تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 26 الأولىالأولى 123456789101112131415161718 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 160 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب القبلة
    (138)


    - باب ذكر ما يقطع الصلاة


    الصلاة أمرها عظيم وهي صلة بين العبد وربه، فقطعها ليس بالأمر الهين؛ ولهذا بيّن الشرع الحكيم ما يقطع الصلاة وما لا يقطع؛ وشرع للمصلي وضع سترة تحول بينه وبين المارة.
    ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة

    شرح حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قلت: ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان ) ].لما ذكر المصنف سترة المصلي واتخاذها، وكيف تتخذ، وأنها مثل مؤخرة الرحل، أورد بعد ذلك هذه الترجمة، وهي: ما يقطع الصلاة، أي: الأشياء التي تقطع الصلاة إذا حصل مرورها بين يدي المصلي.وقد أورد النسائي فيه عدة أحاديث، أولها: حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره مثل مؤخرة الرحل )، أي: فإنه يتخذ سترة تكون مثل مؤخرة الرحل، أي: أنها بارزة، ومؤخرة الرحل كما عرفنا في الحديث السابق: هي العود أو الخشبة التي تكون في مؤخر الرحل يستند عليها الراكب على البعير، فمثل به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بسترة المصلي، وسترة المصلي تكون بمثل مؤخرة الرحل، وتكون بالعصا التي تغرز، وتكون بمثل العمود الذي هو من أعمدة المسجد، أو جدار أو ما إلى ذلك من الأشياء الشاخصة التي يصلي الإنسان إليها، ويكون قريباً منها.ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا لم يكن بين يديه سترة فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قيل: يا رسول الله! ما بال الكلب الأسود؟ قال: الكلب الأسود شيطان ). فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما يقطع الصلاة، وهي: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، وقد جاء في بعض الأحاديث إطلاق الكلب، واختلف العلماء في المراد بالقطع، فذهب بعض العلماء إلى أن المراد به الإبطال، وأنه يستأنف الصلاة عندما يحصل مرور هذه الثلاثة، وذهب جمهور العلماء: إلى أن المراد بذلك ما يحصل للصلاة من نقصان بسبب انشغال القلب بهذه الثلاثة التي تمر بين يديه، وينشغل قلبه بها، فينشغل عن صلاته، فيذهب عنه الخشوع، ويشتغل بها، ويتعلق قلبه بها، فيكون ذلك سبباً في نقص صلاته.وقد سئل عليه الصلاة والسلام لما ذكروا الكلب الأسود ما باله، وما الفرق بينه وبين غيره؟ فقال: (الكلب الأسود شيطان)، وقد ذكر بعض العلماء: أنه محمول على ظاهره، وأن المراد بذلك أن الشيطان يتمثل غالباً بالكلب الأسود، ومن المعلوم أن الشياطين تتصور بصور الإنسان وغير الإنسان، فشياطين الجن يتصورون بصور الحيوانات، كما أنهم يتصورون بصور الإنسان، ويأتون على صورة الإنسان، وكذلك يأتون على صورة الحيوان؛ فيأتون على صورة الحيوانات المختلفة، مثل: الكلاب، والحيات وغير ذلك؛ كما جاءت به السنة، وكما ثبت ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)
    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].عمرو بن علي هو: الفلاس ، هو: محدث، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وهو: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الرجال في الجرح والتعديل، يقال: قال الفلاس كذا.[ حدثنا يزيد ].يزيد هو ابن زريع البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[ حدثنا يونس ].يونس هو ابن عبيد البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن حميد بن هلال ].حميد بن هلال البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الله بن الصامت ].عبد الله بن الصامت البصري ، وهو: ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي ذر الغفاري ].واسمه جندب بن جنادة على أصح الأقوال فيه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً فهذا الإسناد الذي معنا رجاله أكثرهم بصريون، وهم: عمرو بن علي، ويزيد بن زريع، ويونس بن عبيد، وحميد بن هلال، وعبد الله بن الصامت .. هؤلاء بصريون، وأيضاً هؤلاء الرجال كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا عبد الله بن الصامت فإنه لم يخرج له البخاري في صحيحه، وإنما خرج له تعليقاً، والباقون خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثني شعبة وهشام عن قتادة ، قال: ( قلت لـجابر بن زيد : ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: المرأة الحائض والكلب )، قال يحيى : رفعه شعبة ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، من طريقين: من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وشعبة بن الحجاج ، يرويان عن قتادة ، وقد رفعه أحدهما، ووقفه أحدهما على ابن عباس ، وقفه أحدهما، أي: هشام؛ على ابن عباس ، ورفعه شعبة ، يعني: أن ابن عباس رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد شعبة بن الحجاج ، والحديث فيه ذكر اثنين من الثلاثة المتقدمة، وأنها تقطع الصلاة، وهي: المرأة الحائض، والكلب، وفيه تقييد المرأة بأنها الحائض، والمراد بالحائض: هي التي بلغت المحيض، وليس المراد بها التي عليها الحيض، والتي هي متلبسة بالحيض، وإنما المراد بها التي بلغت سن المحيض، وهي المرأة البالغة، ومثل هذا الحديث الذي ورد: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، المقصود بالحائض هي البالغة؛ لأن الحائض لا تصلي، ولكن المقصود بالحائض يعبر بها عن البالغة، يعني: التي بلغت سن المحيض، وهنا المرأة الحائض المراد بها البالغة؛ المقصود التي بلغت سن المحيض، وهي التي توصف بأنها امرأة، وهذا هو المقصود بها، وكما ذكرت: الحديث اشتمل على ذكر اثنين من الثلاثة اللذين تقدم ذكرهما في الحديث الذي قبل هذا، وفيه ذكر إطلاق الكلب، وعدم تقييده بالأسود.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة

    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].وهو الفلاس المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.[ عن يحيى ]. وهو ابن سعيد القطان ، المحدث الناقد من أئمة الجرح والتعديل، وهو بصري ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثني شعبة وهشام ].شعبة، وهشام ، وهو شعبة بن الحجاج أحد الأئمة الثقات، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ يرويان عن قتادة ].قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ قلت لـجابر بن زيد ].جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي بالكنية، وقد ذكرت فيما مضى: أن من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث: معرفة كنى المحدثين، وفائدة ذلك: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي كثيراً بـأبي الشعثاء التي هي الكنية، وهنا قال: قلت لـجابر بن زيد ، وهو أبو الشعثاء ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عباس ].ابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وهو أيضاً أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.ثم في الإسناد كما ذكر النسائي في آخره قال: رفعه شعبة ، يعني: أن الإسناد جاء عن شخصين، أي: أن يحيى بن سعيد القطان يرويه عن شخصين، وهما: شعبة، وهشام ، وذكره على لفظ هشام ؛ لأنه ذكره موقوفاً، ثم قال بعد ذلك: قال يحيى : رفعه شعبة ، قال يحيى -أي: ابن سعيد القطان -: رفعه شعبة ، يعني: أنه جاء موقوفاً على ابن عباس من طريق هشام ، وجاء مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: رفعه ابن عباس من طريق شعبة بن الحجاج ، ولا تنافي بين الرفع والوقف؛ لأن الوقف أيضاً له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، وإنما يستند فيه إلى النصوص، فلا تنافي بين ما جاء من الرفع والوقف لحديث ابن عباس هذا.
    شرح حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جئت أنا، والفضل على أتان لنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بعرفة، ثم ذكر كلمة معناها، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا وتركناها ترتع، فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، الذي استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع، ولا دلالة في ذلك، ولا تنافي بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم.فإن حديث ابن عباس هذا أنه قال: ( مررنا بين يدي الصف )، ومن المعلوم أن المرور أمام الصف على الحمار ليس مروراً بين المصلي وبين السترة، ولا أمام الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصف، لا بالنسبة للحمار ولا لغيره، وإنما المرور الذي يؤثر والذي جاء فيه ذكر القطع هو أن يكون بين يدي الإمام.أما أن يمر حمار أو امرأة أو كلب بين يدي الصف أو بين الصفوف وهم يصلون وراء إمامهم فإن ذلك لا يؤثر، ولا يعارض ما جاء في الحديث المتقدم من ذكر القطع لهذه الأمور الثلاثة؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين؛ ولهذا يجوز المرور بين الصفوف إذا كان هناك حاجة، كأن يصل صفاً، أو يصل إلى فرجة يسدها، وليس لأحد أن يمنع من يمر بين الصف، أي: المأموم؛ لأن المأموم سترته الإمام، لكن إذا لم يكن هناك حاجة لا ينبغي المرور؛ لأن المرور لا يخلو من تشويش على المصلي فيما إذا مر بين يديه أحد، ولو كان مأموماً، لكن من حيث السترة، فإن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصفوف.إذاً: فحديث ابن عباس هذا ليس معارضاً لما تقدم من ذكر القطع بالمرور؛ لأن ذلك إنما يكون للإمام، أي: القطع، وأما المرور بين الصف، أي: مرور الحمار بين الصف أو أمام الصف، فإن ذلك لا يؤثر، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم، ولم يقل شيئاً في صنيعهما، وقد جاء على حمار أتان، والأتان: هو أنثى الحمار، يقال لها: أتان، ونزلا وتركا الحمار ترتع، يعني: ترعى، ودخلا في الصف بعد أن مشيا أمام بعض الصف.وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في الحديث المتقدم؛ لأن ذاك إنما هو أمام الإمام، وأما ما هنا فإنما هو أمام الصف، أو أمام بعض الصف، وليس أمام الإمام.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف على الصلاة
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ]. النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور الجواز المكي، والثاني: محمد بن منصور الطوسي ، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة ، لكن تعيين أي الاثنين يكون بأنه المكي؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وإذا كان احتملا الرواية عن اثنين، فإنه يحمل عندما يأتي محمد بن منصور مهملاً، على أنه المكي؛ لملازمته لـابن عيينة ؛ لكونه من بلده، بخلاف الطوسي ، فإنه من بلد آخر، واتصاله بـسفيان بن عيينة لا يكون إلا عن طريق سفر، أو عن طريق الإتيان إلى مكة لحج أو عمرة، أو لقاء في وقت من الأوقات، أما إذا كان الإنسان من البلد، وهو مقيم معه في بلده، فاتصاله به كثير، فيكون الغالب الحمل عليه، وقد جاء في بعض الأسانيد التي سبق أن مرت بنا مثل هذا الإسناد، وينص فيه النسائي على ذكر محمد بن منصور المكي ، فيكون تعيين أحد الاثنين لتميز أحدهما -أي: التلميذين- بملازمته، أو بكونه من أهل بلد شيخه الذي هو: سفيان بن عيينة ، فيكون الأقرب أنه الجواز ، وهو: ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[عن سفيان ].وسفيان هنا هو ابن عيينة؛ لأنه يروي عن الزهري ، مثلما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الزهري معروف بالرواية عن ابن عيينة ، بخلاف الثوري ، وقال في موضع آخر من الفتح: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة.فإذاً: سفيان هنا المراد به ابن عيينة ؛ لأن شيخه هو الزهري ، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة ، وابن عيينة ثقة، إمام، حجة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ، وهو ثقة، حجة، إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ أخبرني عبيد الله ].وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في هذه المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر التابعين، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب ، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وعبيد الله بن عتبة هذا حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عباس ].وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما أنه قال: ( زار رسول الله صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا، ولنا كليبة، وحمارة ترعى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر وهما بين يديه، فلم يزجرا ولم يؤخرا ) ].أورد النسائي هذا الحديث حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بعدم قطع الصلاة لمرور الكلب والحمار، لكن ذلك ليس بظاهر؛ لأنه ليس فيه دليل أنه بينه، وبين السترة، فيمكن أن يكون وراء السترة، ومن المعلوم أن ما كان وراء السترة فإنه لا علاقة للمصلي به، ولا يؤثر على صلاته، ما دام أنه وراء السترة، وكلمة بين يديه تشمل ما كان دون السترة وما كان وراءها، وهو محتمل لهذا ولهذا، لكنه ليس بظاهر، أو ليس بواضح أن المرور إنما هو بين المصلي وبين السترة، فمحتمل أن يكون بين المصلي والسترة، ويمكن أن يكون وراءها، وإذا كان وراءها فإنه لا يؤثر، فإذا كان وراء السترة فإن ذلك لا تأثير له إذا كان من وراء السترة.
    تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان
    قوله: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد ].وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي. [ حدثنا حجاج ].هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج ].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن عمر بن علي ].هو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب .وهو صدوق، أخرج له الأربعة.[ عن العباس بن عبيد الله ].هو العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي.[ عن الفضل بن العباس ].الفضل بن العباس هو أكبر أولاد العباس بن عبد المطلب ؛ ولهذا كنية العباس أبو الفضل وكذلك أم أولاد ابن عباس، لبابة بنت الحارث الهلالية يقال لها: أم الفضل تكنى بابنها هذا الذي هو الفضل بن العباس ، فهو أكبر أولاد العباس ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما عند أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده العباس بن عبيد الله بن العباس ، وهو مقبول، والمقبول في اصطلاح ابن حجر في التقريب: أنه إذا لم يحصل له ما يعضده فإنه يكون ضعيفاً، يعني: لا يحتج بحديثه إذا لم يأت ما يعضده، والحديث كما قلت لكم أنه محتمل لأن يكون هذا المرور من وراء المصلي، وعلى هذا لا إشكال، ولا تعارض بينه وبين الأحاديث السابقة.وعلى الاحتمال الثاني: أنه يكون بينه، وبين المصلي، فيكون فيه معارضة، وعلى هذا فيكون فيه مخالفة ضعيف لثقة، فيكون منكراً، فيكون من قبيل المنكر؛ لأن الضعيف إذا خالف الثقة فحديثه منكر، لكن لا يعتبر فيه مخالفة إلا إذا كان المرور بين المصلي وبين السترة، أما لو كان من وراء السترة، فإنه لا إشكال فيه، ولا يعتبر فيه معارضة.
    شرح حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد حدثنا شعبة أن الحكم أخبره سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن صهيب سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث: ( أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وغلام من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فنزلوا، ودخلوا معه، فصلوا ولم ينصرف، فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذتا بركبتيه ففرع بينهما، ولم ينصرف ) ].أورد النسائي هذا الحديث عن ابن عباس ، وهو مروره ومعه غلام من بني هاشم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلوا ودخلوا معه.وأنهم مروا بين يدي الصف من أمام الصف كما جاء مبيناً في الحديث الآخر أو الرواية الأخرى؛ أن مرورهم إنما كان بين يدي الصف، وكونه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون معناه أنهم جاءوا من وراء سترته، ثم جاءوا أمام الصف، وعلى هذا فلا إشكال، ولا معارضة؛ لأنه يحمل، أو أن هذا الحديث يبينه ذاك الحديث؛ لأن حديث ابن عباس قصته واحدة، فيحمل على ذاك الذي هو مرور بين بعض الصف، وما جاء بين يدي الرسول، فإن كان محفوظاً، فإنه يحمل على أنه من وراء سترته، والمعلوم أن بين يديه يطلق على ما كان أمامه، ولو كان بينه وبينه مسافة، لكن الخطأ كما هو معلوم إنما يكون إذا كان قريباً منه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي
    قوله: [ أخبرنا أبو الأشعث ].وهو أحمد بن مقدام العجلي ، وهو: صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، لم يخرج له مسلم ولا أبو داود ، وإنما خرج له الباقون.[ حدثنا خالد ].وهو ابن الحارث ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا شعبة ].هو ابن الحجاج ، وقد مر ذكره قريباً.[يروي عن الحكم ].وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن الجزار ].وهو صدوق، أخرج له مسلم، والأربعة.[ عن صهيب ].هو أبو الصهباء البكري ويقال له: المدني، مولى ابن عباس مقبول، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[ عن ابن عباس ].وقد مر قريباً في الإسناد الذي قبل.
    شرح حديث عائشة : (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أقوم فأمر بين يديه، انسللت انسلالاً ) ].أورد النسائي حديث عائشة أنها كانت تكون بين يديه وهو يصلي، وتكره أن تقوم فتمر بين يديه، فإذا أرادت أن تقوم انسلت انسلالاً، أي: دون أن تقوم قياماً، وإيراد الحديث هنا لا يعارض ما تقدم من ذكر القطع بمرور المرأة؛ لأن هذا ليس فيه مرور، وإنما هو اعتراض، فكانت تكون في قبلته وهو يصلي يعني في بيته، وكان كما جاء في بعض الأحاديث: أنه ليس فيه مصابيح، فإذا سجد غمزها، وإذا رفع مدت رجلها أو مدت رجليها، فكانت تكون في قبلته، فإذا أرادت أن تقوم لا تقوم، ولكنها تنسل انسلالاً، يعني: تسحب نفسها برفق ولين، وسهولة؛ حتى لا تشوش في ذلك على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومثل هذا لا يعتبر مروراً، ولا يعارض ما جاء في أحاديث القطع بمرور المرأة؛ لأن هنا كونها معترضة وليست مارة، وهنا جاء ما يدل على الجواز، وهناك جاء ما يدل على المنع، ولا تعارض بينها، لا تعارض بين هذا الحديث وبين ما تقدم من حديث أبي ذر في كون المرأة تقطع صلاة المصلي، وكذلك الحمار، والكلب الأسود.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)
    قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو أبو مسعود ، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[ حدثنا خالد ].هو خالد بن الحارث ، وهو ثقة، تقدم.[ حدثنا شعبة ].وقد تقدم.[ عن منصور ].وهو ابن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن إبراهيم ].وهو ابن يزيد بن قيس النخعي ، المحدث، الفقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن الأسود ].هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ].هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة

    حكم رواية الحديث بالمعنى
    السؤال: هل نستطيع أن نأخذ من قوله في حديث ابن عباس : (ثم ذكر كلمة معناها...) جواز رواية الحديث بالمعنى؟الجواب: رواية الحديث بالمعنى هي جائزة بلا شك فيما إذا لم يحفظ اللفظ، إذا لم يحفظ اللفظ فلا بد من الرواية بالمعنى، وإلا تضيع السنة وتترك السنة، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الإتيان باللفظ فإنه لا يعدل بالمعنى، ولا يقتصر إلى الرواية بالمعنى، لا يؤتى بالمعنى، هذا هو الأولى، لكن إذا لم يمكن بأن يكون الإنسان ما ضبط اللفظة، ولكنه متقن للمعنى، فله أن يعبر عنه بما يؤدي معناه، وهذا أمر لا بد منه، والرواية بالمعنى سائغة، وجائزة، حتى مع ضبط اللفظ، لكن الأولى أنه لا يكون هناك رواية بالمعنى إلا إذا لم يمكن ضبط اللفظ؛ لأن هذا هو الممكن، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
    الأحاديث الضعيفة في سنن النسائي
    السؤال: هل ذكرتم أن سنن النسائي ليس فيها إلا حديث واحد ضعيف؟الجواب: الذي ذكر هذا فهم خطأً، وأرجو أن يعتنى بالكلام، وأن يتحقق من الكلام؛ لأن الإنسان قد ينسب إليه الشيء وهو ما قاله، أنا هذا الكلام إذا نسب إلي، نسب إلي شيء آخر ما قلته، فكوني أقول: إن النسائي ليس فيه إلا حديث ضعيف، أو أن الألباني قال هذا الكلام، أبداً.وإنما الإنسان كما هو معلوم يتنبه، وإذا كان عنده إشكال يبادر إليه في حينه.الحاصل: أنه لا بد من التنبه ولا بد من الاحتياط في النقل، يعني: لأن الإنسان قد يضيف لإنسان شيئاً ما قاله أبداً، ولا يجوز أن يقوله، ولا يتصور أن يقوله، كتاب النسائي ما يتصور ألا يكون فيه إلا حديث واحد ضعيف، ولكن أنا ذكرت تمثيلاً لقلة الأحاديث؛ لأنه قال لي بعض الطلاب: إنك ما تذكر الحديث صحيح أو.. قلت: كتاب النسائي بكله الأحاديث التي فيها صحيحة إلا حديث واحد، ذكره الألباني في كتاب الضعيفة، والباقي كلها صحيحة، وأنا أقول: أن كتاب النسائي هو أقل الكتب الأربعة التي هي السنن ضعيفاً؛ لأن الإنسان إذا رأى المجلدات التي فيها الضعيفة لـأبي داود ، والضعيفة للترمذي ، والضعيفة لـابن ماجه ، والضعيفة للنسائي ، يجد النسائي حجمه صغير، يعني: كتاب النسائي الذي عمله الألباني ضعيف النسائي ، يعني: صغير جداً، حجمه صغير بالنسبة للكتب الأخرى؛ ولهذا فهو أقل الكتب ضعيفاً، وسبق أن ذكرت: أن من العلماء من يرجح النسائي على أبي داود ، وسبب ذلك يقول: قلة الأحاديث الضعيفة التي فيه.
    هل غسل اليدين واجب بعد كل نوم
    السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، فهل غسل اليدين واجب بعد كل نوم؟ الجواب: الحديث سبق أن مر بنا، وهو أول حديث في سنن النسائي ، الحديث: ( إذا استيقظ أحدكم فلا يغمس يده، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، لكن قوله: (باتت يده)، يدل على أن هذا من نوم الليل؛ لأنه هو النوم الطويل المستغرق، الذي قد يكون فيه أن اليد تعبث، وتذهب إلى مكان فيه نجاسة وتعلق بها، بخلاف أي نوم في النهار أو كذا، لكن كما هو معلوم من حيث الاستحباب، يستحب للإنسان دائماً وأبداً إذا أراد أن يتوضأ من إناء، أن لا يغمس في الإناء إلا بعد أن يغسلها خارج الإناء، هذا على سبيل الاستحباب، وأما ذاك فإنه خاص بقيام نوم الليل؛ لأن فيه: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ).
    وقت سجود السهو
    السؤال: شخص في صلاة العصر جلس بعد الركعة الثالثة ولم يسلم، فعرف أنه يبقى عليه ركعة، فأتى بها ثم سجد سجود السهو قبل السلام وبعده. فهل عليه إعادة الصلاة؟الجواب: السجود ما يكون قبل السلام، وإنما يكون بعد السلام..مداخلة: هل عليه الإعادة؟الشيخ: لا، ليس عليه إعادة، لكن سجوده يكون مرة واحدة ما يكون مرتين، ما يسجد قبل السلام وبعده، السجود إما قبله وإما بعده، لا يكون قبله وبعده، والسجود في الزيادة يكون بعد السلام.
    معنى قول المحدثين: أخرجه البخاري تعليقاً
    السؤال: ما معنى أخرجه البخاري تعليقاً؟الجواب: أخرجه البخاري تعليقاً، يعني: أنه ما رواه مسنداً بالطريقة عن الشيوخ: حدثنا فلان قال حدثنا فلان، يقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، أو قال: فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا يقال: أخرجه تعليقاً، رواه تعليقاً، هذا هو التعليق، التعليق هو حذف بعض الرواة، أو كل الرواة من أول الإسناد، الحذف من أول الإسناد قد يكون حذف واحد اثنين ثلاثة أربعة، وقد لا يكون فيه حتى نهايته، بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا حذف من الإسناد كله، قيل له: تعليق؛ لأن الإسناد إذا حذف أسفله الذي هو أدناه يكون كالمعلق، يكون معناه كالمعلق، يعني: الإسناد موجود، ولكن أسفله خالي؛ ولهذا لما جاء ابن حجر وألف كتابه سماه تغليق التعليق، يعني: أن النقص الذي فيه يأتي به، الحذف الذي في أول الإسناد يأتي به حتى يتصل الإسناد، فيكون من أوله إلى آخره متصل، بدل ما كان أوله محذوف وأعلاه موجود، يعني: جاء ما يغلقه ويسد الفراغ الذي وجد.
    نصيحة لمن يقومون بعمل المولد النبوي
    السؤال: هذا يطلب منكم نصيحة لمن يقيمون هذه الأيام عيد المولد؟الجواب: لا شك أن الواجب على كل مسلم أن يكون محباً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبة أي مخلوق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين)، الوالدان اللذان كانا سبب وجود الإنسان هم من أولى الناس بمحبته، وبره، وإحسانه؛ لأنهم سبب وجوده، ولهذا الله تعالى يقرن حقهما بحقه فيقول: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].أما الرسول صلى الله عليه وسلم فمحبته تفوق محبة الوالدين، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله لنا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من النعمة التي حصلت لنا على يدي الوالدين؛ لأن الوالدين يوجد منهما الولادة، لكن بعد ذلك هناك شيء أهم، وهو الهداية للإسلام؛ لأن الوالدين يلدون، ثم يكون كافراً أومسلماً بعد هذه الولادة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ساق الله لنا على يديه أعظم نعمة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام التي لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة؛ ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في قلوبنا أعظم من محبتنا لآبائنا، وأمهاتنا، وأجدادنا، وزوجاتنا، وأبنائنا، وبناتنا، وأقاربنا، والناس أجمعين، بل جاء في حديث عمر : (حتى أكون أحب إليك من نفسك)، الرسول صلى الله عليه وسلم يكون أحب إلى الإنسان من نفسه عليه الصلاة والسلام، وهذه المحبة لا بد أن نفهم معناها، ولا بد أن نفهم ما تطلبه هذه المحبة، هذه المحبة تتطلب أن يكون في قلوبنا في هذه المنزلة التي ذكرت، وأن يكون ذكره بألسنتنا بما يناسبه ويليق به، بأن نعظمه، ونثني عليه من غير غلو، ومن غير إطراء، وكذلك بالنسبة لأعمالنا، أن تكون تابعة لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو معنى: أشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن أشهد أن محمداً رسول الله، معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ودين الإسلام انبنى على قاعدتين: إحداهما: تجريد الإخلاص لله وحده، والثاني: تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].إذاً: من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن نمتثل أوامره، وننتهي عن نواهيه، وأن نصدق أخباره، وأن نعبد الله طبقاً لشريعته، وأن تكون محبته في قلوبنا أعظم من محبة أي مخلوق، هذه هي المحبة الصحيحة، وفي القرآن آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان، وهي: أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة، والبينة هي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]، من يحب الرسول يحبه بمتابعته، وبامتثال أوامره، ما يحبه بأن يعمل أموراً محدثة ما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من هديه، وإنما هي من محدثات الأمور.تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بما شرع وليس بما ابتدع، ومن المعلوم أن بدعة الموالد هذه المحدثة ما كانت موجودة في ثلاثمائة سنة كاملة من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مضى ثلاثمائة سنة كاملة ما يوجد للموالد أي ذكر، وليس لها أي وجود أبداً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، فالقرون المفضلة ما وجدت فيها هذه البدعة، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عمل شيئاً من ذلك، وما أرشد إليه، وأصحابه الكرام وهم الحريصون على كل خير، والسابقون إلى كل خير ما فعلوا شيئاً من ذلك، وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وثلاثمائة سنة كاملة ما وجد فيها شيء من هذا، متى وجدت هذه البدعة؟ وجدت في المائة الرابعة، ومن أوجدها؟ أوجدها الرافضة الذين حكموا مصر الذين يقال لهم: العبيديون، كما ذكر ذلك المقريزي في كتابه تاريخ مصر، المسمى بالخطط والآثار، فإنه قال: إنهم أحدثوا ستة موالد، مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي رضي الله عنه، ومولد فاطمة رضي الله عنها، ومولد الحسن رضي الله عنه، ومولد الحسين رضي الله عنه، ومولد الحاكم الموجود من حكامهم في زمانهم، فأحدثوا هذه البدعة بعد القرن الرابع، وهم إنما حصل تسلطهم على مصر في: (317هـ) وما بعدها، وطالت مدتهم بعد ذلك، لكن هم الذين أحدثوا هذه البدعة.إذاً: فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب القبلة
    (139)


    - (باب التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته) إلى (باب الرخصة في الصلاة خلف النائم)

    الصلاة عبادة روحانية حيث توصل العبد بمولاه، فيعيش مع ربه بكل جوارحه؛ ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في قطعها على صاحبها بالمرور بين يديه؛ لأن المرور بين يدي المصلي يقطع عليه اتصاله بربه، إلا أنه في بعض الأماكن رخص للضرورة كالصلاة خلف المقام، كما رخص في الصلاة خلف النائم.
    التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته

    شرح حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته.أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد : ( أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) ].يقول النسائي رحمه الله: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته.المقصود من هذه الترجمة: بيان أن المرور بين يدي المصلي، سواء كان له سترة، بأن يمر بينه وبين سترته، أو ليس له سترة، بأن يمر بينه وبين موضع سجوده، أو قريب من موضع سجوده، فإن ذلك من الأمور الخطيرة، ومن الأمور التي ورد فيها تشديد، وورد فيها تحذير وترهيب، وقد أورد النسائي حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له من التشديد في المرور؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه)، يعني: من الإثم، و(من الإثم) هذه جاءت في بعض نسخ البخاري ، ولكن باقي النسخ الأخرى ليس فيها: (من الإثم)، وهو المقصود، المقصود أنه ماذا عليه، يعني: من الإثم، لكنها لم تأت ثابتة في الطرق المختلفة التي جاءت في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معلومة وإن لم ينص عليها؛ لأن المقصود من ذلك بيان خطورة الموقف، والحال التي يكون عليها المار، وأنه يكون على خطر عظيم.يقول عليه الصلاة والسلام: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )، يعني: لأن الإنسان عندما يريد أن يمر، أو يريد أن يتجاوز ويذهب إلى حاجته، لكن لو يعلم المار بين يديه، لكان وقوفه وامتناعه من المرور حتى ينتهي الإنسان من الصلاة، وحتى تنتهي تلك الصلاة التي يصليها ذلك الإنسان، لكان خيراً له من أن يمر، يعني: هذا الوقوف ولو طال مدة طويلة، يعني: ليس بمقدار الصلاة، بل لو وقف أربعين، وهذه الأربعين التمييز لم يذكر، ويحتمل أن يكون أربعين يوماً، ويحتمل أن يكون أربعين شهراً، ويحتمل أن يكون أربعين سنة، وهو لو كان أربعين دقيقة لكان شديداً، وعظيماً، فهذه المدة، يعني: هذا أمر خطير غير سهل، يعني: لو يعلم المار بين يديه ماذا عليه من الإثم، لكان وقوفه، وطول بقائه، وعدم مروره خيراً له من هذا المرور الذي يترتب عليه هذا الإثم، وهذا الأسلوب -أو هذا التعبير- يبين خطورة ذلك الأمر الذي لم يقع، ولكنه لو وقع لأدرك شدته، أي: هذا الوقوع.ويشبه هذا قوله صلى الله عليه وسلم في بيان عظم حضور الصلاة، وعظم شأن صلاة الجماعة، وأن الذي يتخلف عن الصلاة لو يعلم ما فيها من الأجر لأتاها ولو حبواً، كما جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً )، (لو يعلمون)، أي: المنافقين الذين يتخلفون عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر (لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وهذا لو يعلم ما عليه من الإثم لوقف ولم يتجاوز، وأدرك أن وقوفه خيراً له من ذلك المرور الذي يترتب عليه ذلك الإثم العظيم. (لو يعلم المار بين يدي المصلي)، يعني: سواء كان بينه وبين سترته إذا كان له سترة، أو بين يديه قريباً منه إذا لم يكن له سترة، (لكان أن يقف أربعين)، يعني: وقوفه أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، أو أقل أو أكثر، خيراً له من أن يمر بين يديه، يعني: (خيراً) هذا هو خبر كان، لكان وقوفه وعدم مروره خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي؛ لأنه يترتب عليه هذا الإثم العظيم، ولهذا النسائي ترجم بهذه الترجمة وهي التشديد، يعني: فيه تشديد. ثم أيضاً: هذا يدل على أنه من الكبائر؛ لأن كونه يتوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وأن الوقوف لمدة طويلة أسهل منه، وخير لمن يريد المرور من المرور، يعني: هذا يدل على خطورته وعلى شدة العذاب فيه، وأنه بهذه الصورة التي بينها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)
    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن مالك ].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة التي حصل لها الشهرة، وحصل لها الانتشار؛ بسبب الأصحاب الذين عنوا بجمعها، وحفظها، وترتيبها، حصل لها -أي: لهذه المذاهب الأربعة- ما لم يحصل لغيرها من مذاهب العلماء الآخرين الذين هم في زمانهم، وقبل زمانهم، وبعد زمانهم من أهل الفقه، والاجتهاد، وأهل الجهود العظيمة في بيان المسائل الفقهية وأحكامها -وحديثه، أي: الإمام مالك رحمة الله عليه- أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي النضر ].هو سالم بن أبي أمية المدني ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ بسر بن سعيد ].هو بسر بن سعيد المدني ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: أن زيداً أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم ... إلخ، يعني: الإسناد هو من رواية بسر عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من الرواة هنا في الإسناد، ولكنه هو الذي أرسله ليسأل، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالإسناد هو عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من رجال الإسناد، وإنما كان هو السبب في كون بسر بن سعيد يأخذ ويتلقى من أبي جهيم هذا الحديث؛ لأنه أرسله يسأله، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب.ومن المعلوم أنه رجع وأجابه؛ لأنه أرسله يسأل، يعني: ليخبره، لكن الإسناد الذي معنا هو من رواية بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد هو الجهني الصحابي المشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكما قلت: هو ليس من رجال الإسناد هنا، وأما أبو جهيم ، هو: ابن الحارث بن الصمة ، وهو صحابي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.إذاً: فالإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة: قتيبة بن سعيد، ومالك بن أنس، وأبو النضر سالم بن أبي أمية المدني، وبسر بن سعيد المدني، وأبو جهيم الصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    حرص الصحابة على تعلم الخير
    وفعل زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه مع أبي جهيم وإرساله بسر بن سعيد ليسأله، هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من التتبع لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحرص على معرفته، سواء تلقوه عنه عليه الصلاة والسلام مباشرة، أو تلقوه بواسطة من تلقاه، بحيث يروي بعضهم عن بعض، ويسأل بعضهم بعضاً، وهذا لأن الحديث يكون عند بعض الصحابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في مجلس، فيحضر المجلس من لا يحضره.. يحضر المجلس بعض أصحابه ولا يحضره الكثير، فيكون هذا البعض الذي حضر أخذ هذا الحديث، والذي ما حضر ليس له علم إلا عن طريق هذا الذي حضر، وبواسطة هذا الذي حضر، ولهذا فإن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، حتى يعرفوها أو حتى يعلموها من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين هم دونهم في المنزلة؛ لأنهم حضروا مجلساً حدث الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وأولئك غابوا عن هذا المجلس الذي حدث فيه هذا الحديث، ولهذا فإنه لا غرابة في أن يكون الحديث عند بعض الصحابة الذين هم ليسوا أكثر ملازمة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكونوا عند الملازمين له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في وقت من الأوقات، يكون من حضر علم، ومن لم يحضر لا علم له، إلا إذا وصل إليه عن طريق ذلك الذي علم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لما جاءته امرأة جدة تسأل ميراثها من ابن ابنها، فـأبو بكر ما كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم، فقال: إنني ما علمت لك في كتاب الله شيء، وما علمت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن دعيني أسأل، فسأل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءه من بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين عندهم علم، وقال: إنه أعطاها السدس، فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو أفضل الأمة على الإطلاق ما كان يعلم هذه السنة؛ لأن السنة -كما هو معلوم- تحصل في مجلس من المجالس يعلمه من حضر، ولا يعلمه من لم يحضر، إلا إذا ظفر به عن طريق من حضر، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتناوبون على مجلسه، يعني: يوفقون بين مصالحهم الدنيوية وأخذهم الحديث والعلم عنه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الصحيح عن عمر: أنه كان له جار يتناوب هو وإياه النزول، هذا ينزل يوماً وهذا ينزل يوماً، هذا ينزل يوم ويجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رجع أخبره بالذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اليوم الثاني يبقى هذا الرجل وينزل عمر ، وإذا خرج أخبره بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجلسون لأعمالهم، ولطلب أرزقاهم في بعض الأوقات، ويتناوبون، ومن حضر أخبر من لم يحضر، وأبلغ من لم يحضر، وهذا الحديث في الصحيح، في قصة كون النبي صلى الله عليه وسلم غضب على نسائه، وآلى أن لا يدخل عليهن شهراً، والحديث المشهور الذي في الصحيحين عن عمر ، وجاء إليه، فلما جاء رفيقه قال: إنه حصل أمر خطير، ففزع عمر ، ثم جاء وسأل، وخشي أن يكون طلق نساءه، وجاء وتكلم على حفصة واشتد عليها، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ( أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فقال: الله أكبر )، يعني: فرح؛ لأنه ما حصل طلاق.الحاصل: أن الحديث فيه إثبات التناوب، زيد بن خالد الجهني -الذي معنا في الإسناد- أيضاً جاء في صحيح مسلم أنه قال: كنا نتناوب رعاية الإبل، يعني: هذا عنده خمس، وهذا عنده عشر، وهذا عنده ثمان، وهذا عنده تسع، فبدلاً من كون كل واحد يرعى إبله، ويغيبون جميعاً، يجمعونها مع بعض، ثم يتناوبون على رعايتها.قال زيد بن خالد : لما كانت نوبتي، يعني: اليوم الذي يسرح فيها، رجع مبكراً، يعني: لم يبلغ النهاية في آخر النهار، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحدث الناس، يعني: في المسجد، فجلس، وسمع آخر الحديث، فسمع شيئاً أعجبه، يعني: فيه أجر وثواب، فقال: ما أحسن هذه، أو ما أجود هذه! يعني: يقوله زيد بن خالد، ما أجود هذه الفائدة التي فيها هذا الثواب، فسمعه عمر فقال: التي قبلها أجود، ثم أخبره بالحديث الذي كان غاب عنه، أي في المدة التي كان قبل أن يأتي، وهذا يتعلق بالأذان وما يقوله الإنسان كونه يتوضأ، ويذكر الله عز وجل، فالحديث في صحيح مسلم.فالحاصل والمقصود من هذا أنهم كانوا يتناوبون، فـزيد بن خالد رضي الله عنه هنا أرسل بسر بن سعيد إلى أبي جهيم ليسأله عما عنده، أو ما يعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرور بين يدي المصلي، فقال أبو جهيم: سمعته وهذا الكلام يقوله لـبسر بن سعيد الذي جاء يسأل، ومن المعلوم أن بسر بن سعيد رجع وأخبر زيد بن خالد، لكن كما قلت: هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من حفظ السنة، والعناية بها، وتلقيها عمن أخذها من أصحابه، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام رغب في تلقي الحديث عنه وبين عظم ذلك، حيث قال: ( نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، فهذا فيه الترغيب في أخذ السنة، والترغيب في حفظها، والترغيب في بذلها؛ وأن بذلها ونشرها يترتب عليه المصالح الكبيرة، وهي: أنه قد يأخذه من يكون أعظم حفظاً، ويأخذه أيضاً من يكون أعظم فقهاً، فيفهم منها من الأحكام، ويفهم منها من أجوبة المسائل ما لا يفهمه الأول الذي أخذها: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
    شرح حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )].أورد النسائي في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )، قوله: (فلا يدع أحداً يمر بين يديه)، هذا عام يشمل ما إذا كان عنده سترة، وما إذا كان ليس عنده سترة، لكنه يمر في حدود ما هو قريب منه يمنع، لا أن يتقدم خطوات، ويمنع المار إذا لم يكن له سترة، وإنما يمنع وهو في مكانه، أما أن يتقدم خطوات ليمنع، فليس من حقه أن يأخذ المسافة التي أمامه، المار إذا لم يكن هناك سترة يمر من بعد مقدار ثلاثة أذرع من موقف أو من قدم المصلي من بعد ثلاثة أذرع يمر، ولا يحجز المسافة التي أمامه إذا لم يكن له سترة، وإنما يترك مقدار ثلاثة أذرع، ثم يمر وراءها، ولا يضر، والمصلي لا يتقدم أي: لا يمشي خطوات من أجل أن يرد الناس، وإنما يبقى في مكانه، ومن كان قريباً منه مد يده ليرده. (وإن أبى فليقاتله)، معناه: أنه يدفعه، وليس المقصود أنه يترك صلاته ثم يتصارع معه، وإنما يدفعه ولو كان بقوة، يعني: بمعنى أنه إذا كان عزم يدفعه بقوة، لا أن يلحق به ضرراً، وينشغل عن صلاته بمغالبته، ومضاربته أو مقاتلته، وإنما المقصود من ذلك مدافعته بقوة دون أن يلحق ضرراً.( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه فإن أبى )، يعني: إذا رده أو نبهه فلم ينتبه، ثم أراد أن يذهب بقوة، لكن إن تجاوز يتركه يمشي، وإن لم يتجاوز فإنه يدفعه، فإن تجاوز فإنه يدعه، ولا شك أنه أدى ما عليه، وذاك ظفر بالإثم الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ).
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)
    قوله: [ أخبرنا قتيبة عن مالك ].قتيبة عن مالك ، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.[ عن زيد بن أسلم ].هو: المدني ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ].هو: عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وهو: ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي سعيد الخدري ].وهو: سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته أبو سعيد ، ومشهور بكنيته ونسبته الخدري ، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في قوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفـالخدري المقصود به أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
    الرخصة في المرور بين يدي المصلي

    شرح حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في ذلك: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن كثير بن كثير عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ) ].أورد النسائي هذه الترجمة: الرخصة في ذلك، يعني: في المرور، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، والمرور بين يدي المصلي كما هو معلوم لا يجوز؛ لأنه ورد فيه وعيد، لكن الإنسان يمكنه بدل أن يمر، وبدل أن يقف إذا كان لا يريد أن يقف، يمكنه أن ينتقل من صف إلى صف، يعني: إذا كان إنسان يصلي في الصف، والآخر يمشي بين الصفوف، فبدلاً من أن يمشي بين الصفوف التي تكون أمام هذا المصلي، يعني: ينظر إلى الصف الذي وراءه فإذا كان خالياً -يوسع بين اثنين- فإنه ينتقل إلى الصف الثاني، ثم يمشي وهكذا، لكن إذا كان هناك ضرورة ملجئة للإنسان، ولا يجد سبيلاً، لا سيما إذا كان الإنسان مضطراً إلى قضاء الحاجة، وعدم مروره يؤدي به إلى أمر يصعب عليه، فإنه لا بأس؛ لأن هذه ضرورة.كذلك في المسجد الحرام عندما يكون الناس في المطاف، ويكثر الطائفون، ويمتلئ المسجد، ويصلي عند المقام، ثم يكون الطائفون بين يديه، فإنه لا يمنع الطائفين، وفي هذه الحالة للضرورة لا بأس بذلك، وقد أورد النسائي في هذا حديث المطلب بن أبي وداعة السهمي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت، وجاء وصلى بحذاء المقام في حاشيته، وليس بينه وبين الطواف أحد )، يعني: الناس يطوفون وليس بينه وبينهم أحد، يعني: معناه أنهم يطوفون بين يديه، هذا هو الحديث، والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وضعفه الشيخ ناصر الألباني ، فرجاله ثقات إلا كثير بن المطلب فإنه قال عنه: مقبول.
    تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)
    قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه ، المحدث، الفقيه، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ أخبرنا عيسى بن يونس ].وهو ابن أبي إسحاق السبيعي، حفيد أبي إسحاق السبيعي، عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو: ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو: ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ].وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة هذا ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، خرجوا لـكثير بن كثير الذي هو الحفيد؛ حفيد المطلب .[ عن أبيه ].كثير اسمه يوافق اسم أبيه كثير بن كثير ، وأما كثير بن المطلب فهذا قيل عنه: مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ؛ فالذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه بدون البخاري .[ عن جده ].المطلب بن أبي وداعة ، وهو صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    الرخصة في الصلاة خلف النائم

    شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الصلاة خلف النائم. أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أخبرني يحيى عن هشام قال: حدثنا أبي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا راقدة، معترضة بينه وبين القبلة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت ) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في الصلاة خلف النائم، المقصود من ذلك: أن الصلاة خلف النائم صحيحة، وأنه لا بأس بها، وأورد في ذلك حديث عائشة الدال على هذه الترجمة، وهي أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل)، يعني: تطوعاً، (وأنا راقدة) بين يديه (معترضة)، يعني: ممتدة، رجلاها أمامه، (فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)، فالنائم أو كونها نائمة مأخوذ من قوله: راقدة، ومن قولها: (أيقظني)، وأنا راقدة (فإذا أراد أن يوتر أيقظني) فهذا يفيد ما عقد له الترجمة، وهو الصلاة خلف النائم، أو وراء النائم.والحديث واضح الدلالة؛ لأن عائشة رضي الله عنها، كانت في حجرتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وهي في قبلته معترضة نائمة، فإذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت، والحديث يدل على أن الصلاة خلف النائم لا بأس بها؛ لدلالة هذا الحديث عليها، وفي ذلك أيضاً تأكيد الوتر وتأكد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يوتر أيقظها لتوتر؛ لأن الوتر متأكد، بخلاف صلاة الليل، والوتر هو آكد النوافل، هو وركعتا الفجر، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتركهما لا في حضرٍ ولا في سفر، الوتر وركعتا الفجر.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)

    قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ]، وهو: السرخسي اليشكري ، وهو: ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[ عن يحيى ].هو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه الكثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن هشام ].هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا أبي ]. عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المعروفين في عصر التابعين الذين يأتي ذكرهم كثيراً في هذه الأسانيد.[ عن عائشة ]. يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.والله أعلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب القبلة
    (140)


    - باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة - باب الصلاة في الثوب الواحد

    أحب الأعمال إلى الله الدائمة وإن كانت قليلة، فعلى الإنسان أن لا يكلف نفسه فوق طاقتها، بل يحرص على الاستمرار في العمل وإن قل؛ فالشارع لم يقصد المشقة في الأعمال، بل يسر على المكلفين، ومن ذلك أنه أجاز الصلاة في الثوب الواحد بشرط أن يكون ساتراً للعورة.
    باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة شرح حديث: (... فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة.أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل فيصلي فيها، ففطن له الناس فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة، فقال: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومه وإن قل، ثم ترك مصلاه ذلك، فما عاد له حتى قبضه الله عز وجل، وكان إذا عمل عملاً أثبته )].يقول النسائي رحمه الله: باب المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة. والمقصود من هذه الترجمة بيان جواز أن يكون بين الإمام والمأمومين ما يفعل كنصب حصيرة وما شابهها، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل فيصلي فيها، ففطن الناس فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة )، يعني: أنهم صلوا مؤتمين بالنبي وبينهم وبينه حصيرة، فلم ينههم عن الاقتداء به بهذه الصورة، ولكنه نهاهم عن التكلف في فعل ما لا يطاق فقال: ( اكلفوا من العمل ما تطيقون )، يعني: افعلوا ما تطيقون، وأتوا من العمل ما تطيقون، وكون الإنسان يعمل الشيء الذي يطيقه ويداوم عليه أولى له من أن يقدم على شيء ويكثر منه في وقت من الأوقات ثم يهمله في بقية الأوقات، فإنه كما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا ).وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا)، ليس المقصود منه أن الله تعالى يمل إذا مل الناس، فإن الله تعالى لا يوصف بالملل، ولكنه لا يمل وإن حصل منهم الملل، وهنا نفى صفة الملل عنه عز وجل: (إن الله لا يمل)، فأرشدهم إلى أن يفعلوا ما يطيقون، وأن إكثارهم من العمل مطلوب ولا بأس به، ولكن إذا كان هذا العمل يؤدي إلى انقطاع ويؤدي إلى حصول مشقة -يعني: يجعل الإنسان يكسل ولا يستمر- فإن غيره خير منه، والذي هو خير منه العمل الذي يداوم عليه ولو كان قليلاً، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى قوله: ( وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل )، فما يداوم عليه الإنسان وإن كان قليلاً فهو يجعله على صلة بالله عز وجل دائماً، بخلاف الإنسان الذي ينشط في بعض الأوقات، ثم يهمل في كثير من الأوقات، فالإنسان الذي ينشط في بعض الأوقات ويهمل قد يأتيه الموت في حال إهماله، والإنسان الذي يداوم على شيء فأي وقت يأتيه الموت فإنه يأتيه وهو على حالة حسنة، ويأتيه وهو مستمر على شيء.ثم إن القليل الدائم يكون كثيراً، بخلاف الكثير الذي يكون في وقت من الأوقات ثم يحصل الملل فيترك الإنسان القليل والكثير، ويضيع الإنسان القليل والكثير، بل الإنسان يحرص على أن يكون له عمل دائم وإن كان قليلاً، ولا يكون همه أن يكثر من العمل في وقت من الأوقات ثم يهمل ويغفل في أوقات كثيرة، وقد ذكر عن بعض السلف أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان، وإذا خرج رمضان تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان! نعم رمضان موسم من مواسم الآخرة، ويشتغل فيه بالعبادة، ويزاد في صلاة التراويح، وفيه تهجد في العشر الأواخر، وانتظار ليلة القدر، ولكن لا يعني هذا أن الإنسان يكون من بعد رمضان ليس له علاقة بالعبادة، ولا يشتغل بالنوافل، بل على الإنسان أن يكون له نوافل يداوم عليها ويستمر عليها ولو كانت قليلة، فإن القليل مع الدوام يكون كثيراً، والكثير مع الإهمال والتضييع يتلاشى ويضمحل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ).ثم أيضاً هذا يدل على إثبات صفة المحبة لله عز وجل، وأن الله تعالى يحب ما شاء من الأعمال، ومن شاء من الأشخاص، فهو من صفاته المحبة، وهي صفة كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل على ما يليق به، دون أن تؤول ودون أن تصرف عما تدل عليه إلى معان أخرى لا تدل عليها، فالصفات كلها من باب واحد، كل ما ثبت في الكتاب والسنة يثبت على ما يليق بالله عز وجل، من غير تشبيه ولا تكييف، ومن غير تحريف ولا تأويل، وإنما إثبات لا تعطيل معه ولا تأويل، ومع الإثبات لا تشبيه ولا تكييف، بل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى، فهذا هو شأن الصفات جميعاً، وكلها من باب واحد، فيقال في الصفات ما يقال في الذات، فكما تثبت لله عز وجل الذات ولا يعلم كنهها، فتثبت كل الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة ولا يعلم كنهها، فالصفات كلها من باب واحد، يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، ويقال فيها ما يقال في الذات.ولا يتكلف الاشتغال بتأويلها وتفسيرها بأمور لا تدل عليها، بحجة أن الإثبات يقتضي التشبيه، أبداً، لا تلازم بين الإثبات والتشبيه، فهناك إثبات مع تنزيه، وهناك إثبات مع تشبيه، والإثبات مع التشبيه هو الباطل الذي لا شك فيه، والإثبات مع التنزيه هو الحق الذي لا ريب فيه، والله تعالى جمع بين الإثبات والتنزيه في قوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، ولا يلزم من إثبات الصفة المشابهة للمخلوق، أبداً؛ لأن بعض الناس يتصور أنه لو أثبت للزمت المماثلة والمشابهة؛ لأنه ما تصور الإثبات إلا على ما هو مشاهد من المخلوقين، وما تصور الصفة إلا على ما هو مشاهد، وهذا من أكبر الغلط، وهذا من أبطل الباطل، فتصور التشبيه أدى إلى التعطيل، ولكن الإنسان إذا أثبت ما أثبته الله لنفسه على ما يليق بكماله وجلاله، دون تشبيه له بخلقه، ودون تعطيل لصفاته، ودون تأويل لها إذا أثبت هذا فهو إثبات مع التنزيه، والإثبات مع التنزيه ذكره الله عز وجل بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، له سمع لا كسمعنا، وبصر لا كأبصارنا، ووجه لا كوجوهنا، ويدان لا كأيدينا، فكل ما ثبت في الكتاب والسنة نثبته، ولكن مع نفي المشابهة، ونفي التكييف، ونفي التعطيل، ونفي التأويل. هذا هو الواجب، وهذا هو الذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم، وهم خير القرون، وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قال: ( ثم ترك مصلاه ذلك فما عاد له ).يعني: ذلك المكان الذي يحتجر فيه، ووضع فيه الحصير الذي يعتبر حاجزاً ما عاد إليه حتى لا يتابعه الناس في ذلك، فينالهم بذلك مشقة. قال: ( وكان إذا عمل عملاً أثبته )، كان عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملاً يداوم عليه ولا يتركه، وإذا فاته قضاه، كما حصل في الاعتكاف؛ فإنه اعتكف في العشر الأواخر من رمضان، ثم ترك الاعتكاف مرة، ولكنه قضى ذلك في شوال، ولما فاتته ركعتان بعد الظهر لكونه شغل في يوم من الأيام حتى جاء وقت العصر قام وقضاها بعد الصلاة، ثم داوم على ذلك؛ لأنه كان إذا عمل شيئاً أثبته عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة ...)
    قوله: [ (أخبرنا قتيبة ) ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].هو الليث بن سعد المصري ، المحدث الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، والمكثر من الحديث، وكذلك مشهور بالفقه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن عجلان ].وهو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن سعيد المقبري ].وهو سعيد بن أبي سعيد ، واسم أبيه كيسان ، وهو مشهور بـأبي سعيد ، ولهذا يقال له: سعيد بن أبي سعيد ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي سلمة ].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، من التابعين المحدثين الفقهاء، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، يعني: كما ذكرت مراراً: ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ]، أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
    باب الصلاة في الثوب الواحد

    شرح حديث: (إن سائلاً سأل رسول الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة في الثوب الواحد.أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( إن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: أولكلكم ثوبان؟ ).عقد النسائي رحمه الله كتاب القبلة، وأورد فيه أحاديث فيها الاستقبال، وفيها الشيء يكون في قبلة الإنسان وأمام الإنسان، ثم إنه لما فرغ منها أتى بعدها بأحاديث لا تتعلق بالقبلة، ولكنها تتعلق بستر العورة، وتتعلق باللباس في الصلاة، وهي ليست داخلة في القبلة، ولا دخل لها في القبلة، ولكنها تتعلق بشرط من شروط الصلاة الذي هو ستر العورة، كما أن القبلة واستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، فكذلك ستر العورة، وكون الإنسان يصلي وهو مستور العورة، ويكون لابساً ما يستر عورته، فأورد أحاديث تتعلق باللباس، سواء كان ذلك اللباس يتعلق بالجسد كله، أو يتعلق ببعض الجسد، كالخفين والنعلين؛ لأن هذا كله يعتبر من اللباس.وأورد فيه الترجمة، وهي الصلاة في الثوب الواحد، يعني: أن ذلك سائغ، فالإنسان يصلي في ثوب، ولكن ذلك الثوب يجب أن يكون ساتراً ولا يكون شفافاً، ولا يكون غير ساتر، بل يكون ساتراً للعورة وكافياً لها، فـالنسائي أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: أولكلكم ثوبان؟ )، فيه إنكار على هذا السؤال، يعني: أنه لا إشكال ولا ريب في أن الإنسان يصلي في ثوب واحد، وما كل أحد يستطيع أن يصلي في ثوبين، وأن يكون على جسده ثوبان وهو يصلي، ولهذا فإن مثل هذا السؤال لا وجه له؛ لأن هذا هو الواقع، وهذا هو الذي يحصل للناس، ولكن كون الإنسان يصلي وعليه ثوبان لا شك أنه أولى من ناحية كمال الستر، وكمال التحرز من انكشاف العورة، ومن بدو العورة، ولكن لا ينبغي أن يكون هناك تردد في الثوب الواحد، فلا يتردد فيه، ولا مانع منه، ولهذا قال: (أولكلكم ثوبان؟)، ليس كل أحد يستطيع أن يصلي في ثوبين، بل يكفي الصلاة في ثوب واحد، ولهذا أجاب بهذا السؤال الذي فيه إنكار، ودلالة على أن ليس كل أحد يستطيع أن يملك ثوبين، وأن تكون صلاته في ثوبين، بل الصلاة في ثوب واحد هو الغالب عليهم في ذلك الزمان، إذاً: الصلاة في الثوب الواحد سائغة ولا بأس بها، ولكن لا يكون شفافاً، ولا يكون مبدياً للعورة.والمراد بالثوب ليس القميص المخيط الذي له أكمام وله جيب، وإنما القطعة من القماش يقال لها: ثوب، والذي في حديث عائشة الذي مر أولاً، يعني: قطعة من القماش.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن سائلاً سأل رسول الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[عن مالك].وهو ابن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو الزهري : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ، أحد المحدثين المكثرين، وأحد الفقهاء المشهورين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن المسيب].وهو أحد الثقات في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين مر ذكرهم قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة رضي الله عنه].صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الملازم له، والمكثر من رواية حديثه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أكثر السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث.
    شرح حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه رأى رسول الله يصلي في ثوب واحد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة : ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة ، واضعاً طرفيه على عاتقيه ) ].هنا أورد النسائي حديث عمر بن أبي سلمة الذي هو ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن زوجته أم سلمة رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، والذي فيه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة -يعني: في بيت أمه- يصلي في ثوب واحد، واضعاً طرفيه على عاتقيه)، يعني: ملتفاً به، وواضعاً أطرافه على عاتقيه، وهو -كما قلت- عبارة عن قطعة قماش لفه على نفسه ووضع أطرافه على عاتقيه، فهو دال على ما ترجم له المصنف من الصلاة في الثوب الواحد، فهذا من فعله، وذاك من قوله لما سأله الرجل: (هل يصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: أولكلكم ثوبان؟)، يعني: ما كل يستطيع أن يملك ثوبين، فالحديثان دالان على الصلاة في الثوب الواحد، الأول من قوله صلى الله عليه وسلم، والثاني من فعله.
    تراجم رجال إسناد حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه رأى رسول الله يصلي في ثوب واحد...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].وهو مثل الإسناد الذي قبل هذا.[عن هشام].وهو ابن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين تكرر ذكرهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، يروي كثيراً عن خالته عائشة .[عن عمر].هو عمر بن أبي سلمة ربيب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ابن زوجته أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    الأسئلة

    الرد على من يصفون الإمام ابن حجر بأنه مبتدع
    السؤال: بعض طلبة العلم هداهم الله يحكمون على ابن حجر بأنه مبتدع، ويقولون بترك الترحم عليه للزجر؟الجواب: هؤلاء الذين يتكلمون في ابن حجر ، ويقولون: لا يترحم عليه، وكذلك أيضاً قد ينصحون بعدم استعمال كتبه، هؤلاء ضارون لأنفسهم، وحارمون لأنفسهم، وهم قطاع الطريق إلى العلم النافع، وإلى الخير الكثير، فهم يضرون أنفسهم، ويسعون إلى الإضرار بغيرهم، فهؤلاء الواجب عليهم أن يتنبهوا لما وقعوا فيه من البلاء، وكل مسلم يترحم عليه، وأهل لأن يدعى له بالرحمة والمغفرة، ولكن هذا من الجفاء في حق العلماء الذين لهم جهود عظيمة، ولهم علم عظيم، وخلفوا كتباً عظيمة لا يستغني عنها طالب العلم.ومن المعلوم أن ابن حجر رحمه الله منذ زمنه وإلى يومنا هذا العلماء يعولون على كتبه، ويستفيدون من كتبه، وكتابه بلوغ المرام يحفظه طلاب العلم الكبار، الذين ليسوا مثل هؤلاء الذين نبتوا وصاروا يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون بما لا ينبغي أن يتكلموا به، وكتابه بلوغ المرام يحفظه طلاب العلم فيما مضى وحتى الآن، وهو كتاب لا يستغني عنه أحد، وكذلك كتابه فتح الباري كتاب واسع، وكتاب عظيم، فيه العلم العظيم، ففيه العلم الواسع، ففيه الفقه، وفيه الحديث، وفيه المصطلح، وفيه الكلام في الرجال، وفيه خدمة صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب وخير كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولم يخدم هذا الكتاب أحد مثلما خدمه ابن حجر العسقلاني رحمه الله، فالواجب على أولئك أن يتنبهوا لما وقعوا فيه من البلاء، وإذا كان حصل منه خطأ في بعض المسائل في العقيدة فلا يسوغ أن يحكم عليه بالابتداع، فما زال العلماء منذ زمانه إلى هذا الزمان يستفيدون من كتبه، وقل أن ترى كتاباً ألف بعده إلا وهو يعزو إليه، أحياناً يقول: الحافظ ، وأحياناً يقول: الحافظ ابن حجر ، حتى صار الحافظ علماً عليه ولقباً عليه، فعندما يقولون: قال الحافظ ، يقصدون بذلك ابن حجر . فهذا الرجل عمل أعمالاً عظيمة، ولا يزال الناس من قديم الزمان يستفيدون من علمه ويترحمون عليه، وأما هؤلاء فإنهم يسعون إلى الإضرار بأنفسهم، وأيضاً يعملون إلى الإضرار بالآخرين، وإلى أن يوقعوا الآخرين فيما وقعوا فيه من البلاء، ومن الإقدام على أمر منكر، فلو كان كل إنسان يخطئ لا يستفاد من علمه لقضي على كثير من الكتب، وتخلص منها، ولكن هذا الفعل هو شأن النوابت الذين لا علم لهم، ولا معرفة لهم، وعلماء الأمة منذ زمن ابن حجر وحتى الآن يعنون بكتب ابن حجر ، ويستفيدون من كتب ابن حجر ، ولا يستغنون عن كتب ابن حجر ، ولهذا ينبغي لمن سمع كلام مثل هؤلاء أن ينصحهم، وأن يحذرهم من مغبة ما هم فيه، وهؤلاء الذين يتكلمون في ابن حجر لابد وأن ينتقلوا بعد ذلك إلى غير ابن حجر ، يعني: المسألة خطوة خطوة، فيكون هذا بداية الشر وبداية البلاء لهؤلاء المساكين.فالواج عليهم أن يحذروا، وأن يعرفوا أنهم ابتلوا بلاء عظيماً، وعليهم أن يسألوا الله عز وجل أن يخلصهم منه.والشخص إذا أخطأ في مسائل في العقيدة أو في غيرها لا يحال بين الناس وبين كتبه النافعة التي خدمت السنة، وخدمت أهل السنة، وإن كان عنده خطأ فهذا الخطأ مغمور في صوابه الكثير وعلمه العظيم، والإنسان يتنبه ولا يتابعه على خطئه، والخير الكثير الذي فيه يأخذه منه ويتابعه عليه، ويستفيد منه.
    حكم وصف الله عز وجل بأنه شخص
    السؤال: هل يجوز إثبات صفة الشخص لله سبحانه؟الجواب: الواجب أنه لا يثبت لله عز وجل إلا ما أثبته لنفسه، وكلمة شخص ما نعلم ثبوتها، جاءت في الحديث: ( لا شخص أغير من الله )، يعني: لا أحد أغير من الله، هذا هو المقصود بها، فإطلاق الشخص عليه وأن من صفاته الشخص ما هناك ما يدل عليه، والحديث الصحيح الذي ورد: ( لا شخص أغير من الله )، يعني: لا أحد أغير من الله؛ لأن هذا نفي، وتثبت صفة الغيرة من هذا الحديث لله عز وجل، ولكن كلمة (شخص) التي في الحديث إنما المقصود بها لا أحد أغير من الله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب القبلة
    (141)


    - (باب الصلاة في قميص واحد) إلى (باب الصلاة في الحرير)

    من تيسير الشريعة أنها أباحت الصلاة في القميص الواحد، كما أباحت الصلاة في الإزار؛ لكن يجب أن يضع على عاتقه شيء لورود النهي عن الصلاة بالثوب ليس على عاتقه منه شيء. كما لا يجوز للمسلم أن يصلي بحرير، بل لا يجوز أن يلبسه مطلقاً.
    الصلاة في قميص واحد

    شرح حديث سلمة بن الأكوع في الصلاة في قميص واحد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في قميص واحد.أخبرنا قتيبة حدثنا العطاف عن موسى بن إبراهيم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: قلت: ( يا رسول الله! إني لأكون في الصيد وليس علي إلا القميص، أفأصلي فيه؟ قال: وزره عليك ولو بشوكة ) ].يقول النسائي رحمه الله: الصلاة في القميص الواحد، المقصود من الترجمة بيان جواز الصلاة في القميص الواحد، وأنها مثل الثوب الذي هو يلفه على نفسه ويصلي فيه، فكذلك القميص الذي يكون مخيطاً على مقدار الجسد، يكون له أكمام، وله جيب، فإنه يصلى فيه، ولو لم يكن معه لباساً آخر، وقد أورد النسائي فيه حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: ( أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يكون في الصيد وليس عليه إلا قميص واحد أفأصلي فيه؟ فقال له: وزره ولو بشوكة )، يعني: وصل فيه، يعني: المقصود أنه يزر جيبه حتى لا تنكشف عورته، وحتى لا تبدو عورته من جيبه إذا كان مفتوحاً؛ لأنه ليس عليه إزار ولا سراويل، فإذا لم يكن مزروراً؛ أي: جيبه، فإنه تبدو عورته، وتنكشف عورته، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يصلي فيه، ولكنه يزره ولو لم يجد ما يزره به إلا شوكة، يزره بها؛ يربط بين أطراف جيبه حتى لا تبدو عورته، وحتى لا تظهر عورته.والقميص كما ذكرت: هو ما يخاط على مقدار الجسد دون الرأس، وله أكمام وجيب، وقد جاء في حديث الإحرام لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم؟ فقال: ( لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس )، فبين عليه الصلاة والسلام أن المحرم لا يلبس القمص، وهو ما يخاط على مقدار الجسد، هذا هو القميص، لكن إذا كان ليس عليه إلا هو، وليس عليه إزار ولا سراويل، فإنه يزره بأي شيء، ولو كان ذلك بشوكة؛ حتى لا تبدو عورته من جيبه.
    تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع في الصلاة في قميص واحد
    [ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، وأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد.[ حدثنا العطاف ].هو العطاف بن خالد ، وهو صدوق يهم، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي .[ عن موسى بن إبراهيم ].موسى مقبول، أخرج له أبو داود، والنسائي.[ عن سلمة بن الأكوع ].هو سلمة بن الأكوع الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة في الإزار

    شرح حديث سهل بن سعد الساعدي في الصلاة في الإزار
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الإزار.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: (كان رجال يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي الصلاة في الإزار، وقد أورد فيه حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه: ( أن رجالاً كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم كهيئة الصبيان، فقيل للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً )؛ وذلك أنهم كانوا عليهم أزر ضيقة عاقدينها، ولضيقها قد تنكشف عند سجودهم، أو يبدو شيء من عورتهم، فأمرت النساء اللاتي يصلين وراءهم ألا يرفعن رءوسهن إلا بعدما يستقر الرجال جلوساً؛ يعني: أنهن يتأخرن في القيام من السجود عن الرجال بحيث لا يحصل رؤيتهن لعورات أحد من الرجال الذين أمامهن، وهذا اللباس الذي عليهم، وهو الأزر بهذا الوصف، إنما كان لقلة ذات اليد، وعدم القدرة على لبس ما هو كافٍ، وما فيه الستر التام، فكانوا قليلي ذات اليد، ولهذا يكون هذا لباسهم في بعض الأحيان؛ لأن هذا هو الذي يقدرون عليه، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وهو دال على الصلاة في الإزار، وهذا إذا لم يجد الإنسان شيء آخر سواه، ولكنه إذا وجد شيئاً معه فإنه يضيفه إليه، كالقميص أو الرداء الذي يغطي أعلى الجسد، أما إذا لم يستطيع إلا الإزار، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، يكفيه ذلك، لكن إذا كان قادراً على ما هو أكثر من هذا، فإن عليه أن يضيفه إليه، وقد جاءت السنة -كما في الحديث الذي سيأتي- أنه لا يصلي الإنسان في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، يعني: معناه أنه يكون على العاتق منه شيء، ولكنه إذا كان لا يستطيع أو لا يكفي، فيستر العورة؛ وهي من السرة إلى الركبة، وما عدا ذلك فإنه معفو عنه، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما إذا كان الإنسان قادراً، فإنه لا يكتفي بالإزار، وإنما يضيف إليه ما يستر أعلى الجسد، كأن يكون عليه ثوب آخر، أو رداء يلتحف به فوق الإزار، أو يكون عليه قميص.

    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد الساعدي في الصلاة في قميص واحد

    قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي ، وهو ثقة، مأمون، سني، وصف بأنه سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[ حدثنا يحيى ].يحيى هو: ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المكثر من الرواية، والمعروف بكثرة الكلام في الرجال في الجرح والتعديل، وهو الذي قال عنه الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل عندما ذكره، قال: إنه إذا اتفق هو وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه، يعني: بذلك أنهما مصيبان، وأنهما أصابا الهدف، وأن كلامهما حجة، وأن كلامهما عمدة يعول عليه؛ لأنهما لا يكادان يخطئان فيما يقولانه في الشخص، في جرحه إذا اجتمعا على ذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن سفيان ].سفيان يحتمل أن يكون ابن عيينة ، ويحتمل أن يكون الثوري ؛ لأن يحيى القطان روى عن السفيانين، والسفيانان رويا عن أبي حازم بن دينار ، فكل منهما محتمل، والترجيح أو تمييز أحدهما لا يظهر لي أيهما المراد؛ لأن يحيى بن سعيد القطان بصري، وسفيان الثوري من الكوفة، وسفيان بن عيينة من مكة، وأبو حازم مدني، وسفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، فكل واحد منهما بالنسبة للتلميذ أو الشيخ كان قريباً من بلده؛ لأن البصرة قريبة من الكوفة، والمدينة قريبة من مكة، فلا ندري أي الاثنين، لكن الإهمال إذا كان دائراً بين شخصين وهما ثقتان، فسواء ميز أحدهما وعرف أو لم يعرف فلا يضر؛ لأن الإسناد دائر على ثقة، فهو إن كان هذا أو هذا، فالإسناد صحيح ولا إشكال فيه، ولو لم يعرف أيهما، وإنما المحذور فيما إذا كان الأمر محتملاً لاثنين أن يكون أحدهما ثقة، والثاني ضعيفاً؛ لأن هذا هو الذي يؤثر فيه اللبس، وكما ذكرت في ترجمة يحيى أنه روى عن السفيانين وفي ترجمة أبي حازم بن دينار روى عنه السفيانان، فتعيين أحدهما لا أدري أيهما، لكن الجهل بذلك لا يؤثر؛ لأن أي واحد منهما ثقة، فيكفي أن يكون عن واحد منهما، ولو لم يعلم شخصه بعينه.[ حدثني أبو حازم ].هو سلمة بن دينار الأعرج المدني ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن سهل بن سعد ].هو سهل بن سعد الساعدي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ، وقد ذكرت فيما مضى: أنه ذكر بعض العلماء أنه لا يعرف في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا هذين وهما: سهل بن سعد الساعدي ، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فإنهما هما اللذان يكنيان بهذه الكنية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عمرو بن سلمة في صلاته بقومه وعليه بردة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عاصم عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أنه قال: ( لما رجع قومي من عند النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنه قال: ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن، قال: فدعوني، فعلموني الركوع والسجود، فكنت أصلي بهم، وكانت علي بردة مفتوقة، فكانوا يقولون لأبي: ألا تغطي عنا است ابنك؟ ) ].هنا أورد النسائي حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله تعالى عنه: أن قومه لما جاءوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ( إنه قال: يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله )، يؤم القوم أكثرهم قراءة، فوجدوه أكثرهم قراءة، فنادوه وعلموه الركوع والسجود، وجعلوه وقدموه ليصلي بهم، وكان عليه برده مفتوقة، فقالوا لأبيه: ألا تغطي عنا است ابنك؟أي: شيء يواري هذا الفسخ، أو هذا الذي يبدو أحياناً من هذه البردة، ومن المعلوم أن هذا لقلة ذات اليد، والمقصود من ذلك: أن الإمام يطلب فيه أكثر مما يطلب في غيره، من التستر؛ لأنه إمام، ولأنه قدوة، وإن كان ذلك مطلوب من الجميع، ولكن مع عدم القدرة لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.وقد عرفنا في الحديث الفائت أن الجماعة الذين كانوا يصلون معه، كانوا عاقدي أزرهم، وأنهم إذا سجدوا لضيق الأزر قد تبدو العورة، فأُمرت النساء بألا ترفع رءوسهن إلا بعدما يستقر الرجال جلوساً حتى لا يرين عورات الرجال من ورائهم، فـعمرو بن سلمة الجرمي هذا كانت البردة التي عليه فيها فتق، وكان يبدو منها شيء من العورة، أو جزء من العورة، فقالوا لأبيه هذه المقالة، والمقصود من ذلك: أنه يعمل على أن يوجد له شيئاً يواريه، ويستر هذا الذي يبدو منه، لا سيما وهو إمامهم الذي يصلي بهم. وقوله: ( علموه الركوع والسجود )، يحتمل أن يكون المقصود أنه لصغره، وأنه في سن التمييز، وأنهم علموه الصلاة، ويحتمل أن يكون علموه الركوع والسجود مع وجود هذا اللباس الذي عليه، أي: الركوع والسجود؛ ومعناه: أنه يحتاط فيه، وحتى لا يبدو ذلك الذي يكون من عورته عند ركوعه وسجوده؛ أي: ذلك الفسخ الذي في تلك البردة، ويحتمل أن يكون لكونه صغيراً، فكان يحفظ أكثر مما يحفظ غيره، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله )، فقدموه عليهم وجعلوه يؤمهم؛ لأنه هو الأقرأ، والأكثر حفظاً لكتاب الله عز وجل.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة في صلاته بقومه وعليه بردة
    قوله: [ أخبرنا شعيب بن يوسف ].شعيب بن يوسف، وهو النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.[ حدثنا يزيد بن هارون ].هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، متقن، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا عاصم ].هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن عمرو بن سلمة ].هو: عمرو بن سلمة الجرمي . وهو صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته


    شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط بعضه على رسول الله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلي مرط بعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].هنا أورد النسائي صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته، وقد أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وهي إلى جنبه، وهي حائض، يعني: معناه أنها نائمة، أو أنها جالسة، ( وعلي مرط بعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم )، والمرط هو: الكساء، فكان ذلك الثوب بعضه على عائشة وهي جالسة أو نائمة، وبعضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهو يدل على جواز مثل ذلك، بأن يكون طرفه على المصلي، وطرفه مع شخص آخر جالس أو نائم، والمقصود بالثوب هو: القطعة من القماش كما ذكرت فيما مضى؛ لأن الثوب يطلق على هذا، يعني: قطعة من القماش يستعمل أحد طرفها، ويكون طرفها الآخر في الأرض، أو يكون على شخص آخر. وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها، كانت حائض، وأن هذا المرط كان عليها، وأن طرفه على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ وذلك يدل على جواز مثل هذا العمل؛ لأنه فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط بعضه على رسول الله)

    قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنضلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ حدثنا وكيع ].هو ابن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا طلحة بن يحيى ].هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وهو صدوق، يخطئ، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، يعني: جده صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه.[ عن عبيد الله بن عبد الله ].هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو من المحدثين الفقهاء في عصر التابعين في هذه المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين الذين وصفوا بهذا الوصف، والذين إذا اتفق رأيهم في مسألة من مسائل الفقه قالوا فيها: وقال فيها الفقهاء السبعة، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا هو أحدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن عائشة ].هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، وهي المرأة التي لا يعادلها امرأة أو لا يساويها امرأة، ولا يماثلها في كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبعة المكثرون ستة منهم من الرجال وواحدة من النساء؛ وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء

    شرح حديث: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ) ].أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء.وأورد النسائي في هذا الباب حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء )، ومعناه: لا بد أن يكون على عاتقه منه شيء إذا كان ثوباً واحداً، يعني: يلتحف به، بمعنى: أنه يجعل أطرافه على عاتقيه؛ وذلك لأنه يكون أمكن في ستر العورة، وقد مر فيما مضى حديث عائشة رضي الله عنها في باب الصلاة في الثوب الواحد، ( وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في ثوب واحد ملتحفاً به، جعل أطرافه على عاتقيه )، فذاك فعله، حيث كان يصلي في الثوب الواحد ويجعل أطرافه على عاتقيه، وهنا يقول: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء )، بل يكون عليه شيء، وهذا فيما إذا كان ممكناً، أما إذا كان الثوب الواحد صغيراً وضيقاً، ولا يتأتى، وأنه لو رفع إلى العاتقين يبدو شيئاً من العورة، فإن العورة هي التي تستر، ولو انكشف غيرها مما يراد ستره مع الإمكان والقدرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].محمد بن منصور يحتمل اثنين؛ وهما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وقد سبق أن عرفنا أن كلاً منهما يروي عن سفيان بن عيينة، ولكن الترجيح بأن يكون الجواز أقرب من أن يكون الطوسي ؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، والجواز مكي، ومحمد بن منصور الثاني طوسي، ومن كان من أهل البلد فإنه يكون أكثر ملازمة، فعند الإهمال يحمل على من يكون أكثر ملازمة، فيكون المراد بـمحمد بن منصور هذا، هو: محمد بن منصور المكي ؛ لأنه يروي عن سفيان، وسفيان بن عيينة مكي، فكونه، أي: محمد بن منصور المكي أقرب، ومحمد بن منصور الجواز، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو ثقةٌ، وسفيان بن عيينة هو المحدث، الفقيه، الحجة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا أبو الزناد ].هو عبد الله بن ذكوان المعروف بـأبي الزناد، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الأعرج ].هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد عرفنا في ما مضى أن ألقاب المحدثين من الأمور المطلوب معرفتها في علوم الحديث، وفائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف هذا يظن أن الشخص الواحد أنه شخصان، مع أنه شخص واحد يذكر باسمه في بعض الأحيان، ويذكر بلقبه في بعض الأحيان، وهو شخص واحد وليس باثنين، ومن لا يعرف الحقيقة قد يظن أن الواحد يكون اثنين فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بلقبه مرة أخرى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وأبو هريرة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والمكثرون من أصحابه سبعة، أكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة في الحرير

    شرح حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة في الحرير

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الحرير.أخبرنا قتيبة وعيسى بن حماد زغبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: ( أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين ) ].هنا أورد النسائي الصلاة في الحرير، أي: أن ذلك لا يجوز، بل لا يجوز لبس الحرير مطلقاً للرجال، والنسائي أورد فيه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه فروج حرير، فلبسه وصلى فيه، ثم انصرف ونزعه نزعاً شديداً كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين )، والمقصود من ذلك: أنه لا يجوز لبس الحرير، ولا تجوز الصلاة فيه؛ لبسه مطلقاً لا يجوز، والصلاة فيه لا تجوز، ومعنى ذلك: أن من فعل ذلك فإنه يأثم؛ لأنه لبس الحرير، ولكن الصلاة تكون صحيحة لا تكون باطلة؛ أي: تكون صحيحة مع إثم صاحبها؛ لكونه ارتكب أمراً محرماً؛ وهو لبسه الحرير والصلاة فيه، والرجل يأثم بلبسه للحرير ولو لم يصل فيه؛ لأن الرجال ممنوعون من أن يلبسوا الحرير، وقد حرم عليهم ذلك، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، حيث أخذ حريراً وذهباً، وقال.. وأشار إليهما، وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).ويقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: ( أهدي للرسول صلى الله عليه وسلم فروج حرير )، وهو كساء، قيل: إنه مشقوق من ورائه، ولبسه وصلى فيه، وذلك لعله قبل أن يحرم الحرير، ثم إنه نزعه نزعاً شديداً كالكاره له، وقال: ( لا ينبغي هذا للمتقين )، ويكون قوله: (لا ينبغي هذا للمتقين)، هو بدء تحريمه، ومنع الرجال من لبسه، وفي قوله: (لا ينبغي هذا للمتقين) إشارة إلى أن الذي يتقي هو الذي يمتنع عن الأمور الممنوعة والمحرمة، والتقوى كما هو معلوم أصلها من الوقاية؛ وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخاف وقاية تقيه منه، هذا هو المعنى اللغوي في التقوى، فإن أصله من الوقاية، وهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين الذي يخافه وقاية تقيه منه، مثلما يجعل الإنسان على رجليه النعال، والخفاف حتى يتقي بها الحرارة، والبرودة، والأشواك، والزجاج، والحصى، وما إلى ذلك مما يضر القدمين، وكذلك أيضاً يتخذ البيوت، ويتخذ الخيام، ويتخذ المظلات، وما إلى ذلك لتقيه حرارة الشمس، وكذلك يتخذ الألبسة الثقيلة في الشتاء لتقيه البرودة، فالتقوى في اللغة: أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء المخوف وقاية تقيه منه.أما في الشرع فهي: أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه؛ وذلك باتباع ما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والانتهاء عما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذه التقوى في اللغة وفي الشرع. وقوله: (لا ينبغي هذا للمتقين): أي: الذين يتقون الله ويخافونه، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه؛ لأن من شأن المتقين أن يمتثلوا الأوامر، وينتهوا عن النواهي، ويفعلوا الأمور المشروعة، وينتهوا عن الأمور الممنوعة.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة في الحرير
    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره قريباً.[ وعيسى بن حماد زغبة ].هو عيسى بن حماد التجيبي المصري الملقب زغبة، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ عن الليث ].هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، المشهور، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن يزيد بن أبي حبيب ].يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الخير ].هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر الجهني ].هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ولاه معاوية بن أبي سفيان على مصر، فهو ينسب إلى مصر، والإسناد مسلسل بالمصريين، أي: من عيسى بن حماد إلى نهايته، والشيخ الثاني الذي هو قتيبة هذا هو الذي ليس مصري، وإنما المصري هو عيسى بن حماد، والإسناد من عيسى بن حماد إلى عقبة بن عامر كلهم مصريون، فهو مسلسل بالمصريين: عيسى بن حماد التجيبي المصري والليث بن سعد المصري، ويزيد بن أبي حبيب المصري، وأبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي سكن مصر وتولى إمارتها في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة

    كيفية التمييز بين عمرو بن سلمة وعمر بن أبي سلمة
    السؤال: عمر بن أبي سلمة أليس قد أخرج له مسلم في الإضافة لما ذكرته حفظك الله، البخاري، وأبو داود، والنسائي، خاصة وأن الحديث الوارد في الدرس السابق قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم )؟الجواب: لا، ذاك عمر بن أبي سلمة، أما هذا عمرو بن سلمة، ذاك عمر بن أبي سلمة ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم ابن زوجته أم سلمة، وأما هذا عمرو، وذاك ابن أبي سلمة وهذا ابن سلمة؛ عمرو بن سلمة الجرمي، وأما ذاك عمر بن أبي سلمة المخزومي، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا شخص وذاك شخص، كل منهما من صغار الصحابة، هذا ربيب الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم سلمة، وهذا عمرو بن سلمة الجرمي .
    مدى صحة الصلاة إلى القبر إذا لم يقصد ذلك
    السؤال: ما صحة صلاة من صلى في الجهة التي يكون فيها خلف القبر في المسجد النبوي، مع عدم القصد؟الجواب: لا يؤثر إذا كان ما قصد، والأمر في ذلك واضح أنه ليس عليه شيء؛ لأن كما عرفنا سابقاً أن أنساً لما كان يصلي إلى قبر، وكان ما تنبه له، فصاح به عمر : القبر القبر، فتحول وأكمل صلاته، فلو كانت الصلاة ما تصح لأعادها من أولها، لكنه بنى على الماضي الذي كان القبر أمامه، بنى عليه، فبناؤه عليه يدل على أن صلاته صحيحة؛ لأنه لو لم تكن صحيحة لاستأنفها من جديد، ودخل فيها من أولها، لكنه بنى على ما كان موجوداً من قبل.

    حكم الصلاة في الصفوف المقطعة إذا لم يقصد تقطيعها

    السؤال: ما حكم الصلاة بعد المأمومين في المسجد النبوي والذين يصلون قريباً من الأبواب جهة التوسعة، ومن المعلوم أن الصفوف غير متصلة؟الجواب: الصفوف إذا كانت متقطعة، فإنها تصح الصلاة، ولكن يأثم الإنسان الذي يتمكن من وصل الصفوف ثم لا يصل، وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ).
    مدى خصوصية اعتكاف عشر من شوال للنبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: ذكرتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى اعتكافه في عشر رمضان الأخيرة في شهر شوال، فهل هذا خاص به صلى الله عليه وسلم؟الجواب: نعم خاص به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو الذي كان يعتكف، ثم ترك حتى لا يكون الدافع لهن على ذلك المنافسة، والقرب منه عليه الصلاة والسلام، ثم إنه فعل ذلك، وما جاء أن غيره فعل مثل فعله صلى الله عليه وسلم.
    حكم صلاة اللابس للبنطلون أو السروال
    السؤال: ما حكم الصلاة بالبنطلون؛ السروال؟الجواب: لا بأس بالصلاة فيه، لكن الأولى أن الإنسان يصلي في غيره مما لا يكون واصفاً لأجزاء العورة، هو ساتر ولكنه يصف الأجزاء لضيقه، فالصلاة فيه تصح، والأولى للإنسان في الصلاة أن يستعمل ما يكون لا لبس فيه، ولا شبهة فيه.
    مدى اعتبار التعريف بالأشخاص بالوصف من الغيبة
    السؤال: إذا وصفت أحد الأشخاص لأحد زملائي فلم يعرفه، فقلت له: فلان الأعمى أو الأعرج أو الفقير.. هل هذه تعتبر من الغيبة؟الجواب: ما تعتبر من الغيبة إذا كان المقصود هو التعريف، ولكن إذا كان يعرف أنه يكرهها، أو يكره أن يوصف بذلك، فينبغي ألا يفعل، وإن كان بعض العلماء من المتقدمين يكرهون بعض الألقاب، مثل ابن علية، وكان يكره أن يقال له: ابن علية، فكان بعض المحدثين يقول: إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فذكره بما يوضحه لا بأس به، لكن إذا كان يكره هذا فالأولى ألا يفعل، إلا إذا لم يجد سبيلاً إلا تمييزه بغيره، ومن المعلوم أنه لا يقصد بذلك لمزه، فنرجو ألا يكون في ذلك بأس إن شاء الله.
    مطابقة الحديث: (لا يصلين أحدكم ..) للترجمة التي ذكرها النسائي
    السؤال: ما وجه المطابقة بين هذه الترجمة وبين الحديث، وهي صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وبين الحديث: ( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء )؟الجواب: هذا هو مطابق؛ لأن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، والحديث يدل على النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، يعني: معناه أن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء منهي عنها، هذا هو الحديث، والحديث واضح في النهي.
    حكم التسمية بأهل الحديث أو السلفية
    السؤال: يا شيخ! نشهد الله أننا نحبك في الله، ونحن شباب أتينا المدينة زائرين، ولنا عدة أسئلة. يقول: هل التسمية بأهل الحديث أو السلفية مشروع أو غير مشروع؟الجواب: أولاً: المحبة في الله عز وجل، أقول: أسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأما فيما يتعلق بالتسمية بأهل الحديث أو السلف، فهذه تسمية قديمة، وكتب العلم طافحة بها مملوءة بها، ذكر سلف الأمة؛ لأنهم السلف، وذكر وصف المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم الملتزمين بسنته، الذين يعملون بما يجيء عنه؛ وصفهم بأنهم أهل الحديث، هذا مشهور، وكتب أهل العلم طافحة فيه، كتب الحديث وكتب المصطلح، وكلام العلماء المتقدمين والمتأخرين، كل ذلك موجود، وإذا قيل: إن فلان سلفي، يعني: أن عقيدته عقيدة السلف، فهذا حق، ولا شيء فيه، وهذا شرف لمن يكون كذلك، وهذا شيء موجود ومشهور من قديم الزمان؛ أنه ينص على أنه سليم العقيدة، أنه سلفي العقيدة، أنه سني، وأنه كذا، فهذا اصطلاح قديم، وليس بمحدث، وليس بجديد، والخير في كل قديم على النهج المستقيم، يعني: ما كان عليه سلف الأمة هو الخير، فالسير على منهاجهم والاقتداء بهم لا شك أن هذا هو طريق السلامة وطريق النجاة.
    بدعية الاحتفال بالمولد النبوي
    السؤال: نرجو من فضيلتكم تبيين حكم الاحتفال بالمولد النبوي؛ لكثرة الزوار هذه الأيام؟الجواب: الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، لو كان جاء شيء يدل عليه عنه وعن صحابته الكرام، لكان ينبغي أن يبادر إليه، وأن يحرص عليه، لو جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الإنسان يجب عليه أن يكون متبعاً، وأن يكفيه ما كفى الأولين، وأن يسير على منهج سلف هذه الأمة، وهذا من أمثلة من يكون على طريقة السلف؛ أنه يتبع سلف هذه الأمة، ويسير على منوالهم، ويترك البدع ومحدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن المعلوم أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم، فوق محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، هي أعظم النعم، وأجل النعم، وهي نعمة الإسلام، ومحبته في القلوب يجب أن تكون أعظم من محبة أي مخلوق، حتى الوالدين والأولاد والناس أجمعين، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )، فالوالدان لهما فضل على الإنسان، وهما سبب وجوده، والرسول صلى الله عليه وسلم جعله الله تعالى السبب في خروج المسلم من الظلمات إلى النور، أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، فهذه النعمة التي ساقها الله تعالى للمسلمين على يديه، أعظم النعم وأجل النعم، ولهذا فمحبته في القلوب يجب أن تكون أعظم من محبة أي مخلوق، لهذا الفضل، ولهذا الإحسان، ولهذه النعمة التي ساقها الله تعالى على يديه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ومن مقتضى الشهادة له بأنه رسول الله: أن يصدق في أخباره، وأن تمتثل أوامره، وأن تجتنب نواهيه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته عليه الصلاة والسلام، هذا هو المقياس، وهذا هو المعيار الذي يعول عليه ويرجع إليه، والله عز وجل ذكر في كتابه العزيز آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان والاختبار، وهي: أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة على دعواه حتى يكون صادقاً، وهي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فمحبة الله عز وجل ومحبة الرسول ما هي علامتها؟ علامتها الاتباع، علامتها الاستسلام، والانقياد، علامتها أن تصدق أخباره، وأن تمتثل أوامره، وأن تجتنب نواهيه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، لا يعبد وفقاً للأهواء، والمبتدعات، والمحدثات، فإن الدين ما شرعه الله، والحق ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم السابقون إلى كل خير، وهم الحريصون على كل خير، ولم يحصل هذا العمل الذي هو الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، لا منه في حياته، ولا من أصحابه في حياته وبعد وفاته، بل ولا من التابعين، ولا من أتباع التابعين، وثلاثمائة سنة كاملة وزيادة لا يوجد ذكر للاحتفال بالمولد، وكل الكتب المؤلفة قبل ثلاثمائة سنة، لا ذكر للمولد فيها، ولا ذكر للموالد فيها؛ لأن تلك محدثة بعد القرون الثلاثة، وبعد ثلاثمائة سنة ولدت ووجدت، ولم يكن لها وجود قبل ذلك، ولو كان ذلك حقاً وهدى لسبق إليه السابقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.وإحداث هذه البدعة كان في القرن الرابع، والذي أحدثها الرافضة العبيدون الذين حكموا مصر، هم أول من أحدثها، وتبعهم غيرهم فيها، وأصل إحداثها مبني على تقليد النصارى، قالوا: النصارى يحتفلون بميلاد عيسى، فكيف لا نحتفل بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه البدعة تقليداً للنصارى، واتباعاً للنصارى، وتحقق بذلك على أيدي هؤلاء المبتدعين ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ذم لمن فعله: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ )، يعني: ما القوم إلا إياهم، يعني: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله الناس تقليداً لهم، فبعض المسلمين قلدوا النصارى في هذه البدعة، ومن المعلوم أن الحق وأن الهدى إنما يتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الكرام، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإذا كان الأولون صلحوا باتباع السنن، وباتباع الآثار، وباتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فسبيل صلاح الآخرين أن يسلكوا مسالك الأولين السابقين الذين هم الأسوة، والقدوة، والذين هم أحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ويقول أيضاً مالك بن أنس رحمه الله: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، وقال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه بلغه أن أناساً يجتمعون في المسجد ويتحلقون، ومعهم حصى، وفيهم من يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة، فيكبرون ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم، وقال: يا هؤلاء! ما هذا؟ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. ثم كون الإنسان يكون قصده حسناً، ويقول: أنا قصدي حسن فيما أفعل، هذا لا يسوغ ولا يبرر هذا العمل، وقد جاء ما يدل على أن العمل لا ينفع إلا إذا كان موافقاً للسنة، ولو كان قصد صاحبه حسناً؛ لأنه جاء في الصحيحين عن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذبح أضحيته قبل الصلاة يوم عيد الأضحى، وكان يريد من وراء فعله هذا، أنه إذا فرغ الناس من الصلاة، وإذا اللحم قد طبخ، وهم بحاجة إليه، فأراد أن تكون أضحية أول ما يؤكل، والناس بحاجة إلى اللحم، ومشتاقون إليه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( شاتك شاة لحم )، يعني: أنها ليست أضحية؛ لأنها لم تقع مطابقة للسنة، ولم تقع على وفق السنة، والسنة في الأضاحي ما تذبح إلا بعد الصلاة يوم العيد، لا تذبحوا قبل صلاة العيد، قال له: ( شاتك شاة لحم )، يعني: أنها ليست قربة، وليست أضحية، هي مثل الشاة التي تذبحها في أي يوم من أيام السنة لتأكل اللحم؛ في محرم، أو في صفر، أو في ربيع، هذه مثل هذه، قال له: ( شاتك شاة لحم ). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض العلماء، قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة أنه لا يعتبر، ولا يكفي حسن قصد فاعله؛ لأن هذا الصحابي قصده حسن، ومع ذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( شاتك شاة لحم )، فهؤلاء الذين يعملون هذا العمل ويقولون: هو وإن كان ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قصدنا طيب.. القصد الطيب لا بد أن يكون متابعاً للسنة، وأن يكون على وفق السنة، وإلا كان بدعة، وكان صاحبه آثاماً وداخلاً تحت قوله عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، ( من عمل عملاً ليس عليه أمراً فهو رد )، وقال: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، قال ذلك في حديث العرباض بن سارية، حيث قال قبل ذلك: ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، ثم قال: فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ).إذاً الحاصل: أن هذا الاحتفال لم يوجد في ثلاثمائة سنة كاملة، الثلاثمائة السنة الأولى ما وجد فيها ذكر الاحتفال حتى مجرد الذكر، ما فيه ذكر؛ لأنه ما وجد هذا العمل أصلاً، خلت منه العصور الثلاثة الأول، القرون الثلاثة الأول بأكملها، وأحدث في القرن الرابع ، وأحدثه الرافضة الذين حكموا مصر تقليداً للنصارى، وقد ذكر المقريزي في كتابه الخطط والآثار في تاريخ مصر، أنهم أحدثوا الموالد، فأحدثوا ستة موالد: مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي، ومولد فاطمة، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الحاكم من حكامهم في زمانهم، ستة موالد أحدثوها في ذلك الوقت، واشتهر أن ملك إربل -وكان في القرن السادس أو قريباً منه- هو الذي فعل ذلك، وأنه فعل ذلك وأحدث ذلك، ولكنه ليس هو المحدث له، وإنما أحدث قبل ذلك في القرن الرابع، وأحدثه الرافضة الذين حكموا مصر، وكما قلت: أصل إيجاده المستند فيه تقليد النصارى، ليس فيه سنة عن رسول الله، ولا أثر عن أصحاب رسول الله، بل ولا التابعين، بل ولا أتباع التابعين، والواجب على المسلم أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبة كل مخلوق، وأن تكون محبته باتباعه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وألَّا يبعد الله إلا طبقاً لشريعته، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأن يحذر الإنسان من البدع ومن المحدثات التي ليست من عمل السابقين، وليست من عمل سلف هذه الأمة، فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.
    حكم حضور الاحتفالات لقصد الأكل والشرب
    السؤال: هل يجوز حضور هذه الاحتفالات لقصد الأكل والشرب؟الجواب: لا، لا يجوز للإنسان أن يحضر هذه الاحتفالات، لا ليشارك فيها، ولا لمجرد الأكل والشرب، وإنما إذا أراد أن يحضر يحضر وينصح ويحذر ويبين الحكم الشرعي، فإذا أراد أن يحضر فليفعل هذا، أما مجرد حضور للمشاركة أو للأكل فلا.
    الجمع بين قراءة القرآن وحفظه
    السؤال: ما هو الأولى الانشغال بحفظ ما نسي من القرآن أم ختمه شهرياً إن لم يستطع أن يجمع بينهما؟الجواب: الذي ينبغي هو أن يجمع بينهما، ويمكن الجمع بينهما، فيخصص له وقت لقراءة القرآن، بحيث يمر عليه، ويخصص وقت لاستذكاره وحفظه، وتعهده، ويكون في ذلك جمع بين الحسنيين.
    كيفية معرفة سفيان إذا أطلق
    السؤال: إذا أطلق سفيان أليس المراد هو الثوري ؟الجواب: لا، ليس الثوري، وإنما يطلق ويراد به أحدهما، والأمر في ذلك يرجع كما ذكرت إلى الشيوخ والتلاميذ؛ يحصل التمييز بالشيوخ والتلاميذ؛ أي: في بعض المواضع يكون الثوري، إذا جاء وكيع عن سفيان، فهو الثوري، ولكن إذا جاء سفيان عن الزهري المراد به ابن عيينة .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب القبلة
    (142)


    - (باب الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام) إلى (باب أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس؟)

    ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وهو لابس ثياباً حمراً وكذا ثياباً فيها خطوط، وربما صلى منتعلاً، وكان إذا خلعهما يضعهما عن يساره.
    الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام

    شرح حديث: (إن رسول الله صلى في خميصة لها أعلام ثم قال: شغلتني أعلام هذه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام.إسحاق بن إبراهيم، وقتيبة بن سعيد واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانيه ) ].يقول النسائي رحمه الله: [ الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام ]. المراد من هذه الترجمة أن الكساء الذي له أعلام -وهي خطوط تكون فيه- فإنه لا بأس بالصلاة فيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى فيه، ولكنه اختار ما هو الأولى منه، وهو الأنبجانية التي ليس فيها شيء، وهي كساء من الصوف ليس فيه أعلام، والنسائي عقد الترجمة بناء على ما جاء في أول الحديث من حصول الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الخميصة التي لها أعلام، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيه )، وفي بعض الروايات: ( إنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني -أي: تلك الخميصة- عن صلاتي )، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت قد أهديت إليه تلك الخميصة من أبي جهم، فأراد أن يردها إليه، ولكن خشية أن يقع في نفسه شيء فطلب الأنبجانية التي كانت عنده بدلاً من هذه، فتكون الهدية على بابها، ولكنها صارت من نوع آخر غير النوع الذي أعطاه إياه. ومن المعلوم أن الخميصة لا شك أنها أفضل، وأنها أولى، بخلاف الأنبجانية فإنها من الصوف، وفيها خشونة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم آثرها على تلك لما فيها من أعلام، ثم أيضاً لم يرد الخميصة عليه، ولا يأخذ مكانها شيئاً؛ لأن ذلك يؤثر في نفسه؛ حيث تكون هديته قد ردت إليه، لكن إذا ردت واعتيض عنها من عنده شيء آخر فإن ذلك يهون الأمر. وفي الحديث أيضاً دليل على أن الإنسان عندما يهدى له الشيء ويكون نفيساً، أو يكون حسناً، ويريد أن يأخذ ما هو أقل منه فإنه يمكن أن يعتذر عنه ويأخذ ما هو دونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رد الهدية لم يردها مطلقاً، ولكن أخذ ما هو دونها تطييباً لخاطر ذلك الذي أهداها، وهو أبو جهم رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله صلى في خميصة لها أعلام ثم قال: شغلتني أعلام هذه ...)
    قوله: [ إسحاق بن إبراهيم وقتيبة واللفظ له ].أي: لـقتيبة.و إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد الحنظلي المشهور بـابن راهويه، المحدث، الفقيه، وصف بوصف رفيع من أعلى صيغ التعديل، ومن أعلى صفات التعديل، وهي قول بعض المحدثين عن الرجل: أمير المؤمنين في الحديث، فإنه قد وصف -أي: إسحاق بن راهويه- بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا يدل على علو منزلته، وعلى قوة ضبطه وإتقانه، وأنه في القمة حيث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وسبق أن ذكرت أن كلمة (راهويه) المشهور عند المحدثين أنهم يأتون بها على هذا اللفظ: (راهويه)، فتكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم، والياء التي بعدها مفتوحة والهاء ساكنة، وأما اللغويون فإنهم يقولون راهويه، فيختمون بـ(ويه)، يعني: راهويه، فتكون الواو مفتوحة وما قبلها مفتوح، والياء ساكنة وليست مفتوحة كما هو عند المحدثين، يعني: يكون مختوماً بـ(ويه)، وأما عند المحدثين فمختوم بواو ساكنة، وبعدها ياء مفتوحة ثم هاء ساكنة.وقتيبة بن سعيد هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، ولهذا قل أن ينظر الإنسان في صفحات كتاب النسائي إلا ويجد فيه الرواية عن شيخه قتيبة بن سعيد، وأول شيخ أخرج له النسائي في سننه قتيبة بن سعيد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وقتيبة هذا من الأسماء المفردة التي ليس له مشارك فيها، التي قلت التسمية بها، أو ندرت التسمية بها، فإنه لا يوجد من يسمى قتيبة في الكتب الستة إلا هو. وقوله: واللفظ له، أي: أن اللفظ المسوق واللفظ المذكور هو من لفظ قتيبة الذي هو الشيخ الثاني، وليس من لفظ إسحاق بن راهويه الذي هو الشيخ الأول؛ لأنه لما ذكر الاثنين وسياقهما يختلف ذكر سياقه على لفظ شيخه الثاني، ونص على ذلك، حيث قال: واللفظ له، أي: لـقتيبة بن سعيد، أي: ومعنى هذا أن سياق إسحاق بن راهويه ليس هذا المذكور، وإنما هو غيره، والمذكور إنما هو سياق شيخه الثاني قتيبة بن سعيد .[ عن سفيان ].وسفيان هو ابن عيينة، وهو هنا مهمل، وقتيبة معروف يروي عن سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، وهو المعروف بالرواية عن الزهري، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري دون الثوري، قال في موضع آخر في فتح الباري: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة. وسفيان بن عيينة ثقة حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن الزهري ].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جد جده، وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو الذي قال فيه السيوطي في ألفيته:أول جامع الحديث والأثرابن شهابٍ آمرٌ له عمرأي: كلفه بذلك، وأمره بذلك عمر بن عبد العزيز الخليفة، ومن المعلوم أن الكتابة للسنة حصلت من كثيرين، ولكنها بجهود فردية، وأما التكليف من الوالي فإنما كان للزهري في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.[ عن عروة ].هو عروة بن الزبير بن العوام، المحدث، الفقيه، أحد الفقهاء المشهورين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين اشتهروا في المدينة، والذين يأتي ذكرهم بهذا الوصف في بعض المسائل إذا اتفق رأيهم فيها، فيقولون: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة، أي: فقهاء المدينة السبعة، ومنهم عروة بن الزبير هذا، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، فهؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في المدينة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .والحاصل: أن عروة بن الزبير الذي معنا في الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين رحمة الله عليهم، وحديث عروة بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.وهو يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي تعتبر من أوعية السنة والتي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأحاديث المتعلقة بالأمور البيتية، المتعلقة بالبيوت التي لا يعلمها إلا النساء، فإنها حفظت السنة، وحفظت للأمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فهؤلاء السبعة مكثرون من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من الصحابة روى مثلما روى هؤلاء رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الصلاة في الثياب الحمر

    شرح حديث: (إن رسول الله خرج في حلة حمراء فركز عنزة فصلى إليها...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الثياب الحمر.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء، فركز عنزة، فصلى إليها، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار) ].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الصلاة في الثوب الأحمر. والمقصود من ذلك أنها سائغة وجائزة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وهو كذلك، أي: في حلة حمراء، وقد أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء، ومعه عنزة )، وهي: العصا التي في طرفها حربة، أي: حديدة تثبت في الأرض، وتغوص في الأرض، فركزها وصلى إليها.( يمر من ورائها المرأة والحمار والكلب )، أي: أن ما مر من وراء السترة فإنه لا يؤثر على المصلي ما دام أنه وضع السترة، ومن يمر إنما يمر من ورائها، فإن ذلك لا تأثير له على المصلي في صلاته، وإنما التأثير عندما يكون المرور بينه وبين سترته، فإنه يمنع من يمر بينه وبين سترته، وأما من يكون من وراء السترة فإنه لا علاقة له به.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله خرج في حلة حمراء فركز عنزة فصلى إليها...)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو يعتبر من صغار شيوخ البخاري الذين قربت سنة وفاتهم من سنة وفاة البخاري ؛ وذلك أن البخاري توفي سنة: (256هـ)، ومحمد بن بشار توفي قبله بأربع سنوات، أي: سنة: (252هـ)، فهو يعتبر من صغار شيوخه الذين أدركهم من روى عن البخاري، أو من يكون بعد البخاري، ولهذا النسائي وغيره من الأئمة أصحاب الكتب الستة كلهم رووا عن محمد بن بشار مباشرة وبدون واسطة، وأما كبار شيوخ البخاري الذين لقيهم البخاري في صغره، وهم في أواخر حياتهم فهؤلاء ما أدركهم أصحاب الكتب الستة، وإنما أدركهم البخاري، وأما صغار شيوخ البخاري الذين قربت وفاتهم من وفاته فهؤلاء أدركهم من بعده، ولهذا فـمحمد بن بشار يعتبر من شيوخ أصحاب الكتب الستة؛ فهو شيخ للبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه ، فكلهم رووا عنه مباشرة، لقوه ورووا عنه وتحملوا عنه الحديث، ويماثل محمد بن بشار في هذا محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، فإنه مثله -أي: محمد بن المثنى- مثل محمد بن بشار في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة، وأيضاً وفاته هي سنة وفاة بندار الذي هو محمد بن بشار، وأيضاً ولادته مثل ولادته، وهو أيضاً معه من أهل البصرة، فهما بصريان ومتفقان في الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال عنهما الحافظ ابن حجر : وكانا كفرسي رهان، يعني: اللذين يتسابقان ولا يغلب بعضهم بعضاً؛ لأنهم اتفقوا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وكونهم من أهل البصرة، وكون شيوخهم متفقين، وتلاميذهم متفقين، فكانا كفرسي رهان، ووفاتهم في سنة: (252هـ)، ولأصحاب الكتب الستة أيضاً شيخ ثالث أيضاً توفي في هذه السنة؛ وهي سنة: (252هـ)، وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهو أيضاً ممن توفي في هذه السنة التي هي سنة: (252هـ)، وهؤلاء الثلاثة يعتبرون من صغار شيوخ البخاري، وقد روى عنهم أصحاب الكتب الستة جميعاً.[ حدثنا عبد الرحمن ].عبد الرحمن، هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، حافظ، عالم بالرجال والعلل، وهو من المتكلمين في الرجال في الجرح والتعديل، وهو الذي سبق أن ذكرت أن الذهبي رحمه الله ذكر في كتابه (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): إذا اجتمع يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه. يعني: معناه أنهما يصيبان الهدف، ولا يخطئان فيما يتفقان عليه، فكلامهما عمدة، وكلامهما حجة، ولهذا قال: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، أي: معناه أنه لا يبرأ ولا يسلم من مغبة أو معرة هذا الجرح، بل يكون فيه، ويكون من أهله.و عبد الرحمن بن مهدي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ].سفيان، هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الحجة، الحافظ، المحدث، الفقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا اللقب من الألقاب الرفيعة التي لا يظفر بها، أو لم يظفر بها إلا القليل النادر من المحدثين، مثل سفيان هذا، وشعبة بن الحجاج، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني وغير هؤلاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عون بن أبي جحيفة ].عون بن أبي جحيفة، وأبوه أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي، وهو مشهور بكنيته أبو جحيفة. وعون بن أبي جحيفة ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أبيه أبي جحيفة، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.إذاً: فهذا الإسناد كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان الثوري، وعون بن أبي جحيفة وأبوه أبو جحيفة، فهؤلاء كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة في الشعار

    شرح حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله في الشعار الواحد... فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه وصلى فيه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الشعار.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جابر بن صبح سمعت خلاس بن عمرو يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: ( كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبو القاسم في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه لم يعده إلى غيره، وصلى فيه، ثم يعود معي، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك لم يعده إلى غيره ) ].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة في الشعار. يعني: الثوب الذي يلتحف فيه، ويواري الجسد أو يكون على الجسد مباشرة، فتقول عائشة رضي الله عنها: إنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في شعار واحد، وكانت حائضاً، فإذا أصابه شيء -أي: ذلك الشعار- من حيضها فإنه يغسله ويصلي فيه، ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يبدله ويستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه، ثم يعود، فإذا أصابه شيء فعل مثلما في الأول، يعني: غسله وصلى فيه ولا يعدوه إلى غيره، يعني: في صلاة الليل، يعني: كونه يكون معها ثم يقوم يصلي، ويكون عليهما الثوب، ثم يقوم ويصلي فيه، فإن أصابه شيء منها، أي: من دمها، فإنه يغسله ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يتجاوزه، أو يستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله في الشعار الواحد... فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه وصلى فيه)
    قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[ حدثنا هشام بن عبد الملك ].وهو أبو الوليد الطيالسي، مشهور بكنيته ونسبته، وأيضاً مشهور باسمه، ولهذا هنا ذكره باسمه، ويأتي في بعض المواضع بكنيته ونسبته: أبي الوليد الطيالسي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا يحيى بن سعيد ].وهو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا جابر بن صبح ].وهو جابر بن صبح، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي. يعني: لم يخرج له الشيخان، ولا خرج له ابن ماجه .[ سمعت خلاس بن عمرو ].هو خلاس بن عمرو الهجري البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وكان خلاس هذا من أصحاب علي رضي الله عنه، وهو صاحب شرطته.[ سمعت عائشة ].يحدث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها قريباً.
    الصلاة في الخفين

    شرح حديث جرير بن عبد الله في الصلاة في الخفين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في الخفين.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن همام قال: ( رأيت جريراً رضي الله عنه بال، ثم دعا بماء فتوضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل عن ذلك، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا ) ].وهنا أورد النسائي الترجمة، وهي: الصلاة في الخفين، يعني: أن ذلك سائغ وجائز، وأن الصلاة في الخفين سائغة وجائزة، وأورد فيه حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه بال وتوضأ، ومسح على خفيه ثم صلى، فسئل عن ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا، وهذا يدل على جواز الصلاة في الخفين، وأيضاً على جواز ستر بعض أعضاء السجود؛ لأن الخف يستر الرجلين، وهما من أعضاء السجود؛ لأن أعضاء السجود سبعة: القدمان، والركبتان، واليدان، والجبهة مع الأنف، فهذه أعضاء السجود السبعة، يعني: يدل على حصول الستر لبعض السجود؛ لأن الخفين يكونان ساترين للرجلين، والحديث ليس فيه ذكر الصلاة في الخفين، يعني: أنه صلى في خفيه، ولكنه ذكر أنه بال، وتوضأ، ومسح على خفيه ثم صلى؛ لأنه لو كان نزعهما يحتاج إلى أن يتوضأ من جديد، ولم يذكر أنه نزعهما وتوضأ، وإنما ذكر أنه بال وتوضأ ومسح على خفيه ثم صلى، ولما سئل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا، يعني: أنه صنع مثل هذا الذي صنعت، وهو الصلاة في الخفين، فهو دليل على جواز ذلك، وأنه لا بأس به، ومثل الخفين الشراريب التي هي الجوارب، فإنه كذلك يصلى فيها، ويمسح عليها.
    تراجم رجال إسناد حديث جرير بن عبد الله في الصلاة في الخفين
    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].محمد بن عبد الأعلى، هو الصنعاني، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .[ حدثنا خالد ].وهو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا شعبة ].وهو: ابن الحجاج الذي وصف بصفة هي من أعلى صيغ التعديل، وهي أمير المؤمنين في الحديث، فإنه ممن ظفر بهذا اللقب، وممن وصف بهذا الوصف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن سليمان ].سليمان، وهو الأعمش، وسليمان بن مهران الكاهلي، ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي أحياناً ذكره بلقبه الأعمش، وكما ذكرت فائدة معرفة الألقاب ألقاب المحدثين هي أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف لا يلتبس عليه الأمر، بل يعلم أن هذا هو هذا، وأن هذا اسم صاحب اللقب، وأن هذا اللقب لقب لهذا المسمى الذي هو سليمان. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن إبراهيم ].وهو ابن يزيد بن قيس النخعي، المحدث، الفقيه، الكوفي، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقد ذكرت فيما مضى أن ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، عندما جاء إلى حديث غمس الذباب في الإناء إذا وقع فيه، قال: واستنبط من الحديث أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس الدم، يعني: ما لا نفس له، أي: لا دم له سائل، مثل الذباب، والجراد وما إلى ذلك من الأشياء التي لا دم فيها، قال: استدل على ذلك أن من لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ووجه الاستدلال أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرشد إلى غمس الذباب بالماء، واستعماله بعد غمسه. وقال: من وجوه أو من أحوال ذلك أن يكون الماء حاراً، ويلزم من غمسه فيه أن تموت، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى استعماله بعد أن غمس فيه الذباب وهو حار، يعني: في بعض أحواله يكون حاراً، ويترتب على ذلك أن تموت، فموتها لا ينجس الماء، ومثلها كل ما لا نفس له سائلة، وكلمة: (ما لا نفس له سائلة)، قال ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، فقال: ما لا نفس له سائلة إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، يعني: عبارة عامة تشمل الذباب وغير الذباب، يعني: تعبير عام يشمل كل ما لا دم فيه، فما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.وإبراهيم النخعي محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن همام ].وهو همام بن الحارث بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ رأيت جريراً ].هو جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من بجيلة، وكان كبيراً في قومه، وقد جاء عنه أنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وقيل فيه: إنه لمكانته في قومه، ولمنزلته الرفيعة فيهم كان فيما بايعه عليه النصح لكل مسلم؛ وذلك ليعم نفعه، ولتكثر الفوائد التي تحصل منه، حيث أنه زعيم وكبير في قومه، فإذا كانت البيعة له على النصح لكل مسلم، فإنه يترتب على ذلك الخير الكثير، والفوائد الجمة، وكان عليه الصلاة والسلام يبايع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم يضيف إلى ذلك أشياء على حسب ما يليق بالمبايعين، وقيل: إنه كان مما أضافه إلى جرير هذه الإضافة التي فيها عموم النفع فيما إذا بويع عليها ونفذها. وجرير هذا كان من أجمل الرجال، ومن أحسنهم صورة، ولهذا قال عنه: إنه يوسف هذه الأمة، يعني: في جماله وحسنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة في النعلين

    شرح حديث أنس في صلاة النبي في النعلين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصلاة في النعلين.أخبرنا عمرو بن علي عن يزيد بن زريع وغسان بن مضر قالا: حدثنا أبو مسلمة واسمه سعيد بن يزيد بصري ثقة، قال: ( سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم ) ].وهنا أورد النسائي الصلاة في النعلين، وفيه: أن أنس بن مالك رضي الله عنه ( سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم: هل كان يصلي في نعليه؟ فقال: نعم )، فهذا يدل على جواز الصلاة في النعلين، وعلى أن ذلك لا بأس به، ولكن ينبغي أن يعلم بأن الصلاة في النعلين تكون في الأمكنة المناسبة، بحيث لا يترتب على ذلك مضرة، وحتى لا يترتب على ذلك أمور لا تنبغي، أما إذا كانت المساجد مفروشة ونظيفة، فإن الدخول فيها بالنعال، والمشي عليها بالنعال يترتب عليه وصول الأتربة والأشياء التي علقت بالنعال، وأيضاً يكون لونه متغيراً، وتعلوه الأوساخ، وهذا لا ينبغي، وإنما يصلى في النعال في الأماكن التي فيها تراب، كأن يكون الإنسان في سفر، أو يكون المسجد فيه تراب، أو كان ترابياً فإنه لا بأس أن يفعل ذلك، ولا يفهم أنه على إطلاقه، وأن الإنسان مهما كان، ولو كان المكان الذي يصلي فيه من أحسن ما يكون في النظافة وحسن الفراش فيداس بالنعال وفيها ما فيها، فإن هذا لا ينبغي، ومن المعلوم أن الناس لا يفعلون هذا في بيوتهم، فالأماكن المفروشة يجعلون النعال خارج ذلك المكان المفروش؛ حتى لا يوسخوا تلك الأماكن المفروشة، والمساجد المفروشة من باب أولى أن لا تعرض لمثل الذي لا يرضاه الناس في أماكنهم التي هي مواضع جلوسهم، ومواضع استقبالهم الزائرين، فإذا كانوا لا يفعلون هذا في بيوتهم؛ لأن في ذلك ما لا يريدونه من حصول الوسخ، وعدم النظافة فإن المساجد أولى بأن يحرص على نظافتها، وعلى نزاهتها، وعدم تعريضها، والحديث يعمل به، ولكن حيث يناسب العمل به، فهذا ينبغي التنبه له، والتفطن له، فيعمل بما جاء في الحديث حيث يناسب العمل، ولا يعمل به حيث لا يناسب العمل؛ لأن دفع الأذى مطلوب، واللبس، إما جائز أو مستحب، ولا يفعل ما هو جائز أو مستحب إذا ترتب على ذلك مضرة ومفسدة، وأما إذا لم يترتب على ذلك شيء فإنه لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في صلاة النبي في النعلين
    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].وهو الفلاس، المحدث، الناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ عن يزيد بن زريع ].يزيد بن زريع، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة .[ وغسان بن مضر ].هو غسان بن مضر البصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.[ حدثنا أبو مسلمة ].هو أبو مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري، وهو بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[ سألت أنساً ].هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وهو أحد الصحابة الذين عمروا، وأدركهم التابعون الكبار والمتوسطون والصغار، وتلقوا عنه الحديث، وأيضاً هو من السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ
    أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس

    شرح حديث: (إن رسول الله صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس.أخبرنا عبيد الله بن سعيد وشعيب بن يوسف عن يحيى عن ابن جريج أخبرني محمد بن عباد عن عبد الله بن سفيان عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه، أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره ) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس)، وأورد فيها حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح وجعل نعليه عن يساره )، يعني: معناه أنه لم يصل في نعليه، ولكنه جعلهما عن يساره وهو يصلي، والمقصود من الترجمة بيان موضع وضع النعلين إذا صلى، وأورد الحديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهما عن يساره )، فإذاً: موضعهما أنهما يكونان عن يساره.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره)
    قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي. [ وشعيب بن يوسف النسائي ].وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.[ عن يحيى ].وهو ابن سعيد القطان، وقد مر ذكره.[ عن ابن جريج ].وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ أخبرني محمد بن عباد ].وهو محمد بن عباد بن جعفر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الله بن سفيان ].هو أبو سلمة المخزومي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي ولا البخاري.[ عن عبد الله بن السائب ].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    الأسئلة

    الفرق بين الصلاة في الخفين والصلاة في النعلين من ناحية الجواز
    السؤال: ما الفرق بين الصلاة في الخفين والصلاة في النعلين من ناحية الجواز؟الجواب: كل منهما جائزان. وسبب إيراد الترجمتين: لأن الخف غير النعل، والخف كما هو معلوم يستر القدم، والنعل لا يسترها وإنما يستر بعضها أو جزءاً منها، فالمغايرة لأن الخف غير النعل، ولأن هذا فعل، وهذا فعل، وفعل كل منهما سائغ.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (143)

    - (باب إمامة أهل العلم والفضل) إلى (باب من أحق بالإمامة؟)

    إن أحق الناس بالإمامة هو الأقرأ لكتاب الله ثم الأعلم بالسنة ثم الأقدم هجرة ثم الأكبر سناً، وإنما قدم النبي أبا بكر على غيره من الصحابة تنويهاً بأحقيته بالإمامة العظمى، وينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة الجماعة وإن كانت خلف أئمة الجور، فإن أخروها عن وقتها صلاها لوقتها وأعادها معهم نفلاً.
    ذكر الإمامة والجماعة، إمامة أهل العلم والفضل

    شرح حديث ابن مسعود في إمامة أهل العلم والفضل
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الإمامة. ذكر الإمامة والجماعة. إمامة أهل العلم والفضل.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وهناد بن السري عن حسين بن علي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟، قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر].يقول النسائي رحمه الله: كتاب الإمامة، ثم قال: ذكر الإمامة، والجماعة، ثم قال: إمامة أهل العلم، والفضل.الجماعة، والإمامة متلازمتان، فإنه لا إمامة إلا مع وجود جماعة، ومع وجود الجماعة لابد من الإمامة، فإذا كان الإنسان وحده فليس هناك إمامة، وليس هناك جماعة؛ لأن الإمامة والجماعة تكون إذا وجد أكثر من واحد.والجماعة أقلها اثنان؛ إمام، ومأموم، فإذا وجدت الجماعة فإن كانوا اثنين أو أكثر تقدم واحد منهم، وصار إماماً، وإذا لم يبلغوا العدد اثنين فإنه لا جماعة، ولا إمامة.وأورد النسائي هنا هذه الترجمة وهي: ذكر إمامة أهل العلم، والفضل، وتقديمهم في الإمامة على غيرهم، وأورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة، والسلام لما قبض، واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وذهب إليهم جماعة من المهاجرين فيهم أبو بكر، وعمر، فقالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فقال عمر: ألستم تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر أن يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم عليه؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم عليه.فمحل الشاهد أن عمر رضي الله عنه قال: (ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتعوذوا بالله من ذلك)؛ أن يتقدموا على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الاجتماع لما رأى أبو بكر أن يبايع عمر، قال عمر رضي الله عنه: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا، فبايعه وبايعه الناس.الحاصل: أن الترجمة معقودة لإمامة أهل العلم والفضل، وأبو بكر رضي الله عنه قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المقدم في العلم والفضل، وسيأتي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة).وقد يبدو تعارض بين تقديم أبي بكر رضي الله عنه في الصلاة، وفي الصحابة أبي الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقرؤكم أبي)، وقال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، فمن العلماء من أجاب عن تقديم أبي بكر في الصلاة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أقرؤكم أبي)، قال: إن هذا إشارة إلى تقديمه في الإمامة العظمى، وهي الخلافة، ولا شك أن هذا فيه إشارة إلى التقديم، كما هو واضح، وكما فهمه عمر، وكما فهمه الصحابة لما ذكرهم بذلك عمر رضي الله تعالى عن الجميع، وكذلك أيضاً ما جاء من الإشارة إلى أولويته للخلافة في حديث جندب البجلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً).فكون هذا حصل في مرض موته، وقبل وفاته بخمس ليال، فيه إشارة إلى أفضليته، وإلى أولويته في الخلافة، وكذلك تقديمه إياه في الصلاة، قال بعض العلماء: إن الأولى بالإمامة هو الأقرأ، والنبي عليه الصلاة والسلام، إنما قدم أبا بكر في هذه المناسبة -أي: في مرض موته- إشارة إلى أنه الأولى، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينيبه قبل مرض موته في الصلاة، ويأمره بأن يصلي بالناس قبل تلك المناسبة، كما سيأتي في بعض الأحاديث التي فيها أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمره بأن يصلي بالناس إذا تأخر في الوصول إليهم كما سيأتي.ومن العلماء من قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أرشد إلى تقديم أبي بكر؛ لأنه أعلمهم؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا يجمعون بين العلم والعمل، وبين معرفة القرآن ومعرفة السنن، العلم بالكتاب والسنة، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، جمعوا بين العلم بكتاب الله، والعلم بسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.إذاً: فـأبو بكر رضي الله عنه كان عنده العلم بكتاب الله، وعنده العلم بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو معني بالقرآن، كما أن غيره معني بالقرآن، رضي الله تعالى عن الجميع.وعلى هذا فيكون كون أبي أقرأهم، يعني: لتميزه في ذلك، ولكن كونهم قراء، وعلماء، وجمعوا بين العلم بالكتاب والسنة هذا هو شأنهم، وهذه طريقتهم، كما بين ذلك عبد الله بن مسعود في الأثر الذي ذكرته: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن، لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً.وتقديم العالم بكتاب الله معروفٌ بين سلف هذه الأمة، كما حصل من أحد أمراء عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مكة، أو جاء إلى عمر فلقيه، فقال: من أنبت مكانك؟ فقال: أنبت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى لنا، قال جعلت عليهم مولى؟ فقال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، فقال عمر رضي الله عنه: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين)، والحديث رواه مسلم في صحيحه، يرفع الله بالقرآن من يرفع، ويضع به من يضع، فكان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم، وسلف هذه الأمة يعنون بالكتاب والسنة، وجمعوا بين العلم بالكتاب، والعلم بالسنة، فيقرءون القرآن، ويحفظونه، ويتعلمون ما فيه من الأحكام والحكم، وكذلك يعرفون السنة، ويحرصون على العلم بها، ويستنبطون ما تدل عليه من أحكام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    الدلالات على أحقية أبي بكر بإمامة المسلمين
    إذاً: فتقديم أبي بكر رضي الله عنه هذا هو التوفيق بينه وبين الحديث الذي سيأتي، وهو حديث أبي مسعود : (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أقرؤكم أبي)، مع أنه أشار إلى تقديم أبي بكر رضي الله عنه في مرض موته، وقبل مرض موته كما هو معلوم. ثم إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه ليس هذا هو الدال عليها، بل دل عليها أدلة كثيرة تدل على أنه الأولى من بعده، ولكن ليس فيه تصريح بأن الخليفة بعدي فلان بن فلان، فإنه لم يأت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال: الخليفة بعدي فلان بن فلان، ولكن جاءت نصوص تدل على أنه الأحق بالأمر من بعده، مثل هذا الحديث الذي هو تقديمه في الصلاة، وقوله قبل أن يموت: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في مرض موته لـعائشة : (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب كتاباً لـأبي بكر، فإني أخشى أن يتمنى متمن، وأن يقول قائل... ثم قال: يأبى الله، والمؤمنون إلا أبا بكر)، أي: لا حاجة للكتابة؛ لأن الله تعالى يأبى أن يتولى عليهم إلا أبا بكر، والمسلمون يأبون إلا أن يتولى عليهم أبو بكر، فقد علم رسول الله عليه الصلاة والسلام أن المسلمين سيتفقون على خيرهم، وأنهم سيختارونه، فلم يحصل منه التنصيص على أنه الخليفة من بعده، بل جاءت هذه النصوص التي تدل على أولويته، وعلى أفضليته، وعلى أن الأمة ستجتمع عليه وستتفق عليه.وكذلك ما جاء من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة التي جاءت إليه تريد حاجة، وقالت: (أرأيت إن لم أجدك)، قال الراوي: كأنها تريد الموت، قال: (ائتي أبا بكر)، فكل هذه نصوص تدل على أولويته، وعلى أنه الأحق بالأمر من بعده، وقد اتفق المسلمون عليه، وبايعه المسلمون، وحصلت خلافته، ثم خلافة عمر، ثم خلافة عثمان، ثم خلافة علي، وهؤلاء الخلفاء الراشدون الأربعة هم الذين قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اقتدوا باللذين من بعدي)، وقال أيضاً: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، فهؤلاء الأربعة هم الذين كانوا في هذه المدة التي هي ثلاثون سنة، وأول هؤلاء الذين هم الخلفاء الراشدون، والذين خلافتهم خلافة نبوة، ومدتها ثلاثون سنة، أولهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في إمامة أهل العلم والفضل
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وهناد بن السري].إسحاق هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.وأما هناد بن السري فهو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.وكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه.وفائدة معرفتها: حتى لا يظن أن فيه تصحيفاً فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه، فإن من لا يعرف يظن أن فيه تصحيفاً، يعني: مثل: هناد بن السري لو جاء في الإسناد هناد أبو السري، فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري، يظن (أبو) مصحفة من (ابن)، وهذا غير صواب، فإذا جاء هناد بن السري فهو أبو السري، وإن جاء هناد أبو السري فهو ابن السري، فكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث الذي هو مصطلح الحديث.[عن حسين بن علي].وهو الجعفي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن زائدة].وهو ابن قدامة أبو الصلت الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن عاصم].وهو ابن بهدلة وبهدلة كنيته أبو النجود، أي: مشهور بـعاصم بن أبي النجود، واسم أبي النجود : بهدلة، فهو عاصم بن بهدلة، وكنية أبيه أبو النجود، وهو المقرئ المشهور، أحد القراء المشهورين، وهو صدوق له أوهام، وهو حجة في القراءة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ولكن حديثه في الصحيحين مقرون بغيره.[عن زر].وهو ابن حبيش بن حباشة الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم.[عن عبد الله].وهو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء العلماء في الصحابة رضي الله تعالى عنه، وليس هو من العبادلة الأربعة الذين اشتهروا بهذا اللقب؛ لأن العبادلة الأربعة يراد بهم صغار الصحابة الأربعة الذين هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، الذين عاشوا بعد ابن مسعود مدة طويلة، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، واستفاد الناس من علمهم وحديثهم.وأما ابن مسعود رضي الله عنه فهو متقدم الوفاة؛ لأن وفاته سنة: (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عن الجميع، وحديث عبد الله بن مسعود عند أصحاب الكتب الستة.
    الصلاة مع أئمة الجور

    شرح حديث: (صل الصلاة لوقتها فإن أدركت معهم فصل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة مع أئمة الجور.أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب عن أبي العالية البراء قال: (أخر زياد الصلاة، فأتاني ابن صامت، فألقيت له كرسياً فجلس عليه، فذكرت له صنع زياد، فعض على شفتيه، وضرب على فخذي، وقال: إني سألت أبا ذر كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، فقال عليه الصلاة والسلام: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركت معهم فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة مع أئمة الجور، أي: أنه يصلى وراءهم، ومن المعلوم أن هذا هو مذهب أهل السنة، والجماعة؛ أنه يصلى وراء الأئمة، وإن كانوا جائرين، والحرص على الجماعة، وعلى عدم الفرقة، فهذا أمر مطلوب، ومع ذلك فإن منهم من كان يؤخر الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرشد إلى التخلف عنهم، وترك متابعتهم، والصلاة وراءهم، وإنما أمر بأن يصلي الإنسان الصلاة لوقتها، ثم بعد ذلك إذا صلوا يأتي، ويصلي معهم، وتكون له نافلة ـ أي: الثانية ـ والصلاة الأولى هي الفريضة، فالنبي عليه الصلاة والسلام، أرشد إلى متابعتهم، وإلى الصلاة معهم، وعلى عدم الابتعاد عنهم في الصلاة، بل الإنسان يصلي لنفسه في الوقت، وأيضاً يصلي معهم، ولا يقول: إنه صلى فلا يحتاج إلى أن يصلي، وإنما يصلي معهم، فيوافقهم في الظاهر، مع أنه قد صلى قبل ذلك، ولا يظهر بأنه قد صلى، وأنه لا يريد أن يصلي؛ لأنه قد صلى؛ لما في ذلك من الفتنة، ولما في ذلك من الفرقة، وهذا يدلنا على عناية الشريعة بمتابعة الأئمة، وعلى الصلاة معهم، وإن أخروها، ولكن الإنسان يصليها لوقتها، ولهذا لما قام الذين قاموا على عثمان رضي الله عنه، وحاصروه في داره، وصار محصوراً في داره، ويصلي بالناس واحد من هؤلاء أصحاب الفتنة جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ قال: الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم، وهذا الأثر في صحيح البخاري، أورده في باب: إمامة المفتون، والمبتدع، وأورد تحته هذا الأثر، وأنه يصلى وراء من كان كذلك، وذلك كما بين عثمان رضي الله عنه في قوله: الصلاة من خير ما يفعل الناس. فعلى الإنسان أن يصلي الصلاة لوقتها، ويصلي معهم إذا صلوا، ولا يفارقهم، ولا يظهر الفرقة، وتكون هذه الصلاة الثانية التي صلاها معهم نافلة.وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث: أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، لما سئل عن الصلاة وراء الأئمة الذين يؤخرون الصلاة، فقال: (صل الصلاة لوقتها، فإذا أدركت الصلاة معهم فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي)، أي: سبق أن صليت فلا أحتاج إلى أن أصلي، أو لست بحاجة إلى أن أصلي؛ لأني قد صليت، بل الإنسان يصلي معهم، وتكون تلك الصلاة الثانية التي صلاها معهم نافلة.وعندما روى أبو ذر الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ذكر أنه ضرب فخذه، ثم إن أبا ذر لما حدث عبد الله بن الصامت بهذا الحديث ضرب فخذه كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه، وعض على شفتيه منكراً لهذا العمل، أو كارهاً لهذا العمل الذي هو تأخير الصلاة عن وقتها، ولما حدث عبد الله بن الصامت أبا العالية عمل كما عمل معه أبو ذر؛ عض على شفتيه، وضرب فخذه كما ضرب أبو ذر فخذه عندما حدث عبد الله بن الصامت بهذا الحديث.إذاً: فالضرب على الفخذ حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحصل من أبي ذر، وحصل من عبد الله بن الصامت ، وهذا يدل على الضبط، والإتقان، في ذكر الحالة التي تكون عند التحديث، تدل على ضبط الراوي ما رواه؛ لأنه يتذكر اللفظ الذي رواه، ويتذكر الهيئة التي حصلت عند التحديث بالحديث، فهذا مما يدل على ضبط الراوي، وإتقانه؛ لأنه عرف مع الحديث، ومع لفظ الحديث الهيئة التي حصلت من المحدث عند التحديث بالحديث، وهذا من جنس قول ابن عمر رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب)، فإنه كما ذكر الحديث ذكر الهيئة التي صنعها رسول الله عليه الصلاة والسلام معه عندما حدثه بهذا الحديث، وهذا يدل على الضبط، والإتقان لما يرويه الراوي.ثم أيضاً هذا يسمونه المسلسل، ولكن هذا ليس مسلسلاً في الإسناد، وإنما هو في بعض الإسناد، وهو كون كل واحد يضرب فخذ من يحدثه عندما يحدث بالحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب فخذ أبي ذر، وأبو ذر ضرب فخذ عبد الله بن الصامت، وعبد الله بن الصامت ضرب فخذ أبي العالية عندما حدث كل واحد منهم بهذا الحديث.وزياد الذي أشار إليه أبو العالية، وذكره لـعبد الله بن الصامت هو المعروف بـزياد بن أبيه الذي كان أميراً على البصرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صل الصلاة لوقتها فإن أدركت معهم فصل ...)
    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].وهو زياد بن أيوب البغدادي، وهو ثقة، حافظ، ولقبه، دلويه، وكان أحمد يلقبه بـشعبة الصغير، يعني: لحفظه، وإتقانه.وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي .[حدثنا إسماعيل بن علية].وهو ابن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أيوب].وهو ابن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي العالية البراء].واسمه زياد بن فيروز، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي .[فأتاني ابن الصامت].وهو عبد الله بن الصامت، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[سألت أبا ذر].وهو جندب بن جنادة على أصح الأقوال في تسميته، وتسمية أبيه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أبي ذر، وعن الصحابة أجمعين، وهو من مشاهير الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وفي الإسناد أن أبا العالية لما جاء إليه عبد الله بن الصامت، وضع له كرسياً فجلس عليه، وهذا فيه إكرام الزائر، وإجلاسه في المكان المناسب؛ لأنه قدم له كرسياً ليجلس عليه عندما أتى إليه، أي: أتى عبد الله بن الصامت إلى أبي العالية.
    شرح حديث: (لعلكم ستدركون أقواماً يصلون الصلاة لغير وقتها... وصلوا معهم واجعلوها سبحة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلكم ستدركون أقواماً يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، وصلوا معهم، واجعلوها سبحة)].وهنا أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لعلكم ستدركون أقواماً يؤخرون الصلاة عن وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، وصلوا معهم، واجعلوها سبحة)، أي: نافلة؛ لأن السبحة هي النافلة، والتسبيح هو التنفل، ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه: (لو كنت مسبحاً لأتممت)، أي: لو كنت متنفلاً، مع أنه يقصر في السفر، وكذلك أيضاً في قصة الجمع بمزدلفة: (ولم يسبح بينهما)، أي: لم يتنفل، فالمقصود بالتسبيح هو التنفل، ويقال للنافلة: سبحة، أي: المراد بها نافلة، أي: تكون الثانية سبحة، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، وهو أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها، ويحضر للصلاة معهم، فتكون تلك الصلاة التي يصليها معهم له نافلة.
    تراجم رجال إسناد حديث (لعلكم ستدركون أقواماً يصلون لغير وقتها... وصلوا معهم واجعلوها سبحة)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو السرخسي اليشكري، وهو ثقة، مأمون، سني، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، فهو مثل أبي العالية ؛ لأن أبا العالية خرج له البخاري، ومسلم، والنسائي . [حدثنا أبو بكر بن عياش].هو ثقة، عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه الصحيح، وحديثه أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، أي: لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم في الصحيح، وإنما خرج له في مقدمة الصحيح.وإذا كان نص عليه في تهذيب الكمال فهو المعتبر؛ لأنه ينص على الأسماء، وأما التقريب فإنه بالرموز، وأحياناً الرموز يكون فيها تحريف، وأحياناً يكون فيها سقط، ولكن المزي في تهذيب الكمال ينص على من خرج للراوي بالأسماء، فيقول: روى له فلان، وفلان، وفلان، بدون رمز.[عن عاصم عن زر عن عبد الله].عن عاصم عن زر عن عبد الله قد مر ذكرهم في الإسناد المتقدم.
    من أحق بالإمامة

    شرح حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من أحق بالإمامة؟أخبرنا قتيبة حدثنا فضيل بن عياض عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سناً، ولا تؤم الرجل في سلطانه، ولا تقعد على تكرمته إلا أن يأذن لك)].هنا أورد النسائي: (من أحق بالإمامة؟)، أي: إذا وجد جماعة، وأرادوا أن يصلوا، فمن الذي يقدم في الإمامة منهم، ومن أحق بالإمامة منهم.وأورد النسائي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة)، فهنا قال: (فأقدمهم هجرة، وإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سناً، ولا تؤم الرجل في سلطانه، ولا تقعد في بيته على تكرمته إلا أن يأذن لك)، والحديث رواه مسلم في صحيحه، ولكن قدم الأعلم بالسنة على الأقدم هجرة، ولا شك أن هذا هو الواضح، أي: الذي بعد القراءة العلم بالسنة، وإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فالأعلم بالسنة أولى ممن هو أقدم هجرة؛ لأنه قد يكون أقدم هجرة وهو عامياً، ولكن إذا تساووا في القراءة فإنه يقدم الأعلم بالسنة؛ لأنه أولى ممن يكون أقدم هجرة، ثم بعد ذلك من يكون أكبر سناً، فإذا تساووا في هذه الأمور الثلاثة المتقدمة: القراءة، والسنة، والهجرة يقدم من يكون أكبر سناً، وأقدم سناً.والحديث هو الذي أشرت إليه في أول الدرس إلى أن التوفيق بينه وبين ما جاء في تقديم أبي بكر في الصلاة على غيره، مع أنه قال: [(يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)]، قال: [(أقرأكم أبي)]، وأن الجواب عن ذلك أنه إما إشارة إلى إمامته، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينيبه قبل موته عليه الصلاة والسلام، ولكن ذلك لعلمه، ومن المعلوم: أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم علماء بالكتاب، وعلماء بالسنة، فـأبو بكر لما قدم قدم لأنه أعلمهم بالكتاب والسنة، أعلمهم بالعلم المطلق الذي يكون في الكتاب والسنة.قوله: [(يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)]، أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون أقدمهم هجرة، ثم يكون أكبرهم سناً.قوله: [(ولا يؤم الرجل في سلطانه)]، أي: أن الأمير والوالي هو الأحق، وله حق التقدم على غيره، وإذا أذن لغيره فله أن يتقدم، والحق له؛ لأنه هو الأمير الذي له الولاية، فيكون له حق الإمامة إذا حضر، وإذا قدم غيره فإنه يتقدم تحقيقاً لأمره، وتنفيذاً لأمره.وقوله: [(ولا يجلس على تكرمته إلا أن يأذن له)]، يعني: إذا جاء الإنسان في بيته فإنه لا يختار المكان الأنسب، والمكان المتميز، وإنما المكان الذي هو متميز، والذي هو له ميزة على غيره يكون لمن يأذن له صاحب البيت، فلا يأتي ويجلس في مكان، مع أن صاحب البيت يريد أن يجلس فيه شخص آخر أولى منه، فمن الأدب أن الإنسان يجلس حيث يؤذن له في الجلوس، وإذا كان هناك مكان متميز في البيت فلا يأتي أي واحد من الناس ويجلس فيه، وإنما إذا قيل له: اجلس جلس، وإلا فإنه يجلس في أي مكان من الأماكن التي لا تميز فيها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة، الثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا فضيل بن عياض].وهو فضيل بن عياض، وهو المشهور بالزهد، وهو ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو مثل إسحاق بن راهويه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[عن الأعمش].وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقبه.[عن إسماعيل بن رجاء].وهو إسماعيل بن رجاء، وهو ثقة، خرج له مسلم، والأربعة.[عن أوس بن ضمعج].وهو أوس بن ضمعج، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة أيضاً، وهو مثل الذي قبله، أي: مثل تلميذه.[عن أبي مسعود].وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، صحابي جليل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشهور بكنيته، وأحياناً تتصحف كنيته مع ابن مسعود فيقال ابن مسعود؛ لأن كلمة ابن وكلمة أبي مسعود متقاربان، وأبو مسعود غير ابن مسعود، أبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري، وأما ابن مسعود فهو عبد الله بن مسعود الهذلي المهاجري رضي الله تعالى عنه، وقد تصحفت في كثير من نسخ بلوغ المرام؛ لأنه في كثير من النسخ عن ابن مسعود، وهو ليس ابن مسعود، وإنما هو أبو مسعود.وحديث عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    الفرق بين مقدمة صحيح مسلم وبين صحيح مسلم في الاشتراط
    السؤال: هل الأحاديث التي في مقدمة صحيح مسلم اشترط فيها مسلم ما اشترطه في الصحيح؟الجواب: لا أعلم هذا الاشتراط، ولكن الذي يدل على تمييزهم لذكر المقدمة، والتخريج فيها، وذكر الرجال على أن هناك فرقاً بين المقدمة وبين الصحيح، فهم يرمزون لـمسلم في المقدمة بميم وقاف، ولـمسلم في الصحيح بميم، أي: للرجال، وكذلك عندما يأتي الحديث يقولون: في مقدمة صحيحه، مما يشعر بأن هناك فرقاً بين المقدمة وبين الصحيح.
    إعادة صلاة الفريضة تنفلاً في الوقت المنهي عنه
    السؤال: هل يصلى مع من يؤخرون الصلاة، حتى ولو كانت في وقت نهي؟الجواب: نعم؛ لأن الصلاة إذا أعيدت يصلي الإنسان ولو في وقت النهي؛ لأن صلاة النافلة وراء من هو مفترض جاءت بها السنة في قصة الرجلين اللذين جاءا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله! إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (144)

    - (باب تقديم ذوي السن) إلى (باب إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر؟)

    بيّن الشرع الحكيم على أن الإمامة في الصلاة تكون لمن هو أقرأ لكتاب الله، أو أعلم بالسنة أو الهجرة أو السنة، وألا يؤم الرجل في سلطان غيره، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه.
    تقديم ذوي السن

    شرح حديث: (وليؤمكما أكبركما)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقديم ذوي السن.أخبرنا حاجب بن سليمان المنبجي عن وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، وقال مرة: أنا وصاحب لي، فقال: إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما)].النسائي رحمه الله: تقديم ذوي السن.أي: تقديم الأكبر سناً في الإمامة، أي: يتقدم في الصلاة إذا أراد يصلي بغيره لكونه أكبر سناً من غيره، وقد أورد فيه حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: (أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، وقال مرة: أنا وصاحب لي، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما)، ومحل الشاهد منه قوله: (وليؤمكما أكبركما).وقد سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)، وهنا يقول: (وليؤمكما أكبركما)، ولا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث والحديث الذي قبله؛ لأن الحديث الأول تشريع عام، وبيان من يكون أولى بالإمامة مطلقاً، أما هذا الحديث فإنه يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما متماثلان، وأنهما متساويان، يعني: في الأمور التي يكون فيها التقديم قبل السن، فيكون قوله: (وليؤمكما أكبركما)، هذا هو الذي يتميز به أحدهما عن الآخر في الأولوية بالإمامة، والأمور الأخرى يكونان متفقين فيها أو متماثلين فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهما إلى أن يؤمهما أكبرهما.وقد سبق أن مر أيضاً: أنهم كانوا جاءوا وجلسوا عنده مدة، يعني: مالك بن الحويرث ومعه جماعة من قومه، وتعلموا ثم رجعوا، والرسول قال: (يؤمكم أكبركم)، فيفهم منه أن المراد بذلك: أنهم متساوون في الأمور التي هي أحق وأولى بالتقديم من أجلها، وهي: القراءة، والعلم بالسنة، والأقدمية في الهجرة، فإذا حصل التساوي في هذه الأمور والتماثل فإنه يقدم الأكبر سناً، وعلى هذا لا تنافي بين هذا الحديث والحديث الذي قبله، فلا يقال: إن الحديث يدل على أن المراد: أن الأكبر سناً هو الذي يقدم مطلقاً أخذاً بهذا الحديث، وإنما المعتبر هو ما جاء في حديث أبي مسعود، حيث قال: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً أو أكبرهم سناً).أما هذا فإنه يخاطب اثنين متماثلين، متشابهين، متساويين في أمور يكون فيها التقديم، فأرشد إلى ما يكون التقديم به وهو السن، فيحمل هذا على هذا، وحديث أبي مسعود على الترتيب، وتقديم البعض على البعض؛ وذلك بأن يقدم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر سناً، وهذا هو التوفيق بين هذا الحديث والحديث الذي قبله.ثم قوله: [(إذا سافرتما فأذنا وأقيما)]، هذا أيضاً يدل على حصول الأذان، والإقامة، وأنه يؤذن سواء كانوا جماعة أو واحد؛ حتى الواحد يشرع له أن يؤذن؛ لأنه لا يسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك في قصة الراعي الذي سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن وهو وحده، فالأذان يشرع للإنسان سواء كان وحده أو جماعة، فإذا كان في سفر أو كان في فلاة، فإنه يؤذن ويرفع صوته، وقد يسمعه أحد فيأتي ويصلي معه، أو يتعرف عليه ويأتي إليه بسبب هذا الصوت الذي حصل، ثم أيضاً ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، من شهادة ما يسمعه من إنس وجن وشجر وغير ذلك، يوم القيامة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فالترجمة تقديم ذوي السن، وقوله: [(وليؤمكما أكبركما)]، يدل عليه، وعرفنا أن المقصود من ذلك: أنهم إذا كانوا متساوين في الأمور الأخرى التي يكون فيها التقديم، وهي: القراءة، والعلم بالسنة، والهجرة، فيقدم الأكبر سناً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (وليؤمكما أكبركما)
    قوله: [أخبرنا حاجب بن سليمان المنبجي].وهو حاجب بن سليمان المنبجي، صدوق يهم، وخرج له النسائي وحده.[عن وكيع].وهو ابن الجراح بن مليح الرؤاسي، وهو الثقة، الحافظ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].غير منسوب، فيحتمل ابن عيينة، ويحتمل الثوري، ولكنه يحمل على الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بالرواية عن الثوري، ومكثر من الرواية عنه، بخلاف ابن عيينة فإنه مقل من الرواية عنه، والسبب في هذا أن وكيعاً من أهل الكوفة، والثوري من أهل الكوفة، فهما في بلد واحد، والتلازم موجود، واللقاء مستمر، فتكثر الرواية، بخلاف ما إذا كان الإنسان في بلد آخر، فإنه لا يتيسر له الأخذ عنه إلا في مناسبة؛ لأن سفيان بن عيينة مكي ووكيع كوفي، ومعنى هذا: أنه يلتقي به إذا ذهب لحج أو عمرة، أو رحلة لطلب الحديث.أما سفيان الثوري فهو ملازم له في بلده، فالكل من أهل الكوفة، فيراه صباحاً ومساء، ويلتقي به متى شاء، ويأخذ عنه متى شاء، فهو مكثر -أي: وكيع - من الرواية عن سفيان الثوري، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء سفيان يروي عنه وكيع وهو غير منسوب، فإنه يحمل على الثوري لكونه أكثر له ملازمة وأكثر عنه رواية، ولكونه من بلده.وسفيان الثوري ثقة، حجة، إمام، فقيه، ومن المحدثين القلائل الذين ظفروا بوصف أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع ووصف عال لم يحصل إلا للقليل النادر من المحدثين، مثل: سفيان الثوري، وشعبة، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني، وعدد آخر غير هؤلاء، وكانوا يعولون على معرفة تقديم الرجال بعضهم على بعض فيما إذا كانوا كلهم في القمة بأن يحسبوا أغلاط كل واحد منهم، فمن كان أقل غلطاً قدموه، واعتبروه أميز من غيره، وإن كانوا كلهم في القمة إلا أنهم يميزون بينهم بعد الغلطات، وعد الأوهام؛ أي: أوهامهم تكون محدودة وقليلة، فإذا عدوها وجدوا هذا عنده عشرة أوهام، أو هذا عنده خمسة أوهام، وواحد عنده وهم، أو وهمين، فيقدمون من يكون عنده وهمان على من عنده خمسة أوهام أو ستة أوهام وهكذا، فهذا هو المقياس الذي يزنون به الرجال، ويميزون به بين الرجال في الحفظ والإتقان، بأن يحسبوا أخطاءهم، وأن يعدوها، ثم يقدمون، ويرجحون جانب من قلت أوهامه على من كان أكثر منه، وإن لم يكن كثير الأوهام، ولكن أوهامهم كلهم قليلة، لكن بعضهم أقل من بعض، فمثلاً: الاثنين أقل من ثلاثة، وثلاثة أقل من خمسة وهكذا؛ فيكون صاحب الاثنين مقدم على صاحب الخمسة، أو صاحب الستة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وقد ذكر أنه سئل عن سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج أيهما أثبت وأيهما أتقن؟ فقدموا سفيان؛ وذلك بسبب قلة أخطائه بالنسبة إلى الثاني، وإن كان الكل خطؤه قليل إلا أن من كان أقل يقدم على غيره.[عن خالد الحذاء].هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، يرسل، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وإنما لقب بالحذاء ليس لأنه يبيع الأحذية ولا يصنع الأحذية، وهذا هو المتبادر، فعندما يقال: الحذاء يتبادر للذهن أنه يبيع الأحذية أو يصنعها، لكن ليس هذا ولا هذا، وإنما قيل في سبب تلقيبه: أنه كان يجالس الحذائين، فيأتي ويجلس عند الحذاء في دكانه، فقيل له: الحذاء؛ لأنه يجالس الحذائين، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، وقيل: لأنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، احذ على كذا، أي: يعطيه شيء ويقول: احذ على كذا، يعطيه مقياس ويقول: احذ عليه، أي: اصنع على حذائه، وعلى نحوه، وعلى مثله، وهي أيضاً -كما هو معلوم- نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن. [عن أبي قلابة].هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، كثير الإرسال، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو قلابة .[عن مالك بن الحويرث].هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    اجتماع القوم في موضع هم فيه سواء

    شرح حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع القوم في موضع هم فيه سواءأخبرنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن هشام حدثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: اجتماع القوم في موضع هم فيه سواء.أي: لا فرق لأحد على أحد؛ أي: لا يتميز أحد بميزة بأن يكون صاحب محل، أو يكون سلطان، أو يكون إمام مسجد، أو من الذين يكون لهم أولوية على غيرهم، وممن يكون متميزاً عليهم في قراءة، أو علم بسنة، أو ما إلى ذلك؛ لأن السلطان أولى من غيره في الإمامة في مكان سلطانه، ومكان ولايته كالأمير، كما مر بنا في الحديث الذي مضى بالأمس: زياد بن أبيه الذي كان يؤخر الصلاة، وقد ذكر عبد الله بن الصامت لـأبي العالية: أنه يصلي الصلاة في وقتها، ثم يأتي يصلي معه؛ وذلك للحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإذا اجتمع قوم في مكان وليسوا فيه سواء، كأن يكون مثلاً صاحب سلطان موجود؛ لأنه أقدم منهم، وأولى منهم، أو يكون صاحب البيت، فإنه يكون أولى منهم في البيت، وكذلك أيضاً إمام المسجد الراتب أولى من غيره ممن حضروا، ولو كان أقرأ منه، فهنا قال: باب اجتماع القوم في موضع هم فيه سواء؛ معناه: أنه يقدم أقرأهم، يعني: يؤمهم أحدهم، وأحق بالإمامة أقرأهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة)، وجاء في آخره: (ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه)، معناه: أن السلطان مقدم على غيره في الإمامة في مكان ولايته، ومكان إمارته، وإن كان غيره أقرأ منه.قوله (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرأهم)؛ أي: إذا كانوا متساوين، وليس هناك من هو أحق بالمكان، ومن له أولوية بسبب المكان، أو بسبب الولاية، أو بسبب كونه إماماً راتباً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، قيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، وهو ثقة، حافظ، وأخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.[عن يحيى].وهو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن هشام].وهو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا قتادة].وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي نضرة].وهو المنذر بن مالك البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو مشهور بكنيته أبو نضرة.[عن أبي سعيد].وهو سعد بن مالك بن سنان، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته؛ كنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري مشهور بهذا، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قال فيهم السيوطي في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي
    اجتماع القوم وفيهم الوالي

    شرح حديث: (لا يؤم الرجل في سلطانه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع القوم وفيهم الواليأخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)].أورد النسائي : اجتماع القوم وفيهم الوالي، أي: من يقدم؟ يقدم الوالي، الوالي الأمير، الإمام الأعظم، أو الأمير أمير البلد الخاص؛ فإنه أحق بالإمامة، وأولى بالإمامة، وإذا قدم أحداً أو أذن لأحد أن يتقدم فيتقدم، لكن الحق له، والأولوية له؛ لما في ذلك من اجتماع الكلمة، والمتابعة في الصلاة وفي غيرها، بأن يكون متبوعاً، ويكون إماماً، ويكون مرجعاً، إذا اجتمع القوم وفيهم الوالي فالوالي أولى، وقد أورد النسائي حديث: أبي مسعود مختصراً، وهو الحديث المتقدم، إلا أنه ذكر هنا مختصراً، أي: آخره، قال: (ولا يؤم الرجل في سلطانه)، أي: لا يؤمه غيره وهو في مكان ولايته، أي: لا يؤمه، ليس معنى ذلك: أنه لا يتأتى لغيره أن يفعل ذلك؛ بل إذا أذن يفعل، ولكن لا يؤم، يعني: بمعنى أن أحداً يتقدم عليه بدون إذنه وبدون تقديمه، بل هو الحق له، ولكن إذا قدم أحداً فإنه يتقدم، لكن هو الأولى بالصلاة والأولى بالإمامة.قال: [(ولا يؤم الرجل في سلطانه)]، يعني: في المكان الذي هو صاحب ولاية فيه، يعني: سواء كان إماماً عاماً، أو أميراً خاصاً، فإن الإمامة أو الأولوية للوالي، كما جاء في هذا الحديث: (ولا يؤم الرجل في سلطانه)، والحديث سبق أن تقدم، ولكنه أورد هذه القطعة منه من أجل دلالتها على الترجمة وعلى ما ترجم له.وقوله: [(ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)]، يعني: صاحب البيت، وكذلك السلطان عندما يؤتى إليه أو يؤتى إلى صاحب البيت، فإن المكان المتميز الذي يجلس فيه من يراد إكرامه أكثر، وتقديمه على غيره، الحق فيه لصاحب المحل، وليس لأحد أن يأتي ويجلس في المكان المتميز متطفلاً بدون أن يؤذن له، وإنما يجلس إذا أذن له يجلس، وإلا فإنه يجلس في الأماكن التي هي ليست متميزة والتي هي صدر المجلس، والمكان المقدم في المجلس الذي يخصص لمن يريد صاحب المحل أن يجلسه فيه إكراماً له وتمييزاً له على غيره، إن أجلسه وأذن له أن يجلس جلس، وإلا فيجلس في الأماكن الأخرى التي تكون لعامة الناس، والتي تكون لسائر الناس، أما ما يكون لخاصة الناس ويأتي أي واحد يجلس فيه فهذا ليس طيب وليس بمناسب، والمناسب هو أنه يجلس في الأماكن الأخرى، ولا يجلس في المكان الذي مخصص للإكرام أو من يراد إكرامه إلا إذا أذن له بالجلوس فإنه يجلس، فإذا قال: تفضل اجلس هنا، يأتي يجلس، أما كونه يأتي ويختار المكان من المجلس مع أنه قد هيأه لأناس سيأتون ويكونون فيه، فهذا هو الذي يدل الحديث على عدم فعله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يؤم الرجل في سلطانه)
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن محمد].وهو إبراهيم بن محمد التيمي، وهو ثقة، وخرج له أبو داود، والنسائي.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو يحيى بن سعيد، وهو القطان المتقدم ذكره.[عن شعبة].وهو ابن الحجاج الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إسماعيل بن رجاء].وهو ثقة، خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن أوس بن ضمعج].وهو ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، مثل تلميذه الذي قبله.[عن أبي مسعود].هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي جليل، وهو مشهور بكنيته أبو مسعود، وذكرت في الدرس الماضي: أنه قد يتصحف أبو مسعود بـابن مسعود، فابن مسعود هو عبد الله بن مسعود الهذلي المهاجري، وأما هذا أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، فذاك مهاجري، وهذا أنصاري، وذاك ابن مسعود، وهذا أبو مسعود، ولهذا كما قلت: إنها تصحفت في بعض نسخ بلوغ المرام فقيل: عن ابن مسعود، مع أن الحديث: عن أبي مسعود، وليس عن ابن مسعود، ولكن تصحفت (أبي) إلى (ابن)، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر؟

    شرح حديث سهل بن سعد فيما لو تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر؟أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحانت الأولى، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت، فأقام بلال، وتقدم أبو بكر فكبر بالناس، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف، حتى قام في الصف، وأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله عز وجل، ورجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس! ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ إنما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله إلا التفت إليه، يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك؟ قال أبو بكر : ما كان ينبغي لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي، هل يتأخر؟إذا تقدم الرجل من الرعية، يعني: في الإمامة، ثم جاء الوالي، هل يتأخر ذلك المتقدم؟ أو بمعنى أعم: إذا تأخر من له حق الإمامة، أو من هو صاحب الإمامة، كالوالي، أو كإمام المسجد الراتب، ثم جاء صاحب الأولوية، هل يتأخر ذلك الذي تقدم أو أنه يستمر في صلاته؟ أورد النسائي في ذلك حديث: سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بني عمرو بن عوف، وهم أهل قباء من الأنصار، وكان حصل بينهم شيء، يعني: حصل بينهم نزاع وخلاف، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم، وحان وقت الصلاة، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أذن للصلاة، وجلسوا ينتظرونه، فجاء بلال المؤذن واستأذن أبا بكر بأن يصلي بالناس، أو طلب منه، أو آذنه بأن يصلي بالناس، فقال: إن شئت، فأقام، وصلى أبو بكر، دخل أبو بكر في الصلاة، ولما دخل أبو بكر في الصلاة جاء رسول عليه الصلاة والسلام، فمشى بين الصفوف حتى صار في الصف الأول، فلما صار في الصف الأول أخذ الناس في التصفيق، أي: يريدون أن ينبهوا أبو بكر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل، فلما أكثروا في التصفيق التفت، وإذا الرسول دخل في الصلاة، وصار في الصف الأول ودخل في الصلاة مأموماً، فأشار إليه بأن يبقى في إمامته وفي صلاته، فرفع أبو بكر يديه وحمد الله، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له، وأن عمله لم يكن خطأً، وأنه أذن له بأن يواصل وأن يستمر في الصلاة، فرفع يديه، ثم إنه رجع القهقرى حتى صار في الصف، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس، ثم إنه لما فرغ من صلاته خاطب الناس وقال: (ما لكم أخذتم في التصفيق؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح، فليقل: سبحان الله، إنما التصفيق للنساء)، ثم أقبل على أبي بكر وقال: (مالك لم تصل إماماً إذا أشرت لك؟)، أي: لم تصل إماماً، أي: تستمر، فقال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.محل الشاهد من الحديث: أن أبا بكر رضي الله عنه لما تقدم للصلاة بعد أن تأخر الرسول صلى الله عليه وسلم في المجيء وحان وقت الصلاة، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء، فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، محل الشاهد منه قوله: هل يتأخر؟ أي: الإمام الذي هو بدل الإمام الراتب الذي ناب عن الإمام أو يبقى؟ أي: ذكر المسألة على سبيل الاستفهام، وفعل أبي بكر يدل على أنه يتأخر، لكن هذا فيما إذا كان في أول الصلاة، والحديث إنما جاء في أول الصلاة لأنه دخل في الصلاة، وفي بعض الروايات: (استفتح بالصلاة)، وبعضها: (كبر في الصلاة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم)، إذاً: هو في أول الصلاة، فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن إذا كان مضى شيء من الصلاة، أو صلى بعض الركعات، ثم جاء الإمام، فهل الأولى أن يتقدم أو يستمر؟ الأولى أن يستمر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر في صحيح مسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وتأخر ليقضي حاجته، ثم بعد ذلك القوم تقدموه، وصلى بهم عبد الرحمن بن عوف فلما قضى ركعة من الصلاة وجاء في الركعة الثانية، وإذا رسول الله يأتي، فدخل وصلى معه الركعة الثانية، ولما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى الركعة التي سبق بها، فدل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة إمامة عبد الرحمن بن عوف أنه إذا مضى شيء من الصلاة يكون مأموماً، وأن الإمام الأول يستمر، وإذا كان في أول الصلاة فلا بأس أن يتأخر إذا أراد أن يتأخر، وإن أراد أن يستمر فله ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يستمر ولكنه لم يستمر، ورجع ليتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما وهم في أول الصلاة.فإذاً: يحمل ما جاء في حديث أو في قصة أبي بكر هذه على ما إذا كان جاء الإمام وهو في أول الصلاة لم يمض منها شيء، وأنه إذا مضى منها شيء فيكون العمل على ما جاء في إمامة عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، والحديث في صحيح مسلم، فإذاً: يفصل بين ما إذا كان في أول الصلاة أو مضى منها، فإذا كان في أولها، يعني: إن تأخر فلا بأس، وإن بقي فلا بأس، وإن كان مضى منها شيء فإن الأولى له أن يستمر والإمام يصلي مأموماً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلى ركعة خلف عبد الرحمن، ثم بعد أن سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي ما سبق فيه، أي: يقضي الركعة التي سبق فيها.عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم في أناس معه).الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بني عمرو بن عوف حصل بينهم شيء من الخلاف، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة من قومه ليصلح بينهم، وهذا يدل على أهمية الإصلاح بين الناس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب بنفسه، وكان بإمكانه أن يرسل أحداً ينوب عنه في هذه المهمة لكنه ذهب بنفسه، وهذا يدلنا على أهمية الإصلاح بين الناس، لا سيما إذا كان الإمام هو الذي يتولى هذه المهمة، ويصلح بين أفراد الرعية، أو الأمير يصلح بين الناس؛ فإن هذا يكون أدعى إلى أن يستجاب لطلبه ولوساطته وإصلاحه لما يكون له من التقدير، ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم كونه ذهب بنفسه يدل على أهمية الإصلاح بين الناس، وعلى عظم شأنه في الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذهب بنفسه، وكان بإمكانه أن يرسل من يقوم بهذه المهمة غيره، وفيه تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيث ذهب للقيام بهذه المهمة ولم يرسل أحداً يقوم بالنيابة عنه.قوله: [(فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم)].حبس، أي: تأخر، أي: الحديث الذي جرى للإصلاح بينهم طال حتى تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أول وقتها، أي: في الوقت الذي كان يصليها فيه، أي: هذا هو معنى حبس، يعني أنه حصل مكث وجلوس معهم في قصد الإصلاح ومحاولة الإصلاح، حتى مضى الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي الصلاة فيه، فعند ذلك تقدم أبو بكر .فحانت الأولى، يبدو أنها الظهر؛ لأن صلاتي العشي هي: الظهر والعصر، يقال للظهر: الأولى بالنسبة للعصر، ثم أيضاً هي تجمع معها، أي: يجمع بعضهما إلى بعض في أولى وثانية، أي: الأولى التي تجمع معها الثانية، أي: في حال السفر، أو في الأمر الذي يقتضي ذلك مثل المرض.قوله: [(فحانت الأولى، فجاء بلال إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت)].
    صلاة أبي بكر بالناس ودلالة ذلك على فضله
    ثم إن بلالاً جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ومجيئه إلى أبي بكر رضي الله عنه دون غيره هذا يدل على علو مكانته، ومعرفة أنه هو المتقدم على غيره وأن غيره لا يتقدم عليه، وقد جاء في بعض الروايات: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن تأخرت فليصل أبا بكر، أو مروا أبا بكر فليصلِ) كما سيأتي عند النسائي في بعض الطرق في هذا الكتاب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء وقت الصلاة)، أو ما معناه، (فمروا أبا بكر فليصل بالناس، أو فليصل أبو بكر بالناس)، وتقديم الرسول صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر ليس خاصاً في مرض الموت؛ لأنه قدمه في مرض موته وقبل مرض موته، كما في هذه الحالة أو هذه القصة التي ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ليصلح بين الناس، فتقديم أبي بكر رضي الله عنه ليس خاصاً في مرض موته صلى الله عليه وسلم، بل في مرض موته وفي حال صحته وعافيته صلى الله عليه وسلم.قوله: [(فأقام بلال، وتقدم أبو بكر فكبر بالناس، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف، حتى قام في الصف)].أي: كبر بالناس، ودخل في الصلاة في أولها، في بعض الروايات: (استفتح في الصلاة)، أي: دخل فيها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما دخل أبو بكر في الصلاة، فجاء ومشى بين الصفوف حتى جاء في الصف الأول ودخل فيه وصلى، أي: دخل في الصلاة مأموماً.قوله: [(وأخذ الناس في التصفيق)].أخذ الناس في التصفيق، أي: يريدون أن ينبهوه إلى حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم)].وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته؛ لإقباله عليها وكمال خشوعه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولكنه لما حصل هذا الإكثار من التصفيق، التفت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم موجود، فالرسول أشار إليه بيده، يعني: بأن يبقى في مكانه، أشار إليه بأن يبقى في مكانه إماماً، فـأبو بكر رفع يديه وحمد الله، ثم إنه رجع القهقرى، أي: ما أراد أن يستمر في الصلاة ويكون إماماً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، بل يريد أن يكون الإمام هو الرسول عليه الصلاة والسلام ،كلف الرسول عليه الصلاة والسلام حدثه بالإشارة، ونبهه بالإشارة، وهي أن يبقى في صلاته، ويستمر في إمامته، لكن أبا بكر رضي الله عنه لم يرد أن يواصل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، ولهذا قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(يا أيها الناس! ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟)].وأرشدهم إلى التسبيح، هذه من الأحكام التي جاءت الشريعة في التفريق بين الرجال والنساء فيها، فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إذا لم يأت شيء يميز بين الرجال والنساء، أو يخص النساء دون الرجال، أو الرجال دون النساء، فالأصل هو التماثل والتساوي بين الرجال والنساء، لكن إذا جاء شيء يخصص مثل هذا الحديث، أي: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، والنضح من بول الغلام، والغسل من بول الجارية، كذلك فيما يتعلق بالميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين، والعقيقة: الذكر له اثنتان والأنثى لها واحدة، ودية المرأة على النصف من الرجل، وهكذا مسائل جاءت السنة أو جاءت الشريعة في التفريق بين الرجال والنساء فيها، فيعول على ما جاء من التفريق، وحيث لم يأت شيء يفرق بين الرجال والنساء فالتساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، فالرجال والنساء يتساوون في الأحكام ما لم يأت شيء يدل على أن هذا للنساء وهذا للرجال ويميز بعضهم على بعض، وإلا فإن الأحكام هي للرجال والنساء واحدة، إلا فيما يتعلق بأن هذا يكون للرجال، مثل: الإمامة والولاية لا تكون للنساء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فالنساء ليست أهل ولايات، وإنما هن أهل تستر وتحجب وابتعاد عن الرجال والاختلاط بهم، والوالي لابد وأن يبرز للناس، وأن يكون له الأمر والنهي، والمرأة ليست أهلاً لذلك، فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء إلا إذا جاءت نصوص تقول: إن النساء كذا والرجال كذا، أو النساء يصلح لهن كذا ولا يصلح لهن كذا، الرجال يصلح لهم كذا ولا يصلح لهم كذا أو أن الرجال لهم هذا الحكم، والنساء لهن هذا الحكم، فعند ذلك المعول على ما جاءت به السنة من التفصيل، والتمييز بين الرجال والنساء.وقد جاء في بعض الروايات: (التصفيح)، وفي بعضها: (التصفيق)، والتصفيح هو التصفيق، إلا أن بعض العلماء يقول: إن التصفيح أقل من التصفيق، وهو: أن التصفيح يكون بضرب أصبعين من اليمنى على بطن اليسرى، وأما التصفيق فيكون بضرب اليد على اليد، والكل فيه خروج صوت، إما كلياً أو جزئياً، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذا إنما هو للنساء وليس للرجال، وأن الرجال شأنهم التسبيح إذا ناب الإمام شيء في صلاته، فإنه يسبح الرجل وتصفق المرأة.
    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد فيما إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يعقوب وهو: ابن عبد الرحمن].وهو ابن عبد الرحمن، وهو القاري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقوله: [وهو ابن عبد الرحمن] هذه قالها من دون قتيبة، إما النسائي أو من دون النسائي ؛ لأن قتيبة لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، وإنما ينسبه كما يريد، التلميذ ينسب شيخه كما يريد، ولا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإن الذي يحتاج أن يقول: هو، هو من دون التلميذ؛ لأنه يأتي بشيء يميز ذلك الذي أهمله التلميذ، لكنه عندما يأتي بكلمة هو أو بكلمة يعني أو ما إلى ذلك من العبارات التي فيها الإشارة إلى أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، وإنما هي من دون التلميذ، فأراد أن يوضح هذا الذي لم ينسبه التلميذ، فأتى بهذه العبارة حتى يتبين أنها ليست منه، أي: من التلميذ، وإنما هي ممن دونه.[عن أبي حازم].وهو أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي حازم .[عن سهل بن سعد].وهو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يكنى بـأبي العباس، وقد ذكرت فيما مضى: أن بعض العلماء قال: إن المعروف بمن يكنى بأبي العباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان: هما سهل بن سعد الساعدي هذا، وعبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنيته أبو العباس، أي: كنيته توافق اسم أبيه، عبد الله بن عباس، أبوه العباس وكنيته أبو العباس .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (145)



    - (باب صلاة الإمام خلف رجل من رعيته) إلى (باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة)

    إن أحق الناس بإمامة الصلاة هو الأقرأ لكتاب الله؛ سواء كان صغيراً أم كبيراً، بصيراً أم أعمى، وليس للزائر أن يتقدم على إمام المسجد إلا بإذنه، كما أنه يجوز لإمام المسلمين أن يصلي خلف رجل من رعيته.
    صلاة الإمام خلف رجل من رعيته

    شرح حديث: (آخر صلاة صلاها رسول الله... خلف أبي بكر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صلاة الإمام خلف رجل من رعيته.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم، صلى في ثوب واحد متوشحاً خلف أبي بكر)].يقول النسائي رحمه الله: صلاة الإمام خلف رجل من رعيته، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متوشحاً به خلف أبي بكر)، والمقصود منه قوله: (خلف أبي بكر )، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر.وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته اختلفت فيها الروايات، هل كان إماماً، أو كان مأموماً؟ وهل الإمام أبو بكر رضي الله تعالى عنه؟ من العلماء من قال بالتعدد، ومنهم من قال بترجيح أنه كان هو الإمام، والأظهر هو عدم التعدد، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام، كما جاءت الروايات موضحة ذلك؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي به يهادى بين رجلين حتى جلس على يسار أبي بكر، فصلى جالساً، وأبو بكر على يمينه يأتم برسول صلى الله عليه وسلم، ويأتم الناس بـأبي بكر، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان صوته خافتاً؛ لأنه في مرض شديد، فلا يسمعه إلا من حوله، وأبو بكر رضي الله عنه يسمع صوته، فيكبر، فيسمعه الناس، وقد جاءت بعض الروايات موضحة فتكون هي الأرجح، ويكون من قال: إنه صلى خلف أبي بكر، أن يحمل على أنه إما أن يكون لم يسمع صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يسمع صوت أبي بكر، فيظن أنه الإمام، لا سيما وقد دخل في الصلاة قبل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يعرفون أن أبا بكر هو الذي صلى بهم، ودخل في الصلاة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بعدما دخل أبو بكر في الصلاة، وجلس على يمينه، ولكن الأظهر من هذا، والأوضح من هذا في الدلالة على الترجمة الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في سفر، فتأخر لقضاء حاجته، وتقدم الجيش، وعندما حان وقت الصلاة لم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة وصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس، ولما فرغ من الركعة الأولى، وصار في الركعة الثانية، وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مأموماً خلف عبد الرحمن بن عوف، ولما قضى عبد الرحمن الصلاة قام رسول صلى الله عليه وسلم ليقضي الركعة التي سبق فيها)، فهذا هو الدليل الواضح على الترجمة.وكذلك الحديث الذي مر في قصة استخلاف أو قصة صلاة أبي بكر عندما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف، حيث جرى بينهم خلاف، وحان وقت الصلاة ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى أبو بكر، ودخل في الصلاة، فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى وصل إلى الصف الأول، ودخل في الصف، ودخل في الصلاة خلف أبي بكر، فالناس صاروا يصفقون، يريدون أن ينبهوا أبا بكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل، فلما أكثروا من التصفيق التفت أبو بكر، وإذا رسول الله عليه الصلاة والسلام قائماً يصلي وراءه، فأشار إليه بأن يبقى مكانه، يواصل، ويستمر في الصلاة، فهذا دليل واضح على أنه صلى خلفه؛ لأن صلى جزءاً من الصلاة خلفه، حيث دخل في الصلاة، وأبو بكر هو الإمام، أراد منه أن يواصل، حيث أشار إليه بأن يستمر.فهذان الدليلان هما الواضحان وضوحاً جلياً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خلف رجل من رعيته، فقد صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة، وقام يقضي الركعة الباقية، وصلى خلف أبي بكر بعض ركعة، وأشار إليه أن يواصل الصلاة، وأن يستمر فيها، ولكن أبا بكر رضي الله عنه لم ير أن يستمر مصلياً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الإمام أو إمام المسجد جاء وقد أقيمت الصلاة، فإذا كان مضى شيء من الصلاة فإن الأولى أن يستمر النائب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان في أول الصلاة فلا بأس أن يتأخر الإمام النائب، ويتقدم الذي هو الإمام الراتب، أو الذي حصلت النيابة عنه؛ لأن الصلاة لم يفت منها شيء، ولكن إذا فات منها شيء فالأولى أن يستمر الإمام النائب في الصلاة، والإمام الراتب يصلي وراء ذلك الإمام الذي ناب عنه.وحديث أنس الذي معنا ليس بواضح الدلالة على الترجمة من جهة أن الروايات اختلفت في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته، حيث أتي به يهادى بين رجلين، حتى أجلس على يسار أبي بكر وهو يصلي بالناس في أول الصلاة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وأبو بكر يقتدي به، والمصلون وراءه يقتدون بـأبي بكر، بمعنى آخر كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً، وأبو بكر بجواره قائماً، وهو يكبر بتكبير رسول الله عليه الصلاة والسلام، والناس يتابعون أبا بكر ولا يسمعون صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: ترجمة الحديث ليس بواضح الدلالة عليها، والذي هو واضح ما أشرت إليه من الحديثين، الحديث الذي مر عند النسائي، والحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في صلاة عبد الرحمن بن عوف إماماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (آخر صلاة صلاها رسول الله... خلف أبي بكر)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، خرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد أكثر مسلم الرواية عن علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي .[حدثنا إسماعيل].وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـابن علية، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حميد].وهو حميد بن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو من صغار الصحابة، وقد عاش وعمر طويلاً حتى أدركه صغار التابعين ومتوسطوهم ورووا عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند النسائي؛ لأنه رباعي، وأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وهنا بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: علي بن حجر، وإسماعيل بن علية، وحميد الطويل، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهؤلاء الأربعة هم إسناد هذا الحديث، وهم رجال هذا الحديث، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأن أعلى ما عنده الرباعيات، وليس عنده شيء من الثلاثيات، ومثل النسائي -في أن أعلى ما عنده الرباعيات- مسلم، وأبو داود، فهؤلاء الثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد، أي: الخمسة الثلاثيات التي عند ابن ماجه .
    شرح حديث: (أن أبا بكر صلى للناس ورسول الله صلى في الصف)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا بكر بن عيسى صاحب البصرى سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا بكر صلى للناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف)].وهنا أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث عائشة : (أن أبا بكر صلى للناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف)، وهذا الحديث إذا كان المراد به الذي حصل في مرض موته صلى الله عليه وسلم فقد عرفنا ما يتعلق به، وإن كان المراد به ما حصل من قصة تقدمه إماماً، أي: تقدم أبي بكر إماماً، وأن الرسول ذهب يصلح بين بني عمرو بن عوف، ثم جاء ودخل في الصف وراءه فهذا لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الصف، والذي صلاه خلف أبي بكر هو بعض ركعة، وهذا واضح الدلالة على ما ترجم له، ولكن إذا كان مقصوده في مرض موته فهذا ليس بواضح، بل لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بالصف في مرض موته، بل كان على يسار أبي بكر كما جاءت الروايات مبينة، وموضحة ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، وأبو بكر يصلي قائماً عن يمينه، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتدي المأمومون بـأبي بكر رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن أبا بكر صلى للناس ورسول الله صلى في الصف)
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى هو أبو موسى الملقب بـالزمن.إذاً: محمد بن المثنى العنزي كنيته أبو موسى، ولقبه الزمن، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وقد مات قبل البخاري بأربع سنوات، وقد أدركه من بعد البخاري، ولهذا فإن النسائي روى عنه، ووفاته سنة: (303هـ)، وروى عنه من هو متأخر بعد البخاري .إذاً: فهو من صغار شيوخ البخاري، وروى عنه من هو بعد البخاري، وكانت وفاته قبل البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة: (256هـ)، ومحمد بن المثنى توفي سنة: (252هـ)، ويماثله في هذا -أعني: كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة- محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، في سنة: (252هـ)، وكل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة.[حدثنا بكر بن عيسى].بكر بن عيسى صاحب البصري، وصاحب البصري، ولا أدري ما المراد بها، ولا عرفت ما يوضحها ويبينها، وبكر بن عيسى الراسبي ثقة، خرج له النسائي وحده، والمصادر المختلفة كلها تذكر صاحب البصري أو صاحب البصرى، ومثله شخص آخر كذلك، وهو يحيى بن كثير، فإنه ذكر في ترجمته أنه صاحب البصري أو صاحب البصرى، وما عرفت حتى الآن ما المراد بهذا الوصف، وبعض المحدثين نسبه وقال: البصري، ولكن عند النسائي هنا، وفي تهذيب الكمال، وفي تهذيب التهذيب، وفي بعض الكتب يأتون بهذا اللفظ، وما المراد بهذا الوصف؟وبكر بن عيسى ثقة أخرج حديثه النسائي وحده.[سمعت شعبة يذكر].شعبة بن الحجاج، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن نعيم بن أبي هند].نعيم بن أبي هند ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .[عن أبي وائل].وهو شقيق بن سلمة، وهو ثقة، ثبت، مخضرم، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي باسمه أحياناً، ومعرفة كنى المحدثين من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، فإن من لا يعرف أن هذه الكنية لصاحب هذا الاسم يظن أن الشخص الواحد يكون شخصين، ومعرفة ذلك يسلم معها من مثل هذا اللبس الذي قد يحصل لمن لا يعرف.[عن مسروق].هو ابن الأجدع المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى في كتاب الله عز وجل، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين عرفوا بكثرة الحديث سبعة، ستة من الرجال، وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهؤلاء السبعة هم الذين يتكرر ذكرهم في الأحاديث، ومنهم أنس بن مالك الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، ويقول السيوطي فيهم في ألفيته:والمكثرو في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِزوجة النبي يراد بها عائشة رضي الله تعالى عنها.
    إمامة الزائر

    شرح حديث: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلين بهم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إمامة الزائر.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن أبان بن يزيد حدثنا بديل بن ميسرة حدثنا أبو عطية مولى لنا عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلين بهم)].أورد النسائي إمامة الزائر، والزائر هو الذي يزور الناس في منزلهم، وفي مكانهم، فليس له حق الإمامة، بل هم أحق بالإمامة منه، ولكن إذا قدموه يتقدم، وهذا مثلما عرفنا فيما مضى بالنسبة للإمام، وبالنسبة لصاحب البيت، وبالنسبة للإمام الراتب، فهم أولى الناس بالإمامة، وإن كان غيرهم أقرأ منهم، ولكن إذا قدم الزائر، أو من له حق الصلاة، أو الإمامة، فلغيره أن يتقدم، فالمنع هنا كونه يتقدم بنفسه، فهو ممنوع من هذا، ومنهي عن هذا، ولكن إذا أذن له، أو طلب منه فإن له أن يتقدم، ولا بأس بذلك؛ لأن صاحب الحق إذا طلب من غيره أن يصلي، وأن يتقدم بإذنه فلا بأس بذلك، وإنما الممنوع أن يتقدم بدون أن يؤذن له، فهذا هو الذي يدل عليه الحديث، ويقتضيه النهي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلين بهم)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله].وهو عبد الله بن المبارك، ثقة، ثبت، إمام، حجة، ذكر ابن حجر رحمه الله عدداً من صفاته في التقريب، ثم قال: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبان بن يزيد].أبان بن يزيد، وهو العطار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا بديل بن ميسرة].هو بديل بن ميسرة العقيلي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والأربعة.[حدثنا أبو عطية مولى لنا ].يقال له: أبو عطية، وذكره في الترجمة أبو عطية مولى بني عقيل؛ لأن بديل بن ميسرة العقيلي في نسبه العقيلي، يقال هنا: أبو عطية مولى بني عقيل، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن مالك بن الحويرث].مالك بن الحويرث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    إمامة الأعمى

    شرح حديث: (أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إمامة الأعمى.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك ح، وحدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع رضي الله عنه: (أن عتبان بن مالك رضي الله عنه كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة، والمطر، والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل -يا رسول الله- في بيتي مكاناً أتخذه مصلى، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تحب أن أصلي لك؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي إمامة الأعمى، وأنها سائغة، ولا مانع منها، وأورد فيها حديث عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه، وعتبان بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه كان يؤم قومه، وهو أعمى -وهذا هو محل الشاهد- وطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يزوره في منزله، وأن يصلي في مكان من منزله يتخذه مصلى إذا كان هناك ما يمنع من الذهاب إلى المسجد، كحصول السيل، والمطر، وجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب منه المكان الذي يريد أن يتخذه مصلى، فعينه له، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الذي أراده عتبان، والمقصود من الحديث هو الدلالة على إمامة الأعمى، وأن الحديث يدل عليها؛ لأنه كان يؤم قومه وهو أعمى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى...)
    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله البغدادي، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا معن].هو معن بن عيسى المدني صاحب الإمام مالك .قال أبو حاتم الرازي : أثبت أصحاب مالك.وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ثم ذكر النسائي (ح) التحويل، والمراد بها التحول من إسناد إلى إسناد؛ لأنه ذكر إسناداً، وذكر ثلاثة أشخاص: شيخه، وشيخ شيخه، وشيخ شيخ شيخه، ثم رجع النسائي، وأتى بإسناد جديد، حتى حصل التلاقي بين الإسنادين الأول والآخر عند الإمام مالك، و(ح) هذه معناها: الإشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد؛ لأن الرجل الذي بعد (ح) ليس متقدماً على الرجل الذي قبلها، وإنما الرجل الذي بعد (ح) هو شيخ للنسائي، فهو تحول من إسناد إلى إسناد، ويلتقي الإسناد الأول، والإسناد الثاني عند مالك، فهذا هو المراد بـ(ح) .[حدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].الحارث بن مسكين هو المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أبو داود، والنسائي .[واللفظ له].لأن اللفظ لشيخه الثاني الحارث بن مسكين، وليس لشيخه الأول هارون بن عبد الله الذي جاء في الإسناد الأول.[عن ابن القاسم].و ابن القاسم هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .[حدثنا مالك].مالك، وهذا ملتقى الإسنادين؛ لأن الإسناد الأول: هارون عن معن عن مالك، والثاني: الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك، فتلاقى الإسنادان عند مالك، ثم صار الإسناد واحداً من مالك فما فوق، ودون مالك تشعب منه طريقان، أو تفرع منه طريقان: طريق فيه معن بن عيسى، ويروي عنه هارون بن عبد الله، ثم النسائي يروي عنه، ثم الطريق الثاني: عبد الرحمن بن القاسم، وعبد الرحمن بن القاسم يروي عنه الحارث بن مسكين .[عن ابن شهاب].ابن شهاب هو الذي يتكرر ذكره كثيراً، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب، ومشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب، ويقال له ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جده، أي: واحد من أجداده هو جد جده، والزهري محدث، فقيه، مكثر من الرواية، وإمام جليل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن محمود بن الربيع].محمود بن الربيع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وأكثر روايته عن الصحابة، أي: ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغالبه من المراسيل، وأحياناً -كما هنا- يذكر الراوي الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر عن عتبان بن مالك، فهو من صغار الصحابة، ومعلوم أن الصحابي إذا أضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فيعتبر إذا كان من صغار الصحابة مرسل، ولكن مراسيل الصحابة حجة؛ لأنهم لا يأخذون إلا عن الصحابة، ولا يروون إلا عن الصحابة، وإذا رووا عن غيرهم بينوا، فيحمل ما جاء من مراسيلهم على أنه عن الصحابة، والصحابة أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومحمود بن الربيع أخرج له أصحاب الكتب الستة.[أنّ عتبان].هو عتبان بن مالك الأنصاري، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في كتاب مسند مالك، والنسائي، وابن ماجه .
    إمامة الإمام قبل أن يحتلم

    شرح حديث عمرو بن سلمة في إمامته لقومه وهو ابن ثمان سنين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إمامة الإمام قبل أن يحتلم.أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن سفيان عن أيوب حدثني عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه أنه قال: (كان يمر علينا الركبان فنتعلم منهم القرآن، فأتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليؤمكم أكثركم قرآناً، فجاء أبي، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فكنت أكثرهم قرآناً، وكنت أؤمهم، وأنا ابن ثمان سنين)].هنا أورد النسائي إمامة الغلام قبل أن يحتلم، أي: قبل أن يبلغ ، والاحتلام كما هو معلوم يكون إما بالإنزال، وإن كان لم يصل إلى سن الخامس عشرة، حيث يحصل منه الاحتلام في منامه، أو يتزوج، ويحصل منه الإنزال، فيحصل البلوغ بذلك، فإذا لم يحصل شيء من ذلك، إذا أكمل الخمس عشرة حصل البلوغ، وهنا يقول: قبل أن يحتلم، أي: قبل أن يبلغ سن الحلم الذي هو سن التكليف، فهذا هو المقصود بالترجمة.وأورد بالاستدلال عليها حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله تعالى عنه: أنهم كانوا يتلقون الركبان ويأخذون منهم القرآن الذي يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية تبين كيف تحصل عمرو بن سلمة على القرآن، وأنه كان يلتقي بالركبان التي تمر بهم آتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتعلم منهم القرآن، فجاء أبوه سلمة، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يؤمكم أكثركم قرآناً، قال: فنظروا، فوجدوني أكثرهم قرآناً، فقدموني وأنا ابن ثمان سنين)، وهذا محل الشاهد؛ كونه قدم لأنه أكثرهم قرآناً وعمره ثمان سنوات، والحديث رواه البخاري، ورواه أبو داود، والنسائي، واستدل به من استدل به على صحة إمامة الغلام قبل أن يحتلم قبل أن يصل سن البلوغ، وقالوا: إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قدموه، ومن يقول: إن الغلام لا يتقدم إلا إذا بلغ، يقول: إن هذا فعل حصل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد شيء يدل على أنه بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن المعلوم أنهم إذا أضافوه إلى زمن النبوة فإنه يكون له حكم الرفع، ولهذا جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن، فإذا أضيف الشيء إلى زمن النبوة فإنه يكون له حكم الرفع، وحكم الإضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلاف كما ذكرت بين العلماء، منهم من قال: بصحة إمامة الصبي؛ الغلام الذي لم يحتلم، واستدل بهذا الحديث، ومنهم من رأى خلاف ذلك، وأجاب عن الحديث بما ذكرت.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة في إمامته لقومه وهو ابن ثمان سنين
    قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي].موسى بن عبد الرحمن المسروقي، ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا حسين بن علي].حسين بن علي، هو الجعفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن زائدة].هو زائدة بن قدامة أبو الصلت، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].وهو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، روى عنه زائدة، وهو من أقرانه، من طبقته، يعني: مماثل له في الشيوخ، والتلاميذ، وروايته عنه تعتبر من رواية الأقران؛ لأن رواية الأقران أن يروي الرجل عمن هو مثله في السن، أو اللقي، أو المقدار، فالرواية عنه من رواية الأقران، ليس من طبقة شيوخه، وإنما هو من أمثاله، ولكنه كما هو معلوم يروي المثيل عن مثيله ما لم يسمعه، بل قد يروي عن تلميذه، وهذه تسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، فيما إذا حصل التلميذ شيئاً عن طريق السفر، والشيخ ما سافر، فيروي عن تلميذه، فتسمى: رواية الأكابر عن الأصاغر، وأما رواية المثيل عن المثيل، فهي من رواية الأقران، وكذا الزميل عن الزميل، ورواية الأكابر الذين هم الشيوخ عن التلاميذ، أو الآباء عن الأبناء، تعتبر من رواية الأكابر عن الأصاغر.وسفيان هو الثوري وليس ابن عيينة، وابن عيينة يروي عن زائدة بن قدامة، وأما زائدة فقد روى عن رفيقه وعن مثيله الثوري، والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي، ثقة، ثبت، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أيوب].وهو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني عمرو بن سلمة].عمرو بن سلمة الجرمي، وهو صحابي صغير، يروي عن أبيه سلمة الجرمي، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وقد رووا عنه هذا الحديث الذي يتعلق بصلاته. وهو يروي عن أبيه سلمة بن قيس الجرمي، له وفادة، أي: وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولعل هذا الحديث كان أبوه ذهب إلى الرسول وجاء وأخبرهم بهذا الحديث: (يؤم القوم أكثرهم قرآناً)، وحديثه كابنه عند البخاري، وأبي داود، والنسائي .
    قيام الناس إذا رأوا الإمام

    شرح حديث: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قيام الناس إذا رأوا الإمام.أخبرنا علي بن حجر حدثنا هشيم عن هشام بن أبي عبد الله وحجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)].وهنا أورد النسائي قيام الناس إذا رأوا الإمام، أي: قيام الناس للصلاة، فإذا أقيمت الصلاة فيقومون إذا رأوا الإمام؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون في بيته، فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة، ثم يأتي ويقيم، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن لا يقوموا إلا إذا رأوه؛ وذلك أنه قد يكون هناك ما يشغله، فيطول عليهم الوقوف في انتظار الإمام، ولكن إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ورأوه قد وصل فإنهم يقومون، وإلا فإنهم يبقون حتى يروه.فقال: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)، (إذا نودي للصلاة)، أي: في الإقامة، (فلا تقوموا حتى تروني)؛ لأنه يكون في بيته، ثم يأتي بلال ويؤذن في الصلاة، فيذهب، ويقيم، ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي بالناس، فأرشدهم إلى أن لا يقوموا إلا إذا رأوه؛ لئلا يطول قيامهم، وهو لم يقف في المصلى ليصلي بهم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].علي بن حجر، هو السعدي الذي تقدم ذكره قريباً.[حدثنا هشيم].هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير الإرسال، والتدليس الخفي، والإرسال هو أن يروي الراوي عمن لم يعاصره، وإذا كان قد عاصره ولم يلقه ثم روى عنه، فإنه يكون مرسلاً خفياً، فإذا روى عمن لم يعاصره فالإرسال واضح؛ لأن الانقطاع بين، ومعناه فيه واسطة محذوفة؛ لأنه ما دام أنه ما أدركه، ولم يكن في عصره فهو مرسل جلي واضح، ولكن إذا كان معاصراً له، ولم يلقه، ولم يسمع منه، ثم روى عنه، وهو معاصر له، ولم يلقه فإنه يكون مرسلاً خفياً، ففرق بينه وبين التدليس؛ لأن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، وصار شيخاً من شيوخه، فيروي عن شيخه ما لم يسمع منه بلفظ موهم السماع.وأما المرسل الخفي فهو يروي عمن عاصره ولم يلقه، والخفاء في كونه معاصراً له، فهذا هو وجه الخفاء فيه، أما إذا كان بينه وبينه مسافة بأنه لم يدرك عصره، فالإرسال واضح جلي، هشيم بن بشير حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن أبي عبد الله].هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وحجاج بن أبي عثمان].أي: يروي عن اثنين، وحجاج ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن أبي كثير].هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهو يروي عن أبيه أبي قتادة الأنصاري، وهو الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة

    شرح حديث: (أقيمت الصلاة ورسول الله نجي لرجل فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة.أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي لرجل، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم)].وهذا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة، يعني: إن مثل ذلك إذا حصل، وعرض له حاجة، وتأخر عن الدخول في الصلاة فإنه لا بأس بذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت له حاجة، ووقف طويلاً مع هذا الذي وقف معه يناجيه، وحتى أن الناس ناموا، أي: حصل النعاس من بعضهم، وهذا يوضح معنى الترجمة السابقة، وهي: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)، أي: يرونه في المصلى؛ لأنه يطول قيامهم، وحتى لو حصل، وأرادوا أن يجلسوا فإنه لا بأس بذلك.وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام (أقيمت الصلاة وهو نجي لرجل)، أي: يناجيه، يتكلم معه، (فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم)، ولعل هذه الحاجة كانت لأمر ضروري، لعله كان لأمر اضطره إلى ذلك، حيث شغله عن أن يصلي بالناس، وقد أقيمت الصلاة.فالحاصل: أنه لا مانع أن يكون هناك فاصل بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة، وأن الإمام إذا عرض له عارض، وعرضت له حاجة بعد الإقامة فإنه لا بأس أن يقوم بهذه الحاجة التي عرضت له، ثم يصلي بالناس بتلك الإقامة التي قد حصلت، وهو واضح الدلالة على أن الفصل بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة سائغ عندما توجد حاجة إليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أقيمت الصلاة ورسول الله نجي لرجل فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم)

    قوله [زياد بن أيوب].هو زياد بن أيوب البغدادي، وهو ثقة، حافظ، لقبه دلويه، ولقبه أحمد بن حنبل شعبة الصغير، وحديثه عند البخاري، وأبي داود، والترمذي، والنسائي .[حدثنا إسماعيل].إسماعيل هو ابن علية، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبد العزيز].وهو ابن صهيب البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره، وهذا الحديث من الأسانيد العالية عند النسائي، ومن الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأنه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن أيوب، وإسماعيل بن علية، وعبد العزيز بن صهيب، وأنس بن مالك .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (146)


    - باب الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة

    يشرع للإمام إذا تذكر قبل دخوله في الصلاة أنه على غير طهارة أن يطلب من المأمومين انتظاره ليتطهر ثم يعود إلى الصلاة بهم بشرط ألا يشق ذلك عليهم.
    الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة

    شرح حديث أبي هريرة في الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري والوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة فصف الناس صفوفهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مصلاه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رأسه، فاغتسل ونحن صفوف)].يقول النسائي رحمه الله: باب الإمام يذكر بعد أن يقف في مصلاه أنه على غير طهارة، أي: أنه يذهب ويغتسل أو يتوضأ، ثم يأتي، ويصلي بالناس.وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنها أقيمت الصلاة فصف الناس صفوفهم)، أي: أنهم انتظموا في الصفوف، وتراصوا فيها، (فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف في مصلاه)، أي: أمامهم في المكان الذي يصلي فيه إماماً لهم، (وعندما وقف تذكر أن عليه غسلاً، فقال لهم: مكانكم، فذهب، واغتسل، ثم خرج عليهم ينطف رأسه)، أي: يقطر من أثر الاغتسال، والحديث دال على ما ترجم له؛ من أن الإمام إذا ذكر قبل أن يدخل في الصلاة، فإنه يخبرهم بأنهم ينتظرونه، ويذهب، وهذا فيما إذا لم يكن هناك مشقة عليهم، أما إذا كان الذهاب للوضوء في مكان بعيد، وأنه يشق عليهم، فالذي ينبغي أن يأمرهم بالصلاة، أما إذا لم يكن هناك مشقة فإنهم ينتظرونه، ولا يلزم أن يكون انتظارهم له وهم قيام، بل يمكن أن يجلسوا، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: مكانكم، ليس ظاهراً أنه أراد أن يكونوا قائمين حتى يعود، وإنما أراد أن يمكثوا في أماكنهم، وكل يبقى في مكانه في انتظار مجيئه ليصلي بهم، وسواء كان ذلك وهم قيام، أو وهم قعود إذا أرادوا أن يقعدوا.والحديث يدل على حصول النسيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحط من شأنه، بل هذا شأن البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحاديث كثيرة أنه ينسى، وأنه يحصل منه النسيان، وأما فيما يتعلق بالتشريع، وبيان أحكام الشريعة، وبيان الوحي فلا يحصل منه نسيان شيء من ذلك، وإنما النسيان يحصل في الأفعال التي تحصل من الإنسان، فيحصل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحكام الصلاة فيما يتعلق بالسهو، وأحكام السهو، وحصول السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضايا عديدة، وفي مسائل متعددة في حالات مختلفة، وهي موجودة في كتاب السهو، أو باب السهو في كتب الأحاديث، وما جاء من أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينسى، ولكنه ينسى ليسن فهذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وفي هذا دليل على أن دخول الجنب للمسجد إذا كان عن نسيان، أو حتى لو كان لمرور -يكون ماراً دون أن يمكث- فإنه لا بأس بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام لما كان في المسجد، وتذكر أنه عليه اغتسال، خرج عليه الصلاة والسلام، واغتسل، ورجع، وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وما جاء في الحديث من قوله: (فاغتسل، ونحن صفوف)، جاء في صحيح البخاري : (فخرج، وقد اغتسل)، أي: أن اغتساله متقدم على الخروج، وإنما خرج وقد اغتسل، والحال أنه قد اغتسل، وإنما خرج وهم صفوف على صفوفهم التي أشار عليهم بأن يكونوا عليها، وأن يمكثوا، فصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن الإمام لو دخل في الصلاة وهو على غير طهارة، ثم تذكر فإنه يجب عليه أن يقطعها، وهم يستأنفون الصلاة فيما إذا كان الإمام على غير طهارة، وأما إذا كان على طهارة، ولكن الحدث غلبه، واضطر إلى أن يخرج فإنه ينيب قبل أن ينصرف من يقوم مقامه ويكمل بهم الصلاة، ينيب بعض المأمومين الذين وراءه، يرجع القهقرى، ويطلب من يشير إلى بعض المأمومين أن يكمل بهم الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الإمام يذكر بعد قيامه في مصلاه أنه على غير طهارة
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، وهو حمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا محمد بن حرب].وهذا فيه مثال لما سبق أن ذكرت: أن الراوي أو أن التلميذ ينسب شيخه كما يريد، إن أراد أن يطيل في نسبه أطال، وإن أراد أن يختصر اختصر، وهنا نسب شيخه، وأطال في نسبته، فقال: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، ولكن من دون التلميذ لا يزيد على ما ذكره التلميذ، وإنما يأتي به أي: كما أتى به، وإذا أراد أن يضيف ما يوضح به ذلك المهمل الذي قد يكون فيه خفاء فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، أو ما إلى ذلك من الألفاظ التي تبين أن ما وراءه ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ.[حدثنا محمد بن حرب].محمد بن حرب، وهو الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الزبيدي].وهو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجده كلاب، وقصي بن كلاب أخو زهرة بن كلاب، فهو ينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب الذي هو جد جده، فهو مشهور بهاتين النسبتين، نسبة إلى جده شهاب يقال: ابن شهاب، ونسبة إلى جده زهرة بن كلاب يقال: الزهري، وقد اشتهر بهاتين النسبتين، وهو محدث، فقيه، إمام، جليل، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[والوليد عن الأوزاعي].وهذا إسناد آخر عطف على محمد بن حرب، يعني: يقول ذلك عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير؛ لأنه يقول: أخبرني محمد بن حرب ثم ساق الإسناد، ثم قال: والوليد، أي: عن الزهري أي: لما وصل إلى الزهري رجع من جديد، وعطف على شيخه الذي هو عمرو بن عثمان، يقول: أخبرني فلان، ثم قال: وفلان؛ لأن عمرو بن عثمان له فيه شيخان، الشيخ الأول: محمد بن حرب، والشيخ الثاني: الوليد بن مسلم .و النسائي رواه عن شيخ واحد، وشيخه رواه عن شيخين، واستمر الإسنادان حتى تلاقيا عند الزهري، فالإسنادان فيهما توحد في الآخر، وتوحد في الأول، توحد في الأول من جهة أن النسائي روى عن شيخه عمرو بن عثمان، ثم افترقت الطريقان بعد عمرو بن عثمان، ثم التقت الطريقان عند الزهري .قال: والوليد، أي: أن عمراً بن عثمان قال: وأخبرني الوليد، والوليد هو: ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة كثير التدليس والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن الأوزاعي].وهو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الشامي، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن كنيته أبو عمرو، واسم أبيه عمرو، وفائدة معرفة ذلك كما ذكرت سابقاً: أن لا يظن فيه تصحف لو ذكر بكنيته في بعض الأحيان، فإن من لا يعرف تلك الكنية يظن أنه تصحف عن (ابن)، فبدلاً من أن يقول: عبد الرحمن بن عمرو، لو قال: عبد الرحمن أبو عمرو الأوزاعي يظن أن (أبا) مصحفة عن (ابن)، وهي ليست مصحفة، بل هذا صحيح، وهذا صحيح، وهذا صواب، وهذا صواب ولا تصحيف؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث.وقد مر بنا عدد من الرواة من هذا القبيل، مثل هناد بن السري، وغيره من شيوخ النسائي الذين مر عدد منهم، توافق كنية الراوي اسم أبيه، وهنا أبو عمرو الأوزاعي هو من هذا القبيل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهنا يلتقي الإسنادان بـالزهري.[عن أبي سلمة].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع؛ لأن المدينة اشتهر فيها في عصر التابعين سبعة يطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، فإذا اتفقوا على مسألة من المسائل، فبدلاً من أن تسرد أسماؤهم تعزى إليهم القول بها، ويكتفى بلفظ: قال بها الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قول يقول: السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا، وقول يقول: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقول يقول: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والمكثرون من الصحابة سبعة، وأبو هريرة رضي الله عنه أكثر السبعة على الإطلاق، والسبعة جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي
    الأسئلة

    تقديم الأبكم للإمامة
    السؤال: هل يجوز تقديم الأصم والأبكم للإمامة؟الجواب: الأبكم لا يتكلم، ولا يقرأ ولا يسمع منه قراءة، فلا يكون إماماً.
    مدى دلالة التفات أبي بكر في صلاته على جواز ذلك للضرورة
    السؤال: هل يدل التفات أبي بكر رضي الله عنه على جواز الالتفات في الصلاة للضرورة؟الجواب: نعم، يجوز إذا حصل ضرورة فيجوز للإنسان أن يلتفت.
    التبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام
    السؤال: في حديث عتبان رضي الله عنه دليل على أنه أراد التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم.الجواب: نعم، هذا صحيح، والتبرك بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم، وبملامسة جسده كان يفعله الصحابة؛ كانوا يتبركون بفضل وضوئه، وببصاقه، وبعرقه، وبشعره، وما مسه جسده عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا من خصائصه، ولا يجوز أن يفعل مع أحد غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا ذلك مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وقال الشاطبي في الاعتصام: أجمع الصحابة على ذلك، فدل على أن هذا من خصائصه، فلا يجوز لأحد أن يفعل هذا مع غيره، ولا شك أن عتبان أراد أن يتبرك، والتبرك بما مسه جسده كان فعل أصحابه، ولكن أين الذي مسه جسده في هذا الزمان؟! لا يوجد عند الناس شيء من هذا، وإنما الناس عليهم أن يطلبوا البركة بالاقتداء به، والسير على نهجه، وامتثال ما جاء عنه، والانتهاء عما نهى عنه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، وفي هذا الخير كل الخير، والبركة كل البركة.
    التعلق بباب الكعبة والدعاء عنده
    السؤال: هل التعلق بباب الكعبة والدعاء عنده من فعل الصحابة؟الجواب: الملتزم الذي يكون بين الباب وبين الحجر الأسود، هذا يقال له: الملتزم، وورد فيه أحاديث بعض العلماء صححها، وبعضهم تكلم فيها، ولا أدري الثابت في ذلك، ولكن المسألة فيها أحاديث -كما قلت- صححها بعض العلماء، وضعفها بعضهم، والله تعالى أعلم.
    المشي بين الصفوف للدخول إلى الصف الأول
    السؤال: هل يجوز المشي بين الصفوف للوصول إلى الصف الأول كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يمشي بين الصفوف إلا إذا كان هناك فرجة، ومن المعلوم أن الصف الأول هو أول ما يكمل من الصفوف، والرسول صلى الله عليه وسلم ذهب حتى وقف في الصف الأول، فإذا كان هناك فرجة فيجوز للإنسان؛ فالإنسان إذا كان في الصف الأول فرجة لا يصل إليها إلا بأن يمشي بين الصفوف لا بأس أن يمشي إليها، أما إذا كان يتخطى الرقاب، أو يفعل ذلك وليس أمامه فرجة، فهذا ليس له أن يفعل ذلك.
    تزويج الرجل أمه
    السؤال: هل يجوز للرجل أن يزوج أمه، وهل هذا من الإحسان إليها؟الجواب: نعم، يجوز له، فابنها وليها، ويكون ذلك من الإحسان إليها إذا رغبت في ذلك، فهو وليها بعد أبيها، فالأب هو الأول ثم بعده الابن.
    المداومة على الصلاة في مكان معين من المسجد
    السؤال: ما حكم المداومة على الصلاة في مكان معين من المسجد؟ الجواب: لا ينبغي هذا، فقد ورد فيه حديث ما أتذكره فكونه يخصص له مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه قد ورد في هذا حديث، لا أذكر الآن ما درجته.
    معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة)
    السؤال: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة)؟ وما هي المزية الشرعية لهذه الروضة؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: ما بين قبري، بل قال: (ما بين بيتي ومنبري)، وهذا هو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما، وهذا هو الذي ثبت، ولكن قيل: إن هذا لعله مروي بالمعنى، وإلا فإن الثابت في الصحيحين وفي غيرهما: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، والله تعالى أعلم بمعناه أو المراد به، والعلماء لهم كلام فيه، قيل: إن هذا المكان يئول إلى الجنة، وإنه ينقل إلى الجنة، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.مداخلة: ما هي المزية؟الشيخ: المزية للروضة هي أن هذا الحديث يدل على ميزتها على المسجد، ولكن هذه الميزة لا تكن في صلاة الفرض في حق من يتمكن من أن يصلي في الصفوف الأول، أو في الصفوف التي عن يمين الروضة؛ لأن الصفوف التي أمامها والتي عن يمينها، أفضل منها وأولى منها؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على أوائل الصفوف، وعلى ميامين الصفوف، فالصفوف التي أمامها والتي عن يمينها أفضل منها، وأما في النافلة فإن الصلاة في الروضة لا شك أن لها ميزة على غيرها لهذا الحديث، والمسجد كله جاء فيه أن الصلاة فيه بألف صلاة، ولكن جاء في هذه البقعة هذا الكلام، وهذا الحديث فيدل على ميزتها، فإذاً صلاة النافلة فيها لها ميزة؛ لهذا الحديث.
    حكم أداء تحية المسجد قبل المغرب بدقائق
    السؤال: من دخل إلى المسجد قبل غروب الشمس بحوالي أربع دقائق، هل يصلي تحية المسجد؟الجواب: مثل الوقت هذا لا ينبغي له أن يصلي؛ لأن الوقت قصير، بل يقف قليلاً، ويصلي إذا أذن للصلاة.
    حكم ذكر الله أثناء مضاجعة المرأة
    السؤال: ما حكم ذكر الله تعالى أثناء مضاجعة المرأة؟الجواب: المضاجعة قبل الجماع يدعو بالدعاء المأثور، ويذكر الإنسان ربه، ولا بأس بذلك، وأما في حال الجماع يمتنع من هذا.
    مدى صحة حديث قيام الناس إذا رأوا الإمام
    السؤال: أليس حديث قيام الناس إذا رأوا الإمام ضعيفاً؛ لوجود مدلسين لم يصرحا بالسماع؟الجواب: لا، أقول: الحديث ثابت، وموجود في الصحيح.
    زكاة المال المودع في حساب جارٍ معرض للزيادة والنقصان
    السؤال: لي حساب جار في أحد البنوك، وهو عرضة للزيادة والنقصان كل شهر؛ غير ثابت، هل تجب فيه الزكاة؟الجواب: الإنسان إذا كان عنده مبلغ من المال، ينفق منه، فالزكاة تجب على المال الذي حال عليه الحول، وهو مستغن عنه، فإذا كان يسحب منه ويأكل فإن ما يسحبه لا علاقة له بالحول، وما يضيفه فيما بعد يحسب، فيمكن له أن يعرف تاريخ وصوله إليه، ثم يزكي هذا المبلغ الإضافي عندما يحول الحول، وإذا أراد أن يتخذ لنفسه طريقة يسلم فيها من كتابة التواريخ، وأنه وصل إليه في الشهر الفلاني حصل كذا، وفي الشهر الثاني حصل كذا، ثم إذا حال الحول هذا الشهر الفلاني زكى يتخذ شهراً من السنة يزكي فيه الموجود، سواء حال عليه الحول أو ما حال عليه الحول، فهذا يحصل به المطلوب، مثلاً في رمضان يزكي الموجود عنده، سواء حال عليه الحول أو ما حال عليه الحول، وبهذا يسلم من كتابة التواريخ، وإذا كان يريد أن يكتب التواريخ فكل مبلغ يحصله عليه أن يكتب تاريخه ويزكيه إذا حال حوله.
    حكم زكاة القسط المستخدم في الحج من قيمة الأرض المباعة
    السؤال: بعت قطعة أرض بمبلغ، وأخذت منه مقداراً، وحجت به أمي وزوجتي، فهل في هذا المقدار زكاة؟الجواب: نعم، إذا كانت الأرض معدة للبيع ثم باعها، فالزكاة في قيمتها كلها، سواء الذي سئل عنه، كونه حج به أو غيره، فما دام أنه حال الحول عليه، وهي معروضة للبيع، وباعها فإنه يزكي قيمتها، التي بيعت بها والذي سحبه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (147)


    - (باب استخلاف الإمام إذا غاب) إلى (باب الائتمام بمن يأتم بالإمام)

    إنما جعل الإمام ليؤتم به، فينبغي للمأموم أن يتابع إمامه في ركوعه وسجوده وتكبيراته؛ فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كثيراً، ولا يوافقه، وينبغي للإمام أن يخلف أحداً مكانه عند تغيبه.
    استخلاف الإمام إذا غاب

    شرح حديث سهل بن سعد في استخلاف الإمام إذا غاب
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [استخلاف الإمام إذا غاب.أخبرنا أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد ثم ذكر كلمة معناها حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر، ثم أتاهم ليصلح بينهم، ثم قال لـبلال: يا بلال! إذا حضر العصر ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت أذن بلال ثم أقام، فقال لـأبي بكر رضي الله عنه: تقدم، فتقدم أبو بكر فدخل في الصلاة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر، وصفح القوم، وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت، فلما رأى أبو بكر التصفيح لا يمسك عنه التفت، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فحمد الله عز وجل على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: امضه، ثم مشى أبو بكر القهقرى على عقبيه فتأخر، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم فصلى بالناس، فلما قضى صلاته قال: يا أبا بكر! ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت؟ فقال: لم يكن لـابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للناس: إذا نابكم شيء فليسبح الرجال وليصفح النساء).هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي استخلاف الإمام إذا غاب، فالإمام إذا غاب يستخلف من ينوب منابه، ويقوم مقامه في الصلاة بالناس، فلا يتركهم دون أن يستخلف، إلا إذا كان هناك ضرورة، كأن لا يحصل تمكن من الاستخلاف فهذا شيء آخر، ولكن الذي ينبغي ويشرع للإمام إذا غاب أنه ينيب، فيطلب من بعض الناس أن يصلي عنه؛ حتى لا يمكث الناس في انتظاره، ويطول انتظاره، وهم لا يعرفون عنه أنه غائب، بل يحسبون أنه موجود، وأنه سيحضر، ولكن إذا استخلف أحداً إذا جاء وقت إقامة الصلاة فإنه يصلي بهم ولا يتأخرون في الصلاة فيشق ذلك عليهم.والحديث الذي أورده المصنف واضح الدلالة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما بلغه أن ما حصل بين بني عمرو بن عوف -وهم أهل قباء من الأنصار- ذهب ليصلح بينهم وقال قبل أن يذهب: (إذا جاء وقت الصلاة فليصل أبو بكر بالناس)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث؛ لأنه قال لـبلال أن يقول لـأبي بكر: أن يصلي بالناس إذا جاء وقت الصلاة، فهذا هو الاستخلاف الذي دل عليه الحديث، وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام استخلفه في حال صحته، كما استخلفه في مرض موته، وهو الذي احتج به عمر على الأنصار، وقال: أيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدمه رسول الله؟ وقال: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم قدمه في مرض موته، وقدمه في حال صحته، كما في الحديث الذي معنا؛ لأنه أمر بلالاً بأن يقدمه في الصلاة إذا جاء وقت الصلاة وهو لم يأت.عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر ثم أتاهم ليصلح بينهم).وقد عرفنا فيما مضى أن الحديث يدل على عظم شأن الإصلاح بين الناس وأهميته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب بنفسه ليصلح بين الناس، وكان بإمكانه أن يرسل من يقوم بهذه المهمة، وكذلك دال على تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الذهاب بنفسه للإصلاح بين الناس عليه الصلاة والسلام، وهو دال على ما ترجم له المؤلف من استخلاف الإمام.(ثم قال لـبلال: يا بلال، إذا حضر العصر ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت أذن بلال ثم أقام، فقال لـأبي بكر رضي الله عنه: تقدم، فتقدم أبو بكر فدخل في الصلاة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر، وصفح القوم، وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت).الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف، وقد أذن لـأبي بكر أن يصلي بالناس إذا جاء وقت الصلاة وهو لم يأت، ثم إنه بعدما دخل أبو بكر في الصلاة إماماً، جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد دخلوا في الصلاة، فجعل يشق الصفوف حتى وصل إلى الصف الأول، وصف خلف أبي بكر مأموماً، وهو يدل على أن الإمام له أن يفعل ذلك، أو أنه كان يرى فرجة فذهب إليها.الحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل وجعل يشق الصفوف حتى وصل إلى خلف أبي بكر الذي يصلي بالناس.ثم إن القوم صفحوا، أي: صفقوا، فاستمر التصفيق، فلما رأى أبو بكر أن التصفيق لا يمسك لاستمراره التفت وإذا رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلي وراءه، فالرسول عليه الصلاة والسلام أشار إليه بأن يمضي في صلاته، وأن يستمر في صلاته، فرفع يديه وحمد الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يمضي، ولكنه رأى أن هذا الأمر ليس بمتعين؛ لا يجوز مخالفته، بل رأى أن الأولى من أن يستمر، وأن ينفذ هذا الأمر أن لا يكون إماماً للرسول صلى الله عليه وسلم، بل يتأخر فيصلي الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس، ويصلي أبو بكر معهم، ولهذا أجاب بعد ذلك لما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما لك لم تستمر في صلاتك إذ أشرت إليك؟ قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فسكت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأقره على ذلك. ثم التفت إلى الناس وقال: (إذا نابكم شيء في الصلاة فلتصفق النساء، وليسبح الرجال)، وهذا كما عرفنا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء، والأصل كما ذكرت التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاء شيء يفرق، ويقول: إن النساء لهن هذا الحكم، والرجال لهم هذا الحكم، فعند ذلك يصار إلى ما جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد ذكرت فيما مضى: أن هذا كان في أول الصلاة، ولهذا تأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا كان مضى شيء من الصلاة، فالأولى الاستمرار، والدليل على هذا: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما مضى شيء من الصلاة، وكان عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف مأموماً، وصلى تلك الركعة، ثم لما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة، فكل منهم قضى الركعة التي بقيت عليه.فإذاً: إذا حضر الإمام في أثناء الصلاة وقد مضى منها شيء، فالأولى الاستمرار، وإذا كان حضوره قبل أن يمضي منها شيء، كما كان في هذه القصة التي معنا، فله أن يمضي، أي: المأموم، كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يمضي، وله أن يتأخر كما تأخر أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في استخلاف الإمام إذا غاب
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبدة].وهو أحمد بن عبدة الضبي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن حماد بن زيد].وهو حماد بن زيد بن درهم، وهو: ثقة، ثبت، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قال: [ثم ذكر كلمة معناها: حدثنا، أبو حازم].يعني: حماد بن زيد ذكر كلمة معناها حدثنا أبو حازم، فالذي يبدو أنه ما ضبط الصيغة التي حصلت؛ التي هي صيغة التحديث، أو الإخبار، أو الإنباء، أو ما إلى ذلك، فأتى بالمعنى.وأبو حازم هو سلمة بن دينار، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن سهل بن سعد].وهو سهل بن سعد الساعدي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الائتمام بالإمام

    شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإتمام بالإمام.أخبرنا هناد بن السري عن ابن عيينة عن الزهري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم سقط من فرس على شقه الأيمن، فدخلوا عليه يعودونه فحضرت الصلاة، فلما قضى الصلاة قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد)].وهنا أورد النسائي الترجمة، وهي الائتمام بالإمام؛ متابعته في ركوعه وسجوده، وقيامه وجلوسه، وقد جاء في بعض طرق الحديث: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين)، وهذا فيه المتابعة، حتى لو صلى جالساً فإنهم يصلون وراءه جلوساً، والحديث مطابق لما ترجم له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فهذه هي فائدة الإمام، ومهمة الإمام أن يقتدى به، وأن يؤتم به، فلا يسابق ولا يوافق، ولكنه يتابع، ولا يسابق ولا يوافق ولا يتأخر عنه كثيراً، بل يتابع، فإذا فعل الإمام يفعل المأمومون بعده مباشرة الأفعال، ثم إنه فسر: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، فسرها بقوله: (فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد)، فتفعل الأفعال بعد فعل الإمام، فلا يسابق ولا يوافق ولا يتأخر عنه كثيراً، بل يتابع، فمن حينما يفرغ يقوم المأمومون بأداء ذلك الذي فرغ منه؛ فإذا ركع يركعون، وإذا سجد يسجدون، وإذا قام يقومون.وهذا الاقتداء إنما هو في الأفعال التي هي الركوع والسجود، ولا يعني ذلك أن الإمام مثلاً: إذا كان يرى عدم رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه يبحث عن الإمام، هل يفعل أو ما يفعل فيتابعه؟ لا، بل يتبع السنة التي وردت، وإنما يتابعه في الركوع والسجود والقيام، ولكنه لو كان الإمام لا يرفع يديه فهو يرفع يديه عند التكبير للركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول؛ لأن كل هذا ثبتت به السنة، فإذا كان الإمام ما يفعل هذا فالمأموم يفعل، فالهيئات التي جاءت السنة بها إذا كان الإمام لا يفعلها، والمأموم ثابتة عنده فإنه يفعلها، ومن ذلك رفع اليدين، وإلا لو كان ما يفعل هذا لكان الإنسان بحاجة إلى أن يعرف الإمام؛ ما هي طريقته؛ هل يرفع اليدين أو لا يرفع اليدين؟ حتى يتابعه أو لا يتابعه، فحكم هذا ثابت، فعله الإمام أو لم يفعله الإمام، ولكن الذي فيه متابعة، والذي لا بد منه هو أن لا يسابقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، وإنما يأتي بالأفعال التي بعده مباشرة.ومن المسائل التي لا يتابعه فيها وضع اليد اليمنى على اليسرى، فإذا كان الإمام لا يضع اليد اليمنى على اليسرى فعليك أن تضع اليد اليمنى على اليسرى؛ لأنه ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء وضع الإمام اليمنى على اليسرى أو ما وضعها.قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)، هذا يدل على أن المأموم لا يقل: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد كما جاء في الحديث (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)؛ لأنه لو كان المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده، ولكنه قال: وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فهذا يدل على أن المأموم لا يقل: سمع الله لمن حمده، وإنما يقولها الإمام والمنفرد، ولكن بعض العلماء ذهب إلى أن المأموم يقولها، ويستدل على ذلك بعموم قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، إذاً: فعلى المأمومين أن يقولوا: سمع الله لمن حمده؛ لأنه يقول: سمع الله لمن حمده، ولكن هذا البيان، وهذا التفصيل الذي جاء في هذا الحديث الذي معنا؛ حيث قال: (إذا ركع فاركعوا، وإذا كبر فكبروا وإذا...، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) فهذا يدل على أن المأموم يقول -بعدما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده-: ربنا ولك الحمد، ولا يقل: سمع الله لمن حمده، فهذا هو الأظهر، وهو الأرجح، وبعض العلماء -كما قلت لكم- يقول: بأن المأموم يقولها؛ أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].وهو أبو السري، كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ابن عيينة].وهو سفيان بن عيينة المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].الزهري، تقدم ذكره.[عن أنس بن مالك].وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث من رباعيات النسائي التي هي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه عن هناد بن السري، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس بن مالك، هؤلاء أربعة، وهذا الإسناد وأمثاله هي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، فأعلى ما عنده الرباعيات.
    الائتمام بمن يأتم بالإمام

    شرح حديث: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الائتمام بمن يأتم بالإمام.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن جعفر بن حيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً، فقال: تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل)].هنا أورد النسائي الائتمام بمن يأتم بالإمام، يعني: متابعة من يأتم بالإمام، فإذا كان لا يرى الإمام، أو لا يسمع صوت الإمام فإنه يتابع من أمامه من المأمومين، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ثم قال: ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، أي: عن وصل الصفوف، والتقدم للصفوف، وهذا يدل على وجوب وصل الصفوف، وأنه يوصل الصف الأول فالأول، وإذا كان هناك نقص فليكن في الصف الأخير، أما أن يكون الصف الأول فيه نقص، ويكمل الصف الثاني، أو الثالث، أو الرابع فهذا خلاف السنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وهذا فيه التحذير والترهيب من قطع الصفوف وعدم وصلها، والصلاة في أماكن بعيدة، وترك الصفوف الأول، مثل ما هو موجود في هذا المسجد، فبعض الناس يأتي ويصف عند الأبواب، وتكون المسافة بينه وبين الصفوف خالية، فالواجب هو الذهاب إلى الصفوف الأول ووصلها أولاً بأول، بأن يتم الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وإذا كان هنالك نقص فليكن في الصف المؤخر، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما يقتضيه هذا الحديث الذي يقول: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله).
    تراجم رجال إسناد حديث: (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، ثقة، حافظ، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[عن عبد لله بن المبارك المروزي].وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعدما ذكر جملة من صفاته جمعت فيه خصال الخير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن جعفر بن حيان].وكنيته أبو الأشهب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي نضرة].وهو المنذر بن مالك، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سعيد].وهو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    طريق أخرى لحديث: (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم...) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الجريري عن أبي نضرة: نحوه].أورد إسناداً آخر إلى أبي نضرة، وقال: نحوه، واكتفى بذلك عن أن يذكر المتن وبقية الإسناد، ولكنه قال: نحوه، يعني: أن الرواية ليست مطابقة للرواية السابقة، ولكنها نحوها، وإذا كانت مطابقة قيل: مثله، وإذا كانت غير مطابقة بين الرواية المحالة والمحال إليها، بل بينها شيء من التفاوت في الألفاظ، قيل: نحوه. قوله: [عن الجريري].وهو سعيد بن إياس، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً بين يدي أبي بكر وائتمام الناس بأبي بكر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثني أبو داود أخبرنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر، فصلى قاعداً وأبو بكر يصلي بالناس، والناس خلف أبي بكر).وهنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها في قصة صلاة أبي بكر بالناس وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث هو الذي ذكرت، وقد مضى، وسيأتي أن الرسول أمر أبا بكر بأن يصلي بالناس في مرض موته، وفي يوم من الأيام وجد الرسول صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين رجلين، حتى أقيم وأجلس على يسار أبي بكر رضي الله عنه، وكان ذلك في أول الصلاة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وأبو بكر بجواره قائماً يبلغ عنه، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يكبر وصوته منخفض؛ لمرضه، وأبو بكر يرفع صوته، ويبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بـأبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ لأنهم كانوا لا يسمعون صوت رسول الله، وإنما يسمعون صوت أبي بكر، وأبو بكر قائم يرونه، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس لا يرونه. إذاً: الإتمام حاصل من المأمومين؛ يأتمون بـأبي بكر، وأبو بكر يأتم برسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (بين يديه) ليس معنى ذلك أنه في صف أمامه، وإنما هو على يساره وبجواره، فكان أبو بكر يسمعهم، ويصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً بين يدي أبي بكر وائتمام الناس بأبي بكر
    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].وهو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.[حدثني أبو داود].وهو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[أخبرنا شعبة].وهو ابن الحجاج الواسطي، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن موسى بن أبي عائشة].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت عبيد الله بن عبد الله].وهو ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة في المدينة الذين أشرت إليهم آنفاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.يروي [عن عائشة].وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
    شرح حديث جابر: (صلى بنا رسول الله الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله كبر أبو بكر يسمعنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم حدثنا يحيى يعني ابن يحيى حدثنا حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وأبو بكر خلفه، فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر يسمعنا)].هنا أورد النسائي حديث جابر، وهو بمعنى حديث عائشة، وحديث عائشة تقدم أنه يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر، وهنا يقول: أبو بكر خلفه. وهو ما كان خلفه ولا بين يديه، ولكن هو بجواره وعلى يساره، والرسول صلى الله عليه وسلم الإمام، وأبو بكر مأموم، ولكنه كان إماماً في أول الصلاة عندما دخل فيها، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بجواره على يساره صار الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام، وأبو بكر يقتدي به، ويسمع الناس التكبير، ويبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو واضح الدلالة على ما ترجم له من الاقتداء بمن يأتم بالإمام، فـأبو بكر يأتم برسول الله عليه الصلاة والسلام، والمصلون يأتمون بـأبي بكر رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (صلى بنا رسول الله الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله كبر أبو بكر يسمعنا)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة].وهو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا يحيى يعني: ابن يحيى].وهو يحيى بن يحيى بن بكير التميمي النيسابوري، ثقة، حافظ، إمام، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. ومسلم يروي عنه كثيراً، وكثير من الأحاديث الرباعية عند مسلم هي من طريق يحيى بن يحيى هذا، ويأتي غالباً في صحيح مسلم إذا كان عن مالك، أو كلما جاء عن مالك يقول مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر. ويأتي ذكر يحيى بن يحيى يروي عن غير مالك كثيراً، وغالباً عند الإمام مسلم والإمام مسلم إذا كان هناك طرق متعددة يبدأ بـيحيى بن يحيى، وإذا ذكر عدة مشايخ يذكر في مقدمتهم يحيى بن يحيى، ويجعل اللفظ له غالباً، يقول: واللفظ له، الذي هو يحيى بن يحيى بن بكير التميمي النيسابوري، ويشبهه أو يماثله -وهو في طبقته أيضاً، وهو يروي عن مالك- : يحيى بن يحيى الليثي الذي روى عن مالك الموطأ، وهذا أيضاً روى عنه الموطأ؛ لأن الموطأ رواه كثيرون عن مالك، ولكن المشهور من نسخ الموطأ هي التي عن يحيى بن يحيى الليثي، وليس يحيى بن يحيى النيسابوري، وإن كان هذا من رواة الموطأ عن مالك، إلا أن النسخة المشهورة عند الناس هي التي فيها يحيى بن يحيى الليثي القرطبي، وهو قليل الحديث، وليس له رواية في الكتب الستة، وإنما الذي له رواية هو هذا: يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، ومسلم أكثر عنه -كما قلت-: لأنه من بلده نيسابور، فاعتمد عليه كثيراً، وقوله: يعني: ابن يحيى، يعني: هذه الكلمة أو هذه الجملة قالها من دون عبيد الله بن فضالة؛ لأن عبيد الله بن فضالة لا يحتاج إلى أن يقول: يعني، بل ينسب شيخه كما يريد، ولكن عبيد الله بن فضالة قال: يحيى فقط، ولم يزد عليها شيئاً، ومن دون عبيد الله -إما النسائي أو الذي دون النسائي- هو الذي أتى بكلمة (يعني: ابن يحيى) أراد أن يبين أن المراد بـيحيى يحيى بن يحيى التميمي.إذاً: فكلمة (يعني) قائلها من دون عبيد الله بن فضالة، وفاعلها الذي هو ضمير مستتر فيها هو عبيد الله بن فضالة، قال من دون عبيد الله: يعني عبيد الله بقوله: حدثنا يحيى، يعني: ابن يحيى التميمي.فالخلاص أن كلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل، فقائلها من دون عبيد الله بن فضالة، وفاعلها ضمير مستتر يرجع إلى عبيد الله بن فضالة الذي هو شيخ النسائي.[حدثنا حميد بن عبد الرحمن بن حميد].وهو حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.يروي عن أبيه عبد الرحمن بن حميد، وهو أي: عبد الرحمن بن حميد ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي. [عن أبي الزبير].وهو محمد بن مسلم بن تدرس، وهو صدوق يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جابر].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة

    محادثة المأموم للإمام أثناء الصلاة عند عجزه عن إفهامه بالتسبيح إذا وجد السهو
    السؤال: إذا نسي الإمام ركناً من أركان الصلاة، فاستفتح له المأمومون ولكنه لم يستجب لذلك، فهل يجوز محادثته؛ كأن يقال له مثلاً: بقي ركعة؟الجواب: لا، هو إذا نسي شيئاً من الأمور البينة، مثل الركوع أو السجود يمكن في نفس الوقت إذا سبح له المأمومون ولم يفهم ما يريدون، فيمكن إذا كان المتروك ركوعاً أن يقال: اركعوا مع الراكعين، فيأتي بالآية التي فيها ركوع، أو اسجد واقترب إذا كان المتروك سجوداً، فالمقصود أنه يأتي بكلمة من القرآن تبين المراد وتبين المقصود إذا كان لم يعرف الإمام ماذا يريدون بالتسبيح.
    طلب العلم عند شيخ مبتدع إذا لم يوجد غيره
    السؤال: هل يجوز للطالب أن يجلس عند المبتدع ليتعلم عنه؟ لا سيما إذا كان لا يوجد في بلده علماء من أهل السنة.الجواب: إذا كان يتعلم شيئاً ليس له علاقة بالبدعة، ولم يجد أحداً يكفيه ويغنيه في هذا فلا بأس بذلك، ولكن مع الحذر من أن يقع فيما وقع فيه.
    موضع اليدين في الصلاة عند القيام
    السؤال: هل السنة أن تكون اليدان عند القيام في الصلاة فوق الثدي، أم تحت الثدي؟ مع ذكر الدليل.الجواب: السنة أن توضع اليمنى على اليسرى، وتكون على الصدر، فلا تكون عالية فوق، ولا تكون نازلة، وإنما تكون على الصدر.
    مدى دلالة التفات أبي بكر في صلاته على جواز ذلك عند الضرورة
    السؤال: التفات أبي بكر رضي الله عنه في الصلاة عندما صفح الصحابة له ألا يدل على جواز الالتفات في الصلاة عند الضرورة؟الجواب: نعم، إذا حصل ضرورة يجوز، ولكن التفات ليس بالجسم، وإنما التفات بالرأس.
    صحة نسبة البيت (دع الأيام تفعل ما تشاء...) للشافعي وحكم إضافة المشيئة للأيام
    السؤال: ما صحة نسبة هذا البيت للإمام الشافعي: دع الأيام تفعل ما تشاءوطب نفساً إذا حكم القضاءالجواب: أقول: لا أدري عنه؛ لأن الأيام ما تفعل شيئاً، والأيام مصرفة ومقلبة، والله تعالى يقلب الليل والنهار. مداخلة: هل في إضافة المشيئة للأيام محظور؟الشيخ: لا شك؛ لأن الأيام لا تشاء شيئاً؛ لأن الأيام مصرفة ومقلبة، مثلما جاء في الحديث: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر؛ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فالدهر مقلب وليس بمقلب، ولكن ما أدري عن صحة إضافة البيت للشافعي.
    الجمع بين روايات حديث عائشة في جلوس النبي بين يدي أبي بكر في الصلاة
    السؤال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر في الحديث، وفي رواية أخرى (خلفه) فكيف نوفق ذلك مع قول الشيخ: أن أبا بكر على جانبه من يساره؟الجواب: هذا هو؛ لأن الروايات التي في الصحيحين وفي غيرهما: أنه جاء وجلس على يساره، فكلمة (بين يديه) معناها أنه قريب منه، وكذلك (خلفه) معناها أنه يصلي لصلاته، ولكن الروايات التي في الصحيحين وفي غيرهما فيهما: أنه أجلس عن يساره.
    حكم سجود التلاوة في أوقات النهي
    السؤال: هل يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي؟الجواب: الله تعالى أعلم، ولكن أقول: عموم قوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) قد يدل على أن الأولى أن لا يفعل ذلك، ولكن بعض العلماء يقول: إن سجود التلاوة ليس مثل الصلاة، فيجوز أن يسجد الإنسان وهو على غير وضوء، وذلك إذا كان يتلو القرآن من حفظه، وهو ليس على وضوء، فله أن يسجد؛ لأن هذه الصلاة ليس مفتاحها وتحليلها التسليم، فيقول: إن هذه يمكن أن تؤدى على غير طهارة، وأنا أقول: الله تعالى أعلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #151
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (148)


    - (باب موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة والاختلاف في ذلك) إلى (باب إذا كانوا رجلين وامرأتين)

    يقف المأمومون خلف الإمام إذا كانوا اثنين، وإذا وجد نساء فيكن خلف الرجال، سواء كانت واحدة أو أكثر.
    موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة والاختلاف في ذلك

    شرح حديث ابن مسعود في موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة والاختلاف في ذلك.أخبرنا محمد بن عبيد الكوفي عن محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة، قالا: (دخلنا على عبد الله نصف النهار، فقال: إنه سيكون أمراء يشتغلون عن وقت الصلاة، فصلوا لوقتها، ثم قام فصلى بيني وبينه، فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل).هنا أورد النسائي موقف الإمام إذا كان المأمومون ثلاثة، أي: الإمام ومعه اثنان، فموقف الإمام ما هو، والاختلاف في ذلك. وقد أورد النسائي فيه حديثين؛ أحدهما: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي صلى بـالأسود وعلقمة، وكان بينهما؛ أي: أنه كان متوسطاً بينهما؛والحديث الثاني: مسعود الأسلمي أن موقف الاثنين وراء الإمام.وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول الأسود وعلقمة: أنهما دخلا على عبد الله بن مسعود، فقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ستكون أمراء يشتغلون عن الصلاة في وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم إنه صلى بيني وبينه)؛ يعني: كل واحد منهم يقول: إنه صلى بينه وبين رفيقه، بمعنى: أنه توسط بينهما، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، وهذا يحمل على أن ذلك منسوخ، أو أن المكان كان ضيقاً، وقد سبق أن مر ذكر هذا في حديث التطبيق الذي فيه: (شبك بين أصابعه، وجعلها بين فخذيه، ولم يجعلها على ركبتيه)، وهذا حكم منسوخ؛ الذي هو التطبيق؛ وهو جعل اليدين بين الفخذين، وقد طبق بعضهما على بعض، فنسخ ذلك بأن جعل وضعهما على الركبتين في حال الركوع، وكذلك أيضاً في التوسط بين الاثنين في الصلاة يكون منسوخاً، أو أنه يحمل على أن المكان ضيق.وقوله: (دخلنا على عبد الله نصف النهار، فقال: إنه سيكون أمراء يشتغلون عن وقت الصلاة، فصلوا لوقتها ). قد سبق أن مر في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها، ثم يحضر ويصلي معهم، ولا يقول: إنني قد صليت فلا أصلي، وإنما يصلي فتكون الثانية نافلة، والأولى هي الفريضة؛ وذلك من أجل اجتماع الكلمة وعدم الفرقة، وعدم حصول التفرق والاختلاف، فيصلي الصلاة لوقتها، ثم يحضر ويصلي معهم فتكون نافلة، ثم إن عبد الله بن مسعود قام وصلى متوسطاً بين علقمة والأسود، وقد عرفنا أن الحكم إما أن يكون منسوخاً -كما أن التطبيق منسوخ- أو أن المكان كان ضيقاً.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد الكوفي].محمد بن عبيد ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، وقيل: محمد بن عبيد الكوفي ؛ لأن هناك: محمد بن عبيد البصري، يعني: يتفقان في الاسم واسم الأب، ويختلفان في أن هذا كوفي وذاك بصري، وكل منهما شيخ للنسائي، لكن لما قال الكوفي عرف وتعين بأنه: محمد بن عبيد الكوفي الطنافسي، وليس محمد بن عبيد بن حساب البصري.وهذا من جنس محمد بن منصور الذي سبق أن مر بنا، واحد طوسي، والثاني مكي، وكل منهما شيخ للنسائي، ويعرف ذلك بالشيوخ والتلاميذ.[عن محمد بن فضيل].هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو: صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا: صدوق فيه تشيع، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه المقدمة، مقدمة الفتح التي ذكر فيها الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، وبين الجواب عن تخريج البخاري لهم؛ وذلك بالوجوه المختلفة التي ذكرها؛ بأن يكون الشخص الذي أضيف إليه ما ثبت عنه، أو يكون الذي ضعفه لا يعتمد كلامه؛ لأنه نفسه ليس بحجة، ولا يعول على كلامه، أو أن الذي ضعف فيه اجتنبه البخاري، وأنه روى عنه شيئاً ليس مما انتقد عليه، أو من قبيل ما انتقد عليه، وكان من جملة ما انتقد على محمد بن فضيل هذا أن فيه تشيع، لكنه نقل عن بعض العلماء الذي هو ابن حجر كلمة عظيمة تدل على بعده عما يقع فيه الرافضة والشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن المعلوم أن الرافضة كلامهم في أبي بكر، وعمر، وعثمان معروف، فكان من جملة ما نقله عنه، وهذا يدل على أن ذلك لا يؤثر فيه ما نسب إليه من التشيع، قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. هكذا يقول محمد بن فضيل؛ رحم الله عثمان بن عفان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان . فهذه كلمة تدل على سلامته مما أضيف إليه من التشيع.
    المفاضلة بين عثمان وعلي .. رؤية شرعية
    وقد عرفنا فيما مضى: أن عثمان وعلياً رضي الله تعالى عنهما، جمهور السلف على أن عثمان أفضل من علي، وبعض السلف يفضلون علياً على عثمان، وهذا هو التشيع الذي يضاف إلى بعض العلماء، وذلك لا يؤثر؛ لأن تفضيل علي على عثمان هذه ليست من المسائل التي يبدع المخالف فيها، وإنما التي يبدع فيها مسألة الخلافة؛ من قال: إن علياً أولى من عثمان، أو أولى من أبي بكر أو عمر، فهذا من أهل البدع؛ لأنه خلاف ما أطبقت عليه الأمة، وأجمع عليه الصحابة، واتفق عليه الصحابة من تقديم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم أيضاً قد ورد ما يدل على تقديم بعضهم على بعض في الفضل؛ كما جاء عن ابن عمر، كانوا يقولون ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، يخيرون فيقولون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فجمهور السلف على تفضيل عثمان على علي رضي الله تعالى عن الجميع، وبعضهم مثل الأعمش، وابن جرير، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، يقولون: بأن علياً أفضل من عثمان، وهذه منقبة لا تؤثر، ومن قال بها لا يقدح فيه ولا يعاب؛ لأنها ليست من المسائل التي يبدع بها، وإنما التي يبدع بها: من قال: إن علياً أولى من عثمان بالخلافة؛ لأن من قال هذا الكلام فإنه يعترض على فعل الصحابة، وعلى فعل سلف الأمة الذين قدموه على علي، أما مسألة التفضيل فقد يتولى المفضول مع وجود الفاضل، ليس شرطاً أن يكون الفاضل هو الذي يتولى، بل يجوز أن يتولى المفضول مع وجود الفاضل؛ وذلك لأمر يوجد في المفضول؛ إما لخبرته، أو لحنكته، أو لدهائه، أو لمقدرته، ومن المعلوم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر وعمر، وهذا لا يدل على فضل عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر، وإنما يولى الشخص في مناسبة أو في مهمة في أمر له فيه قدرة، وله فيه خبرة، لكن هذا لا يعني أن تقديمه يدل على أفضليته على غيره، فالمفضول قد يولى مع وجود الفاضل؛ لأمر يوجد في المفضول من أجل العمل الذي وكل إليه، ومن أجل العمل الذي أسند إليه، وليست القضية أن التقديم يتعين أن يكون في الفاضل والمفضول لابد أن يكون تبعه، فقد يقدم المفضول لأمر يتعلق بالأمر الذي قدم من أجله، وإن كان غيره أفضل منه.إذاً: مسألة تقديم علي على عثمان في الفضل، مسألة خلافية بين السلف، وجمهورهم على تقديم عثمان، والذين قالوا بتقديم علي لا يبدعون، ولا يقدح في روايتهم من أجل أنهم يقدمون علياً على عثمان.إذاً: التشيع الذي ينسب إلى بعض سلف الأمة لا يؤثر، ولهذا محمد بن فضيل كان مما نسب إليه أنه يتشيع، لكن هذه الكلمة تدل على بعده عما لا ينبغي؛ وهو القدح أو الوقوع في سلف هذه الأمة، وخاصة أبو بكر، وعمر، وعثمان، فإنه كان يقول: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. أما الرافضة فلا يقولون هذا، فإنهم يسبون عثمان، ويذمون عثمان، ولا يقولون مثل هذه الكلمة الجميلة الحكيمة اللطيفة التي تدل على سلامة قائلها.
    تابع تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة
    قوله: [عن هارون بن عنترة].هارون لا بأس به. خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.وكلمة لا بأس به، طبعاً هي دون التوثيق، ودون الصدوق، لكن بعض العلماء له اصطلاح فيها خاص، وهو ابن معين، إذا قال: لا بأس به، فهي تعادل ثقة عند غيره، ولهذا لا بأس به عند ابن معين توثيق، ولهذا يقول في بعض الأئمة الكبار، مثل: الشافعي، يقول عن الشافعي: لا بأس به؛ لأن كلمة لا بأس به عنده توثيق، وإذا فهم الاصطلاح زال الاستغراب، وكما يقولون: إذا ظهر السبب بطل العجب، ما دام أن هذا اصطلاح فلا مشاحة في الاصطلاح، المهم أن يعرف الاصطلاح.[عن عبد الرحمن بن الأسود].هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.يروي عن [الأسود وعن علقمة].أبوه هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، مخضرم، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعلقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي هو أيضاً ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.وهنا الحديث من روايتهما جميعاً؛ لأن عبد الرحمن يقول: قالا: [دخلنا على عبد الله نصف النهار]، يعني: في صلاة الظهر، وقال: [إنه سيكون أمراء]، وهذا الكلام المضاف إلى عبد الله بن مسعود لا شك أنه له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الكلام لا يقوله ابن مسعود؛ لأنها أمور غيبية تتعلق بغيب المستقبل، والغيب المستقبل لا يعرف إلا عن طريق الوحي، لا يعلم الصحابة عن أمور تقع في المستقبل، إلا إذا جاء فيها حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كثرت الأحاديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التي فيها الإخبار عن أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، وإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها، ثم يحضر ويصلي معهم، وتكون الثانية نافلة، وقد مر بنا بعض الأحاديث التي تعلق بهذا الموضوع.[ثم إنه قام وصلى بهم الصلاة في وقتها، وتوسط بينهما]؛ وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة، يعني: أنه يتوسط بينهما، وقد عرفنا أن هذا إما أنه منسوخ، مثل التطبيق الذي جاء عن ابن مسعود أيضاً، أو أن المكان كان ضيق؛ لا يتسع، لأن يكون الإمام قدام والاثنان وراءه.أما عبد الله بن مسعود الصحابي، فهو عبد الله بن مسعود الهذلي، الصحابي الجليل من المهاجرين، ومن السابقين الأولين، وهو من علماء الصحابة، وليس هو من العبادلة الأربعة المشهورين بهذا اللقب؛ لأنه ليس من صغار الصحابة، بل هو من كبارهم، وهو متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة فهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب في الولادة وفي الوفاة، وقد عمروا وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، هؤلاء هم العبادلة الأربعة إذا قيل في مسألة: وقال بها العبادلة الأربعة فالمراد بها هؤلاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود ليس منهم.
    شرح حديث مسعود مولى أبي تميم في تقدم الإمام على الاثنين في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الله حدثنا زيد بن الحباب حدثنا أفلح بن سعيد حدثنا بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن غلام لجده يقال له: مسعود، فقال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال لي أبو بكر: يا مسعود، ائت أبا تميم، يعني: مولاه، فقل له: يحملنا على بعير، ويبعث إلينا بزاد ودليل يدلنا، فجئت إلى مولاي فأخبرته، فبعث معي ببعير، ووطب من لبن، فجعلت آخذ بهم في إخفاء الطريق، وحضرت الصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقام أبو بكر عن يمينه، وقد عرفت الإسلام وأنا معهما، فجئت فقمت خلفهما، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر أبي بكر فقمنا خلفه)، قال أبو عبد الرحمن: بريدة هذا ليس بالقوي في الحديث.هنا أورد النسائي حديث: مسعود مولى أبي تميم الذي ذكره النسائي هنا: أنه جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وأن أبا بكر: قال له: اذهب إلى أبي تميم مولاه، وقل له: يبعث لنا ببعير وزاد ودليل، فذهب إلى مولاه أبي تميم وأخبره، فبعث إليهم الزاد، وبعث وطباً؛ وهو وعاء من جلد صغير، جعل فيه لبناً، وصار هو الدليل لهما، وعند جاء وقت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بـأبي بكر وهو على يمينه، ثم إنه جاء ليصلي ويصف، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر حتى يتخلف، ويكونا الاثنان صفاً وراءه، والمقصود من الحديث: أن موقف الإمام يكون متقدم على الاثنين إذا كانوا اثنين أو كانوا ثلاثة، فيكون الإمام أمامهم، والاثنان يكونوا صفاً وراءه، وقد وردت الأحاديث كثيرة في هذا؛ يعني: في الاثنين وأكثر، وهذا هو الذي عليه عمل المسلمين، وهو أن الإمام يتقدم الاثنين فأكثر، وإذا كان واحداً يكون عن يمينه، والاثنان فأكثر يكونون وراءه.فـالنسائي رحمه الله قال: الاختلاف في ذلك، فأورد حديثاً فيه أن الإمام يتوسط، وهذا الحديث أن الإمام يتقدم، ولا شك أن الحكم الذي استقر وثبت هو أن الإمام يتقدم، الاثنين وأكثر من الاثنين يتقدمهم، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه بريدة الأسلمي، هو نفسه النسائي ذكر بعد أن ساق الحديث، قال: بريدة هذا ليس بالقوي في الحديث، وفي ترجمته في تهذيب التهذيب ليس هناك ثناء عليه إطلاقاً، وإنما الكلام كله قدح فيه، ولعل ابن حجر اختار كلمة النسائي وهي ليس بالقوي عندما ذكر الحكم؛ لأن النسائي هو الذي خرج له، ما خرج له إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة، والنسائي قال: ليس بالقوي، فلعله اختار كلمة النسائي في التضعيف على غيرها من الكلمات التي قالها غير النسائي من العلماء.وهذا الحديث هو الحديث الوحيد الذي ذكره الألباني في ضعيف النسائي من كتاب الإمامة والجماعة، وكتاب الجماعة والإمامة فيه مائة حديث كاملة لا تزيد ولا تنقص، تسعة وتسعين منها من الصحيح، وواحد منها الذي هو هذا هو الضعيف، فهذا الحديث الوحيد من كتاب الإمامة الضعيف، يعني: على حسب ما عمل الألباني في صحيح النسائي، وفي ضعيف النسائي، فوضع الألباني في كتابه صحيح النسائي تسعة وتسعين في الصحيحة، وضعيف النسائي هذا الحديث الواحد فيها؛ والسبب في ذلك بريدة الأسلمي الذي ضعفه النسائي نفسه، وضعفه غيره، ولكن ابن حجر لعله آثر كلمة النسائي؛ لأنه هو الذي روى له، وأصحاب الكتب الستة الآخرون ما رووا عنه شيئاً.
    تراجم رجال إسناد حديث مسعود مولى أبي تميم في تقدم الإمام على الاثنين في الصلاة
    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الله].وهو ثقة، خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا زيد بن الحباب].وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا أفلح بن سعيد].صدوق، خرج له مسلم، والنسائي.[حدثنا بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي].بريدة هذا نفس النسائي قال فيه في آخر الحديث، قال: بريدة هذا ليس بالقوي.[يقال له: مسعود].الذي هو الصحابي. وقال عنه الحافظ: أنه صحابي قليل الحديث.روى له النسائي وحده، فهو الذي انفرد بالرواية عن بريدة، وكذلك في الرواية عن مسعود.
    إذا كانوا ثلاثة وامرأة

    شرح حديث أنس: (... فقام رسول الله وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا كانوا ثلاثة وامرأة.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (إن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام قد صنعته له، فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف).هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة؛ وهي: باب: إذا كانوا ثلاثة وامرأة. وأورد فيه حديث: أنس بن مالك في كون النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى مليكة وهي جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأنها دعته، أي: دعت الرسول صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فجاء إليهم، وكانوا طلبوا منه أن يصلي لهم في مكان، فقال: (قوموا فلأصلي لكم، وصلى بهم، وقال: صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا)، وهذا الحديث هو الذي يدل على ما دلت عليه الترجمة السابقة، من أنه إذا كانوا اثنين يكونون وراء الإمام، بحيث إذا كانوا اثنين يكون الإمام متقدم، والاثنان يكونا وراءه، وهذا هو الحديث الصحيح الذي يدل على أن موقف الاثنين يكون وراء الإمام، أما حديث مسعود مولى أبي تميم الذي أورده فضعيف، لكن هذا الصحيح يغني عنه، وغيره من الأحاديث الصحيحة، وعمل المسلمين عليه. وهذا الحديث الصحيح يدل على أنه إذا كانوا ثلاثة، فالإمام يتقدم ويكون اثنان وراءه، والمرأة تكون وراءهم تكون صفاً وحدها، ولا تصاف الرجل ولو كان واحداً، فإذا كان واحداً لا تصلي المرأة عن يمينه لكن تصلي وراءه، تكون هي في صف، وهو في صف؛ يعني: هو على حدة، وهي على حدة، ليس كالرجل تقف على يمين الإمام، وإنما تقف وراء الإمام، كحالتها إذا كان وراء الإمام اثنان، فإن الاثنان يكونان وراءه، وهي تكون وراءه، ولو كان معه واحد، يكون الواحد عن يمينه والمرأة وراءه، فهي لا تصاف الإمام ولا تصاف الرجال، وإنما تكون وحدها، إلا إذا كان معها نساء، فيكون صف نساء وراء الرجال، فأورد حديث أنس بن مالك، وفيه: أنهم إذا كانوا ثلاثة، فأحدهم يكون إماماً، ويكون الاثنان وراءه، والمرأة تكون وراءهم صفاً وحدها.(قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا).وهذا أيضاً يدل على أن اليتيم، أو أن غير البالغ أنه يصاف، فيكون مع البالغ صفاً وراء الإمام، ليس بشرط أن الاثنين الذين يكونوا وراء الإمام يكونوا بالغين، بل إذا كان أحدهم بالغاً والثاني غير بالغ يكونون صفاً، فليس بلازم أن يكونوا بالغين وراء الإمام، لا، فإذاً: هذا هو الذي يدل على ما دلت عليه الترجمة السابقة؛ من أن الإمام يتقدم على الاثنين من المأمومين،كما يتقدم على من كان أكثر من ذلك.وفيه: مصافة الصغير المميز، وأنه يكون صفاً مع البالغ، وأن المرأة تكون صفاً وحدها، لا تصاف الإمام، ولا تصاف من رواء الإمام من الرجال، وإنما تكون وحدها إذا لم يكن معها نساء، وإن كان معها نساء، فالنساء يكن صفاً أو صفوفاً.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (... فقام رسول الله وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك بن أنس].هو المحدث، الفقيه، إمام دار الهجرة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة المشهورة المعروفة؛ وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالك، ومذهب الإمام الشافعي، ومذهب الإمام أحمد، فهذه مذاهب أربعة من مذاهب أهل السنة اعتنى بفقهها؛ لأنه وجد لهم أتباع عنوا بفقههم، وليس معنى ذلك أن غيرهم لا يكون مثلهم، بل من العلماء من هو مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم، لكن ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء، مثل سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، فقيه مصر، والأوزاعي فقيه أهل الشام، فالإمام مالك رحمه الله أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وهو محدث، فقيه، إمام دار الهجرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].إسحاق يروي عن أنس، وأنس عمه أخو أبيه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه؛ لأن أم سليم زوجة أبي طلحة ولدت له عبد الله بن أبي طلحة، فـإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة هو يري عن عمه لأمه أنس بن مالك، أخو أبيه لأمه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، وعمر طويلاً، حتى أدركه الكبار والمتوسطون والصغار من التابعين، وهو من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قال عنهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـأنس أحد هؤلاء السبعة.وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند النسائي التي هي الرباعيات؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الرباعيات، وهنا يروي قتيبة، عن مالك، ومالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وإسحاق يروي عن عمه لأمه أنس بن مالك، فبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، فهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وأعلى ما عنده الرباعيات، وهي كثيرة في السنن، وهذا منها.
    إذا كانوا رجلين وامرأتين

    شرح حديث أنس في كيفية الصفوف إذا كانوا رجلين وامرأتين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا كانوا رجلين وامرأتين.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا أنا وأمي واليتيم وأم حرام خالتي، فقال: قوموا فلأصلي بكم، قال: في غير وقت صلاة، قال: فصلى بنا)].هنا أورد النسائي: (إذا كانوا رجلين وامرأتين)، يعني: فكيف تكون الصفوف.ومن المعلوم: أن الاثنين يكونان صفاً وراء الإمام، ولو كان أحدهما غير مميز، والمرأتان تكونان صفاً على حدة، والمقصود: أنهم إذا كانا رجلين إماماً ومأموماً، فالمأموم على يمين الإمام، لكن الذي معنا هنا فيه اليتيم، ومعناه: أنه يكون صفاً وراء الإمام، هو وأنس بن مالك، والمرأتان -وهما: أمه وخالته- يكونان صفاً على حدة.
    تراجم إسناد حديث أنس في كيفية الصفوف إذا كانوا رجلين وامرأتين
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو ثقة، حافظ، خرج له الترمذي، والنسائي .[حدثنا عبد الله بن المبارك].هو المحدث، العابد، الجواد، المجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر جملة من صفاته: جمعت فيه خصال الخير؛ لأنه من العباد، ومن المجاهدين، ومن الكرام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سليمان بن المغيرة].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ثابت].هو ثابت بن أسلم البناني، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].قد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث أنس في صلاة النبي به وأمه وخالته وموقفهم في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة سمعت عبد الله بن مختار يحدث عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه: (أنه كان هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه وخالته، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أنساً عن يمينه، وأمه وخالته خلفهما)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك الذي فيه: (أنه كان هو وأمه وخالته، وأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل أنساً عن يمينه وأمه وخالته وراءهما). ومعنى هذا: أن المأموم إذا كان واحداً، فيقف عن يمين الإمام، وإذا كان معهم امرأة تكون وراءهما، أو كان امرأتين أو أكثر تكون وراءهما صفاً أو صفوفاً، وهنا امرأتان يكونان صفاً وراء الإمام، والرجل الواحد الذي مع الإمام يكون عن يمينه، ولا يكون صفاً وحده كالنساء؛ لأن المرأة تكون صفاً وحدها وراء الرجل، فلا تصف بجواره، لكنها تصف وراءه إذا كانت واحدة، أما الرجل فإنه يصف إلى جواره عن يمينه، وليس عن يساره.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في صلاة النبي به وأمه وخالته وموقفهم في الصلاة
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، رووا كلهم عنه مباشرة وبدون واسطة.[حدثا محمد].هو ابن جعفر، الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج الواسطي، الثقة، الثبت، المتكلم في الرجال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[سمعت عبد الله بن مختار].ابن مختار لا بأس به، خرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .[عن موسى].هو موسى بن أنس بن مالك، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره.
    الأسئلة

    حكم الصلاة في ثياب بها تصاوير
    السؤال: ما حكم الصلاة بقميص فيه صور بني آدم، سواء كان اللابس مكلفاً أو صغيراً؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يصلي في ثوب فيه صور، وإذا صلى فالصلاة صحيحة، لكن لا يجوز له أن يصلي فيه، لذا فهو يأثم إذا صلى في ثوب فيه صور.
    حكم لبس الثياب التي فيها صور
    السؤال: ما حكم لبسه مطلقاً أيضاً؟الجواب: لا يجوز لبس ما فيه صور، الذي فيه صور يسمح بالفراش، ليس باللبس.
    مدى وجود تحديد للربح في الشرع
    السؤال: هل الشريعة الإسلامية حددت مقدار الربح على السلعة التجارية؟الجواب : ما نعلم تحديد للأرباح على رءوس الأموال؛ لأنه كما هو معلوم الأمر مطلق، فقد يكون الشراء برخص ثم يحصل الغلاء، وقد يكون الشراء بغلاء، ثم يحصل الرخص، فما نعلم ما هناك تحديد، لكن الذي ينبغي للإنسان ألا يبالغ في أخذ الشيء الكثير، إلا إذا كانت الأسعار تغيرت فهو مثل السوق، يعني: مثلما يبيع السوق هو يبيع.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #152
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (149)


    - (باب إقامة الصفوف قبل خروج الإمام) إلى (باب كم مرة يقول: استووا)


    عند إقامة الصلاة يشرع للمأمومين عدم القيام في الصفوف حتى يروا الإمام؛ وينبغي للإمام قبل دخوله في الصلاة أن يسوي صفوف المصلين بقوله: استووا. ثلاثاً، وبفعله في الصفوف الأولى.
    إقامة الصفوف قبل خروج الإمام

    شرح حديث أبي هريرة في إقامة الصفوف قبل خروج الإمام
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إقامة الصفوف قبل خروج الإمامأخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (أقيمت الصلاة فقمنا، فعدلت الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر فانصرف، فقال لنا: مكانكم، فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا قد اغتسل ينطف رأسه ماء، فكبر وصلى)].يقول النسائي رحمه الله: إقامة الصفوف قبل خروج الإمام، يعني: تسويتها وتعديلها، واستواؤها قبل أن يخرج الإمام، وقد أورد فيه حديث: أبي هريرة -الذي تقدم ذكره في الأبواب الماضية- في قصة مجيئه عليه الصلاة والسلام ووقوفه في مصلاه، ثم تذكر أنه جنب فقال: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فاغتسل، وخرج يقطر رأسه ماء، ثم جاء وصلى بهم، وهنا أورد الحديث تحت هذه الترجمة لما جاء في أوله من قوله..(أقيمت الصلاة فقمنا، فعدلت الصفوف)، ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مطابق لما ترجم له، لكن جاء في بعض الأحاديث: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيامهم إذا نودي للصلاة حتى يروه، وذلك لئلا يحصل عليهم شيء من المشقة في طول القيام، ولئلا يعرض له عارض، فيقومون وهو لم يقف في مصلاه، فلعل هذا الذي جاء في هذا الحديث هو سبب نهيهم عن القيام حتى يروه؛ لقوله: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)؛ لئلا يحصل عليهم شيئاً من المشقة في طول القيام قبل دخوله في الصلاة، وقد يعرض له عارض فيشغله عن الدخول فيها، فيطول قيامهم، فيلحقهم بذلك مشقة، ولهذا نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيام حتى يروه.وأما إذا كان الإمام في المسجد، ثم إنه أقيمت الصلاة وهم يرونه معهم، فإن ذلك -كما هو معلوم- يحصل به المقصود من جهة عدم طول مدة انتظاره، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكون في بيته، فيؤذنه بلال بالصلاة وهو في بيته، ثم يأتي ويقيم بلال الصلاة، فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي بهم، وحديث: (لا تقوموا حتى تروني) يدل على أن القيام عندما يأتي الإمام للصلاة، ثم أيضاً: الإمام هو الذي يسوي الصفوف كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة المتعددة التي ستأتي، ويتخلل الصفوف، ويتخلل من ناحية إلى ناحية، ويسويها بقوله وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.إذاً: هذا من فعل الإمام، ولا يفعل هذا قبل أن يأتي الإمام، ولعل هذا كان في أول الأمر، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن القيام حتى يروه، وكان يسوي الصفوف بنفسه وبقوله وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والحديث الذي معنا سبق أن مر في باب سابق، فيما إذا وقف الإمام في مصلاه ثم تذكر أنه على غير طهارة، فأورد الحديث هناك، ثم أورده هنا لما جاء في أوله.وهذه الرواية تبين الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة: فخرج عليهم فاغتسل وهم صفوف، وهنا: خرج عليهم وقد اغتسل، وهناك: خرج عليهم فاغتسل، وهذه الرواية هي التي توضح تلك الرواية السابقة، وهي المطابقة أيضاً أو الموافقة لما جاء في البخاري: خرج عليهم وقد اغتسل.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في إقامة الصفوف قبل خروج الإمام
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].وهو المرادي المصري، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي.[حدثنا ابن وهب].وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يونس].وهو يونس بن يزيد الأيلي، وهو أيضاً ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام جليل، ومحدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، من التابعين، ومن فقهاء التابعين في المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأنه كما تكرر مراراً: أن الفقهاء السبعة في المدينة، ستة منهم لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال، وأبو سلمة هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، وقيل: إن السابع هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: إن السابع هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع أبا هريرة]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والذين عرفوا بكثرة الحديث سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرجال هذا الإسناد كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي، الذي هو محمد بن سلمة المرادي المصري، فلم يخرج له البخاري ولا الترمذي، وإنما خرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    كيف يقوم الإمام الصفوف

    شرح حديث: (كان رسول الله يقوم الصفوف كما تقوم القداح...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يقوم الإمام الصفوفأخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الصفوف كما تقوم القداح، فأبصر رجلاً خارجاً صدره من الصف، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)].أورد النسائي: كيف يقوم الإمام الصفوف، يعني: يسويها ويجعلها على سمت واحد، لا تقدم ولا تأخر، وتسوية الصفوف وإقامتها تكون بكونها معتدلة متساوية، لا تقدم ولا تأخر ولا اعوجاج، وإنما استقامة وعدم تقدم وتأخر، وكذلك التقارب فيما بينها، وأن لا يكون فيها فرج وخلل، فإن هذا هو المراد بتسوية الصفوف، فيقرب كل واحد من جاره إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام من جهة اليسار يقرب إلى جهة اليسار، ثم الذي يكون بجواره من جهة اليمين يقرب منه، حتى يكون كل واحد ملتحم بالثاني وملتصق بالثاني، وكذلك الذين على يسار الإمام، يقربون إلى جهة اليمين، وإذا كان هناك فجوة، فالذي بجوار الإنسان يقرب منه، ولا تكون سد الفجوة بأن يمد الإنسان رجليه حتى يلحق بمن على يمينه وعلى شماله، وإذا تأخر عليه إنسان لحقه، بل يجره إليه حتى تقرب الصفوف بعضها من بعض؛ فإن التساوي ليس بتقارب الرجلين، بل بتقارب الرجلين والركبتين والمنكبين، كلها تتقارب ويتصل بعضها ببعض، فهذه تسوية الصفوف. وتسوية الصفوف واجبة، ولهذا جاء التحذير من المخالفة فيها وعدم تسويتها، وأنه إذا حصل خلاف التسوية فيكون ذلك سبباً في اختلاف الوجوه والقلوب، وهذه عقوبة ووعيد شديد على عدم تسويتها، وهو يدل على وجوب تسويتها.وقد أورد النسائي حديث: النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الصفوف كما تقوم القداح)، وهي السهام، حيث تكون متساوية، ويسوى بينها بحيث لا تتقدم ولا تتأخر، وإنما هي على نسق واحد، وعلى سمت واحد مستوية، لا تقدم فيها ولا تأخر في بعضها، فكذلك الصفوف، ويضيف إلى تسويته بفعله التسوية بقوله، وكذلك يعني بفعله: بحيث يقدم هذا ويؤخر هذا، ويجعل هذا على سمت هذا، ويضيف إلى ذلك بفعله، ثم يقول: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، يعني: إذا لم تسووها تحصل هذه العقوبة، وهي: المخالفة، وهذه المخالفة فسرت: بأن يكون هناك مخالفة في الهيئة والخلقة، أو أن المراد: أن ذلك اختلاف القلوب، وما يترتب على الوجه تبعاً لاختلاف القلوب من التنافر، وكراهية بعضهم لبعض، وأن يكون في وجه الآخر على الآخر ما يدل على الكراهية؛ وذلك نتيجة لما حصل في القلوب، ويوضح هذا أنه جاء في أحاديث كثيرة: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وجاء في بعض الروايات في الحديث نفسه: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، والروايات الأخرى الكثيرة تطابق هذه الرواية، ثم أيضاً اختلاف القلوب يتبعه اختلاف الوجوه، ويظهر على الوجه التأثر، وظهور المخالفة نتيجة لما يكون في القلب، وقد جاء في حديث النعمان بن بشير المتفق على صحته، والذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فنتيجة لاختلاف القلوب يكون من وراء ذلك اختلاف الوجوه، ويظهر على الوجوه المحبة والبغض لمن يراه الإنسان نتيجة لما يكون في القلوب من الاختلاف، ولهذا يقول الشاعر:والنفس تعلم من عيني محدثهاإن كان من حزبها أو من أعاديهافالقلوب إذا كانت متفاوتة فيظهر ذلك على الوجه، ولا يخفى ذلك إلا إذا كان عن طريق النفاق أو عن طريق إظهار شيء دفعاً للشر، ودفعاً للمحذور، ودفعاً للمضرة التي تحصل بدون إظهار شيء في الوجه، فيسلم الإنسان فيه من الشر أو شر صاحب الشر.ثم إن هذه المخالفة يعاقب عليها بهذه العقوبة، ومن العقوبة على الذنب الوقوع في مصيبة أخرى، يعني: عقوبة عليه، كما جاء عن بعض السلف: من ثواب الحسنة على الحسنة: الحسنة بعدها، ومن العقوبة على السيئة: السيئة بعدها، فالإنسان يبتلى ويعاقب بأن يحصل منه سيئة.ومن المعلوم أن اختلاف القلوب عقوبة كبيرة؛ فالله عز وجل يقول: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، ففي الآية: أن الإزاغة نتيجة للزيغ، وأنه يعاقب على الزيغ بالإزاغة، وأنه إذا حصل الانحراف والميل عن الحق فيعاقب على ذلك بعقوبة من جنسه، فيكون في ذلك زيادة شر، وزيادة بلاء على الإنسان، والذي معنا هو من هذا القبيل؛ فلأنه عمل محرم عوقب عليه باختلاف القلوب وما يكون بينها من التنافر، والرواية التي معنا ذكر الوجوه، وجاء في بعض الروايات: القلوب، وقد عرفنا أن اختلاف القلوب ينتج عنه اختلاف الوجوه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقوم الصفوف كما تقوم القداح...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبي الأحوص].أبو الأحوص، وهي: كنية اشتهر بها سلام بن سليم الكوفي، وهو ثقة، متقن، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سماك].وهو سماك بن حرب، وهو صدوق، وروايته عن عكرمة مضطربة، والحديث هذا ليس من الرواية عن عكرمة، وإنما هو عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن النعمان بن بشير].والنعمان بن بشير صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد صغار الصحابة، وهو صاحب القصة في الهبة التي أرادت أمه من أبيه أن يشهد على هبته، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألكل ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: لا تشهدني على جور، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) يقوله لأبيه، وهو وأبوه صحابيان، وكما قلت: هو من صغار الصحابة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات، وهذا مما يستدل به على أن الصغير إذا تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، فإن ذلك معتبر عند العلماء، وهذا هو الذي حصل، أو الذي جرى من صغار الصحابة، حيث يتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يخبرون عن ذلك في حال كبرهم، فرواية من تحمل في حال صغره، وروايته بعد بلوغه، وكذلك تحمل الكافر في حال كفره وإخباره عن ذلك بعد إسلامه، فكل هذا معتبر عن العلماء.وكثير من روايات صغار الصحابة هي عن الصحابة، وهي من مراسيل الصحابة، وهي معتبرة وحجة، والحديث الذي معنا هو من قبيل ما شاهده وعاينه؛ لأنه قال: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، فهذا مما تحمله وشاهده وحضره، وحديث الحلال بين والحرام بين المتفق عليه، صرح بسماعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات).. إلى آخر الحديث، فهذا مما تحمله في حال صغره وأداه في حال كبره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وحديث النعمان عند أصحاب الكتب الستة، والإسناد رباعي، فـقتيبة بن سعيد، وأبو الأحوص، وسماك، والنعمان بن بشير، هؤلاء الأربعة هم رجال الإسناد، وهو الإسناد الرباعي، وهو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات كما ذكرت ذلك مراراً.
    شرح حديث البراء: (كان رسول الله يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح مناكبنا وصدورنا...)
    [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية؛ يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وكان يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة)].أورد النسائي حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخلل الصفوف، فيتحول من ناحية إلى ناحية، أي: جهة اليمين إلى جهة الشمال، يمسح مناكبنا وصدورنا، أي: تكون المناكب متعالية، والصدور كذلك، لا تقدم ولا تأخر، ولا بروز من بعضهم على بعض، ولا تأخر من بعضهم على بعض، بل تكون على سمت واحد، وعلى نسق واحد، فهذه هي تسوية الصفوف، وكان يسوي ذلك بنفسه وبيده صلى الله عليه وسلم، ويتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية، ينتقل من هنا إلى هنا ويسوي. ثم بعد ذلك يقول: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وهو يوضح الرواية السابقة، (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، وفي بعض الروايات: (بين قلوبكم)، أي: أن الاختلاف في الظاهر قد يترتب ويعاقب عليه في الاختلاف في الباطن، بأن يكون ذلك اختلاف القلوب، ثم إذا حصل اختلاف القلوب كثر الاختلاف في الظاهر نتيجة لاختلاف القلوب، فتكون المعاقبة من جنس السيئة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث النعمان: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). ثم يقول: (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة)، وهذا يدل على فضل الصفوف الأول، وأنها أفضل من غيرها، وقد جاء في الحديث الآخر الذي سيأتي: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)، فكل صف هو خير من الذي يليه، وهذا الحديث يقول: (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة)، وهو يدل على فضل الصفوف الأول، والمبادرة إليها، وصلاة الله عز وجل على العباد هي: ثناؤه عليهم، وصلاة الملائكة هي: الدعاء لهم والاستغفار.
    تراجم رجال إسناد حديث البراء: (كان رسول الله يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية يمسح مناكبنا وصدورنا...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص].وقد مر ذكرهما.[عن منصور].وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن طلحة بن مصرف].وهو طلحة بن مصرف، وهو أيضاً ثقة، قارئ، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن عوسجة].وهو عبد الرحمن بن عوسجة، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن البراء].وهو البراء بن عازب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي ابن الصحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    ما يقول الإمام إذا تقدم في تسوية الصفوف

    شرح حديث أبي مسعود: (كان رسول الله يمسح عواتقنا ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يقول الإمام إذا تقدم في تسوية الصفوفأخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر عن شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عواتقنا ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)].أورد النسائي الترجمة، وهي: ما يقول الإمام إذا تقدم في تسوية الصفوف، يعني إذا تقدم أمامهم ماذا يقول في تسوية الصفوف؟ هنا أراد أن يبين ما يقوله، وفي التراجم السابقة بين ما يفعله، وفيها أيضاً ما يقوله، وفيها أيضاً شيء مما يقوله مرغباً في تسويتها، ومحذراً من التساهل في تسويتها، وما يترتب عليه من العقوبة بمخالفة القلوب؛ وذلك نتيجة المخالفة في الصفوف وعدم تسويتها.أورد النسائي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمسح عواتقنا)، أي: بحيث تكون متساوية، يعني: لا يتقدم منكب على منكب، والعاتق هو: أصل المنكب، كما مر في الحديث: (لا يصلين أحد في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء)، يعني: هو المسافة التي بين المنكب والرقبة، فهذا هو العاتق، فمعناه: أن تكون المناكب متساوية، وأيضاً مع تسويته يقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، والمقصود من ذلك أن الإمام يقول: استووا، كما أنه يفعل التسوية بفعله، فكذلك ينبه عليها بقوله، ويرشد إليها بقوله بأن يقول لهم: استووا، والفعل من الإمام إنما يكون فيمن يكون حوله، ومن يكون قريباً منه، أما الصفوف المتباعدة إذا كثرت الصفوف، فإن الذي يفيدهم، ويصل إليهم استووا، هي التي لهم جميعاً، وتصل إلى القريب والبعيد، وأما التسوية بالفعل فإنها لا تتأتى مع كثرة الصفوف، ولكن (استووا) هذه تذهب إلى من يسمع من الصفوف، ومن تصل إليه من الصفوف، فيكون مطلوباً منه أن يحصل منه القيام بالتسوية، التي هي القرب من جاره إلى الجهة التي يكون فيها الإمام، ودون أن يتقدم أحد على أحد، ودون أن يكون هناك فرج وفجوات بين المأمومين، بل كل واحد يقترب من الثاني بحيث لا يكون هناك خلل وفرج، وأيضاً مع الاقتراب لا يكون تقدم ولا تأخر، بل يكون هناك التساوي.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: (كان رسول الله يمسح عواتقنا ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم...)

    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري].وهو العسكري، وهو ثقة، خرج له مسلم وأبو داود والنسائي، ولم يخرج له الترمذي ولا ابن ماجه .[حدثنا غندر].وهو محمد بن جعفر، وهي لقب لـمحمد بن جعفر، ويأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بلقبه كما هو هنا، ويأتي ذكره أحياناً يروي عن شعبة غير منسوب، ومحمد بن بشار عن محمد غير منسوب، ومحمد يروي عن شعبة، فالمراد به: محمد بن جعفر الذي هو غندر هذا، وأحياناً يأتي باسمه واسم أبيه: محمد بن جعفر، وأحياناً يأتي بلقبه فقط كما هو هنا، والذي هو غندر، ومحمد بن جعفر ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها كما ذكرنا سابقاً: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن من لا يعرف أن محمد بن جعفر لقبه غندر يظن أن غندر شخص، وأن محمد بن جعفر شخص آخر.[عن شعبة].وهو شعبة بن الحجاج الواسطي، الثقة، الثبت، المحدث، الناقد، إمام في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سليمان].وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، لقبه الأعمش، ويأتي ذكره باسمه أحياناً كما هو هنا، ويأتي ذكره بلقبه في بعض الأحيان، والحديث هذا سبق أن مر قريباً، وجاء فيه ذكره بلقبه، وهنا جاء ذكره باسمه، وقد مر ذكره بلقبه. وسليمان بن مهران الكاهلي ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمارة بن عمير].وهو عمارة بن عمير، وهو أيضاً ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي معمر].وهو عبد الله بن سخبرة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي مسعود].وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، صحابي جليل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث سبق أن مر ذكره قريباً.
    كم مرة يقول: استووا

    شرح حديث: (إن النبي كان يقول: استووا استووا استووا...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم مرة يقول: استوواأخبرنا أبو بكر بن نافع حدثنا بهز بن أسد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: استووا، استووا، استووا؛ فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي)].إن النسائي أورد هذه الترجمة، يعني: كم مرة يقول: استووا، وأورد فيه حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: استووا، استووا، استووا)، وهذا مطابق لما جاء عنه: ( أنه كان إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثاً لتفهم )، فهذا فيه تكرار هذه الكلمة -التي هي استووا- ثلاث مرات، فيكررها ثلاث مرات، (استووا، استووا، استووا؛ فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري كما أراكم من بين يدي)، وهذا فيه تنبيههم إلى أن حصول اختلافهم أنه يطلع عليه، وأنه يراه، أي: إذا حصل منهم عدم استواء، وعدم تقارب فإنه يراهم من وراء ظهره كما يراهم من أمامه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.الحاصل أن ما ترجم له النسائي -وهو: كم مرة يقول: استووا- أورد الحديث الذي فيه يقول: استووا ثلاث مرات، وهو كما قلت: مطابق لما عرف عنه من تكراره الكلمة ثلاث مرات لتفهم ولتعلم، وقوله: (فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي)، اختلف العلماء في معناه على أقوال عديدة، ومما قيل فيها: إن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى يطلعه على ما لم يطلع عليه غيره، ولهذا أورد البخاري الحديث الذي فيه هذه اللفظة في معجزاته وفي علامات النبوة؛ للدلالة على أن هذه من خصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكيفية ذلك؟ الله تعالى أعلم بالواقع، ومن العلماء من قال: أن الرؤية تحصل بعينه، ومنهم من قال: إنه ينطبع في الجدار صورهم، ومنهم من قال: أنه يكون له عينان من ورائه، أقوال متعددة قيلت في ذلك، ولكن الشيء الواضح البين أن الله تعالى أطلعه، وخصه بما لم يخص به غيره، من اطلاعه ومشاهدته ورؤيته لما يحصل وراءه عليه الصلاة والسلام من الخلل ومن عدم تسوية الصفوف، وقوله هذا فيه بيان لهم بأنهم إذا لم يحصل منهم الامتثال فإنه يراهم ويطلع على ما يحصل منهم من التقصير وعدم تسوية الصفوف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي كان يقول: استووا استووا استووا...)
    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن نافع].أبو بكر بن نافع، وهو: محمد بن أحمد، مشهور بكنيته، وهو صدوق، خرج له مسلم والترمذي، والنسائي.[حدثنا بهز بن أسد].وهو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حماد بن سلمة].وهو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، عابد، أثبت الناس في ثابت البناني، وهنا يروي عن ثابت البناني، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ثابت].وهو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].هو من المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو صحابي خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين منذ قدم المدينة، وقد عمر طويلاً.
    الأسئلة

    الحديث الضعيف الذي لا يعمل به
    السؤال: يا شيخ! اشرح لنا متى يكون الحديث ضعيفاً لا يعمل به؟الجواب: الحديث الضعيف الذي لا يعمل به: هو الحديث الذي لا ينجبر ولا يعتضد بغيره؛ لأن من الضعف ما هو يسير فيمكن أن يعضد بما هو مثله أو أحسن منه، لكن إذا كان الضعف شديداً فإنه لا يثبت به حكم ولا يعول على ما فيه؛ لأن فيه من وصف بأنه متروك أو فاحش الغلط أو ما إلى ذلك من الصفات التي يرد حديث من جاءت عن طريقه، أما إذا كان الضعف يسيراً؛ بأن يكون عنده شيء من سوء الحفظ، فيأتي ما يجبره ويعضده ويآزره، فعند ذلك يرتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه معمولاً به، وهو الذي يقال له: الحسن لغيره، أي: هو الحديث الذي يتوقف فيه، فلا يجزم بضعفه؛ لأن ضعفه يسير، أو الكلام الذي فيه يسير، أو معه سوء حفظ، لكن إذا وجد ما يسانده ويؤيده فيرتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه حسناً، لكن حسنه لغيره لا لذاته.
    اشتراط الجمع بين القول والفعل في تسوية الصفوف للإمام
    السؤال: هل يشترط على الإمام الجمع بين القول والفعل في تسوية الصفوف؟الجواب: لا يشترط، أو ليس بلازم الجمع بينهما، بل إن جمع بينهما فحسن، وإن أتى باللفظ الذي هو ثابت أو ما يؤدي ذلك، مثلما جاء في بعض الآثار: (سووا صفوفكم، وتراصوا فيها)، يعني: جاء بألفاظ ستأتي، فإذا حصل الكلام الذي يؤدي هذا المعنى حصل به المقصود، وإذا جمع بينهما فهو أحسن.
    إرسال الإمام شخصاً يسوي الصفوف
    السؤال: هل ثبتت السنة إرسال الإمام بعض المصلين لتسوية الصفوف؟الجواب: أقول: لا أعلم في هذا شيئاً، لا علم لي.
    الحكم بالكفر على الشخص بمجرد فعله لعمل كفري
    السؤال: هل الإنسان بمجرد عمله لعمل من أعمال الكفر يخرجه من الملة؟الجواب: الإنسان إذا أتى بما يكفر وبما هو كفر أو واضح أنه كفر يكون كفراً بعد أن يبين له أو ينبه؛ لأنه قد يكون سبق لسان، أو قد يكون من غير قصد؛ فقد يحصل منه سبق لسان، وسبق اللسان كما هو معلوم لا يترتب عليه حكم، مثل قصة الرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، فهذا سبق لسان، فمثل هذا ما يضره ولا يؤثر عليه، وإنما الذي يضر ويؤثر أن يعرض هذا بقلبه، ويعقد عليه بقلبه، ويكون قاصداً إياه، وليس سبق لسان وليس خطأً.
    دخول مكة بدون إحرام
    السؤال: أنا رجل من المدينة أريد أن أذهب إلى مكة وأدخلها بدون إحرام هل علي إثم أم لا؟الجواب: إذا كان لا يريد عمرة ولا حجاً فيدخلها بدون إحرام؛ لأن دخول مكة يجوز أن يكون بدون إحرام إذا ما أراد حجاً ولا عمرة؛ لأنه ليس من شرط دخول مكة أن يكون الإنسان محرماً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر المواقيت، قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجاً أو عمرة).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #153
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (150)


    - (باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها) إلى (باب الصف المؤخر)

    ينبغي على الإمام أن يحرص على تراص الصفوف والعناية بتسويتها، وفضل الصف الأول أكثر من فضل الصف الثاني، فينبغي للمسلم أن يبادر ويبكر لإدراك الصف المقدم؛ فإن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها.
    حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها

    شرح حديث أنس: (أقبل علينا رسول الله... فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينهاأخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري)].يقول النسائي رحمه الله: حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها.المقصود من هذه الترجمة: أن الإمام قبل أن يدخل في الصلاة يدعو المأمومين إلى التراص وإلى التقارب بين الصفوف، بحيث يكون بعضها قريب من بعض، وكذلك بالنسبة للصفوف؛ كل صف يسوى بأن يكون على سمت واحد لا اعوجاج فيه، ولا تقدم ولا تأخر، ولا فجوات أو خلل يكون بين الصفوف، وإنما يكون هناك التراص والتقارب، بحيث يتصل المنكب بالمنكب، والركبة بالركبة، والقدم بالقدم، وأن يقارب بين الصفوف؛ فلا يكون الصف بعيداً عن الصف، وإنما يكون كل صف قريباً من الذي قبله.وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل عليهم بوجهه)، أي: قبل أن يدخل في الصلاة يتجه إليهم، ويقول: (أقيموا صفوفكم وتراصوا)، فقوله: أقيموا صفوفكم هو تسويتها وإقامتها، إقامتها تسويتها: (لتقيمن صفوفكم)، أي: لستوون صفوفكم، ثم قال: (وتراصوا فيها)، يعني: مع كونها تكون مستقيمة على سمت واحد، لابد أيضاً من التراص، والتقارب، حتى لا يكون هناك فجوات، ثم أيضاً تتقارب الصفوف، ولا ينأى بعضها عن بعض، وهي كون بعضها بعيداً عن بعض.ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فإني أراكم من وراء ظهري)، وهذا سبق أن مر في الدرس الفائت في حديث أنس: (فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم بين يدي)، وهذه معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها خاصة بالصلاة، أي: ليس هناك شيء يدل على أن ذلك يحصل للرسول عليه الصلاة والسلام في غير الصلاة، وإنما جاء في الحديث حصوله له صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فهو من معجزاته، ولهذا أورده البخاري رحمه الله في علامات النبوة، علامات نبوة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أقبل علينا رسول الله... فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، خرج له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.[عن إسماعيل].وهو ابن جعفر، وهو ثقة ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد سبق أن مر إسناد مثل هذا الإسناد.وكنت ذكرت فيما مضى أنه إسماعيل بن علية، وإسماعيل بن علية من شيوخ علي بن حجر، لكن في هذا الإسناد وفي الإسناد الذي معنا هو: إسماعيل بن جعفر، وقد ذكر هذا المزي وسماه في تحفة الأشراف، يعني: في الإسنادين هو إسماعيل بن جعفر، وليس إسماعيل بن علية، فيشطب على ابن علية هناك، ويكتب مكانه: ابن جعفر.وإسماعيل بن جعفر ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكذلك إسماعيل بن علية ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أنه في هذا الإسناد، يعني: شيخ علي بن حجر في هذا الإسناد هو إسماعيل بن جعفر، كما ذكر ذلك المزي في تحفة الأشراف.[عن حميد].وهو ابن أبي حميد الطويل وهو ثقة، مدلس، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وذكر في ترجمته: أنه توفي وهو قائم في الصلاة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل، وعمر طويلاً حتى أدركه صغار التابعين ورووا عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـأنس رضي الله تعالى عنه أحد هؤلاء السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، التي يكون فيها بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وقد ذكرت فيما مضى أن أصحاب الكتب الستة، ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين أعلى ما عندهم الرباعيات: مسلم، وأبو داود، والنسائي، هؤلاء ليس عندهم ثلاثيات، أعلى ما عندهم الرباعيات، أما البخاري فعنده: اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده: حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده: خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد، أي: الخمسة الثلاثية عند ابن ماجه إسنادها واحد.
    شرح حديث: (راصوا صفوفكم... فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف)
    [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا أبو هشام حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثنا أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (راصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه، فيقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (تراصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق)، فقوله: (حاذوا بالأعناق)، يدل على المساواة، وأنها على سمت واحد، لا تقدم ولا تأخر، فقوله: (راصوا)، يدل على التقارب بين كل شخص وغيره، ويكون هذا إلى جهة الإمام، بحيث أن الصف تسد فيه الفجوات إلى جهة الإمام، وإذا كان هناك فجوة يقرب إلى جهة الإمام، ثم كل واحد يتبع الذي يليه، إلى جهة الإمام؛ فإن كان الإمام من جهة اليسار -بأن كان في ميامن الصف- فكل واحد يقرب إلى أخيه من جهة يساره إلى جهة الإمام، وإن كان عن يسار الإمام -أي: في أيسر الصف- فإنه يقرب إلى جهة اليمين.فالمحاذا بين الأعناق فيها: أنهم على سمت واحد، ما في تقدم ولا تأخر، والتراص: على أن ما فيه فجوات، والمقاربة بين الصفوف، معناه: كل صف يكون قريباً من الآخر، ما يكون هناك مسافة كبيرة بين الصف والصف، وإنما يكون كل صف قريباً من الآخر.وقوله: (إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف)، والمقصود من ذلك: إذا كان هناك فجوات وليس هناك تراص، معناه يكون هناك فرج للشياطين، وتدخل الشياطين من بين الأفراد المتباعد بعضهم عن بعض، وإذا حصل التراص والتقارب لا يحصل هذا للشياطين، وقوله: (كأنها الحذف)، المقصود بها: أولاد الغنم الصغار، يعني: تشبهها، وهذا فيه معجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام كونه يرى الشياطين تدخل من الصفوف، أو بين الصفوف، أو في الصف، إذا كان هناك فجوات، فكأنها الحذف التي هي أولاد الغنم الصغار، والتقارب بين الصفوف يكون فيه عدم حصول هذا من الشياطين، التي تدخل بين الصفوف، ثم أيضاً: يحصل مع ذلك تفاوت القلوب، وتنافر القلوب، الذي أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم).
    تراجم رجال إسناد حديث: (راصوا صفوفكم ... فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].وهو ثقة، خرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي ولم يخرج له مسلم، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه.[حدثنا أبو هشام].وهو المغيرة بن سلمة المخزومي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، أي: لم يخرج له الترمذي، ولم يخرج له البخاري في الأصول، وإنما خرج له تعليقاً.[حدثنا أبان].وهو ابن يزيد العطار، وهو ثقة، له أفراد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[حدثنا قتادة].وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد تقدم ذكره.
    شرح حديث: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ...)
    [أخبرنا قتيبة حدثنا الفضيل بن عياض عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصف الأول، ثم يتراصون في الصف)].أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج عليهم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصف الأول، ثم يتراصون في الصف).قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟)، أي: كونه يأتي بما يريد أن يعلمهم إياه بهذه الصيغة التي هي الاستفهام، والتي هي العرض، هذا يجعلهم يستعدون ويتهيئون ويتشوقون إلى معرفة ذلك، ولهذا قالوا: وكيف تصف الملائكة؟ فقال: (يتمون الصف الأول، ثم يتراصون في الصف)، فمثل هذا التعبير فيه لفت الأنظار وحث الهمم، وجعل النفوس تتطلع وتتشوف إلى ذلك الشيء الذي مهد له بهذا التمهيد، وقدم له بهذا التقديم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم).وهذا أيضاً: هذا يدل على أن الملائكة تصف عند الله عز وجل، وأنهم يكونون على هذه الهيئة التي وصفها رسول الله، أنهم يتراصون في الصفوف، وقد جاء في الحديث عند ابن ماجه قال: (يتمون الصف الأول، ثم يتراصون في الصف).وهنا قال: (يتمون الصف الأول)، وعند أبي داود: (ثم يتراصون في الصف)، ويحتمل أن يكون المقصود بقوله: الصف الأول، المراد به: الجنس، يعني: التي هي الصفوف الأول، كما جاء عند أبي داود وعند ابن ماجه، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك: أن الصف الأول هو الذي يبادر إليه، وهو الذي يتم قبل أن يبدأ بغيره، كما جاء في بعض الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإتمام الصف الأول، ثم الذي يليه)، وإن كان شيء نقص، فإنه يكون في المؤخر، وسيأتي هذا الحديث؛ أنه يتم الصف الأول، ثم الذي يليه، وإن كان نقصاً، فإنه يكون في المؤخر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، وكثيراً ما يأتي ذكر قتيبة في سنن النسائي، بل أول حديث في سنن النسائي هو من رواية شيخه قتيبة .[حدثنا الفضيل بن عياض].وهو الفضيل بن عياض، وهو ثقة، فاضل، زاهد، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[عن الأعمش].وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن المسيب بن رافع].وهو المسيب بن رافع، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن تميم بن طرفة].وهو تميم بن طرفة، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، أي: لم يخرج له الترمذي ولا البخاري .[عن جابر بن سمرة].وهو جابر بن سمرة، صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    فضل الصف الأول على الثاني

    شرح حديث: (كان رسول الله يصلي على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني واحدة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الصف الأول على الثانيأخبرني يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني واحدة)].أورد النسائي: فضل الصف الأول على الثاني، وأورد فيه حديث العرباض بن سارية: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً، وعلى الثاني مرة واحدة)، وجاء في سنن ابن ماجه: (كان يستغفر للصف الأول ثلاثاً، وللثاني مرة واحدة)، وهذا يدل على فضل الصف الأول على الذي يليه، وأن ذلك يقتضي الحرص عليه، وقد جاء في ذلك أحاديث أخرى، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها)، وقوله: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه).وهنا يدل هذا الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول ثلاثاً وللثاني واحدة على فضله، وهذا من جنس ما جاء في المحلقين والمقصرين عند الفراغ من النسك، فالرسول دعا للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين مرة واحدة؛ وذلك دال على تفضيل الحلق على التقصير، وهذا دال على تفضيل الصف الأول على الذي يليه، حيث دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب الصف الأول ثلاث مرات؛ وما ذاك إلا لأن أصحاب الصف الأول يأتون مبكرين، ويكون مكثهم في المسجد أكثر، ويكونون قريبين من الإمام، وكل هذه ميزات ظفروا بها، ومما حصل لهم: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً، والذي عند النسائي: (يصلي) بمعنى: يدعو؛ لأن الصلاة معناها الدعاء، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، أي: ادع لهم؛ فإن الصلاة هنا المراد بها الدعاء، والحديث عند ابن ماجه فيه ذكر الاستغفار وهو الدعاء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني واحدة)
    قوله: [أخبرني يحيى بن عثمان الحمصي].وهو يحيى بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، عابد، خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.[حدثنا بقية].وهو ابن الوليد الحمصي أيضاً، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وقد خرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن بحير بن سعد].وهو بحير بن سعد، وفي بعض النسخ: سعيد، وبحير بن سعد ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، والأربعة، وهو حمصي أيضاً. [عن خالد بن معدان].وهو خالد بن معدان، وهو أيضاً حمصي، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن جبير بن نفير].وهو جبير بن نفير، وهو أيضاً حمصي، وهو ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن العرباض بن سارية].وهو العرباض بن سارية، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة، وقد سكن حمصاً، فعلى هذا يكون الإسناد مسلسل بالحمصيين؛ لأن كل رجاله من أهل حمص، يحيى بن عثمان الحمصي، وبقية بن الوليد الحمصي، وبحير بن سعد الحمصي، وخالد بن معدان الحمصي، وجبير بن نفير الحمصي، والعرباض بن سارية الذي سكن حمص.
    الصف المؤخر

    شرح حديث: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه وإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصف المؤخرأخبرنا إسماعيل بن مسعود عن خالد حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، وإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصف المؤخر، الذي هو آخر الصفوف، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، وما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر)، فالرسول عليه الصلاة والسلام يرشد إلى أن يتم الصف الأول، ولا يبدأ الصف الثاني إلا إذا تكامل الصف الأول، يعني: لا يجوز أنه يبدأ الصف الثاني والصف الأول في أطرافه فجوات، بل الواجب هو إكمال الصف الأول، ثم إذا امتلأ الصف الأول يبدأ الثاني، وإذا كمل الثاني ولم يبق فيه نقص يبدأ الثالث، وإن كان نقص فليكن في المؤخر، ما يكون نقص في الأول أو في الثاني أو في صفوف متقدمة، بل الواجب هو إتمام الصفوف الأول فالأول.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه وإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].التعبير بأخبرني وأخبرنا عند المحدثين المراد به: أن التلميذ إذا كان أخذ من الشيخ وحده، فإنه يعبر بأخبرني، وإذا أخذ ومعه غيره يعبر بـ(أخبرنا)، وقد يأتي ذكر (نا)، يعني: للإنسان إذا كان وحده، وإسماعيل بن مسعود ثقة، وخرج له النسائي وحده، وكنيته أبو مسعود، وهو بصري، وقد ذكرت فيما مضى: أن من أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة ذلك: أن لا يظن التصحيف فيما لو قيل: إسماعيل أبو مسعود، فإن من لا يعلم ذلك إذا وجد (أبو) بدل (ابن)، يقول: هذا تصحيف، يعني: صحفت (ابن) وصارت (أبو)، ومن يعلم ذلك يقول: لا تصحيف؛ لأنه ابن مسعود، وهو أيضاً أبو مسعود.[عن خالد].وهو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سعيد].وهو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، وقيل: إنه من أثبت الناس في حديث قتادة، وهو هنا يروي عن قتادة، وحديث سعيد بن أبي عروبة عند أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].وهو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر قريباً.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره قريباً.
    الأسئلة

    حكم الصلاة خارج المسجد إذا كان في المسجد متسع
    السؤال: ما حكم الصلاة خارج المسجد مع وجود متسع في المسجد، وهل يحكم بالبطلان؟الجواب : إذا كانت الصفوف متصلة أو متقاربة لا يحكم بالبطلان، لكن الواجب هو إتمام الصفوف الأول فالأول، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله).
    إنشاء صف ثانٍ قبل إتمام الأول لا يجوز
    السؤال: هل يجوز إنشاء صف ثاني قبل أن يتم الصف الأول؟الجواب: لا، لا يجوز؛ لأن هذا ينافي إقامة الصفوف، وينافي تسوية الصفوف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، وما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر).
    قطع النافلة من أجل صلاة الجنازة
    السؤال: هل يجوز قطع صلاة النافلة ليصلي صلاة الجنازة؟الجواب: الذي يظهر هو الجواز؛ لأن هذه تفوت وفيها أجر عظيم، والنافلة يمكن تداركها، لكن إذا كان يمكنه أن يتمها خفيفة بحيث أنه ينادى على الجنازة ثم يكون هناك وقت، مثلما يكون في المسجد الحرام عندما ينادى للجنازة، يأخذون مدة طويلة متى يأتوا بها؛ لأنهم يأتون بها من مكان ما هو قريب من الإمام، فإذا علم الإنسان بأن هناك وقت قبل الدخول في الصلاة فإنه يتم صلاة النافلة، لكن إذا كان اشتغاله في النافلة سيفوت عليه هذا الفضل العظيم الذي يكون في صلاة الجنازة، فيجوز له أن يقطعها ثم يصلي بعد ذلك النافلة.
    عمة والدة الرجل عمة له
    السؤال: هل أكون محرماً لعمة والدتي؟الجواب: عمة والدتك عمة لك، فأنت محرم لها.
    تحري النساء للصف الأخير إذا كان هناك حواجز
    السؤال: هل الأفضل للنساء تحري الصف الأخير مع وجود حاجز بين الرجال والنساء في هذا المسجد؟الجواب: أي نعم، الأفضل أن النساء تكون في الآخر حتى ولو وجد حواجز؛ لأنه كما هو معلوم مع وجود صفوف النساء الكثيرة، معلوم أن الصف الآخر كما قال الرسول: (هو خيرها)، مع أن الصف الأول والصف الثاني والثالث.. صفوف النساء تعتبر حاجز لمن وراءهن، لكن كونها تكون في آخر الصفوف، هذا أفضل، وهذا خير كما قال عليه الصلاة والسلام: (وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها).
    تفسير عبارة: (لفظي بالقرآن مخلوق)
    السؤال: قرأت في رسالة ولم أستطع أن أصل من خلالها إلى القول الراجح في العبارة، العبارة تقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟الجواب: كلمة: لفظي بالقرآن مخلوق، هذه فيها تفصيل، فهذا لفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، فلا يجوز نفيها بإطلاق، ولا إثباتها بإطلاق؛ لأن كلمة: (لفظ) قد يراد بها الملفوظ وقد يراد بها اللفظ الذي هو الفعل، وفرق بين اللفظ والملفوظ؛ لأن اللفظ والملفوظ مثل القراءة والمقروء، والتلاوة والمتلو، فالمتلو هو: كلام الله عز وجل، والمقروء هو: كلام الله عز وجل، والملفوظ هو: كلام الله عز وجل، وأما اللفظ، والتلاوة، والقراءة، فهي فعل القارئ، ولهذا يقولون: الكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري.فلما كان اللفظ محتملاً للفظ وللملفوظ فإنه لا يجوز الإثبات بإطلاق ولا النفي بإطلاق؛ لأنه لو أثبت بإطلاق وقال: إن لفظي بالقرآن مخلوق، يدخل تحته الملفوظ، فيحصل المحذور أن القرآن يكون مخلوق، وكذلك أيضاً النفي بإطلاق، قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، يعني: يدخل تحته التلاوة -التي هي فعل القارئ- وهي مخلوقة، فتكون غير مخلوقة، لكن إذا فصل وبين وقيل: إذا كان المراد الملفوظ، فهو غير مخلوق؛ لأنه كلام الله عز وجل، وإذا كان المراد الفعل الذي هي حركة القارئ، وفعل القارئ، وصوت القارئ، وعمل القارئ، فهذه مخلوقة؛ لأن أفعال العباد مخلوقة، ومن أفعالهم: قراءتهم.فالعبار هذه كما قلت: لا تثبت بإطلاق، ولا تنفى بإطلاق؛ لأن إثباتها بإطلاق يقتضي إثبات باطل، وهو أن القرآن مخلوق، ونفيها بإطلاق يقتضي إثبات باطل، وهو أن المخلوق يكون غير مخلوق، وهو فعل القارئ التي هي قراءته، يعني: معناه تكون غير مخلوقة وهي مخلوقة، لكن إذا قيل: إن هذا اللفظ يحتمل كذا ويحتمل كذا، وهذا يكون غير مخلوق، وهذا غير مخلوق، فهذا الذي فيه السلامة.
    كيفية قطع الصلاة عند إرادة الخروج منها
    السؤال: كيف يكون قطع الصلاة، أبسلام أم بدونه؟الجواب: قطع الصلاة يكون بدون سلام؛ لأن السلام هو نهاية الصلاة وختام الصلاة، فالصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
    مسألة إقامة الخطوط في المسجد
    السؤال: هل إقامة خطوط في المساجد لكي يقوم الناس على هذا الخط حتى لا يختلفوا هل هذه الخطوط بدعة أم لا؟الجواب: ما نعلم هناك شيء يدل على أنه يخط الخط والناس يقفون عليه، لكن إذا وجد مثلاً في مثل هذه الفرش التي فيها خطوط، موجودة فيها عند صناعتها لا بأس بذلك؛ لأن هذه تعين، لكن كون الناس يخطون خطوط في الأرض إذا كانت الأرض ترابية، فما عندي علم أن فيه شيئاً يدل على هذا.
    حكم بيع الطيب للنساء
    السؤال: ما حكم بيع الطيب للنساء؟ حيث النساء كثر تبرجهن واستعمال الطيب عند الخروج؟الجواب: بيع الطيب سائغ للرجال والنساء، لكن لا تستعمله المرأة أو تجربه؛ لأن مثل هذا يقتضي أنها تتطيب، والرسول قال: (إنه إذا خرجت متعطرة تلعنها الملائكة)، يعني: ورد فيه وعيد، فإذا أشترت قارورة فيها طيب، ما في بأس، مثلما تشتري غيرها، لكن لا تتطيب؛ لأنها إذا تطيبت معناه أنها تنزل الشارع مطيبة.
    معنى حديث: (المدينة حرام من عير إلى ثور)
    السؤال: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (المدينة حرام من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)؟الشيخ: معنى الحديث واضح، قوله: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)، يعني: لا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها، وعير معروف عند أبيار علي، وثور هو وراء جبل أحد، وقوله: (ومن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) يدل على خطورة الإحداث في هذه المدينة المباركة، والإحداث هو عام، ويدخل فيه المعاصي، ومن المعلوم أن المعصية في الحرم ليست كالمعصية في غيره؛ ومن يعص الله في حرم الله فليس كمن يعصيه وهو في بلاد نائية، ومن يعص الله حول الكعبة ليس كالذي يعصيه وهو بعيد عن الكعبة.
    الذهاب مع بنت بنت الزوجة للعمرة كمحرم
    السؤال: حكم الذهاب مع بنت بنت الزوجة للعمرة؟الجواب: نعم، بنت الربيبة ربيبة، بل بنت الربيب ربيبة أيضاً، يعني: بنت ولد الزوجة، يعني: يكون زوجها محرم لبنت ولدها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)، ومن المعلوم: أن بنت بنتها بنت لها، وبنت ابنها بنت لها، فكلها داخلة تحت قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن)، أي: لزوجاته، فبنت البنت ربيبة، وبنت الربيبة ربيبة، وبنت الربيب ربيبة أيضاً، فهو محرم لها إذا كان دخل بأمها، أما إذا كان عقد عليها ولم يدخل فإنه لا يكون محرماً لها؛ لأن الله يقول: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].
    حكم الطيب الذي فيه كحول
    السؤال: ما حكم استعمال الكحول في العطر وغيره؟الجواب: الكحول أو هذا النوع من الطيب الذي يسمونه الكلونيا، بعض المشايخ في هذا العصر يحرمونه ويمنعون استعماله، ومنهم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وبعضهم لا يرى بذلك بأساً؛ لكن مادام -الحمد لله- أن الطيب كثير، فالإنسان يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه، (دع ما يربيك إلى ما لا يربيك)، ويختار من الطيب الطيب الذي لا محذور فيه ولا شبهة فيه.
    قطع صلاة النافلة عند إقامة الفريضة
    السؤال: دخلت صلاة النافلة ثم أقيمت الصلاة، هل يقطع للصلاة أم لا؟الجواب: إذا كان في أولها فإنه يقطعها.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #154
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (151)


    - (باب من وصل صفاً) إلى (باب المكان الذي يستحب من الصف)

    الصلاة من أعظم العبادات التي لها دلالات تربوية في حياة المسلم؛ ففيها الأمر بالتسوية والاعتدال وعدم الاختلاف وإتمام الصف وتسويته، ليسود هذا النظام شتى مجالات الحياة. ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسابقة إليها، وذكر أن خير صفوف الرجال أولها لما لها من فضل السبق، وشرها آخرها لقربها من النساء والفتنة، وكذلك صفوف النساء خيرها ما كان بعيداً عن الفتنة. كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بين السواري، وحث على الصلاة في ميامن الصفوف.
    من وصل صفاً

    شرح حديث: (من وصل صفاً وصله الله ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [من وصل صفاً:أخبرنا عيسى بن إبراهيم بن مثرود حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله عز وجل)].يقول النسائي رحمه الله: باب: من وصل صفاً، أي: ثوابه وجزاؤه، وأن له أجر عظيم عند الله عز وجل، وقد أورد النسائي في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله عز وجل)، والحديث يدل على فضل وصل الصفوف، وعلى عظم الأجر في ذلك، ويدل أيضاً على الوجوب؛ لأن وصل الصفوف واجب، واتصالها والتراص فيها، وتقاربها؛ تقارب المأمومين بعضهم من بعض، هذا مما جاءت فيه السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر بنا جملة من الأحاديث المتعلقة بذلك، وفيها الوعيد بأن يحصل لمن لم يحصل منه ذلك المخالفة بين القلوب؛ لأنه قال: (لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، وفي بعض الروايات: (قلوبكم)، وجاء: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وهنا يقول: (من وصل صفاً وصله الله)، ففيه: الترغيب والحث على وصل الصفوف، وبيان أن فيه الأجر العظيم من الله عز وجل.وفي هذا دليل على أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن من وصل وصله الله، ويقابل ذلك: من قطع قطعه الله، فهذا ترغيب، وهذا ترهيب، وفي الحديث الجمع بين الترغيب والترهيب، وكثيراً ما يأتي في الكتاب والسنة الجمع بين الترغيب والترهيب، يرغب في الخير، ويرهب من الشر، يرغب في أمر من الأمور، ويرهب من خلافه، وقد اعتنى العلماء قديماً بجمع الأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، ومن أحسن ما كتب فيها وأجمعه كتاب: الترغيب والترهيب للمنذري، الذي يجمع مثل هذه الأحاديث التي فيها ترغيب في شيء، وتحذير من شيء، والحديث جمع فيه بين الترغيب والترهيب، ترغيب في وصل الصفوف، وترهيب من قطع الصفوف، والحديث كما ذكرت: فيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن الحديث: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، وقد جاء في أحاديث كثيرة مثل هذا المعنى الذي هو ذكر الجزاء من جنس العمل؛ وذلك مثل قوله: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)، فتلك الجزاء فيها من جنس العمل، وكثيراً ما تأتي النصوص من هذا القبيل، فيها بيان أن الجزاء من جنس العمل، وقطع الصفوف يكون بالجلوس فيها بدون صلاة، بأن يجلس بين الصف، فيكون الصف مقطوعاً وهو جالس فيه لا يصلي، فإن هذا داخل في قطع الصفوف، ويدخل في ذلك أيضاً كونه يحول دون أحد أن يصل الصف، وأن يمنعه من ذلك، فإن هذا أيضاً فيه قطع للصفوف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من قطع صفاً قطعه الله).
    تراجم رجال إسناد حديث: (من وصل صفاً وصله الله ...)
    قوله: [أخبرنا عيسى بن إبراهيم بن مثرود].وهو عيسى بن إبراهيم بن مثرود، وهو المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي. [حدثنا عبد الله بن وهب].وهو عبد الله بن وهب، وهو المصري، وهو: ثقة، ثبت، محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن معاوية بن صالح].وهو معاوية بن صالح بن حدير الدمشقي، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي الزاهرية].وهو حدير بن كريب الحمصي، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري في الصحيح، ولا الترمذي في الجامع.[عن كثير بن مرة].وهو كثير بن مرة الحمصي، وهو: ثقة، خرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عبد الله بن عمر].وهو عبد الله بن عمر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، الذين هم من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، صحابة أبناء صحابة، وهم من صغار الصحابة، ابن عمر يوم أحد عمره أربع عشرة سنة، وابن عباس في حجة الوداع ناهز الاحتلام، وابن الزبير ولد في أول الهجرة، وهو أول مولود ولد بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولدته أمه وهي في قباء قبل أن يصلوا إلى المدينة، من حين ما وصلوا إلى قباء، وعبد الله بن عمرو أيضاً كذلك هو من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهؤلاء الأربعة الذين من صغار الصحابة -وهم العبادلة- في سن متقارب، وأدركهم الكثير من التابعين ورووا عنهم، وليس فيهم عبد الله بن مسعود؛ لأن عبد الله بن مسعود متقدم الوفاة، توفي سنة: (32هـ)، وهو من كبار الصحابة، وليس من صغارهم، وهو من المهاجرين رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وعبد الله بن عمر أحد السبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفهؤلاء سبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم الذين تميزوا على غيرهم بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال

    شرح حديث: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ذكر خير صفوف النساء، وخير صفوف الرجال.فأورد النسائي حديث: أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)، وهذا الحديث يدل على هذا التفاوت بالنسبة للرجال مطلقاً، سواء كان معهم نساء أو ليس معهم نساء، فخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، سواء كان معهم نساء أو ليس معهم نساء، وأما النساء فإن خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها فيما إذا كن مع الرجال، أما لو كن وحدهن فالذي يظهر أن خير صفوفهن أولها، وإنما هذه الخيرية بالنسبة للآخر إذا كن مع الرجال؛ وذلك ليكن بعيدات، وليكن حذرات من أن يقعن، بأن يحصل منهن الفتنة لهن أو لغيرهن، يعني: يفتتن بالقرب من الرجال، وأيضاً كذلك الرجال يفتتنون بهن، فهذه الخيرية لصفوف النساء فيما إذا كن مع الرجال، أما الرجال فإنهم مطلقاً، سواء كان معهم نساء أو ليس معهم نساء، وإنما كان خير صفوف الرجال أولها؛ لأن الصف الأول فيه التبكير إلى الصلاة، التبكير للمسجد، والإنسان إذا دخل المسجد وجلس فيه، فهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، ثم أيضاً القرب من الإمام، وتحصيل فضل الصف الأول الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه).ثم أيضاً فيه: القرب من الإمام وسماع قراءته، لا سيما في الأماكن التي لا يوجد فيها مكبرات صوت، تذهب وتصل إلى الصفوف كلها، ففيه ميزات يتميز بها على غيره، وشر صفوف الرجال آخرها وأقلها أجراً؛ وذلك أن من جاء إليها إنما جاء متأخراً، وقد فاته خير كثير، وإن كان هو على خير؛ لأنه جاء لصلاة الجماعة، وأدرك صلاة الجماعة، لكن فاته ما حصله الذين بادروا، وحصل منهم السبق إلى الإتيان إلى المساجد، وتحصيل الصفوف الأول الأول فالذي يليه؛ لأن كل صف فهو أفضل من الذي يليه، وأعظم أجراً، وآخر الصفوف أصحابها أقل المصلين أجراً؛ وذلك لتأخرهم؛ ولأنه لم يحصل منهم ما حصل ممن بادروا، فجلسوا ينتظرون الصلاة، وهم على خير، وكذلك أيضاً قربوا من الإمام.ثم أيضاً كلمة: (خير) و(شر) في الحديث، هما أفعل تفضيل، حذفت منهما الهمزة، وتحذف الهمزة في هذين الاثنين -يعني: هذين اللفظين- فيقال: خير وشر، كما في هذا الحديث، ويأتي هذان اللفظان باسمين، وليس أفعل تفضيل، متقابلان، الشر والخير، ومن ذلك قول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فإن هذان اسمان متقابلان ليس أفعل تفضيل، ولكن هنا: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)، هذان أفعل تفضيل حذفت منهما الهمزة، وقد جمع بين هذين اللفظين، أو هذين المعنيين الذي هو أفعل تفضيل، واسم بمعنى يقابل الشر، في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [الأنفال:70] (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا)، هي بمعنى مقابل الشر، خير اسم، (يُؤْتِكُمْ خَيْرًا)، يعني: أفضل مما فاتكم، ومما أخذ منكم.والحديث فيه الجمع بين الترغيب والترهيب، كالذي تقدم: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، ففيه: ترغيب في أول الصفوف، وتحذير من التأخر حتى لا يكون له إلا أن يكون في آخرها، وكذلك بالنسبة للنساء مع الرجال ترغيبهن في أن يكن في آخر الصفوف، وترهيبهن أو تحذيرهن من أن يكن في أول الصفوف؛ لما في ذلك من القرب من الرجال، والتعرض للفتنة في أنفسهن، وكذلك فتنتهن لغيرهن.ومن المعلوم: أن المرأة كلما كانت حذرة، بعيدة من أن تعرض نفسها للفتنة، أو تعرض غيرها للفتنة، أن ذلك خير لها ولغيرها، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء).إذا كان هذا الحديث فيه: الإرشاد للذين يأتون إلى المساجد من الرجال والنساء، على أن يكون الرجال بعيدين عن النساء، والنساء بعيدات عن الرجال، مع أن الغالب أن الذين يأتون إلى المساجد فيهم خير، ومع ذلك حصل التنبيه والإرشاد إلى التباعد بعضهم من بعض، فمن باب أولى أن يكون ذلك في غير المساجد، يعني: من حيث بعد الرجال عن النساء، وبعد النساء عن الرجال، والحذر من الاختلاط الذي يؤدي إلى الفتن، ويؤدي إلى الفواحش، ويؤدي إلى فساد الأنساب، ويؤدي إلى أمور كثيرة وخطيرة، فالواجب هو الحذر، والأخذ بما جاءت به التعاليم الشرعية عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو: ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو: محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع، لم يظفر به إلا النادر القليل من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وقد ذكرت مراراً: أن عدم الإخراج لشخص أنه لا يدل على تضعيفه، ولا على الكلام فيه؛ لأن من الثقات الكثير والكثير ممن لم يخرج له البخاري، ومسلم، وليس معنى ذلك أن ذلك لقدح فيهم، وإنما البخاري، ومسلم لم يلتزما إخراج كل حديث صحيح، ولم يلتزما الإخراج لكل ثقة، ولو التزما أن يخرجا كل حديث صحيح، لأتيا على الكثير من الثقات، لكنهما ما التزما أن يخرجا كل صحيح، وكذلك أيضاً لم يلتزما أن يخرجا لكل ثقة، فكم من ثقة هو في الجلالة والعظمة وقوة الحفظ والإتقان، ومع ذلك ليس موجوداً في الصحيحين، وذكرت أن من هؤلاء: أبو عبيد القاسم بن سلام، هذا إمام، محدث، مصنف؛ له مصنفات، ومع ذلك ما خرج له في الكتب الستة؛ لأن أصحاب الصحيح لم يقصدوا الاستيعاب للأحاديث الصحيحة، ولا الرواية أو التخريج عن كل ثقة، ولذلك لا يعني أن عدم تخريجه له أن فيه شيء، لا، أبداً، كم من ثقة لم يخرج له في الكتب، بل لم يخرج له البخاري، ومسلم في كتابيهما، وما أكثرهم، وذكرت أن أبا عبيد القاسم بن سلام جاء ذكره في البخاري في تفسير بعض الكلمات الغريبة، ولم يأتِ ذكره في الأسانيد.[أخبرنا جرير].وهو ابن عبد الحميد الكوفي، وهو: ثقة، صحيح الكتاب، وتغير حفظه بآخره، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سهيل].وهو سهيل بن أبي صالح، وأبوه أبو صالح مشهور بكنيته، وهو: ذكوان السمان، سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، وهو: صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أن البخاري خرج له مقروناً، وتعليقاً، وخرج له حديثاً واحداً في الجهاد مقروناً بغيره، يعني: ليس مستقلاً، قرنه بآخر، وخرج له تعليقاً، وأورد له حديثاً جاء في صحيح مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وأورده في ترجمة باب، أي: جعله البخاري ترجمة باب؛ لأن سهيلاً ليس على شرط البخاري، فمن أجل ذلك أورد الحديث في ترجمة، فقال: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)، ثم أورد تحته حديث جرير بن عبد الله الذي هو دال على معناه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح، لكل مسلم)، والإتيان به في الترجمة يدل على أنه صالح للاحتجاج، ولكنه لم يذكره في الصحيح؛ لأن سهيلاً ليس على شرطه. ورمز له الحافظ ابن حجر بالجماعة، لكن إخراج البخاري له مقرون.[عن أبيه].وهو أبو صالح ذكوان السمان، ويقال له: الزيات، يعني: أنه كان يجلب الزيت، فقيل له: الزيات، ويقال له: السمان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة على الإطلاق.
    الصف بين السواري

    شرح حديث أنس: (في ترك الصف بين السواري)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصف بين السواري.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن يحيى بن هانئ عن عبد الحميد بن محمود، أنه قال: (كنا مع أنس رضي الله عنه، فصلينا مع أمير من الأمراء، فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين الساريتين، فجعل أنس يتأخر، وقال: قد كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصف بين السواري، يعني: المنع من ذلك، وترك ذلك؛ وذلك لأنها تقطع الصفوف؛ لأن سواري الصف يكون فيه قطع للصفوف، وهذا بالنسبة للمأمومين، أما كون الإنسان يصلي نافلة، فله أن يصلي بين السواري، لكن كونه يصلي إلى سترة، ويكون إلى عمود، هذا هو الذي ينبغي، وهو الأولى، لكن لو صلى بين عمودين نافلة، فإنه لا مانع من ذلك، وإنما المحذور هو في صلاة الجماعة، المأمومون يصلون بين السواري، معناه: يكون الصف الذي بين السواري متقطع، والسارية والعمود تقطع الصف، والسواري المتعددة تقطع الصف، فمن أجل ذلك جاء الرغبة عنها وتركها، وأنهم كانوا يتقون ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنها تقطع الصفوف، والنصوص جاءت في وصل الصفوف، والحث عليها، والترغيب في ذلك، وهذا هو أحسن ما قيل في تعليل النهي عن الصف بين السواري، أي: بالنسبة للمأمومين، وأما بالنسبة للمنفرد، أو الذي يصلي نافلة، فلا بأس بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين العمودين اليمانيين، لأنه كان يتنفل في الكعبة، فالمنع إنما هو في حق المأمومين، فإنهم لا يصلون بين السواري؛ وذلك لقطعها الصفوف.وقد أورد النسائي حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه، عن عبد الحميد بن محمود أنه قال: (صلينا مع أنس بن مالك مع أمير من الأمراء فدفعونا)، يعني: من كثرة الزحام، وحصل دفع حتى صاروا بين عمودين، (فصار أنس يتأخر)، يعني: يتأخر عن أن يصلي بين العمودين، وقال: (كنا نتقي ذلك)، يعني: بعدما فرغ من الصلاة، قال: (كنا نتقي ذلك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: كنا نتجنب ذلك؛ الذي هو الصلاة بين السواري، وبين الأعمدة، والسبب في هذا كما هو واضح، هو كونها تقطع الصفوف.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في ترك الصف بين السواري
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].وهو عمرو بن منصور، وهو النسائي، أي: من بلد النسائي، وهو: ثقة، ثبت، خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا أبو نعيم].وهو الفضل بن دكين، شيخ البخاري، والنسائي يروي عنه بواسطة، وهو من كبار شيوخ البخاري، أبو نعيم الفضل بن دكين، مشهور بكنيته، ويماثله في الشهرة بـأبي نعيم شخص متأخر، مؤلف ومصنف صاحب الحلية وغيرها من الكتب المتوفى سنة: (430هـ)، صاحب حلية الأولياء وغيرها من الكتب، فذاك متأخر، وهو مشهور بكنيته، وأما هذا فشيخ البخاري، وهو متقدم، واسمه: الفضل بن دكين الكوفي الملائي، وهو ثقة، ثبت، وتكلم فيه من أجل التشيع، وقيل: إنه يتشيع، والحافظ لما ذكره في مقدمة الفتح؛ حين ذكر الذين تكلم فيهم في مقدمة الفتح، ودافع عنهم، وأجاب عن الكلام فيهم، وكان من جملة ما قاله في الجواب على أبي نعيم في مقدمة الفتح، أنه قال: تكلم فيه في التشيع، ثم قال: وقد ثبت عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية. ومن المعلوم: أن الرافضة من أسهل الأشياء عندهم سب معاوية، بل سب معاوية هو المدخل إلى سب أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن من اجترأ على معاوية اجترأ على غيره، وأبو نعيم -الذي قيل عنه: أنه يتشيع- كان يقول هذه الكلمة، وهذا يدل على سلامته من أن يكون في نفسه شيء على الصحابة، وإذا كان هذا كلامه في معاوية، إذاً: معناه أنه سليم؛ لأن الكلام في معاوية عند الرافضة من أسهل الأشياء، ومن أقرب الأشياء أن يتكلموا في معاوية، الذين لا يتكلمون في الشيخين، يتكلمون في معاوية، أو من الذين لا يتكلمون في الشيخين يتكلمون عن معاوية، وأما الرافضة فإنهم يتكلمون في الشيخين وفي غير الشيخين، يتكلمون في الشيخين أبي بكر، وعمر وغيرهما من الصحابة رضي الله تعالى عن الجميع، لكن سب معاوية، والقدح في معاوية، والكلام في معاوية، يتكلم فيه من لا يتكلم في الشيخين. فلسانه نزيه، ونظيف من أن يتكلم في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بسوء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن هانئ].وهو يحيى بن هانئ، وهو -أيضاً- ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن عبد الحميد بن محمود].وهو عبد الحميد بن محمود، هو: ثقة، وخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وليس له عندهم إلا هذا الحديث الواحد في الصف بين السواري، ليس له في الكتب الثلاثة التي هي: سنن النسائي، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، ليس فيها إلا هذا الحديث الواحد، وهو في الصف بين السواري، في قصة كونه مع أنس بن مالك يصلون مع أمير من الأمراء، وأنه حصل زحام، وأنهم دفعوا حتى كانوا بين ساريتين، فكان أنس يتأخر، ولما فرغ من الصلاة قال: كنا نتقي ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: نتجنب الصف بين السواري.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يكثر الله ولده، وأن يكثر ماله، وأن يطيل في عمره، وقد حصل له ذلك، وأدركه الكثير من التابعين، بل أدركه صغار التابعين، وروى عنه الكبار والمتوسطون، والصغار من التابعين رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    المكان الذي يستحب من الصف

    شرح حديث البراء بن عازب: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببت أن أكون عن يمينه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المكان الذي يستحب من الصف.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن مسعر عن ثابت بن عبيد عن ابن البراء عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أكون عن يمينه)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: المكان الذي يستحب من الصف، يعني: وهو أن يكون على يمين الإمام، يعني: ميامن الصفوف أفضل من مياسرها، وقد أورد النسائي فيه حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام أحببت أن أكون على يمينه)، يعني: في أيمن الصف، وهو دال على ما ترجم له المصنف من جهة أن أيمن الصف مرغوب فيه، وأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وجاء أيضاً حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف).
    تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببت أن أكون عن يمينه)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[أخبرنا عبد الله].وهو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، عابد، مجاهد، جواد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من صفاته، وعقبها بقوله: جمعت فيه خصال الخير، وقال فيه بعض العلماء: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، معناه: قمة في الثقة والعدالة رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن مسعر].وهو مسعر بن كدام الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فاضل، يروي عن ثابت بن عبيد الأنصاري مولى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ابن البراء].وهو عبيد بن البراء بن عازب، ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.[عن البراء بن عازب]وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.والله تعالى أعلم.
    الأسئلة

    حكم إمامة المتنفل بالمفترض
    السؤال: إذا أردت أن أتصدق على إنسان بالصلاة معه، فهل يجوز أن أكون له إماماً؟الجواب: نعم، يجوز، يعني: المتنفل يجوز أن يكون إماماً للمفترض، والعكس، المفترض يكون إماماً للمتنفل، والدليل على هذا فعل معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث كان يصلي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، هو إمام، وهم مأمومون، وهو متنفل، وهم مفترضون.
    سفر الابن للنزهة بغير رضا الأم وإذنها
    السؤال: هل يحل للابن البالغ أن يسافر للنزهة في يوم أو يومين، مع أن أمه غير راضية عن سفره، وهي غير محتاجة إليه؛ لوجود إخوة غيره؟الجواب: الذي ينبغي له أن يسترضيها، وأن يحرص على إرضائها، وأن يكون ذلك عن رضاها، وعن موافقتها، يعني: إذا كان مجرد نزهة، هذا ليس بلازم، فعليه أن يصبر، ويستميلها، ويطلب منها، فإن رضيت وإلا فلا يذهب؛ لأن هذا ليس أمراً مهماً.
    حكم حديث: (أمرت أن أقاتل بهذا -أي: السيف- من يخرج عن هذا -أي: المصحف-)
    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ورد هذا الحديث في فتاوى شيخ الإسلام في المجلد الخامس والثلاثون وذكر الصفحة: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل بهذا -أي: السيف- من يخرج عن هذا -أي: المصحف-)، ولكني بحثت عن هذا الحديث في كتب السنة فما عثرت عليه، وهل لفضيلتكم علم لمدى صحة هذا الحديث؟الجواب: لا أعلم عنه شيئاً، أولاً: المصحف ما كان موجوداً في زمنه عليه الصلاة والسلام، وإنما المصحف جمع بعد ذلك، أول من جمعه أبو بكر رضي الله عنه، فكان فيه صحف، ثم بعد ذلك جمع الجمعة الأخيرة في عهد عثمان، والمصحف هو الموجود بين أيدينا، فالمصحف ليس موجوداً في زمنه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #155
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (152)


    - (باب ما على الإمام من التخفيف) إلى (باب ما يجوز للإمام من العمل في الصلاة)

    إن العلاقة بين المأموم والإمام قوية، ولهم عليه ألا يشق عليهم، بل يخفف في صلاته مع إتمامها؛ مراعاة للكبير والضعيف وذي الحاجة، واقتداء بنبي الله صلى الله عليه وسلم، والذي كان يخفف لبكاء طفل ونحو ذلك.
    ما على الإمام من التخفيف

    شرح حديث: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما على الإمام من التخفيف.أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم السقيم، والضعيف، والكبير، فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)].يقول النسائي رحمه الله: ما على الإمام من التخفيف، يعني: التخفيف في الصلاة، وهو كون الإمام يراعي حال المأمومين، فيخفف في صلاته مع إتمامها، وعدم التقصير في شيء مما هو لازم فيها، وذلك لمراعاة أحوال المأمومين، فهذا التخفيف حيث يكون هناك ما يدعو إليه، مما جاء بيانه في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من وجود المريض، والكبير، وكذلك السقيم، وذا الحاجة.فالحاصل: أن الإمام يراعي حال المأمومين، ولكن ذلك مع إتمام الصلاة، وعدم التقصير في شيء من أركانها، وما هو لازم فيها، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صلى أحدكم للناس أو بالناس فليخفف، فإن فيهم السقيم، والضعيف، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)، إذا صلى الإنسان لنفسه يطول ما شاء، إن أراد أن يخفف، وإن أراد أن يطول، فأمر التطويل إليه؛ لأنه أعرف بحاله، وأما إذا صلى بغيره وهو إمام فإنه يراعي حال المأمومين، فقد يكون فيهم كبير لا يستطيع هذا التطويل، وقد يكون فيهم مريض لا يستطيع هذا التطويل، وقد يكون فيهم ضعيف الخلقة، أو على إثر مرض يشق عليه ذلك، ولا يستطيع ذلك التطويل، فالرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى التخفيف لمراعاة هذه الأمور، ولكن هذا التخفيف مع الإتيان بالصلاة على الوجه الأكمل دون أن يكون هناك تقصير معناه: أنه يتم الركوع، والسجود، وكذلك القراءة، فيقرأ القراءة المناسبة التي لا يترتب عليها مشقة، ومضرة على الناس الذين يصلون وراءه، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام فرق بين كون الإنسان يصلي وحده، وأن له أن يطول ما شاء إذا أراد، وبين كونه يصلي للناس، ويصلي بالناس، فيراعي أحوالهم، ولا يشق عليهم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون، وإنما عليه أن يخفف كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ثم في الحديث إشارة إلى المحافظة على صلاة الجماعة، وذلك أن فيه ذكر المريض، وذكر الكبير، وذكر الضعيف، ومعنى هذا: التنبيه إلى حضور الجماعة، وإلى أنه يجب على الرجال أن يأتوا للصلاة جماعة، ويأتوا للمساجد، وقد جاء عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يحافظون عليها مع ما يحصل لأحدهم من المرض، كما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، يعني بذلك: بسبب المرض، ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.فهذا شأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، يصيب الواحد منهم ما يصيبه من المرض، ولا يمنعه ذلك أن يأتي إلى المسجد بل يحرص أن يأتي إلى المسجد، وإن كان معذوراً، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً)، ولكنهم رضي الله عنهم وأرضاهم يسابقون إلى الخيرات، ويحرصون على الإتيان إلى المساجد؛ لأنهم يعلمون الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي أعده الله عز وجل لمن يأتي للمساجد، وعلى العكس من هؤلاء المنافقون الذين همهم الدنيا، ولا يلتفون إلى الآخرة، ولا يشتغلون للآخرة، وإنما شأنهم أن يراءوا الناس، وقد قال عليه الصلاة والسلام في صلاة العشاء والفجر، (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً).وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمون ما فيها من الأجر، ولهذا يأتي الواحد منهم وهو مريض حتى يقام في الصف.الحاصل: أن هذا الحديث فيه ذكر المريض، وذكر الكبير، وذكر الضعيف، ومعنى ذلك: أن هؤلاء يحضرون الجماعة، وأن المسلم يحافظ على الجماعة، ولو كان كبيراً، ولو كان مريضاً، ولو كان ضعيفاً، فعليه أن يكون عنده الحرص، وعنده الرغبة الصادقة في أن يأتي إلى المسجد، وأن يذهب إلى المساجد؛ رجاء ثواب الله عز وجل الذي أعده الله لمن يأتي إلى المساجد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة، الثبت، الذي خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، أحد الأئمة الأربعة الذين اشتهرت مذاهبهم، والذين صار لهم أصحاب عنوا بجمع أقوالهم، وبجمع فقههم، وتدوينه، وتنظيمه، وترتيبه، والعناية به، حتى اشتهرت، وحتى انتشرت بين الناس، ولكن هذا لا يعني أن غيرهم ليس مثلهم، فكثير من العلماء قبل زمانهم وفي زمانهم، وبعد زمانهم، من الأئمة المجتهدين الذين برزوا في الفقه، ولكنه ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة المجتهدين الذين كان لهم أتباع عنوا بجمع فقههم حتى اشتهرت مذاهبهم، فالإمام مالك رحمة الله عليه هو أحد الأئمة الأربعة، أصحاب المذاهب المشهورة المعروفة، التي هي من مذاهب أهل السنة، التي هي مبنية على الاجتهاد.
    إن العصمة تكون للأنبياء والرسل، وليس لأحد غيرهم حتى الصحابة
    ومن المعلوم: أنه ليس هناك أحد من الناس يكون الصواب معه إلا رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، وأما غيره فإنه يخطئ ويصيب، فقد يصيب الحق فيكون مأجوراً على اجتهاده وإصابته، وقد يخطئه فيكون مأجوراً على اجتهاده، وخطؤه مغفور، ولا يقال في أحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام: إنه يصيب الحق في كل مسألة من المسائل، وإنه لا يخطئ، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم هم أهل العلم، وهم أهل الفقه، وأهل البصيرة، وهم الذين أكرمهم الله عز وجل بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وسماع حديثه منه، وتبليغه للناس، ومع ذلك فالواقع أن الواحد منهم لا يقال فيه، أو في أي واحد منهم: إنه محيط بالسنة، وإنه لم يفته من السنة شيء، لا يقال هذا في حق أحد منهم أبداً؛ وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحدث بالأحاديث في أوقات مختلفة، ويحضر هذا المجلس بعض الصحابة، فيسمع الحديث، ويغيب عنه الكثيرون فلا يسمعونه، ولا يعلمونه إلا إذا حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام التحديث به مرة أخرى، أو عرفوه عن طريق بعض الصحابة، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما جاءته جدة تسأل ميراثاً من ابن ابنها، قال أبو بكر رضي الله عنه: ما علمتُ لك في كتاب الله شيئاً، وما أعلم شيئاً في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن أسأل الناس، فسأل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فجاءه واحد من الصحابة وقال: إن عنده علم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: إنه أعطى الجدة السدس، فهذه المسألة ما كان أبو بكر رضي الله عنه يعلمها قبل أن يخبره ذلك الصحابي الذي لديه علم بها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما ذهب إلى الشام، ولقيه أمراء الأجناد، وقالوا له: يا أمير المؤمنين! إن الوباء وقع في الشام، فلا تدخل على الوباء، فبعض الصحابة طلبوا منه أن يدخل، فاختلفت آراؤهم، واختلفت وجهاتهم، فبعضهم يقول له: ادخل، وبعضهم يقول: لا، لا تدخل، فاستشار المهاجرين، واستشار الأنصار، واستشار مسلمة الفتح الذين أسلموا في آخر الأمر، وكان الانقسام موجوداً في المستشارين، فمنهم من يقول: ارجع، وفيهم من يقول: ادخل، وكان من الذين يشيرون بالدخول وعدم الرجوع أبو عبيدة بن الجراح، وقال لما عزم عمر رضي الله عنه على أن يرجع، قال: تفر من قدر الله؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله.الحاصل: أن الصحابة المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن أسلم أخيراً اختلفت وجهاتهم وما عندهم سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يرجع، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غائباً عن هذا الاجتماع، وهذه المشورة التي حصلت، فلما حضر قال: عندي علم فيها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم روى الحديث: (أنه إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد لا تخرجوا فراراً منه، وإذا كان فيها فلا تدخلوا عليه)، فأخبر بذلك عمر، وكان عمر رضي الله عنه اجتهاده وافق هذه السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذه من موافقات عمر للسنة، ومن إصابته وكثرة صوابه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد جاءت أحاديث فيها مشورة عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، ثم نزل الوحي مطابقاً لما أشار به عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.الحاصل: أنه لا يقال في واحد من الأئمة الأربعة، بل فيمن من هو خير منهم -وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- لا يقال في حق واحد منهم: إنه لا يخطئ، وإن الصواب معه دائماً وأبداً، وإنه محيط بكل سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنه ما فاته شيء، فهذا من الغلو، وهذا من المجاوزة في الحدود، وعرفنا الأمثلة بالنسبة لخير الصحابة، وأفضل الصحابة، وهم: أبو بكر، وعمر، وهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، فـأبو بكر ما عرف أن الجدة لها ميراث حتى أخبره الصحابي الذي عرف ذلك الذي سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة كثير الذين أشاروا بالدخول وعدم الدخول على الوباء لم يكن عندهم علم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف وأخبرهم بما عنده من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.فـمالك بن أنس رحمه الله أحد الأئمة الأربعة، الفقهاء من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    تابع تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ...)
    قوله: [عن أبي الزناد].وهو عبد الله بن ذكوان، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو مشهور بـأبي الزناد، وهي لقب له، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعرج].وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، وهو مشهور بلقبه، ويأتي ذكره باللقب كما يأتي ذكره بالاسم، وهذا من أنواع علوم الحديث التي أشرت إليها مراراً وتكراراً، وهو أن من الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة ألقاب المحدثين، وفائدة معرفتها: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف ذلك يظن أن الأعرج هو غير عبد الرحمن بن هرمز، لو جاء في إسناد عبد الرحمن بن هرمز، وجاء في إسناد آخر الأعرج، يظن أن هذا شخص وهذا شخص، والذي يعلم أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه ذلك.وحديثه، أي: الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبو هريرة].وهو صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله تعالى عنه، والسبب في كثرة حديثه ملازمته الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أسلم، وهاجر إليه وأسلم، فإنه ملازم للنبي عليه الصلاة والسلام، يحضر حيث يغيب الكثير من الناس، ثم أيضاً لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام بقي في المدينة، وعمر بعد ذلك، وكانت المدينة يفد إليها الناس الواردون إليها، والصادرون عنها، ويلتقون بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين هم فيها، فيأخذون عنهم، ويسمعونهم ما عندهم، فكان ذلك من أسباب كثرة حديثه، وكذلك دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له بأن يحفظ، حيث دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذه من جملة الأسباب التي بها كثر الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (إن النبي كان أخف الناس صلاة في تمام)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخف الناس صلاة في تمام)].وهنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخف الناس صلاة في تمام)، يعني: ليست هذه الخفة -التي وصفت بها صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام- فيها نقصان، وإنما هي خفة مع التمام، معناه: أنه يأتي بها على الوجه الأكمل، خفيفة دون أن يكون في هذا التخفيف شيء من القصور أو النقصان، وإنما هو تخفيف في تمام، فهذا هو المطلوب في التخفيف؛ أن تكون تامة لا نقص فيها، ولا خلل، ويؤتى بالأركان، والواجبات، ويؤتى كذلك بما أمكن من المستحبات على قدر ما يكون فيه التخفيف، وعدم المشقة، والإضرار بالناس الذين يكونون وراء الإمام، فهو تخفيف مع تمام، هكذا وصف أنس صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دال على أن الإمام عليه أن يخفف، لكن مع تمام الصلاة، وعدم حصول شيء يخل بها من نقص شيء فيها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي كان أخف الناس صلاة في تمام)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[حدثنا أبو عوانة].وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو: ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، ويوافقه في هذا الاسم -وهو متأخر عنه- أبو عوانة صاحب المسند، والمستخرج على الصحيح، يقال لكتابه: المستخرج على صحيح مسلم، ويقال له: الصحيح، ويقال له: المسند، وكذلك أيضاً هو صحيح، ومبني على كتاب صحيح؛ فإنه يأتي بالأحاديث التي رواها مسلم بطرق لا يلتقي فيها، أو لا يمر بها على مسلم، وإنما بشيخه أو من فوق شيخه، هذه هي المستخرجات، فـأبو عوانة الذي هو صاحب المستخرج، هذا من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، وأما ذاك فهو متأخر.[عن قتادة].وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من الرباعيات: قتيبة يروي عن أبي عوانة، وأبو عوانة يروي عن قتادة، وقتادة يروي عن أنس بن مالك، فإسناده أربعة أشخاص، وهذا هو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات.
    شرح حديث: (إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأوجز في صلاتي ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأوجز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه)].وهنا أورد النسائي حديث أبي قتادة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل في الصلاة يريد أن يطول، فيسمع بكاء الصبي، فيخفف شفقة على أمه؛ لأنها عندما تسمع بكاءه تنشغل في صلاتها به، فكان يخفف من أجل أمر طارئ، وإذا أطال فإن الطول نسبي، بمعنى: أنه لا يكون فيه مشقة على المأمومين، وقد يعدل عما أراده من الطول نسبياً لأمر طارئ كالذي جاء في هذا الحديث، وهو أنه يسمع بكاء الصبي، فيخفف شفقة على أمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فالحديث شاهد ودال على ما ترجم له المصنف من حصول التخفيف، ويكون في مراعاة حال المأمومين، وقد يكون مراعاة لواحد منهم؛ لأنه هنا فيه إشارة إلى أن الرسول يسمع بكاء صبي واحد، فيخفف من أجل أم ذلك الصبي الواحد الذي يخشى أن تنشغل به، وأن تكون مشغولة البال عليه إذ هو يبكي ويصيح، وهي في الصلاة قد شغلت به، ثم أيضاً الحديث يدل على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشفقة بأمته عليه الصلاة والسلام، وكذلك يدل على جواز إحضار الصبيان إلى المساجد، ولكن مع المحافظة عليهم، وأن لا يحصل منهم تلويث المسجد، ولا يحصل منهم الإيذاء للناس، فإن هذا الحديث يدل على إحضار النساء الصبيان معهن؛ لأن هذا الحديث يدل على ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأوجز في صلاتي ...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو سويد بن نصر، وهو المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه الترمذي، والنسائي .[أخبرنا عبد الله].وهو ابن المبارك، ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن الأوزاعي].وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو محدث، فقيه، مشهور، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو، وكنيته أبو عمرو، وقد عرفنا وذكرت مراراً: أن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، نوع من أنواع علوم الحديث، ومعرفته مهمة، وفائدة هذه المعرفة أن لا يظن التصحيف فيما لو ذكر مرة بنسبه، ثم ذكر بكنيته بدل النسب، فإن من لا يعرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب يظن أن أبا مصحفة عن (ابن) فيما لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو بدل ابن عمرو، فـعبد الرحمن بن عمرو صحيح، وعبد الرحمن أبو عمرو صحيح، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني يحيى بن أبي كثير].وهو يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، وهو: ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب الكلمة المشهورة في الحث على طلب العلم، والصبر على ما ينال الإنسان في سبيله من التعب والمشقة، وهي قوله: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
    وقفة مع كلمة يحيى بن أبي كثير: (لا ينال العلم براحة الجسد)
    هذه كلمة مشهورة عن يحيى بن أبي كثير، وقد أوردها مسلم في صحيحه عند سياقه لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أوقات الصلاة، حيث أطال وأكثر من طرق ذلك الحديث، الذي يتعلق ببيان أوقات بعض الصلوات، فأقحم هذا الأثر بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير فقال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. وقال النووي في شرحه: إنما أورده في هذا؛ لأنه عندما بين هذه الطرق الكثيرة المتنوعة المختلفة في إسناد هذا الحديث أشار إلى أن تحصيل مثل هذه الطرق وجمعها إنما يحصل بالتعب، والمشقة، فأتى بهذه الكلمة المشهورة، وهي قول يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم.والحافظ ابن حجر له كتاب اسمه الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف، جمع ما فيه من موقوفات، سواء كانت موقوفات على الصحابة، أو على من دونهم، جمعها في هذا الكتاب، وهذا من جملة تلك الموقوفات التي في صحيح مسلم، وأوردها الحافظ ابن حجر في كتابه الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف.وموضعه كما ذكرت في بيان أوقات الصلاة، وعند حديث عبد الله بن عمرو عندما أورد طرقه المختلفة، وهذه الكلمة كلمة عظيمة؛ أعني: لا يستطاع العلم براحة الجسم. وهذا كلام صحيح، لا أحد يحصل شيئاً بلا شيء، بل لابد من التعب، ولابد من النصب، ولابد من المشقة، ولابد من الصبر والاحتساب، وبذلك يحصل الإنسان، وأما مع الكسل، ومع الملال، وعدم الصبر وعدم الاحتساب، فإن الإنسان يفوت الخير الكثير، ولا يحصل شيئاً، بل بالجد والاجتهاد يحصل الإنسان ما يريد، كما يقول الشاعر:الجد بالجد والحرمان بالكسلالجد ـ بالفتح ـ هو الحظ، والنصيب، والجد ـ بالكسر ـ هو الجد والاجتهاد، والحرمان بالكسل، الحرمان: يقابل الجد الذي هو الحظ والنصيب، والكسل: يقابل الجِد الذي هو الاجتهاد، والحرص، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله)، بالأسباب التي تحقق المطلوب التي هي الأسباب المشروعة، ومع أخذك بالأسباب استعن بمسبب الأسباب وهو الله عز وجل: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله)، فلابد من الجد، والاجتهاد في طلب العلم، والصبر عليه، ولا يحصل الإنسان الشيء إلا بالتعب، والنصب، والمشقة، ويقولون: ملء الراحة لا يدرك بالراحة، يعني: الشيء القليل الذي يكون على مقدار راحة اليد لا يدرك بالراحة التي هي عدم التعب، والنصب، والمشقة، والشاعر يقول:لولا المشقة ساد الناس كلهمالجود يفقر والإقدام قتالفلولا المشقة كل الناس يصيرون سادة، ولكن لما كان السؤدد ما يحصل إلا بمشقة، وما كل أحد يصبر على المشقة، صار ليس كل أحد يحصل السؤدد، وإنما يحصله من صبر.وإذا نظرنا في سير العلماء الماضين الذين ألفوا المؤلفات الكثيرة، والذين انتشر علمهم، وظهر علمهم، وبقي علمهم بعد موتهم بمئات السنين ما حصل ذلك لهم إلا بالتعب والنصب والمشقة، مع أن الإمكانات كانت تختلف عن الإمكانات في هذا الزمان، ففيما مضى كان الواحد يسافر من أجل حديث واحد مدة شهر كامل على الإبل، تعب، ونصب، ومشقة، ثم عندما يحصل الفوائد، ما يحصله إلا عن طريق الكتابة، يعكف على كتابتها، أو يكلف ويستأجر من يكتبها، ثم يقابلها بعد الفراغ من كتابتها، ثم أيضاً عندما يشتغل في الليل ما عندهم إلا إضاءة كما هو معلوم فيها ما فيها من الضعف، ومن النقصان الذي ما يحصل به التمكن مما يريد كما ينبغي، ولكن الجد، والاجتهاد، والصبر، والاحتساب مع توفيق الله عز وجل هو الذي جعلهم يبقى ذكرهم، وتخلد آثارهم، ويستفيد الناس من علمهم بعد موتهم بمئات السنين، ثم أيضاً هذه الثروة الهائلة التي خلفوها، فمن العلماء من يؤلف المؤلفات كلها بخط يده، فكلها فيها جهود مضنية، وكل هذا ما حصل إلا بالنصب، فالسؤدد الذي حصلوه، والذكر الحسن الذي حصلوه لم يحصل من فراغ كما يقولون، وإنما حصل من تعب، وحصل من نصب، وحصل من مشقة.لولا المشقة ساد الناس كلهمالجود يفقر والإقدام قتالأي: أن الإنسان إذا كان عنده المال لا يجود به، يعني: يخشى أن يذهب ماله، ويبقى فقيراً.(والإقدام قتال، يعني: كون الإنسان يقدم في الوغى، فهو قريب أن يموت، فلا يحصل منه الإقدام)، ولكن من جد واجتهد، وصبر واحتسب، هذا الذي يحصل النتائج الطيبة، ويحصل الفوائد الكبيرة. وهذه الكلمة التي قالها هذا الرجل يحيى بن أبي كثير -وهي قوله: لا يستطاع العلم براحة الجسم- كلمة عظيمة مهمة، يعني: هي صادقة، وهذا هو الواقع، لا يستطاع العلم براحة الجسم، فالإخلاد إلى الراحة لا يكون وراءه نتيجة، فليس وراءه إلا الخمول، وليس وراءه إلا الكسل، وليس وراءه إلا البطالة والضياع، ولكن كما يقولون: من جد، وجد، ومن سار على الدرب وصل، ومن قعد عن العلم، وأخلد إلى الراحلة لا يحصل شيئاً، ومن صبر، واحتسب، وأتعب نفسه، وأشغل نفسه في تحصيل ما هو نافع، فإنه يحصل بإذن الله عز وجل مراده.[عن عبد الله بن أبي قتادة].عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[يروي عن أبيه].هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الرخصة للإمام في التطويل

    شرح حديث: (كان رسول الله يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة للإمام في التطويل.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن ابن أبي ذئب أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الرخصة للإمام في التطويل، يعني: الأصل هو التخفيف، ولكن يمكن أن يطول في بعض الأحيان، ولكن مع مراعاة أحوال المأمومين، فالتطويل مرخص فيه، ولكن حيث لا يحصل به إضرار على أحد، وحيث لا يحصل به مشقة كبيرة على أحد.وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأمرهم بالتخفيف ويؤمهم بالصافات)، يعني: كان يأمر بالتخفيف ويرشد إلى التخفيف، ويؤم بالصافات، أي: سورة الصافات يقرأ بها، وهو طول نسبي، والتطويل، والتخفيف هي من الأمور النسبية، والأمور الإضافية، فقد يكون الشيء طويلاً باعتبار، وخفيفاً باعتبار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو إسماعيل بن مسعود، وكنيته أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وكنيته توافق اسم أبيه مثل الأوزاعي، فـالأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، وهذا إسماعيل بن مسعود أبو مسعود .[حدثنا خالد بن الحارث].وهو خالد بن الحارث، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن أبي ذئب].وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، المشهور بـابن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني الحارث بن عبد الرحمن].وهو الحارث بن عبد الرحمن القرشي العامري، وهو خال ابن أبي ذئب، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.[عن سالم بن عبد الله].وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال في السابع من الفقهاء السبعة الذين مر ذكرهم مراراً وتكراراً، وأن في عصر التابعين سبعة اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، وستة منهم لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل إنه سالم هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .[عن عبد الله بن عمر].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله.
    ما يجوز للإمام من العمل في الصلاة

    شرح حديث أبي قتادة: (رأيت النبي يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يجوز للإمام من العمل في الصلاة.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عثمان بن أبي سليمان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من سجوده أعادها)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يجوز للإمام من العمل في الصلاة، وأورد فيها حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه الذي فيه حمل الرسول صلى الله عليه وسلم لابنة بنته أمامة بنت أبي العاص، فكان يؤمهم في الصلاة، ويحملها في صلاته، فإذا ركع وضعها، وإذا قام من سجوده حملها، فالترجمة لما يجوز من العمل في الصلاة، وأورد فيها هذا الحديث، أي: أنه مثل هذا العمل عند الحاجة، يجوز للإنسان أن يعمله، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا ليبين جواز مثل ذلك عند الحاجة إليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة: (رأيت النبي يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، وقد مر ذكره.[حدثنا سفيان].وهو ابن عيينة، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة وليس الثوري؛ لأنه لم يرو عنه؛ لأن قتيبة لم يرو عن الثوري، وإنما روى عن سفيان بن عيينة، وحيث جاء سفيان غير منسوب يروي عنه قتيبة بن سعيد، فالمراد به ابن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، حجة، إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عثمان بن أبي سليمان].وهو عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .[عن عامر بن عبد الله بن الزبير].وهو عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن سليم الزرقي].وهو عمرو بن سليم الزرقي الأنصاري ، وهو ثقة، من كبار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب.[عن أبي قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي].وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره قريباً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #156
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (153)

    - (باب خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد) إلى (باب اختلاف نية الإمام والمأموم)

    لا يشرع للإمام التطويل في الصلاة حتى يشق على الناس؛ لأن في ذلك فتنة لهم، وإذا صلى الإمام قاعداً صلى خلفه المأمومون قعوداً، ولا يضر اختلاف نية المأموم ونية الإمام.
    خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد

    شرح حديث جابر في خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد.أخبرنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن محارب بن دثار، وأبي صالح، عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل من الأنصار، وقد أقيمت الصلاة، فدخل المسجد، فصلى خلف معاذ رضي الله عنه، فطول بهم، فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد، ثم انطلق، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له: إن فلاناً فعل كذا وكذا، فقال معاذ : لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى معاذ النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله، عملت على ناضحي من النهار، فجئت، وقد أقيمت الصلاة، فدخلت المسجد فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا فطول، فانصرفت فصليت في ناحية المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد. المقصود من هذه الترجمة: أنه إذا حصل التطويل الشديد، الذي لا يستطيع معه بعض المأمومين أن يواصل مع الإمام، ثم انفصل عن الإمام وأكمل صلاته وذهب، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله: أن معاذاً رضي الله عنه صلى بالناس، وقد جاء رجل ودخل المسجد، وصلى معه، ثم إنه انفصل عنه في صلاته وأكمل صلاته وانصرف، فأخبر معاذ بما فعل ذلك الرجل، فأخبر معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب ذلك الرجل الذي خرج من الصلاة وسأله: ما الذي حمله على ذلك؟ فقال: إنه كان يعمل على ناضحه، يعني: طول النهار وهو يعمل واقف؛ لأن النواضح هي: الإبل التي يستنبط الماء من البئر عليها، فهو وراءها يسوقها لإخراج الماء، فطول نهاره وهو يسوقها، ثم جاء ودخل، وإذا معاذ يصلي فصلى معه، وقد جاء في بعض الروايات: أنه قرأ بالبقرة، فقال: إنه كان طول النهار وهو يشتغل بالنواضح وأنه طول، يعني: وذلك يشق عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبره، وقال: (أفتان يا معاذ)، يعني: أنكر عليه هذا التطويل الذي حصل منه، وكرر ذلك عليه: أفتان يا معاذ ، يعني: تكون سبباً في فتنة الناس في صلاتهم، وتشق عليهم، وتحملهم ما لا قبل لهم به، ثم أرشده وكان هذا في صلاة العشاء إلى أن يقرأ في بعض السور من قصار المفصل، أو أواسط المفصل، بالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي هذا دليل على أن مثل هذا العمل إذا حصل من بعض المأمومين عندما يكون هناك التطويل؛ فإن ذلك صحيح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقر هذا الرجل وأنكر على معاذ هذا التطويل الذي قد حصل منه.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد
    قوله: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى].واصل بن عبد الأعلى، هو: ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا ابن فضيل].ابن فضيل، وهو: محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة.وقد ذكرت فيما مضى أنه رمي بالتشيع، وذكرت أن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمته في مقدمة الفتح، أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان ، ومثل هذا لا يقوله الرافضة، بل هم يسبون عثمان، ولا يترحمون عليه، ولا رحم الله من لا يترحم عليه، فهذا يدل على سلامته، يعني: كونه يقول: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان . يدل على سلامته، لكن التشيع الذي يضاف إلى بعض العلماء، منه تقديم أو تفضيل علي على عثمان في الفضل لا في الخلافة، أما الخلافة، فمن قال: إن علياً أولى منه بالخلافة، فإن عمله هذا من أعمال أهل البدع، ويبدع من يفعل ذلك؛ لأن هذا اعتراض على اتفاق الصحابة على تقديمه عليه، لكن كونه يقال: إن علياً أفضل من عثمان، هذا قال به بعض السلف، مثل ابن جرير، ومثل الأعمش، ومثل عبد الرزاق، ومثل عبد الرحمن بن أبي حاتم قالوا: إن علياً أفضل من عثمان، وإن كان جمهور أهل السنة على أن عثمان أفضل، لكن مثل هذه لا يبدع بها، ولا تؤثر، والذهبي رحمه الله في كتابه الميزان أورد أسماء أشخاص ثقات ليس إيراده إياهم لضعف فيهم، بل ليدافع عنهم، وأن يبين أن ما أضيف إليهم ليس عيباً، ولا يستحقون أن يعابوا بهم، وكان من جملة ما ذكر في ترجمة عبد الرحمن بن أبي حاتم في الميزان، قال: أورده أبو الفضل السليماني في كتابه الضعفاء، فبئس ما صنع، عبد الرحمن بن أبي حاتم إمام ابن إمام، والكلام الذي فيه، قالوا: إنه من جهة تفضيل علي على عثمان، وهذا أيضاً لا يؤثر، يعني: هذا معروف عن بعض أهل السنة، وذلك لا يقدح، قد يكون التشيع من هذا القبيل، ولهذا يقول رحمة الله عليه: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان . فهذا نسب إليه التشيع، وهذه كلمته، ومثلها الكلمة التي ذكرتها أيضاً عن أبي نعيم الفضل بن دكين، أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية ، فسب معاوية من أسهل ما يكون عند الرافضة، بل الذين هم أخف الشيعة وأعقل الشيعة كما قال شيخ الإسلامابن تيمية الذين هم الزيدية يسبون معاوية، ولا يسبون الشيخين ويسبون معاوية ويتكلمون فيه، وهذا يقول: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية، يقوله الفضل بن دكين أبو نعيم: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية . يعني: معنى هذا أنه سليم مما أضيف إليه، والتشيع الذي فيه هو من قبيل تقديم علي على عثمان رضي الله تعالى عن الجميع.و محمد بن فضيل بن غزوان صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً، وهو مشهور بلقبه الأعمش، واسمه سليمان بن مهران، يأتي ذكره بالاسم، ويأتي ذكره باللقب، وقد ذكرت مراراً: أن من الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة ألقاب المحدثين، وفائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه ومرة بلقبه، من لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، ومن يعلم أن هذا لقب لا يلتبس عليه الأمر.[عن محارب بن دثار].محارب بن دثار، وهو: ثقة، إمام، زاهد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[وأبو صالح].أبو صالح هو: ذكوان السمان، مشهور بالرواية عن أبي هريرة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن جابر] هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، والده استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، وجابر بن عبد الله أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وهم الذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ
    الائتمام بالإمام يصلي قاعداً

    شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الائتمام بالإمام يصلي قاعداً.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)].يقول النسائي رحمه الله: باب الائتمام بالإمام يصلي قاعداً، هذه الترجمة المراد بها أن المأموم يوافق الإمام، وأنه في حال كون الإمام يصلي قائماً فهو مثله، وإذا صلى قاعداً، أي: الإمام، فإن المأموم يصلي قاعداً، ولو كان قادراً على القيام للموافقة بين الإمام والمأموم. وقد أورد النسائي في هذا حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ركب فرساً فصرع)، يعني: سقط منه، وقع منه (فجحش شقه الأيمن)، يعني: تأثر شقه الأيمن بأن تأثر الجلد، وخرجت القشرة من الجلد، فأصابه ألم من ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلم يستطع أن يقوم، فصلى جالساً، وصلى الحاضرون معه وراءه قياماً، فأشار إليهم أن يجلسوا، فجلسوا، وصلوا وراءه جلوساً، ولما فرغ من الصلاة وانصرف إليهم، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، ثم ذكر بعد ذلك الأحوال التي يتابع فيها المأموم الإمام، ثم قال في آخره: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون).والمقصود من ذلك: أن الإمام إذا صلى قاعداً، فإن المأموم يصلي وراءه قاعداً، وهذا الذي جاء في هذا الحديث من الدلالة على موافقة المأموم الإمام إذا كان صلى قاعداً، بأن يصلي المأموم قاعداً، كان هذا في أول الأمر، يعني: قبل مدة، ولكنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً، وصلى الناس وراءه قياماً كما سيأتي، فالعلماء اختلفوا في هذا الحكم: هل المأموم يصلي وراء الإمام القاعد قائماً أو قاعداً؟فمن العلماء من قال: إن صلاة المأموم قاعداً وراء الإمام القاعد، هذا نسخ بما كان، أو بما حصل في مرض موته صلى الله عليه وسلم، حيث صلى جالساً وأبو بكر على يمينه، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى قاعداً، وصلوا وراءه قياماً، قالوا: فيكون هذا الذي حصل في مرض موته من صلاة المأمومين قائمين وراء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد، يكون ناسخاً لما كان من قبل.ومن العلماء من قال: إنه لا نسخ؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع يصار إليه أولاً؛ لأن الجمع فيه إعمال للدليلين، بخلاف النسخ، فإن فيه إعمال للأخير، وإهمال للأول، وعدم الأخذ به، والجمع يكون فيه أخذ بالدليلين، قالوا: فيجمع بينهما بأن الإمام إذا بدأ الصلاة قاعداً، فإنهم يوافقونه ويبدءون الصلاة معه قعوداً، وهذا هو الذي حصل في قصة كونه سقط من فرس، وجحش شقه الأيمن، وصلى بهم جالساً وابتدأ الصلاة جالساً، وهم أرادوا أن يقوموا فأشار إليهم بأن يجلسوا؛ لأنه بدأ الصلاة بهم قاعداً فيبدءون معه قاعدين، وأما في مرض موته عليه الصلاة والسلام، فقد كان إمامهم أبو بكر رضي الله عنه، وقد دخل في الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بعدما دخل أبو بكر في الصلاة، فجلس على يسار أبي بكر، فتحول أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأموماً، يعني: إمامه رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، فابتدءوا الصلاة وهم قيام، وإمامهم بدأ بهم الصلاة وهو قائم، الذي هو أبو بكر رضي الله عنه؛ والقعود إنما حصل في أثناء الصلاة بعد أن دخلوا فيها قياماً، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وتحول أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأموماً، استمروا على صلاتهم قياماً؛ لأنهم بدءوها قياماً.قالوا: فيجمع بين الواقعتين التي كانت أولاً، والتي كانت في مرض موته، بحمل الواقعة الأولى على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً، فالمأمومون يصلون وراءه قعوداً، وإذا كان حصل الابتداء قياماً، ثم حصل أمر طارئ، أو حصل كما حصل مجيء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وصلاته بهم إماماً بعد أن بدءوا مع إمامهم أبي بكر قياماً، فإنه يستمر على الصلاة عن قيام؛ لأنهم بدءوا الصلاة قائمين، فيستمر المأمومون وراء إمامهم القاعد الذي وجد منه ذلك بعد أن بدءوا بالصلاة، فإنهم يصلون قياماً، فيكون في ذلك جمع بين الدليلين.ثم من العلماء من قال: إن مما يضعف النسخ أن قصة مرض موته عليه الصلاة والسلام كانت مختلفاً فيها، فبعض الأحاديث وهي صحيحة تقول: إن أبا بكر أمام النبي عليه الصلاة والسلام بين يديه، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي خلفه، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً، وليس إماماً، ومعنى هذا أن أبا بكر هو الإمام، وقد بدأ الصلاة قائماً وهم معه، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء وجلس وصلى وهو جالس عليه الصلاة والسلام، وبعض الروايات الأخرى وهي صحيحة كما في الكتاب الذي معنا؛ أنه جاء وجلس على يسار أبي بكر، وأنه كان يصلي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، قالوا: فهذا الاختلاف يشعر بالاضطراب، ومثل ذلك لا يقال: إنه ناسخ لحكم ثابت، الذي هو كونهم صلوا جلوساً وراءه صلى الله عليه وسلم لما صرعه الفرس، وصلى قاعداً وصلوا وراءه قعوداً، لكن كما هو معلوم قضية الاضطراب، أولاً لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن ترجيح بعض الروايات على بعض.وقد ذكر بعض العلماء أن كونه إماماً عليه الصلاة والسلام هي الراجحة، وأنها أرجح من كونه مأموماً، ومنهم من قال: إن القصة متعددة، وأنه حصل في مرض موته أكثر من مرة، وأنه في بعضها كان إماماً، وفي بعضها كان مأموماً. فحاصل الحديث الذي معنا، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم صلوا وراءه قعوداً، وأنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، ثم في آخره قال: (وإذا صلى قاعداً صلوا وراءه قعوداً)، فهذا يدل على أن المأموم يأتم بالإمام، إن كان قائماً يصلي قائماً، وإن كان قاعداً يصلي قاعداً، وعرفنا القصة التي حصلت في مرض موته، وعرفنا أن من العلماء من قال بالنسخ، وأن منهم من قال: بالجمع وعدم النسخ.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن مالك].مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، المشهور، صاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب]. وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم بجده كلاب، وزهرة أخو قصي بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب ويقال: ابن شهاب، وجده شهاب هو جد جده الأدنى، وهو إمام، فقيه ومحدث، جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.[عن أنس].هو: أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا الإسناد إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأن أعلى ما عنده الرباعيات وليس عنده شيء من الثلاثيات.
    شرح حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: قلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم في مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر ؟ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لـحفصة : قولي له، فقالت له، فقال: إنكن لأنتن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، قالت: فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه، فذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عن يسار أبي بكر جالساً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها في قصة صلاته في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى جالساً، وأن الناس بقوا قياماً كما كانوا قبل أن يأتي إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا ما قيل في التوفيق أو فيما يتعلق بهذا الحديث، والحديث الذي قبله، وأن من العلماء من قال: إن ما في مرض موته ناسخ لما كان في أول الأمر، ومنهم من قال: إنه لا نسخ، وإنما يوفق بينهما بحمل هذا على حالة، وهذا على حالة كما ذكرت ذلك آنفاً، وعائشة رضي الله عنها تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ثقل، وجاءه بلال يؤذنه بالصلاة، قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل أسيف)، يعني: إنه عندما يقرأ يكون عنده رقة ويبكي، فلا يكاد يسمع الناس، وكان قصد عائشة رضي الله عنها من وراء ذلك غير هذا الذي أبدته، يعني: أمر آخر، وهو أن من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجد الناس ارتياحاً؛ لأن يقوم مقامه أحد لحزنهم على تخلفه عنهم وفقدهم وقوفه أمامهم صلى الله عليه وسلم، فكانت أرادت أن لا يكون أبوها هو الذي يقوم هذا المقام، فأتت بعذر غير هذا الذي أرادته، وهو أيضاً موجود فيه، وهو كونه كثير البكاء، وأنه لا يكاد يسمع الناس من البكاء، والنبي عليه الصلاة والسلام أكد بأن يصلي بالناس.قوله: [(إنكن صواحب يوسف)]، المقصود من ذلك يعني: مثل صواحب يوسف اللاتي يظهرن شيء وهن يبطن شيئاً آخر، فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها أظهرت شيء، وهو واقع وحاصل، لكن غيره هو الذي يدفعها أكثر، وهو أن من يقوم مقام الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرتاح الناس إلى أن يقوم مقامه أحد؛ لحزنهم على فقده وعدم وقوفه أمامهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فصلى أبو بكر بالناس، (ولما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة)، يعني: وجد شيئاً من النشاط، فأراد أن يذهب، فأتي به (يهادى بين رجلين)، حتى أجلس على يسار أبي بكر، ولما (سمع أبو بكر حسه)، يعني: سمع صوت نفسه، يعني: من شدة المرض، أراد أن يتأخر، فأشار إليه الرسول أن يبقى مكانه، وأمر الذين أتوا به يهادى بينهم أن يجلسوه على يسار أبي بكر، فجلس على يساره، وصلى بهم، وصلى بالناس وأبو بكر يبلغهم، وهم يصلون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلي بصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام، بمعنى: أنه يبلغهم، وإمامهم جميعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية واضحة بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الإمام، وليس المأموم، وقد سبق أن مر بعض الروايات التي فيها ما يشعر بأنه مأموم، وقد جمع العلماء بينهما: بأن بعضهم قال: إن فيها تعدد، ومنها من قال: إن القصة واحدة، ولكن من الناس من ظن أنه مأموم، والواقع أنه هو الإمام، والرواية الراجحة أو التي هي أرجح من غيرها، وإن كانت تلك صحيحة: أنه صلى الله عليه وسلم هو الإمام كما جاء في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات.عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس).وهذا فيه فضل أبي بكر رضي الله عنه، وتقديمه على غيره، وفي هذا إشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده، وهذا هو الذي فهمه الصحابة، كما سبق أن مر في أول باب من أبواب الإمامة، وهي إمامة أهل العلم، والفضل، وأن أبا بكر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، ذهبوا إليهم، وقال لهم عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدمه رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وقال عمر له: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ وسبق أن مر بنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قدمه، أو أمر بتقديمه في غير مرض الموت، في قصة ذهابه ليصلح بين بني عمرو بن عوف، وأنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لـبلال: أنه إذا جاء وقت الصلاة ولم يحضر، فيصلي بالناس أبو بكر، وهذا في حال صحته، وهو دال على تقديمه، ودال على فضله، وما حصل من تقديمه في مرض الموت دال على أنه الأحق بالأمر من بعده، وهذا هو الذي تم ووقع، واجتمع المسلمون على خيرهم، وأفضلهم أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.فقال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: قلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم في مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر . فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لـحفصة : قولي له، فقالت له، فقال: إنكن لأنتن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، قالت: فقام يهادي بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه، فذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن قم كما أنت، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عن يسار أبي بكر جالساً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه).
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر
    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].محمد بن العلاء، وهو: أبو كريب الهمداني الكوفي، وهو: ثقة، حافظ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو: مشهور بكنيته أبو كريب، ومسلم يروي عنه كثيراً، ويذكره بكنيته، وباسمه وكنيته أيضاً، والبخاري يروي عنه، لكنه يذكره باسمه، ويكنيه قليلاً.[حدثنا أبو معاوية].أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو: ثقة، وهو أثبت الناس في حديث الأعمش أحفظ الناس في حديث الأعمش، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو هنا يروي عن الأعمش .[عن الأعمش].هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو: ثقة أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والأعمش مشهور بلقبه، ومحمد بن خازم مشهور بكنيته، ومعرفة ألقاب المحدثين وكناهم من الأنواع المهمة في علوم الحديث، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى، أو ذكر باسمه مرة وبكنيته أخرى، من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، مع أن الذي ذكر باللقب والاسم شخص واحد، والذي ذكر بالكنية والاسم شخص واحد، فهذه فائدة معرفة هذين النوعين من أنواع علوم الحديث، وهي: معرفة الكنى ومعرفة الألقاب.[عن إبراهيم].إبراهيم، وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، محدث، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأسود].هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو: خال إبراهيم الذي يروي عنه، وهو: ثقة، مخضرم، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق أكثر الصحابيات حديثاً، وهي المرأة التي هي مع ستة من الرجال من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفزوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    شرح حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال: (دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء، ثم أغمى عليه، ثم قال في الثالثة مثل قوله، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر : أن صل بالناس، فجاءه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال يا عمر صل بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فجاء يهادي بين رجلينا، أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً، فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فحدثته، فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت: لا، قال: هو علي كرم الله وجهه)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وسياقه مثل سياق الذي قبله، إلا أن فيه: أنه صلى الله عليه وسلم أغمي عليه، وأفاق، وطلب أن يوضع له ماء في وعاء اسمه المخضب، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، يعني: يقوم، فلم يستطع فأغمي عليه، ثم لما أفاق طلب أن يوضع له ماء في ذلك الوعاء، فوضع له فاغتسل، وعندما فعل ذلك ثلاث مرات، وهو يقول: (أصلى الناس؟ فقالوا: لا، وهم عكوف ينتظرونك)، فأمرهم بأن يبلغوا أبا بكر بأن يصلي بالناس، فصلى بهم ودخل في الصلاة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي به يهادى بين الرجلين، حتى جلس على يسار أبي بكر، وصلى بالناس وأبو بكر يصلي قائماً يبلغ الناس صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود سأل عائشة أن تخبره عن مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحدثته بهذا الحديث، ثم إنه لقي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقال: ألا أعرض عليك ما حدثتني به عائشة من مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فعرضه عليه، فلم ينكر منه شيئاً، يعني: معناه أنه أقر هذا الذي ذكره عن عائشة، إلا أنه أضاف إلى ذلك شيئاً، وهو أنه قال: (أسمت لك الرجل الثاني الذي كان مع العباس ؟ قال: لا، قال: هو علي كرم الله وجهه)، هكذا في هذه العبارة كرم الله وجهه، والحديث في صحيح البخاري وفي غيره، هو مثل هذا السياق، وليس فيه ذكر: كرم الله وجهه، وهذه العبارة كثيراً ما يأتي ذكرها عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وكذلك أيضاً جملة: عليه السلام، يؤتى بها عند ذكره، وعند ذكر الحسن، والحسين، وفاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وليس هذا من عمل الصحابة، أو من كلام الصحابة، أو من كلام التابعين، وإنما هذا من نساخ الكتب كما ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فإنه قال: إنه يأتي عند ذكر علي رضي الله عنه: عليه السلام، وأحياناً يأتي كرم الله وجهه، قال: وهذا من عمل النساخ، نساخ الكتب، عندما يأتي ينسخ ويأتي الاسم يضيف إليه هذه الكلمة أو هذه الجملة: كرم الله وجهه، أو عليه السلام، قال: لا يخصص أحد من الصحابة بشيء دون غيره، وإنما الصحابة يعاملون معاملة واحدة، والذي جرت عليه عادة السلف أنهم يترضون عن الصحابة جميعاً، ويترحمون على من بعدهم، فصار العرف السائد عند السلف في الدعاء للصحابة عندما يذكر الصحابي أن يقال: رضي الله تعالى عنه، أما: (كرم الله وجهه) في حق علي رضي الله تعالى عنه، وكذلك عليه السلام الذي يأتي ذكره في كثير من الكتب، هذا كما قال ابن كثير: من عمل النساخ، وليس من أصل الحديث، أو رواية الراوي، والحديث في البخاري وفي غيره ليس فيه ذكر كرم الله وجهه، وإنما ذكر علي أو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري].العباس بن عبد العظيم العنبري، البصري، وهو: ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي]. وهو بصري ثقة، ثبت، عالم بالرجال والحديث. حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما الذهبي يعنيه ويعني يحيى بن سعيد القطان: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: أنهما يصيبان، وأنهما لا يخطئان.[حدثنا زائدة].زائدة، هو: زائدة بن قدامة أبو الصلت، وهو: ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن موسى].هو موسى بن أبي عائشة، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله بن عبد الله].هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو: أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].والحديث يرويه عن عائشة، وعن ابن عباس ؛ لأنه رواه عن عائشة، ثم إنه ذكره وما أنكر منه شيئاً، إلا أنه قال: أسمت لك الرجل الثاني؟ فقال: لا، قال: هو علي، ثم إن عدم ذكر عائشة لـعلي رضي الله تعالى عنه ؛ لأن في نفسها عليه شيء، ولعل من أسباب ذلك أنه في قصة الإفك كما جاء في الصحيح، عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب، أسامة بن زيد أشار عليه بأن يبقي عليها؛ وأنهم أهلك وما ذكر عنهم إلا الخير، أما علي رضي الله عنه فإنه قال: النساء غيرها كثير، يعني: أشار عليه بأن يطلقها، والنساء كثير، فلعلها وجدت في نفسها عليه، يعني: بسبب ذلك، مع أنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها ذكرته بخير، وأثنت عليه في بعض المواضع كما جاء في حديث المسح على الخفين في السفر، عندما سألها رجل عن مسح رسول الله أو مدة المسح، قالت: اذهب إلى علي فإنه أعلم مني بذلك؛ لأنه يصاحبه في السفر، فهي أثنت عليه، وأرشدت الذي سألها أن يذهب إليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فعدم ذكرها إياه، وذكرها للعباس وقالت: ورجل آخر، لعل ذلك بسبب ما أشار به على الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يطلقها لما استشاره، وأسامة بن زيد أمره بأن يبقي عليها، وقال: إنه ما يعلم عنها إلا الخير، وعلي رضي الله عنه أشار بأن يطلقها رضي الله تعالى عن الجميع.
    اختلاف نية الإمام والمأموم

    شرح حديث: (يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اختلاف نية الإمام والمأموم.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع إلى قومه يؤمهم، فأخر ذات ليلة الصلاة، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى قومه يؤمهم، فقرأ سورة البقرة، فلما سمع رجل من القوم تأخر فصلى ثم خرج، فقالوا: نافقت يا فلان، فقال: والله ما نافقت، ولآتين النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إن معاذاً يصلي معك، ثم يأتينا فيؤمنا، وإنك أخرت الصلاة البارحة فصلى معك، ثم رجع فأمنا، فاستفتح بسورة البقرة، فلما سمعت ذلك تأخرت فصليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، أفتان أنت اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اختلاف نية الإمام والمأموم، ومقصوده: أن هذا نيته أنه متنفل، وهذا نيته أنه مفترض، فهناك اختلاف في النية بين الإمام، والمأموم، الإمام يصلي متنفلاً، والمأموم يصلي مفترضاً، وهو أطلق الترجمة، وهي: تحتمل العكس، وهي المتنفل بالمفترض، لكن ما أورد تحت هذه الترجمة إلا حديثين، هما في صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن جاءت أحاديث تدل على العكس، وهو أن المتنفل يصلي خلف المفترض، ومن ذلك الحديث: (في صلاته صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف في منى، فلما فرغ من صلاته وإذا برجلين قد جلسا لم يصليا، فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما لكما لم تصليا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكون لكما نافلة)، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن المتنفل يصلي وراء المفترض، بل وفي وقت النهي؛ لأن هذه صلاة الفجر، وأمرهم بأن يصلوا نافلة، يعيدوا الصلاة يعني: جماعة نافلة، وكان ذلك يعتبر وقت نهي بالنسبة لهما؛ لأنهما صليا الفجر، لكن هذا يدل على أن ذلك سائغ، ومن ذلك أيضاً قصة الأحاديث التي مرت: (في الصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة، فقال: صلوها في وقتها، ثم صلوا معهم تكن لكما نافلة)، يعني: هذا متنفل خلف المفترض، يعني: صلاة هؤلاء الذين يصلون معهم متنفلون خلف مفترضين، فاختلاف نية الإمام والمأموم؛ بأن يصلي المفترض خلف المتنفل جاءت به السنة، كما ذكره المصنف، وعكس ذلك أيضاً جاءت به السنة كما ذكرت في هذه الأحاديث.وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة صلاة معاذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجوعه إلى قومه وصلاته بهم، وأنه طول بهم يوماً، وقرأ بهم سورة البقرة، فجاء رجل وصلى وراءه، ثم إنه لما طول تأخر وصلى، وقيل له: إنك نافقت، فقال: إنه سيخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أخبره بذلك قال لـمعاذ: (أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وبسورة كذا)، أرشده إلى سورة يقرأ بها، جاء في بعض الروايات: أنها (سبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، وسور من المفصل)، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن هؤلاء الذين يصلي بهم معاذ هم مفترضون وهو متنفل، هو متنفل وهم مفترضون، والنية مختلفة بين الإمام والمأموم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].محمد بن منصور، وهو الجواز المكي، ثقة، خرج حديثه النسائي .قوله: [حدثنا سفيان].وهو ابن عيينة، وهو ثقة، ثبت، حجة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن دينار ].هو عمرو بن دينار ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ سمعت جابر بن عبد الله ].جابر بن عبد الله الأنصاري.صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    المقصود بالبحر في البيت الذي يعدد المكثرين من رواية الحديث النبوي
    السؤال: وأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ، فمن المراد بقوله: والبحر؟الجواب: البحر والحبر المراد به ابن عباس .
    مسخ من يسابق الإمام في الصلاة بين عقوبة عاجل الدنيا وآجل الآخرة
    السؤال: لماذا لا نقول: أن يحول رأس من رفع رأسه قبل الإمام رأس حمار على حقيقته في يوم القيامة؟الجواب: العلماء ذكروا أن هذا في الدنيا، وأن هذا يكون مسخ، وهذه عقوبة عاجلة تحصل في الدنيا، فيكون فيه خزي عاجل.
    حكم تأخير الجنازة ليكثر المصلون
    السؤال: جهز ميت في الساعة التاسعة صباحاً، فهل الأفضل أن يصلى عليه ويدفن في الحال أو ينتظر لصلاة الظهر ثم يصلى عليه؟الجواب: الأمر في ذلك واسع، الساعة التاسعة قريبة من الظهر، يعني: إذا ذهب به وعجل فذلك خير، وإن أخر ليكثر المصلون عليه، ففي ذلك خير إن شاء الله.
    مدى ثبوت رواية مسلم في تسليم الذي انفصل عن معاذ في الصلاة لطولها
    السؤال: في صحيح مسلم: أن الرجل الذي صلى خلف معاذ سلم من صلاته، فهل إذا خرج الإنسان من الصلاة يسلم أو بدون سلام؟الجواب: لا، أنا ما أعلم أنه سلم من صلاته، يعني: معناه أنه قطعها ثم صلى من جديد، إذا سلم معناه أنه يصلي من جديد، وهو انصرف وصلى في ناحية المسجد، يعني: انفصل منه وأكمل صلاته، فإذا كان هو سلم، معناه أنه يستأنفها من جديد، ومن المعلوم أن الدخول في الصلاة هو صحيح، ويبنى عليه، إذا لم يستطع أن يواصل ينفصل ويكمل، لكن أنا لا أدري أن في صحيح مسلم في غير هذا الحديث إذا كان في حديث من طريق آخر، أما هذا الحديث الذي ذكرته في صحيح مسلم الذي فيه حطان بن عبد الله الحديث الطويل، ليس فيه أنه سلم، إلا أن يكون في رواية أخرى وأنا لا أدري.
    معنى العبارة: إن أحببت أن تستمتع ببصرك فلا تنظر بعد العصر في كتاب
    السؤال: روى الذهبي في التذكرة عن قتيبة قال: كتب لي علي بن حجر: إن أحببت أن تستمتع ببصرك فلا تنظر بعد العصر في كتاب، يقول: ماذا يقصد الإمام في هذه العبارة؟الجواب: معناه واضح، يعني: كونه يخصص في الأصل أنه ما يطالع الإنسان، ما أعرف لذلك وجهاً، يعني: معناه أنه لا يقرأ أو ينظر في كتاب بعد العصر، يعني: معناه أن هذا سبب في بقاء البصر وسلامته واستمراره، ولكن مثل هذا يحتاج أولاً: إلى ثبوته عن قتيبة، وعلي بن حجر، وعلي بن حجر هو الذي كتب إلى قتيبة، ثم الأمر الثاني: هذا من الأمور التي ما تقال من قبل الرأي، يعني: ما أعرف له وجهاً.
    اسم أبي سلمة
    السؤال: يقول: ما اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن ؟الجواب: قيل عبد الله، وقيل إسماعيل.
    فضل الصحابة على غيرهم
    السؤال: هل جنس الصحابة أفضل مثلاً من الأئمة الأربعة أو غيرهم، أم أفرادهم أفضل من بعض، مثلاً الإمام أحمد هل يكون أفضل من بعض الصحابة؟الجواب: لا أبداً، المعروف عن أهل السنة أن أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد سواه، يعني: معناه أن التفضيل إنما هو للجميع، يعني: معناه أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد ممن بعدهم، ونقل عن ابن عبد البر أنه قال بخلاف هذا القول، وهو أن التفضيل للمجموع لا للجميع، وأنه قد يكون في غير الصحابة من هو أفضل من من واحد من الصحابة، لكن هذا خلاف المشهور من مذهب أهل السنة، الذي هو أن أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد سواهم.
    مدى ثبوت رواية الأعرج عن غير أبي هريرة
    السؤال: هل روى الأعرج عن غير أبي هريرة من الصحابة؟الجواب: ما أذكر، لكن يمكن أنه يعرف هذا بترجمة الأعرج، يعني: يذكر في ترجمته روى عن فلان وفلان وفلان، إذا كان روى عن غير أبي هريرة يقال: روى عن فلان من الصحابة، ينظر يعني: السائل يرجع إلى ترجمته.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #157
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (154)

    - (باب فضل الجماعة) إلى (باب الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة)

    تزيد صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع أو بخمس وعشرين درجة، واختلف أهل العلم في صلاة الجماعة، هل هي واجبة أو مستحبة، والجماعة تبدأ باثنين فأكثر، وموقف المرأة خلف الرجال والصبيان.
    فضل الجماعة

    شرح حديث ابن عمر وأبي هريرة وعائشة في فضل صلاة الجماعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الجماعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده خمسة وعشرين جزءاً). أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن عمار حدثني القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ خمساً وعشرين درجة)].يقول النسائي رحمه الله: فضل صلاة الجماعة، أي: بيان فضلها، ومضاعفة الأجر فيها، فعندما يصلي الإنسان في جماعة، فإن صلاته تضاعف عما لو صلى وحده. وقد أورد النسائي في هذا أولاً: حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، هذا الحديث يبين أن صلاة الجماعة إذا صلاها الإنسان مع الجماعة، فإنها تفضل على صلاته لو صلى وحده بسبع وعشرين درجة.وجاء في الحديث الذي بعده حديث أبي هريرة: (بخمسة وعشرين جزءاً)، أي: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين جزءاً. وجاء الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)، وهو مثل: حديث عبد الله بن عمر من حيث التمييز، ومثل: حديث أبي هريرة من حيث العدد، والدرجة، والجزاء، وهذا التفاوت الذي بينهما قيل: إن المراد بذلك هو المضاعفة إلى هذا المقدار، وإلى هذا العدد، وأن المقصود من ذلك: أنه من صلى وحده، فصلاته بصلاة واحدة، ومن صلى جماعة، فإن صلاته تبلغ سبعاً وعشرين صلاة، أو خمساً وعشرين صلاة، فمعنى هذا: أنها تضاعف هذه المضاعفة، ويكون الإنسان الذي صلى جماعة حصل له هذا التضعيف، وكأنه صلى هذه الصلوات بفضل صلاته مع الجماعة، وهو دال على فضل صلاة الجماعة. ثم ما جاء في حديث أبي هريرة من ذكر الجزء وهو خمس وعشرون جزءاً، وحديث ابن عمر من ذكر الدرجة، وهي سبع وعشرين درجة، قيل: أن العدد الأصغر يكون داخلاً في الأكبر، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في الخمس والعشرين، وبين ما جاء في السبع والعشرين، ومن العلماء من فرق: بأن السبعة والعشرين تكون في بعض الصلوات، مثل الصلوات الجهرية، والخمسة والعشرين تكون في الصلوات السرية، والذي يظهر: أن هذه المضاعفة تحصل لمن صلى الصلوات الجهرية والسرية، ويمكن أن يكون أخبر أولاً بأن فيه خمسة وعشرين، ثم بعد ذلك حصل زيادة وتفضل من الله عز وجل، وأن التضعيف يصل إلى سبع وعشرين درجة.
    وجوب صلاة الجماعة
    وأكثر الروايات جاءت بذكر الخمس والعشرين، وبعضها جاء بلفظ: السبع والعشرين، وكل ذلك يدل على التضعيف، وعلى فضل صلاة الجماعة، ولهذا استدل بها من قال: باستحباب صلاة الجماعة، وهو لا يدل على ذلك، وإنما يدل على أن من صلى صلاة الجماعة حصل له هذا التضعيف، والأحاديث الأخرى التي جاءت في بيان الوعيد الشديد والعقوبة في حق من لم يصل مع الجماعة، دالة على حصول الإثم فيما إذا لم يصل في جماعة، مع كون صلاته صحيحة، ولكنه يفوته هذا الأجر العظيم، ويكون آثماً لكونه ترك أمراً واجباً عليه.إن الأحاديث التي جاءت في التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة، وبيان أن من يفعل ذلك متصف بصفات المنافقين، وكذلك أيضاً ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من الأحاديث التي فيها الأمر بالجماعة، والحث عليها، والتحذير من التهاون فيها كما جاء في حديث الأعمى وغيره، الذي قال له: (هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب)، فتلك الأحاديث دالة على وجوبها، وهذه الأحاديث تدل على أن صلاة المنفرد وحده صحيحة، ولكنه يأثم إذا لم يأت بصلاة الجماعة؛ للأحاديث الأخرى الدالة على وجوبها، والقول بوجوب صلاة الجماعة هو الأظهر.ومن العلماء من قابل القول بالاستحباب وقال: إن صلاة الجماعة شرط، بمعنى: أنه لا تصح الصلاة من الإنسان لو صلى وحده، وهذا القول أيضاً ليس بصحيح؛ لأن هذه الأحاديث: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، تدل على بطلان هذا القول ورده.إذاً: فالقول الوسط والقول الذي تؤيده الأدلة: هو أن الجماعة واجبة، وأن من صلى وحده فصلاته صحيحة، ويكون آثماً لكونه ترك أمراً واجباً عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر النسائي من رواية حديثه فهو من شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، بل إن أول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد هذا، وقل ما يأتي صفحات خالية من ذكر قتيبة بن سعيد، بل مجيئه كثير، وذكره كثير، والرواية عنه في هذه السنن كثيرة.[عن مالك].ومالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، مذاهب أهل السنة المشهورة المعروفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.وقد ذكرت مراراً، وتكراراً: أن مذاهب الفقهاء ليست مقصورة على المذاهب الأربعة، بل هناك أئمة أجلة في زمن هؤلاء الأربعة وقبلهم وبعدهم، ولكن حصل اشتهار هؤلاء الأربعة لوجود تلاميذ وأتباع عنوا بجمع كلامهم وفقههم، وبتنظيمه وترتيبه والتأليف فيه، حتى صار لهذه المذاهب هذه الشهرة، وإلا فإن هناك علماء آخرون مجتهدون مثل هؤلاء؛ مثل: إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإبراهيم النخعي وغيرهم من الأئمة المحدثين الذين هم من الأئمة المجتهدين، ولكنه ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأربعة.[عن نافع].وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.يروي عن عبد الله بن عمر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وليس عنده شيء من الثلاثيات، وسبق أن ذكرت أن أصحاب الكتب الستة: ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، والذين عندهم ثلاثيات، هم: البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا، وهو: قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا سند رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي.ثم هذا الإسناد الذي فيه مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا هو الإسناد الذي قال عنه الإمام البخاري: إنه أصح الأسانيد، ويسمى السلسلة الذهبية، فهو أصح الأسانيد عند الإمام البخاري رحمة الله عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].قتيبة عن مالك، وهما اللذان مرا في الإسناد الذي قبل هذا.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، منسوب إلى جد جده شهاب، وهو مشهور بالنسبة إليه، وأيضاً مشهور بالنسبة إلى جد جده الأعلى زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، حيث يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي، وزهرة ابنا كلاب، فهو منسوب إلى جده زهرة فيقال له: الزهري، ومنسوب إلى جد جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، وهو محدث، فقيه، وإمام جليل، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بجمع السنة، ولهذا يقول السيوطي: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمرفالمقصود من ذلك: أنه هو الذي قام بالتدوين بتكليف من السلطان ومن ولي الأمر، وأما الكتابة والتدوين بجهود فردية شخصية، فهذا كان موجوداً في زمن الصحابة، وموجوداً في زمن التابعين، وابن شهاب الزهري هو من صغار التابعين، ولكن الجمع الذي حصل منه كان بتكليف من السلطان الذي هو عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه الذي توفي سنة: (101هـ).[عن سعيد بن المسيب].وهو سعيد بن المسيب من فقهاء التابعين، ومن فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين بالفقه والحديث، وكانوا في وقت واحد، وإذا جاءت مسألة اتفقوا عليها قيل عنها: وقال بها الفقهاء السبعة، والمراد بالسبعة سبعة من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء الثلاثة اختلف في عدهم في الفقهاء السبعة، فالسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وسعيد بن المسيب من المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهو محدث مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه: عبد الرحمن بن صخر على أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكثرون من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه سبعة، وأكثر هؤلاء السبعة حديثاً أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وقد أسلم عام خيبر، وهذه الكثرة سببها أولاً: دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له بالحفظ، وأن يحفظ ما يأخذه، وثانياً: كونه ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم منذ أسلم إلى أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم أيضاً كونه في المدينة، وهي ملتقى الوافدين والقادمين إليها والصادرين عنها، ثم هو أيضاً عمر حتى أدركه الكثيرون، فصار يأخذ ويعطي، يأخذ عن الصحابة ويأخذون عنه، والصحابة والتابعون يأخذون عنه، فكثر حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا هو السبب في كثرة حديثه، بل هو كما عرفنا أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وهذا الإسناد خماسي: قتيبة، ومالك، وابن شهاب، وسعيد، وأبو هريرة.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو السرخسي اليشكري ثقة، مأمون، سني، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وقيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، فقيل له: سني.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، ثبت، إمام، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن عمار].وهو عبد الرحمن بن عمار بن أبي زينب، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي.[عن القاسم بن محمد].وهو ابن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين مر ذكرهم عند ذكر سعيد بن المسيب، بل هو أحد الستة الذين لم يختلف في عدهم من الفقهاء السبعة.[عن عائشة].وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أكثر نساء هذه الأمة حديثاً، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمكثرون من الحديث سبعة من الصحابة، ستة من الرجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهؤلاء السبعة يقول فيهم السيوطي: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفزوجة النبي المراد بها أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    الجماعة إذا كانوا ثلاثة

    شرح حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)].ذكر النسائي هذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة. أي: كيف يصنعون؟ وكيف يعملون؟ ثم إن الجماعة أقلها اثنان: إمام ومأموم، هذا هو أقل الجماعة؛ لأن الواحد هو فرد وفذ، لكن إذا انضم إليه واحد يصلي معه، خرج من كونه فذاً إلى كونه صلى جماعة، فأقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم، وكلما زاد العدد كان أفضل وأكمل، وهذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة، وأورد النسائي حديث: أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)، فهذا يدل على أن الثلاثة عليهم بأن يكونوا جماعة، وأنه يؤمهم أحدهم، بل الاثنان يكونان جماعة، ويؤمهما أحدهما، ولكن الأولى بالإمامة هو أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، كما جاء في هذا الحديث، وكما جاء في حديث: أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه الذي سبق أن مر بنا: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء..)، ثم أيضاً حديث سلمة الجرمي الذي يرويه عنه ابنه عمرو بن سلمة الذي فيه: (أنه يؤمهم أكثرهم قرآناً)، وأنهم نظروا فوجدوه أكثرهم أخذاً للقرآن، فقدموه بهم في الصلاة، فكان يصلي بهم وهو صغير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.[حدثنا أبو عوانة].وهذه كنية اشتهر بها واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهناك من هو مشتهر بهذه الكنية، وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم، أو المسند، أو الصحيح؛ لأنه يسمى صحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، وذاك متأخر غير هذا؛ لأن هذا من طبقة شيوخ شيوخ الشيخين، وأما هذا فهو مستخرج على صحيح مسلم؛ لأنه بعد مسلم، أي: يروي أحاديث مسلم بأسانيد يلتقي فيها مع الإمام مسلم، ولا يمر بالإمام مسلم، هذا هو المستخرج، فذاك غير هذا.[عن قتادة].وهو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي نضرة].وهو المنذر بن مالك البصري، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سعيد].وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته أبو سعيد، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم آنفاً.
    الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة

    شرح حديث ابن عباس: (صليت إلى جنب النبي وعائشة خلفنا تصلي معنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرني زياد: أن قزعة مولى عبد القيس أخبره: أنه سمع عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة خلفنا تصلي معنا، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه)].أورد النسائي هذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة، ثم أورد فيه حديث: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى مع النبي عليه الصلاة والسلام فكان على يمينه، وكانت عائشة تصلي معهما وهي وراءهم، وهذا فيه: أن الرجل مع الصبي والمرأة يكونون جماعة، وأن المؤتم يكون عن يمين الإمام إذا كان واحداً، سواء كان رجلاً أو كان صبياً، وأن المرأة يكون موقفها وراء الصفوف، ولو كانت وحدها وصلت مع رجل واحد، فإنها تكون وراءه، ولا تكون بجواره؛ لأن النساء لا تصاف الرجال، وإنما صفوفهن وحدهن، ولو كانت واحدة فإنها تصلي وحدها، كما لو كان وراءه صفوف وهي وحدها، فإنها تكون وحدها، لا تصاف الرجال، ولا تقف في صف الرجال.والمراد بالصبي هو: ابن عباس؛ وذلك أنه لم يبلغ، وقد جاء في الحديث أنه في حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام، فهو لم يبلغ، ولهذا جاء ذكر الصبي أو ذكر الترجمة: رجل وصبي وامرأة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (صليت إلى جنب النبي وعائشة خلفنا تصلي معنا)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، أما أبوه إسماعيل وهو المشهور بابن علية فخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم سبق أن ذكرت: أن هناك أخ له اسمه إبراهيم، ولكنه من أهل البدع، وهو الذي ترجم له الذهبي، وقال عنه: إنه جهمي هالك، فأبوه من أهل السنة، وأخوه من أهل السنة، وأما إبراهيم، فهو من الجهمية، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل شاذة في الفقه، عندما يقال: قال ابن علية كذا في مسألة شاذة من مسائل الفقه، ليس المراد ابن علية الإمام الذي هو من أهل السنة إسماعيل، ولا ابنه محمداً، وإنما المقصود: إبراهيم بن إسماعيل، هذا الذي يأتي ذكره في المسائل الشاذة في مسائل الفقه.[عن حجاج].وهو الحجاج بن محمد المصيصي ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني زياد].وهو زياد بن سعد الخراساني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن قزعة].وهو المكي، مولى لـعبد القيس، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.[عن عكرمة].وهو مولى ابن عباس، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد تكلم فيه في عدة نواحي، ولكن الحافظ ابن حجر أطال في ترجمته في مقدمة الفتح، وحصر ما تكلم عليه به، ودافع عنه، وبين عدم صحة ما نسب إليه، وأنه ثقة ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وهو عبد الله بن عباس صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة

    المقصود من قولهم: أخرجه البخاري تعليقاً
    السؤال: ما معنى أخرجه البخاري تعليقاً؟الجواب: أخرجه البخاري تعليقاً إذا لم يذكر إسناده، بمعنى: ذكره معلقاً، بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول: قال أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول: قال فلان عن التابعي، أو يقول: قال فلان، وإن كان أقل من ذلك وأنزل من ذلك، وهذا ما يسمى بالمعلق، وإنما سمي تعليقاً؛ لأن الحذف كان في أول الإسناد، يعني: الإسناد جاء من فوق، ثم حذف أسفله فصار كالمعلق الذي فيه فراغ من تحته، حيث حذف جزء من السند من أسفله فصار كالمعلق، ولهذا الحافظ ابن حجر اعتنى بالأماكن المعلقة وجمعها، وذكر وصلها عند البخاري ؛ لأن البخاري أحياناً يكون عنده المعلق، ولكنه أسنده في مكان آخر، وأحياناً يكون معلقاً في كتابه، ولكنه أسند خارج الصحيح، فالمعلق: هو الذي يذكره البخاري ليس مسنداً، وإنما يحذف أول سنده، ويأتي به بأعلى الإسناد، أو من وسطه حتى أعلاه، أو قبل ذلك حتى أعلاه، وكتاب ابن حجر الذي سماه: تغليق التعليق لما كان الإسناد يأتي من فوق، وأسفله غير مسند، فبين وصله وسماه تغليق التعليق، أي: هذا المكان الخالي أغلقه بما أثبته من الاتصال الذي يكون قبل هذا التعليق، أو مكان هذا التعليق، فسماه: تغليق التعليق، ويأتي كثيراً في النسخ: تعليق التعليق، وهو تصحيف وخطأ، فتعليق التعليق ليس له معنى، فهو لا يعلق التعليق، وإنما يغلق التعليق، أي: المكان الخالي يأتي بشيء يسده، يسد الفراغ بالأشخاص الذين رووا الحديث متصلاً.والتعليق قسمان: تعليق بصيغة الجزم، وهي: قال وروى -بالفتح-، وتعليق بصيغة روي، ويذكر -للمجهول- والغالب على أن ما جاء بـ(يذكر ويروى) ففيه الضعف، وليس ذلك لازماً ودائماً، بل البخاري أحياناً يأتي به بصيغة التمريض التي هي يذكر، لا لضعفه، وإنما لكونه اختصره، أو رواه بالمعنى، فقد يكون صحيحاً، وقد أتى به بصيغة التمريض، وليس كل ما جاء بصيغة التعليق الجازم يكون أيضاً صحيحاً، ولكنه صحيح إلى من علق عنه، أي: المحذوف من الرواة مأمونون، وينظر فيه بعد ذلك، يعني: في المثبت والموجود. السؤال: ما سبب تسمية أبي هريرة بهذه الكنية؟الجواب: لا أدري.
    معنى كلمة (مقبول) في كتاب التقريب
    السؤال: ماذا يعني ابن حجر بلفظ: (مقبول) في كتابه التقريب؟الجواب: مقبول يقصد به: أنه يعتضد به، ويحتج به بالاعتضاد، لكن إذا لم يأت شيء يعضده فلا يحتج به.
    زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والذكر عنده
    السؤال: ماذا يقول من زار المسجد النبوي عند مروره بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه؟الجواب: أقول: لا يقول شيئاً، الإنسان عندما يدخل المسجد ويخرج من المسجد يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك لو صلى وسلم عندما يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم صل وسلم وبارك على رسول الله فلا بأس بذلك، أما كونه يشرع له شيء خاص عند المرور فهذا لم يرد، وكونه يتذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بمروره عند قبره فيصلي ويسلم عليه، كأن يقول: اللهم صل وسلم وبارك عليه، فهذا لا بأس، لكنه كونه يزور، ويسلم سلام الزيارة، فهذا يدخل تحت قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً).
    الصبي يقطع الصف
    السؤال: هل تقطع الصبي في الصف إذا وقف في صفوف الرجال؟الجواب: لا ينبغي؛ لأن الإنسان الذي يجلس في وسط الصف وهو لا يصلي يقطع الصف، وقد مر بنا: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، ويدخل في ذلك من يجلس وسط الصف ولا يصلي، والصف مقطوع بسببه، فالقطع موجود، ولكن الصلاة صحيحة، وهو كما لو جلس إنسان في وسط الصف ولم يصل، فصلاة من صلى بجواره صحيحة.وإذا كان الصبي لا يقطع الصف أبداً فيصلي، ولكن المرأة سواء كانت صبية أو كبيرة، لا تصاف الرجال، بل صفها يكون وحدها، لكن لو صلت مع الرجال فهي مثل الرجل الجالس الذي يقطع الصف، وهي كذلك تقطع الصف.
    تضعيف قراءة القرآن والذكر في المسجد الحرم
    السؤال: ورد في الأحاديث أن الصلاة في المسجد النبوي تفضل على الصلاة فيما دونه من المساجد غير الحرم المكي والمسجد الأقصى، فهل الذكر وقراءة القرآن في هذا المسجد تفضل كذلك؟الجواب: التضعيف بهذا المقدار ما جاء إلا في الصلاة، أما قراءة القرآن وذكر الله عز وجل فليس هناك ما يدل على التضعيف، لكن لا شك أن فيه أجراً عظيماً، لكن من حيث التضعيف بالكمية، ما ثبت هذا إلا بالنسبة للصلاة، ولا شك أن الذكر وقراءة القرآن في المسجد النبوي له شأن عظيم، وكذلك في المسجد الحرام، لكن التضعيف بمقدار معين لا يقال إلا بوجود دليل، وليس هناك دليل إلا فيما يتعلق بالصلاة، يعني: أنه من التضعيف بالكيف وليس بالكم، لأن الكم يحتاج إلى نص، وأما الكيف فلا شك أن شأن هذا أكبر من غيره، لكن لا تحديد بعدد معين.
    حكم اللقطة في المسجد النبوي
    السؤال: ما حكم من وجد ساعة بجوار المسجد النبوي، ثم سأل عنها الباعة الموجودين في نفس المكان الذي وجدها فيه، فلم يجد صاحبها، وفعل ذلك مراراً، فماذا يفعل؟الجواب: نقول: المسجد النبوي مثل المسجد الحرام إذا وجد الإنسان شيئاً، ينبغي أن يذهب به إلى الجهة التي يقصدوها الناس للبحث عن الأشياء المفقودة في المسجد؛ بأن يعطيهم إياها، وهم يتولون ذلك، يحفظونها إلى أن يأتي صاحبها، وإذا ما جاء أحد بيعت، وتصدق بها عن صاحبها، وهذا الإنسان الذي وجدها إن عرفها سنة كاملة، وقام بتعريفها التعريف الشرعي، فإنه يملكها بعد سنة، لكن قد لا يتيسر له أن يقوم بالتعريف، ولكن كونه يعطيها لمن يكون مرجعاً، ومن يرجع إليه عند فقدانه الأشياء في المسجدين فهو الذي ينبغي.
    العودة في الهبة
    السؤال: إذا وهب إنسان لإنسان، هل له حق العودة فيها؟الجواب: لا، أبداً: (العائد في هبته كالكلب يقيء ويرجع في قيئه)، فلا يجوز للإنسان أن يعود في هبته.
    النسيان لإحدى السجدتين
    السؤال: هذا السائل يقول: صلى إنسان وبعد أن انتهى من صلاته تذكر أنه لم يسجد سوى سجدة واحدة، فهل يأتي بالسجدة الناقصة ويسلم أم يعيد الصلاة؟الجواب: يقوم ويأتي بركعة، وإذا كانت السجدة في الركعة الأخيرة فيمكن أنه يتشهد ثم يسلم ويسجد للسهو، أما إذا كانت في الركعات السابقة، فإنه يقوم ويأتي بركعة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #158
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (155)


    - (باب فضل الجماعة) إلى (باب الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة)

    تزيد صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع أو بخمس وعشرين درجة، واختلف أهل العلم في صلاة الجماعة، هل هي واجبة أو مستحبة، والجماعة تبدأ باثنين فأكثر، وموقف المرأة خلف الرجال والصبيان.
    فضل الجماعة

    شرح حديث ابن عمر وأبي هريرة وعائشة في فضل صلاة الجماعة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الجماعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده خمسة وعشرين جزءاً). أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن عمار حدثني القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ خمساً وعشرين درجة)].يقول النسائي رحمه الله: فضل صلاة الجماعة، أي: بيان فضلها، ومضاعفة الأجر فيها، فعندما يصلي الإنسان في جماعة، فإن صلاته تضاعف عما لو صلى وحده. وقد أورد النسائي في هذا أولاً: حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، هذا الحديث يبين أن صلاة الجماعة إذا صلاها الإنسان مع الجماعة، فإنها تفضل على صلاته لو صلى وحده بسبع وعشرين درجة.وجاء في الحديث الذي بعده حديث أبي هريرة: (بخمسة وعشرين جزءاً)، أي: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين جزءاً. وجاء الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)، وهو مثل: حديث عبد الله بن عمر من حيث التمييز، ومثل: حديث أبي هريرة من حيث العدد، والدرجة، والجزاء، وهذا التفاوت الذي بينهما قيل: إن المراد بذلك هو المضاعفة إلى هذا المقدار، وإلى هذا العدد، وأن المقصود من ذلك: أنه من صلى وحده، فصلاته بصلاة واحدة، ومن صلى جماعة، فإن صلاته تبلغ سبعاً وعشرين صلاة، أو خمساً وعشرين صلاة، فمعنى هذا: أنها تضاعف هذه المضاعفة، ويكون الإنسان الذي صلى جماعة حصل له هذا التضعيف، وكأنه صلى هذه الصلوات بفضل صلاته مع الجماعة، وهو دال على فضل صلاة الجماعة. ثم ما جاء في حديث أبي هريرة من ذكر الجزء وهو خمس وعشرون جزءاً، وحديث ابن عمر من ذكر الدرجة، وهي سبع وعشرين درجة، قيل: أن العدد الأصغر يكون داخلاً في الأكبر، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في الخمس والعشرين، وبين ما جاء في السبع والعشرين، ومن العلماء من فرق: بأن السبعة والعشرين تكون في بعض الصلوات، مثل الصلوات الجهرية، والخمسة والعشرين تكون في الصلوات السرية، والذي يظهر: أن هذه المضاعفة تحصل لمن صلى الصلوات الجهرية والسرية، ويمكن أن يكون أخبر أولاً بأن فيه خمسة وعشرين، ثم بعد ذلك حصل زيادة وتفضل من الله عز وجل، وأن التضعيف يصل إلى سبع وعشرين درجة.
    وجوب صلاة الجماعة
    وأكثر الروايات جاءت بذكر الخمس والعشرين، وبعضها جاء بلفظ: السبع والعشرين، وكل ذلك يدل على التضعيف، وعلى فضل صلاة الجماعة، ولهذا استدل بها من قال: باستحباب صلاة الجماعة، وهو لا يدل على ذلك، وإنما يدل على أن من صلى صلاة الجماعة حصل له هذا التضعيف، والأحاديث الأخرى التي جاءت في بيان الوعيد الشديد والعقوبة في حق من لم يصل مع الجماعة، دالة على حصول الإثم فيما إذا لم يصل في جماعة، مع كون صلاته صحيحة، ولكنه يفوته هذا الأجر العظيم، ويكون آثماً لكونه ترك أمراً واجباً عليه.إن الأحاديث التي جاءت في التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة، وبيان أن من يفعل ذلك متصف بصفات المنافقين، وكذلك أيضاً ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من الأحاديث التي فيها الأمر بالجماعة، والحث عليها، والتحذير من التهاون فيها كما جاء في حديث الأعمى وغيره، الذي قال له: (هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب)، فتلك الأحاديث دالة على وجوبها، وهذه الأحاديث تدل على أن صلاة المنفرد وحده صحيحة، ولكنه يأثم إذا لم يأت بصلاة الجماعة؛ للأحاديث الأخرى الدالة على وجوبها، والقول بوجوب صلاة الجماعة هو الأظهر.ومن العلماء من قابل القول بالاستحباب وقال: إن صلاة الجماعة شرط، بمعنى: أنه لا تصح الصلاة من الإنسان لو صلى وحده، وهذا القول أيضاً ليس بصحيح؛ لأن هذه الأحاديث: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، تدل على بطلان هذا القول ورده.إذاً: فالقول الوسط والقول الذي تؤيده الأدلة: هو أن الجماعة واجبة، وأن من صلى وحده فصلاته صحيحة، ويكون آثماً لكونه ترك أمراً واجباً عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر النسائي من رواية حديثه فهو من شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، بل إن أول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد هذا، وقل ما يأتي صفحات خالية من ذكر قتيبة بن سعيد، بل مجيئه كثير، وذكره كثير، والرواية عنه في هذه السنن كثيرة.[عن مالك].ومالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، مذاهب أهل السنة المشهورة المعروفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.وقد ذكرت مراراً، وتكراراً: أن مذاهب الفقهاء ليست مقصورة على المذاهب الأربعة، بل هناك أئمة أجلة في زمن هؤلاء الأربعة وقبلهم وبعدهم، ولكن حصل اشتهار هؤلاء الأربعة لوجود تلاميذ وأتباع عنوا بجمع كلامهم وفقههم، وبتنظيمه وترتيبه والتأليف فيه، حتى صار لهذه المذاهب هذه الشهرة، وإلا فإن هناك علماء آخرون مجتهدون مثل هؤلاء؛ مثل: إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإبراهيم النخعي وغيرهم من الأئمة المحدثين الذين هم من الأئمة المجتهدين، ولكنه ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأربعة.[عن نافع].وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.يروي عن عبد الله بن عمر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وليس عنده شيء من الثلاثيات، وسبق أن ذكرت أن أصحاب الكتب الستة: ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، والذين عندهم ثلاثيات، هم: البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا، وهو: قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا سند رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي.ثم هذا الإسناد الذي فيه مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا هو الإسناد الذي قال عنه الإمام البخاري: إنه أصح الأسانيد، ويسمى السلسلة الذهبية، فهو أصح الأسانيد عند الإمام البخاري رحمة الله عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].قتيبة عن مالك، وهما اللذان مرا في الإسناد الذي قبل هذا.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، منسوب إلى جد جده شهاب، وهو مشهور بالنسبة إليه، وأيضاً مشهور بالنسبة إلى جد جده الأعلى زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، حيث يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي، وزهرة ابنا كلاب، فهو منسوب إلى جده زهرة فيقال له: الزهري، ومنسوب إلى جد جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، وهو محدث، فقيه، وإمام جليل، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بجمع السنة، ولهذا يقول السيوطي: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمرفالمقصود من ذلك: أنه هو الذي قام بالتدوين بتكليف من السلطان ومن ولي الأمر، وأما الكتابة والتدوين بجهود فردية شخصية، فهذا كان موجوداً في زمن الصحابة، وموجوداً في زمن التابعين، وابن شهاب الزهري هو من صغار التابعين، ولكن الجمع الذي حصل منه كان بتكليف من السلطان الذي هو عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه الذي توفي سنة: (101هـ).[عن سعيد بن المسيب].وهو سعيد بن المسيب من فقهاء التابعين، ومن فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين بالفقه والحديث، وكانوا في وقت واحد، وإذا جاءت مسألة اتفقوا عليها قيل عنها: وقال بها الفقهاء السبعة، والمراد بالسبعة سبعة من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء الثلاثة اختلف في عدهم في الفقهاء السبعة، فالسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وسعيد بن المسيب من المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهو محدث مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه: عبد الرحمن بن صخر على أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكثرون من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه سبعة، وأكثر هؤلاء السبعة حديثاً أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وقد أسلم عام خيبر، وهذه الكثرة سببها أولاً: دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له بالحفظ، وأن يحفظ ما يأخذه، وثانياً: كونه ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم منذ أسلم إلى أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم أيضاً كونه في المدينة، وهي ملتقى الوافدين والقادمين إليها والصادرين عنها، ثم هو أيضاً عمر حتى أدركه الكثيرون، فصار يأخذ ويعطي، يأخذ عن الصحابة ويأخذون عنه، والصحابة والتابعون يأخذون عنه، فكثر حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا هو السبب في كثرة حديثه، بل هو كما عرفنا أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وهذا الإسناد خماسي: قتيبة، ومالك، وابن شهاب، وسعيد، وأبو هريرة.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في فضل صلاة الجماعة
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو السرخسي اليشكري ثقة، مأمون، سني، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وقيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، فقيل له: سني.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، ثبت، إمام، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن عمار].وهو عبد الرحمن بن عمار بن أبي زينب، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي.[عن القاسم بن محمد].وهو ابن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين مر ذكرهم عند ذكر سعيد بن المسيب، بل هو أحد الستة الذين لم يختلف في عدهم من الفقهاء السبعة.[عن عائشة].وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أكثر نساء هذه الأمة حديثاً، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمكثرون من الحديث سبعة من الصحابة، ستة من الرجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهؤلاء السبعة يقول فيهم السيوطي: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفزوجة النبي المراد بها أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    الجماعة إذا كانوا ثلاثة

    شرح حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)].ذكر النسائي هذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة. أي: كيف يصنعون؟ وكيف يعملون؟ ثم إن الجماعة أقلها اثنان: إمام ومأموم، هذا هو أقل الجماعة؛ لأن الواحد هو فرد وفذ، لكن إذا انضم إليه واحد يصلي معه، خرج من كونه فذاً إلى كونه صلى جماعة، فأقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم، وكلما زاد العدد كان أفضل وأكمل، وهذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة، وأورد النسائي حديث: أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)، فهذا يدل على أن الثلاثة عليهم بأن يكونوا جماعة، وأنه يؤمهم أحدهم، بل الاثنان يكونان جماعة، ويؤمهما أحدهما، ولكن الأولى بالإمامة هو أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، كما جاء في هذا الحديث، وكما جاء في حديث: أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه الذي سبق أن مر بنا: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء..)، ثم أيضاً حديث سلمة الجرمي الذي يرويه عنه ابنه عمرو بن سلمة الذي فيه: (أنه يؤمهم أكثرهم قرآناً)، وأنهم نظروا فوجدوه أكثرهم أخذاً للقرآن، فقدموه بهم في الصلاة، فكان يصلي بهم وهو صغير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.[حدثنا أبو عوانة].وهذه كنية اشتهر بها واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهناك من هو مشتهر بهذه الكنية، وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم، أو المسند، أو الصحيح؛ لأنه يسمى صحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، وذاك متأخر غير هذا؛ لأن هذا من طبقة شيوخ شيوخ الشيخين، وأما هذا فهو مستخرج على صحيح مسلم؛ لأنه بعد مسلم، أي: يروي أحاديث مسلم بأسانيد يلتقي فيها مع الإمام مسلم، ولا يمر بالإمام مسلم، هذا هو المستخرج، فذاك غير هذا.[عن قتادة].وهو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي نضرة].وهو المنذر بن مالك البصري، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سعيد].وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته أبو سعيد، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم آنفاً.
    الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة

    شرح حديث ابن عباس: (صليت إلى جنب النبي وعائشة خلفنا تصلي معنا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرني زياد: أن قزعة مولى عبد القيس أخبره: أنه سمع عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة خلفنا تصلي معنا، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه)].أورد النسائي هذه الترجمة: الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة، ثم أورد فيه حديث: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى مع النبي عليه الصلاة والسلام فكان على يمينه، وكانت عائشة تصلي معهما وهي وراءهم، وهذا فيه: أن الرجل مع الصبي والمرأة يكونون جماعة، وأن المؤتم يكون عن يمين الإمام إذا كان واحداً، سواء كان رجلاً أو كان صبياً، وأن المرأة يكون موقفها وراء الصفوف، ولو كانت وحدها وصلت مع رجل واحد، فإنها تكون وراءه، ولا تكون بجواره؛ لأن النساء لا تصاف الرجال، وإنما صفوفهن وحدهن، ولو كانت واحدة فإنها تصلي وحدها، كما لو كان وراءه صفوف وهي وحدها، فإنها تكون وحدها، لا تصاف الرجال، ولا تقف في صف الرجال.والمراد بالصبي هو: ابن عباس؛ وذلك أنه لم يبلغ، وقد جاء في الحديث أنه في حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام، فهو لم يبلغ، ولهذا جاء ذكر الصبي أو ذكر الترجمة: رجل وصبي وامرأة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (صليت إلى جنب النبي وعائشة خلفنا تصلي معنا)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، أما أبوه إسماعيل وهو المشهور بابن علية فخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم سبق أن ذكرت: أن هناك أخ له اسمه إبراهيم، ولكنه من أهل البدع، وهو الذي ترجم له الذهبي، وقال عنه: إنه جهمي هالك، فأبوه من أهل السنة، وأخوه من أهل السنة، وأما إبراهيم، فهو من الجهمية، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل شاذة في الفقه، عندما يقال: قال ابن علية كذا في مسألة شاذة من مسائل الفقه، ليس المراد ابن علية الإمام الذي هو من أهل السنة إسماعيل، ولا ابنه محمداً، وإنما المقصود: إبراهيم بن إسماعيل، هذا الذي يأتي ذكره في المسائل الشاذة في مسائل الفقه.[عن حجاج].وهو الحجاج بن محمد المصيصي ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني زياد].وهو زياد بن سعد الخراساني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن قزعة].وهو المكي، مولى لـعبد القيس، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.[عن عكرمة].وهو مولى ابن عباس، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد تكلم فيه في عدة نواحي، ولكن الحافظ ابن حجر أطال في ترجمته في مقدمة الفتح، وحصر ما تكلم عليه به، ودافع عنه، وبين عدم صحة ما نسب إليه، وأنه ثقة ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وهو عبد الله بن عباس صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة

    المقصود من قولهم: أخرجه البخاري تعليقاً
    السؤال: ما معنى أخرجه البخاري تعليقاً؟الجواب: أخرجه البخاري تعليقاً إذا لم يذكر إسناده، بمعنى: ذكره معلقاً، بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول: قال أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول: قال فلان عن التابعي، أو يقول: قال فلان، وإن كان أقل من ذلك وأنزل من ذلك، وهذا ما يسمى بالمعلق، وإنما سمي تعليقاً؛ لأن الحذف كان في أول الإسناد، يعني: الإسناد جاء من فوق، ثم حذف أسفله فصار كالمعلق الذي فيه فراغ من تحته، حيث حذف جزء من السند من أسفله فصار كالمعلق، ولهذا الحافظ ابن حجر اعتنى بالأماكن المعلقة وجمعها، وذكر وصلها عند البخاري ؛ لأن البخاري أحياناً يكون عنده المعلق، ولكنه أسنده في مكان آخر، وأحياناً يكون معلقاً في كتابه، ولكنه أسند خارج الصحيح، فالمعلق: هو الذي يذكره البخاري ليس مسنداً، وإنما يحذف أول سنده، ويأتي به بأعلى الإسناد، أو من وسطه حتى أعلاه، أو قبل ذلك حتى أعلاه، وكتاب ابن حجر الذي سماه: تغليق التعليق لما كان الإسناد يأتي من فوق، وأسفله غير مسند، فبين وصله وسماه تغليق التعليق، أي: هذا المكان الخالي أغلقه بما أثبته من الاتصال الذي يكون قبل هذا التعليق، أو مكان هذا التعليق، فسماه: تغليق التعليق، ويأتي كثيراً في النسخ: تعليق التعليق، وهو تصحيف وخطأ، فتعليق التعليق ليس له معنى، فهو لا يعلق التعليق، وإنما يغلق التعليق، أي: المكان الخالي يأتي بشيء يسده، يسد الفراغ بالأشخاص الذين رووا الحديث متصلاً.والتعليق قسمان: تعليق بصيغة الجزم، وهي: قال وروى -بالفتح-، وتعليق بصيغة روي، ويذكر -للمجهول- والغالب على أن ما جاء بـ(يذكر ويروى) ففيه الضعف، وليس ذلك لازماً ودائماً، بل البخاري أحياناً يأتي به بصيغة التمريض التي هي يذكر، لا لضعفه، وإنما لكونه اختصره، أو رواه بالمعنى، فقد يكون صحيحاً، وقد أتى به بصيغة التمريض، وليس كل ما جاء بصيغة التعليق الجازم يكون أيضاً صحيحاً، ولكنه صحيح إلى من علق عنه، أي: المحذوف من الرواة مأمونون، وينظر فيه بعد ذلك، يعني: في المثبت والموجود. السؤال: ما سبب تسمية أبي هريرة بهذه الكنية؟الجواب: لا أدري.
    معنى كلمة (مقبول) في كتاب التقريب
    السؤال: ماذا يعني ابن حجر بلفظ: (مقبول) في كتابه التقريب؟الجواب: مقبول يقصد به: أنه يعتضد به، ويحتج به بالاعتضاد، لكن إذا لم يأت شيء يعضده فلا يحتج به.
    زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والذكر عنده
    السؤال: ماذا يقول من زار المسجد النبوي عند مروره بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه؟الجواب: أقول: لا يقول شيئاً، الإنسان عندما يدخل المسجد ويخرج من المسجد يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك لو صلى وسلم عندما يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم صل وسلم وبارك على رسول الله فلا بأس بذلك، أما كونه يشرع له شيء خاص عند المرور فهذا لم يرد، وكونه يتذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بمروره عند قبره فيصلي ويسلم عليه، كأن يقول: اللهم صل وسلم وبارك عليه، فهذا لا بأس، لكنه كونه يزور، ويسلم سلام الزيارة، فهذا يدخل تحت قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً).
    الصبي يقطع الصف
    السؤال: هل تقطع الصبي في الصف إذا وقف في صفوف الرجال؟الجواب: لا ينبغي؛ لأن الإنسان الذي يجلس في وسط الصف وهو لا يصلي يقطع الصف، وقد مر بنا: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، ويدخل في ذلك من يجلس وسط الصف ولا يصلي، والصف مقطوع بسببه، فالقطع موجود، ولكن الصلاة صحيحة، وهو كما لو جلس إنسان في وسط الصف ولم يصل، فصلاة من صلى بجواره صحيحة.وإذا كان الصبي لا يقطع الصف أبداً فيصلي، ولكن المرأة سواء كانت صبية أو كبيرة، لا تصاف الرجال، بل صفها يكون وحدها، لكن لو صلت مع الرجال فهي مثل الرجل الجالس الذي يقطع الصف، وهي كذلك تقطع الصف.
    تضعيف قراءة القرآن والذكر في المسجد الحرم
    السؤال: ورد في الأحاديث أن الصلاة في المسجد النبوي تفضل على الصلاة فيما دونه من المساجد غير الحرم المكي والمسجد الأقصى، فهل الذكر وقراءة القرآن في هذا المسجد تفضل كذلك؟الجواب: التضعيف بهذا المقدار ما جاء إلا في الصلاة، أما قراءة القرآن وذكر الله عز وجل فليس هناك ما يدل على التضعيف، لكن لا شك أن فيه أجراً عظيماً، لكن من حيث التضعيف بالكمية، ما ثبت هذا إلا بالنسبة للصلاة، ولا شك أن الذكر وقراءة القرآن في المسجد النبوي له شأن عظيم، وكذلك في المسجد الحرام، لكن التضعيف بمقدار معين لا يقال إلا بوجود دليل، وليس هناك دليل إلا فيما يتعلق بالصلاة، يعني: أنه من التضعيف بالكيف وليس بالكم، لأن الكم يحتاج إلى نص، وأما الكيف فلا شك أن شأن هذا أكبر من غيره، لكن لا تحديد بعدد معين.
    حكم اللقطة في المسجد النبوي
    السؤال: ما حكم من وجد ساعة بجوار المسجد النبوي، ثم سأل عنها الباعة الموجودين في نفس المكان الذي وجدها فيه، فلم يجد صاحبها، وفعل ذلك مراراً، فماذا يفعل؟الجواب: نقول: المسجد النبوي مثل المسجد الحرام إذا وجد الإنسان شيئاً، ينبغي أن يذهب به إلى الجهة التي يقصدوها الناس للبحث عن الأشياء المفقودة في المسجد؛ بأن يعطيهم إياها، وهم يتولون ذلك، يحفظونها إلى أن يأتي صاحبها، وإذا ما جاء أحد بيعت، وتصدق بها عن صاحبها، وهذا الإنسان الذي وجدها إن عرفها سنة كاملة، وقام بتعريفها التعريف الشرعي، فإنه يملكها بعد سنة، لكن قد لا يتيسر له أن يقوم بالتعريف، ولكن كونه يعطيها لمن يكون مرجعاً، ومن يرجع إليه عند فقدانه الأشياء في المسجدين فهو الذي ينبغي.
    العودة في الهبة
    السؤال: إذا وهب إنسان لإنسان، هل له حق العودة فيها؟الجواب: لا، أبداً: (العائد في هبته كالكلب يقيء ويرجع في قيئه)، فلا يجوز للإنسان أن يعود في هبته.
    النسيان لإحدى السجدتين
    السؤال: هذا السائل يقول: صلى إنسان وبعد أن انتهى من صلاته تذكر أنه لم يسجد سوى سجدة واحدة، فهل يأتي بالسجدة الناقصة ويسلم أم يعيد الصلاة؟الجواب: يقوم ويأتي بركعة، وإذا كانت السجدة في الركعة الأخيرة فيمكن أنه يتشهد ثم يسلم ويسجد للسهو، أما إذا كانت في الركعات السابقة، فإنه يقوم ويأتي بركعة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #159
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (156)


    - باب الجماعة إذا كانوا اثنين - باب الجماعة للنافلة

    بيّن الشرع الحكيم أقل ما تحصل به صلاة الجماعة، كما بين موقف المأموم الواحد من الإمام، وفضل الكثرة في الجماعة، ولو في النافلة.
    الجماعة إذا كانوا اثنين

    شرح حديث ابن عباس: (صليت مع رسول الله فقمت عن يساره ... فأقامني عن يمينه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة إذا كانوا اثنين.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يساره، فأخذني بيده اليسرى فأقامني عن يمينه) ].يقول النسائي رحمه الله: الجماعة إذا كانوا اثنين، الجماعة أقلها اثنان: إمام، ومأموم، والمأموم في هذه الحال يكون عن يمين الإمام، ولا يكون عن يساره، وقد أورد النسائي في هذا حديث: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه صلى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فوقف عن يساره بعدما دخل في الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذه بيساره فأداره عن يمينه)، فجعله يتحول من ورائه من كونه عن يساره إلى كونه عن يمينه، وهذا فيه حصول الجماعة من اثنين: إمام، ومأموم، وقد سبق أن مر الحديث، وفيه حصول النافلة جماعة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الليل، وقام ابن عباس معه، ودخل معه في الصلاة، يعني: في صلاة الليل، فهي نافلة، ففيه حصول الجماعة في النافلة. وفيه أيضاً: أن الإنسان إذا دخل وحده، ثم جاءه غيره ودخل معه، فإنه يتحول، أو يصير إماماً لوجود هذا الذي جاء، ودخل معه في الصلاة، فهو دخل في الصلاة على أنه منفرد، وفي أثنائها صار إماماً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قام من الليل، ودخل في الصلاة، ثم إن ابن عباس قام وتوضأ، ثم جاء ووقف عن يساره، فأداره إلى يمينه، ففيه الدلالة على أن الذي يصلي وحده، إذا جاء غيره، ودخل معه في الصلاة، فيصير إماماً، وذلك الداخل يصير مأموماً، وفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه ابن عباس في هذه الواقعة يدل على هذا الشيء، ويدل على أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، وعلى أنه لو صلى عن يساره، فإن الصلاة صحيحة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقره على ما بدأه من الصلاة، ولم ينبهه إلى أنه لابد من استئنافها عن يمينه، بل اعتبر ما كان عن يساره، وإنما أداره إلى يمينه حيث تحول إلى جهة اليمين، وأقره على الفعل السابق الذي كان على جهة اليسار، فلو حصلت الصلاة عن جهة اليسار صحت، ولكن فيها مخالفة للسنة، واعتبار ما مضى قبل الإدارة من ورائه يدل على صحة ذلك، وعلى حصول ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (صليت مع رسول الله فقمت عن يساره ... فأقامني عن يمينه)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، راوية عبد الله بن المبارك، ولقبه الشاه، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[عن عبد الله بن المبارك المروزي].هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو أيضاً مروزي، وهو ثقة، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من خصاله وصفاته الحميدة، وعقبها بقوله: جمعت فيه خصال الخير. فهو من العباد، المجاهدين، الثقات، الأثبات، وقال عنه بعض العلماء: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، أي: أكبر من أن يقال فيه: ثقة، ثقة قليلة عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الملك].وهو ابن أبي سلمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عطاء].وهو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، فاضل، كثير الإرسال، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، قيل: إن الذين عرفوا بالتلقيب بأبي العباس شخصان، أحدهما: عبد الله بن عباس، والثاني: سهل بن سعد الساعدي، فهذان الاثنان من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، قيل عنهما: إنهما هما اللذان يكنيان بهذه الكنية، وهي: أبو العباس، وعبد الله بن عباس هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأن الذين يسمون بعبد الله من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيرون، ولكن الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهو العبادلة الأربعة، هؤلاء الصحابة الأربعة من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وهم من صغار الصحابة، وسبق أن مر في ترجمة سابقة قريباً قول النسائي: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل، وصبي، وامرأة]، والمراد بالصبي عبد الله بن عباس ؛ وذلك أنه في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وقارب البلوغ، فهو من صغار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.والأربعة متقاربون، وليس منهم عبد الله بن مسعود ؛ لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ممن تقدمت وفاته، وهو من كبار الصحابة، وأما الأربعة فهم متقاربون في السن، وعاشوا وأدركهم الكثير ممن لم يدرك ابن مسعود ؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأيضاً عبد الله بن عباس هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة من الرجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، هؤلاء الستة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، والسابع امرأة، وهي: أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    شرح حديث: (... وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن أبي إسحاق: أنه أخبرهم عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه قال شعبة: وقال أبو إسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه، قال: سمعت أبي بن كعب رضي الله عنه يقول: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الصبح، فقال: أشهد فلان الصلاة؟ قالوا: لا، قال: ففلان؟ قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل) ].أورد النسائي في هذه الترجمة، وهي: (الجماعة إذا كانوا اثنين) حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالناس الصبح، فقال: (أشهد فلان الصلاة؟ قالوا: لا، قال: ففلان؟ قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين)، يريد الصبح ويريد العشاء، الصبح التي هي الحاضرة، والعشاء التي هي قبلها، وهي فيها شبه بها من حيث أنها تقع في الليل، والعشاء تقع في أول الليل، حيث يكون الناس بحاجة إلى النوم، ولهذا جاء في الحديث: (وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها)، يكره النوم قبلها؛ لأنه يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء وفواتها جماعة، وكذلك أيضاً صلاة الفجر تقع عندما يطيب الفراش، وعندما يتلذذ النائم بالنوم، ويطيب له النوم، فيجد في منامه الراحة واللذة، ولهذا يأتي في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، يعني: هذا النوم الذي تدركون لذته، وتدركون حسنه، والارتياح إليه، ما تدعون إليه وهو الصلاة خير من هذا الذي طاب لكم، ولذ لكم، وأنستم به، وارتحتم إليه، فصلاة العشاء تقع في أول الليل بعدما يكون الناس في تعب ونصب في النهار، يحتاجون إلى النوم فينام المنافقون عن الصلاة، وكذلك في آخر الليل يكون الفراش قد طاب ولذ وصار النوم لذيذاً؛ لأن الإنسان مغرق في النوم، ومتمكن من النوم، فلهذا كانت هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، وكل الصلوات ثقيلة؛ لأن قوله: [ن هاتين الصلاتين من أثقل]يدل على أن غيرهما ثقيل، ولكن هاتان الصلاتان فيهما زيادة ثقل، وفيها كثرة الثقل على المنافقين، ففيه أفعل تفضيل، أثقل الصلاة على المنافقين هاتان الصلاتان، إشارة إلى الحاضرة، وإشارة إلى الصلاة التي قبلها، والتي هي متصلة بها من حيث الوقت الذي هو الاضطراري، وكون هذه تقع في أول الليل، وهذه تقع في آخر الليل عندما يطلع الفجر، ويحسن النوم في هاتين الصلاتين. وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه بالنفاق؛ لأن صلاة العشاء، وصلاة الفجر هي أثقل الصلاة على المنافقين كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء المنافقين لو يعلمون ما فيهما من الأجر، أي: هاتين الصلاتين، لأتوهما، ولو حبواً: ولو كانوا يحبون على الركب، وعلى الأيدي من شدة المرض، لو كانوا يعلمون الأجر الذي فيهما لحرصوا على الإتيان جماعة، وهذا الحديث يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لأنها لو لم تكن واجبة لما حصل فيها هذا الوعيد، وبيان أن هذا من صفات المنافقين، لو كان الأمر سهلاً، وهيناً، الذي يصلي يصلي، والذي يتأخر يتأخر، ما جاء فيها هذا الذي جاء، لكن لما جاء علم بأنها واجبة؛ لأن كونها أثقل الصلاة على المنافقين يعني أن الصلوات ثقيلة على المنافقين، ثم أيضاً كون أنهم لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما، ولو حبواً.وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا يعلمون ما فيهما من الأجر، ويعلمون ما في صلاة الجماعة من أجر، ولهذا كان الواحد يصيبه المرض ويشتد به وهو معذور، فله أن يصلي في بيته، ولكن نفوسهم لا تسمح لهم أن يبقوا ويصلوا في بيوتهم، وإنما يأتون إلى المساجد، وفيهم من المشقة ما فيهم، حتى أن الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، كما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال كما أسلفت: كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه، أي: اتهمناه بالنفاق، هذا إذا فقدوه في المسجد، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة واجبة؛ لأنها لو لم تكن واجبة ما كان هذا الترهيب، وهذا والوعيد، وبيان أن هذه أحوال المنافقين، ثم أيضاً أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم كونهم يتهمون بالنفاق من يرونه متخلفاً عن صلاة العشاء، وكون الواحد منهم يصيبه المرض، ثم لا تسمح نفسه أن يصلي في بيته، بل يؤتى به يهادى بين الرجلين.وفي أول الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟)، وهذا يدلنا على جواز عد الناس في صلاة الصبح؛ ليعرف من حضر ومن تخلف، كما هو معمول به في بعض البلاد، حيث أنه بعد أن ينتهى من صلاة الصبح ينادى الناس بأسمائهم؛ لأن من يخشى عليهم التخلف هم إما لكونهم مثلاً شباباً، أو ممن يغلب النوم عليهم، فيكون ذلك دافعاً وحافزاً لهم إلى أن يحضروا المساجد؛ لأن هذا الحديث يدل على جواز هذا العدد الذي يكون في المساجد بعد الصلوات، قول الرسول: (أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟)، معناه: تسمية الناس بعد الصلاة، ومعرفة من حضر ومن لم يحضر، وفيه حفز للهمم، وابتعاد عن التخلف، ومن المعلوم أن الإنسان يستحي من الله، ويستحي من خلق الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت). قوله: [(والصف الأول على مثل صف الملائكة) ]. المراد بذلك أن الملائكة تصف عند الله عز وجل، ويكملون الصف الأول فالأول، وخير الصفوف وأفضل الصفوف هو الأول منها التي هي صفوف الملائكة، وكذلك صفوف المصلين، والرسول عليه الصلاة والسلام كما مر بنا في الحديث، قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا: وكيف تصف؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصفوف)، فالصف الأول الذي يلي الإمام هو مثل الصف الأول من صفوف الملائكة الذي هو أولها، فإن هذا فيه مشابهة ومماثلة، وفيه بيان عظم الأجر لمن يصلي في الصف الأول؛ لأنه مماثل لأول صفوف الملائكة عند الله عز وجل.قوله: [(ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه)].أي: لو يعلم الناس فضيلته لسارعوا إليه، وبادروا إليه، وهذا مثل الحديث الآخر الذي في معناه، ويدل على ما دل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، أي: يعملون قرعة، أي: كونهم يصلون دفعة واحدة، وكل واحد ما يسمح للثاني، فتفصل بينهم القرعة.قوله: [(وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده) ]. وهذا هو محل الشاهد من إيراد هذا الحديث الطويل في الترجمة: الجماعة إذا كانوا اثنين، هذا محل الشاهد من هذا الحديث الطويل، قوله: (وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته وحده)، أزكى، يعني: أفضل، وأعظم أجراً من صلاته وحده، وصلاته مع الاثنين أزكى من صلاته مع الواحد.قوله: [(وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)]. كلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على أن الجماعة كلما كثرت كلما كان أفضل، المسجد الذي تكثر فيه الجماعة، هذا يدل على فضيلته، وهذا فيه أيضاً دليل على اتصاف الله تعالى بالمحبة، وأن الله تعالى يحب من شاء من عباده، ويحب ما شاء من الأفعال والأعمال، فإن هذه الصلاة التي يكثر العدد فيها، كلما كان العدد أكثر فإنه أحب إلى الله عز وجل، وفيه أيضاً حصول التفاوت في محبة الله تعالى؛ لأن قوله: أحب إلى الله، أي: معناه أن الأعمال المحبوبة عند الله متفاوتة، وبعضها أحب إليه من بعض.ومن المعلوم أن إثبات المحبة لله عز وجل، وغيرها من الصفات، كله على نسق واحد، وعلى طريقة واحدة، كل ما ثبت به الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل يجب الإيمان به على الوجه اللائق بكمال الله، وجلاله دون تشبيه لله بخلقه، ودون تعطيل للصفات، أو نفي، أو تأويل لها، بل يجب إثباتها، وعدم التعرض لها بتشبيه، أو تكييف، أو تحريف، أو تعطيل، بل كلها تثبت على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت لنفسه السمع، والبصر، ونفى المشابهة، ونفى مشابهته لشيء من خلقه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل...)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وقد ذكرت فيما مضى: أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه، فإن من يعرف اسمه، ونسبه، ولا يعرف كنيته، يظن أنه لو جاء بالاسم، والكنية، أن هناك تصحيف بين (ابن)، و(أبو)، وأن (ابن) صحفت، وتحولت إلى (أبو)، ومن يعرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب لا يلتبس عليه الأمر، ولا يظن هذا الظن: أن في اللفظ تصحيفاً. [عن خالد بن الحارث].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إسحاق].هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، الهمداني نسبة عامة، والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع هم بطن من همدان، وجزء من همدان، ولكنه مشهور بالنسبة الخاصة، وهي السبيعي، ومشهور بكنيته، فهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن أبي بصير].وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه . [عن أبيه].هو أبو بصير العبدي الكوفي الأعمى، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وهو: كابنه، ويذكر شعبة عن أبي إسحاق: أن أبا إسحاق رواه عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه، ورواه عن أبيه، معناه أن الحديث يرويه أبو إسحاق من طريقين: من طريق عالية، ومن طريق نازلة، من طريق نازلة، وهي أن بينه وبين أبي بصير واسطة وهو ابنه، ومن طريق عالية، وهي أنه يروي عن أبي بصير مباشرة وبدون واسطة.إذاً: هو بإسناد عالٍ، وبإسناد نازل، وهذا يحصل فالمحدث قد يسمع الحديث بطريق نازلة، ثم يظفر بالطريق العالية فيروي بها، فيجيء عنه مروياً بالطريق النازلة، ويجيء مروياً بالطريق العالية، ولكن الرواية النازلة عنه غالباً ما تكون في الأول، ولكنه بعد ذلك، أي: الذي رواه نازلاً، يظفر به عالياً، فيرويه بدون واسطة، ويرويه بالواسطة اعتباراً بالحالين اللتين حصل بهما الرواية، كونه حصله نازلاً فرواه نازلاً، ثم بعد ذلك ظفر به عالياً فرواه عالياً.[عن أبي بن كعب].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي وصف بأنه سيد القراء، وهو من فضلاء الصحابة، وهو الذي جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1]، قال: وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى أبي من الفرح)، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذه منقبة من مناقبه؛ كون الله عز وجل أمر نبيه أن يقرأ على أبي سورة: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1].
    الجماعة للنافلة

    شرح حديث عتبان في صلاة النافلة جماعة في البيت
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة للنافلة.أخبرنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن محمود عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله، إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي، فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنفعل، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أين تريد؟ فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه، فصلى بنا ركعتين) ].أورد النسائي: الجماعة في النافلة، والمقصود من ذلك أن النافلة يجوز أن تصلى جماعة، ولكن هذا في بعض الأحيان؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يداوم على هذا، وإنما يفعله في بعض الأحيان، فهذا يدل على أنه إذا وجدت النافلة في بعض الأحيان من غير ملازمة فإن ذلك سائغ، ويدل عليه هذا الحديث الذي هو حديث عتبان بن مالك، ويدل أيضاً على هذا حديث ابن عباس المتقدم قريباً، حيث بات عند خالته ميمونة، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وقام ابن عباس وتوضأ، وصف عن يساره فأداره عن يمينه، فهذه صلاة الجماعة في النافلة، فهذا يدل على جواز ذلك في بعض الأحيان، دون أن يتخذ سنة، وطريقة، وأن يلازم، وأن يداوم عليه؛ لأنه لم يعرف ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أنه جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إن السيول تحول بيني، وبين مسجد قومي، وكان يصلي بقومه، وهو أعمى، قد سبق أن مر في إمامة الأعمى، فطلب منه أن يأتي ليصلي في مكان في بيته يتخذه مصلى، يعني: يتبرك بكون الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في موضع من بيته، ويبدأ الصلاة فيه، فيتخذ ذلك مسجداً يصلي فيه، وهذا التبرك وهذا العمل هو خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يفعل هذا مع غيره، كأن يطلب من أحد أن يأتي، ويصلي في مكان ليتبرك بصلاته، وبمكان صلاته؛ لأن هذا التبرك خاص بشخصه عليه الصلاة والسلام، مثل التحنيك، وكذلك تبركهم بعرقه، وبصاقه، وشعره، وما إلى ذلك من بعض الأشياء التي يمسها جسده عليه الصلاة والسلام، فهذه من خصائصه، فلا تفعل مع أحد سواه عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر الشاطبي في (الاعتصام): أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما لم يفعلوا هذا مع أحد من بعده، علم أن هذا خاص به، أي: التبرك بجسده، وما لمس جسده، وما مس جسده عليه الصلاة والسلام، هذا من خصائصه، فهو طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي، ويصلي في مكان يتخذه مصلى، فيما إذا حصل مجيء السيول، وحالت بينه، وبين المسجد، إذا سال الوادي، ولم يتمكن من الذهاب إلى المسجد بسبب السيل، فإنه يصلي في بيته، وفي هذا المكان الذي صلى فيه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فقال: سنفعل، أي: وافق وأنه سيأتي إليه، ونفذ رسول الله عليه الصلاة والسلام ما وعد به، ولما جاء إليه قال له: أي مكان تريد؟ فأشار إلى المكان الذي يريد أن يصلي فيه، فصلى وصلوا وراءه، وهذا هو محل الشاهد، كونهم صلوا وراءه في هذه المكان، وهي صلاة نافلة، ففيه الجماعة في النافلة، وهو دال على جوازها في بعض الأحيان، وليس دائماً، ولا يتخذ سنة، وطريقة؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذي هو المداومة، والملازمة.
    تراجم رجال إسناد حديث عتبان في صلاة النافلة جماعة في البيت
    قوله: [أخبرنا نصر بن علي].وهو نصر بن علي، أي: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده واسم أبي جده، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه، مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، كل هؤلاء شيوخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة، وهذان الاثنان، أو هذا الرجل مما جاء فيه اسمه، واسم أبيه مكرراً مع اسم جده، وأبي جده؛ لأنه نصر بن علي بن نصر بن علي، الاثنان مكرران، ومثل هذا خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، أي: يتكرر الاسم واسم الأب مع اسم الجد، واسم أبيه.[حدثنا عبد الأعلى].وهو عبد الأعلى بن عبد الأعلى اسمه يوافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معمر].وهو ابن راشد الأزدي البصري، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام، وهو الذي يأتي، وهو الذي يروي عنه عبد الرزاق صحيفة همام بن منبه، وهي من طريق معمر عن همام، فـمعمر هذا هو معمر بن راشد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، وهو منسوب إلى جده زهرة بن كلاب يقال له: الزهري، كما أنه ينسب إلى شهاب فيقال ابن شهاب، وهو محدث، فقيه، وإمام جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن محمود].هو محمود بن الربيع الأنصاري، وهو من صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عتبان بن مالك].وهو الأنصاري الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود في مسند مالك، وأخرجه أيضاً النسائي، وابن ماجه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #160
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,719

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الإمامة
    (157)


    - باب الجماعة للفائت من الصلاة

    يشرع لمن فاتتهم صلاة الجماعة أن يقضوها جماعة، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة عندما ناموا عن صلاة الفجر.
    الجماعة للفائت من الصلاة

    شرح حديث: (أقيموا صفوفكم وتراصوا...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة للفائت من الصلاة.أنبأنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجماعة للفائت من الصلاة، أي: أن الصلاة المؤداة كما أنها تكون جماعة، فكذلك التي تقضى إذا فاتت فإنها أيضاً تكون جماعة إذا كان الذين فاتتهم جماعة، فإنهم يصلونها جماعة كما يصلونها مؤداة، يصلونها في غير وقتها مقضية، ويصلونها جماعة، وأورد النسائي في هذا حديث أنس بن مالك، ولكنه ليس فيه دلالة على الترجمة، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في الصف قبل أن يكبر قال: (سووا صفوفكم وتراصوا فيها، فإني أراكم من وراء ظهري)، هذا ليس فيه ما يدل على الترجمة التي هي: الجماعة للفائت، لكن فيه الجماعة، وفيه حصول الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف، ويأمرهم بتسويتها، ويأتي بالألفاظ التي تدل على ذلك، بحيث يقول: سووا صفوفكم، وتراصوا فيها، ثم أيضاً ينبهه إلى أنه يراهم من وراء ظهره، وهذه من معجزاته وخصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وسبق أن مر الحديث في الأبواب الماضية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أقيموا صفوفكم وتراصوا...)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو: ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.[أخبرنا إسماعيل].وهو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حميد].وهو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].ابن مالك، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه بينه، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص.
    شرح حديث أبي قتادة في صلاة النبي بالصحابة بعد طلوع الشمس
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري حدثنا أبو زبيد واسمه عبثر بن القاسم عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال: إني أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أحفظكم، فاضطجعوا فناموا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قبض أرواحكم حين شاء فردها حين شاء، قم يا بلال فآذن الناس بالصلاة، فقام بلال، فأذن فتوضئوا -يعني: حين ارتفعت الشمس- ثم قام فصلى بهم) ].أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وهو دال على ما ترجم له المصنف، من جهة حصول الجماعة للفوائت من الصلاة، وحديث أبي قتادة: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقالوا: لو عرسنا، يعني: لو بتنا؛ لأنهم كانوا في آخر الليل، وقد تعبوا من السير في الليل، فتمنوا نومة خفيفة في آخر الليل؛ لأن التعريس هو مبيت المسافر في آخر الليل، أي: ينام نومة يرتاح فيها من بعد طول العناء، وحصول التعب والمشقة في السفر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجابهم إلى ما طلبوا، ولكن قال: إنه يخاف أن يناموا عن الصلاة، فقال بلال: أنا أحفظكم، أي: أنا أقوم بالتهيؤ، والاستعداد، وأعمل على أن لا أنام، وذلك حتى يعرف الوقت، وحتى يدرك الوقت، فاستند على ظهره إلى راحلته مستقبلاً الفجر، أو مطلع الفجر، أي: ينظر الفجر متى يطلع حتى ينبههم إلى الصلاة، فنام كما ناموا، واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بدا حاجب الشمس، فناموا حتى طلعت الشمس، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـبلال: (أين ما قلت؟)، من أنك ستقوم بهذه المهمة وأنك ستقوم بالتهيؤ والاستعداد. قال: ما ألقي علي نومة مثل هذه، يعني: أنه حصل له نوم ما حصل له مثله قبل هذه المرة. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وأعادها حين شاء، أي: هذا القبض الذي هو قبض الروح في المنام، التي هي الوفاة الصغرى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يتوفى الأنفس، فهناك أنفس يتوفاها وتنتهي من هذه الدنيا، وأنفس يأخذها في منامها، ثم إذا شاء أن يردها ردها، وإن شاء أن يقبضها، وأن يمسكها أمسكها، فقال: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء فردها حين شاء)، وهذا يدل على إثبات المشيئة لله عز وجل، وأن كل ما يقع فهو بمشيئة الله، فلا يقع في الكون إلا شيء قد شاءه الله وقدره وقضاه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، الشيء الذي شاءه الله لابد من وجوده، والشيء الذي لم يشأه الله لا يمكن أن يوجد، والمشيئة من صفات الله عز وجل، ومن صفاته الإرادة، والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية قدرية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية، هي بمعنى المحبة.أما المشيئة فإنها لا تأتي إلا بمعنى كوني ولا تأتي بمعنى الإرادة الدينية، بل التي تنقسم إلى قسمين هي الإرادة، وأما المشيئة فهي لا تنقسم إلى قسمين، فهي مرادفة للإرادة الكونية؛ لأن الإرادة تأتي لمعنى شرعي، ولمعنى كوني، والمشيئة لا تأتي إلا لمعنى كوني، فلا تأتي إلا مرادفة للقدر. ففي هذا إثبات المشيئة لله عز وجل، والفرق بينها وبين الإرادة: أن الإرادة تأتي لمعنى كوني، ولمعنى ديني، وأما المشيئة فهي لا تكون إلا معنى كوني، فالإرادة والمشيئة، تتفقان في أنهما يكونان لمعنى كوني، وتنفرد الإرادة عن المشيئة بأنها تكون بمعنى ديني، وذلك بخلاف المشيئة، فإنها لا تكون إلا بمعنى كوني، وفيه إثبات هذه الصفة لله عز وجل.[عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال: إني أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أحفظكم، فاضطجعوا فناموا)].يعني أنه استعد للتنبه للوقت، وأن يوقظهم، ولكن الله قبض روحه كما قبض أرواحهم، يعني: بالنوم؛ لأن النوم هو مثل الموت؛ لأنه موتة صغرى، والله عز وجل قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، فحصل له ما حصل لهم.[(وأسند بلال ظهره إلى راحلته)]. أسند ظهره إلى راحلته، متجهاً إلى جهة الفجر مطلع الشمس، يعني حيث يطلع الفجر ويتبين حتى ينبههم.قوله: [(قال: فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت، قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط)].نعم؛ لأنهم كانوا قد تعبوا في السير، واستند إلى راحلته ولكنه نام.قوله: [(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قبض أرواحكم حين شاء، فردها حين شاء، قم يا بلال فآذن الناس بالصلاة، فقام بلال فأذن فتوضئوا -يعني حين ارتفعت الشمس- ثم قام فصلى بهم)].ثم قال: (يا بلال قم فآذن الناس)، يعني: أعلمهم بالصلاة، فقام وأذن ثم صلى بهم، وهذا هو محل الشاهد، يعني الجماعة للفائت من الصلاة؛ لأنه لما خرج الوقت تعتبر فائتة، فتعتبر مقضية، فيمكن أن تؤدى جماعة وهي مقضية، كما أنها تؤدى جماعة وهي مؤداة يعني في وقتها.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في صلاة النبي بالصحابة بعد طلوع الشمس
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].وهو أبو السري، كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا أبو زبيد واسمه عبثر].هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حصين]. وهو ابن عبد الرحمن الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن أبي قتادة].هو: عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه].أبو قتادة رضي الله تعالى عنه، وهو الحارث بن ربعي، وهو صحابي جليل، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته أبو قتادة، ومن المعلوم أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، يكفي في فضل الواحد منهم أن يقال: إنه صحابي، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين بعد تعديل رب العالمين وتعديل رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديث أبي قتادة عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    من أبطل الباطل قول الإنسان: الله في كل مكان
    السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن الله تعالى في كل مكان؟ وهل يكفر بذلك إذا اعتقد ذلك؟الجواب: هذا القول من أبطل الباطل، الله عز وجل مبائن لخلقه ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالة به، بل الوجود فيه خالق ومخلوق، والخالق كان ولا شيء معه، ثم أوجد المخلوقات، ولما أوجدها أوجدها وهي مباينة له، فليس حال فيها، وليست حالة فيه، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، فلا يجوز أن يقال: إنه في كل مكان؛ لأن هذا مقتضاه أن يكون حالاً في المخلوقات، ومقتضى ذلك أيضاً أن يكون في الأماكن القذرة أيضاً، والله عز وجل منزه عن أن يكون حالاً في مخلوقاته، وأن تكون حالةً فيه.وهل يكفر بذلك إذا اعتقد؟الجواب: ما أدري.
    دخول الرجل مع المسبوق ليصلي معه
    السؤال: هل يجوز دخول الرجل في الصلاة مع رجل لم يلحق الجماعة إلا في بعض ركعاتها؟ الجواب: نعم، لا بأس، إذا قام المسبوق يقضي ما فاته، ثم جاء أحد ودخل معه في الصلاة، لا بأس بذلك.
    من صلى مع المسبوق هل يكون مدركاً للجماعة؟
    السؤال: هل هذا الأخير يعتبر لحق الجماعة؟ الجواب: لا، ما يعتبر لحق الجماعة الأولى، ولكنه حصلت له هذه الجماعة التي هي كونه يصلي مع واحد، من جنس من يتصدق على هذا فيصلي معه، لكن الجماعة الأولى ما أدركها ولا أدرك شيئاً منها؛ لأنها انتهت من سلام الإمام، فالجماعة الأولى الأصلية التي هي جماعة المسجد التي أذن لها ونودي لها قد انتهت بسلام الإمام، ولكن هذا أدرك هذا الرجل الذي صلى معه، فهي مثل الجماعة الثانية.

    هل يجوز أن يقال: إن بعض أفاضل التابعين أفضل من بعض الصحابة؟

    السؤال: هل يمكن أن يقال: إن بعض أفاضل التابعين ومن بعدهم أفضل من بعض أفراد الصحابة؟ الجواب: لا يقال هذا، بل يقال: أي فرد من أفراد الصحابة أفضل من أي فرد من أفراد من جاء بعدهم، وهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة أنهم يعتبرون أن فضل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام للجميع، وأن أي فرد منهم، فإنه أفضل من أي فرد ممن جاء بعدهم، وذلك لفضل الصحبة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، يعني: مقدار مد من ذهب يتصدق به واحد من الصحابة، أفضل من مقدار جبل أحد ذهباً يتصدق به غيره، والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق المتقدمين من أصحابه يخاطب الذين تأخر إسلامهم، مثل: خالد بن الوليد، الذي تأخر إسلامه، مع عبد الرحمن بن عوف، الذي تقدم إسلامه، وإذا كان الصحابي المتقدم لو أنفق مد ذهب، ثم أنفق من تأخر إسلامه مثل جبل أحد، لم يساوه، فمن المعلوم أن غيرهم من باب أولى، ففضل الصحابة رضي الله عنهم هو للجميع، وكل واحد منهم أفضل من أي واحد ممن جاء بعدهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فيقول: نعم، فيفتح لهم)، وقد جاء عن أبي عمر ابن عبد البر، رحمة الله عليه أنه قال: إنه قد يكون في بعض التابعين، أو بعض من يجيء بعد الصحابة، من يكون أفضل من بعض الصحابة، لكن هذا القول خلاف ما هو مشهور عن أهل السنة، وخلاف ما عرف عن أهل السنة، وهو تفضيل الصحابة مطلقاً، أي: تفضيل أي فرد منهم على أي فرد من أفراد من جاء بعدهم.
    صلاة الرجل بالليل مع زوجته
    السؤال: في صلاة الليل، هل تصلي المرأة خلف زوجها أم الأفضل أن يصلي كل منهما وحده؟ الجواب: كل واحد يصلي وحده، لكن إن صلت معه فإنها تصلي وراءه، ولا تصلي بجواره، وإنما تكون وراءه وليست بجواره، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي وعائشة نائمة، فإذا جاء الوتر أيقظها لتوتر.
    من الذي يحنك الطفل؟
    السؤال: وهل التحنيك من أهل العلم غير سائغ؟الجواب: نعم، غير سائغ أن يذهب إلى شخص يطلب منه أن يحنك تبركاً بلعابه وتبركاً بريقه؛ لأن التبرك بالريق واللعاب إنما هو من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما المرأة تحنك ولدها، والرجل يحنك ولده، ولا يذهب إلى أحد ليحنكه. ومن المعلوم أن مثل هذا ما كان الصحابة يفعلونه إلا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كانوا يأتون إلى أبي بكر يطلبون منه أن يحنك أولادهم، ولا يأتون إلى عمر رضي الله عنه يطلبون منه أن يحنك أولادهم، وإنما كانوا يفعلون هذا مع الرسول عليه الصلاة والسلام.
    التحنيك يكون في يوم الولادة
    السؤال: هل يحنك المولود في السابع أو متى؟ الجواب: لا، بل يكون في أول ما يولد؛ لأنه في السابع يكون قد دخل جوفه شيء؛ لأن المراد أن يكون أول ما يدخل جوفه هذا التمر الذي قد ذاب وسال، فيكون أول ما يدخل مع ريقه، يعني عندما يولد يكون أول شيء يفعل هو التحنيك، فلا يكون في السابع ولا في الخامس ولا غيرهما؛ لأنه بعد ذلك يكون قد حصل انفتاح حلقه بشيءٍ غير التمر.
    رفع اليدين عند تكبيرات الجنازة
    السؤال: هل ثبت حديث صحيح في رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة؟ ومن رواه إن كان ثابتاً؟الجواب: ابن عمر رضي الله عنه جاء عنه موقوفاً، وجاء عنه مرفوعاً، فقد جاء عنه موقوفاً أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، أي: في غير الأولى، بل في التكبيرات كلها، وجاء عن ابن عمر مرفوعاً، والذي رفع من طريقه هو عمر بن شبة، وهو ثقة، فحصول الزيادة من طريقه معتبرة؛ لأنها زيادة من ثقة، وهو الذي جاء رفعه عنه، رفعه من طريقه، وقد نبه على هذا الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري في كتاب الجنائز، فقد نبه على هذه الزيادة التي حصلت من عمر بن شبه، وأنه رفع الحديث إلى رسول الله، أي: ابن عمر رفعه إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تحكيم القوانين الوضعية
    السؤال: وهل الذي يحصل في القوانين الوضعية ويهيئ لها المحاكم، ومع ذلك يدعي الإسلام، هل هذا الرجل مسلم أم كافر؟ الجواب: قضية تحكيم القوانين، والحكم بغير ما أنزل الله من العلماء من يقول بتكفير من يحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً، ومنهم من يقول: إن الحكم في مسألة واحدة بخلاف الشرع اتباعاً للهوى لا يعد كفراً، فمن العلماء من يقول: إنه لا فرق بين الواحدة أو الثنتين، والثلاث، والأربع، والخمس، والست، وليس هناك حد فاصل يقال إذا بلغه لا يكون كفراً، وإذا وصل إليه كان كفراً، فيقول: إنه ما دام أنه يعتبر مخطئاً وما دام أنه فعل أمراً محرماً فإن هذا ذنب عظيم وذنب كبير، أما إذا كان يعتقد عندما وضع القوانين بأن الشريعة لا تصلح لهذا العصر أو أن فيها أموراً مستبشعة وأموراً لا تليق فهذه ردة وكفر بلا شك، يعني من يعدل عن الشريعة؛ لأنها لا تلائم العصر ولا تصلح لهذا الزمان، وإنما صلحت في ذلك الزمان الذي هو زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين والأزمنة السابقة، وأما هذا الزمن فإنه لا يصلح لتطبيق الشريعة، فمن اعتقد هذه العقيدة فهو كافر بالله عز وجل.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •