة والسلام جاءه بصورة بشر، وفاجأه بالموت فدفعه وفقع عينه، وذهب ملك الموت إلى الله عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، فقال: اذهب إليه، وأخبره بكذا وكذا، فذهب إليه وقال: ثم مه؟ يعني: بعد هذه السنين، قال: الموت، قال: فالآن، أي: ما دام أن الموت لا بد منه، وأنه آت فالآن، ثم سأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة فمات هنالك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [لو كنت ثمّ]، يعني: لو كنت هناك [لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر]، الكثيب الذي هو: الرمل الأحمر.
    والحديث رواه البخاري وغيره، ووجه إيراده هنا كما ذكرت فيما يتعلق بالتعزية من جهة أن الموت لا بد منه، وأن هذا فيه عزاه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو مثل الإمام مسلم وطناً ونسباً، الإمام مسلم قشيري من بني قشير ونيسابوري من نيسابور، وشيخه محمد بن رافع من بلده وقبيلته، فهو من نيسابور وهو من بني قشير الذين منهم الإمام مسلم، ولهذا بعض العلماء عندما يذكر البخاري، ومسلم ويذكر نسبته، نسبة هذا وهذا، فيقول: البخاري الجعفي مولاهم، يعني: ينسب إلى الجعفيين ولاءً، ومسلم القشيري من أنفسهم يعني: منهم أصلاً ونسباً، وكلمة من أنفسهم ليست ولاءً وإنما هو منهم ومن هذه القبيلة، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه.
    [أخبرنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو شيخ عبد الرزاق، وقد أكثر عبد الرزاق من الرواية عنه بل هو شيخه في صحيفة همام بن منبه الطويلة التي تبلغ مائة وأربعين حديثاً، فالبخاري أورد بعضها، ومسلم أورد بعضها واتفق البخاري، ومسلم على إخراج بعضها وترك أشياء منها، فمعمر هو شيخ عبد الرزاق فيها، ومسلم يروي تلك الصحيفة عن طريق شيخه محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة.
    [عن ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس وقد مر ذكره.
    [عن أبيه].
    قد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #365
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (362)

    - باب وجوب الصيام

    تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة التي بينت أركان الإسلام الخمسة، والتي منها: صوم رمضان الذي يجب على كل مسلم ومسلمة بلغ حد التكليف.
    وجوب الصيام

    شرح حديث: (... أخبرني بما افترض الله علي من الصيام، قال: صيام شهر رمضان...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصيام، باب وجوب الصيام.حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل وهو: ابن جعفر حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه: ( أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله! أخبرني بما افترض الله عليّ من الصلاة، قال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً، قال: أخبرني بما افترض الله عليّ من الصيام، قال: صيام شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً، قال: أخبرني بما افترض الله عليّ من الزكاة، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو: دخل الجنة إن صدق ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الصيام، باب وجوب الصوم.
    أولاً: المعروف والمشهور عند العلماء من محدثين وفقهاء، أنهم عندما يذكرون أركان الإسلام، يأتون إلى العبادات فيذكرون الصلاة، ويأتون قبلها بالطهارة؛ لأنها شرط لها، ثم يأتون بعد الصلاة بالزكاة، ثم بعد الزكاة الصوم، ثم بعد الصوم الحج، هذا هو الغالب على صنيع العلماء من محدثين وفقهاء، ويأتي أحياناً تقديم شيء على شيء، وجاء على خلاف هذا الأصل المعتاد النسائي رحمه الله في هذا الكتاب، فقدم الصوم على الزكاة، وقيل في تعليل صنيع النسائي وهو تقديم الصوم على الزكاة من جهتين: التعليق الأول: أن الحديث الأول من هذا الباب قدم السؤال عن الصوم على السؤال عن الزكاة.
    التعليل الثاني: من حيث المعنى فهو أن الصوم جاء بعد الصلاة؛ لأن كل منهما عبادة بدنية، فالصلاة عبادة بدنية، والصوم عبادة بدنية وأما الزكاة فهي عبادة مالية تؤخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء، والأصل المعروف أو الغالب في الاستعمال هو تقديم الزكاة على الصوم، وأنها تلي الصلاة وقد جاء في كثير من الأحاديث تقديم الزكاة على الصوم، بل قد جاء في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة الجمع بين الصلاة والزكاة، وأنها عندما تذكر الصلاة تقرن بها الزكاة، يقول الله عز وجل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ )[البينة:5] ويقول: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ )[الحج:41] وغير ذلك من الآيات التي فيها الجمع بين الصلاة والزكاة، وقرن الصلاة بالزكاة.
    ثم أيضاً ما جاء في كثير من الأحاديث، ومنها حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وفيه قوله: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فإن هم أجابوا بكذا، ويذكر له الذي يليه، وهذا هو المشهور كما أسلفت، هذا من حيث الترتيب أو كون الزكاة تقدم على الصيام، أو الصيام يقدم على الزكاة.
    أما الصيام من حيث اللغة هو: مطلق الإمساك، فالإمساك يقال له صيام، يقول الشاعر:
    خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تهلك اللجما
    يعني: خيل صيام أي: ممسكة عن الأكل، وخيل غير صائمة أي: غير ممسكة، فأطلق على الإمساك عن الأكل صيام، وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما.
    أما من حيث الشرع فإنه صيام مخصوص ليس مطلقاً، الإمساك عن الأكل، والإمساك عن الكلام كل ذلك يقال له: صيام، لكن في الشرع يطلق الصوم على إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي.
    إذاً: المعنى اللغوي عام، والمعنى الشرعي خاص، وهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأن المعنى اللغوي للصيام مطلق وواسع، وأما في الشرع فهو إمساك مخصوص محدد وكثيراً ما تأتي المعاني الشرعية جزئيات من جزئيات المعاني اللغوية، بمعنى أن المعنى اللغوي يكون واسعاً، والمعنى الشرعي يكون خاصاً، ويعتبر داخلاً في بعض أجزائه، ومثل هذا الحج والعمرة، فإن الحج في اللغة القصد مطلقاً، وفي الشرع قصد مكة والمشاعر لأداء مناسك معينة، فهو قصد مخصوص، والمعنى اللغوي القصد مطلقاً يقال له: حج، كذلك العمرة يقال لغة: الزيارة مطلقاً، وأما في الشرع، فهي: زيارة أو زيارة البيت العتيق، والطواف فيه، والسعي بين الصفا والمروة، أو زيارة البيت العتيق لأداء نسك مخصوص.
    إذاً: هو جزء من جزئيات المعنى اللغوي، فالمعاني الشرعية تأتي خاصة، والمعاني اللغوية تأتي عامة، وهذا في الغالب، وهذا فيما يتعلق بتعريف الصيام لغة وشرعاً.
    أما من حيث حكم الصيام فهو فرض فرضه الله عز وجل على عباده وهو شهر واحد في السنة، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فإن الله تعالى افترض صيامه، وسن النبي صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها الدين الحنيف، وقد جاء ذلك مبيناً في أحاديث كثيرة منها حديث جبريل المشهور لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل وقال: (يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ) وكذلك في حديث عمر: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) فصيام رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها هذا الدين الحنيف.
    وقد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات؛ لأنه فرض في السنة الثانية، وتوفي عليه الصلاة والسلام في أوائل السنة الحادية عشرة، فكانت السنوات التي صام فيها تسع سنوات.
    النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة وهي وجوب الصيام، ثم أورد عدة أحاديث تتعلق بهذا، وهي مشتملة على أنه فرض واجب، وأورد في ذلك حديث طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً ثائر الرأس من أهل البادية جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله أن يخبره عن ما فرض الله عليه من الصلوات، فقال: خمس صلوات في اليوم والليلة إلا أن يتطوع شيئاً، يعني: ليس هناك شيء وراء هذه الخمس مفروض إلا التطوع، وسأله عن الصيام فأخبره بأنه شهر واحد في السنة وهو رمضان، وأنه ليس عليه شيء إلا أن يتطوع بعد ذلك، وسأله عن الزكاة فأخبره بشرائع الإسلام وقال: لا يزيد على ذلك ولا ينقص، فلما أدبر قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ) لأنه أدى ما عليه، أو قام بما فرضه الله عليه، وأوجب عليه من الصلاة والزكاة والصيام.
    فالحديث واضح الدلالة على الترجمة من حيث الوجوب؛ لأنه سأله عما افترض الله عليه وعن ما أوجب عليه من صيام فأخبره بذلك، وهذا معلوم في الدين الإسلامي بالضرورة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... أخبرني بما افترض الله علي من الصيام قال: صيام شهر رمضان...)


    قوله: [ حدثنا علي بن حجر ].هو ابن إياس السعدي المروزي ، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [ أخبرنا إسماعيل وهو ابن جعفر].
    هو إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: هو ابن جعفر هذه زادها من دون علي بن حجر إما النسائي أو من دون النسائي ، وهذا لأن علي بن حجر لما روى عن إسماعيل بن جعفر لم ينسبه، وإنما قال عن إسماعيل: أو أخبرني؟
    [ حدثنا إسماعيل ].
    فـعلي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل فقط، ولم يزد عليها شيئاً، وإنما أرادوا أن يوضحوا من هو إسماعيل فقال: هو: ابن جعفر فكلمة (هو ابن جعفر) القائل لها النسائي أو من دون النسائي وليس القائل لها علي بن حجر السعدي المروزي لأنه تلميذه، والتلميذ يذكر شيخه كما يريد، إن أراد أن يختصر اسمه اختصر، وإن أراد أن يطول في نسبه وصفاته وما إلى ذلك فإنه يفعل ذلك، أما غيره فهو الذي يحتاج إلى البيان، ويحتاج إلى مثل هذه العبارة وهي كلمة (هو) من أجل أن يعلم أنها زيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو سهيل ].
    هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه].
    هو مالك بن أبي عامر المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن طلحة ].
    هو طلحة بن عبيد الله التيمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام في حديث واحد سردهم واحداً واحداً، وكل واحد أخبر أنه من أهل الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) ولهذا قيل لهم العشرة، ولم تكن الشهادة بالجنة مقصورة عليهم بل جاء أحاديث فيها الشهادة لأفراد آخرين سواهم كما جاء ذلك في عكاشة بن محصن، وثابت بن قيس بن شماس، والحسن، والحسين، وبلال وأشخاص كثيرين جاء فيهم أحاديث تدل على الشهادة لهم بالجنة، ولكن اشتهر لقب العشرة لهؤلاء العشرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سردهم في حديث واحد وأخبر عن كل واحد، منهم أنه من أهل الجنة، ما قال: فلان وفلان وفلان في الجنة، بل كل واحد يقول هو في الجنة، فلهذا يقال لهم: العشرة ويطلق عليهم لقب العشرة لهذا السبب.
    وحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عند أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (... وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة قال: صدق...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن معمر حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! أتانا رسولك فأخبرنا أنك تزعم أن الله عز وجل أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب فيها الجبال؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب فيها الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا، قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فوالذي بعثك بالحق لا أزيدن عليهن شيئاً ولا أنقص، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبرهم بشرائع الإسلام بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يأخذ منه، وأن يتعلم منه، وأن يتحقق وأن يتأكد من هذه الفرائض التي فرضها الله عليه، والمقصود من ذلك زيادة التثبت والتحقق، وذكر الزعم في قوله: (زعم رسولك) يراد بالزعم الخبر المحقق، يعني: أخبرنا خبراً محققاً، فإنه يأتي لهذا المعنى، وهذا هو المراد في هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث التي فيها ذكر التعبير بالزعم في مثل هذه الحالات التي ليس فيها تكذيب أو شك أو تردد، وإنما المقصود من ذلك هو الخبر المحقق، وهو يريد أن يتحقق زيادة، وأن يأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة وبدون واسطة، وأن يطمئن على تلك الأشياء التي بلغ إليها بواسطة رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فذكر الصلاة، ثم ذكر الزكاة، ثم ذكر الصيام، ثم ذكر الحج وفي كل واحدة منها يقول: (آلله أمرك بهذا؟) يعني: استفهام، وسأله في الأول وقال: (من خلق السماء والأرض، وجعل فيها المنافع) وكان مقصوده من ذلك أن يحلف بالذي خلقها، وجعلها كذلك وهذا توطئة وتمهيد لحلفه بربها الذي خلق السماوات، وخلق الأرض، وجعل فيها المنافع، يسأله عن هذه الأسئلة فيحلف بالله، ويتحقق أن الله تعالى أمره بهذه الأشياء، ثم إن في الحديث نفسه دلالة على قبول خبر الواحد، وعلى العمل به في العبادات والعقائد مطلقاً، وهنا جاء في العبادات في أصول الإسلام الأربعة التي هي الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وقد بلغهم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بل جاء في بعض الأحاديث أن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغون التوحيد، ويبلغون الإيمان، ويبلغون الشهادتين كما جاء ذلك في حديث معاذ بن جبل : ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك بذلك فأعلمهم أنه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أنه افترض عليهم صدقة في أموالهم تخرج من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) ففيه: الدلالة على قبول خبر الواحد والعمل به، وأنه يتعين العمل به إذا بلغت السنة الإنسان عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو من طريق شخص واحد، فإن عليه أن يعمل بها، وهذا هو الذي جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) فإنه يدخل فيه الشخص الواحد الذي يسمع حديثاً ثم يبلغه.
    فالحاصل أن خبر الواحد تقوم به الحجة، ويجب العمل بمقتضاه في العقائد، والعبادات، والمعاملات، وفي سائر أمور الدين، هذا هو الذي دلت عليه الأحاديث الكثيرة الثابتة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
    [عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء)].
    يقصد بذلك قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا )[المائدة:101] المقصود في القرآن هذه الآية.
    قوله: [(فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله)].
    أي: كان يعجبهم, ويتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأله، ووصف بالعقل؛ لأنه يسأل الأسئلة ذات الأهمية التي يستفيدون من إجابة النبي عليه الصلاة والسلام عليها.
    قوله: [(فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! أتانا رسولك فأخبرنا أنك تزعم أن الله عز وجل أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب فيها الجبال؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض، ونصب فيها الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلاً قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فوالذي بعثك بالحق لا أزيدن عليهن شيئاً ولا أنقص، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة)].


    تراجم رجال إسناد حديث: (... وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة، قال: صدق...)


    قوله: [ أخبرنا محمد بن معمر ].هو محمد بن معمر القيسي البصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو عامر العقدي ].
    هو عبد الملك بن عمرو البصري أبو عامر العقدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا سليمان بن المغيرة ].
    هو البصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس ].
    هو أنس بن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر في السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد عن الليث عن سعيد عن شريك بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول: (بينا نحن جلوس في المسجد جاء رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، فقال لهم: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، قلنا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال الرجل: إني سائلك يا محمد فمشدد عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك، قال: سل ما بدا لك، فقال الرجل: نشدتك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر) خالفه يعقوب بن إبراهيم].أورد النسائي هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة ضمام بن ثعلبة الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأناخ بعيره وعقله، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله هذه الأسئلة، وأجابه النبي عليه الصلاة والسلام عليها، وأن الله تعالى أمره بهذه الشرائع التي هي الصلاة والزكاة والصيام، وعند ذلك أخبر هذا الصحابي الذي هو ضمام بن ثعلبة بأنه آمن به، وبما جاء به، ويمكن أن يكون هذا إخبار عن إيمانه، وأنه مؤمن من قبل ذلك، ويحتمل أن يكون إنشاءً، والذي يظهر أنه إخبار، وأنه قال ذلك تأكيداً، وليس أنه دخل في الإسلام يعني: من الآن، وأنه ما حصل منه الإيمان إلا في هذه اللحظة وإن كان ذلك محتملاً إلا أن الأقرب أنه كان مؤمناً من قبل، ولكنه سأل هذه الأسئلة من أجل التحقق، ومن أجل التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ومن دون واسطة، ثم جاء في آخر الحديث أنه قال: [ أنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ].
    يعني: أنه جاء منهم، وأنه سيرجع إليهم ويخبرهم بما تلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمى نفسه وقال: أنا ضمام بن ثعلبة ، فالحديث دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من جهة اشتماله على فرض الصيام، وأنه مما افترضه الله سبحانه وتعالى.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر في السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...)

    قوله: [ أخبرنا عيسى بن حماد ].هو التجيبي المصري الملقب زغبة، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد ].
    هو ابن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شريك بن أبي نمر ].
    هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وهو صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن أنس ].
    أنس وقد مر ذكره.
    [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ].
    خالفه يعقوب بن إبراهيم فبعد أن فرغ من الحديث وذكر إسناده ومتنه قال: خالفه يعقوب بن إبراهيم، ثم ذكر الطريق التي فيها رواية يعقوب بن إبراهيم، ثم ذكر الحديث الذي يليه الطريق التي فيها رواية يعقوب بن إبراهيم.


    شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم من كتابه حدثنا عمي حدثنا الليث حدثنا ابن عجلان وغيره من إخواننا عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد وهو متكئ بين ظهرانيهم؟ فقلنا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال الرجل: يا محمد إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، قال: أنشدك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال فأنشدك الله! آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: إني آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ) خالفه عبيد الله بن عمر ].أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن الليث والطريق السابقة فيها الرواية عن الليث وهذه طريق أخرى من طريق يعقوب بن إبراهيم، والمتن هو مثل الذي قبله تقريباً يعني: الأسئلة التي وجهها إليه، وأجابه النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره في آخر الأمر بأنه ضمام بن ثعلبة ، وأنه رسول من وراءه من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مثل الذي قبله، وفيه وفي الذي قبله ذكر إدخال البعير إلى المسجد وعقله، وهذا فيه: دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه وروثه؛ لأن إدخالها المسجد لا يؤمن أن تبول، وأن يحصل منها الروث، وهو طاهر إذا حصل منها ووقع، فإنه ليس بنجس؛ لأن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر وليس بنجس، والنبي صلى الله عليه وسلم أدخل البعير في المسجد الحرام وطاف على بعير عليه الصلاة والسلام، وذلك دال على طهارة أبوالها وأرواثها.
    وكذلك أرشد العرنيين الذين جاءوا واستوبئوا المدينة فأمرهم أن يذهبوا إلى الصدقة، ويشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا، ثم حصل منهم ما حصل من قتل الراعي، وأخذ الإبل، فالحاصل أن النبي أرشدهم بأن يشربوا من أبوالها، وهذا يدل على طهارتها، وأنها ليست نجسة، وأنها إذا وقعت على الثياب، أو وقعت في المسجد، أو وقعت في بقعة أنها لا تنجس ذلك لأنها طاهرة، فإدخال البعير في المسجد، وكذلك إدخال النبي صلى الله عليه وسلم البعير في المسجد الحرام وطوافه عليه يدل على هذا، وكونه عقله يعني: حتى لا يحصل منه تشويش واضطراب، حيث لا يكون معقولاً، فإنه قد يحصل ما لا ينبغي مما فيه التشويش على الناس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) من طريق ثانية


    قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي .
    [ حدثنا عمي ].
    هو يعقوب بن إبراهيم الذي جاء ذكره في آخر الحديث الذي قبل هذا، خالفه يعقوب بن إبراهيم هو عمه حيث قال عبيد الله بن سعد بن إبراهيم يحدث عن عمه يعقوب بن إبراهيم أخو سعد ؛ لأن ذاك عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وهذا يعقوب بن إبراهيم الذي هو عم عبيد الله، ولهذا قال عمي، أي: يعقوب بن إبراهيم، وهو الذي جاء في آخر الحديث الذي قبل هذا، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث ].
    هو الليث بن سعد وقد مر ذكره.
    [ حدثنا ابن عجلان وغيره ].
    هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس].
    وقد مر ذكرهم.


    شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهراً؟ قال: اللهم نعم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا إسحاق حدثنا أبو عمارة حمزة بن الحارث بن عمير سمعت أبي يذكر عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جاء رجل من أهل البادية قال: أيكم ابن عبد المطلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق، -قال حمزة : الأمغر: الأبيض مشرب حمرة- فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، قال: أسألك بربك، ورب من قبلك، ورب من بعدك آلله أرسلك؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهراً، قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: اللهم نعم، قال: فإني آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة)].أورد النسائي هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة قدوم ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله عن أنس رضي الله عنه، وهنا المخالفة حتى في الصحابي؛ لأن الصحابي في الطريقين السابقين أنس بن مالك وفي هذا الطريق أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، فهو مثل الذي قبله، يعني: فيما يتعلق بقصة ضمام بن ثعلبة ، وقدومه إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وفي قوله: [(الأمغر المرتفق)] هو من جنس كلمة الأبيض المتكئ في الروايات السابقة؛ لأن الأمغر هو: الأبيض المشرب بحمرة، والمرتفق هي تعادل المتكئ؛ لأنها معناها: متكئ بمرفقه، ولهذا مرتفق على كذا، يعني: معتمد بمرفقه على شيء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #366
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (363)


    - (باب الفضل والجود في شهر رمضان) إلى (باب ذكر الاختلاف على الزهري في خبر فضل شهر رمضان)


    أبانت السنة المطهرة فضل رمضان وأنه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار؛ ولذلك كان رسول الله أجود ما يكون في رمضان، وكان جبريل يدارسه القرآن كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبل موته صلى الله عليه وسلم دارسه جبريل القرآن مرتين.
    الفضل والجود في شهر رمضان

    شرح حديث: (كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل والجود في شهر رمضان.أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الفضل والجود في رمضان، أي: استحباب ذلك في شهر رمضان؛ وذلك لأن شهر رمضان زمن فاضل، فالأعمال الصالحة تكون فيه فاضلة، وقد جاء فيما يتعلق بالجود والكرم في رمضان حديث ابن عباس الذي أورده النسائي، وهو في الصحيحين وفي غيرهما: أن ابن عباس رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس)، فهو صلى الله عليه وسلم متصف بهذه الصفة، وهي الجود والكرم، فهو أجود الناس على الإطلاق عليه الصلاة والسلام، لا يماثله أحد، ولا يدانيه أحد، وأعماله صلى الله عليه وسلم وسخاؤه وكرمه، والأحاديث الكثيرة التي جاءت دالة على ذلك تبين هذا المعنى، فإنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ومن ذلك قصة الرجل الذي أعطاه غنماً بين جبلين لكثرتها، وذهب إلى قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وكذلك ما كان يتصف به من إعطاء من سأله، وأنه كان لا يرد سائلاً، ومن ذلك قصة الرجل الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام البردة التي أهديت للرسول صلى الله عليه وسلم، فلبسها وهو محتاج إليها، فسأله إياها، وكان لا يرد سائلاً، فدخل منزله وخلعها وطواها، وأعطاها إياه، فلام بعض أصحابه ذلك هذا الشخص على كونه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إنما سألته إياها لتكون كفني، فكانت كفنه.
    والحاصل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام اتصف بكل صفات الكمال التي تليق بالإنسان، فللرسول صلى الله عليه وسلم منها الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر، فهو أشجع الناس، وأجود الناس، وأنصح الناس للناس، وكل صفات تليق بالمخلوقين فللنبي عليه الصلاة والسلام منها أوفر الحظ والنصيب، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وابن عباس رضي الله عنه أراد أن يبين ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من الجود والكرم في رمضان، وخشي أن يظن أن جوده وكرمه محصور في رمضان، فأتى بجملة تسبقها عامة، وهي احتراز من أن يظن شيء من ذلك فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس)، فهذه قضية عامة، أي: جوده، وكرمه دائماً وأبداً في جميع أيام السنة، ولكنه يزيد في رمضان، ويتضاعف فيه، (وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فيكون أجود بالخير من الريح المرسلة)، الريح هي: التي يكثر نفعها ويعم خيرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وهذا يدلنا على ما اتصف به عليه الصلاة والسلام من الصفات الكريمة، ومنها صفة الجود والكرم، وأن جوده يتضاعف في رمضان، ويزيد في رمضان، وهذا دليل على استحباب كثرة الإحسان، وكثرة الجود في رمضان، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم بين أن من أسباب جوده وكرمه في رمضان، أنه كان يأتيه جبريل فيدارسه القرآن، فمدارسته القرآن، واشتغاله بالقرآن، وتأمله فيه بهذه المدارسة مع جبريل، من أسباب جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على أن التفكر في القرآن، والتأمل فيه، والتأدب بما جاء في القرآن ثمراته عظيمة، ونتائجه طيبة، (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، وكان عليه الصلاة والسلام يأتي إليه جبريل من رمضان إلى رمضان، فيدارسه القرآن الذي تقدم نزوله قبل رمضان في السنوات الماضية، ويدارسه إياه، وفي كل عام كان يعارضه مرة، أي: يقرأ جبريل الرسول يسمع، ويقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل يسمع، وفي العام الذي هو آخر أعوامه في رمضان دارسه القرآن مرتين، أو عارضه القرآن مرتين عليه الصلاة والسلام، فالحديث واضح الدلالة على ما ترجم له النسائي من الجود والكرم في رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان...)

    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، المحدث، الفقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس].
    هو ابن يزيد الأيلي المصري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، مشهور بـالزهري، ومشهور بـابن شهاب، شهاب جده، والزهري جده الأعلى الذي هو: زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، فيلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في كلاب، فينسب إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، وينسب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو مشهور بهاتين النسبتين: الزهري، وابن شهاب، وهو محدث فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز، وفيه يقول السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
    ابن مسعود وهو ثقة، فقيه، من الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين، أطلق عليهم هذا اللقب واشتهروا به، فيأتي في بعض المسائل الفقهية التي اتفقوا عليها يقال فيها: وقال بهذا القول الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وابن القيم رحمه الله، في كتابه إعلام الموقعين ذكر في أوله المعروفين بالفتوى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في مختلف الأقطار، فيأتي مثلاً للبلد فيقول فيها: من الصحابة فلان، وفلان، وفلان، يعني المفتون وأهل الفتوى منهم، وكذلك في عصر التابعين فيها كذا وكذا، ولما جاء عند ذكر المدينة، وذكر أهل الفتوى فيها في عصر التابعين، ذكر أن منهم الفقهاء السبعة، والكتاب اسمه إعلام الموقعين، وليس أعلام الموقعين؛ لأنه ليس كتاب تراجم، وإنما هو كتاب علم، وكتاب فتاوى، وكتاب إيضاح وبيان، فهو إعلام الموقعين الذين يكتبون ويخبرون بشرع الله عز وجل، ويبينون للناس شرع الله، فهم يوقعون بالفتوى في شرع الله، ويبينون الأحكام، ثم ذكر بيتين من الشعر يشتمل ثانيهما على الفقهاء السبعة، على اعتبار أن السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقال:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍ روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل هم عبيد الله -هذا الذي معنا- عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم من صغار الصحابة، وعاشوا وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، فلهذا أطلق لقب العبادلة الأربعة عليهم، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، ومن الصحابة من يسمى عبد الله كثير، مثل: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعدد كبير من الصحابة يقال لهم: عبد الله، لكن الذي اشتهر بهذا اللقب هؤلاء الأربعة من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهو أيضاً -أي: ابن عباس - أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، الذين هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، هؤلاء السبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رووا من الحديث أكثر مما رواه غيرهم.

    شرح حديث: (... كان أجود بالخير من الريح المرسلة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثني حفص بن عمر بن الحارث حدثنا حماد حدثنا معمر والنعمان بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: (ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنة تذكر، كان إذا كان قريب عهد بجبريل عليه السلام يدارسه، كان أجود بالخير من الريح المرسلة). قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب حديث يونس بن يزيد، وأدخل هذا حديثاً في حديث].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها الذي يتعلق بالترجمة، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أجود بالخير من الريح المرسلة، حين يكون حديث عهد بجبريل، ومدارسته إياه بالقرآن، وفي أوله: (ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنة تذكر)، ولما أورده النسائي قال: هذا خطأ، والصواب حديث يونس بن يزيد الأيلي المتقدم، الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس)، ولهذا قال النسائي: أدخل حديثاً في حديث، يعني: حديث اللعن، مع حديث كونه إذا كان حديث عهد من جبريل يدارسه القرآن، يكون أجود بالخير من الريح المرسلة؛ لأن هذا حديث، وهذا حديث، وكونه عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة، هو ثابت بالحديث المتقدم، وفي هذا الحديث أيضاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... كان أجود بالخير من الريح المرسلة)

    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري].في بعض النسخ: محمد بن إسماعيل بدون لفظ البخاري، وعند ابن السني كما هنا؛ لأن الرواية التي معنا هي رواية ابن السني في سنن النسائي، ففيها ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، وهو صاحب الصحيح، وهو أمير المؤمنين في الحديث، من الذين وصفوا بهذا الوصف، وهم قلة منهم: البخاري، والدارقطني، والثوري، وشعبة بن الحجاج، وإسحاق بن راهويه، جماعة قليلون من المحدثين وصفوا بهذا الوصف الرفيع، ولقبوا بهذا اللقب العالي، وهو أمير المؤمنين في الحديث، وقال عنه الحافظ في التقريب: جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث، وقوله: جبل الحفظ معناه: أنه قمة في الحفظ، وهذا وصف يوصف به من يكون متمكناً في الحفظ، ومما يدل على حفظه ويوضح تمام حفظه: أنه قدم بغداد فأراد أهلها أن يختبروا حفظه، فجاءوا إلى مائة حديث، وأعطوا كل واحد عشرة، جعلوا أسانيد أحاديث لأحاديث أخرى، فجعلوا كل واحد يحفظ له عشرة أحاديث مبنية على خطأ، أسانيدها غير الأسانيد التي هي لتلك الأحاديث، وجاءوا فبدأ واحد من العشرة يقرأ حتى انتهى، ثم أمر الذي يليه أن يقرأ حتى فرغ من العشرة، ثم إنه بدأ بهم من الأول، فقال: أما فلان الأول فقد قلت كذا وكذا، وجاء بالإسناد والمتن المركب، ثم أتى به على الصواب، حتى قيل: ليس العجب من حفظه فإنه حافظ، ولكن العجب من كونه يحفظ الخطأ من مرة واحدة، ثم حفظ هذه الأحاديث بمتونها وأسانيدها على الخطأ، فجعل يخبر بأن الحديث وإسناده كذا، والحديث الفلاني إسناده كذا، والحديث الفلاني إسناده كذا.
    أما كونه إمام الدنيا في فقه الحديث، فكتابه الجامع الصحيح تراجمه واستنباطاته، وما فيه من المعاني الدقيقة، والاستنباطات الدقيقة، يدل على تمكنه في الفقه، ولهذا قالوا عن كتابه: إنه كتاب رواية ودراية، ليس كتاب رواية فقط، بل هو مع كونه كتاب رواية، حيث يذكر الأحاديث بأسانيدها ومتونها، فهو أيضاً يذكر التفقه، ويذكر الاستنباطات الدقيقة للتراجم التي أوردها، فأورد الأحاديث التي تحتها في غاية الدقة، وفي غاية الخفاء، وهذا يدل على دقة الاستنباط، فهذا هو معنى قول الحافظ ابن حجر: وإمام الدنيا في فقه الحديث، يعني: في دقة الاستنباط، ولهذا يقولون: فقه البخاري في تراجمه، يعني: من أراد أن يعرف فقه البخاري، فعليه أن ينظر في التراجم، والأحاديث التي جاءت تحت التراجم، أو الآثار التي جاءت تحت التراجم، فهذا هو: الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي مولاهم، توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وحديثه موجود في سنن الترمذي، وفي النسائي.
    فإذاً البخاري معدود في رجال النسائي، وفي رجال الترمذي.
    [حدثني حفص بن عمر بن الحارث].
    ثقة، ثبت، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي. وهو شيخ من شيوخ البخاري.
    [حدثنا حماد].
    هو ابن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [والنعمان بن راشد].
    صدوق سيئ الحفظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وهنا أورده النسائي مقروناً بـمعمر، فالحديث من طريق معمر ومن طريقه، يعني فكونه سيئ الحفظ لا يؤثر على هذا الإسناد؛ لأنه لم يبن عليه الإسناد، بل معه في الرواية من هو ثقة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين الذين مر ذكرهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى وأرضاها، وهي من السبعة أو من الأشخاص السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    وقوله: [وأدخل هذا..]
    أي: أحد الرواة في هذا الإسناد هو الذي أدخل حديثاً في حديث، والحديث هو حديث اللعن مع حديث الجود في رمضان.


    فضل شهر رمضان

    شرح حديث: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل شهر رمضان.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب فضل شهر رمضان، وهو أنه شهر مفضل، أي: له فضل وله شأن، وورد فيه أحاديث تدل على فضله، والله تعالى جعل صيام أيامه فرضاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سنّ قيام لياليه، فهو شهر فضله الله عز وجل على غيره من الشهور، وميزه على غيره من الشهور، وجاء في أحاديث تدل على فضله، منها: هذا الحديث الذي أورده النسائي عن أبي هريرة، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، وتصفيد الشياطين فسر بعدة تفسيرات، قيل: إنه على حقيقته، وأنهم لا يخلصون في رمضان إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان، لكن قيل: كيف جاء في الحديث: أن الشياطين صفدت ومع ذلك توجد المعاصي في رمضان؟ والجواب: هناك شياطين إنس، شياطين جن، وشياطين الجن هم المردة، وهم الذين صُفِّدوا، ومن المعلوم أن المعاصي يكون لها أسباب غير المردة من الشياطين، مثل شياطين الإنس الذين يختلطون بالإنسان ويغوونه، ويحببون إليه المعاصي، وكذلك النفس الأمارة بالسوء، فالنفس الأمارة بالسوء من أسباب الوقوع في المعاصي، وشياطين الإنس الذين هم جلساء السوء، وقرناء السوء أيضاً من أسباب الوقوع في المعاصي، فليس معنى أنه إذا وجد معاص في رمضان، أن هذا يتناقض مع أنهم صفدوا؛ لأن هناك أسباب وعوامل أخرى من أسباب المعاصي، مثل شياطين الإنس، ومثل النفس الأمارة بالسوء، وعلى هذا فإن أحسن ما قيل في الحديث: إنه على حقيقته، وأنهم يصفدون، وأنهم لا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.
    وهذا دال على فضله، وعلى تميزه على غيره، ثم أيضاً مما يقلل الشر في رمضان، كون الإنسان يصوم، ويؤدي الصيام، ومن المعلوم أن الصيام فيه كبح للنفس وتقليل لقوة الشهوة، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، عندما أمر الشباب بالزواج، أمر من لم يستطع بالصوم، قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)، فمعناه: أنه يقلل الشهوة والحاجة إلى هذا الذي تميل إليه النفوس، مجاري الدم على الإنسان بسبب عدم التمتع بالأكل والشرب في نهار رمضان، فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن بأن الصوم فيه علاج لمن لم يجد القدرة على الزواج، فإنه إذا صام تقل عنده الشهوة، وعلى هذا فإن الصوم يقلل الشهوة عندهم، ففيه تقليل للمعاصي، أو من أسباب الضعف الذي يكون في النفوس، ولا تكون عندهم الشهوة التي تكون في حال تمتعهم وأكلهم وشربهم، (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو سهيل].
    هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو مالك بن أبي عامر، وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة،
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا ابن أبي مريم: أخبرنا نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني].
    هو الجوزجاني، وكلمة: أخبرني وأخبرنا، أخبرني إذا كان سمع منه وحده، فإنه يعبر بهذا التعبير، فيقول: أخبرني، وأما إذا سمع هو وغيره، فإنه عندما يروي يقول: أخبرنا، هذا هو الفرق بين أخبرني وأخبرنا، يعبر المحدث بأخبرني إذا سمع من شيخه وحده ليس معه أحد عند السماع وعند التحديث، أما إذا كانوا جماعة يحدثهم، فإن كل واحد منهم يقول: أخبرنا، يعني: أنا وغيري، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، هو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا ابن أبي مريم].
    هو سعيد بن أبي مريم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا نافع بن يزيد].
    ثقة، عابد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. لم يخرج له الترمذي. والبخاري لم يرو له في الأصول وإنما روى له في التعليق.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وعَقيل وعُقيل اسم أبيه وجده وهذا من قبيل المؤتلف والمختلف، يعني تتفق الألفاظ من حيث الرسم، ولكنها تختلف من حيث النطق؛ لأن رسمها واحد عقيل وعقيل، فهو عقيل بن خالد بن عقيل، الرسم واحد، والحروف واحدة، والفرق إنما هو بشكل الحروف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة].
    وهؤلاء الأربعة مر ذكرهم.


    ذكر الاختلاف على الزهري فيه

    شرح حديث: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاختلاف على الزهري فيه. أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني نافع بن أبي أنس: أن أباه حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: الاختلاف على الزهري في هذا الحديث. وأورد طرقاً عن الزهري، وهذا الاختلاف فيها لا يؤثر؛ لأن الحديث ثابت بها وبغيرها، فلا يؤثر هذا الاختلاف، وإنما المقصود ذكر الطرق التي جاءت وهي مختلفة عن الزهري، ولا يعني أن الحديث ضعيف، فالحديث ثابت وهو صحيح، ومتفق عليه، وجاء من طرق متعددة، كما سبق أن مر بنا كثير من هذا النوع وهو الاختلاف على الشخص، وقد أورد النسائي طريقاً عن أبي هريرة من طرق الحديث المتقدم الذي هو: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    وعبيد الله هو الصواب؛ لأنه يوجد في التقريب عبد الله ولكن روى له البخاري وحده، وأما عبيد الله فهو الذي خرج له النسائي، وهو من رجال النسائي، وفي بعض النسخ ذكر عبيد الله، فكان المناسب الذي يثبت هو عبيد الله على الصواب، وإثبات عبد الله خطأ، وترك ما هو الصواب هذا ليس بجيد؛ لأنه لا يوجد في رجال النسائي عبد الله بن سعد بن إبراهيم، وإنما ذاك انفرد البخاري في الإخراج له، ولكونه جاء في بعض النسخ أنه عبيد الله، فالصواب هو عبيد الله وليس عبد الله.
    [عن أبيه].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب أخبرني نافع بن أبي أنس].
    والمراد به نافع بن مالك الذي تقدم هنا قال: نافع بن أبي أنس، والمراد به نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، فالذي في الإسناد هنا هو الذي في الأسانيد المتقدمة.
    [أن أباه حدثه].
    هو أبو أبي سهيل، فـأبو سهيل هو نافع بن مالك بن أبي عامر، وأبوه مالك بن أبي عامر ويقال: مالك بن أبي أنس، يعني جاء ذكره هنا بصيغة أخرى، وإلا فهو هو، فهناك ذكر أبوه باسمه، وهنا ذكره بكنيته.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن خالد حدثنا بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري حدثني ابن أبي أنس مولى التيميين: أن أباه حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)]. أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه هنا قال: أبواب الرحمة، والرحمة: تطلق على الصفة لله عز وجل، وتطلق على أثر الصفة، وصفة الله عز وجل قائمة بذاته، وأما الرحمة التي هي أثر الصفة، أو من آثار الصفة، فالجنة جاء في الحديث أن الله تعالى أطلق عليها الرحمة، قال: (إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء)، فأطلق على الجنة أنها رحمة، وهي من آثار الصفة، كما أن الغيث والمطر من آثار رحمة الله، ( فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا )[الروم:50]، فتأتي الرحمة فيراد بها الصفة المتعلقة بالله عز وجل، وتأتي ويراد بها مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، وهو أثر الصفة، وهنا أبواب الرحمة مثل أبواب الجنة؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث: (أنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء).
    (فتحت أبواب الرحمة)، أي: أبواب الجنة، أي: أنه جاء في بعض الأحاديث إطلاق الرحمة على الجنة، وأنها رحمة الله عز وجل، (إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء)، وذاك الحديث الذي فيه: (إن الله خلق مائة رحمة، وأن الناس يتراحمون برحمة واحدة، وإذا جاء يوم القيامة تأتي تلك التسعة والتسعون مع تلك الرحمة).
    إذاً: الرحمة تطلق على الصفة، وتطلق على أثر الصفة، وتطلق على المخلوقات، التي هي أثر الصفة، فكلمة: أبواب الرحمة، هي: مثل أبواب الجنة؛ لأن الجنة يقال لها: الرحمة، كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه.
    قوله: [(وسلسلت الشياطين)]، وهي: بمعنى صفدت، وسلسلت بمعنى واحد.
    رواه ابن إسحاق عن الزهري، ثم ذكر بعد ذلك الإسناد الذي فيه رواية ابن إسحاق عن الزهري.

    حديث: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن الزهري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين)، قال أبو عبد الرحمن: هذا يعني حديث ابن إسحاق خطأ، ولم يسمعه ابن إسحاق من الزهري، والصواب ما تقدم ذكرنا له].أورد النسائي رواية ابن إسحاق عن الزهري، والحديث هو طريق أخرى من الطرق التي جاء فيها ذكر الحديث.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد].
    وقد مر ذكره.
    وكذلك بقية رجال الإسناد تقدم ذكرهم إلا ابن إسحاق، وهو محمد بن إسحاق المدني، وهو إمام في المغازي، وهو صدوق مدلس.

    شرح حديث: (هذا رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة...) من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق وذكر محمد بن مسلم عن أويس بن أبي أويس عديد بني تيم عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين)، قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث خطأ].أورد النسائي الحديث من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه ليس من طريق أبي هريرة؛ لأن الطرق المتقدمة عن أبي هريرة، وهنا من طريق أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنسائي قال عنه: خطأ؛ لأنه ما جاء عن أبي هريرة، وإنما جاء من طريق أنس بن مالك، وهو اختلاف، لكن كما هو معلوم هذا لا يؤثر إلا لو كان الحديث ليس ثابتاً، والحديث ثابت، فهذه طريق أخرى للحديث، وهي تتفق مع الطرق الأخرى التي فيها إثبات أن شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة، وتفتيح أبواب الجنة هذا ثابت بالطرق الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا يؤثر ذلك على صحة الحديث.
    وقد تقدم ذكر الرواة إلا أويس بن أبي أويس.
    قال الحافظ في التقريب: لعله ابن مالك عم مالك بن أنس، وثقه ابن حبان. خرج له النسائي وحده.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #367
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (364)


    - باب ذكر الاختلاف على معمر في خبر فضل شهر رمضان - باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان


    بيّن الشرع جواز إطلاق (رمضان) بدون شهر، وبيّن ما فيه من الخير والفضل الكبير، وأنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، وغيرها من الفضائل.
    ذكر الاختلاف على معمر فيه


    شرح حديث: (... إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على معمر فيه.أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير عزيمة، وقال: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب الجحيم، وسلسلت فيه الشياطين)، أرسله ابن المبارك].
    يقول النسائي رحمه الله: ذكر الاختلاف على معمر فيه، أي: في الحديث الذي ورد في فضل شهر رمضان، وأنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد الشياطين، وقد أورد قبل ذلك الاختلاف على الزهري فيه، ثم أورد هنا الاختلاف على معمر، ومعمر، هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، تلميذ الزهري، وأورد الحديث من طرق عنه، وأيضاً من طرق ليست عنه، جاءت بعد ذلك، لكنه أورد بعض الطرق عن معمر، وهو الذي أشار إليه بهذه الترجمة: ذكر الاختلاف على معمر فيه، وأورد فيه حديث أبي هريرة الذي مر من طرق عديدة، ومر الكلام عليها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام، قال في شهر رمضان: (تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد الشياطين).
    وفي أول هذا الحديث قال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام، يرغب فيه من غير عزيمة)، أي: في قيام رمضان، وقيام رمضان سنة، سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالله تعالى فرض صيام أيامه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام لياليه، وقد صلى عليه الصلاة والسلام بأصحابه في شهر رمضان في آخره، وتكاثروا في الليالي التي جاءت بعد صلاته لأول مرة، ولكنه عليه الصلاة والسلام، وقد وصفه الله عز وجل بأنه (بِالْمُؤمنين رَءُوفٌ رَحِيمٌ )[التوبة:128]، خشي أن يفرض عليهم قيامه، فلم يفعل، ولم يستمر، ولما روجع في ذلك بين السبب وقال: أنه خشي أن يفرض عليهم قيامه، لكن لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وزال الذي كان يخشاه الرسول صلى الله عليه وسلم، من كونه يفرض عليهم؛ لأن الزمان زمن الوحي، فانقطع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد عمر الناس إلى ما كانوا عليه، أي: إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تركه خشية الفرض؛ لأن المحظور الذي خشيه قد زال فبقي استحبابه، وجمع عمر رضي الله عنه، الناس على قيام الليل، فأحيا عمر هذه السنة، وأعاد الناس إلى هذه السنة التي كانوا عليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: (كان يرغب في قيام رمضان من غير عزيمة)، (يرغب من غير عزيمة)، يعني: من غير أن يعزم عليهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق سابعة

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو أحمد بن علي بن سعيد المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
    هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان المشهور بـابن أبي شيبة، وأبو شيبة هي كنية لجده إبراهيم بن عثمان؛ لأنه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، فـإبراهيم الذي هو جده هو الذي يكنى بـأبي شيبة، فهو أبو بكر بن أبي شيبة نسبة إلى جده إبراهيم بن عثمان المكنى بـأبي شيبة، واشتهر بهذه النسبة، وهو مشهور بكنيته أبو بكر، واسمه عبد الله بن محمد، وهو ثقة حافظ مصنف، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له شيئاً، وقد أكثر عنه مسلم في صحيحه، ولم يرو عن أحد من شيوخه مثل ما روى عنه في الكثرة، وقل أن يفتح الإنسان صحيح مسلم إلا ويجد فيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة؛ لأنه مكثر من الرواية عنه، وقيل: إن الأحاديث التي رواها عنه تبلغ ألف وخمسمائة حديثاً، ويذكره بكنيته، ويقول: أبو بكر بن أبي شيبة، وأما البخاري فإنه يسميه كثيراً عبد الله بن أبي شيبة، فـالبخاري يسميه كثيراً، ومسلم يكنيه كثيراً، وهنا روى عنه النسائي بواسطة شيخه أحمد بن علي بن سعيد المروزي، وأبو بكر بن أبي شيبة هذا ثقة حافظ مصنف، له كتاب المصنف لـابن أبي شيبة، وله كتاب الإيمان، وله كتب.
    [حدثنا عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، اسمه واسم أبيه متفقان، وهو البصري، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، مشهور بـالزهري، ومشهور بـابن شهاب، وهو ثقة فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، أحد هذه الأقوال: أن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والقول الثاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقول الثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهذه أقوال ثلاثة في السابع من الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله تعالى عنه، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    ثم قال: [أرسله ابن المبارك].
    ثم ساق الإسناد الذي فيه أن فيه ابن المبارك وأنه أرسله.

    شرح حديث: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق ثامنة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان بن موسى خراساني أخبرنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر، وقد أرسله ابن المبارك في روايته؛ لأنه رواه عن معمر، عن الزهري، عن أبي هريرة.
    فـالزهري لم يلق أبا هريرة، فهو مرسل، فالرواية مرسلة، ولهذا هو قال: أرسله ابن المبارك، يعني: أنه رواه عبد الله بن المبارك عن الزهري مرسلاً، وهذا المرسل بالمعنى العام؛ لأن المرسل اشتهر إطلاقه على كون التابعي يضيف ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس فيه ذكر الصحابي، وليس الإشكال في كون الصحابي لا يذكر؛ لأن الصحابة عدول، لكن لاحتمال أن يكون هناك غير صحابي محذوف، فـالزهري روى عن أبي هريرة هنا، هذا على المعنى الآخر للمرسل، وهو رواية الراوي عمن لم يلقه، أو عمن لم يدركه، فيقال له: مرسل بالمعنى العام، وإن كان الذي اشتهر أن المرسل هو ما يقوله التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا عند المحدثين، لكن يطلق أيضاً إطلاقاً عاماً على رواية الراوي عمن لم يدرك عصره، أو أدرك عصره ولم يلقه، ولهذا يقال: أرسل عن فلان، أو روايته عن فلان مرسلة، معناه: أنه لم يسمع منه، بل أسند إليه مرسلاً وليس متصلاً؛ لأنه لم يدرك عصره، أو قد يكون أدركه ولكن لم يلقه ولم يسمع منه، فهذا الذي يسمونه مرسلا خفيا، فرواية الراوي عمن أدركه ولم يلقه، يقال له: مرسل خفي، وإذا كان روى عمن لم يدرك عصره، فهذا مرسل جلي واضح، معناه فيه سقوط، فالسقوط فيه واضح جلي؛ لأنه ما أدرك عصر شيخه الذي أرسل عنه، فهذا هو الإرسال الذي في هذا الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة...) من طريق ثامنة

    قوله: [محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حبان بن موسى].
    هو الخراساني المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هوابن المبارك، الذي قال قبل ذكر الإسناد: أرسله ابن المبارك، هذا هو: عبد الله الذي لم ينسبه في الإسناد، بل جاء مهملاً، المراد به ابن المبارك، وعبد الله بن المبارك المروزي هو ثقة، وصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بصفات عديدة، فهو جواد مجاهد، عابد ثقة، وذكر جملة من صفاته، وقال: جمعت فيه خصال الخير، وهو مروزي، والثلاثة الذين مروا كلهم مروزيون، الذي هم: محمد بن حاتم بن نعيم، وحبان بن موسى، وعبد الله بن المبارك، هؤلاء الثلاثة مروزيون، وعبد الله بن المبارك حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، من طريق أخرى، ولكن ليس فيها معمر، والترجمة التي مرت ذكر الاختلاف على معمر فيه، وهنا ليس فيه معمر، وإنما معمر جاء في الطريقين السابقتين، وأما هذه الطريق فليس فيها ذكر معمر، وليس هذا من الاختلاف على معمر، وإنما هذه الطرق العديدة التي جاء فيها حديث أبي هريرة، ليس من طريق معمر ولا من طريق الزهري، بل من طريق أخرى.
    وقوله: [(أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين)].
    الحديث قال فيه الرسول: (أتاكم شهر رمضان)، ثم ذكر شيئاً من فضائله، قال: [(تفتح فيه أبواب السماء)]، والأحاديث التي مرت: (تفتح فيه أبواب الجنة)، ولعل ذكر السماء؛ لأن الجنة في السماء وتفتح أبوابها، وكذلك السماء تفتح أبوابها، فالجنة في السماء السابعة، سقفها عرش الرحمن كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، [(وتغل فيه مردة الشياطين)]، وهو من جنس تصفد، [(فيه ليلة خير من ألف شهر)]، هي: ليلة القدر التي أنزل الله فيها سورة: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )[القدر:1]، [(من حرم خيرها فقد حرم)]، هذا الفضل العظيم الذي هي ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، وكون الإنسان يدركها، ويجتهد فيها، ويحصل هذا الخير العظيم من الله سبحانه وتعالى، والذي يحرم هذا الخير هو محروم؛ لأن هذه الليلة تعادل عمر إنسان طويل العمر؛ لأن ألف شهر تساوي اثنين وثمانين سنة، فالأمر ليس بالهين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه...)

    قوله: [أخبرنا بشر بن بلال].هو الصواف، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عبد الوارث].
    هو عبد الوارث بن سعيد البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، مشهور بكنيته أبي قلابة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث عتبة بن فرقد: (تفتح فيه أبواب الجنة...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عرفجة عدنا عتبة بن فرقد رضي الله عنه، فتذاكرنا شهر رمضان فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ].أورد النسائي الحديث الذي في فضل رمضان، وأنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، أورده من طريق عتبة بن فرقد رضي الله تعالى عنه، وقد عاده عرفجة بن عبد الله الثقفي، وتذاكروا عنده رمضان، فروى لهم هذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في فضل شهر رمضان.
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].
    هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    وهو: ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب].
    هو عطاء بن السائب الكوفي، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عرفجة].
    هو عرفجة بن عبد الله الثقفي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عتبة بن فرقد].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه النسائي وحده.
    قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، لكن من حيث الحديث هو جاء من طرق عديدة، فهو ثابت من الطرق الكثيرة التي جاءت عن غير هذا الصحابي بغير هذا الإسناد، والحديث ثابت كونه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، هذا ثابت عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة، ومنهم أنس، ومنهم عتبة بن فرقد.
    وذكر المناداة كما هو معلوم، جاء بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يؤمنون ويصدقون بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يسمعوا، فالمناداة تفرد بها في هذا السند، أما الأسانيد الماضية فليس فيها ذكر المناداة، ولكن الصفات الثلاث موجودة وهي: تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وهذا جاء في الأحاديث الكثيرة.

    حديث عتبة بن فرقد: (تفتح فيه أبواب السماء...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن عرفجة قال: (كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأنه أولى بالحديث مني، فحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في رمضان: تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب النار، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك)].أورد النسائي حديث عتبة بن فرقد من طريق أخرى، وهي: مثل الطريقة السابقة، إلا أنها تختلف عنها في بعض الألفاظ، كقوله: (يصفد كل شيطان مريد)، وهم: مردة الجن.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا محمد].
    غير منسوب، وهو ابن جعفر الملقب غندر، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عن محمد بن بشار أو هو يروي عن شعبة، فالمراد به: ابن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب عن عرفجة بن عبد الله الثقفي عن عتبة بن فرقد].
    وقد مر ذكرهم.


    الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان

    شرح حديث: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان:أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن سعيد أخبرنا المهلب بن أبي حبيبة (ح) وأخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن المهلب بن أبي حبيبة أخبرني الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان ولا قمته كله، ولا أدري كره التزكية أو قال: لا بد من غفلة ورقدة)، اللفظ لعبيد الله].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي الرخصة أن يقال لشهر رمضان: رمضان، أي: أن يذكر رمضان بدون أن يسبقه كلمة: شهر، فهذا سائغ، وهذا هو المقصود من الترجمة، وأنه لا مانع منه، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد بعض الأحاديث التي فيها ذكر رمضان بدون شهر، فأورد النسائي حديثين: الحديث الأول حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان أو قمت رمضان كله)، قال: لا أدري، يعني أن الراوي أو أحد الرواة كره التزكية، كون الإنسان يزكي نفسه بأن يقول: إنه صام رمضان كله.
    (أو قال: لا بد من غفلة ورقدة)، أي: لا بد من حصول نقص، كون الإنسان يقول: صمت رمضان كله، أو قمت رمضان كله هذا فيه احتمال أن يكون تزكية، وذلك أن الإنسان قد يحصل منه إخلال من جهة الغفلة، وقد يحصل له رقدة، وأنه يفوته شيء من ذلك، فكون الإنسان يقول: صمته كله، أو قمته كله فيه ما فيه، والمقصود من إيراد الحديث أنه قال: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان)، ما قال: صمت شهر رمضان، معناه: أنه ليس فيه ذكر الشهر، فيجوز أن يقال: رمضان بدون شهر، هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث؛ لأن قوله: [(لا يقولن أحدكم: صمت رمضان)]، يعني: ذكر رمضان بدون لفظ الشهر، ما قال: صمت شهر رمضان، فهذا دليل على جواز أن يأتي ذكر رمضان مسبوقاً بكلمة شهر، ويجوز أن يأتي غيره مسبوقاً بكلمة شهر، والحديث واضح الدلالة على الترجمة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا المهلب بن أبي حبيبة].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، ثم أتى بطريق أخرى، فحول وأتى بـ (ح) التحويل، قال: وأخبرنا عبيد الله بن سعيد، هذا شيخ آخر، وطريق أخرى.
    [وعبيد الله بن سعيد].
    هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة مأمون سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو القطان، وقد مر ذكره.
    [عن المهلب بن أبي حبيبة].
    وقد مر ذكره، يعني: أن كلاً من يحيى بن سعيد القطان، والمهلب جاءوا في الطريقين، والفرق إنما هو بالشيخين، الأول: هو إسحاق بن راهويه، والثاني: عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي.
    [أخبرني الحسن].
    هو ابن أبي الحسن البصري، وهو ثقة فقيه، يرسل ويدلس، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أبي بكرة].
    هو نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث ذكره الشيخ الألباني في الضعيفة وقال: إنه ضعيف، ولكنه أشار إلى سبب الضعف في تعليقه على ابن خزيمة، حيث قال: إسناده صحيح لولا عنعنة الحسن وهو: مدلس، لكن من حيث كون الإنسان يقول: رمضان بدون شهر، هذا ثابت في غير هذا الحديث، كما في الحديث الذي بعده، وأحاديث أخرى جاء فيها ذكر رمضان من غير ذكر الشهر.
    قال: [واللفظ لـعبيد الله].
    أي: لشيخه الثاني؛ لأنه ذكر شيخين: إسحاق، وعبيد الله، واللفظ الموجود هو لـعبيد الله للشيخ الثاني، وليس للشيخ الأول، معناه: أن الشيخ الأول لفظه يختلف عن هذا اللفظ الموجود، فبين من له اللفظ من الشيخين، بعد أن فرغ من الإسناد والمتن قال: اللفظ لـعبيد الله، أي: لشيخه الثاني.

    شرح حديث: (إذا كان رمضان فاعتمري فيه..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن يزيد بن خالد حدثنا شعيب أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة من الأنصار: (إذا كان رمضان فاعتمري فيه، فإن عمرة فيه تعدل حجة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو: مشتمل على ما ترجم له النسائي من الرخصة بأن يقال: رمضان من غير شهر، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لامرأة من الأنصار: (إذا كان رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة)، ومحل الشاهد منه قال: (إذا كان رمضان)، ما قال: إذا كان شهر رمضان، أتى بكلمة رمضان بدون شهر، فدل هذا على أنه يسوغ أن يقول الإنسان: رمضان دون أن يسبق ذلك بكلمة شهر، والحديث دال على فضل شهر رمضان، وعلى فضل العمرة في شهر رمضان، وهذا الفضل للعمرة إنما هو في الثواب، ولكنها ليس في إسقاط العمرة الواجبة مرة واحدة، وإنما هذا في بيان الفضل والثواب، لا أنها تغني عن العمرة الواجبة التي هي واجبة في العمر على الإنسان، أو يوجبها الإنسان على نفسه بنذر أو غيره، لا، إنما المقصود من ذلك: أن العمرة تعدل حجة في ثوابها، لا أنها تغني عنها لمن كان عليه حجة، فإنها لا تغني عنه، ومن عليه حجة عليه أن يحج، ولا يكفيه أن يعتمر في رمضان، لكن من اعتمر في رمضان يحصل أجر الحجة، وثواب الحجة والحديث كما قلت: أورده النسائي في هذه الترجمة من أجل ذكر رمضان بدون كلمة شهر، (إذا جاء رمضان)، وقد جاء في أحاديث أخرى، منها الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، (ورمضان إلى رمضان)، يعني: شهر رمضان إلى شهر رمضان، فأتى فيه بذكر رمضان بدون شهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان رمضان فاعتمري فيه...)

    قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد بن خالد].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا شعيب].
    هو شعيب بن إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [أخبرني ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عطاء].
    وهو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    الأسئلة

    حكم حلق الشارب

    السؤال: ما حكم حلق الشارب بالكلية، أي: لا يترك منه شيئاً، ونحن نعلم أن مالك يعزر على ذلك؟

    الجواب: السنة هي قصه وليس حلقه؛ لأنه جاء في الأحاديث: (جزوا)، وجاء: (احفوا)، فالسنة هي القص بدون حلق، وبعض العلماء يقول: إنه مثلة، يعني: كون الإنسان يحلقه يعتبر مثلة، فالسنة هي القص وليس الحلق.

    ما يفعل من اغتصبت أخته في بلد كافر وهو يعلم المغتصب

    السؤال: رجل يسكن في بلد كافر، واغتصبت أخته، وهو يعرف الجاني، ماذا يفعل؟ علماً بأن الأحكام الشرعية معدومة.

    الجواب: نسأل الله السلامة والعافية، أقول: ما أدري، لا أقول شيئاً.

    مدى صحة القول بسنية التختم بالفضة

    السؤال: هل التختم بخاتم الفضة من السنة؟ وما الدليل على ذلك، علماً بأن حديث البخاري فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أخذ خاتمه أبو بكر إلى أن ضيعه عثمان رضي الله عنه، وهذا خاص بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: التختم بالفضة سائغ فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تختم، وجاء ما يدل على ذلك، لكن لا يقال: أنه سنة، وأن الإنسان إذا لم يفعله لم يفعل السنة، بل هو من الأمور السائغة الجائزة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا لما قيل له: إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوماً، فاتخذ خاتماً وكتب عليه محمد رسول الله، وكان يختم به، فهو سائغ وجائز، والتختم بالفضة مباح، لكن لا يقال: إنه سنة مستحبة.
    هل يقال: التختم يكون إلا لعلة أن يتخذه خاتم يختم به؟
    لا ما نقول: أن الإنسان لا يتخذ الخاتم إلا إذا كان يختم، ولا ننكر على من يلبس الخاتم، لكن لا نقول: إن فعله سنة، وأن من لم يفعله لم يفعل السنة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه في خنصره عليه الصلاة والسلام، قال أنس: (كنت أرى بريقه في يده صلى الله عليه وسلم، أو في إصبعه)، طبعاً الخنصر، وللحافظ ابن رجب رحمه الله رسالة واسعة، أو كتاب واسع يتعلق بأحكام الخواتيم، فهو من أحسن ما يرجع إليه في بيان الأحكام المتعلقة بالخواتيم.

    معنى قول المسندين: الإسناد خراساني

    السؤال: ما معنى قوله في الإسناد: خراساني؟
    الجواب: خراساني يعني مثل خراسان، ومرو من خراسان؛ لأن النسبة نسبة عامة، ونسبة خاصة، فهو مروزي، وهو خراساني، فنسبته إلى خراسان نسبة عامة، ونسبته إلى مرو نسبة خاصة، وأحياناً يذكر بالنسبة الخاصة، وأحياناً يذكر بالنسبة العامة، مثل أيضاً الأنساب قد يذكر بالنسبة العامة، وقد يذكر بالنسبة الخاصة، مثل أبو إسحاق السبيعي الهمداني، وسبيع جزء من همدان، ومرو جزء من خراسان، ويقول النووي: إن كبريات مدن خراسان أربع، فذكر منها مرو، وبلخ، وهراء.

    تصحيح الحديث الضعيف إن ورد من طريق مختلفة صحيحة مع زيادة فيه

    السؤال: إذا كان حديثان متساويان في بعض ألفاظ المتن مع زيادة في آخره، ومع اختلاف الطريقين، وأحدهما ضعيف، والآخر صحيح، فهل الحديث يصحح الضعيف؟

    الجواب: نعم إذا كانت الزيادة موجودة في الذي فيه ضعف، وموجودة في الذي هو صحيح، فإن تلك الزيادة تكون صحيحة، بسبب وجودها في الصحيح، أما لو كانت الزيادة ما جاءت إلا من طريق ضعيف، وغير هذه الزيادة جاءت من طرق أخرى، فالحكم بالصحة لما جاء فيه موافقة، أما ما لم يأت إلا من طريق ضعيف، فهذه لا يعول عليها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #368
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (365)



    - باب اختلاف أهل الآفاق - باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان

    إن من حكمة الله تعالى أن علق أوقات العبادات دخولاً وخروجاً بأشياء ملموسة مشاهدة؛ لتشمل كل الناس حتى غير المتعلمين، ومن ذلك: دخول رمضان، فإنه لا يثبت إلا برؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وإن اختلفت مطالع الهلال فلكل أهل بلد رؤيتهم.
    اختلاف أهل الآفاق في الرؤية

    شرح حديث: (... أولا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه؟ قال: لا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اختلاف أهل الآفاق في الرؤية. أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا محمد وهو: ابن أبي حرملة أخبرني كريب: (أن أم الفضل رضي الله عنها وأرضاها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي هلال رمضان، وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ قلت: نعم، ورآه الناس فصاموا، وصام معاوية رضي الله عنه، قال: لكن رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوماً أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: اختلاف أهل الآفاق في الرؤية، أي: في رؤية الهلال، والمقصود من هذه الترجمة هو: بيان أن الرؤية إذا حصلت في بلد، فهل تكون للناس جميعاً أو أن لكل أهل بلد رؤيتهم، فإذا رأوه صاموا وأفطروا، ولا يكتفون برؤية غيرهم من أهل البلاد الأخرى عندما يرونه؟ اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من قال: إن رؤية أهل بلد رؤية للجميع، وأن على الناس أن يصوموا صياماً واحداً إذا رآه أهل بلد، ويستدلون على ذلك بما جاء في الحديث: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، قالوا: وهذا خطاب للجميع، وهو خطاب للأمة، فإذا رآه أحدٌ منهم، فإن على الناس أن يصوموا ويفطروا بناءً على هذه الرؤية في بلد معين.
    ومن العلماء من قال: إن لكل أهل بلد رؤيتهم، وأنه لا يلزمهم أن يكتفوا برؤية غيرهم، فإذا رأوه هم صاموا وأفطروا، وإذا رآه غيرهم ولم يروه هم، فإنه لا يلزمهم، ولا يتعين عليهم؛ لأن لكل بلد رؤيتهم.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو الدليل الذي عوّل عليه أهل هذا القول حديث ابن عباس الذي معنا، وهو أن كريباً مولى ابن عباس، أرسلته أم الفضل أم ابن عباس، وهي: لبابة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، وإخوانه: عبد الله بن عباس وغيرهم، فهي أمهم، فهي أرسلت كريب مولى ابن عباس إلى الشام في حاجة، فذهب وقضى حاجتها، ودخل عليهم شهر رمضان ليلة الجمعة، ورأوه ليلة الجمعة، فصام الناس، وصام معهم كريب، ولما كان في آخر شهر رمضان، رجع إلى المدينة فسأله ابن عباس: متى رأوا الهلال؟ قال: رأيناه ليلة الجمعة، فقال ابن عباس: أما نحن، فرأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين من يوم السبت أو نراه؛ لأنهم رأوه ليلة السبت أي: دخول رمضان، فيكون السبت تسعة وعشرين، وليلة الأحد يصير ثلاثين، فإن رأوه ليلة الأحد وإلا يكملون ثلاثين يوماً بتمام يوم الأحد، قال له: ألا تكتفي برؤية معاوية، وأهل الشام، وأصحابه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن لم يأت نصٌ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه يفيد بأنه لا يكتفي أهل بلد برؤية أهل بلد، ولكن الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، فبعض العلماء حمله على أنه خطاب للأمة جميعاً، وبعضهم حمله على أنه خطابٌ لأهل كل قطر، قالوا: وعلى هذا فهم ابن عباس رضي الله عنه من هذا الحديث أن المقصود: أن لكل أهل بلد رؤيتهم، ولا يكتفون برؤية غيرهم، وإنما يعولون على رؤيتهم هم، أو يكملون ثلاثين يوماً.
    فالأمر كله يرجع إلى الاختلاف في فهم قوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، فمنهم من فهمه بأنه خطابٌ للأمة، ومنهم من فهمه بأنه خطابٌ لأهل كل قطر، وأهل كل جهة، فإنهم يصومون برؤيتهم، ويفطرون برؤيتهم، والذي جاء في حديث ابن عباس ليس نصاً صريحاً في أنهم لا يكتفون، ولو ثبت في ذلك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان التعويل عليه، لكنه حيث لم يثبت نص، فإن الذي يظهر أن قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، أنه خطاب للأمة جميعاً، وعلى هذا، فإن رؤية أهل بلد رؤية للجميع، وعلى الجميع أن يصوموا برؤية أهل البلد، لكن، إذا كان أهل البلد الذين لم يروا الهلال أفتاهم علماؤهم بأنهم يتابعون ذلك البلد أو لا يتابعونه، فإن على أهل البلد أن يكونوا متفقين، ولا يكونون مختلفين بأن يصوم أحد، ويفطر أحد، بل إذا كان علماء البلد أفتوا بأنهم يصومون تبعاً لغيرهم، فإن على الناس أن يتابعوهم، وإذا أفتوا بأنهم يتقيدون برؤيتهم هم، ولا يكتفون برؤية غيرهم، فإن على أهل البلد أن يتابعوهم، ولا ينبغي الاختلاف في البلد الواحد، بأن يكون أحد يصوم وأحد يفطر، بل يكون الصوم والإفطار للجميع، سواءً كانوا متابعين لغيرهم ممن رآه، أو بانين على رؤيتهم هم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أولا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه؟ قال: لا)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد وهو ابن أبي حرملة].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وكلمة: [هو ابن أبي حرملة] هذه زادها من دون تلميذه.
    هو علي بن حجر، أو النسائي، أو من دون النسائي، أما إسماعيل بن جعفر فإنه لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن أبي حرملة، بل ينسبه كما يريد.
    [أخبرني كريب].
    هو ابن أبي مسلم مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
    وأما أم الفضل الهلالية، فإنها ليست لها رواية في هذا الحديث، وإنما جاء ذكرها لأنها هي التي أرسلت كريباً إلى الشام، وأنه ذهب لحاجتها، واستهل عليهم شهر رمضان في يوم الجمعة.


    قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، وذكر الاختلاف فيه على سفيان في حديث سماك

    شرح حديث: (جاء رجل إلى رسول الله فقال: رأيت الهلال... فنادى النبي أن صوموا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، وذكر الاختلاف فيه على سفيان في حديث سماك. أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرنا الفضل بن موسى عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا اله إلا الله؛ وأن محمداً عبده ورسوله؟ قال: نعم. فنادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن صوموا)].
    أورد هذه الترجمة وهي: باب قبول شهادة الواحد على هلال شهر رمضان، يعني: على دخول شهر رمضان، مقصود النسائي من هذه الترجمة هو: التعويل على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان، وقد أورد النسائي فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى هلال رمضان، فقال: [(أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بأن ينادى في الناس بأن يصوموا)]، أي: أنه ثبت دخول الشهر بشهادة هذا الرجل المسلم الذي تحقق من إسلامه بكونه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، هل يعول على قبول شهادة الواحد أو أنه لا بد من شهادة اثنين؟ فمن العلماء من عوّل على قبول شهادة الواحد، واستدل على هذا بهذا الحديث، وفيه كلام من جهة أنه جاء من طريق سماك بن حرب، وقد جاء موصولاً ومرسلاً، وجاء عنه من طرق مختلفة، وقد قال الحافظ ابن حجر: إن روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، فمرةً يرويه مرسلاً، ومرةً يرويه متصلاً، وجاء أيضاً عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: فرأى الناس الهلال فرأيته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر الناس بأن يصوموا، ومنهم من قال: إنه لا بد فيه من شهادة اثنين، ويستدل على ذلك بالحديث الذي سيأتي، وهو أنه (إذا شهد شاهدان فصوموا، وأفطروا، وأمسكوا)، أي: أنه يعول على شهادة اثنين، والمسألة خلافية بين أهل العلم من حيث الاكتفاء في قبول شهادة الواحد، أو أنه لا بد من إضافة شاهد إليه في ذلك.
    وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه فيه الدلالة على قبول شهادة الواحد، حتى ولو كان غير معروف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن سأله: أيشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ للتحقق من إسلامه، وأنه من المسلمين، فقال: نعم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر من ينادي في الناس بأن يصوموا، أي: بناءً على هذه الرؤية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل إلى رسول الله فقال: رأيت الهلال... فنادى النبي أن صوموا)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم، وهو مروزي.
    [أخبرنا الفضل بن موسى المروزي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة ثبت، حجة إمام فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وفي روايته عن عكرمة اضطراب، وهذا الحديث الذي معنا من روايته عن عكرمة؛ ولهذا أعله بعض أهل العلم بهذه العلة التي هي: الاضطراب، لا سيما وأنه قد جاء عن عكرمة من طرق متعددة بعضها مرسلة، وبعضها موصولة، وقد أخرج حديث سماك البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عكرمة].
    هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    المراد من قول النسائي قبول شهادة الرجل الواحد

    مداخلة: قول النسائي في الترجمة: باب قبول شهادة الرجل الواحد، هل هو نص على الرجل فقط دون المرأة ؟ وهل الرجل له مفهوم أو أنه لا مفهوم له؟ الشيخ: لا أدري مراد النسائي والتنصيص على الرجل؛ لأن الذي جاء في الحديث هو رجل؛ ولأن الأحكام غالباً تناط بالرجال، فتكون النساء تبعاً لهم في ذلك، وقد جاء هذا في نصوص كثيرة فيأتي ذكر رجل ولا مفهوم له، ومن ذلك الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صوماً، فليصمه)، فكذلك المرأة إذا كانت تصوم صوماً فإنها تصوم؛ فذكر الرجل لأن غالب الخطاب للرجال، والنساء تبعاً لهم، فلا أدري النسائي، هل يريد بذلك أن له مفهوم حيث ينص على الرجل، أو لأن الحديث جاء فيه ذكر رجل فعبر بالرجل؟!

    حديث: (أبصرت الهلال الليلة... أذن في الناس فليصوموا غداً) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاء أعرابيٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أبصرت الهلال الليلة. قال: أتشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؟ قال: نعم. قال: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا غداً)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه التنصيص على الذي تولى الإعلان للناس، هو بلال.
    قوله [موسى بن عبد الرحمن].
    هو موسى بن عبد الرحمن المسروقي، والمسروقي نسبة إلى جده أو جد من أجداده اسمه: مسروق، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا حسين].
    هو حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    هو زائدة بن قدامة البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.


    طريق ثالثة لحديث: (أبصرت الهلال الليلة ... أذن في الناس فليصوموا غداً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن أبي داود عن سفيان عن سماك عن عكرمة: مرسل].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى وهي مرسلة، ليس فيها ذكر ابن عباس، وإنما عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أضاف ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مرسلة.
    والمرسل هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يضيف شيئاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا يقال له: مرسل، وهذا هو المشهور باصطلاح المحدثين في تعريف المرسل، ويطلق المرسل أيضاً على ما هو أعم من ذلك، وهي: رواية الراوي عمن لم يلقه أو لم يدرك عصره، فإنه يقال له: مرسل، وكثيراً ما يأتي في ذكر تراجم المتأخرين وليسوا من التابعين يقال: يرسل ويدلس، يعني: يروي عمن لم يدرك عصره، فيرسل الرواية إليه، فيقول: عن فلان أو قال فلان، وهو لم يدرك عصره، وهو من قبيل المرسل، فإذا أدرك عصره ولم يلقه، فهو مرسل خفي، وإن كان لم يدرك عصره وروى عنه، فهو مرسل جلي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أبصرت الهلال الليلة... أذن في الناس فليصوموا غداً)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].ثقة حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي داود].
    هو عمر بن سعد الحفري، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن سفيان].
    هو الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن سماك عن عكرمة].
    وليس فيه ذكر ابن عباس لأنه مرسل، وقد مر ذكرهم.


    طريق رابعة لحديث: (أبصرت الهلال الليلة... أذن في الناس فليصوموا غداً) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم مصيصي أنبأنا حبان بن موسى المروزي حدثنا عبد الله عن سفيان عن سماك عن عكرمة: مرسل].أورد النسائي الحديث عن سماك من طريق أخرى وهو: مرسل، ليس فيه ذكر ابن عباس كالذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [أنبأنا حبان بن موسى المروزي].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، لم يخرج له أبو داود، ولا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك، وهو ثقة جواد، مجاهد عابد، قال عنه الحافظ بعد ذكر جملة من خصاله الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان عن سماك عن عكرمة].
    وقد مر ذكرهم.


    شرح حديث: (... فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا سعيد بن شبيب أبو عثمان، وكان شيخاً صالحاً بطرسوس حدثنا ابن أبي زائدة عن حسين بن الحارث الجدلي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: (أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وساءلتهم، وأنهم حدثوني: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم، فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان، فصوموا وأفطروا)].أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الذي يقول فيه: أنه خطب الناس، وكان أميراً على مكة، فقال: إنني جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم، فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا).
    قوله: [(فإن شهد شاهدان فصوموا، وأفطروا)]، هذا هو الذي استدل به من قال: إن الصيام يكون بشهادة الشاهدين، والإفطار يكون بشهادة شاهدين، وكذلك أيضاً الحديث فيه ذكر النسك، وهو: ذبح الذبائح، والمراد به الأضاحي، أي: دخول شهر الحجة، وأنه يعول على الرؤية في الصيام والإفطار والحج، حيث يعول على دخول شهر ذي الحجة، فينسك الناس، ويحج الناس بناءً على الرؤية، والله عز وجل لما وقت المواقيت للناس بما يتعلق بالصلاة، وبما يتعلق بالصيام، جعلها في أمور طبيعية يشاهدها الناس ويعاينونها، فالصيام والإفطار مبني على رؤية الهلال في السماء، وليس مبنياً على حساب، أو على ظن وتخمين، وإنما هو مبني على الرؤية، أو إكمال العدة؛ لأن الشهر العربي لا يزيد عن ثلاثين يوماً، ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
    وكذلك أوقات الصلوات، فهي مبنية على أمور طبيعية مشاهدة ومعاينة، إذا طلع الفجر دخل وقت الفجر، وإذا طلعت الشمس انتهى وقت الفجر، وإذا حصل الزوال دخل وقت الظهر، وإذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر، وإذا صار مثليه انتهى وقت العصر، وإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، فهي أمور مبنية على أمور مشاهدة يعرفها الخاص والعام، يعرفه أهل المدن، وأهل القرى، وليس مبنيةً على أمور دقيقة، وأمور خفية لا يعرفها إلا بعض الناس الذين يتعبون على تعلمها ومعرفتها، بل جعلها الله أموراً طبيعية يشاهدها الناس ويعرفونها، لا فرق بين متعلم، وغير متعلم وبين فطن، وغير فطن فالحديث فيه ذكر الصيام والإفطار والنسك، أي: ذبح الأضاحي، وكذلك الحج، فالناس يحجون بناءً على دخول شهر ذي الحجة، وبناءً على رؤية هلال ذي الحجة، ويذبحون الأضاحي، وينسكون النسائك بناءً على ذلك.
    قوله: [(فإن غم عليكم، فأكملوا ثلاثين)]؛ لأنهم يصومون، ويفطرون للرؤية، لكن قد يكون في السماء ليلة الثلاثين غيم، أو أمر يمنع رؤية الهلال، فإن الشريعة جاءت بأن تكمل العدة؛ لأنه الصيام والإفطار مبني على الرؤية، فإذا لم تتيسر الرؤية، ولم يمكن حصول الوصول إلى الرؤية بسبب مانع في السماء، من وجود غيم أو قتر، فإن العدة تكمل ثلاثين يوماً ثم يفطرون، فإذاً: عندما يثبت دخول الشهر، فإنه يعول على الرؤية بعد إتمام تسعة وعشرين، أي: ليلة الثلاثين.
    قوله: [(فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)]، وهذا فيه: الدلالة على أن الصيام والإفطار إنما يكون بشهادة شاهدين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)

    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا سعيد بن شبيب أبو عثمان، وكان شيخاً صالحاً بطرسوس].
    صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي
    [حدثنا ابن أبي زائدة].
    هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين بن الحارث الجدلي].
    صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب].
    وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون صحابياً إن ثبت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد باليمامة، وكان أميراً على مكة، وقال: إنه جالس أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، لقيهم وحدثوه، وكان مما حدثوه به أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا، وأفطروا)، ولم يذكر الصحابة الذين حدثوه بهذا الحديث، وذلك لا يؤثر؛ لأن الجهل بالصحابة لا يؤثر؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم لا يحتاجون مع ذلك إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين بعد أن أثنى عليهم الله عز وجل، وأثنى عليهم رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فجهالة الصحابي لا تؤثر، أما غير الصحابي، فجهالته تؤثر، ولا بد من معرفة الراوي إذا كان غير صحابي، وأما إذا كان صحابياً، فإن المجهول في حكم المعلوم، يكفي أن يقال عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما دام أنه أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الصحبة، فقد ذكر الخطيب في كتابه الكفاية: أنه ما من راو إلا وهو يحتاج إلى معرفة حاله إلا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه لا يحتاج فيهم ما يحتاج في غيرهم؛ لأنهم عدول، فالمجهول منهم في حكم المعلوم.
    وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أخرج له النسائي وحده.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #369
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (366)


    - (باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم) إلى (باب ذكر الاختلاف على منصور في خبر إكمال شعبان ثلاثين)


    إذا منع من رؤية هلال رمضان مانع من غيم أو قتر وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً، ومثله عند عدم رؤية هلال شوال.
    إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيمٌ، وذكر اختلاف الناقلين عن أبي هريرة

    شرح حديث: (... فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم، وذكر اختلاف الناقلين عن أبي هريرة.أخبرنا مؤمل بن هشام عن إسماعيل عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين)].
    قال النسائي رحمه الله: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا كان هناك غيم، ومراد النسائي من هذه الترجمة هو: أنه إذا ثبت دخول شعبان في ليلة من الليالي فإنه إذا جاء ليلة الثلاثين، فإن كان هناك غيم في تلك الليلة، أو هناك قتر، أو أي مانع يمنع من رؤية الهلال، فإن الناس يكملون ثلاثين يوماً، ولا يصومون إلا لرؤية الهلال، والترجمة معقودة لما إذا كان هناك غيم، أو حائل يمنع من رؤية الهلال في السماء، فإن الواجب أو المتعين هو إكمال شهر شعبان ثلاثين، ثم بعد ذلك يصوم الناس بعد إتمام الثلاثين؛ لأن الشهر العربي لا يزيد عن ثلاثين يوماً، ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، أي: لا يكون واحداً وثلاثين، ولا يكون ثمانية وعشرين، بل هو إما هذا وإما هذا، كما جاء ذلك مبيناً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الأحاديث التي ستأتي.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث تتعلق بهذا الموضوع، وتبين أنه عند حصول الغيم، أو ما يمنع من رؤية الهلال، فإنه يكمل الشهر سواءً كان ذلك لشهر شعبان أو رمضان؛ لأنه إذا ثبت دخول رمضان في ليلة من الليالي، ثم جاءت ليلة الثلاثين وفيه غيم ولم ير الهلال فإنه يكمل الشهر، سواءً كان شهر رمضان أو شهر شعبان.
    قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) أي: الهلال، يعني: يبتدئون صيام رمضان لرؤيته بناءً على رؤيته، ويفطرون؛ أي: ينتهون من صيام الفرض برؤيته، وعلى هذا فإن الحكم مناط بالرؤية، أو بإكمال العدة ثلاثين يوماً، فقوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) إناطة الصوم والإفطار برؤية الهلال، وقد تقدم: أن الله عز وجل جعل المواقيت للعبادات، كالصلاة والصيام، في أمور طبيعية يشترك فيها الناس جميعاً، يعرفها الخاص والعام، ولا تحتاج إلى حذق حاذق، ولا إلى فطنة فطن، بل أي إنسان يستطيع أن يعرف ذلك، فالصيام بني على رؤية الهلال، والهلال يراه الناس، ويرى في الحضر، ويرى في البادية، ويراه الحاذق، وغير الحاذق، كل ذلك الناس فيه سواء، أما اتخاذ ذلك بالحساب أو البناء على الحساب فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الأحكام الشرعية أنيطت بأمور ظاهرة جلية، ومثال ذلك: مواقيت الصلاة مبنية على شيء يشترك فيه الناس، إذا طلع الفجر دخل وقت الفجر، إذا طلعت الشمس انتهى وقت الفجر، إذا زالت الشمس إلى جهة الغرب بدأ وقت الظهر، وإذا كان ظل الشيء مثله بدأ وقت العصر، إذا كان ظل الشيء مثليه انتهى وقت العصر، إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وهكذا، أمور يشترك فيها الخاص والعام، فقوله: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر فأكملوا العدة ثلاثين) يعني: لا يصم الناس وهم لم يروا الهلال إذا كان هناك غيم؛ لاحتمال أن يكون الهلال موجوداً، ولكن حال دونه حائل، فلا يصوموا، وإنما على الناس أن يكملوا العدة؛ بأن يكملوا الثلاثين.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين...)


    قوله: [أخبرنا مؤمل بن هشام].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن زياد].
    هو محمد بن زياد الجمحي المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، والسبعة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي
    و البحر هو ابن عباس.

    شرح حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا ورقاء عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين)، أي: كما جاء في الروايات السابقة: (أكملوا العدة ثلاثين)، يعني: يوفون المقدار بأن يجعلوا العدد وافياً كاملاً، ولا يصومون بناءً على احتمال أن الهلال موجود، ولكن ستره ساتر من غيم أو نحوه، بل إنما هو مبني على الرؤية أو إكمال العدة.
    قوله: (فإن غم عليكم، فاقدروا له ثلاثين)، أي: أوفوا، وأكملوا المقدار الذي هو تمام العدة، وذلك بالنهاية التي يبلغها الشهر وهي ثلاثون يوماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المكي المقرئ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبي].
    هو عبد الله بن يزيد المكي المقرئ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال له: المقري؛ لأنه أقرأ القرآن سبعين سنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ورقاء].
    هو ورقاء بن عمر اليشكري، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة].
    قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.


    ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث

    حديث: (... فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث. أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري حدثنا سليمان بن داود حدثنا إبراهيم عن محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي ذكر الاختلاف على الزهري في إسناد هذا الحديث، وقد أورده النسائي من عدة طرق، وهذه الطريق هي مثل الطرق السابقة: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً).
    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري].
    هو الذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سليمان بن داود].
    هو أبو داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا إبراهيم].
    هو إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن مسلم].
    هو الزهري، وهنا ذكره باسمه واسم أبيه، وهذا خلاف المعتاد، كثيراً عندما يطلق ويقال: الزهري، أو ابن شهاب، يعني: يأتي ذكره باسمه، ولكنه ليس مثل ذكره بجده شهاب أو جده زهرة بن كلاب؛ ومحمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ثقة، فقيه، من صغار التابعين، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    هو سعيد بن المسيب المدني، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    قد مر ذكره.

    شرح حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا له) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)].أورد النسائي حديث ابن عمر: [إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له]، وهنا [فاقدروا له]، جاءت غير مفسرة، لكن فسرتها الروايات الأخرى حيث قال: (فاقدروا له ثلاثين)، كما في الرواية السابقة من حديث أبي هريرة أي: يكملون المقدار، ويكملون العدة، ويصومون ثلاثين يوماً، أو يحسبون ثلاثين يوماً، وكلمة: [صوموا ثلاثين يوماً]، التي مرت هي في رمضان؛ لأن قوله: [صوموا ثلاثين يوماً]، معناه: يكملون صيام رمضان ثلاثين يوماً، [واقدروا له]، أي: أكملوا العدة ثلاثين كما جاء في الرواية السابقة: (فاقدروا له ثلاثين يوماً).


    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا له) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو الربيع بن سليمان المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ويفرق بينه وبين الربيع بن سليمان الجيزي بالتنصيص، وكلاهما يروي عن ابن وهب، وكلاهما ثقة، فلا يضر إن لم نعرف من منهما راوي الحديث.
    [أخبرني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    قد مر ذكره.
    [حدثني سالم بن عبد الله].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام المشهورين بهذا اللقب، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا له) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر رمضان، فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)].قوله: [لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له] هذا فيه ذكر شعبان ورمضان، أي: في آخر شعبان أو في آخر رمضان، [فاقدروا له]، أي: أكملوا العدة كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات الأخرى (اقدروا ثلاثين)، وفي بعض الروايات: (صوموا ثلاثين)، وهي: تتعلق بصيام شهر رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا له) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهناك محمد بن سلمة الباهلي، وهو متقدم على هذا، يروي عنه النسائي بواسطة، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة فهو المرادي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فهو الباهلي.
    [و الحارث بن مسكين].
    هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [قراءة عليه، وأنا أسمع، واللفظ له].
    أي: إن اللفظ لشيخه الثاني وهو: الحارث بن مسكين، وليس لشيخه الأول وهو: محمد بن سلمة المرادي، وهذا هو الغالب على استعمال النسائي عندما يذكر الحارث بن مسكين وغيره، حيث يجعل الحارث بن مسكين هو الثاني، ويجعل اللفظ له، أي: اللفظ الذي يسوقه هو لفظ شيخه الثاني، يعني فيما إذا كان الحارث بن مسكين هو أحد الشيخين.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    قد مر ذكره.


    حديث: (... فإن غم عليكم فاقدروا له) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على عبيد الله بن عمر في هذا الحديث.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)].
    أورد النسائي هذا الحديث من طرق عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وأورد هذه الطريق؛ وهي مثل ما تقدم: [لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له].
    أي: أكملوا العدة ثلاثين، كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر تمييزاً له عن أخيه عبد الله بن عمر المكبر؛ لأن عبيد الله ثقة، وعبد الله المكبر ضعيف، وحديث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني نافع عن ابن عمر].
    قد مر ذكرهما.


    شرح حديث أبي هريرة: (إذا رأيتموه فصوموا ... فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي صاحب حمص حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبيد الله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهلال فقال: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق عبيد الله الذي فيه الاختلاف على عبيد الله؛ لأنه ذكر عن ابن عمر، وهنا ذكر عن أبي هريرة، وكما عرفنا سابقاً أن مثل هذا الاختلاف لا يؤثر، وإنما فيه الإشارة إلى اختلاف الطرق، وليس تضعيفاً للحديث، ولا تقليلاً من شأنه، وإنما فيه أن الطرق اختلفت عنه وتنوعت، فأورد الحديث من طريقه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو دال على ما دل عليه ما قبله.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (إذا رأيتموه فصوموا... فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين) من طريق سابعة


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي صاحب حمص].هو أحمد بن علي بن سعيد، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
    هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان المشهور بـابن أبي شيبة، والمكنى بـأبي شيبة هو: جده إبراهيم، فهو مشهور بالنسبة إلى جده مكنى ابن أبي شيبة؛ لأن أبا شيبة هو: إبراهيم بن عثمان وأبو بكر بن أبي شيبة هو ثقة حافظ أكثر عنه الإمام مسلم، بل لم يرو عن أحد في صحيحه مثل ما روى عن أبي بكر بن أبي شيبة، إذ روى عنه ما يزيد على ألف وخمسمائة حديث، ومسلم يذكره مكنى في الغالب، فيقول: أبو بكر بن أبي شيبة، وأما البخاري فإنه يذكره باسمه في الغالب فيقول: عبد الله بن أبي شيبة، والنسائي يذكره بكنيته فيقول: أبو بكر بن أبي شيبة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [حدثنا محمد بن بشر].
    هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، والذي كان اختلاف الطرق عنه.
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان، المدني، لقبه: أبو الزناد على صيغة الكنية وليست كنية؛ كنيته أبو عبد الرحمن، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، مشهور بهذا اللقب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    قد مر ذكره.

    حديث: (... فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على عمرو بن دينار في حديث ابن عباس فيه. أخبرنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء وهو ثقة بصري أخو أبي العالية أخبرنا حبان بن هلال حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه في هذا، والاختلاف على عمرو بن دينار في ذلك، وهو مثل ما تقدم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء].
    هو أخو أبو العالية، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي. وكلمة (هو ثقة) هذه تكون من كلام النسائي، ليست من جنس ما تقدم الذي يكون فيه أن الشخص يزيد في توضيحه، فإن هذا ليس من هذا القبيل، بل هذا هو من كلام النسائي أو إذا جاء مثله عن التلميذ، فهو من التلميذ نفسه؛ ليبين منزلته، فليس من قبيل الزيادات، وهذا يأتي كثيراً في كلام العلماء، عندما يأتي بالرواية يقول: وهو ثقة، وكان ثقة، ويأتي كثيراً عند الخطيب في كتاب تاريخ بغداد عندما يقول: حدثنا فلان، وكان ثقة، فمثل هذا لا يقال: إنه من دون التلميذ.
    [أخبرنا حبان بن هلال].
    هو بفتح الحاء، بخلاف حبان بن موسى الذي مر، فهو بكسر الحاء، وحَبان وحِبان من قبيل المؤتلف والمختلف، يتفق في الرسم ويختلف في النطق وفي الشكل، فالحروف واحدة، ولكن الشكل مختلف، وحبان بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث: (... فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) من طريق تاسعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)].هنا أورد النسائي حديث ابن عباس في إكمال الشهر ثلاثين يوماً، وقوله: [عجبت ممن يتقدم الشهر] يعني: بأن يصوم في يوم الشك، أو يصوم في يوم الثلاثين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)]، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إكمال العدة، وأنه لا يتقدم الشهر بالصيام، بل تكمل العدة ثلاثين يوماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) من طريق تاسعة

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو المقرئ، وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وقد مر ذكره، والثلاثة مكيون: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وسفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار.
    [عن محمد بن حنين].
    هو محمد بن حنين المكي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو مكي أيضاً فالأربعة مكيون.
    [عن ابن عباس].
    ابن عباس كما هو معلوم كان في مكة ثم ذهب إلى الطائف، فهو مكي ثم طائفي، ومات في الطائف، وقد مر ذكره.


    ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه

    شرح حديث: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال قبله أو تكملوا العدة...) من طريق عاشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال قبله أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة قبله)].
    قوله: [لا تقدموا الشهر] أي: بالصيام؛ بأن تصوموا يوم الثلاثين مثلاً، [حتى تروا الهلال قبله]، أي: قبل الصيام؛ لأن الناس يرون الهلال الليلة فيصبحوا صائمين؛ لأن الليلة سابقة لليوم، والشهر يدخل بغروب الشمس، فإذا رؤي الهلال فإن الليلة التي يرى فيها الهلال هي تابعة لليوم الذي بعده، وليس كما اعتاده كثير من الناس في هذا الزمان؛ يجعلون الليلة تابعة لليوم الذي قبلها، بل الشهر يدخل في الليلة، ثم يصوم الناس بعد ذلك، وتكون أول ليلة يصلي فيها الناس التراويح؛ لأنها من رمضان، ثم يصبحوا صائمين.
    وإذا رؤي هلال شوال انتهى رمضان، ودخلت أول ليلة من شوال، فيصبحوا الناس على يوم العيد، ولذلك قال: [حتى تروا الهلال قبله] يعني: قبل أن تصوموا، فلا تصوموا في يوم الثلاثين احتياطاً أو تقدماً للشهر، بل [لا تصوموا حتى تروا الهلال قبله]، أي: قبل الصيام، وإذا صام الناس يستمرون في الصيام حتى يكملوا ثلاثين، أو يروا الهلال قبله، أي: في الخروج من شهر رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال قبله أو تكملوا العدة...) من طريق عاشرة

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور بن المعتمر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ربعي].
    هو ربعي بن حراش، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة بن اليمان].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (ألا تقدموا الشهر حتى تكملوا العدة ...) من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقدموا الشهر حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال ثم صوموا، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين)، أرسله الحجاج بن أرطأة]. قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كل واحد منهم روى عنه مباشرة بدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن ربعي].
    قد مر ذكرهما.
    [عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
    قد علمنا أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.
    [أرسله الحجاج بن أرطأة].
    ساق الإسناد بعد أن قال: أرسله الحجاج بن أرطأة، ساق الإسناد الذي فيه الحجاج بن أرطأة.

    شرح حديث: (... فإن غم عليكم فأتموا شعبان ثلاثين ...) من طريق ثانية عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان حدثنا عبد الله عن الحجاج بن أرطأة عن منصور عن ربعي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا شعبان ثلاثين إلا أن تروا الهلال قبل ذلك، ثم صوموا رمضان ثلاثين إلا أن تروا الهلال قبل ذلك)].أورد النسائي هذه الطريق المرسلة التي أرسلها ربعي بن حراش، وجاءت من طريق الحجاج بن أرطأة، وربعي بن حراش هو تابعي، مخضرم، فإذا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل المرسل؛ لأن التابعي إذا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فإنه من قبيل المرسل، وفيه التفصيل كما في الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن غم عليكم فأتموا شعبان ثلاثين ...) من طريق ثانية عشرة

    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حبان].
    هو حبان بن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا عبد الله].
    هو ابن المبارك، وهو ثقة، عابد، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير كما قال: ابن حجر في التقريب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحجاج بن أرطأة].
    صدوق كثير الخطأ والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن منصور عن ربعي].
    قد مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #370
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (367)



    - (باب كم الشهر) إلى (باب ذكر الاختلاف على إسماعيل في خبر كم الشهر)

    الشهر الهجري يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، فإذا لم ير الهلال ليلة الثلاثين لعدم ولادة الهلال أو لوجود غيم أكمل الشهر.


    كم الشهر، وذكر الاختلاف على الزهري في الخبر عن عائشة


    شرح حديث: (... الشهر تسع وعشرون)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم الشهر، وذكر الاختلاف على الزهري في الخبر عن عائشة. أخبرنا نصر بن علي الجهضمي عن عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (أقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا يدخل على نسائه شهراً، فلبث تسعاً وعشرين، فقلت: أليس قد كنت آليت شهراً، فعددت الأيام تسعاً وعشرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشهر تسع وعشرون)].
    يقول النسائي رحمه الله: كم الشهر، أي: مقدار أيامه، وأيام الشهر القمري المبني على الهلال أنه لا يخلو من واحد من أمرين: إما تسع وعشرون، وإما ثلاثون، فهو لا يزيد على ثلاثين، ولا ينقص عن تسعة وعشرين، فهو إما هذا وإما هذا، إما تسعة وعشرون، وإما ثلاثون، هذا هو الشهر، لا يزيد عن ذلك، ولا ينقص عن ذلك، وقد سبق أن مر في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، أي: أنه إن رؤي الهلال ليلة الثلاثين، يعني الليلة التي بعد التسعة والعشرين، فإن الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون دخل الشهر الذي يليه، وإن لم ير الهلال بعد ليلة التاسع والعشرين، أي: ليلة الثلاثين، فإنه يكون تمام الشهر، وسواء كان هناك غيم أو ليس هناك غيم، ما دام أنه لم ير الهلال فإن الشهر تكمل عدته ثلاثين، فالشهر إما هذا، وإما هذا، هذا هو مقدار الشهر.
    وقد أورد النسائي أحاديث عديدة فيها بيان أن الشهر يكون تسعة وعشرين، وأن الشهر يكون ثلاثين، وليس هناك شيء وراء ذلك، لا قبل التسعة والعشرين، ولا بعد الثلاثين.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقسم ألا يدخل على نسائه شهراً، فمكث في مكان خاص، ولما مضى تسع وعشرون بدأ بـعائشة ودخل عليها، فقالت: إنك آليت ألا تدخل شهراً، وإنني عددت الأيام، وأنها تسعة وعشرون، فقال عليه الصلاة والسلام: (الشهر تسعة وعشرون)، معنى هذا: أن الشهر تسعة وعشرون أو ثلاثون، لكنه إذا رؤي الهلال بعد ليلة التاسع والعشرين، فإن الشهر يكون تسعاً وعشرين ليلة، وإن لم ير فإنه يكون ثلاثين، فبين عليه الصلاة والسلام، أن الشهر يكون تسعاً وعشرين، كما أنه أيضاً يكون ثلاثين، وهذا فيه بيان الحد الأدنى للشهر، والحد الأعلى هو ثلاثون، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسعة وعشرون)، أي: الحد الأدنى، وثلاثون هو الحد الأعلى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... الشهر تسع وعشرون)

    قوله: [أخبرنا نصر بن علي الجهضمي].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله تعالى براءتها من فوق سبع سموات، وأنزل فيها قرآناً يتلى، وورد في فضلها الأحاديث الكثيرة الدالة على نبلها، وعلى شرفها وفضلها رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ستة رجال وامرأة واحدة، والمرأة هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (... الشهر تسع وعشرون ليلة) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب: أن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور حدثه، (ح)، وأخبرنا عمرو بن منصور حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: (لم أزل حريصا أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اللتين قال الله لهما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )[التحريم:4]، وساق الحديث، وقال فيه: فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة رضي الله عنهما، تسعاً وعشرين ليلة، قالت عائشة: وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين حدثه الله عز وجل حديثهن، فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنك قد كنت آليت يا رسول الله ألا تدخل علينا شهراً، وإنا أصبحنا من تسع وعشرين ليلة نعدها عدداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشهر تسع وعشرون ليلة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، الذي فيه: أنه كان حريصاً على سؤال عمر عن المرأتين اللتين قال الله عز وجل فيهما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )[التحريم:4]، وأنه ساق الحديث، وهو حديث طويل، والمقصود منه إيراد ما يتعلق بالترجمة، وهو أن الشهر يكون تسعاً وعشرين ليلة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم، اعتزل نساءه شهراً، ومكث تسعاً وعشرين ليلة، ولما مضت تلك الليالي التسعة والعشرون بدأ بـعائشة رضي الله عنها، فقالت: إنك حلفت على كذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (الشهر تسع وعشرون)، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله، وهو يتعلق بموضوع واحد هو في قصة الإيلاء، والقسم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق نسائه، وأنه مكث تسعاً وعشرين، وقال: (الشهر تسع وعشرون)، وهو كما أشرت من قبل هو الحد الأدنى، وأما الحد الأعلى فهو ثلاثون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... الشهر تسع وعشرون ليلة) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عمي].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عباس].
    حول الإسناد
    [أخبرنا عمرو بن منصور].
    هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحكم بن نافع].
    هو أبو اليمان، مشهور بكنيته، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    ذكر خبر ابن عباس فيه

    شرح حديث: (أتاني جبريل عليه السلام فقال: الشهر تسع وعشرون يوماً) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ابن عباس فيه. أخبرنا عمرو بن يزيد هو: أبو بريد الجرمي بصري عن بهز قال: حدثنا شعبة عن سلمة عن أبي الحكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (أتاني جبريل عليه السلام، فقال: الشهر تسع وعشرون يوماً)].
    أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو يتعلق بالشهر، وأنه يكون تسعة وعشرين، وفيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (الشهر تسع وعشرون)، وهو الحد الأدنى للشهر، والحد الأعلى ثلاثون.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتاني جبريل عليه السلام فقال: الشهر تسع وعشرون يوماً) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد هو: أبو بريد].هو أبو بريد الجرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده، وكلمة: [هو أبو بريد الجرمي] هذه ممن دون النسائي؛ لأن النسائي لا يحتاج إلى أن يقولها؛ لأنه شيخه، ولكن من دونه هو الذي يحتاج إلى أن يضيف هذه الإضافة، ويأتي بكلمة هو قبلها، وكنيته أبو بريد، من قبيل المؤتلف والمختلف مع اسم أبيه؛ لأن يزيد وبريد يعني رسمهما واحد، ولكن الفرق بينهما إنما هو بالنقط، والشكل، فهو: عمرو بن يزيد أبو بريد.
    [عن بهز].
    هو بهز بن أسد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلمة].
    هو سلمة بن كهيل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الحكم].
    هو عمران بن الحارث، هو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.


    حديث: (الشهر تسع وعشرون يوماً) من طريق رابعة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار عن محمد وذكر كلمة معناها حدثنا شعبة عن سلمة سمعت أبا الحكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهر تسع وعشرون يوماً)].ثم أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، مات قبل البخاري بأربع سنوات، إذ أن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وشيخه محمد بن بشار توفي سنة ثنتين وخمسين ومائتين.
    [عن محمد].
    وهو غير منسوب، والمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، وإذا جاء محمد بن بشار أو محمد بن المثنى يروي عن محمد غير منسوب، ومحمد يروي عن شعبة، فالمراد به غندر الذي هو محمد بن جعفر، ويأتي ذكره كثيراً غير منسوب ولكنه معلوم.
    وذكر كلمة معناها حدثنا شعبة، لعل هذه الكلمة يراد بها الصيغة، يعني أنه غير متحقق من الصيغة فرواها بالمعنى وهي: (حدثنا)، لعل مقصوده من هذه الكلمة التي ذكر معناها: أنها صيغة الأداء التي هي حدثنا شعبة.
    [عن سلمة سمعت أبا الحكم عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.


    ذكر الاختلاف على إسماعيل في خبر سعد بن مالك

    شرح حديث: (... الشهر هكذا وهكذا وهكذا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على إسماعيل في خبر سعد بن مالك فيه.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه ضرب بيده على الأخرى وقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ونقص في الثالثة إصبعا)].
    أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، وهو أيضاً يتعلق ببيان الشهر، وأنه يكون تسعاً وعشرين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب بيده على الأخرى وقال: (الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا)، وقبض إصبعه في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، يعني: مرة عشر مرات، ثم مرة عشر مرات، ثم تسعاً قبض أحد أصابعه فصارت تسعاً وعشرين، فبين ذلك بالقول، وبالفعل، بين ذلك بالقول، والإشارة عليه الصلاة والسلام أنه يكون تسعاً وعشرين، بين ذلك بالقول حيث قال: تسعاً وعشرين، وبين ذلك بالإشارة حيث أشار مرتين بأصابع اليدين تماما، والمرة الثالثة قبض الإبهام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... الشهر هكذا وهكذا وهكذا ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا محمد بن بشر].
    هو محمد بن بشر العبدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل بن أبي خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سعد بن أبي وقاص].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. يعني أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له في السنن، بل أخرج له في كتابه المراسيل.
    [عن أبيه].
    هو سعد بن أبي وقاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالجنة في حديث واحد، سردهم سرداً فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)، ولهذا قيل لهم: العشرة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر غيرهم بالجنة، كـعكاشة بن محصن، وثابت بن قيس بن شماس، وبلال، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لقب العشرة ليس له مفهوم من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بشر أحداً غيرهم، ولكن جاء لقب العشرة بسبب أنهم سردوا في حديث واحد، وبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في ذلك الحديث.
    وحديث سعد بن أبي وقاص أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن إسماعيل عن محمد بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، يعني: تسعة وعشرين، رواه يحيى بن سعيد وغيره عن إسماعيل عن محمد بن سعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].ذكر النسائي إسنادين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحدهما مسند، وهو الإسناد الأول، والثاني مرسل، أي: من محمد بن سعد يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس فيه ذكر أبيه، فهو مرسل؛ لأن التابعي إذا رفع شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو من قبيل المرسل، والحديث هو مثل ما تقدم، في بيان أن الشهر يكون تسعة وعشرين، وذلك بالقول، والإشارة، كالحديث الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أنبأنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله غير منسوب مهمل، والمراد به ابن المبارك؛ لأن سويد بن نصر هو راويته، فإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله، وعبد الله غير منسوب فالمراد به ابن المبارك؛ لأن سويد راوية عبد الله بن المبارك، فهو يهمله أو يهمل نسبته في كثير من الأحيان، وهما مروزيان.
    [عن إسماعيل عن محمد بن سعد عن أبيه].
    وقد مر ذكرهم.
    رواه يحيى بن سعيد وغيره، وهو القطان، عن إسماعيل بن أبي خالد عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أباه، فهو مرسل، أي: من قبيل المرسل، لكن الإرسال هنا لا يؤثر؛ لأنه قد ذكرت الواسطة؛ ولأن الحديث جاء من طرق عديدة كلها فيها إثبات أن الشهر يكون تسعة وعشرين، فلا يضر الإرسال هنا؛ لأنه جاء موصولاً، ومسنداً، وجاء عن غير سعد بن أبي وقاص بيان أن الشهر يكون تسعة وعشرين.

    شرح حديث: (الشهر هكذا وهكذا ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا محمد بن عبيد حدثنا إسماعيل عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وصفق محمد بن عبيد بيديه ينعتها ثلاثاً، ثم قبض في الثالثة الإبهام في اليسرى)، قال يحيى بن سعيد: قلت: لـإسماعيل: عن أبيه؟ قال: لا].أورد النسائي حديث محمد بن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، في بيان الشهر، وأنه تسعاً وعشرين، وأن النبي عليه الصلاة والسلام بين ذلك بالقول، وبالفعل، وهو مثل ما تقدم، وهو من قبيل المرسل، وفيه ما ذكرت من قبل: أن الإرسال في مثل هذا لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء من طرق موصولاً، وفيه بيان أن الشهر يكون تسعة وعشرين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الشهر هكذا، وهكذا،...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن عبيد].
    هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسماعيل عن محمد].
    وقد مر ذكرهما.
    [قال يحيى بن سعيد].
    وقد مر ذكره.
    [قلت: لـإسماعيل عن أبيه؟ قال: لا].
    قلت: لـإسماعيل، أي هل محمد بن سعد قال: عن أبيه سعد ؟ قال: لا، أي أنه مرسل، يعني كما جاء في الإسناد محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: هو مرسل ليس بموصول، وليس بمتصل، بل فيه انقطاع، ولكن ذلك لا يؤثر كما أسلفت.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #371
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (368)



    - باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في خبر كم الشهر

    لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مقدار الشهر الهجري ثلاثون أو تسعة وعشرون يوماً، ورتب على ذلك أحكاماً شرعية كدخول رمضان وغيرها من الأحكام.
    ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في خبر أبي سلمة فيه

    شرح حديث أبي هريرة: (الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في خبر أبي سلمة فيه.أخبرنا أبو داود حدثنا هارون حدثنا علي هو ابن المبارك حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)].
    أورد النسائي رحمه الله، حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك، وفيه بيان أن الشهر يكون كذا وكذا، أنه يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين، ولا ثالث لذلك، فالقسمة ثنائية، فهي حالتان لا ثالث لهما، إما تسع وعشرون، وإما ثلاثون، ثم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)، أي: أكملوا ثلاثين؛ لأنه إذا مضى تسع وعشرون رؤي الهلال، فإن رؤي الهلال في الليلة التي تلي التاسعة والعشرين، فالشهر يكون تسعة وعشرين، ويدخل الشهر الذي يليه في الليلة التالية لـليلة التاسع والعشرين، وإن لم ير الهلال، وهو صحو أو كان غيما أو غبار القتر لا يرى معه الهلال، فإنها تكمل العدة، أي: تكمل ثلاثين، (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)، أي: أكملوا العدة ثلاثين.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (الشهر يكون تسعة وعشرين، ويكون ثلاثين...)


    قوله: [أخبرنا أبو داود].هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا هارون].
    هو هارون بن إسماعيل، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، أي: لم يخرج له أبو داود وحده.
    [حدثنا علي هو ابن المبارك].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عوف المدني، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    حديث ابن عمر: (الشهر تسع وعشرون) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم أخبرنا محمد حدثنا معاوية (ح) أخبرني أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن معاوية واللفظ له عن يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة أخبره أنه سمع عبد الله وهو ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الشهر تسع وعشرون)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهر تسع وعشرون)، وهذا فيه ما في الذي قبله من الدلالة على أن الشهر يكون كذلك، كما أنه يكون ثلاثين.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم].
    هو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا محمد].
    هو محمد بن المبارك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاوية].
    وهو: معاوية بن سلام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    (ح).
    ثم أتى بـ (ح) الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد، ويأتي شيخ جديد للنسائي في الإسناد الآخر ثم يلتقي الإسنادان عند شخص واحد، ويتحدان إلى نهاية الحديث، فهذا هو التحويل، يعني: يسوق الإسناد ثم يبدأ بإسناد آخر، ويأتي بـ (ح) للدلالة على التحول من إسناد إلى إسناد، ثم يلتقي الإسنادان عند شخص معين، ويستمران إلى نهاية الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ح).
    [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عثمان بن سعيد].
    ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن معاوية].
    هو ابن سلام المتقدم.
    [واللفظ له].
    طبعا اللفظ لـعثمان بن سعيد؛ لأن معاوية هو في الإسناد الأول، لكنه هو للطريق الثاني، اللفظ هو للطريق الثاني التي فيها شيخه أحمد بن محمد بن المغيرة، أما معاوية فهو في الإسنادين، وعنده يلتقي الإسنادان.
    [عن يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة أخبره].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن عبد الله بن عمر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    شرح حديث ابن عمر: (إنا أمة أمية... الشهر هكذا وهكذا وهكذا حتى ذكر تسعاً وعشرين) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا ثلاثا، حتى ذكر تسعا وعشرين)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (إنا أمة أمية)، والأمية: نسبة إلى الأم، يعني: أنهم كما خلقوا من أمهاتهم لا يعرفون الكتابة والحساب، فهذا هو شأنهم، وهذا في الغالب بالنسبة للعرب وإلا فإن فيهم من يكتب، وفيهم من يقرأ، والرسول صلى الله عليه وسلم جعله الله أميا لا يقرأ ولا يكتب؛ وذلك لإظهار معجزته، ودفع ما يحصل من الكفار من الاعتراض عليه، وعلى رسالته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ما سلم من الاعتراض عليه عليه الصلاة والسلام، والله عز وجل بين الحكمة في ذلك فقال: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ )[العنكبوت:48]، (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب)، لو كان يقرأ ويكتب لقالوا: هذا قرأ الكتب السابقة، وأتى بها، لكنه جعله الله أميا لا يقرأ ولا يكتب، ونزل عليه هذا القرآن الذي تحدى أهل الفصاحة، والبلاغة بأن يأتوا بسورة من مثله، ومع ذلك عجزوا وأذعنوا لفصاحته وبلاغته، وأنه كلام لا يماثله كلام، وقد جاء به من لا يقرأ ولا يكتب، فجعله عليه الصلاة والسلام، أمياً لتمام إظهار معجزته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يأتي للناس بكلام مع كونه لا يقرأ ولا يكتب، أوحاه الله عز وجل إليه، وهو خير الكلام وأفضله، وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله عليه الصلاة والسلام. (إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب)، ثم قال: (الشهر هكذا)، وأشار ثلاث مرات بأصابع يديه، (حتى ذكر تسعا وعشرين)، معناه: أنه في قبض، أحد الأصابع حتى يتبين بها قولا وإشارة أن الشهر يكون تسعة وعشرين.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (إنا أمة أمية... الشهر هكذا وهكذا وهكذا حتى ذكر تسعاً وعشرين) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو قرين محمد بن بشار المتقدم، محمد بن بشار الملقب بندار، قرينه ومثيله، وقد اتفقا في الشيوخ والتلاميذ والبلد، كل منهم من أهل البصرة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، وهي سنة مائتين واثنين وخمسين، ومعنى: كانا كفرسي رهان. يعني: ما واحد يسبق الثاني من شدة تماثلهم، وماتا في سنة واحدة، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى هو لقبه الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة ثبت، حجة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن قيس].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن عمرو].
    هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث ابن عمر: (إنا أمة أمية لا نحسب ... والشهر هكذا ...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن محمد عن شعبة عن الأسود بن قيس أنه قال: سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما، يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنا أمة أمية لا نحسب، ولا نكتب، والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا، تمام الثلاثين)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه بيان أن الشهر يكون ثلاثين، ويكون تسعا وعشرين، بين ذلك بالقول وبالإشارة، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية، لا نحسب، ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثلاث مرات، وقبض الإبهام في الثالثة)، يعني: تسعة وعشرين، ثم عاد مرة أخرى فقال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ولم يقبض شيئا)، يعني: يكون ثلاثين، فهو إما هذا وإما هذا، لا ينقص عن تسعة وعشرين، ولا يزيد عن ثلاثين، هذا هو الشهر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (إنا أمة أمية لا نحسب، ... والشهر هكذا ...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، هذان هما القرينان اللذان كانا كفرسي رهان، وقد مر ذكرهما.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر البصري، وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن الأسود بن قيس].
    كذلك مر ذكره.
    [عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث ابن عمر: (أنه تسع وعشرون فيما حكي من صنيعه ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الشهر هكذا، ووصف شعبة عن صفة جبلة عن صفة ابن عمر أنه تسع وعشرون فيما حكى من صنيعه مرتين بأصابع يديه، ونقص في الثالثة إصبعا من أصابع يديه)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، معناه: أنه وصف ذلك بأنه يكون هكذا، وهكذا، وأنه ينقص فيكون تسعا وعشرين، وذلك بنقص أحد الأصابع مما فيه الإشارة إلى أن الشهر يكون تسعا وعشرين.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أنه تسع وعشرون فيما حكي من صنيعه ...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن جبلة بن سحيم].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    حديث ابن عمر: (الشهر تسع وعشرون) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عقبة يعني ابن حريث سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهر تسع وعشرون)].أورد النسائي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (الشهر تسع وعشرون).
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    قد مر ذكره.
    [عن محمد].
    وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    مر ذكره.
    [عن عقبة يعني ابن حريث].
    وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والنسائي، وكلمة (يعني ابن حريث) أتى بها من دون شعبة، وكما ذكرت هما عبارتان يؤتى بهما لتوضيح من يراد توضيحه من حيث إضافة شيء يميزه عن غيره، كلمة: (يعني)، أو كلمة: (هو)، وكثيراً ما تأتي كلمة (هو)، ويأتي أحيانا كلمة (يعني) كما هنا، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل ولها فاعل، فقائل هذه الكلمة من دون شعبة، والفاعل ضمير مستتر يرجع إلى شعبة، والفاعل في كلمة يعني ضمير مستتر يرجع إلى شعبة، يعني يقول: من دون شعبة: إن شعبة يعني بقوله: عقبة يعني ابن حريث، فكلمة (يعني) فعل مضارع قائلها من دون شعبة، وفاعلها ضمير مستتر، أو فاعل الفعل المضارع ضمير مستتر يرجع إلى شعبة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.


    الأسئلة

    مدى مشروعية الجهر بالذكر بعد الصلاة

    السؤال: الأذكار الواردة بعد كل صلاة فريضة هل تكون جهرا أم سرا؟
    الجواب: الأذكار الواردة التي تلي الصلاة مباشرة تكون جهراً، وأما كون الإنسان يذكر الله عز وجل ويقرأ المعوذات وآية الكرسي، فهذه تكون سرا، وأما أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، فهذه تكون جهرا.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #372
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (369)



    - باب الحث على السحور - باب ذكر الاختلاف على عبد الملك بن أبي سليمان في خبر الحث على السحور

    حث الشرع على السحور، وبيّن أن فيه بركة، فضلاً عما فيه من فائدة للصائم من حيث نشاطه وقوته في أدائه للعبادات.

    الحث على السحور


    شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحث على السحورأخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)، وقفه عبيد الله بن سعيد].
    يقول النسائي رحمه الله: الحث على السحور، ومراد النسائي من هذه الترجمة هو بيان الترغيب في التسحر وكون الإنسان يأكل الطعام وقت السحر استعداداً للصيام، والسَحور والسُحور بفتح السين وضمها، قيل: إن المراد بالفتح اسم للطعام الذي يؤكل، وأما بالضم فهو اسم للأكل، أكل الطعام في السحر استعدادا للصيام، السَحور، والسُحور.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)، أي: أكل الطعام في ذلك الوقت فيه بركة، وهناك ألفاظ كثيرة هي مثل هذه اللفظة، فيها أنه في الفتح اسم للشيء المستعمل، وفي الضم اسم للفعل، من ذلك: الطَهور والطُهور، والوَضوء والوُضوء؛ الوَضوء بالفتح: اسم للماء الذي يتوضأ به، والوُضُوء هو: فعل الوضوء؛ كون الإنسان يأخذ ويغسل هذا فعل يقال له: وضوء بالضم، وبالفتح هو اسم للماء، والحديث الذي فيه: أن عثمان دعا بوضوء، يعني: دعا بماء يتوضأ به بفتح الواو، ثم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (من توضأ نحو وضُوئي هذا)، نحو وضوئي، يعني: بالضم الذي هو فعل للوضوء.
    فالوَضوء والوُضوء، والطَهور والطُهور، كلها الفتح اسم للشيء المستعمل، والضم اسم للفعل، ومثل ذلك: السَعوط والوَجور، السعوط وهو ما يتسعط في الأنف، يعني: الشيء الذي يستعمل يقال له: سَعوط، وأما فعله يقال له: سُعوط بالضم، وكذلك الوجور، يعني: ما يقطر في الفم يقال له: وجور، وتقطيره بالفعل يقال له: وجور، فهي ألفاظ متعددة، هي بالفتح للشيء الذي يستعمل، وفي الضم للفعل نفسه.
    وجاءت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بالحث على السحور من جهة الأمر به، ومن جهة تعليل ذلك بأن فيه بركة، يعني: بعد أن قال: (تسحروا)، قال: (فإن في السحور بركة)، فالحث عليه من جهتين: من جهة الأمر، ومن جهة بيان أن فيه بركة.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث تحت هذه الترجمة في الحث على السحور، أولها: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة).
    والبركة في السحور هي من وجوه كثيرة، تكون من جهة حصول الأجر والثواب، ومن جهة التقوي على العبادة في النهار، والتقوي على الصيام، وكون الإنسان لا يصيبه الجوع، فيكون ذلك سببا في خموله وكسله، بل يستعمل الطعام في وقت السحر ليتقوى به على العبادة في النهار، وليتقوى به على الصيام، وليتقوى به على العبادات الأخرى بحيث لا يصيبه كسل وخمول يجعله لا يؤدي ما يؤديه في غير حال الصيام بسبب ما حصل له من الضعف، وبسبب ما حصل له من الكسل لكونه لم يأكل، ولهذا جاء النهي عن الوصال؛ فكون الإنسان يصوم يومين لا يفطر بينهما فيه من إضعاف النفس وعدم قدرتها على القيام مع ذلك بما هو مطلوب من الإنسان، وقد جاء الترخيص بعد أن نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الوصال قال: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)، أي: يصوم يوم وليلة، لكن كونه يصوم يومين وبينهما ليلة ولا يتسحر فإن هذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)، يعني: حتى يأكل الطعام في السحر، ويكون في ذلك تقوية له على العمل في النهار، وعلى الصيام، وعلى العبادات الأخرى التي تتطلب نشاطاً وقدرة، وعدم الأكل يكون سبباً في الإضعاف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو محمد بن بشار البصري الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، هو ثقة، ناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو بكر بن عياش].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة، وفي الغالب أن من له رواية عند مسلم في المقدمة يرمز له بالميم والقاف. وليس معنى هذا أنه ما روى له في الصحيح لأن فيه كلاماً أو ما إلى ذلك، لا، وإنما هكذا اتفق، وإلا فإن الشخص قد يكون في القمة ولكن مسلم روى له في المقدمة، ومن هؤلاء عبد الله بن الزبير المكي شيخ البخاري الذي روى عنه أول حديث في الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات)، فإن مسلم روى له في المقدمة، ولا يعني ذلك أن من لم يرو له في الصحيح أنه فيه كلام، فكم من شخص في القمة ومع ذلك ما خرج له أصحاب الصحيح؛ لأنهم ما خرجوا كل حديث صحيح، ولم يلتزموا أن يرووا عن كل شخص ثقة، وكم من ثقة لم يخرج له في الصحيح، بل في الكتب الستة، ومن هؤلاء الإمام الكبير المشهور أبو عبيد القاسم بن سلام، ومع ذلك ما خرج له أصحاب الكتب الستة، فعدم التخريج للشخص لا يدل على أن فيه شيئاً، وإنما الأمر كما ذكرت يعني اتفقوا أنهم رووا عنه، واتفقوا أن هذا لم يرووا عنه، وليس في عدم روايتهم عن الشخص شيئاً يدل على القدح فيه؛ لأن أصاحب الصحيح لم يلتزموا تخريج كل حديث صحيح، ولا التزموا الرواية عن كل ثقة، فكم من ثقة لم يرووا عنه، وكم من حديث صحيح لم يودعه الشيخان صحيحيهما، وأوضح دليل على هذا ما أشرت إليه مراراً وتكراراً وهو أن صحيفة همام بن منبه هي بإسناد واحد، وتشتمل على مائة وأربعين حديثا، البخاري انتقى منها وأخذ وروى بعضها، ومسلم انتقى منها وروى بعضها، فاتفقوا على أشياء منها، وانفرد البخاري بأشياء، وانفرد مسلم بأشياء وترك أشياء، فلو كانوا ملتزمين لرواية كل صحيح لرووا هذه الصحيفة كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنها بإسناد واحد، فليس هناك فرق بين ما أخذوه وما تركوه، بل الكل، ولكن لكونهم لم يلتزموا إخراج كل صحيح حصل هذا.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن أبي النجود، اسمه بهدلة، وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ورمزوا له بعين، وقال في التقريب: حديثه في الصحيحين مقرون، يعني: معناه أنهم لم يرووا عنه استقلالاً، بل رووا عنه وعن غيره في الإسناد، ولكن الذي مشوا عليه هو أن من روي له في الأصول ولو كان مقروناً ولو كان متابعة، فإنهم يرمزون له بالأصل عين، أما إذا كان روي له بالتعليقات فلا يرمز له بالأصل، وإنما يرمز له بـ خ ت، يعني: البخاري تعليقاً، وأما إذا كان مقروناً فإنه يرمز له بالأصل، ولهذا رمز لـعاصم بن أبي النجود المقرئ بعين، أي: روى له الجماعة، وفي التقريب قال: وروايته في الصحيحين مقرونة، يعني: أنه ليس مروياً عنه على سبيل الاستقلال، بل روي عنه مقروناً مع غيره.
    [عن زر].
    هو زر بن حبيش، وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: أدركوا زمن النبي، ولم يلقوه، فيقال لهم: مخضرمون، وهم من كبار التابعين الذين رأوا كبار الصحابة، يعني كبار التابعين هم الذين رأوا كبار الصحابة ورووا عن كبار الصحابة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العلماء في الصحابة، أهل الفقه والحديث رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين في أواخر خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وليس هو من العبادلة الأربعة المشهورين بهذا اللقب، وإن كان بعض العلماء قد عده واحداً منهم، إلا أن الصحيح خلاف ذلك، وأن العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص، فهؤلاء هم العبادلة الأربعة وليس فيهم ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود متقدم، وهو أكبر منهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأولئك عاشوا بعده مدة طويلة، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وتلقى عنهم الحديث من لم يدرك زمن ابن مسعود؛ ولهذا فهو ليس من العبادلة الأربعة على المشهور، بل العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم بعد ابن مسعود مدة طويلة.
    ثم قال: وقفه عبيد الله بن سعيد، ثم ساق الإسناد الذي فيه رواية عبيد الله بن سعيد، والتي وقف فيها الكلام على ابن مسعود ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح أثر عبد الله بن مسعود: (تسحروا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عبد الرحمن عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (تسحروا)، قال عبيد الله: لا أدري كيف لفظه].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود، ولكنه هنا موقوف عليه، وكان ذلك من طريق عبيد الله بن سعيد؛ لأن الإسناد بعد عبيد الله بن سعيد هو نفس الإسناد المتقدم، نفس الإسناد من عبد الرحمن بن مهدي إلى آخره، وإنما الفرق هو بشيخ النسائي؛ فشيخه في الطريق الأولى محمد بن بشار، وشيخه في الطريق الثانية هذه: عبيد الله بن سعيد، فـمحمد بن بشار رفعه في الإسناد المتقدم وأسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبيد الله بن سعيد وقفه على عبد الله بن مسعود، وكان ذلك بلفظ: (تسحروا).
    ثم قال عبيد الله: [لا أدري ما لفظه] يعني: فلا أدري: هل المراد بهذه اللفظة يعني ما بعد كلمة: (تسحروا)، يعني أنه لا يدري ما لفظه، وأن الذي عرفه أو الذي جرى له (تسحروا)، أو لم يدر ما وراء ذلك كما جاء في حديث محمد بن بشار المتقدم.

    تراجم رجال إسناد أثر عبد الله بن مسعود: (تسحروا)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، وقيل له: سني لأنه أظهر السنة في بلده، والسنة التي هي خلاف البدعة، وهي: الالتزام بالسنة والتقيد بها، ومجانبة البدعة، وحديثه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وبقية رجاله مروا في الإسناد الذي قبل هذا.

    حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة وعبد العزيز عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وبمعنى حديث عبد الله بن مسعود المتقدم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة).
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، مشهور بكنيته أبو عوانة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهناك أبو عوانة متأخر الذي استخرج على صحيح مسلم، له المستخرج، ويقال له: المسند، ويقال له: الصحيح، صحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، ذاك متأخر، وأما هذا فهو متقدم؛ لأن ذاك بعد مسلم وقد استخرج على مسلم، وأما هذا فهو متقدم، وحديثه أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [و عبد العزيز].
    هو ابن صهيب البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    ذكر الاختلاف على عبد الملك بن أبي سليمان في هذا الحديث

    حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن سعيد بن جرير نسائي حدثنا أبو الربيع حدثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو بمثل ما تقدم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة).
    قوله: [أخبرنا علي بن سعيد بن جرير].
    هو علي بن سعيد بن جرير النسائي، وهو صدوق، خرج له النسائي، وابن ماجه في التفسير.
    [حدثنا أبو الربيع].
    هو سليمان بن داود الزهراني أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [حدثنا منصور بن أبي الأسود].
    صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. في نسخة أبو الأشبال بدل النسائي: ابن ماجه.
    [عن عبد الملك بن أبي سليمان].
    صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)، رفعه ابن أبي ليلى].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة).
    والحديث موقوف لأن أبا هريرة قال: (تسحروا)، ثم في آخره رفعه ابن أبي ليلى.
    فهو موقوف على أبي هريرة، ولكنه جاء من طريق أخرى مسنداً مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذه الطريق عن أبي هريرة هي موقوفة عليه، والمتن موقوف عليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان]. هو الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.
    [رفعه ابن أبي ليلى].
    ثم ساق الإسناد الذي فيه رفع ابن أبي ليلى له.

    شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه ابن أبي ليلى، ولا شك أن المرفوع هو الأصح، وإن كان ابن أبي ليلى فيه كلام، إلا أنه جاء عن أبي هريرة الحديث من طرق ثابتة عن أبي هريرة وعن غيره من أصحاب رسول الله كما تقدم عن أنس وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فالحديث ثابت وله متابعات، وله شواهد عن أبي هريرة وأناس خرجوه غير من ذكر، وكذلك له شواهد عن غير أبي هريرة كما تقدم عن ابن مسعود وعن أنس رضي الله تعالى عنهما.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي ليلى].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الفقيه المشهور الذي يأتي ذكره كثيراً في مسائل الفقه، وإذا جاء ذكر ابن أبي ليلى في المسائل الفقهية فالمراد به هذا، وأبوه عبد الرحمن بن أبي ليلى محدث مشهور ثقة، لكن الذي اشتهر بالفقه، والذي يعزى إليه كثيراً في مسائل الفقه، هو هذا الذي معنا في الإسناد: محمد بن عبد الرحمن، وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، معناه: أن حفظه سيئ جداً، لكن كما هو معلوم الحديث ما كان تعويله عليه؛ لأنه جاء من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس من هذا الطريق وحده، ولو كان ما جاء إلا من هذه الطريق وحدها لكان في ذلك نظر، لكنه لما جاء عن أبي هريرة من طرق أخرى مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك جاء عن غير أبي هريرة من الصحابة، فإن وجود محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مع كونه سيئ الحفظ جداً لا يؤثر ذلك على صحة هذا الحديث. وهو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة فقط.
    [عن عطاء عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.


    شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى].
    ثقة، أخرج له الترمذي والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان الثوري، هو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا محمد بن فضيل حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)، قال أبو عبد الرحمن: حديث يحيى بن سعيد هذا إسناده حسن، وهو منكر، وأخاف أن يكون الغلط من محمد بن فضيل].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهي بلفظ ما تقدم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة).
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو زكريا بن يحيى بن إياس، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا أبي بكر بن خلاد].
    هو محمد بن خلاد، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا محمد بن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقد ذكر أنه رمي بالتشيع، لكن ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بأنه ضمن الأشخاص الذين انتقدوا على البخاري وأن فيهم كلاماً، وأن البخاري خرج له، وقال: إنما عيب عليه بالتشيع، ثم ذكر عن أحد العلماء بالإسناد أنه قال: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. والشيعة لا يترحمون على عثمان، بل يبغضون عثمان، وهذا يدل على سلامته مما رمي به؛ لأنه كونه يترحم على عثمان، ليس هذا شأن الرافضة؛ لأن الرافضة يبغضون الشيخين، ويبغضون عثمان، ويبغضون سائر الصحابة، ولا يستثنون إلا نفراً يسيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الكلمة المأثورة عنه وهي قوله: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، تدل على سلامته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    ثم ذكر بعد الحديث: قال أبو عبد الرحمن: إسناد يحيى بن سعيد هذا حسن، وهو منكر، وأظن الخطأ فيه من محمد بن فضيل، ما أدري ما وجه ذلك، هو من حيث الحديث صحيح، وثابت، وهو مثل ما تقدم؛ جاء عن أبي هريرة من غيره، لكن رأيت في تحفة الأشراف في حديث قبل هذا، وهو من طريق يحيى بن سعيد، ومن طريق محمد بن فضيل، وقال: رواه يحيى بن سعيد لم يروه عنه إلا محمد بن فضيل، فكأن كونه ما رواه عنه إلا محمد بن فضيل جعله يتردد فيه، لكن محمد بن فضيل صدوق، والحديث ما جاء من هذه الطريق وحدها، بل جاء عن أبي هريرة من طرق أخرى، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير أبي هريرة من حديث أنس كما تقدم، ومن حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، فلعل وجه الإنكار أو توهم الخطأ من جهة أن يحيى بن سعيد الأنصاري ما روي عنه إلا من طريق محمد بن فضيل، لكن ذلك -كما عرفنا- لا يؤثر؛ لأنه لم يكن ذلك على سبيل الاستقلال.


    الأسئلة

    كيفية الجمع بين قول: إسناده حسن وهو منكر


    السؤال: كيف يجمع بين قوله: إسناد يحيى بن سعيد حسن، وهو منكر؟
    الجواب: هو إسناده حسن في الظاهر، لكن كونه ما روي عن يحيى بن سعيد إلا من طريق محمد بن فضيل فهنا فيه نكارة من حيث تفرد محمد بن فضيل، فالقضية من حيث الإسناد لا من حيث المتن، أما المتن فهو في غاية الوضوح من حيث سلامته واتفاقه مع الروايات الأخرى، لكن ليس مسلَّماً كونه منكراً؛ لأنه كما هو معلوم ما انفرد به، بل وافق غيره، فالحديث ثابت من هذه الطريق ومن غيرها.

    الفرق بين السنن الصغرى والكبرى للنسائي

    السؤال: هل السنن التي بين أيدينا مختصرة من السنن الكبرى؟ وهل النسائي اختار هذه السنن الصغرى من الكبرى وانتقى أحاديثها لتضم هذه الصغرى إلى الحديث الصحيح؟

    الجواب: هو لم يلتزم الصحة كما التزمها الشيخان، والسنن الصغرى بالنسبة للسنن الكبرى ليس معناه أن هذه صغرى وتلك كبرى، وأن ما في الصغرى بعض ما في الكبرى؛ فإن في السنن الصغرى شيئاً ليست في السنن الكبرى، لكن الغالب أن الصغرى اشتملت عليها الكبرى، وليس معنى ذلك أن كل ما في الصغرى فهو موجود في الكبرى، بل هناك أشياء في الصغرى ليست في الكبرى، وفيه باب من الأبواب في سنن النسائي الصغرى قال: مما ليس في الكبرى، وقد ذكر هذا في مقدمة تحفة الأشراف الشيخ عبد الصمد شرف الدين، أو في مقدمة السنن الكبرى التي طبعها، ولا أدري أيهما، لكنه في إحدى المقدمتين ذكر الباب الذي في النسائي في الصغرى، وفيه: مما ليس في الكبرى، منصوص على أنه كذا وليس في الكبرى أو مما ليس في الكبرى، ومعنى هذا أن في الصغرى أحاديث ليست في الكبرى، وإن كان الغالب على ما في الصغرى أنه في الكبرى، والإنسان يجد أن الأبواب والأحاديث والأسانيد متفقة.

    بيان المنتقى والمختصر مؤلف المنتقى من السنن الكبرى للنسائي

    السؤال: هل المنتقى والمختصر هو للنسائي ؟
    الجواب: قيل: للنسائي، وقيل: إنه لـابن السني، لكن المشهور أنه للنسائي.
    ولا يقال: إن الذي اجتباه أو انتقاه يكون صحيحاً؛ لأنه ما اشترط، لكنه انتقى ما هو أولى من غيره، لكن هذا لا يعني أن كل ما انتقاه يكون صحيحاً؛ لأن في سنن النسائي ما هو ضعيف.
    وأما السنن الصغرى فأكثرها مأخوذ من الكبرى، والشيء الذي ليس في الكبرى مما هو في الصغرى قليل، فلا يقال: أيها أصح؟ لأن هذا في الغالب جزء من هذا، لكن ذاك أوسع -الذي هو السنن الكبرى- وفيها ما ليس في الصغرى، وهذا يتوقف على معرفة كل إسناد.

    سبب عدم تخريج النسائي لابن لهيعة في سننه

    السؤال: هل صحيح أن النسائي لم يخرج لـابن لهيعة ؟ وإذا كان كذلك فلماذا؟ علماً بأن أحاديث ابن لهيعة قبل احتراق كتبه مقبولة.

    الجواب: ما أذكر، لكن الذي أذكر أنه مر بنا بأسانيد يذكر أشخاصاً يقول: فلان وغيره، ويكون ذلك الغير هو ابن لهيعة، يعني: تأتي أسانيد عند النسائي يقول فيها: فلان وغيره، ثم يكون ذلك الغير المبهم هو ابن لهيعة، فلا أدري ما الوجه عند النسائي في هذا؟!

    مدى صحة القول بأن النسائي كان فيه تشيعاً

    السؤال: هل الصحيح أن النسائي فيه تشيع؟
    الجواب: قيل ذلك أو أضيف ذلك إليه، لكن كما هو معروف هو من أئمة أهل السنة، وعمدة في الحديث، وإمام في الجرح والتعديل، ومسند، وكتابه السنن هو أحد الأصول الستة التي يعول عليها أهل السنة والجماعة، وما أضيف إليه من التشيع لا أدري عن ثبوته؛ لأنه ليس كل تشيع يؤثر لو ثبت.

    إمكانية تضعيف المخضرم بمعرفة حاله

    السؤال: هل يمكن أن يكون المخضرم ضعيفاً؟
    الجواب: من حيث الإمكان يمكن، لكن هذا يتوقف على معرفة المخضرمين، هل فيهم من هو ضعيف؟ الإمكان ممكن؛ لأن الضعيف يكون في التابعين، ويكون في غير التابعين؛ لأن الناس الله تعالى فرق بينهم وفاوت بينهم، فالضعف ممكن، والمخضرمون محصورون وقليلون جداً، لكن هل فيهم من هو كذلك، يعني: بالتحديد والتعيين؟ لا أدري، وأما الإمكان ممكن؛ لأن كل شخص غير الصحابة فإنه يمكن النظر في حاله، ويكون إما ضعيف وإما ثقة، وأما الصحابة فلا يبحث عنهم، ولا يسأل عنهم، والمخضرمون هم عدد قليل أدركوا كبار الصحابة، منهم: زر بن حبيش هذا، ومنهم: أبو وائل.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #373
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (370)



    - (باب تأخير السحور) إلى (باب ذكر الاختلاف على الأعمش في خبر تأخير السحور)

    من السنة القولية والفعلية تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ لأن لتأخير السحور فوائد عظيمة منها: التقوي على طاعة الله في عبادة الصيام، فيتسحر الصائم قبل الصلاة بمقدار قراءة القارئ خمسين آية من القرآن؛ كما هو هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
    تأخير السحور وذكر الاختلاف على زر فيه

    شرح حديث حذيفة: (أي ساعة تسحرت مع رسول الله؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تأخير السحور، وذكر الاختلاف على زر فيه.أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب أخبرنا وكيع حدثنا سفيان عن عاصم عن زر قال: (قلنا لـحذيفة رضي الله عنه: أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)].
    يقول النسائي رحمه الله: تأخير السحور، هذه الترجمة كما هو واضح المراد منها: بيان استحباب تأخير السحور، وقد مر بيان الحث على السحور، وهنا أتى بما يتعلق بتأخيره، حتى يكون قريباً من الصيام فتحصل فائدته، وهي حصول التقوي على العبادة، بخلاف إذا قدم كثيراً، فإنه لا يحصل المطلوب كما ينبغي مثلما إذا أخره، ولهذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخير السحو، وتعجيل الفطر.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث، منها حديث حذيفة رضي الله عنه، وقد سئل: (أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)، وهذا اللفظ فيه إشكال، فمن العلماء من فسره كما في حاشية السندي النهار الشرعي، وهو: الذي يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو النهار الشرعي، وقوله: (إلا أن الشمس لم تطلع)، تأوله بأن المقصود من ذلك هو طلوع الفجر، لكن ذكر الشمس واضح فيه، لكن يبقى الإشكال في معناه، وذلك أن الصيام كما جاء في القرآن، وكما جاء في الأحاديث أن بدايته تكون عند طلوع الفجر كما جاء في القرآن، وكذلك أيضا جاء في السنة أنها تكون عند أذان المؤذن للنداء الثاني؛ للحديث (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، وكذلك الحديث الذي فيه: (إذا أذن المؤذن والإناء على يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)، معناه: أن الأكل والشرب ينتهي عند طلوع الفجر الثاني، وعند النداء الثاني، وذلك أن النداء نداءان، فالنداء الأول يمنع صلاة الفجر، ويحل الأكل والشرب لمن يريد أن يصوم، والنداء الثاني يبيح صلاة الفجر، ويمنع الأكل والشرب لمن يريد أن يصوم، فالأحاديث جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأن بداية الصيام عند طلوع الفجر، أو الأذان الثاني الذي هو إعلام، والذي يكون عند طلوع الفجر.
    وأما قوله: [(إلا أن الشمس لم تطلع)]، فإنه لا يستقيم من جهة أن السحور إنما تعقبه الصلاة، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه يصليها بغلس، وكان يعجل الصلاة بعد دخول وقتها، وهذا الحديث معناه: أن الصلاة تكون بعد ذلك، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يؤخر الصلاة؛ لأن الشمس لم تطلع، معناه: أنهم أكلوا إلى هذه الغاية، وأن الصلاة بعد ذلك.
    فالإشكال واضح، وهو لا يستقيم؛ ولعله إما أن يكون معلول من جهة أن عاصم بن أبي النجود، لأنه صدوق له أوهام، وهو حجة في القراءة، أو من جهة أنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومخالف لما جاء في القرآن، فلا يصح العمل بما جاء فيه من جهة أن الإنسان يأكل ويشرب إلى هذه الغاية، بل الأكل والشرب إنما يكون إلى طلوع الفجر، أو لصلاة الفجر، أي: الأذان الثاني، فإنه يجب الإمساك، ولا يجوز الأكل والشرب بعد ذلك.
    ثم النسائي رحمه الله ذكر بعد ذلك أحاديث أو آثار موقوفة على حذيفة، وفيها أنه كان رضي الله عنه يتسحر ثم يقوم إلى الصلاة، وبين توقفه عن الأكل والشرب ودخوله في الصلاة وقتاً يسيراً، وجاء أيضاً ذلك مبينا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه (كان السحور والصلاة مقدار قراءة خمسين آية)، فهذا كله يبين لنا عدم صحة ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه، وعلى تأويل السندي في الحاشية يكون لا إشكال فيه، لكن ذكر الشمس فيه، وأنه يراد بها الفجر، هذا بعيد، فالأظهر أنه على ظاهره، ولكنه معلول من جهة مخالفته لما جاء في القرآن، ولما جاء في السنة النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أن عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام، والذي نقل من طريق زر عن حذيفة: أن حذيفة رضي الله عنه تسحر وقام إلى الصلاة، وكان بين قيامه إلى الصلاة وبين سحوره وقتاً يسيراً.

    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (أي ساعة تسحرت مع رسول الله؟ قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)


    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل قد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به سفيان الثوري وليس سفيان بن عيينة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة، وقد ذكرت فيما مضى: أن الذين صنفوا في رجال الكتب الستة يعتبرون من روي له مقروناً أن روايته في الأصول، ولهذا يرمزون له برمز الأصل، ولهذا رمز لـعاصم بحرف عين، مع أن البخاري، ومسلم إنما رووا عنه مقروناً، ولم يرووا عنه استقلالاً.
    [عن زر].
    هو ابن حبيش، وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قلنا لـحذيفة بن اليمان].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة ... صلينا ركعتين وأقيمت الصلاة وليس بينهما إلا هنيهة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عدي قال: سمعت زر بن حبيش أنه قال: (تسحرت مع حذيفة رضي الله عنه ثم خرجنا إلى الصلاة فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين، وأقيمت الصلاة، وليس بينهما إلا هنيهة)].أورد النسائي الحديث عن حذيفة ولكنه موقوف، وزر يقول: إنه تسحر مع حذيفة ثم قام إلى الصلاة، وكان بين انتهائه من السحور ودخوله في الصلاة هنيهة، يعني: زمناً يسيراً، وهذا يبين لنا أن حذيفة رضي الله عنه إنما كان يتسحر على هذا الوجه الذي يخالف ما جاء في الحديث المتقدم من أنه في النهار إلا أن الشمس لم تطلع، وأن تسحره إنما كان قبل طلوع الفجر، وأنه بعدما انقضى من السحور قام إلى الصلاة، وكان بين قيامه إلى الصلاة وبين سحوره هنيهة، أي: زمناً يسيراً.


    تراجم رجال إسناد حديث: (تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة ... صلينا ركعتين وأقيمت الصلاة وليس بينهما إلا هنيهة)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر، وقد ذكرت مراراً وتكراراً أنه إذا جاء محمد بن بشار أو محمد بن المثنى يرويان عن محمد غير منسوب، أو محمد يروي عن شعبة وهو غير منسوب، فالمراد به غندر محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عدي].
    هو عدي بن ثابت، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت زر عن حذيفة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى المسجد فصلينا ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة فصلينا) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبو يعفور حدثنا إبراهيم عن صلة بن زفر أنه قال: (تسحرت مع حذيفة رضي الله عنه، ثم خرجنا إلى المسجد فصلينا ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة فصلينا)].أورد النسائي حديث حذيفة موقوفاً عليه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو يعفور].
    هو عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إبراهيم].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صلة بن زفر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة].
    وقد مر ذكره.


    قدر ما بين السحور وصلاة الصبح

    شرح حديث زيد بن ثابت: (تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر ما بين السحور وبين صلاة الصبح.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان بينهما؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: قدر ما بين السحور والصلاة، أي: المدة التي تكون بين السحور والصلاة؛ لأن السحور يكون عند وجود الأذان للصلاة، والمراد الأذان الثاني، فالمسافة التي تكون بين الأذان والإقامة، وهي التي تكون بين الامتناع عن الأكل والشرب لمن يريد أن يصوم، وذلك عند حصول الأذان الثاني، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي: المدة الزمنية التي تكون بين الأذان والإقامة، أو التي تكون بين الامتناع عن الأكل والشرب الذي يحصل عند الأذان، وبين الإقامة، وأورد حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: مقدار ما يقرأ خمسين آية).
    يعني: مقدار قراءة خمسين آية بين الأذان والإقامة، وهذا تقدير للوقت بالفعل الذي هو قراءة القرآن، فهذا هو المقدار الذي يكون بين الامتناع عن الأكل والشرب، وهو بدء النهار الشرعي وبدء الصيام، وبين الإقامة، مقدار خمسين آية، فكانوا يحددون ويقدرون الأوقات وبمقدار ما يقرأ من القرآن؛ لأن القرآن هو شغلهم الشاغل، وهو الذي يفعلونه دائما وأبدا، ولهذا يقدرون به الزمن، ولهذا قال حذيفة: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
    الحاصل: أن الامتناع عن الأكل والشرب إنما يكون عند دخول الوقت الذي يدل عليه الأذان، وأن هناك مدة بين الامتناع عن الأكل والشرب وبين الصلاة، وهي هذا المقدار الذي جاء بيانه في هذا الحديث، وهو مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية من كتاب الله عز وجل.


    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا وكيع].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن زيد بن ثابت].
    رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    ذكر اختلاف هشام وسعيد على قتادة فيه

    شرح حديث زيد بن ثابت: (تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة ... قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اختلاف هشام، وسعيد على قتادة فيه.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما أنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: زعم أن أنساً القائل: ما كان بين ذلك؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية)].
    أورد النسائي حديث زيد بن ثابت، وهو مثل الذي قبله، وفيه قوله: قلت: زعم أن أنساً القائل: ما مقدار ذلك؟ يعني ما بين الأذان والإقامة، أو بين السحور والصلاة، أن السائل هو أنس بن مالك، يعني: سأل زيداً رضي الله عنه، لكن جاء في الرواية الثانية أن المسئول هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال: قلنا لـأنس: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية، والقائل ذلك هو قتادة الذي روى عن أنس، قلنا: أي: قتادة ومن معه الذين كان يحدثهم بهذا الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (تسحرنا مع رسول الله ثم قمنا إلى الصلاة ... قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وقد مر ذكره.
    [حدثنا قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت].
    وقد مر ذكرهم.


    حديث: (تسحر رسول الله وزيد بن ثابت ... قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (تسحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزيد بن ثابت رضي الله عنه، ثم قاما فدخلا في صلاة الصبح، فقلنا لـأنس: كم كان بين فراغهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة تسحر زيد بن ثابت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه إلى الصلاة، وأن بين سحوره وبين قيامه إلى الصلاة مقدار ما يقرأ الإنسان خمسين آية، فهو مثل ما تقدم، وفيه أن المسئول عن المقدار هو أنس بن مالك رضي الله عنه.
    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].
    هو أحمد بن مقدام، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث، وقد مر ذكره.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة عن أنس].
    وقد مر ذكرهما.


    ذكر الاختلاف على سليمان بن مهران في حديث عائشة في تأخير السحور واختلاف ألفاظهم


    شرح حديث: (قلت لعائشة: فينا رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على سليمان بن مهران في حديث عائشة رضي الله عنها في تأخير السحو، واختلاف ألفاظهم.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سليمان عن خيثمة عن أبي عطية أنه قال: قلت لـعائشة رضي الله عنها: (فينا رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدهما: يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر: يؤخر الإفطار ويعجل السحور. قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قلت: عبد الله بن مسعود، قالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع)].
    أورد حديث عائشة رضي الله عنها في تأخير السحور، وأن هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد النسائي فيه حديث أبي عطية، أنه جاء إلى عائشة رضي الله عنها وسألها، وقال: (فينا رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والثاني يعجل السحور، ويؤخر الإفطار، فقالت: من الذي يقدم الإفطار، ويؤخر السحور؟ فقال: عبد الله بن مسعود، فقالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع). أي: أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه هو تعجيل الإفطار وتأخير السحور، فهو دال على الترجمة من حيث تأخير السحور، وأن هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (قلت لعائشة: فينا رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن سليمان].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، لقبه الأعمش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خيثمة].
    هو خيثمة بن عبد الرحمن الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عطية].
    هو مالك بن عامر الوادعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.


    حديث: (فينا رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية أنه قال: قلت لـعائشة رضي الله عنها: (فينا رجلان أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الفطر ويعجل السحور. قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قلت: عبد الله بن مسعود. قالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن خيثمة عن أبي عطية عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.


    حديث: (رجلان من أصحاب رسول الله ... أحدهما يؤخر الصلاة والفطر ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا حسين عن زائدة عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية أنه قال: (دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها، فقال لها مسروق: رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلاهما لا يألو عن الخير: أحدهما يؤخر الصلاة والفطر، والآخر يعجل الصلاة والفطر، فقالت عائشة رضي الله عنها: أيهما الذي يعجل الصلاة والفطر؟ قال مسروق: عبد الله بن مسعود. فقالت عائشة رضي الله عنها: هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها، وابن مسعود رضي الله عنه هو الذي يعجل الصلاة والفطر، أي: أنه يبادر إلى الإفطار عند غروب الشمس، ولا يؤخر الإفطار ولا الصلاة.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حسين].
    هو حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    هو ابن قدامة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمارة].
    هو عمارة بن عمير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عطية].
    أبو عطية، وقد مر ذكره.
    [ومسروق].
    مسروق ليس من رجال الإسناد، وإنما أبو عطية كان مع مسروق فدخلوا على عائشة وسألها، والذي يروي في الإسناد هو أبو عطية، ومسروق هو ابن الأجدع، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكنه ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء ذكره لأنه كان معه لما دخل على عائشة.

    شرح حديث عائشة: (رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية أنه قال: (دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقلنا لها: يا أم المؤمنين! رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحدهما: يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، فقالت: أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قلنا: عبد الله بن مسعود. قالت: هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر أبو موسى رضي الله عنهما)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم، وفيه أنهم سألوا جميعاً، وفي بعض الروايات المتقدمة: أن الذي سأل مسروق، وفي بعضها: أن الذي سأل أبو عطية، وهذه الرواية الأخيرة فيها الجمع بينهما، وأن السؤال حصل منهما جميعاً، وأنه أحياناً ذكر أن السائل مسروق وهو سائل بالفعل، وفي بعضها أنه أبو يعفور وهو سائل بالفعل، وفي هذه الرواية أنهم سألوا جميعاً، فالجمع بين كون السائل مسروق، وأبو عطية أنهما سألا جميعاً، وجاء في بعض الروايات إسناد السؤال إلى أحدهما، لكن لا تنافي بين إسناده إلى هذا وإلى هذا؛ لأن السؤال حصل من الجميع.


    تراجم رجال إسناد حديث: (رجلان من أصحاب رسول الله أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة

    مدى صحة نسبة الإمام النسائي إلى التشيع


    السؤال: عند مطالعتي لكتاب تهذيب الكمال في ترجمة الإمام النسائي رحمه الله، نقل رواية عن الإمام الحافظ ابن عساكر بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القادسي، قال: سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة. أفلا تدل هذه العبارة العظيمة على تبرئته مما رمي به من التشيع؟


    الجواب: هذا بلا شك يدل على سلامته من التشيع، لكن إذا حصل منه تشيع، فهو التشيع الذي لا يؤثر؛ لأن نسبة بعض العلماء الثقات الأثبات إلى التشيع، وهم إما برآء منه، أو أنه التشيع الذي لا يؤثر، فكون اعتقاد أن علياً أفضل من عثمان، فهذا لا يؤثر؛ لأنه جاء عن جماعة من العلماء تفضيل علي على عثمان، ومنهم: عبد الرزاق، والأعمش، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وكل هؤلاء من الأئمة الأجلة، وهذا اعتبره بعض العلماء تشيعاً، ولكن ذلك لا يؤثر، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية: أن تقديم علي على عثمان في الفضل ليست من المسائل التي يبدع فيها، وإن كان المعروف عن أهل السنة أن عثمان أفضل من علي، إلا أن القول بتفضيل علي على عثمان لا يبدع قائله، وإنما الذي يبدع قائله هو من قال: أن علياً أولى منه في الخلافة؛ لأنه خلاف ما اتفق عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين قدموا عثمان على علي رضي الله تعالى عن الجميع، والمشهور عن أهل السنة أن عثمان أفضل من علي، وأن ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ولا شك أن هذه كلمة عظيمة التي نقلت عن النسائي في معاوية، ومن المعلوم أن الشيعة الرافضة، وغير الرافضة يشتركون في سب معاوية، وفي النيل منه، فمن يتبرأ من النيل من معاوية يدل على سلامته من هذا الوصف، وسبق أن ذكرت فيما مضى: أن أبا نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، أنه كان يرمى بالتشيع، وقد نقل عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية. وهذا يستدل به على سلامته مما رمي به؛ لأن الشيعة بما فيهم الزيدية الذين هم أخف من غيرهم، ينالون من معاوية، ويسبونه ويشتمونه، وإن كانوا لا ينالون من أبي بكر، وعمر كما تفعل الرافضة، إلا أنهم يشتركون في معاوية رضي الله عنه، فمن سلمه الله، أو سلم لسانه وقلبه من أن يقع في قلبه شيء في حق معاوية رضي الله عنه، فهذا يدل على سلامته في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم.

    مدى صحة نسبة كتاب الروح لابن القيم بما فيه من عبارات ومنامات غير محققة

    السؤال: كتاب الروح، هل هو من تأليف العلامة ابن قيم الجوزية؟ وما هو قولكم في احتوائه على حكايات، وخرافات عديدة، وبعض الأقوال للصوفية؟

    الجواب: نعم من تأليفات ابن القيم، وقد نقل عنه العلماء، ولا شك أن فيه كلمات وعبارات ومنامات وأشياء ليس فيها التحقيق المعروف عن ابن القيم، فلعل هذا الكتاب كان من أول ما كتب، أو في أوائل ما كتب، ففيه أشياء منكرة، وفيه أشياء ليس فيها تحقيق، وأذكر على سبيل المثال: أنه في كتاب الروح لما جاء عند ذكر النفس والروح، وبيان ما يطلقان عليه، قال: إن النفس يطلق على الدم، ثم قال: وفي الحديث: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه! فاعتبره حديثاً وأطلق عليه أنه حديث، مع أنه في كتاب زاد المعاد لما جاء عند مسألة الذباب وغمسه في الماء إذا وقع فيه، أو في الطعام؛ لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وأنه يغمس حتى يأتي الشفاء مع الداء فيزيل الداء، ذكر أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وقال: من جهة أن فيه أمر بغمس الذباب، وقد يكون الماء حاراً، فإذا غمس فيه مات، فيكون الذباب وهو ليس له نفس سائلة -يعني: ليس فيه دم- لا ينجس الماء إذا مات فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه، ثم قال: وقد قال إبراهيم النخعي الذي مر علينا في الإسناد إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وقد قال ابن القيم: وأول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فهو يقول: أن هذه العبارة من عبارات إبراهيم النخعي، وفي الروح يقول: في الحديث، فالكتاب فيه أشياء من حكايات ومنامات تفتقر إلى التحقيق كما في هذا المثال الذي أشرت إليه.

    توجيه مخالفات الذهبي للحاكم في المستدرك

    السؤال: إن الحافظ الذهبي علق على بعض الأحاديث في المستدرك، ونجد بعض أهل العلم من بعد الذهبي إلى يومنا هذا يقولون خلاف ما قال، ويوافقونه في بعض ما قال، فهل هذا دليل على أن الذهبي رحمه الله لم يتتبع أحاديث المستدرك تتبعاً جيداً يسلم له فيه، أم أنه قصد الاختصار وعدم التدقيق؟


    الجواب: هو لا شك أنه تلخيص، ولكنه أحياناً يوافق فيقول: صحيح، وأحياناً يخالف فيقول: لا، يعني الحاكم قال كذا، ثم يقول: لا ليس الأمر كذلك، بل فلان هو كذا وكذا، فالحاصل أن كتاب الذهبي رحمة الله عليه هو طبعاً كتاب تلخيص، فالشيء الذي وافق فيه يقال فيه: صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأحياناً يصحح الحاكم، ويعارض الذهبي هذا التصحيح ويخالفه ويقول: لا، مثل: أحيانا يقول الحاكم: على شرط الشيخين، ويقول الذهبي: فلان ليس على شرطهما، أو فلان ليس على شرط فلان، وفلان لم يخرج له فلان، فهو وهم من الحاكم، وأحياناً يقول: لا ليس صحيحاً، بل هو كذا وكذا.

    دلالة إقامة القصاص بين البهائم يوم القيامة مع أنها غير مكلفة

    السؤال: الحديث الذي في صحيح مسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، ومن المعلوم بالإجماع أن البهائم لا تكليف عليها، فكيف يقاد لهذه وهذه؟

    الجواب: هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحصول هذا الشيء فيه أن المخلوقين سيجري العدل بينهم، وسيحصل العدل والقصاص بينهم، كما أن هذه المخلوقات التي هي غير مكلفة يقتاد لبعضها من بعض، فإن صاحب الحق لا يفوته حقه ولا يضيع، بل سيحصل على حقه، فيعلم أن الله سبحانه وتعالى يمكنه من حقه، ومن ظلم فإنه يحذر الظلم، ويبتعد عنه حتى لا يحصل أن يقاد منه، وذلك إنما هو بالحسنات، كما جاء في حديث: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم عنده ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار)، فهذا فيه إظهار كمال عدل الله عز وجل، وأن الله تعالى لا يضيع عنده شيء، وأن المظلوم سينصف من الظالم، وأن الظالم سيؤخذ منه الحق، وأن على الظالم أن يتنبه وأن يحذر الظلم حتى لا يعرض نفسه لأن تؤخذ حسناته وتعطى للناس الآخرين؛ لأن الناس يوم القيامة ليس عندهم أموال كما هو شأنهم في الدنيا، وإنما الذي عندهم هي الحسنات والسيئات.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #374
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (371)



    - (باب فضل السحور) إلى (باب تأويل قوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض...)

    بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل السحور، وأنه بركة، وأنه فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، كما استحب تأخير السحور حتى يكون بينه وبين الفجر قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
    فضل السحور

    شرح حديث: (إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل السحور.أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي قال: سمعت عبد الله بن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتسحر، فقال: إنها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تدعوه)].
    يقول النسائي رحمه الله: فضل السحور. مقصود النسائي رحمه الله من هذه الترجمة هو: بيان أن كون الإنسان يتسحر إذا أراد أن يصوم، وأن في ذلك فضل، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك، وقد مر جملة من الأحاديث التي فيها قوله عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وقد أورد هنا النسائي حديث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [(أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر، فقال: إنها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تدعوه)]، أي: أن السحور بركة أعطاكم الله عز وجل إياها فلا تدعوه، وأعطاكم الله إياها، إما أن يكون خاصة بها، أو أنه ندبكم إليها، [(فلا تدعوه)]، أي: لا تدعوا أكلة السحور، بل احرصوا عليها، وأتوا بها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث الكثيرة المتعددة الدالة على فضل السحور، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له النسائي من الترغيب؛ لأنه أولا قال: [(إنها بركة أعطاكم الله إياها)]، وفي آخر الحديث قال: [(فلا تدعوه)]، أي: لا تدعوا السحور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج، شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الحميد صاحب الزيادي].
    هو ابن دينار، عبد الحميد بن دينار صاحب الزيادي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [سمعت عبد الله بن الحارث].
    هو الأنصاري البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [يحدث عن رجل].
    يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل مبهم لم يسم، ومن المعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، والمجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول عرفوا أو لم يعرفوا، وذلك لتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يكتفي العلماء والمحدثون عندما يترجمون للأشخاص إذا كان رجل صحابيا، فإنهم ينصون على صحبته، يعنون بذلك أنه يكفيه شرفا، وفضلا، ونبلا أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يقال: إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجميع رجال الإسناد لا بد من معرفة أحوالهم إلا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإن معرفتهم لا تلزم، ولا تتعين؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    دعوة السحور

    شرح حديث: (هلموا إلى الفداء المبارك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [دعوة السحور.أخبرنا شعيب بن يوسف بصري، حدثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان، وقال: هلموا إلى الغداء المبارك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: دعوة السحور، أي: الدعوة إليه، والمشاركة فيه، أو الحث عليه، والدعاء إليه، هذا هو المقصود بالدعوة، وليس المقصود به دعاء، وإنما المقصود به دعوة إليه، ولهذا جاء في الحديث قال: [(هلموا إلى الغداء المبارك)]، أي: أقبلوا، وتعالوا إلى الغداء المبارك، فهي دعوة إليه من أجل أكله، والمشاركة فيه.
    يقول العرباض بن سارية: ](سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان، يقول: هلموا إلى الغداء المبارك)]، لأن قوله: [(هلموا)]، هو تفسير لقوله: [(يدعو إلى السحور في رمضان فيقول: هلموا إلى الغداء المبارك)]، فهذا هو المقصود بالدعوة، أي: أنها دعوة إليه، وطلب الإقدام عليه، والمشاركة في الأكل، [(هلموا إلى الغداء المبارك)]، ثم أيضا فيه تسميته بأنه غداء، ووصفه بأنه مبارك، فقيل له: الغداء؛ لأنه يكون في الغداة، فهو غداء وليس عشاء، العشاء يكون في العشي، والغداء يكون في الغداة، فوصفه رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه غداء، وأنه غداء مبارك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (هلموا إلى الغداء المبارك)

    قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وقد تقدم.
    [عن معاوية بن صالح].
    هو معاوية بن صالح بن حدير الحمصي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يونس بن سيف].
    مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن الحارث بن زياد].
    لين الحديث، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي أيضا.
    [عن أبي رهم].
    هو أحزاب بن أسيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، أبو رهم، مشهور بكنيته، واسمه أحزاب بن أسيد.
    [عن العرباض بن سارية].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.


    تسمية السحور غداء

    شرح حديث: (عليكم بغداء السحور، فإنه هو الغداء المبارك) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تسمية السحور غداء.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن بقية بن الوليد أخبرني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: [(عليكم بغداء السحور، فإنه هو الغداء المبارك)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تسمية السحور غداء. وأورد فيه حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(عليكم بالسحور فإنه هو الغداء المبارك)]، ففيه حث على السحور، وترغيب فيه، ووصف بأنه غداء، وأنه مبارك، والمقصود من الترجمة تسمية السحور بأنه غداء، والحديث الذي مر قبل هذا، هو أيضا يدل على ذلك، يدل على هذه الترجمة، حديث العرباض بن سارية المتقدم، فيه وصف السحور بأنه غداء مبارك، وهنا حديث المقدام بن معد يكرب وفيه وصفه بأنه غداء مبارك، وما ترجم له المصنف من تسمية السحور غداء، دل عليه هذا الحديث، والحديث الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (عليكم بغداء السحور، فإنه هو الغداء المبارك) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بقية بن الوليد].
    صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقا، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني بحير بن سعد].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن معدان].
    ثقة، يرسل كثيرا، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المقدام].
    هو المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (هلم إلى الغداء المبارك، يعني: السحور) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن ثور عن خالد بن معدان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: (هلم إلى الغداء المبارك، يعني: السحور)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى مرسلة [عن خالد بن معدان، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (هلم إلى الغداء المبارك، يعني: السحور)]، وهو مثل ما تقدم، فيه تسمية السحور غداء، وهناك الذي تقدم عن خالد بن معدان متصل، وهنا مرسل؛ لأن خالد بن معدان تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحديثه مرسل، ولهذا قال: ثقة، يرسل كثيرا، وهذا من الإرسال؛ لأن إضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل عند المحدثين، وهو كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقد يطلق المرسل أيضا على غير ذلك، على ما هو أعم من هذا، وهو كون الإنسان يروي عمن لم يلقه ولم يدرك عصره، فإن هذا أيضا من قبيل المرسل، ولهذا يأتي في بعض الرواة الذين هم في زمن المتأخر، وليسوا من التابعين، ولا من أتباع التابعين يقولون: يرسل، أو يرسل ويدلس، أو يرسل كثيرا، أو كثير الإرسال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (هلم إلى الغداء المبارك، يعني: السحور) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وقد تقدم.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ثور].
    هو ثور بن يزيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد بن معدان].
    ثقة، يرسل كثيرا، وقد تقدم.


    فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب

    شرح حديث: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن موسى بن عُلي عن أبيه عن أبي قيس عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور)].
    يقول النسائي رحمه الله: [فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب]. الفصل هو: الميزة أو الفاصل الذي يفصل بيننا وبينهم، وفصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقد أورد النسائي حديث [عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور)]، أي: أن هذه الميزة التي نتميز بها عن أهل الكتاب أننا نتسحر، وهم لا يتسحرون، ومن المعلوم الفوائد الكبيرة التي تترتب على السحور، يعني: ما فيه من التقوية لبدن الإنسان، وجسم الإنسان على الأعمال في النهار، وعدم وجود ما يدعو إلى الخمول والكسل، وهو الجوع، فإن الإنسان إذا أكل يتقوى على العبادة في النهار على الصيام وعلى غير الصيام، بخلاف إذا لم يأكل، فإنه يحصل له شيء من الكسل والخمول بسبب الجوع وعدم الأكل، وكونه خاوي البطن، يحصل له بسبب ذلك خمول وكسل، ففصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن موسى بن علي].
    هو موسى بن علي بن رباح، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو علي بن رباح، علي وهو بالصغير، ويقال: عَلي، لكن المشهور أنه عُلي بالتصغير، ويقال: إنه كان يغضب منها، أي: كونه يقال له: عُلي وهو عَلي، لكن المشهور بأنه عُلي، فهو عُلي بن رباح، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة كابنه.
    [عن أبي قيس].
    هو عبد الرحمن بن ثابت مولى عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن العاص].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


    السحور بالسويق والتمر


    شرح حديث زيد بن ثابت: (إني قد شربت شربة سويقٍ وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه ...)


    [ السحور بالسويق والتمر.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك عند السحور: (يا أنس
    ! إني أريد الصيام أطعمني شيئاً، فأتيته بتمرٍ وإناءٍ فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال ، فقال: يا أنس ! انظر رجلاً يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت فجاء، فقال: إني قد شربت شربة سويقٍ وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة) ].أورد النسائي السحور بالتمر والسويق، يعني: كون الإنسان يتسحر بالتمر والسويق، وأورد النسائي هذه الترجمة من أجل أنه جاء في الحديث ذكر السويق وذكر التمر، ذكر السويق في فعل زيد بن ثابت رضي الله عنه، حيث أخبر بأنه تسحر أو أكل أكلة سويق، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتسحر بالتمر، وطلبه أن يتسحر معه فأكل معه من التمر، فترجم بالسويق والتمر؛ لأنه ورد في هذا الحديث ذكر السويق والتمر، والمقصود أن الإنسان يتسحر بما يتيسر، والرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أنس بن مالك رضي الله عنه أن يأتيه بطعام؛ لأنه يريد أن يتسحر، فأتى له بتمرٍ وإناءٍ فيه ماء، ثم طلب منه أن يبحث عن أحدٍ يأتي يشاركه في الأكل، فأتى بـزيد بن ثابت ، وإذا زيد بن ثابت كان يريد السحور وقد تسحر، وأكل أكلة سويق، فجاء إليه وأكل معه، أي: من التمر، [(وتسحر معه)]، أي: أكل معه من التمر الذي يتسحر به صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم صلى ركعتين وقام إلى الصلاة، يعني: أنه بعدما انتهى السحور صلى ركعتي الفجر، ثم قام إلى الصلاة التي هي الصلاة المفروضة، يعني: أنه حصل الإمساك عند طلوع الفجر، وعند الوقت الذي يكون به دخول الوقت، أو عند حصول الأذان كما جاء بذلك الحديث: (إن بلالاً
    يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، وفي الحديث هنا قال: [بعدما أذن بلال]، أي: الأذان الذي هو قبل طلوع الفجر، وكان يتسحر، ثم عند الأذان الثاني الذي يكون عند طلوع الفجر يكون الإمساك، وقد مر في الحديث أن بين الإمساك عن الأكل الذي هو عند الأذان الثاني، وبين الإقامة والدخول في الصلاة، مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية من القرآن.[عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك عند السحور: (يا أنس
    ! إني أريد الصيام أطعمني شيئاً)].هذا فيه أنها نافلة؛ لأنه تطوع؛ لأن قوله: (أريد الصيام)، يعني: يريد أن يصوم، وإلا فإنه في شهر رمضان كل الناس يصومون، وكل مسلم يصوم، ولكن هنا وجد ما يفيد أو يشعر بأنه تطوع.
    قال: [(فأتيته بتمرٍ وإناءٍ فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال
    )].يعني: الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، الأذان الذي يحل الأكل والشرب لمن يريد أن يصوم، ويحرم صلاة الفجر؛ لأنه ما جاء الوقت؛ لأن المقصود منه الاستعداد والتهيؤ للصلاة، وحتى من يكون مشتغلاً في الصلاة، فإنه يستريح قليلاً استعداداً للصلاة، ومن يكون نائماً يستيقظ حتى يتهيأ للصلاة، وإذا كان يريد أن يصوم يتسحر، وذلك عندما أذن بلال .
    قال: [(فقال: يا أنس
    ! انظر رجلاً يأكل معي)].وهذا بيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الكرم، ومن الإحسان والجود، وأنه كان يحب أن يشارك في أكله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فجاء أو أتى بـزيد بن ثابت رضي الله عنه.
    قال: [(فدعوت زيد بن ثابت
    فجاء، فقال: إني قد شربت شربة سويقٍ وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة)].وهذا معناه أنه أكل مرتين، أكل أولاً السويق، وقد استعمله استعداداً للصيام، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم دعاه ليأكل معه، فأكل معه التمر، فتسحر مرتين: المرة الأولى كان على حدة حيث أكل السويق، والذي يتسحر به، والأكلة الثانية مشاركته للنبي صلى الله عليه وسلم في سحوره، وهو التمر الذي كان يتسحر به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (إني قد شربت شربة سويقٍ وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي ، وهو ثقةٌ، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدثٌ فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [قال: أخبرنا عبد الرزاق ].
    عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال: أخبرنا معمر بن راشد ].
    هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أنس ].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المشهورين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    تأويل قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض...)


    شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تأويل قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )[البقرة:187].قال: أخبرني هلال بن العلاء بن هلال ، قال: حدثنا حسين بن عياش ، قال: حدثنا زهير ، قال: حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: (أن أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئاً، ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس، حتى نزلت هذه الآية: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )[البقرة:187] إلى ( الْخَيْطِ الأَسْوَدِ )[البقرة:187]، قال: ونزلت في أبي قيس بن عمرو أتى أهله وهو صائمٌ بعد المغرب، فقال: هل من شيء؟ فقالت امرأته: ما عندنا شيء، ولكن أخرج ألتمس لك عشاء، فخرجت ووضع رأسه فنام، فرجعت إليه فوجدته نائماً وأيقظته، فلم يطعم شيئاً وبات وأصبح صائماً حتى انتصف النهار فغشي عليه، وذلك قبل أن تنزل هذه الآية)، فأنزل الله فيه ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي [تأويل قول الله عز وجل: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )[البقرة:187] ]، تأويل، أي: تفسير قول الله عز وجل، يعني أن المراد بالخيط الأسود والخيط الأبيض سواد الليل وبياض النهار، وأنه يتبين الليل من النهار بطلوع الفجر، وهو الفجر الصادق الذي يعترض في الأفق ثم يتزايد حتى تطلع الشمس، فالمقصود من الترجمة تفسير الخيط الأبيض والخيط الأسود، وأنه سواد الليل، وبياض النهار، والتأويل المراد به التفسير؛ لأنه يأتي بمعنى التفسير، والذي يستعمل ذلك كثيراً ابن جرير رحمة الله عليه، فإنه يعبر بهذه العبارة كثيراً فيقول: تأويل قول الله عز وجل كذا، فيعبر بها بكثرة، والمقصود بها التفسير والإيضاح والبيان، (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )[آل عمران:7] ، يعني: المقصود به التفسير؛ لأن قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ )[آل عمران:7] ، إما أن يراد به التفسير فيكون (الراسخون في العلم) معطوفون على (الله)، أي: أن الله يعلم تأويله، أي: تفسيره، والراسخون في العلم يعلمون تفسيره، وأما إذا كان مقصوده ما يئول إليه الأمر من الحقيقة، فإن ذلك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فالتأويل هنا المراد به التفسير، وقد أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي بين فيه أنهم كانوا في أول الأمر إذا صام الإنسان ثم جاء الليل ولم يأكل شيئاً ونام، فإنه لا يحل له أن يأكل ويشرب ويجامع في ليلته تلك، بل يصل الصيام باليوم الذي وراءه، وبعد ذلك نزل القرآن في ذلك، وأنهم يأكلون ويشربون حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وأنه لا مانع من ذلك، ولو ناموا ثم استيقظوا، فإن لهم أن يأكلوا إلى طلوع الفجر الثاني.
    ثم بين أن سبب نزول ذلك أن أحد الصحابة، وهو أبو قيس بن عمرو جاء إلى أهله وكان صائماً، وطلب منهم أن يقدموا له عشاءً، فقالوا: إنه ليس عندهم شيء، ولكنهم يبحثون له، فخرجت امرأته تبحث له عن عشاء، فجاءت وقد نام، فأيقظته فلم يأكل؛ لأنه ليس له ما يأكل، فاستمر في صيام اليوم الذي يليه حتى غشي عليه، يعني في أثناء النهار من شدة الجوع، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وأبيح لهم أن يأكلوا ويشربوا حتى يطلع الفجر الذي هو الفجر الثاني، سواءً ناموا قبل أن يأكلوا، أو أكلوا وناموا، فالله تعالى رخص لهم من غروب الشمس إلى طلوع الفجر أن لهم أن يأكلوا فيما بين ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...)


    قوله: [أخبرني هلال بن العلاء بن هلال ].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [قال: حدثنا حسين بن عياش ].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [قال: حدثنا زهير ].
    هو زهير بن معاوية بن حديج الحمصي، وهو ثقةٌ، إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بأخرة، وحديثه عن أبي إسحاق أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسماع زهير بأخرة كما ذكرنا، لكن الحديث جاء من طرق متعددة.
    [عن أبي إسحاق ].
    وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، مشهورٌ بكنيته أبو إسحاق ، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب ].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابيٌ ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عدي بن حاتم في سؤاله عن الخيط الأبيض والأسود

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا علي بن حجر ، قال: حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )[البقرة:187]؟ قال: (هو سواد الليل وبياض النهار) ].ثم أورد النسائي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وفيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخيط الأبيض والخيط الأسود في الآية، فبين له صلى الله عليه وسلم أنه سواد الليل وبياض النهار، وهذا فيه تبيين السنة للقرآن، وأن السنة تبين القرآن وتفسره وتدل عليه، ففيه تأويل الآية وتفسيرها، وأن المقصود بالخيط الأسود والخيط الأبيض هو الليل والنهار، فالخيط الأبيض الذي هو النهار، والخيط الأسود الذي هو الليل، ففيه بيان السنة للقرآن، وفيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من سؤالهم إياه عما يشكل عليهم، كما حصل من عدي بن حاتم رضي الله عنه حيث سأل عن الخيط الأبيض والخيط الأسود في الآية الكريمة.

    تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم في سؤاله عن الخيط الأبيض والأسود

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر ].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ، ثقةٌ حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
    [قال: حدثنا جرير ].
    هو جرير بن عبد الحميد ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف ].
    هو مطرف بن طريف الكوفي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي ].
    هو عامر بن شرحبيل ، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عدي بن حاتم ].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


    الأسئلة

    تحديد وقت السحور بعد الأذان الأول

    السؤال: هل وقت تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان الأول هو تحديد للسحور؟

    الجواب: لا ليس تحديداً؛ أن السحور لا يكون إلا في ذلك، ولكن كون السحور يؤخر، هذا هو المستحب، وهذا الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من ذلك أن الإنسان لا يأكل قبل الأذان الأول، فله أن يأكل، لكن تأخير السحور هو المستحب وهو السنة التي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا إخبارٌ عما حصل.

    تعريف السويق

    السؤال: ما هو السويق؟
    الجواب: السويق هو دقيق يوضع في الماء ويطبخ على النار، فيكون سويقاً.

    السبب في قول: (قال: حدثنا) عند قراءة الإسناد مع عدم وجود (قال) خطاً


    السؤال: لماذا نقول عند قراءة الأسانيد: قال حدثنا، مع أن قال ونحوها غير ثابتة في السند؟
    الجواب: هذه العبارات يؤتى بها لفظاً ولا تثبت خطاً، مثل كلمة: قال حدثنا، فإن قال ما تأتي قبل حدثنا مكتوبة، لكنه يؤتى بها نطقاً ولا تكتب خطاً.

    حكم التقصير في مراتب الإنكار

    السؤال: بالنسبة لمراتب إنكار المنكر، وهي اليد ثم اللسان ثم القلب، هل يجوز الانتقال إلى مرتبة أقل مع القدرة على المرتبة الأعلى، كالذي ينكره بقلبه وهو يستطيع أن يغير بلسانه؟ وهل هو آثم؟

    الجواب: نعم، الإنسان الذي عنده قدرة على مرتبةٍ أعلى ثم لا يأتي بها لا شك أنه مقصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل المراتب على هذا الترتيب، أولاً باليد، فالذي عنده قدرة على اليد يغير باليد لا ينتقل إلى اللسان، والذي عنده قدرة على التغيير باللسان ما يكفي أنه ينكر بقلبه ويتأثر بقلبه، بل عليه أن يتكلم بلسانه، وأن يبين بلسانه، فالإنسان الذي ينتقل إلى الدرجة الأخيرة وعنده القدرة على الدرجة التي قبلها، لا شك أنه مقصر.

    حكم تغيير الشيب

    السؤال: تغيير الشيب هل هو من السنة؟
    الجواب: نعم، من السنة تغيير الشيب بالحناء والكتم بغير السواد، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وبالنسبة لي أنا فأنا ما غيرت؛ لأنه يوجد عندي شعرات سود، لم يصر شعري كله أبيض، فإذا وصلت إلى هذه الغاية إن شاء الله أغير.

    حكم الأذان الأول للجمعة

    السؤال: ما حكم الأذان الأول للجمعة؟
    الجواب: الأذان الأول كما هو معلوم أتى به عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، والمقصود منه التهيؤ للصلاة والاستعداد لها، فهو حق وسنة، وهو من سنة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وفعله للحاجة رضي الله عنه وأرضاه، وفي زمن عمر رضي الله عنه وأرضاه حصل له قصة، وهي أنه جاء وعمر يخطب على المنبر، فدخل قال: أي ساعةٍ هذه؟ فقال عثمان : إنني كنت في عمل فما شعرت إلا بالأذان، فما زدت على أن توضأت فجئت، قال: وهذه أيضاً، يعني كونه أيضاً ما اغتسل، فلما جاء في زمن خلافته رضي الله عنه أتى بهذا الأذان الذي يجعل الناس يتهيئون، وهو مثل الأذان الأول في الفجر؛ لأن الأذان الأول هو تهيؤ لصلاة الفجر، وهذا تهيؤ لصلاة الجمعة، واستعداد لها، وجاء في بعض الآثار إطلاق الأذان الثالث، وقد مر بنا في سنن النسائي أطلق عليه الأذان الثالث، وهو بالنسبة للإقامة أذان ثالث؛ لأن الإقامة أذان، والأذان الذي يكون بين يدي الخطيب وهو على المنبر أذان، وهذا الذي يكون قبل ذلك الوقت ليستعد الناس للصلاة هو أذان، فجاء في سنن النسائي كما مر بنا الأذان الثالث، أي: بالنسبة للإقامة تعتبر أذاناً ثالثاً، كما أن الأذان الذي يكون عند دخول الوقت بالنسبة للإقامة هو أذان أول، قد قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، أي: الأذان والإقامة.

    دعوى تحريم خطبة الجمعة بغير سورة ق

    السؤال: ما حكم من قال: إنه لا تجوز الخطبة في كل جمعة إلا بسورة ق؟

    الجواب: هذا ليس بصحيح، لكن كون سورة ق يؤتى بها في الخطبة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا شك أن هذا أمرٌ طيب، لكن كونه لا تصح الخطبة إلا بـ(ق)، هذا ليس بصحيح.

    تعيين سفيان في سند حديث باب تسمية السحور غداء

    السؤال: قال النسائي في باب تسمية السحور غداء: عن عبد الرحمن عن سفيان عن ثور ، ألا يكون سفيان في هذا الإسناد يراد به ابن عيينة ، علماً بأن لهم نفس التلاميذ والشيوخ؟

    الجواب: ما أدري، لكن ينظر من هو الذي روى عنه عبد الرحمن ، وعلى كل حال فهو لا يؤثر، سواءً كان هذا أو هذا، فالإسناد كيفما دار فهو دائر على ثقة.

    الأولى بين تقديم الزواج أو طلب العلم

    السؤال: إذا لم يستطع الإنسان أن يجمع بين الزواج وطلب العلم الشرعي، فأيهما يقدم وهو يستطيع أن يصبر؟

    الجواب: إذا كان يستطيع الزواج فلا ينبغي له أن يؤخره، والعلم يطلبه في أي وقت؛ لأن طلب العلم يكون في أي وقتٍ، لكن الزواج إذا سنحت له الفرصة لا ينبغي له أن يؤخره، وهو يعين على العلم، وليس سبباً في عدم تحصيل العلم، بل هو سببٌ في تحصيله، فمن أسباب تحصيل العلم أن الإنسان يكون متزوجاً، فيهدأ ولا ينشغل باله بالزواج، وبما يتعلق به.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #375
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (372)

    - (باب كيف الفجر) إلى (باب الاختلاف على محمد بن إبراهيم في خبر التقدم قبل شهر رمضان)

    جعل الله لكل العبادات زماناً معيناً بأشياء مشاهدة، ومن ذلك الصيام، فهو يبدأ عند دخول الفجر الصادق، فيمتنع الصائم عن سائر المفطرات. وأيضاً جعل العبادات معلومة ومقدرة، فلا يسبق رمضان بيوم أو يومين إلا أن تكون عادة الشخص صيام ذلك اليوم.

    كيفية الفجر


    شرح حديث: (... وليس الفجر أن يقول هكذا وأشار بكفه ولكن الفجر أن يقول هكذا وأشار بالسبابتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الفجر.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن بلالاً يؤذن بليل لينبه نائمكم ويرجع قائمكم، وليس الفجر أن يقول هكذا -وأشار بكفه- ولكن الفجر أن يقول هكذا، وأشار بالسبابتين)].
    يقول النسائي رحمه الله: كيف الفجر. والمقصود من هذه الترجمة هو معرفة الكيفية التي يعرف بها الفجر؛ أي: الفجر الصادق الذي يحل معه أداء صلاة الفجر، ويحرم معه الأكل والشرب لمن يريد أن يصوم، فهذا هو المقصود بالفجر الذي ترجم له النسائي. والفجر فجران: فجر كاذب؛ وهو الذي يظهر مستطيلاً في السماء ثم يتلاشى ويعقبه ظلمة. أما الفجر الصادق فهو الذي يظهر معترضاً في الأفق، ثم يتزايد الضياء حتى تطلع الشمس، وبحصوله يدخل وقت صلاة الفجر، ويمنع الأكل والشرب في حق من يريد أن يصوم. وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: [إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم]، أي: يوقظ من كان نائما ليتهيأ للصلاة، ويستعد لصلاة الفجر، وكذلك إذا كان يريد أن يصوم فإنه يستعد لذلك بالسحور والأكل والشرب، وكذلك إذا كان الإنسان لم يحصل منه الوتر فإنه يوتر في ذلك الوقت؛ لأن الأذان الأول بعده ليل وليس بعده الفجر، وإنما بعده آخر الليل ونهاية الليل، فهو محل للأكل والشرب، ومحل لأداء صلاة الوتر، وليس محلاً لأداء صلاة الفجر، فهو يوقظ النائم ليستعد ويتهيأ، ويتدارك ما يخشى أن يفوت عليه من أداء الوتر إذا كان لم يوتر، ويرجع القائم الذي كان يشتغل في الصلاة، ويستغل في العبادة، فإنه يجعله يستريح فترة وجيزة يستعد بعدها لأداء صلاة الفجر.
    [وليس الفجر بأن يقول: هكذا، وأشار بكفه]، المقصود من ذلك: الفجر الكاذب الذي يكون فيه ضياء، وهو مستطيل في السماء، ويعقبه ظلمة، وأشار بكفه، ولعله إشارة إلى امتداده في السماء دون اعتراضه. قال: [ولكن الفجر أن يقول: هكذا، وأشار بالسبابتين]، يعني: إلى أنه معترض، بخلاف ذاك فإنه قائم، وأما هذا فإنه معترض على مقدار الأفق، ويعقبه النور حتى تخرج بعد ذلك الشمس، فبين عليه الصلاة والسلام بالقول والإشارة كيفية الفجر الذي يحل معه أداء صلاة الفجر، ويحرم معه الأكل والشرب، وهو المعترض في الأفق، وقد أشار بالسبابتين باعتراضه وامتداده في الأفق، وعلى هذا فالفجر الذي ترجم له المصنف هو أن يكون معترضاً في الأفق، ويتزايد ذلك الضياء حتى تطلع الشمس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وليس الفجر أن يقول هكذا وأشار بكفه ولكن الفجر أن يقول هكذا وأشار بالسبابتين)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أيضا، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا التيمي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ونسبته إلى التيميين؛ لأنه نزل فيهم وليس منهم، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن؛ لأن الذي يتبادر للذهن النسبة وأنه من تيم، ولكن ليس الواقع كذلك، بل نسب إليهم لكونه نزل فيهم، وإن لم يكن منهم.
    [عن أبي عثمان].
    هو عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل، مثلث الميم، النهدي ثقة، مخضرم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء المعروفين بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا وهكذا يعني معترضا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة أخبرنا سوادة بن حنظلة أنه قال: سمعت سمرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا وهكذا، يعني: معترضاً. قال أبو داود: وبسط بيديه يميناً وشمالاً ماداً يديه)].هنا أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في بيان كيفية الفجر الذي يحل معه أداء صلاة الفجر، ويحرم معه الأكل والشرب، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث سمرة هذا: [لا يغرنكم أذان بلال]، بمعنى: أنكم تمسكون عن الأكل والشرب عند هذا الأذان؛ لأن هذا الأذان يكون بالليل، ويكون قبل دخول النهار، وقبل بدء النهار الشرعي الذي هو بداية الصيام، والذي يبدأ من طلوع الفجر الثاني.
    [لا يغرنكم أذان بلال]، يعني: فتمسكوا عندما تسمعون ذلك الأذان، بل كلوا واشربوا، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، وهنا قوله: (لا يغرنكم أذان بلال)، يعني: فتمتنعوا من الأكل والشرب إذا كنتم تريدون الصيام، فإن أذانه بليل، وليس أذانه في النهار، أو عند دخول النهار، ولكنه يمنع صلاة الفجر، فلا تحل معه صلاة الفجر، ويحل معه الأكل والشرب.
    قوله: [ولا هذا البياض]، أي: الفجر الكاذب، وهو الذي يكون مستطيلاً في الأفق ويتلاشى ويضمحل ويأتي بعده ظلمة، وإنما حتى ينفجر الفجر، وذلك بأن يظهر الضياء المعترض في الأفق الذي يتزايد حتى تطلع الشمس. [حتى ينفجر الفجر هكذا معترضا]، يعني: معترضاً في الأفق، وليس مستطيلاً في السماء.
    قال أبو داود أحد رواة الحديث، [وبسط بيديه يمينا وشمالا مادا يديه]، يعني: الإشارة إلى اتساع هذا الضياء المعترض في الأفق، وتزايده واستمراره حتى يزداد الضياء، وحتى يصل إلى أن تطلع الشمس بعد ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا وهكذا يعني معترضا)

    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا سوادة بن حنظلة].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [سمعت سمرة].
    هو سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    التقدم قبل شهر رمضان


    ‏ شرح حديث: (لا تقدموا قبل الشهر بصيام ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التقدم قبل شهر رمضان. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تقدموا قبل الشهر بصيام إلا رجل كان يصوم صياماً أتى ذلك اليوم على صيامه)].
    يقول النسائي رحمه الله: التقدم قبل شهر رمضان؛ أي: ما حكم التقدم بالصيام قبل شهر رمضان، بأن يصوم آخر شعبان متصلاً برمضان؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وقد أورد النسائي أحاديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيها النهي عن التقدم.
    قوله: [لا تقدموا]، أي: لا تتقدموا، بحذف إحدى التاءين، لا تتقدموا قبل الشهر بصيام، أي: متصلاً به بحيث يكون صيامكم قبله متصلاً به، لا تتقدموا قبل الشهر بصيام، وهذا نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التقدم احتياطاً لرمضان، ووصلاً له بآخر شعبان.
    قوله: [إلا رجل كان يصوم صوماً أتى ذلك اليوم على صيامه]، يعني: كان من عادة شخص من الناس أنه يصوم يوم الإثنين، أو يصوم الخميس، فوافق اليوم الذي هو آخر شعبان، والذي يليه رمضان، وافق صيامه، فإنه يصومه؛ لأن هذا صيام اعتاده، ولم يصم من أجل رمضان أو احتياطاً لرمضان، وإنما صام من أجل أنها عادته، فوافق أن يوم الثلاثين من شعبان يوم اثنين أو يوم خميس، فإن له أن يصوم، والرسول صلى الله عليه وسلم استثناه في هذا الحديث، وليس بممنوع، وإنما الذي يمنع هو الذي يقصد، ويتحرى ذلك اليوم أو الأيام الأخيرة من شعبان، فيصومها احتياطاً لرمضان، واحتمال أن يتبين أنه من الشهر، ومن المعلوم أنه إذا حصل التبين في أثناء النهار، فإن على الإنسان أن يمسك، وعليه أن يقضي؛ لأنه لا بد في صيام الفرض من نية قبل بدء الصيام من الليل.
    وقوله: [إلا رجل]، لا مفهوم للرجل هنا، فتدخل المرأة كذلك، فالمرأة إذا كان من عادتها أن تصوم الإثنين والخميس، فصادف يوم الإثنين أو الخميس يوم ثلاثين، فإن المرأة كذلك كالرجل، وليس لذكر الرجل مفهوم بمعنى أن المرأة تخالفه بهذا الحكم، بل الحكم واحد، ولكن نص على الرجل؛ لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، والأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت الشريعة بتفصيل، وبتفريق بين الرجال والنساء في شيء من الأحكام، فعند ذلك يصار إلى التمييز والتفصيل الذي جاء في الشريعة، أما إذا لم يأت شيء فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، وذكر الرجال في بعض الأحاديث -كما في هذا الحديث الذي معنا- هو باعتبار أن الغالب هو أن الخطاب للرجال، فجاء الخطاب هنا بناء على الغالب، ولكن ليس له مفهوم، ولا يراد به أن هذا الحكم خاص بالرجال، وأن النساء ليست كذلك، بل الحكم عام للرجال والنساء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقدموا قبل الشهر بصيام ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا الوليد].
    هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، يعني: عنده تدليس في التسوية وتدليس في الإسناد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام، ومحدثها وفقيهها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو وأبوه عمرو، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة ذلك ألا يظن التصحيف فيما إذا ذكر في بعض الأحيان بالكنية مع الاسم، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو، واسم أبيه عمرو، لو جاء عبد الرحمن أبو عمرو بدل عبد الرحمن بن عمرو، يظن أن هذا تصحيف، أن (أبو) صحفت عن (ابن)، والواقع أنه لا تصحيف، إذا قيل: عبد الرحمن بن عمرو هو صحيح، وإن قيل: عبد الرحمن أبو عمرو هو صحيح؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه.
    [عن يحيى]
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا هو صاحب الكلمة المأثورة التي ذكرها عنه مسلم في صحيحه بالإسناد إليه، قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. أي: أن العلم إنما يحصل بالتعب، والنصب، وبالمشقة، ولا يحصل بالكسل، والخمول، والإخلاد إلى الراحة، بل لا يستطاع العلم براحة الجسم، وإنما يستطاع العلم بتعب الجسم، وإتعابه، وحصول النصب له، هذا هو الذي يحصل معه العلم أو يحصل به العلم.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عرف التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة؛ وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا في الإسناد، وقيل: السابع هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: إن السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فالذي معنا في الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة على الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو على أبي سلمة فيه


    شرح حديث: (لا يتقدمن أحد لشهر بيوم ولا يومين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو على أبي سلمة فيه.أخبرني عمران بن يزيد بن خالد حدثنا محمد بن شعيب أخبرنا الأوزاعي عن يحيى حدثني أبو سلمة أنه أخبرني أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يتقدمن أحد الشهر بيوم ولا يومين، إلا أحد كان يصوم صياما قبله فليصمه)].
    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو [لا يتقدمن أحد الشهر بيوم ولا يومين، إلا أحد كان يصوم صوماً فليصمه]، وهنا كلمة (أحد) جاءت عامة، ما جاء ذكر الرجل، فيدخل في ذلك الرجال والنساء، بخلاف كلمة (رجل) فإنها يأتي ذكرها بناء على الغالب، وأن الخطاب مع الرجال، وليس لها مفهوم، أما كلمة (أحد) فإنها عامة تشمل الرجال والنساء، [لا يتقدم أحد]، يعني من الرجال والنساء، فالحديث مثل ما تقدم من النهي عن التقدم بالصيام على شهر رمضان في آخر شعبان احتياطاً لرمضان، إلا من كان من عادته أن يصوم يوماً أو يومين، يعني يكون من عادته أن يصوم الخميس والجمعة، أو يصوم الإثنين والثلاثاء يعني من كل أسبوع، فوافق آخر الشهر هذين اليومين، فإن له أن يصوم ما اعتاده من الصيام، لأن صيامه بناء على عادته وما التزمه وداوم عليه، وليس من أجل الاحتياط لرمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتقدمن أحد الشهر بيوم ولا يومين ...)

    قوله: [أخبرني عمران بن يزيد بن خالد]. صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن شعيب].
    صدوق، أحرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرنا الأوزاعي عن يحيى حدثني أبي سلمة عن أبي هريرة].
    قد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (لا تتقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تتقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين، إلا أن يوافق ذلك يوما كان يصومه أحدكم)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ].هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه في ذلك، وهو مثل ما تقدم في حديث أبي هريرة، من النهي عن تقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا أحد كان يصوم صياماً ووافق صيامه فإن له أن يصوم، فالكلام فيه كالكلام في الروايتين المتقدمتين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تتقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].كنيته أبو كريب، وهو مشهور بها، ويأتي ذكره كثيراً بكنيته فقط، وأحياناً يجمع بين اسمه وكنيته، وأحيانا يؤتى اسمه دون أن يكنى كما هنا؛ لأنه ذكره بالاسم دون الكنية، وأحياناً يجمع بينهما، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو خالد].
    هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    قد مر ذكره.
    [عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    [قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ].
    ما أدري وجه هذا الخطأ؟ ومن المعلوم أنه من حيث الصحة أن الحديث ثابت عن غير ابن عباس ومن غير هذا الطريق، فلم يأت من هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق أخرى، فهو ثابت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


    ذكر حديث أبي سلمة في ذلك


    ‏ شرح حديث: (ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر حديث أبي سلمة في ذلك.أخبرنا شعيب بن يوسف ومحمد بن بشار واللفظ له، قالا: حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن سالم عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان)].
    أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم [ما كان يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان]، والمقصود من ذلك: أنه كان يكثر الصيام في شعبان، وما كان عليه الصلاة والسلام يصوم في شهر مثل ما كان يصوم في شعبان، إلا أنه لا يصومه كله، وإنما يصوم غالبه وأكثره عليه الصلاة والسلام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان ...)

    قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [و محمد بن بشار واللفظ له].
    هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، واللفظ له، أي: للشيخ الثاني، وهو محمد بن بشار، وليس اللفظ لـشعيب بن يوسف.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، هو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي من أقران الأعمش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن أبي الجعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أم سلمة].
    أبو سلمة قد مر ذكره، وأم سلمة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الاختلاف في رواية الحديث السابق


    ‏ حديث: (كان رسول الله يصل شعبان برمضان ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاختلاف على محمد بن إبراهيم فيه.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر حدثنا شعبة عن توبة العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصل شعبان برمضان)].
    أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو بعض الرواية التي تقدمت، وهو أنه يصل شعبان برمضان، بمعنى أنه كان يكثر من الصيام في شعبان حتى يتصل برمضان.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وقد مر ذكره.
    [أخبرنا النضر].
    هو النضر بن شميل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    قد مر ذكره.
    [عن توبة العنبري].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أم سلمة].
    قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول: لا يفطر]، ومعناه: كان يصوم الشهر حتى يقولوا: إنه يكمله، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم، يعني معناه: أنه يمضي الشهر ما صام منه شيء، فكان من هديه هكذا وهكذا؛ أنه كان يصوم ويفطر، وكان يصوم حتى يقولوا: إنه لا يفطر، يظنون أنه لا يفطر الشهر، وكان يفطر حتى يقولوا: إنه لا يصوم، فيمضي عليه الشهر وهو ما صام.
    قوله: [وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان]، معناه: أنه كان يكثر من الصيام في شعبان، يعني فكلمة (أو) يحتمل أن تكون بمعنى (بل)، كان يصوم شعبان، بل عامة شعبان يعني: غالبه وأكثره، وما يأتي من ذكر شعبان بأكمله إشارة إلى قلة ما يتركه منه، وأن الغالبية العظمى هي صيامه، وأن الذي يفطره يكون قليلاً جداً، فهذا إشارة إلى إكثاره من صيام شعبان، بل كان يصوم غالبه، وما كان يصوم في شهر مثل ما كان يصوم في شعبان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان)

    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].يحتمل أن يكون المرادي، ويحتمل أن يكون الجيزي، وكل منهما شيخ للنسائي، وكل منهما يروي عن ابن وهب، فلا أدري أيهما؟ ولم يذكر في تحفة الأشراف تمييز أحد الاثنين، وكل منهما ثقة، سواء كان هذا أو هذا، والمرادي أخرج له أصحاب السنن، والجيزي أخرج له أبو داود، والنسائي، وكل منهما ثقة.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب الفقيه، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أسامة بن زيد].
    هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة: أنه سأل عائشة].
    محمد بن إبراهيم وأبو سلمة قد مر ذكرهما، وعائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (وما كان يصوم في شهر ما يصوم شعبان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سعد بن الحكم حدثنا عمي حدثنا نافع بن يزيد أن ابن الهاد حدثه أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة يعني ابن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد كانت إحدانا تفطر في رمضان فما تقدر على أن تقضي حتى يدخل شعبان، وما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم في شهر ما يصوم في شعبان، كان يصومه كله إلا قليلاً، بل كان يصومه كله)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: أن الواحدة منهن؛ أي: من أمهات المؤمنين، ما كانت تقدر على أن تقضي ما عليها من الصيام بسبب الحيض إلا في شعبان، والسبب في ذلك كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحتاج إليها، فلا تكون صائمة، وأيضاً في شعبان؛ لأنه يضيق الوقت، ورمضان بعد شعبان، فتقضي في ذلك الوقت المتأخر، ثم أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان، فتكون الواحدة منهن تصوم في الوقت الذي كان يكثر من الصيام في شعبان.
    ولا يعني هذا أن أمهات المؤمنين ما كنّ يتنفلنّ، وما كنّ يصمن النوافل؛ لأنه من المعلوم أن الفرض مقدم على النفل، ومن كان عليه قضاء فعليه أن يبادر بالقضاء، ولا يتشاغل بالنفل، وذمته مشغولة بفرض لم يؤده، بل عليه أن يؤدي المفروض، وإذا انتهى من المفروض يأتي إلى النوافل، ويتقرب إلى الله عز وجل بالنوافل، وقد جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)، إلى آخر الحديث، فالفرض مقدم على النفل، لكن لعل المقصود أن عائشة رضي الله عنها تخبر عما كان عليه الأمر في أول الأمر، وأنها قبل أن تأتي النوافل، كانت الواحدة منهن لا تقدر أن تصوم إلا في شعبان، ولعل ما جاء عن عائشة فهو محمول على ما كان قبل أن يبين الرسول صلى الله عليه وسلم النوافل التي ينبغي للناس أن يحرصوا عليها، وأن يفعلوها.
    وقوله: [لقد كانت إحدانا تفطر في رمضان].
    يعني: تفطر بسبب الحيض.
    قوله: [فما تقدر على أن تقضي حتى يدخل شعبان، وما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم في شهر ما يصوم في شعبان، كان يصومه كله إلا قليلاً، بل كان يصومه كله].
    وهذا فيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام فيه، فكن ينتهزن هذه الفرصة بأن يصمن في الوقت الذي يصوم فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا هو وجه إيراد أو ذكر كثرة الصيام في شعبان، وأنهن يتمكن؛ لأنه يكون صائماً، فينتهزن فرصة كثرة صيامه، فيصمن معه ويؤدين ما عليهن من الفرض رضي الله عنهن وأرضاهن، [بل كان يصومه كله]، معناه: إلا ما ندر، أو إلا القليل جداً الذي لا يكاد يذكر لقلته، وليس معنى ذلك أنه يصومه كله، ولا يفطر منه شيئاً، فقد جاءت الأحاديث تدل على الاستثناء، لكن الذي يستثنى هو القليل جداً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وما كان يصوم في شهر ما يصوم في شعبان)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سعد بن الحكم].صدوق، أخرج أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عمي].
    هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا نافع بن يزيد].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له الترمذي، ولا البخاري في الأصل.
    [عن ابن الهاد].
    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، وهو ثقة مكثر، مشهور بالنسبة إلى جده الهاد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها].
    قد مر ذكرهم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #376
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (373)

    - (باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عائشة في التقدم قبل شهر رمضان) إلى (باب ذكر الاختلاف على خالد بن معدان في خبر عائشة في التقدم قبل شهر رمضان)


    وم شهراً كاملاً سوى رمضان، إلا أنه كان يصوم شيئاً من كل شهر، وكان يكثر الصوم في شعبان، ويتحرى صيام يوم الإثنين والخميس.
    ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين بخبر عائشة رضي الله عنها فيه


    شرح حديث: (... كان يصوم شعبان إلا قليلاً، كان يصوم شعبان كله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين بخبر عائشة رضي الله عنها فيه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان÷1÷ عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: (أخبريني عن صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم يكن يصوم شهراً أكثر من شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلاً، كان يصوم شعبان كله)].
    فحديث عائشة رضي الله عنها هذا من جملة الأحاديث التي روتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية صيامه للنفل، وأنه كان يصوم حتى يقولوا: لا يفطر، وأنه يفطر حتى يقولوا: لا يصوم، أي: أنه عليه الصلاة والسلام كان في بعض الأشهر كشعبان يصوم منه كثيراً حتى يقولوا: إنه يكمله، وفي بعض الأشهر لا يصوم شيئاً حتى يقولوا: إنه لا يصوم منه شيئاً، مع أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يترك صيام شيء من الشهر، ولكنه أكثر ما كان يصوم في شعبان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قال: [عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة، فقلت: (أخبريني عن صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟)].
    أي: عن صيامه في النفل.
    قوله: [(كان يصوم)]، من الشهر، [(حتى نقول: قد صام)]، الشهر كله ما يبقى منه شيء، [(كان يصوم حتى نقول: قد صام)]، معناه: أنه ما يبقى من الشهر شيء.
    قوله: [(ويفطر حتى نقول: قد أفطر)]، أي: أنه ما صام منه شيئاً، إشارة إلى قلة ما كان يصومه من الشهر، والأول إشارة إلى كثرة ما كان يصوم من الشهر، فكان يصوم حتى يقولون: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم، والثاني إشارة إلى قلة ما كان يصومه من الشهر.
    قوله: [(ولم يكن يصوم شهراً أكثر من شعبان)]، يعني: ما كان يصوم في شهر من الشهور أكثر مما يصوم في شعبان، ثم فسرت ذلك بقولها: (كان يصوم شعبان إلا قليلاً، كان يصومه كله) أي: أنه لا يبقى منه إلا النادر، وليس معنى ذلك أنه يصومه بأكمله؛ لأن الأحاديث جاءت بأنه ما كان يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان، ولكن بالنسبة لشعبان كان يصوم أكثره، وغالبه، كان الذي يفطر منه قليلاً، يعني ما يفطره منه قليلاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفي هذا دلالة على كثرة صيامه في هذا الشهر، أي: شهر شعبان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... كان يصوم شعبان إلا قليلاً، كان يصوم شعبان كله)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي لبيد].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، هو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [سألت عائشة].
    رضي الله عنها أم المؤمنين، هي الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية التي عرفت بكثرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما الأمور التي تتعلق بالبيوت، والتي تقع بين الرجل وأهل بيته، فإنها روت في ذلك الشيء الكثير الذي ما رواه غيرها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولهذا فإن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (... كان يصوم شعبان كله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر من السنة أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصوم شعبان كله)].ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، يعني: لم يكن يصوم شهراً من السنة أكثر من شعبان، كان يصومه كله، يعني: إلا قليلاً، يعني: معناه هذا إشارة إلى كثرة ما يصومه فيه، وأن الذي يفطره فيه هو القليل جداً، فقوله: (كان يصومه كله) لا يعني أنه لا يفطر منه شيئاً؛ لأن الأحاديث دلت على أنه كان يفطر منه، وأنه يصومه إلا قليلاً، فإذاً: كل هذه إشارة إلى ندرة ما كان يفطره منه صلى الله عليه وسلم، وإلى الغالبية العظمى من الشهر، أنه كان يصومها صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث (... كان يصوم شعبان كله)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا معاذ بن هشام].
    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (أن النبي كان يصوم شعبان) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شعبان)].أورد النسائي حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان)، أي: غالبه كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يصوم شعبان) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو داود].
    هو عمر بن سعد الحفري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضا.
    [عن خالد بن سعد].
    خالد بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عائشة].
    عائشة، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (لا أعلم رسول الله ... صام شهراً كاملاً قط غير رمضان) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن إسحاق عن عبدة عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو يفسر ما تقدم من الروايات؛ بأنه يصوم شعبان كله، وأن ذلك إشارة إلى الأكثرية أو الغالبية العظمى، وقد جاء في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها ما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة حتى الصباح، أي: أنه قامها كلها من أولها إلى آخرها، بل كان يصلي وينام، كما هو هديه الذي بينه في قوله عليه الصلاة والسلام: (أما أني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فهو لا يقوم الليل كله، وإنما يقوم بعضه، وهو يصلي وينام، يصلي من الليل وينام من الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وما رأيته صام شهراً كاملاً غير رمضان، معناه: أن غير رمضان لا يصومه كله، وأكثر ما كان يصوم من الشهر هو شعبان، فكان يصومه إلا قليلاً، فقولها رضي الله عنها في هذا الحديث: أنها ما كانت تعلم أنه يصوم شهراً كاملاً غير رمضان، يدلنا على أنه ما كان يصوم شعبان كاملاً، وإنما يصوم أكثره كما جاء ذلك مبينا في الروايات الأخرى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا أعلم رسول الله... صام شهراً كاملاً قط غير رمضان) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق].صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عبدة].
    هو ابن سليمان الكلابي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زرارة بن أوفى].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وذكروا في ترجمته كما عند ابن كثير في تفسيره أنه كان يصلي بالناس الفجر، فقرأ سورة المدثر، ولما جاء عند قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ )[المدثر:8-9]، شهق وخر مغشيا عليه ومات رحمه الله، وقد ذكر ذلك في ترجمته، وكان أميراً على البصرة.
    [عن سعد بن هشام].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... ولم يصم شهراً تاماً منذ أتى المدينة إلا أن يكون رمضان) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي يوسف الصيدلاني حراني حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها، قال: (سألتها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم يصم شهراً تاماً منذ أتى المدينة إلا أن يكون رمضان)].ثم أورد النسائي حديث عائشة، وهو مثل ما تقدم؛ أنه كان يصوم حتى يقولوا: صامه كله، وكان يفطر من الشهر حتى يقولوا: أفطر، يعني: ما صام منه شيئاً؛ لقلة ما يصومه منه، وما استكمل شهراً كاملاً إلا أن يكون رمضان، هذا هو الذي يستكمله، ويصومه كاملاً، وهو -كما تقدم- يدل على أنه ما كان يصوم شعبان كله، بل كان يصوم أكثره وأغلبيته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


    تراجم رجال إسناد حديث (... ولم يصم شهراً تاماً منذ أتى المدينة إلا أن يكون رمضان) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي يوسف الصيدلاني].هو محمد بن أحمد بن أبي يوسف الصيدلاني الحراني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه. وهنا قال: ابن أبي يوسف، ولكن الذين ذكروه في التقريب وفي التهذيب وفي تحفة الأشراف قالوا: أبو يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني، وهنا قال: محمد بن أحمد بن أبي يوسف الصيدلاني، فلا أدري هل جده يقال له: أبو يوسف، وأنه نسب إلى جده مكنى أو ماذا؟
    [حدثنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. ومحمد بن سلمة هذا من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، ومن طبقة شيوخه أيضاً شخص يقال له: محمد بن سلمة، وهو المرادي، فإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ النسائي فالمراد به المرادي، وإذا كان محمد بن سلمة من طبقة شيوخ شيوخه كما هنا فهو الباهلي الحراني.
    [عن هشام].
    هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن شقيق].
    هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والإمام مسلم، وأصحاب السنن، وهو الذي جاء عنه المقالة المشهورة: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (... ما علمت صام شهراً كله إلا رمضان...) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد وهو ابن الحارث عن كهمس عن عبد الله بن شقيق أنه قال: قلت لـعائشة رضي الله عنها: (أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شهراً كله؟ قالت: لا، ما علمت صام شهراً كله إلا رمضان، ولا أفطر حتى يصوم منه حتى مضى لسبيله)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت: لا إلا أن يأتي من مغيبه، يعني: من سفر، فإنه كان يأتي ضحى، ويأتي إلى المسجد ويصلي فيه الضحى، لكن جاء عنه عليه الصلاة والسلام الأحاديث الكثيرة الدالة على صلاة الضحى، بل جاء عنه أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات، وقيل: إنها صلاة الضحى، وقالوا عنها: إنها هي أقصى مقدار ما تصلى الضحى، فإن أقلها ركعتان، وأكثرها ثمان، ويستدلون على ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، كما في حديث أم هانئ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات، وذلك من الضحى، وقيل: إنها صلاة الضحى.
    وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يأتي إلى المسجد، ويصلي ركعتين، وهذا من السنن المهجورة التي هجرها الناس.
    فإن الإنسان إذا قدم من سفر لا يعمد إلى بيته، بل يقصد إلى المسجد ويبدأ به، ويصلي فيه ركعتين، هذا هديه صلى الله عليه وسلم، وهو من السنن التي هجرها كثير من الناس.
    وأما من قوله عليه الصلاة والسلام، فجاء في ذلك أحاديث كثيرة تدل على صلاة الضحى، جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، والمقصود بها صلاة الضحى إذا اشتدت حرارة الشمس، وجاء حديث أبي هريرة: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، والحديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري، ومسلم، وكذلك حديث أبي الدرداء في صحيح مسلم: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، وكذلك الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، ثم قال في آخره: ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى)، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الحث على صلاة الضحى.
    قوله: [(قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً كله؟ قالت: لا، ما علمت صام شهراً كله إلا رمضان)].
    وهذا يبين ما تقدم عنها أنه كان يصوم شعبان كله، أي: المقصود من ذلك غالبيته؛ لأن هذا يبينه ويفسره.
    قوله: [(ولا أفطر حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله)].
    أي: ولا أفطر شهراً كاملاً حتى يصوم منه، ما أفطر شهراً، بل يصوم من الشهر، (حتى مضى لسبيله)، يعني: حتى توفاه الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [(ولا أفطر حتى يصوم منه)].
    يعني: ولا أفطر شهراً كاملاً حتى يصوم منه، لكن يصوم قليلاً وكثيراً، وأكثر ما كان يصوم في شعبان، وما كان يفطر الشهر بحيث لا يصوم منه، بل كان يصوم منه، ولو كان ذلك قليلاً، وهذا هو معنى ما جاء في بعض الروايات: (وكان يفطر حتى نقول: ما صام)، أي: ما صام منه شيئاً، إشارة إلى قلة ما كان يصومه من الشهر، يعني في بعض الأشهر.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما علمت صام شهراً كله إلا رمضان...) من طريق سادسة

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد وهو ابن الحارث].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وكلمة [وهو ابن الحارث] الذي قالها هو النسائي أو من دون النسائي، وليس تلميذ إسماعيل بن مسعود الذي قالها؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول هذا الكلام، ولكن الذي يحتاج إلى أن يقول هذا الكلام من دون التلميذ، ويقولونها إيضاحاً وبياناً، وأتوا بكلمة (هو) حتى يعرف بأنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دونه، قصد بهذه الإضافة بيان المهمل.
    [عن كهمس].
    هو كهمس بن الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن شقيق أنه قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث: (... والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان...) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث عن يزيد، وهو ابن زريع حدثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق أنه قال: (قلت لـعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه، قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له صوم معلوم سوى رمضان؟ قالت: والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان حتى مضى لوجهه، ولا أفطر حتى يصوم منه)].ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم تماماً.
    قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].
    هو أحمد بن أحمد بن المقدام، وهو صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن يزيد وهو ابن زريع].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الجريري].
    هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن شقيق عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.


    ذكر الاختلاف على خالد بن معدان في هذا الحديث



    ‏ شرح حديث: (إن رسول الله كان يصوم شعبان كله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على خالد بن معدان في هذا الحديث.أخبرني عمرو بن عثمان عن بقية حدثنا بحير عن خالد عن جبير بن نفير: (أن رجلا سأل عائشة رضي الله عنها عن الصيام، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم شعبان كله، ويتحرى صيام الإثنين والخميس)].
    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنه (كان يصوم شعبان كله)، والمقصود من ذلك غالبيته كما بينته الروايات المتقدمة، (ويتحرى الإثنين والخميس)، أي: كان يصومهما، ويتحراهما ليصومهما صلى الله عليه وسلم، والمقصود من قولها: (كان يصوم شعبان كله) أي: يصوم أكثره، وليس كله بحيث لا يفطر منه شيئاً، وأنه يصومه كما يصوم رمضان، بل كان يفطر منه، ولكن ما يصومه هو الأكثر الغالب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يصوم شعبان كله...)


    قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان].وهو الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا بحير].
    هو بحير بن سعد، هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، ما خرج له مسلم.
    [عن خالد].
    هو خالد بن معدان، وهو ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جبير بن نفير].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن رجلاً سأل عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (كان رسول الله يصوم شعبان ورمضان...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الله بن داود حدثنا ثور عن خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شعبان ورمضان، ويتحرى الإثنين والخميس)].وهذا الحديث عن عائشة قالت: (كان يصوم شعبان ورمضان، ويتحرى الإثنين والخميس)، وليس معنى كونه يصوم شعبان أنه يصومه كما يصوم رمضان، بل جاء عنها أنه ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان، ومعنى هذا: أنه كان يصوم من شعبان الشيء الكثير كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصوم شعبان ورمضان...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن داود].
    هو الخريبي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن. وعبد الله بن داود الخريبي هذا نقل عنه الحافظ ابن حجر كلمة في فتح الباري يقول: ما في القرآن آية هي أشد على أصحاب جهم من قول الله عز وجل: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )[الأنعام:19]، قال: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله، قال: إن هذه الآية هي أشد آية على أصحاب جهم، الذين يؤولون الصفات، ويقولون: إن القرآن مخلوق، وأنه ليس كلام الله عز وجل، يقول: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله.
    [حدثنا ثور].
    هو ثور بن يزيد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
    [عن خالد بن معدان].
    وقد مر ذكره.
    [عن ربيعة].
    هو ربيعة بن عمرو الجرشي، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة، وربيعة مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره.
    [عن عائشة].
    رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
    وهناك طرق متعددة لمعرفة كون هذا صحابي، منها: أن ينص شخص على أنه صحابي، أو يقول عن نفسه: إنه صحابي، أو يشتهر بأنه صحابي. هذه الطرق التي يعلم بها، فإذا تحقق أنه صحابي يجزم، وإلا فإنه يكون من كبار التابعين.


    الأسئلة


    مدى مشروعية وضع الإبهام على العين مع المسح عند سماع الأذان

    السؤال: نرى بعض الناس عندما يسمعون المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، يضعون الإبهام على العين، ويمسحون بها، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: هذا ليس له أساس صحيح.

    الواجب على من قصر في سفر وهو ناوٍ أن يمكث أكثر من أربعة أيام

    السؤال: إذا سافر شخص وأقام في البلد المسافر إليه أكثر من أربعة أيام وهو يقصر، فماذا يجب عليه؟ هل يعيد تلك الصلاة التي قصرها؟


    الجواب: لا يعيد تلك الصلاة، ولكن عليه إذا عرف الحق أن يعمل به؛ لأن المسألة خلافية بين أهل العلم، والصحيح والذي فيه الاحتياط أنه إذا دخل بلداً، وكان عازماً عند دخوله البلد على إقامة أكثر من أربعة أيام أنه يتم من حين دخوله البلد، ويستدلون على ذلك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح، فإنه دخلها في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، وكان عازماً على البقاء إلى يوم ثمانية؛ لأنه سيخرج إلى منى، وسينتقل إليها، فهذه الأربعة الأيام هي المحققة أن الرسول عند دخوله البلد عازم على البقاء خلالها، أما أكثر من أربعة أيام ليس فيه شيء يدل عليه، ولهذا اعتبرها جمهور العلماء حداً لما يمكن أن يقصر فيه، وما زاد عنه فإنه لا يقصر فيه؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة محققة أكثر من هذه الأيام، وقصر فيها صلى الله عليه وسلم.

    مشروعية أداء ركعتي القدوم من السفر في أي مسجد

    السؤال: عند القدوم من السفر هل تكون الركعتين في المسجد النبوي، أم يجوز في كل مسجد؟

    الجواب: يجوز في كل مسجد، لكن المسجد النبوي لا شك أنه أفضل.

    مدى صحة أحاديث كتب الحديث التي وصفت بالصحة

    السؤال: الكتب التي يقال عنها: صحاح، مثل صحيح ابن حبان، هل جميع أحاديثها صحيحة؟ وهل بين السيوطي في جمع الجوامع صحة الحديث من ضعفه؟

    الجواب: صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، هي من الكتب التي ألفها أصحابها على أنها صحيحة، لكنها ليست كالصحيحين؛ لأن فيها الضعيف، ولكنها هي تلي الصحيحين، وقد مر في ألفية السيوطي الإشارة إلى أنه يؤخذ الحديث الصحيح من الكتب الموسومة بالصحة، وكذلك إذا نص عليه -يعني:- حافظ وعالم، قال:
    وخذه حيث حافظ عليه نص ومن مصنف بجمعه يخص
    كابن خزيمة ويتلو مسلماً وأوله البستي ثم الحاكما
    يعني بـ البستي الذي هو صحيح ابن حبان، ثم الحاكم الذي هو مستدرك الحاكم، والحاكم قالوا عنه: إنه يطلق على الحسن صحيح، وأن شرطه خفيف، وأن كتابه يشتمل على الصحيح، وعلى الحسن، وأطلق على الكل بأنه صحيح، لكن لا يعني هذا أن كل ما يكون فيه صحيح، بل فيه ما هو ضعيف.

    الجمع بين قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) والإذن بالخروج إلى المسجد

    السؤال: إذا خرجت المرأة من بيتها إلى المسجد النبوي للصلاة فيه؛ تخرج كل يوم مرة أو مرتين أحياناً، هل هذا الفعل يعارض قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )[الأحزاب:33]؟ وإذا كان لا يعارض فما حد خروج المرأة إلى المسجد؟

    الجواب: ما نعلم تحديداً بأيام معينة؛ بيوم أو يومين، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، ومع ذلك أرشد إلى أن بيوتهن خير لهن، لكن إذا أردن أن يذهبن يذهبن، ولا مانع من ذلك، ولكن ما نعلم فيه تحديداً، كونه يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو كذا، الأمر في ذلك واسع، ولا ينافي قوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )[الأحزاب:33]، لأنه مأذون لها.

    صحة قول بعض أهل العلم بكراهية صوم النصف الثاني من شعبان

    السؤال: هل صحيح أن بعض أهل العلم قال بكراهية صوم النصف الثاني من شعبان؟

    الجواب: نعم، جاء عن بعض أهل العلم، وقد جاء في حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، صححه بعض أهل العلم.

    قضاء الصوم عن الميت الذي لم يتمكن من القضاء

    السؤال: امرأة حبلى أفطرت النصف الثاني من رمضان؛ خوفاً على الجنين في بطنها، ثم ماتت عند الولادة، ولم تتمكن من قضاء ما فات من الصيام، فهل على وليها قضاء الصوم؟

    الجواب: إذا كانت ما تمكنت من القضاء لا يقضى عنها، إنما يصام عمن تمكن ولم يفعل، فإنه يصام عنه، أما من مات واستمر معه العذر، أو كان أفطر لمرضه، واستمر معه المرض حتى مات فهو غير متمكن من القضاء، فلا يقضى عنه.

    مدى صحة نكاح البكر البالغة المكرهة

    السؤال: إذا زوج الرجل ابنته البكر البالغة وهي غير راضية فهل ينعقد النكاح؟الجواب: هذه فيها خلاف بين أهل العلم، وإذا طلبت الخلاص والفكاك فإنها تمكن من ذلك.

    الرد على من زعم أن كلمة كل لا تفيد العموم لقول عائشة: (كان يصومه كله)


    السؤال: فضيلة الشيخ! إن كلمة كل تفيد العموم في اللغة العربية كما في حديث: (كل بدعة ضلالة)، وقد قال بعض أهل البدع: إن كلمة كل تفيد جزءاً من المعنى، واستدلوا بمثل حديث: (كان يصومه كله)، فكيف يكون الرد عليهم؟

    الجواب: الأصل هو أن (كل) من صيغ العموم، ومعروف عند أهل اللغة وعند أهل الأصول أن (كل) من صيغ العموم، لكن هذا الذي جاء في شعبان جاء ما يبينه، أما غير هذا فإنه باق على أصله، و(كل) من صيغ العموم، والأصل فيها أنها للعموم.


    حكم مستور الحال عند الحافظ ابن حجر

    السؤال: هل مستور الحال عند الحافظ مقبول؟ أريد التفصيل في هذا.

    الجواب: مستور الحال هو مجهول الحال، فالمستور هو المجهول، أي نعم. ومجهول العين أشد ضعفاً من مجهول الحال.

    حكم عمل المرأة

    السؤال: ما حكم العمل للمرأة؟
    الجواب: إذا كانت محتاجة إلى العمل، وكان عملها ما فيه محظور ولا فيه فتنة ليس هناك مانع، كأن تكون مثلاً مدرسة نساء، لا بأس بذلك.

    وقت إخراج الزكاة في مال اليتيم

    السؤال: هل تكون الزكاة في مال اليتيم كل سنة أم عند البلوغ؟

    الجواب: لا، الزكاة تكون كل سنة للصغير، والكبير، والمجنون، وكل من كان له مال يبلغ النصاب وهو مسلم فإنه يزكى، سواء كان صاحب المال كبيراً أو صغيراً، عاقلاً أو مجنوناً، ويزكي يخرج الزكاة وليه.

    حكم تقديم الزكاة قبل الحول

    السؤال: هل يجوز تقديم الزكاة قبل الحول إذا بلغ النصاب، وإذا وجد من يحتاج إلى المال، وإذا جاء الحول؟ وهل تعتبر الأولى صدقة، وعليه زكاة أخرى؟

    الجواب: إذا كان قدمها يجوز التقديم، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتخلص من الحقوق أو من الأشياء بالزكاة، يعني: إذا جاءت حاجة يتصدق، والزكاة يفعلها بوقتها، أما كونه يقدمها من أجل أنه عندما يجيء محتاج، يعني: يروح يعطيه بدل ما يعطيه متبرعاً، أو يعطيه متنفلاً يكون إعطاؤه من الزكاة، هذا ما ينبغي من الإنسان، بل على الإنسان أن يخرج شيئاً غير الزكاة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #377
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (374)

    - (باب صيام يوم الشك) إلى (باب ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً)

    فرض الله صيام شهر رمضان على عباده المؤمنين، ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن وصل رمضان بشعبان إلا من اعتاد صيام نافلة فوافقت آخر يوم من شعبان، ولصيام رمضان وقيامه فضل وثواب عظيم من الله تبارك وتعالى.

    صيام يوم الشك


    ‏ شرح حديث: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صيام يوم الشك. أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج ، عن أبي خالد عن عمرو بن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن صلة أنه قال: (كنا عند عمار رضي الله عنه، فأتي بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم قال: إني صائم، فقال عمار رضي الله عنه: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: صيام يوم الشك، أي: حكم صيامه، وأورد الأحاديث في ذلك، وفيها ما يدل على تحريمه أو كراهته على الأقل، وذلك بما أورده من الحديث من إطلاق عمار بن ياسر رضي الله عنه، أن ذلك معصية للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أورد النسائي حديث عمار، وأنه كان في يوم شك، أي: اليوم الثلاثين من شهر شعبان، وكان يوم شك، هل هو من رمضان أو من شعبان؟ ومن المعلوم أنه لا يثبت رمضان إلا إذا شُهِدَ بدخول الشهر، أو أكملت عدة شعبان ثلاثين يوماً، وبعد ذلك يبدأ شهر رمضان، فيوم الثلاثين هو يوم الشك، وصيامه محرم؛ لأن عماراً رضي الله عنه، أطلق عليه أنه معصية، وكان عمار رضي الله عنه قد أتي بشاة مصلية، وطلب من الحاضرين أن يأكلوا، وأن يشاركوا في الأكل، وكان بعض القوم امتنع وقال:
    إني صائم، فقال عمار عند ذلك: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم، فالإطلاق بأنه معصية لأبي القاسم صلى الله عليه وسلم، يدل على تحريم صيامه، وأنه لا يجوز للإنسان أن يصوم يوم الشك الذي هو يوم الثلاثين من شعبان، وإنما عليه أن يكون مفطراً في ذلك اليوم اتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه قد جاء في الأحاديث عنه: (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين إلا رجلٌ كان يصوم صوماً فليصمه).
    وقوله: (لا تتقدموا) هذا نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التقدم بالصيام، وعمار بن ياسر رضي الله عنه أطلق على صيام يوم الشك بأنه معصية لأبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وأبو القاسم كنية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يذكرونه بكنيته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، بالكنية حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، فإذا قيل: أبو القاسم فهو حسن، وإذا قيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن، فذكره بوصف الرسالة أحسن من ذكره بالكنية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم)

    قوله: [أخبرنا عبد الله بن سعيد الأشج].ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي خالد الأحمر].
    هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن قيس].
    هو عمرو بن قيس الملائي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، الهمداني نسبة عامة، والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع جزء من همدان، أو بعض من همدان، وهو مشهور بالنسبة الخاصة التي هي السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن صلة].
    هو ابن زفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [كنا عند عمار].
    هو عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (.. لا تصلوا رمضان بيوم من شعبان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن أبي يونس ، عن سماك أنه قال: (دخلت على عكرمة في يومٍ قد أشكل من رمضان هو أم من شعبان وهو يأكل خبزاً وبقلاً ولبناً، فقال لي: هلم، فقلت: إني صائم، قال: وحلف بالله لتفطرن، قلت: سبحان الله مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني تقدمت، قلت: هات الآن ما عندك، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة أو ظلمة فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً، ولا تصلوا رمضان بيومٍ من شعبان)].أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أن سماك بن حرب دخل على عكرمة وهو يأكل خبزاً وبقلاً ولبناً، فطلب منه أن يتقدم للأكل، فقال: إنه صائم، فحلف عليه ليفطرن، ثم قال: سبحان الله مرتين، ثم لما رآه عازماً وحالفاً تقدم للأكل، وقال: هات ما عندك، أي:
    هات ما عندك من الحجة في ذلك، يعني: في هذا الإصرار، وهذا الإلزام، وهذا التأكيد بالحلف، فقال: حدثني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، أي: أن صيام رمضان يكون في الدخول لرؤيته، وفي الإفطار في الخروج يكون لرؤيته، فإن حصل مانع في السماء من غيم، أو ظلمة، أو قتر، أو غبار، أو ما إلى ذلك، فإن الناس يكملون عدة شعبان ثلاثين يوماً، ولا يستقبلون الشهر استقبالاً، بأن يصوموا اليوم الذي يشك فيه، لاحتمال أن يكون من رمضان، بل لا يصام رمضان إلا بيقين، ولا يكون الصيام إلا بإحدى هاتين الطريقتين: إما برؤية الهلال، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، وبعد ذلك يصام رمضان.
    قوله: [(ولا تصلوا رمضان بيومٍ من شعبان)]، بمعنى: أن الناس يصومون في آخر يوم من شعبان وصلاً له برمضان، واحتمالاً لأن يكون من رمضان؛ لأن الصيام لا يكون إلا بيقين من دخول الشهر، وذلك بحصول الرؤية، أو بحصول إكمال العدة عدة شعبان ثلاثين يوماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (.. ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم، مشهور بنسبته إلى جده عدي بن أبي عدي، فاسمه محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي يونس].
    هو القشيري حاتم بن أبي صغيرة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وروايته عن عكرمة فيها اضطراب، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، لكن الحديث كما هو معلوم جاء من طرق متعددة من غير هذا الطريق التي هي طريق عكرمة، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا طرق عديدة بهذا الحديث.
    [ دخلت على عكرمة..].
    هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وعكرمة مولى ابن عباس، فيه كلام، لكن خرج له أصحاب الكتب الستة، ومن أحسن من كتب عنه هو الحافظ في مقدمة الفتح، فإنه حصر الأقوال التي قيلت فيه، والقوادح التي قُدِح به من أجلها، وأجاب عنها بتفصيل وإيضاح من أبين ما يكون في مقدمة الفتح، يعني أطال في الكلام عليه وعلى الإجابة عما أورد عليه، وما قدح فيه في مقدمة الفتح؛ لأن المقدمة ذكر فيها الأشخاص الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، سواء كان الكلام مقبولاً أو غير مقبول، ولكنه اعتذر وأجاب عن كل واحد بما يناسبه، وكان بالنسبة لـعكرمة فإنه فصل الكلام تفصيلاً وبينه تبييناً، وذلك بحصر الأقوال التي قيلت فيه، ثم الإجابة عنها.
    [ سمعت ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    التسهيل في صيام يوم الشك


    ‏ شرح حديث: (... ألا تقدموا الشهر بيوم أو اثنين إلا رجل كان يصوم صياماً فليصمه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التسهيل في صيام يوم الشك. أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، أخبرني أبي، عن جدي، أنه أخبرني شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي وابن أبي عروبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول: (ألا لا تقدموا الشهر بيوم أو اثنين إلا رجل كان يصوم صياماً، فليصمه)].
    ثم أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: التسهيل في صيام يوم الشك، يعني: الرخصة في صيامه بحق بعض الناس، معناه: أن النهي ليس على الإطلاق بحيث لا يصام أبداً، ولا يصومه كل أحد، أي: الذي هو يوم الثلاثين من شعبان، بل جاءت السنة بالترخيص والتسهيل في حق بعض الناس الذين صيامهم ليس مرتبطاً برمضان، وإنما كان من عادتهم أن يصوموا الإثنين والخميس مثلاً، فوافق الخميس، أو الإثنين هو يوم الثلاثين، فإن هؤلاء يصومون ما اعتادوه؛ لأن صيامهم ما كان مبنياً على مناسبة الشهر، بل لو كان يوم الثلاثين يوم الثلاثاء، أو الأربعاء، أو السبت،
    أو الأحد، فإنهم يصومون، فصيامهم متعلق بالعادة، فالذي يصوم يوم الشك من أجل يوم الشك، يصومه يوم الإثنين، أو الأحد، أو السبت، أو ما إلى ذلك، لكن الذي عنده عادة يلتزمها، وهو أن يصوم الإثنين والخميس، إذا وافق الإثنين يوم الثلاثين، أو الخميس يوم الثلاثين فإن له أن يصوم، وقد رخص له ذلك، وهذا هو المقصود بالتسهيل، أي: الترخيص في حق بعض الناس، وهم الذين كان لهم صيام وافق صيامهم ذلك اليوم، فإن له أن يصوم في هذه الحالة، ومعنى هذا أن المنع منه ليس مطلقاً في حق جميع الناس، بل رخص لمن كان من عادته أن يصوم مثلاً الإثنين والخميس، فوافق أحد هذين اليومين يوم الثلاثين، فإن له أن يصومه، ولا مانع منه، وقد رخص له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل استثناه رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله: [(إلا رجلٌ كان يصوم صوماً فليصمه)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ألا تقدموا الشهر بيوم أو اثنين إلا رجل كان يصوم صياماً فليصمه)

    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد].هو المصري، وهو ثقة، أخرج له الإمام مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرني أبي].
    هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن جدي].
    الجد هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني شعيب بن إسحاق].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الأوزاعي وابن أبي عروبة].
    الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الثقة الفقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وشعيب بن إسحاق يروي عن الأوزاعي وعن ابن أبي عروبة، وروايته عن ابن أبي عروبة بآخره؛ فيها كلام لأن ابن أبي عروبة حصل له اختلاط، ومن المعلوم أن رواية شعيب بن إسحاق عنه في هذا الإسناد لا تؤثر؛ لأنه ليس وحده في الإسناد، بل معه من هو عمدة وحجة وهو الأوزاعي، فلو لم يأت ابن أبي عروبة فإنه يكفي الأوزاعي في هذا الحديث، لكن ابن أبي عروبة أيضاً جاء، فكونه روى عنه بآخره الذي هو شعيب بن إسحاق لا يؤثر ذلك؛ لأنه مقرون في هذا الإسناد بالإمام الأوزاعي، وابن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو اليمامي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً، والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك


    ‏ شرح حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً، والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك. أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب ، عن الليث ، أخبرنا خالد ، عن ابن أبي هلال ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].
    أورد النسائي رحمه الله ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً، المراد بالإيمان، أي: كونه يصدق ويعتقد بفرضيته ولزومه بالنسبة للصيام، واستحبابه والترغيب فيه بالنسبة للقيام، هذا هو المراد بالإيمان، وأما الاحتساب فهو طلب الثواب من الله، ويرجو الثواب منه، ويدفعه إلى ذلك الرغبة فيما عند الله، وطلب ما عند الله من الثواب الذي أعده لمن عمل هذا العمل الذي هو الصيام والقيام، وقد أورد أحاديث متعددة تتعلق بالصيام، وتتعلق بالقيام، أولها حديث سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرسل؛ لأن سعيد بن المسيب تابعي، (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهذا يدل على فضل قيام رمضان واحتسابه، وترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وبيان ما فيه من الأجر، وأن القيام الذي يكون نافعاً، ويكون صاحبه محصلاً للأجر، هو الذي يكون بهذين القيدين، وبهذين الوصفين، وهما: الإيمان والاحتساب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد، وقد تقدم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا خالد].
    هو خالد بن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي هلال].
    هو سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، مشهور بنسبته إلى جده شهاب، ومشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكونه مرسلاً لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء من طرق كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن جبلة ، حدثنا المعافى ، حدثنا موسى ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري أنه أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمرٍ فيه، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)]. أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، وهو بلفظ الحديث الذي تقدم عن سعيد بن المسيب المرسل، (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يرغبهم في القيام من غير عزيمة أمر فيه، يعني: من غير أن يلزمهم به، ويفرضه عليهم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في أواخر الشهر من رمضان، وصلى بصلاته جماعة من أصحابه، وترك الاستمرار على ذلك خشية أن يفرض عليهم، وهذا من شفقته على أمته عليه الصلاة والسلام، وحرصه على عدم حصول ما يشق عليها، وما قد يفرض، فيحصل فيه مشقة وصعوبة، فترك عليه الصلاة والسلام الاستمرار بهم في الصلاة، يعني قيام رمضان جماعة خشية أن يفرض عليهم قيام رمضان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنه رغبهم فيه وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن جبلة].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا المعافى].
    هو ابن سليمان، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا موسى].
    هو موسى بن أعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن إسحاق بن راشد].
    ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن في روايته عن الزهري فيها كلام وبعض الوهم، ولكن ذلك لا يؤثر؛ لأنه جاء من طرق أخرى عن الزهري، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [عن الزهري].
    قد تقدم ذكره.
    [أخبرني عروة بن الزبير].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أن عائشة...].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى ، أنبأنا إسحاق ، أخبرنا عبد الله بن الحارث ، عن يونس الأيلي ، عن الزهري ، أنه أخبرنا عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جوف الليل يصلي في المسجد فصلى بالناس، وساق الحديث، وفيه أنه قال: فكان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ويقول: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر على ذلك)].أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أنه ذكر الترغيب في قيام رمضان، ولكن نص على ليلة القدر، وهي من جملة رمضان، ولكن لها ميزة، ولها شأن خاص وفضل خاص، وذلك أنها خير من ألف شهر، وأنزل الله فيها سورة في كتابه تتعلق بهذه الليلة، والتنويه بعظم شأنها، فهي من جملة رمضان، وقيامها من قيام رمضان.
    وقوله: [فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك]، أي: على أن الأمر مرغب فيه، وليس مفروضاً، وليس مأموراً به، هذا هو الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر عليه، وهو من كلام الزهري الذي هو [فتوفي رسول الله والأمر على ذلك]، مدرجه واضح، ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن إسحاق].
    هو ابن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، والنسائي يروي عنه كثيرا بمباشرة، ولكنه يروي عنه أحيانا بواسطة كما هنا، فإنه يروي عنه بواسطة زكريا بن يحيى.
    [أخبرنا عبد الله بن الحارث].
    هو عبد الله بن الحارث المخزومي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يونس الأيلي].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (من قامه إيماناً واحتساباً...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أنه أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في رمضان: (من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، هو دال على فضل قيام رمضان، وقد جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة، وعائشة، وعن غيرهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قامه إيماناً واحتساباً...) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان يحتمل أنه المرادي، ويحتمل أنه الجيزي، وكل منهما ثقة.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو ابن وهب المصري عبد الله، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي وقد مر ذكره.
    [عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة...].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن خالد ، حدثنا بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري ، أنه أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، وساق الحديث وقال فيه: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمرٍ فيه، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم عنها رضي الله عنها: (كان يرغبهم من غير عزيمة أمرٍ فيه، ويقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
    قوله: [أخبرني محمد بن خالد].
    هو محمد بن خالد بن خلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن شعيب].
    هو بشر بن شعيب بن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي. وهو الذي جاء في ترجمته الوهم الذي حصل لـابن حبان، وهو أن البخاري قال: تركناه حياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، معناه: أنه لقيه ويعرفه، وآخر عهده به أنه كان حياً في تلك السنة، فـابن حبان أخطأ وقال: قال البخاري: تركناه، ولم يأت بما بعدها: (حياً)، فاختلف المعنى، ومعناه أنه متروك، وأن البخاري تركه وترك الاحتجاج به، وهذا خطأ؛ لأن البخاري قال: تركناه حياً، ولم يقل: تركناه فقط، أي: أننا تركنا حديثه، أو أننا تركنا الأخذ عنه، وإنما تركناه حياً، فـابن حبان أخطأ حيث أخذ أول الكلام، وغفل عن باقيه الذي هو يختلف تماماً عن ذكر (تركناه) وحدها، ونسبتها إلى البخاري، وهو ثقة.
    [عن أبيه].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري، أخبرني عروة، أن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (من قامه إيماناً واحتساباً...) من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن خالد ، حدثنا بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري ، أنه حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لرمضان: (من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، ورجال إسناده مر ذكرهم جميعاً.

    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب: أن أبا سلمة أخبره: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو باللفظ المتقدم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
    قوله: [أخبرنا أبو داود].
    هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يعقوب بن إبراهيم].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    أبوه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صالح].
    هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب أن أبا سلمة أخبره أن أبا هريرة...].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نوح بن حبيب ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، قال: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد حديث أبي هريرة بمثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا معمر].
    هو ابن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو ابن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق عاشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة ، حدثنا ابن القاسم ، عن مالك ، أنه حدثني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك ، أنه حدثني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.


    حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، أنه حدثنا جويرية ، عن مالك ، أنه قال الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل].
    هو محمد بن إسماعيل الطبراني أبو بكر، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء].
    هو عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جويرية].
    هو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن مالك أنه قال الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (من قام شهر رمضان إيماناً...) من طريق ثانية عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة ومحمد بن عبد الله بن يزيد ، قالا: حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من صام رمضان)، وفي حديث قتيبة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريقين: من طريق شيخه قتيبة، ومن طريق شيخه محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وطريق محمد بن عبد الله قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، يتعلق بالصيام، وأما حديث قتيبة فإنه: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، أي عطف ليلة القدر على قيام رمضان، هو من عطف الخاص على العام؛ لأنها من جملة الشهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام شهر رمضان إيماناً...) من طريق ثانية عشرة


    قوله: [ومحمد بن عبد الله بن يزيد].هو المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهو من طريق قتيبة، وهو مثل طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المتقدمة تتعلق بالصيام، وحديثه الأول قتيبة يتعلق بقيام رمضان وقيام ليلة القدر، وأما هنا يتعلق بالصيام، (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، ورجال الإسناد مر ذكرهم جميعاً.

    حديث: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ويتعلق بصيام رمضان.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو ابن راهويه الحنظلي، وقد تقدم، وبقية رجال الإسناد كذلك تقدم ذكرهم.


    حديث: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً..) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة، وهو بمثل ما تقدم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
    قوله: [أخبرنا علي بن المنذر].
    صدوق يتشيع، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو الذي نسب إليه التشيع، وأجاب الحافظ ابن حجر عنه في ترجمته في مقدمة الفتح، أنه كان يقول: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. رحم الله عثمان، أي: ابن عفان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. وهذا لا يقوله الشيعة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.

    الأسئلة


    ‏ كيفية رد المسلم على ملقي السلام بلفظ: السلام على من اتبع الهدى


    السؤال: يقال: إذا دخلتم على ناس مختلطين أو على مجلس فيه مسلمون وكفار، فأقول: السلام على من اتبع الهدى، فإذا دخل شخص على مسلم وقال مازحاً: السلام على من اتبع الهدى، فهل يرد عليه؟

    الجواب: ما يصلح المزح في مثل هذا، وهذا السلام في حق الكفار، وأما إذا كان ناس مختلطين كفار ومسلمون، فإنه يسلم على المسلمين وهو يريد المسلمين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #378
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (375)

    - باب ذكر الاختلاف في خبر ثواب قيام رمضان وصيامه - باب فضل الصيام والاختلاف على أبي إسحاق في حديث علي في ذلك

    بين الشرع الحكيم فضل صيام وقيام رمضان إيماناً واحتساباً كما بين عظم الصوم وأجره.

    ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير والنضر بن شيبان فيه


    ‏ شرح حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق ثالثة عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير والنضر بن شيبان فيه.أخبرني محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن هشام وأبو الأشعث واللفظ له، قالوا: حدثنا خالد عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه حدثني أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].
    فهذه طرق أخرى في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، المشتمل على بيان فضل قيام رمضان، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، والحديث عن أبي هريرة قد مر من طرق عديدة، وهذه من الطرق التي ورد بها هذا الحديث، والكلام فيه كالكلام فيما تقدم: (من قام رمضان إيماناً)، أي: تصديقاً، واعتقاداً بما ورد فيه من الترغيب، ومن الفضل، واحتساباً، طلبا للأجر، والثواب من الله سبحانه وتعالى، (غفر له ما تقدم من ذنبه)، ومن المعلوم أن المغفرة في مثل هذا إنما هي للصغائر، وأما بالنسبة للكبائر، فإنه لا بد فيها من التوبة، والله تعالى يقول: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )[النساء:31]، أي: الصغائر، وكذلك ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فالكبائر تحتاج إلى توبة يتوب الإنسان منها، و(التوبة تجب ما قبلها)، ومن تاب تاب الله عليه.
    وكذلك قوله: [(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)]، وهي ليلة من رمضان، بل هي ليلة من العشر الأواخر من رمضان، وهي داخلة تحت قيام الليل الذي مر (من قام رمضان إيماناً، واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، يدخل في ذلك ليلة القدر، لكنه نص عليها على سبيل الإفراد بعد أن كانت داخلة ضمن ليالي الشهر؛ للتنويه بشأنها، ولعظيم شأنها، وقد جاء بيان فضلها في القرآن الكريم، وأنها (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )[القدر:3]، وألف شهر تعادل ثلاثة وثمانين سنة، فهي تعادل عمراً طويلاً، وهذا يدل على عظم شأن هذه الليلة، وهي ليلة واحدة من ليالي شهر رمضان، بل من ليالي العشر الأواخر من رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق ثالثة عشرة

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [و محمد بن هشام].
    هو ابن أبي خيرة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [وأبو الأشعث].
    هو أحمد بن المقدام، وهو صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [واللفظ له].
    أي: لـأبي الأشعث الذي هو الأخير من الثلاثة؛ لأن للنسائي في هذا الحديث ثلاثة شيوخ، والأخير منهم هو: أبو الأشعث أحمد بن المقدام، واللفظ له، أي: اللفظ المسوق إنما هو لـأحمد بن المقدام، وأما الشيخان الأول والثاني، فهذا ليس لفظهما، ولكنه بالمعنى.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث: (من قام شهر رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق رابعة عشر وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن خالد عن مروان أخبرنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].ثم أورد النسائي الحديث عن أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة يعني متنها هو نفس المتن.
    قوله: [أخبرنا محمود بن خالد].
    هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن مروان].
    وهو ابن محمد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرنا معاوية بن سلام].
    هو معاوية بن سلام الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد تقدم ذكرهم.

    شرح حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق خامسة عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا الفضل بن دكين أخبرنا نصر بن علي حدثني النضر بن شيبان: (أنه لقي أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال له: حدثني بأفضل شيءٍ سمعته يذكر في شهر رمضان؟ فقال أبو سلمة: حدثني عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه ذكر شهر رمضان ففضله على الشهور، وقال: من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب: أبو سلمة عن أبي هريرة].أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، في رواية ابنه أبي سلمة عنه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وهذا لفظ آخر غير اللفظ المتقدم؛ لأن اللفظ المتقدم: (غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهنا: (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً ...) من طريق خامسة عشرة


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي، ثقة، فقيه، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئا.
    [عن الفضل بن دكين].
    هو أبو نعيم مشهور بكنيته، ويأتي باسمه كما هنا، ولكن أكثر ما يأتي ذكره بالكنية أبو نعيم، وهو من كبار شيوخ البخاري، وهنا يروي عنه النسائي بواسطة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقد وصف بالتشيع، ولكن نقل الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح عن بعض العلماء عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية. وهذا يدل على سلامته من التشيع؛ لأن سب معاوية، وشتم معاوية هذا من أسهل الأشياء عند الشيعة، بل حتى الزيدية الذين هم أهون الشيعة، وأخف من الرافضة بكثير، يتفقون معهم على سب معاوية، وإن كانوا لا يسبون الشيخين أبا بكر، وعمر، والرافضة يسبونهم، إلا أن معاوية سبه أمر مشترك بين هذه الفرق الضالة، وكلام أبي نعيم الفضل بن دكين الذي نقل عنه يدل على سلامته من التشيع؛ لأنه كونه يقول: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية. يدل على سلامته؛ لأن الشيعة لا يسلمون من سب معاوية، ومن القدح في معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وأبو نعيم الفضل بن دكين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نصر بن علي].
    هو ابن صهبان الجهضمي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، ويتفق معه في الاسم واسم الأب حفيده، نصر بن علي بن نصر بن علي الذي يأتي في شيوخ النسائي، فهو حفيد لهذا، يعني ابن ابن، واسمه مع اسم أبيه مكرر؛ لأنه نصر بن علي بن نصر بن علي، والذي معنا هو الجد، وأما الذي يأتي في شيوخ النسائي وغيره في طبقة متأخرة، فهو الحفيد نصر بن علي بن نصر بن علي.
    وقوله: [أنا] يعني أخبرنا، وعلى كلٍ بعض العلماء لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، ومنهم من يفرق بين حدثنا وأخبرنا، فيستعمل حدثنا في السماع وأخبرنا في العرض، والقراءة على الشيخ، ومنهم من يسوي بينهما، ويأتي بهما على حد سواء.
    [عن النضر بن شيبان].
    لين الحديث، وأخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي سلمة].
    وقد مر ذكره.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن عوف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد فسردهم فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة)، سردهم في حديث واحد عشرة، ولهذا يقال لهم: العشرة المبشرون بالجنة، ولا يعني أنه لم يبشر بالجنة أكثر من العشرة، بل هناك غيرهم بشر، ومنهم بلال، والحسن، والحسين، وفاطمة، وثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة بن محصن، وعدد كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشروا بالجنة، لكن أطلق لقب العشرة على هؤلاء العشرة؛ لأنهم بشروا بالجنة في حديث واحد، سردهم النبي صلى الله عليه وسلم واحداً واحداً، كل واحد منهم قال عنه على سبيل الخصوص: فلان في الجنة، وفلان في الجنة، حتى سرد العشرة، وكل واحد يقول: إنه من أهل الجنة، فقيل لهم: العشرة المبشرون بالجنة.
    ثم قال النسائي: [هذا خطأ، والصواب: عن أبي سلمة عن أبي هريرة]؛ لأن المحفوظ أن الحديث أو رواية أبي سلمة إنما يروي عن أبي هريرة، يعني هذا الحديث، ثم المتن فيه: (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وهذا ليس متفقاً مع ما مر في الروايات التي تقدمت، والحديث ضعفه الشيخ الألباني، ولعله بسبب النضر بن شيبان.

    حديث: (من صامه وقامه إيماناً واحتساباً) من طريق سادسة عشرة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا القاسم بن الفضل حدثنا النضر بن شيبان عن أبي سلمة: فذكر مثله، وقال: (من صامه وقامه إيماناً واحتساباً)].ثم ذكر الحديث من طريق آخر وهو حديث عبد الرحمن بن عوف، وهو مثل ما تقدم، وإنما فيه: (من صامه وقامه إيماناً واحتساباً)، يعني: ذكر الصيام والقيام مع بعض.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    قد مر ذكره.
    [أخبرنا النضر بن شميل].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا القاسم بن الفضل].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (... فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً ...) من طريق سابعة عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام حدثنا القاسم بن الفضل حدثنا النضر بن شيبان أنه قال: قلت لـأبي سلمة بن عبد الرحمن: حدثني بشيء سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليس بين أبيك وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد، في شهر رمضان، قال: نعم، حدثني أبي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامة إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن في أوله ذكر فرض الله عز وجل الصيام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سن القيام، أي: رغب فيه، وحث عليه، كما مر في بعض الروايات: أنهم كان يرغبهم من غير عزيمة أمر فيه، بل هو يخاف، وكان يخشى أن يفرض عليهم، فلم يواصل بهم الصلاة، وقد صلى بهم عدة أيام في آخر الشهر، وترك خشية أن يفرض عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو سنة من السنن المستحبة التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من هديه عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس واجباً، وإنما هو مستحب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً ...) من طريق سابعة عشرة

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو هشام].
    هو المغيرة بن سلمة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقا، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له الترمذي، ولا البخاري في الأصل، وإنما خرج له في التعاليق.
    [عن القاسم بن الفضل عن النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن عبد الرحمن].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.
    والطرق الثلاث كلها تدور على النضر بن شيبان، وهو لين الحديث كما قال الحافظ ابن حجر.


    فضل الصيام والاختلاف على أبي إسحاق في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك


    ‏ شرح حديث: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي به ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الصيام والاختلاف على أبي إسحاق في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك.أخبرني هلال بن العلاء حدثني أبي حدثنا عبيد الله عن زيد عن أبي إسحاق عن عبد الله بن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: حين يفطر وحين يلقى ربه، والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].
    أورد النسائي فضل الصيام، وأورد فيه حديث علي وغيره رضي الله تعالى عنهم، وبدأ بحديث علي رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.. أي: في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
    هذا يشتمل على فضل الصيام من عدة وجوه في قوله: (الصوم لي)، كون الله عز وجل يقول: (الصوم لي)، ومن المعلوم أن الأعمال كلها لله عز وجل الصوم وغير الصوم، لكن التنصيص على الصوم وإضافته إلى الله عز وجل يدل على عظم شأنه، لذلك خصه بالإضافة إليه مع أن الأعمال كلها لله عز وجل، وما ينفع أي عمل من الأعمال إلا إذا أريد به وجه الله، ودين الإسلام مبني على قاعدتين: الإخلاص والمتابعة؛ تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فأي عمل من الأعمال هو لله سبحانه وتعالى، ولا ينفع أي عمل يتقرب به إلى الله عز وجل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله، ومطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إذاً ففائدة إضافته إلى الله عز وجل، مع أن الأعمال كلها له ولا يكون منها شيء لغيره، ذلك أن الصيام يختلف عن غيره؛ لأنه من الأمور الخفية التي تنبني على النية، والعمل الخفي، بخلاف الأعمال الأخرى مثل الصلاة، فإنها واضحة، فإنها أعمال وحركات تظهر للناس، ومشروعة في المساجد، والذي يذهب للمساجد يعرف أنه يصلي، وكذلك الزكاة أيضاً ظاهرة، ولو لم يعلم عنها إلا الفقراء الذين تعطى لهم، فإنه يطلع عليها من شاء الله من الناس، ويعرفها بعض الناس، فإذاً: هي من الأمور الظاهرة التي يطلع عليها الناس، الحج فيه سفر، وانتقال إلى مكة، ووقوف في مشاعر، أما الصوم فإنه من الأمور الخفية، ولهذا قالوا: إنه يبعد فيه الرياء، بخلاف غيره مما يظهر.
    ثم أيضاً الصيام كما أنه مما يخشى فيه الرياء، فأيضاً هو من الأمور التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، فقد يكون الإنسان مفطراً، والناس يظنون أنه صائم، يكون في شهر رمضان مفطراً -والعياذ بالله- والناس يظنون أنه صائم؛ لأنه أمر خفي يدخل في بيته ويأكل، ويشرب لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، وقد يكون صائماً متنفلاً، ولا أحد يدري عنه، ولا أحد يعلم عنه، قالوا: فهو أبعد ما يكون عن الرياء، فلهذا قال الله عز وجل: الصوم لي، وهو يجزي عليه، ويثيب عليه بغير حساب، وهذا يدلنا على فضل الصوم، كون الله عز وجل يضيف الصوم إليه، وهذه الإضافة تدل على تعظيم شأنه، وعلى تمييزه على غيره.
    ثم قال: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، الصائم يفرح فرحتين: إحداهما عندما يفطر، لماذا يفرح؟ لأنه أدى عملاً يتقرب به إلى الله عز وجل، فهو يفرح؛ لأن الله وفقه لأن يؤدي هذا العمل الصالح، وهو ينتهي عند الإفطار، فإذا جاء الإفطار معناه أنه أدى العمل المشروع، أو العمل المفروض، فهو يفرح؛ لأنه أدى عمله، وكلما يصوم الإنسان يوم من رمضان، ويأتي عند الإفطار، فإنه يفرح؛ لأنه وفق بأن أكمل صيام ذلك اليوم، فإذا أكمل الشهر وصام رمضان كله، وأفطر في آخر يوم من رمضان، تكون الفرحة أكبر؛ لأنه صام الشهر كله، ولهذا شرع الله عز وجل للناس بعد أن يتموا شهر الصيام عبادتين، كل منهما مضاف إلى الفطر، وهما: زكاة الفطر وعيد الفطر؛ لأن زكاة الفطر من أجل شكر الله عز وجل على صيام رمضان، والانتهاء منه حتى أنهاه، وأفطر في آخر يوم منه وقد أكمله، فيقال للزكاة: زكاة الفطر؛ لأنها شكر لله عز وجل على هذه النعمة، وهي نعمة التوفيق للصيام، حيث أكمله الإنسان وأتمه، فهو يتصدق بهذه الصدقة الواجبة المفروضة اللازمة شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، ثم أيضاً فيها إغناء للفقراء في ذلك اليوم الذي هو فرح، وسرور، فلا يكونون مشغولين في البحث عن أكل، بل عندهم الأكل، وكل مسلم يجب عليه أن يخرج زكاته صاعاً من قوت البلد، ومن الطعام الذي يؤكل في البلد.
    العبادة الثانية: عيد الفطر، وهي أن الناس يصلون صلاة العيد، وقيل له: عيد الفطر؛ لأنه منسوب إلى إكمال الصيام، وإلى الفطر من رمضان، فيفرح الإنسان عند فطره، لا يفرح؛ لأنه حصل الأكل والشرب، ووصل إلى حد أنه يأكل ويشرب، وإنما يفرح؛ لأنه أدى عبادة، ووفقه الله عز وجل لأدائها.
    الفرحة الثانية: وهي عند لقاء الله عز وجل، يفرح؛ لأن الله تعالى يثيبه، ويجد ثواب الله عز وجل على هذا العمل الصالح.
    فإذاً فرحة دنيوية، وفرحة أخروية، فرحة دنيوية بإكمال العمل الصالح، وفرحة أخروية في الآخرة، عندما يلقى الجزاء على هذا العمل الصالح، ولهذا جاء في الحديث: أن بعض الأعمال يكون لها باب من أبواب الجنة باسم ذلك العمل، باب الصلاة، باب الجهاد، إلا الصيام فإنه لا يقال له: باب الصيام، وإنما يقال له: باب الريان؛ لأنه يشعر بالري الذي هو ضد العطش؛ لأن الذي صام عطش نفسه، وأظمأها لله عز وجل، فالله تعالى يثيبه بأن يدخل من باب يقال له: الريان، فيه ما يقابل العطش، وما يقابل الظمأ، إنما فيه الري الذي هو يقابل الظمأ والعطش، فهذا من الثواب الذي يثيب الله عز وجل عليه الصائمين، يدعى الصائمون من باب الريان، فهذه إشارة إلى أن الذي أظمأ نفسه لله وعطشها لله، يجازى بأن يدخل من هذا الباب الذي هذا اسمه، وما يحصل له عطش، ولا يناله عطش، وإنما يحصل الري، ومن المعلوم أن من دخل الجنة يحصل الخير الذي فيها، وكفى لمن وفقه الله عز وجل أن يدخلها، كفى ذلك فضلاً وثواباً، لكن الله عز وجل جعل لكل عمل ثواباً، وجعل أجر الصيام أن يدخل أو يدخل أصحابه من هذا الباب الذي لا يسمى باب الصيام، ولكنه يسمى باب الريان.
    فإذاً هناك فرحتان: فرحة عند الإفطار؛ لأن الإنسان أتم عملاً صالحاً يرجو ثوابه عند الله عز وجل، ويفرح الفرحة الكبرى عندما يلقى الله عز وجل، فيجازيه على هذا العمل الصالح الذي هو الصيام.
    ثم وهذا يدل على فضل الصيام؛ لأن هذه أيضاً جملة أخرى تدل على فضل الصيام.
    الجملة الثالثة: (والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، والخلوف هو: الرائحة التي تنبعث من الجوف بسبب الامتناع عن الأكل والشرب، وهي رائحة متغيرة، فهي غير مستحسنة عند الناس؛ لأن فيها انحباساً وامتناعاً عن الأكل والشرب، فيتغير ما ينبعث من الجوف، وهذه الرائحة الغير مستحسنة شأنها عظيم عند الله عز وجل، وهي أطيب عند الله من ريح المسك، ويوضح هذا ما جاء في الحديث عن المقتول في سبيل الله أنه: (يأتي يوم القيامة جرحه يثعب دماً، اللون الدم، والريح ريح المسك)؛ لأن منظر خروج الدم، والذي لا تميل إليه النفوس، يجعله الله عز وجل على هذه الهيئة، (اللون لون الدم، والريح ريح المسك)؛ لأنه حصل بسبب التقرب إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيل الله، فوجد ذلك الدم بهذه الطريقة، فكان شأنه عند الله عظيم، وكذلك الصيام الذي هو امتناع عن الأكل، والشرب، ويتغير رائحة الفم بسبب ذلك، شأنه عظيم عند الله، فكما أن لون الدم غير مستحسن، ومع ذلك يكون عند الله عظيم، فكذلك هذه الرائحة التي هي غير مستحسنة هي شأنها عند الله سبحانه وتعالى عظيم، (والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وهذا يدل على فضل الصيام أيضا.
    إذاً ثلاث جمل كلها تدل على فضل الصيام: (الصوم لي وأنا أجزي به)، أي: أن الله يثيب عليه بغير حساب، وأن الله تعالى أضافه إلى نفسه.
    والثانية: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، وهي تدل على فضل الصيام.
    والثالثة: (والذي نفسه بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وهي أيضا دالة على فضل الصيام. وهذه الجملة استدل بها بعض العلماء على أن الإنسان لا ينبغي له أن يستاك في آخر النهار، قالوا: لأن السواك يغير رائحة الفم، فتكون طيبة، ويذهب أثر الخلوف الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، هكذا قال بعض أهل العلم، ولكن الصحيح أن الاستياك جائز ومشروع للصائم في جميع أوقات النهار، وحتى آخر النهار، وقد جاء ما يدل على أن الاستياك يكون مطلقا في النهار في حق الصائم، ولو كان في آخر النهار، والدليل على ذلك الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، فإن قوله: (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، هذا يشمل الصيام وغير الصيام، ومن المعلوم أن صلاة العصر هي في آخر النهار، وداخلة تحت هذا الحديث، (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ومن ذلك صلاة العصر في حق من هو صائم.
    ثم أيضا قضية أنه يذهب الخلوف، الرائحة الموجودة وإن حصل التغير، فالثواب عند الله عز وجل، وإن حصل شيء يحسن رائحة الفم، ولكن شأنها عند الله عظيم، فالحديث يدل على فضل الصيام بجمله الثلاث. والحديث قدسي من الأحاديث القدسية؛ لأن أوله قول الله عز وجل: (الصوم لي وأنا أجزي به)، فهو حديث قدسي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي به ...)

    قوله: [أخبرني هلال بن العلاء].هو هلال بن العلاء بن هلال، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي].
    هو العلاء بن هلال، وهو فيه لين وحديثه أخرجه النسائي وحده.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو ثقة ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد].
    هو زيد بن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الحارث].
    هو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وقيل: له رؤية، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على توثيقه، يعني إذا كان ما ثبتت الرؤية له فهو مجمع على توثيقه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن أبي طالب].
    رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أبو الحسنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصهره على ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو رابع الخلفاء الراشدين، الهاديين، المهديين، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة، وقد جاء في الكتب الستة وغيرها أحاديث كثيرة تدل على فضله، ونبله رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد شاء الله عز وجل أن يكون الخلفاء الراشدون الأربعة، أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم أصهاره، فـأبو بكر صهره أبو زوجته، فالرسول تزوج منه، وعمر كذلك أيضا، تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم، ابنته حفصة، فالأولان تزوج منهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهما أصهاره، والآخران وهما عثمان، وعلي تزوجوا من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، فـعثمان تزوج رقية، ثم ماتت في عصمته، فزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها أختها أم كلثوم؛ ولهذا يقال له: ذو النورين؛ لأنه تزوج ابنتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوج إحداهما بعد الأخرى، وعلي تزوج فاطمة، فالأربعة الخلفاء الراشدون هم أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الأولان تزوج منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخران تزوجا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (إن الله تعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي به ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال عبد الله: قال الله عز وجل: (الصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحةٌ حين يلقى ربه، وفرحةٌ عند إفطاره، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه موقوف على عبد الله بن الحارث، ليس فيه ذكر علي رضي الله تعالى عنه، والمتن هو نفس المتن، الجمل الثلاث التي مرت في حديث علي جاءت في هذا الموقوف على عبد الله بن الحارث بن نوفل.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد].
    محمد هنا غير منسوب، وهو محمد بن جعفر الملقب غندر، وإذا جاء محمد بن بشار يروي عن محمد غير منسوب وهو أيضا يروي عن شعبة، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي الأحوص].
    هو عوف بن مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وأبو الأحوص يطلق على شخصين كل منهما يقال: أبو الأحوص، إلا أن هذا طبقته متقدمة، وأبو الأحوص سلام بن سليم هذا طبقته متأخرة، وكل منهما يقال له: أبو الأحوص، وهو مشهور بكنيته، فإذا جاء أبو الأحوص متقدم فهو هذا عوف بن مالك، وإذا جاء متأخراً فهو سلام بن سليم الحنفي، وكل منهما ثقة.
    وهذه الكنية تطلق على هذين الشخصين وقد خرّج لهما أصحاب الكتب الستة أو معظمهم، ويوجد في الكتب الستة من كنيته أبو الأحوص غير هذين لكن حديثه في أحد الكتب الستة أو بعضها كـأبي الأحوص الحنفي وأبي الأحوص الشامي وغيرها.
    [عن عبد الله].
    هو ابن الحارث الذي تقدم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #379
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (376)

    - ذكر الاختلاف على أبي صالح في خبر فضل الصيام

    تضافرت الأدلة على فضل الصيام، وما له من المكانة العظيمة عند الله تعالى، وقد جاءت الأحاديث النبوية بكافة طرقها لتجسد فضل الصيام، ومميزاته العظام، من جهة إضافة الصيام إلى الله، ومن جهة أن للصائم فرحتان، وأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

    ذكر الاختلاف على أبي صالح في هذا الحديث


    ‏ حديث: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي به ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على أبي صالح في هذا الحديث. أخبرنا علي بن حرب حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبو سنان ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي سعيد أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي، وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فجزاه فرح، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].
    ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، الأول حديث علي، وهنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم بالجمل الثلاث: (الصوم لي وأنا أجزي به)، (وللصائم فرحتان)، (ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، كل هذه الجمل الثلاث التي كل واحدة منها تدل على فضل الصيام، قد تقدمت في الطريقين السابقتين، والكلام فيها نفس الكلام.

    حديث: (... قال الله عز وجل: إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما من حسنة عملها بن آدم إلا كتب له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، الصيام جنة، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه زيادة أن الأعمال التي يعملها الإنسان غير الصيام الحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف له إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال الله عز وجل: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، يعني: أنه يجزي به بغير حساب، ففيه: زيادة ما ذكر في أوله من كون الله يثيب على الحسنة بعشر أمثالها، وأن الله يضاعف أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف، إلى أكثر من ذلك.

    حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن حجاج أنه قال ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، إذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه عز وجل فرح بصومه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما تقدم، إلا أن المتقدم فيه الزيادة، والذي قبله فيه زيادة وهي قوله: [(يدع شهوته وطعامه من أجلي)]؛ لأن هذا من الأمور الخفية، وهو يدعها من أجل الله، ولا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى؛ ولا يطلع عليها الناس، وهنا قال في الحديث الذي معنا.
    قوله: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب)، (لا يرفث)، الرفث: يطلق على الفاحش من القول، كما يطلق أيضاً على الجماع، وأسباب الجماع، فقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ يَتَّقُونَ )[البقرة:187]، المقصود به: الجماع، ومقدمات الجماع، فيأتي الرفث يراد به الجماع، ويأتي مراداً به الفاحش من الكلام، ومن المعلوم أن الصائم ممنوع من الجماع، وممنوع أيضاً من الفاحش من القول، وهذا دائماً وأبداً، ليس خاصاً في الصيام، ولكن التنصيص على الصيام دليل على أن الأمر أعظم، والأمر أشد، فمن باب أولى أن الإنسان يمنع من الفاحش من القول حال الصيام، وليس معنى ذلك أنه في غير الصيام يفعل هذا الرفث الذي هو الفاحش من القول، بل لا يفعله دائماً وأبداً، ولكن الأمر يكون في الصيام أعظم، مثل قول الله عز وجل في الأشهر الحرم: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ )[التوبة:36]، والظلم ممنوع، أي أن: الإنسان ممنوع من الظلم دائماً، لكن في الأمكنة الفاضلة وفي الأزمنة الفاضلة، يكون الأمر أشد، والأمر أعظم، فلا يظلم الإنسان نفسه، لا في الأشهر الحرم، ولا في غيرها، لكن في الأشهر الحرم الأمر أعظم إذا وجد الظلم، كما أنه في الأمكنة الفاضلة عندما توجد المعاصي، فالأمر أعظم، فليست المعصية في الحرم كالمعصية في البلاد البعيدة النائية، وليس من يعصي الله عند الكعبة كمن يعصيه في البلاد النائية والأماكن البعيدة، فمن يعصي الله في مكة والمدينة أخطر، وأعظم ممن يعصي الله في أي مكان؛ لأن المكان له شرفه وله ميزته، وكذلك الزمان أيضاً له شرفه وميزته.
    قوله: [(ولا يصخب)]، يعني: يصيح وتصدر منه أصوات مزعجة، وفيها إزعاج وإيذاء، فلا يفعل ذلك، وإنما يكون على هدوء وسكينة، (فإن سابه أحدٌ أو شاتمه فليقل: إني صائم)، يقولها بنفسه، وبلسانه، يتذكر في نفسه أنه صائم، فهو لا يقابل ذاك، وإن كان للإنسان أن يقابل السيئة بالسيئة، (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )[الشورى:40]، لكن كونه يمتنع، ولا يقابل، ويتذكر الصيام ويقول: إني صائم، هذا هو الذي ينبغي.
    وهذه الطريق من طرق حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، في بيان حديث فضل الصيام، الذي جاء فيه الفضل للصيام من وجوه عديدة، منها قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به، كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها)، قال الله عز وجل للصوم: (فإنه لي، وأنا أجزي به، والصوم جنة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه)، فهذه الجمل الدالة على فضل الصيام، قد تقدم ذكرها في الأحاديث السابقة، أو في الطرق السابقة، وهي دالة على فضل الصيام من هذه الوجوه العديدة، من جهة إضافة الصيام إلى الله عز وجل، والأعمال كلها لله سبحانه وتعالى، لكن الصوم له ميزة يتميز بها، وهي: أنه أبعد ما يكون عن الرياء في الأعمال، ذلك لأنه من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، وكذلك أن الصوم جنة، وهو جنة من النار، وجنة من المعاصي، والأمور المحرمة؛ لأنه يخفف على الإنسان فيجعله ليس فيه من قوة تدفعه إلى أن يسترسل مع الشهوات، فالصوم يكون سبباً في عدم جموحه، وعدم حصول القوة التي تدفعه إلى الوقوع في الشهوات، وقد بين عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود لما قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، أي: بمنزلة الخصاء الذي لا يكون للإنسان شهوة معه، وذلك لما يحصل للإنسان بسبب الصوم وقلة الأكل، والتمتع بالنعم، من عدم القوة التي قد توقعه في الأمور المحرمة.
    وكذلك الصيام، الصائم له فرحتان: فرحة عند فطره يفرح بفطره، وعند لقاء ربه يفرح بصومه، فهو يفرح في الدنيا لأنه أتم عبادة، ويفرح في الآخرة لأنه عمل عملاً يثاب عليه في الدار الآخرة، وكذلك جاء في الحديث: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحدٌ أو سابه، فليقل: إني صائم)، المقصود بالرفث: الفاحش من القول، ويطلق أيضاً على الجماع، ومقدمات الجماع، وكل هذه ممنوعة في حال الصيام، أما الفاحش من القول فهو ممنوع في حال الصيام، وفي غير حال الصيام، ولكنه يكون آكد في حال التلبس بالعبادة التي هي: الصيام، فإن الأمر يكون في ذلك آكد، وإلا فإن المنع من الفاحش من القول مطلوب من الإنسان دائماً وأبداً في حال صيامه، وفي غير حال صيامه.
    وأما الرفث الذي هو الجماع، ومقدماته، فهو فيما أحل الله عز وجل، فهو ممنوع في حال الصيام، ومباح في ليلة الصيام، كما قال الله عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ )[البقرة:187]، وهو جماع النساء، ومقدمات الجماع، فإن ذلك مباحاً في ليلة الصيام، ولكنه غير جائز في حال الصيام، (ولا يصخب)، والصخب هو: رفع الصوت، وحصول الأصوات المزعجة التي تدل على قلة الحياء، وقلة المروءة، فلا يصخب الإنسان، وإن سابه أحد أو شاتمه فليذكر نفسه أنه صائم، وليذكر من يقابله بأنه صائم، فيقول بنفسه، وبلسانه: إنه صائم، وذلك يكون سبباً في عدم وقوعه في المقابلة بالشتم، وبالسب، والعيب.
    وقوله: [(ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك)]، الخلوف هو: الرائحة التي تنبعث من الجوف في آخر النهار بسبب الامتناع عن الأكل والشرب، فإنه يخرج من الجوف رائحة مستكرهة تنبعث منه، وهذه الرائحة المستكرهة التي تحصل في حال الصيام بسبب التلبس في هذه العبادة، وبسبب الامتناع عن الأكل والشرب، شأنها عظيم عند الله عز وجل، وهي يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا مثل ما جاء في الشهيد، يأتي يوم القيامة يثعب دمه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فالدم وإن كان مستكرهاً، وخروجه من البدن لا تميل إليه النفوس، ولكنه لما كان خروج الدم في سبيل الله، فإن شأنه عظيم عند الله، ولهذا يأتي يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وهذه الرائحة المستكرهة في هذه الحياة الدنيا شأنها عظيم عند الله عز وجل، وهي أطيب عند الله من ريح المسك، ذلك لأنها رائحة غير مستحسنة، ومستكرهة، ولكنها كانت في طاعة الله، وفي سبيل الله، فيكون شأنها عظيماً عند الله، وتكون أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن حجاج].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح الزيات].
    يأتي في بعض الروايات: أبي صالح السمان، واسمه: ذكوان، وكنيته: أبو صالح، ولقبه: الزيات، والسمان، ويقال له: الزيات لأنه كان يجلب الزيت يبيعه، ويقال: السمان لأنه يجلب السمن يبيعه، فقيل له: السمان، والزيات لذلك، ولا تنافي بين كونه يأتي في بعض الروايات: السمان، وفي بعض الروايات: الزيات، فكلها صحيحة؛ لأنه يبيع السمن، ويبيع الزيت فيقال له: الزيات، ويقال له: السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءةً عليه عن عطاء بن أبي رباح أنه أخبرني عطاء الزيات: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به، الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتملت عليه الطريق السابقة من ذكر خصال عديدة، كل واحدة منها تدل على فضل الصوم، وقد عرفنا تلك الخصال، أو تلك الجمل، ودلالتها على فضل الصيام.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].
    هو محمد بن حاتم بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سويد].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    وقد مر ذكره.
    [عن عطاء بن أبي رباح].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرني عطاء الزيات].
    وليس هناك شخص يقال له: عطاء الزيات، والصواب: أبو صالح الزيات الذي مر ذكره في الروايات السابقة، وإنما هذا خطأ، والمقصود: أبو صالح الزيات، وليس عطاء الزيات؛ لأن صاحب الرواية والمعروف بها هو أبو صالح الزيات، والحافظ ابن حجر لما ذكر عطاء الزيات في التقريب ذكر أنه وقع في النسائي بهذه الصورة، والصواب عن أبي صالح الزيات، ولم يذكر شخصاً يعرف بـعطاء الزيات، ولكنه قال: إن الصواب هو: أبو صالح الزيات، هو الذي عرفنا أنه ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    ثم قال: [وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة، وسعيد بن المسيب]، يعني: سعيد بن المسيب يرويه عن أبي هريرة؛ لأنه جاء من الطرق المتقدمة عن أبي هريرة، وفيه عطاء بن أبي رباح يروي عنه غيره، ثم ذكر أن هذا الحديث جاء أيضاً عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وقد ذكر طريقين من هذه الطرق، أو ذكر طريقين فيهما رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ثم ذكرهما بعد ذلك.

    حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أنه قال حدثني سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (قال الله عز وجل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به، والذي نفس محمد بيده، لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق سعيد بن المسيب رحمة الله عليه، وهو يشتمل على جملتين من الجمل المتقدمة الدالة على فضل الصيام، وهي: [ (الصوم لي وأنا أجزي به، ولخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ].
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
    والربيع بن سليمان اثنان هما: الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وهما مصريان، وهما يرويان عن ابن وهب، ولا ندري أيهما؟ لكن كيفما كان، فإن كل منهما ثقة.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق ثامنة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب عن عمرو عن بكير عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كل حسنة يعملها بن آدم فله عشر أمثالها إلا الصيام لي وأنا أجزي به)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى من طريق سعيد بن المسيب، وهو مشتمل على الجملة الأولى الدالة على فضل الصيام وهي: [ (الصوم لي وأنا أجزي به) ]، وقد مر ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ...) من طريق ثامنة


    قوله: [أحمد بن عيسى].هو أحمد بن عيسى المصري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما.

    بيان (عبد الله) الذي يروي عنه أبو الأحوص

    سبق أن مر في الدرس الماضي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا الموضوع الذي يتعلق بفضل الصيام، وبعد ذكر الطريق الأولى التي هي عن علي ، وهي من طريق أبي إسحاق السبيعي، ذكر النسائي طريقاً أخرى عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله ، وذكرت بالأمس أن عبد الله لعله عبد الله بن الحارث بن نوفل الذي يروي في الإسناد الذي قبل هذا عن علي ، لكن الواقع أنه ليس هذا، بل هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل المشهور، ولم يذكر المزي في ترجمة أبي الأحوص عوف بن مالك أنه روى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، بل ذكر أنه روى عن عبد الله بن مسعود ، ثم أيضاً المزي في تحفة الأشراف ذكر في ترجمة عبد الله بن مسعود هذا الحديث، وقال: إنه من طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ، حيث ذكره في ترجمته، وأحال إلى ما مر في حديث علي الذي جاء بعده مباشرةً حديث عبد الله بن مسعود هذا، وعلى هذا فـعبد الله الذي يروي عنه أبو الأحوص هو عبد الله بن مسعود ؛ لأنه هو الذي يروي عنه أبو الأحوص ، ولم يذكر المزي في ترجمة أبي الأحوص أنه روى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل.فعبد الله الذي تقدم يذكر عنده هو ابن مسعود.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #380
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (377)

    - ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم - باب ذكر ما يكره من الصيام في السفر

    جاءت الأدلة لتوضح فضل الصوم والصائمين، وما أعده الله لهم من الأجر العظيم، وبينت الأدلة أن على الصائم أن لا يسب ولا يصخب حتى ولو كان على حق حتى ينال الأجر كاملاً وافياً، فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ووضحت الأدلة أن الصيام في السفر سائغ حيث لا مشقة ولا ضرر؛ لأن شريعتنا مبنية على التيسير.

    ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم


    ‏ شرح حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا مثل له ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم.أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الرحمن أنه حدثنا مهدي بن ميمون أنه أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب أنه أخبرني رجاء بن حيوة عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له)].
    أورد النسائي حديثاً في فضل الصيام، أو بعض الأحاديث الدالة على فضل الصيام، ومنها حديث عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلب منه أن يأمره بشيء يأخذه عنه، فقال عليه الصلاة والسلام: [(عليك بالصوم فإنه لا مثل له)]، وهذا يدل على فضل الصيام؛ لكون الرسول صلى الله عليه وسلم يحث عليه، ويقول: [ عليك ]، وهذه للحث، والترغيب، ثم قوله: [(فإنه لا مثل له)]، كل ذلك يدل على فضل الصيام، من جهة كونه يرغب فيه، ومن جهة كون الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه لا مثل له، فهو دال على فضل الصيام من الجهتين: من جهة الترغيب المفهوم من قوله: [(عليك)]، ومن جهة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الصيام لا مثل له، فهو دال على فضل الصيام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا مثل له...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مهدي بن ميمون].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن رجاء بن حيوة].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي أمامة].
    هو صدي بن عجلان الباهلي، مشهور بكنيته أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (... عليك بالصيام فإنه لا مثل له ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم: أن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي حدثه عن رجاء بن حيوة أنه حدثنا أبو أمامة الباهلي أنه قال: قلت: (يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصيام فإنه لا مثل له)].أورد النسائي حديث أبي أمامة من طريق أخرى، وهو مثل الذي تقدم.
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
    وقد مر ذكره.
    وبقية رجال الإسناد مر ذكرهم إلا جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا عدل له) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عبد الله بن محمد الضعيف شيخ صالح، والضعيف لقب لكثرة عبادته حدثنا يعقوب الحضرمي حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن أبي نصر عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه: (سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: عليك بالصوم، فإنه لا عدل له)].أورد النسائي حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم: (عليك بالصوم)، ما تقدم، قال: (لا مثل له)، هنا قال: (لا عدل له)، و(عدل له)، بمعنى: (لا مثل له)، يعني: لا يعدله شيء، لا يماثله شيء، بمعنىً واحد، وهو دال على فضل الصيام كما عرفنا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا عدل له) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرني عبد الله بن محمد الضعيف].والضعيف هو لقب له، وسبب تلقيبه به قيل: كثرة عبادته، وقيل: إنه كان نحيل الجسم، وهو وصف على خلاف ما يتبادر للذهن؛ لأن الذي يتبادر للذهن أنه قد يتبين بأنه ضعيف، وأن فيه قدحا، والواقع خلاف ذلك، فالضعف الذي فيه ليس قدحاً في روايته وفي عدالته، وإنما هو وصف له، قيل: إنه وصف بذلك لكثرة عبادته، وأنه نحيل الجسم لكثرة العبادة، فهو وصف لغير ما يتبادر للذهن، وهو وصف غير مرغوب، ولكنه الواقع وأن سببه الإخبار عن حالته، وعن جسمه، وأنه فيه نحول بسبب كثرة العبادة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    ومثل هذا شخص آخر يقال له: الضال، يوصف بأنه الضال، ولم يكن ضالاً، وإنما كان ضائعاً في طريق مكة فقيل له: الضال، وهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن، وهو ليس من أهل الضلال، كما قد يتبادر، وإنما ضاع في طريق مكة فقيل له: الضال، يعني: ضل الطريق، ولم يهتد في الطريق، وهذا قيل له: الضعيف لكثرة عبادته.
    [حدثنا يعقوب الحضرمي].
    هو يعقوب بن إسحاق الحضرمي، وهو صدوق، أخرج له الإمام مسلم، والترمذي، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي نصر].
    هو أبو نصر الهلالي، وهو مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده. وكونه مجهول لا يؤثر ذلك؛ لأن الحديث جاء من طرق عديدة ثابتة من غير هذه الطريق، وفي بعض النسخ: أبي نصرة، وهو غير صحيح وقد ذُكر في تحفة الأشراف، وأيضاً جاء هو في طريق أخرى ستأتي أبي نصر الهلالي، يعني منصوصاً عليه.
    [عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا عدل له) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن محمد هو ابن السكن أبو عبيد الله حدثنا يحيى بن كثير حدثنا شعبة عن محمد بن أبي يعقوب الضبي عن أبي نصر الهلالي عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة رضي الله عنه، أنه قال: (قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: عليك بالصوم، فإنه لا عدل له، قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له)].أورد النسائي حديث أبي أمامة من طريق أخرى، وفيه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يأمره بعمل، فقال: (عليك بالصوم، فإنه لا عدل له)، فأعاد عليه السؤال فقال: (عليك بالصوم، فإنه لا عدل له)، وهو دال كما عرفنا على فضل الصيام، بل هذه الرواية دالةً على تأكيد هذا الفضل، حيث سأله في المرة الأولى، وأجاب بهذا الجواب، ثم سأله المرة الثانية، فأعاد الجواب، فهو دال على تأكيد هذا الفضل وتحقيقه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... عليك بالصوم فإنه لا عدل له) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا يحيى بن محمد وهو ابن السكن أبو عبيد الله]. صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وكلمة هو ابن السكن، الذي قالها أبو عبيد وهو من دون النسائي؛ لأن النسائي لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما يقول: فلان بن فلان وينسبه كما يريد، والذي قال هذا هو من دون النسائي.
    [عن يحيى بن كثير].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا غير يحيى بن أبي كثير اليمامي، هذا يحيى بن كثير، وذاك يحيى بن أبي كثير، فذاك متقدم، وهذا متأخر، وهذا يحيى بن كثير، وذاك يحيى بن أبي كثير.
    [عن شعبة عن محمد بن أبي يعقوب الضبي عن أبي نصر الهلالي عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة].
    وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

    شرح حديث: (الصوم جنة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا المحاربي عن فطر أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الصوم جنة)].أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، والذي فيه [ (الصوم جنة) ]، وهو مثل ما تقدم عن أبي هريرة: (الصوم جنة)، وقد عرفنا أنه جنة من النار، وجنة من المعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)؛ لأن فيه وقاية، أو فيه حبس للشهوات التي تفضي إلى المعاصي وتؤدي إلى المعاصي، فهو جنة من النار، وجنة من المعاصي، والحديث قد مر، وحديث أبي هريرة مشتمل على جمل، منها هذه الجملة وهي: [ (الصوم جنة) ]، وهي: الستر والوقاية، كما يتخذ المجاهد الجنة لتقيه السهام، فهذا الصيام جنة يقي صاحبه الوقوع في النار، وكذلك الوقوع في المعاصي التي هي سبب الوقوع في النار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصوم جنة)

    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة].ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وهناك عدد يروي عنهم النسائي، واسم كل منهم: محمد بن إسماعيل وهم: محمد بن إسماعيل بن سمرة، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومحمد بن إسماعيل بن علية، ومحمد بن إسماعيل أبو بكر الطبراني، كل هؤلاء محمد بن إسماعيل، وهم من شيوخ النسائي.
    [عن المحاربي].
    هو عبد الرحمن بن محمد، وهو لا بأس به، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن فطر].
    هو فطر بن خليفة، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حبيب بن أبي ثابت].
    ثقة، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم بن عتيبة].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ميمون بن أبي شبيب].
    صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن معاذ بن جبل].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (الصوم جنة) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن حماد أنه حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت والحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الصوم جنة)].أورد حديث معاذ بن جبل من طريق أخرى، وهو نفس اللفظ السابق: (الصوم جنة).
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، ومحمد بن المثنى كان قريناً لـمحمد بن بشار الملقب بندار، فإنهما من أهل البصرة، وقد اتفقا في الشيوخ والتلاميذ، واتفقا في سنة الوفاة، وقال عنهما الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، معنى هذا: أنهما متماثلان في أمور كثيرة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، هو ومحمد بن بشار، وكذلك يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد ماتوا في سنة واحدة، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، أي: في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [أخبرني يحيى بن حماد].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في الناسخ والمنسوخ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، يعني أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في الناسخ والمنسوخ.

    حديث: (الصوم جنة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن الحكم سمعت عروة بن النزال يحدث عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الصوم جنة)].أورد النسائي حديث معاذ بن جبل من طريق أخرى، وهو نفس المتن، [ (الصوم جنة) ].
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    وقد مر ذكره.
    وبقية إسناد الحديث مر ذكرهم إلا [عن محمد].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


    شرح حديث: (الصيام جنة ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند: أن مطرفاً رجلاً من بني عامر من صعصعة حدثه: أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه دعا له بلبن ليسقيه، فقال مطرف: إني صائم، فقال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الصيام جنة، كجنة أحدكم من القتال)].هذا الحديث من الأحاديث المتعلقة بفضل الصيام، وقد مر جملة من الأحاديث الدالة على فضل الصيام، وعظيم أجره وثوابه عند الله عز وجل، وهذا الحديث عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال) ]، وقد مر ذكر الحديث عن جماعة من الصحابة بلفظ: (الصيام جنة) أو (الصوم جنة)، ولكنه في حديث عثمان بن أبي العاص هذا وضح فيه أن هذه الجنة كجنة أحدكم من القتال، ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس، وتشبيه المعنوي بالمشاهد المحسوس؛ لأنه ذكر أن [ (الصيام جنة) ]، أي: وقاية، فهو وقاية من النار، ووقاية من الوقوع في المعاصي، والانغماس في الشهوات التي تفضي إلى سخط الله عز وجل ومقته، وفي هذا الحديث إيضاح، أنه كجنة أحدكم من القتال، كما أن الإنسان، وهو يقاتل في سبيل الله عز وجل يتخذ الجنة، وهي:
    السترة والوقاية التي تقيه السهام التي تكون من الأعداء، حيث لا يؤثر ذلك، بحيث يقع السهم على الجنة، فلا ينفذ في جسم الإنسان، فهو ستر ووقاية، شبه الصوم، أنه وقاية من النار، ووقاية من المعاصي، بالجنة التي يستتر بها في الجهاد في سبيل الله، ويتقى بها سهام الأعداء، فالحديث سبق أن مر من وجوه عديدة عن جماعة من الصحابة بلفظ: [ (الصوم جنة) ]، و[ (الصيام جنة) ]، وهنا فيه الزيادة في الإيضاح والبيان، وأنها كجنة أحد المجاهدين في القتال، أي: من سهام الأعداء، والحديث واضح الدلالة على فضل الصيام، وأن شأنه عظيم، وفضله عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصيام جنة ...) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو المصري، وهو ثقة، ثبت، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن أبي هند].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    وهو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عثمان بن أبي العاص].
    هو عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي، وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (الصوم جنةٌ من النار ...) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسين حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق عن سعيد بن أبي هند عن مطرف أنه قال: (دخلت على عثمان بن أبي العاص، فدعا بلبن فقلت: إني صائم. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الصوم جنةٌ من النار كجنة أحدكم من القتال)].أورد النسائي حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه قوله: [(الصوم جنة كجنة أحدكم من النار)]، يعني: وقاية من النار، [ (كجنة أحدكم من القتال) ]، وهذا واضح الدلالة على المراد بالجنة، وأنه يكون جنة من النار، وجاء في هذه الرواية توضيح الجنة، وأنها الوقاية من النار، وأما المعنى الثاني الذي هو للجنة، وأنه وقاية من المعاصي، ووقاية من الانغماس في الشهوات التي تفضي إلى المعاصي، فيوضحه حديث ابن مسعود وسيأتي: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، معناه: أنه يمنع من المعاصي؛ لأن الإنسان عندما يأكل، ويتنعم، تكون عنده القوة، قوة الشهوة، وإذا كان يصوم يضعف ذلك في نفسه،
    وفي بدنه، فلا يكون عنده القوة التي تكون وهو يأكل، ويتنعم، فحديث ابن مسعود، فيه توضيح، أنه جنة من المعاصي، ومن الشهوات؛ لأن قوله: (من لم يستطع فعليه بالصوم)، من لم يستطع الزواج فعليه بالصوم، (فإنه له وجاء)، يعني: مثل الخصاء، فهذا الحديث الذي معنا فيه توضيح الجنة، وأنها من النار، وحديث ابن مسعود فيه توضيح الجنة، وأنها تكون من المعاصي، وكل منهما حق، فهو جنة من هذا ومن هذا، لا تنافي بين هذا وهذا، فالصيام جنة من النار، ووقاية من النار، وجنة من المعاصي التي تفضي إلى النار؛ لأن المعاصي هي التي تفضي إلى النار.
    والحديث فيه أن مطرفاً دخل على عثمان ودعا له بلبن، وذلك إكرام الوافد والداخل على الإنسان عندما يدخل عليه يتحفه بشيء يأكله، أو يشربه، فدعا له بلبن فقال: إني صائم، فأرشده إلى ما عنده من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه [ (جنة من النار كجنة أحدكم من القتال) ]، ففيه: إكرام الداخل على الإنسان، وتقديم شيء له، سواءً كان مأكولاً، أو مشروباً، وكذلك فيه عندما أخبره بأنه صائم، أرشده إلى شيء في فضل الصيام، وأنه قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: [ (أن الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال) ]، فكما أن الإنسان يشاهد، ويعاين أن الجنة في القتال تقي السهام، فإن الصيام هو جنة يقي من المعاصي، ويقي من الوقوع في النار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصوم جنةٌ من النار ...) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا علي بن الحسين].هو علي بن الحسين الدرهمي البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو إمام في المغازي.
    [عن سعيد بن أبي هند عن مطرف عن عثمان بن أبي العاص].
    وقد مر ذكرهم.

    طريق سادسة لحديث: (الصوم جنة ...) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زكريا بن يحيى حدثنا أبو مصعب عن المغيرة عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي هند أنه قال: (دخل مطرف على عثمان رضي الله عنه نحوه مرسل)].ذكر الحديث من طريق أخرى عن سعيد بن أبي هند، وفيه الإخبار عن دخول مطرف على عثمان بن أبي العاص، وهو مرسل؛ لأن ليس فيه ذكر الرواية، وإنما فيه الإخبار، ومن المعلوم أن سعيد بن أبي هند ما شاهد ذلك ولا عاينه، إذاً فهو من قبيل المرسل، كونه يخبر أن فلان دخل على عثمان، وأنه قال له كذا، وكذا، هذا مرسل؛ لأنه ليس فيه اتصال بين سعيد بن أبي هند وبين عثمان بن أبي العاص، وإنما هو إخبار عن حصول ذلك، فليس فيه مثل الرواية السابقة: أن مطرفاً حدثه أن عثمان بن أبي العاص قال كذا، وإنما هذا إخبار عن سعيد بن أبي هند، قال: دخل مطرف على عثمان فقال كذا وكذا، فالحكاية منه، ولهذا قال: نحوه مرسل، يعني: نحوه في المتن؛ لأن كلمة (نحوه) إذا جاءت، معناه: قريب منه، وليس اللفظ مطابقاً تماماً، وأما إذا قيل: (مثله)، فاللفظ مطابق، يعني: اللفظ المحال مطابق للمحال إليه، أي: اللي متقدم؛ لأن كلمة (نحوه) و(مثله) تأتي بعد ذكر شيء مذكور، فالضمير في مثله يرجع إلى المتقدم، وفي نحوه يرجع إلى المتقدم، والفرق بين (مثله) و(نحوه): أنه إذا قيل: نحوه، إنما هو متفق معه في المعنى والألفاظ تختلف، أما إذا قيل: مثله، فهو متفق في اللفظ والمعنى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصوم جنة ...) من طريق سادسة

    قوله: [أخبرني زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي مصعب].
    هو أحمد بن أبي بكر الذهلي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مصعب.
    [عن المغيرة].
    هو المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي هند عن مطرف عن عثمان].
    وقد مر ذكرهم، ليس فيه عن مطرف، وإنما فيه عن سعيد بن أبي هند؛ لأن الإخبار إخبار بالواقع، فالإسناد ينتهي إلى سعيد بن أبي هند، والباقي منه حكاية، لا يروي هو عن مطرف، وإنما فيه إخبار.

    شرح حديث: (الصوم جنة ما لم يخرقها) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا واصل عن بشار بن أبي سيف عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غطيف قال أبو عبيدة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الصوم جنة ما لم يخرقها)].أورد النسائي حديث أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [ (الصوم جنةٌ ما لم يخرقها) ]، يعني: ما لم يخرق الجنة، وهذا قيد للجنة، وأنه جنة ما لم يخرقها، وجاء في بعض الروايات يعني عند الدارمي: (ما لم يخرقها بالغيبة)، ومن المعلوم أن قوله: (ما لم يخرقها)، يعني: بالمعاصي أو بشيء ينقص الصيام ويخل فيه، وأما إطلاق أنه جنة، فقد جاء في أحاديث كثيرة كما عرفنا، والذي في هذا الحديث هو زيادة هذا القيد، وهو (ما لم يخرقها)، يعني: ما لم يخرق الجنة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصوم جنة ما لم يخرقها) من طريق سابعة

    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حماد].
    وحماد غير منسوب، وهو يدور بين حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، لكن المعروف أن يحيى بن حبيب بن عربي ما روى عن حماد بن سلمة، بل روايته عن حماد بن زيد وحده، وعلى هذا فإن الإهمال من حماد لا لبس فيه؛ لأن رواية يحيى إنما هي عن حماد بن زيد؛ لأنه ما روى عن حماد بن سلمة؛ ولهذا لما ذكر المزي في تهذيب الكمال الذين روى عنهم يحيى بن حبيب بن عربي، ذكر حماد بن زيد فقط، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن واصل].
    هو مولى أبو عيينة، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن بشار بن أبي سيف].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الوليد بن عبد الرحمن].
    هو الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عياض بن غطيف].
    مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبي عبيدة].
    هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح أمين هذه الأمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد سردهم واحداً واحداً، فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وأبو عبيدة في الجنة)، سردهم في حديث واحد، وكل واحد قال عنه: إنه في الجنة، ما قال: فلان، وفلان في الجنة، وإنما قال: فلان في الجنة، وفلان في الجنة، وفلان في الجنة حتى أتى على آخرهم، ولهذا قيل لهم: العشرة المبشرين بالجنة، أطلق عليهم لقب العشرة، ولا يعني إطلاق العشرة عليهم أنه لم يبشر بالجنة أحد من غيرهم، بل قد بشر بالجنة غيرهم، لكن غلب عليهم اللقب؛ لأنهم بشروا بالجنة في حديث واحد، فقيل: فلان، وفلان، وفلان، وفلان، وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التبشير بالجنة لعدد سواهم، كما جاء في حق فاطمة، والحسن، والحسين، وثابت بن قيس بن شماس، وبلال، وعكاشة بن محصن،
    وعدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كلهم جاء فيهم أحاديث مفردة في كل واحد منهم تدل على أنه من الجنة، أو فيه الإخبار بأنه من أهل الجنة، وعلى هذا فلقب العشرة ليس المقصود منه أن الشهادة بالجنة تخصهم، وأنه لم يبشر بالجنة سواهم، بل أطلق عليهم هذا اللقب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سردهم، في حديث واحد، وقال عن كل واحد منهم: إنه في الجنة، وحديث أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ثم الإسناد فيه اثنان مقبولان، والمقبول في اصطلاح الحافظ ابن حجر هو: الذي يحتج به إذا توبع، أما إذا لم يتابع فإنه لا يعتبر حجة، وهنا الحديث جاء من طريقين، لكن في الطريقين طريق فيه إبهام الشخص الذي روى عن أبي عبيدة، قال: بعض أصحابنا، أو قال: أصحابنا، أو حدثني بعض أصحابنا كما سيأتي، فالإسناد هو واحد، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في آخر التقريب في ذكر الأسماء المبهمة أو الذين أبهموا، فقال: يقال: إنه ابن غطيف، يعني الذي أبهم قال بعض أصحابنا قالوا: يقال: إنه عياض بن غطيف، هذا الذي معنا في الإسناد، وعلى هذا فالحديث الذي فيه ذكر القيد، إذا لم يأت إلا من هذا الطريق، فهو من قبيل ما لا يحتج به، إلا أن يأتي ما يعضده من طريق أخرى.

    شرح حديث: (الصيام جنة من النار ...) من طريق ثامنة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يزيد الأدمي حدثنا معن عن خارجة بن سليمان عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الصيام جنةٌ من النار، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذٍ، وإن امرؤٌ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه، وليقل: إني صائم، والذي نفس محمدٍ بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو دال على فضل الصيام من وجوه، أولاً في قوله: [ (الصيام جنةٌ من النار) ]، وفيه التنصيص على أنه جُنة من النار، وهو أحد المعنيين للجُنّة كما أشرت إليه آنفاً، جنة من النار، وجنة من المعاصي، يمنع من الوقوع في المعاصي بسبب الضعف الذي يحصل للإنسان بسبب الصيام، فلا تكون عنده قوة شهوة التي قد يستعملها فيما لا يسوغ، وفيما هو محرم، ويتبع الشهوات، والنار حفت بالشهوات كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)،
    ففيه: التنصيص على أنه جنة من النار، وهذا يدل على فضل الصيام، فإذا أصبح أحدكم صائماً فلا يجهل، يعني: لا يفعل أفعال الجهل من الصياح، والسب، والشتم وما إلى ذلك، وإنما عليه أن يكون هادئاً، وأن يكون ذا سكينة، وذا هدوء، فلا يحصل منه إيذاء لأحد بالكلام عليه، وإن جهل عليه أحد فلا يقابله، وإنما يذكر نفسه ويذكر من يقابله بأنه صائم، فيقول: إني صائم، وذلك يمنعه من الرد بالمثل، والمقابلة بالمثل، ثم قال: [ (والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ]، وهذا أيضاً يدل على فضل الصيام، وأن شأنه عظيم عند الله عز وجل، وقد مر هذا المعنى وغيره في الأحاديث السابقة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصيام جنة من النار ...) من طريق ثامنة

    قوله: [أخبرنا محمد بن يزيد الأدمي].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن معن].
    هو معن بن عيسى المدني، صاحب الإمام مالك، وقيل: وهو ثقة، ثبت، قيل: هو أثبت أصحاب مالك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خارجة].
    هو خارجة بن سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.
    [عن يزيد بن رومان].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام المدني، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، والسابع منهم فيه خلاف ثلاثة أقوال، وقيل: السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: السابع: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب في عصر التابعين، وعندما تأتي بعض المسائل فيقال: قال بها الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، هؤلاء هم الفقهاء السبعة الذين يرادون عند الإطلاق، ومنهم عروة بن الزبير بن العوام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي حفظت الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما الأمور التي تتعلق بين الرجل وأهل بيته، والتي تتعلق بالبيوت، والتي لا تتطلع عليها إلا النساء، روت الكثير، وحفظت الكثير، فهي من أوعية السنة رضي الله عنها وأرضاها، وقد رميت بالإفك، وأنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور، وهذا فيه بيان عظيم شأنها، وأن الله تعالى أنزل فيها قرآناً يتلى في براءتها، ومع ما هي فيه من المنزلة الرفيعة، ومع ما حصل لها من الشرف في الدنيا في كونها زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي زوجته في الدنيا والآخرة رضي الله عنها وأرضاها، وأمهات المؤمنين زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، ومع هذا الذي حصل لها، وكون القرآن نزل ببراءتها، فتتواضع لله عز وجل، وتقول عن نفسها: وكنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى.
    فهذا شأن أهل الكمال، يبلغون ما يبلغون من السمو، والعلو، والرفعة، ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل، (ومن تواضع لله رفعه الله)، فهي تقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى. والله تعالى يقول عن أوليائه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60]، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي

    حديث: (الصيام جنة ما لم يخرقها) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن مسعر عن الوليد بن أبي مالك أنه حدثنا أصحابنا عن أبي عبيدة رضي الله عنه أنه قال: (الصيام جنة ما لم يخرقها)].أورد النسائي حديث أبي عبيدة رضي الله عنه من طريق أخرى غير الطريق المتقدمة، والمتن هو نفس المتن، [ (الصيام جنة ما لم يخرقها) ].
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].
    هو محمد بن حاتم بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا حبان].
    هو حبان بن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. وهو بكسر الحاء، وليس حَبان بفتحها، بل هو بكسرها.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، هو ثقة، عابد، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر جملةً من صفاته الحميدة، ثم قال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسعر].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الوليد بن أبي مالك].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أصحابنا].
    وفي بعض النسخ: بعض أصحابنا، وذكر الحافظ في التقريب في نهايته عند ذكر الألفاظ المبهمة، قال: يقال: إنه عياض بن غطيف، أي: الذي مر ذكره في الإسناد المتقدم الذي قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول.
    [عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح].
    هو عامر بن عبد الله بن الجراح، وقد مر ذكره.
    وهذا موقوف، يعني من كلام أبي عبيدة.

    شرح حديث: (للصائمين باب في الجنة يقال له: الريان ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (للصائمين بابٌ في الجنة يقال له: الريان، لا يدخل فيه أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، من دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً)].الحديث دال على فضل الصيام، وهو أن الجنة من أبوابها باب يقال له: الريان، وأطلق عليه الريان، يدخل منه الصائمون؛ لأن فيه ما يقابل العطش، وما يشعر بعدم العطش؛ لأنهم لما عطّشوا أنفسهم لله بالصيام، فالله تعالى يثيبهم بأن يدخلهم من باب يقال له: الريان، يعني: فيه الري الذي هو ضد العطش،
    وأن من دخل منه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ولا يعني هذا أن من دخل من الأبواب الأخرى لا يشرب، فإن من دخل الجنة يحصّل فيها (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، لكن لعل معنى ذلك أنهم من حين دخولهم أو عند الدخول يحصل لهم ذلك؛ لأنهم كانوا عطشوا أنفسهم فيبادرون بالشرب، ولا يعني ذلك أن الشرب لهم وحدهم، وأنه لا يشرب إلا الصائمون، بل من دخل الجنة حصل فيها ما يحصل من النعيم، من شرب، وأكل، وتنعم ما لا يخطر على البال، ولا يقع في الخيال، فإن في الجنة (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وإذاً فالحديث واضح الدلالة على فضل الصيام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (للصائمين باب في الجنة يقال له: الريان ...)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن سعيد بن عبد الرحمن].
    هو الجمحي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي حازم].
    هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن سعد].
    هو أبو العباس سهل بن سعد الساعدي، ويقال: إنه ليس في الصحابة أحد كنيته أبو العباس إلا سهل وعبد الله بن عباس، فإن كلاً منهما كنيته أبو العباس، وسهل بن سعد الساعدي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب عن أبي حازم أنه حدثني سهل، قال: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ هل لكم إلى الريان؟ من دخله لم يظمأ أبداً، فإذا دخلوا أغلق عليهم، فلم يدخل فيه أحد غيرهم)].أورد النسائي حديث سهل بن سعد من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، يعني: أن الجنة فيها باب يقال له: الريان، ينادى الصائمون ويدخلونها، وإذا دخلوا أغلق، ولا يدخل معهم سواهم، وأن من دخله شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، فهو مثل ما تقدم دال على فضل الصيام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن أبي حازم عن سهل].
    وقد مر ذكرهما.
    وهو هنا موقوف، وقد تقدم أنه مرفوع، ولو لم يرفع فإن مثل هذا ليس للرأي فيه مجال؛ لأنه أخبرنا عن أمر مغيب، ومثل ذلك لو لم يضفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلاً، فإنه يكون له حكم الرفع؛ لأنه ليس للرأي فيه مجال؛ لأن الإخبار عن الجنة فيها باب يدخل منه الصائمون، ومن دخله شرب، فهذا لا يقال بالرأي، وإنما يقال عن طريق الوحي، وعن طريق التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (... ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن وهب أنه أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد يدعى من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة يدعى من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، ما على أحدٍ يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، وأرجو أن تكون منهم)].
    ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي يوم القيامة وقيل: يا عبد الله، هذا خير، إن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من باب الصيام دعي من باب الريان) ].


    باب ذكر ما يكره من الصيام في السفر


    ‏ شرح حديث: (أدنيا فكلا، فقالا: إنا صائمان. فقال: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله وعبد الرحمن بن محمد بن سلام قالا: حدثنا أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام بمر الظهران، فقال لـأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما: أدنيا فكلا، فقالا: إنا صائمان. فقال: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم)].أورد النسائي الحديث أبي هريرة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فكان عنده طعام فدعا أبا بكر، وعمر، فقالا: إنهما صائمان، فأقرهما، وقال [ (ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم) ]، معناه: أنهما بحاجة إلى من يعاونهما، ويساعدهما، في شد الرحل؛ لأنهما صائمان، فهما بحاجة إلى المساعدة، ويحتمل أن يكون المقصود أن من يكون صائماً، فإنه لا يستغني عن المفطر، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنهم كانوا في سفر، وأن في أصحابه المفطر والصائم، وأن المفطرين قاموا بالأمور التي يحتاجون إليها لهم ولغيرهم من الصائمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)، معناه: أنهم قاموا بما يحتاجون إليه، وقاموا بما يحتاج إليه غيرهم ممن كان صائماً، وهذا فيه الدلالة على أن الإنسان يصوم في السفر، وأن الصوم في السفر سائغ، لكن حيث لا مشقة ولا ضرر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أدنيا فكلا، فقالا: إنا صائمان. فقال: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم)

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [و عبد الرحمن بن محمد بن سلام].
    لا بأس به، ولا بأس به تعادل صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، إمام، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى عن الأوزاعي].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن أبي سلمة].
    هو عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.

    طريق ثانية لحديث: (أدنيا فكلا، فقالا: إنا صائمان، فقال: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا محمد بن شعيب أخبرنا الأوزاعي عن يحيى: أنه حدثه عن أبي سلمة أنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغدى بمر الظهران ومعه أبو بكر، وعمر، فقال: الغداء)، مرسل].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنها مرسلة ليس فيها ذكر أبي هريرة، وإنما الإرسال من عبد الرحمن بن عوف، وقد ذكر أول الحديث، ثم قال: مرسل، أي: أنه أرسله أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد].
    صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [عن محمد بن شعيب].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة].
    وقد مر ذكرهم.


    طريق ثالثة لحديث: (أدنيا فكلا، فقالا: إنا صائمان، فقال: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي عن يحيى عن أبي سلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا بمر الظهران)، مرسل].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى مرسلة، والذي أرسل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
    وجميع رجال الإسناد مر ذكرهم.


    الأسئلة


    مكان مر الظهران

    السؤال: أين مكان ممر الظهران؟
    الجواب: ممر الظهران هو وادي فاطمة.

    الأفضلية بين صيام التطوع مع المشقة أو الإفطار


    السؤال: إذا كان الإنسان في عمل، ويحتاج إلى مجهود بدني، ويصوم صوم التطوع مع مشقة قد لا تصل إلى الضرر، أيهما أفضل في حقه: والجمع بين العمل والصيام مع المشقة بدون ضرر أو الإفطار؟

    الجواب: صيام التطوع الأولى للإنسان إذا كان فيه مشقة أن يفطر؛ لأن الصيام قد يعوقه عن الأعمال الأخرى التي يحتاج إليها من هو قوي، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفطراً وهو بعرفة؛ لأن الأمر يتطلب قوة في ذلك اليوم، وعدم كسل بسبب الصيام.

    بيع الشيء الملحق بالضرر

    السؤال: هناك رجل عنده دش، وقد نصح فتركه ولله الحمد، وقد كفله مبلغاً كثيراً، وقدره ثلاثة عشر ألف ريال، فكيف يمكنه التخلص منه مع عدم الخسارة؟

    الجواب: كونه يبيعه لأحد أو يعطيه لأحد، لا شك أنه يجلب الضرر لغيره، ويسعى في إلحاق الضرر بغيره، وهو غالباً ما يستعمل إلا لهذه الأشياء التي تعرض من كل مكان، ومن المعلوم ما فيها من الفساد، وما فيها من الضرر، فما أستطيع أن أقول: أن له أن يبيعه؛ لأنه يبيع ضرراً محققاً.

    حكم التجاهر بالقرآن

    السؤال: ما حكم التجاهر بالقرآن؟ وهل يصح الاستدلال على منعه بقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا )[الأعراف:204]

    الجواب: الجهر في القرآن، يجهر في موضع الجهر، ويسر في موضع الإسرار، وإذا كان أحد يتأذى في قراءته يسر، وإذا كان لا أحد يتأذى فيجهر، وإذا كان أحد يستمع لقراءته يجهر، فإذا كان المقصود الجهر، ففيه هذا التفصيل.

    سبب ورود حديث: (ليس من البر الصوم في السفر..)

    السؤال: ألا يقال في سبب ورود حديث: (ليس من البر الصوم في السفر)، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟

    الجواب: معلوم أن هذه قاعدة معروفة، لكن جاءت نصوص تدل على الصيام في السفر، ففهم منها أنه ليس على عمومه، وتلك النصوص الأخرى التي جاءت فيها إثبات الصيام في السفر، وفي بعض الأحوال التي لا مشقة فيها، ولا ضرر، فهم منها أنه ليس على العموم، وإلا الأصل ومن القواعد أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.

    حكم كذب العامل إذا اضطره إلى ذلك صاحب العمل


    السؤال: جئت عاملاً إلى هذه البلاد فاضطرني صاحب العمل أن أكذب في عملي، وإن لم أفعل حرمت من أي شيء، وذلك للعقد الذي بيني وبينه، فهل يحل لي ذلك؟

    الجواب: الكذب لا يجوز؛ لأن الكذب معصية، وليس للإنسان أن يطيع مخلوقاً في معصية الخالق، والكذب حرام، وليس للإنسان أن يكذب، وليس من صفات المؤمنين أن يتصفوا بهذه الصفات، وليس له أن يسمع ويطيع لهذا الذي يريد منه الكذب.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •