تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 20 من 26 الأولىالأولى ... 1011121314151617181920212223242526 الأخيرةالأخيرة
النتائج 381 إلى 400 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #381
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (378)

    - باب ذكر وضع الصيام عن المسافر - باب ذكر اختلاف ابن سلام وابن المبارك على خبر وضع الصيام عن المسافر

    من تخفيف الله تبارك وتعالى على عباده أنه رخص للمسافر في الصوم والصلاة فأسقط عنه نصف الصلاة الرباعية إلى غير بدل، وأسقط عنه الصيام إلى بدل، وكذلك رخص للمريض والحائض والحامل والمرضع.

    ذكر وضع الصيام عن المسافر، والاختلاف على الأوزاعي في خبر عمرو بن أمية فيه


    ‏ شرح حديث: (... ادن مني حتى أخبرك عن المسافر، إن الله عز وجل وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر وضع الصيام عن المسافر، والاختلاف على الأوزاعي في خبر عمرو بن أمية فيه. أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم عن محمد بن شعيب حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة أنه أخبرني عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه أنه قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر، فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية! فقلت: إني صائم، فقال: تعال، ادن مني حتى أخبرك عن المسافر؛ إن الله عز وجل وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)].يقول النسائي: ذكر وضع الصيام عن المسافر. المراد بوضع الصيام هو: عدم إلزامه فيه في نفس الوقت، وأن له أن يفطر إذا كان مسافراً، ولكن يتعين عليه القضاء؛ لأنه تخفيف وترخيص له في الإفطار، ولكنه يصوم كما قال الله عز وجل: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
    فالمراد بالوضع وضع الصيام، أي: عدم الإلزام به في الوقت، والتخفيف على المسافر في ذلك، وأنه ليس ملزماً بأن يصوم في حال سفره، والمقصود من ذلك الفرض الذي هو الأساس؛ فإن الله عز وجل خفف عن المسافر وعن المريض بأن يفطروا ويقضوا عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ تقابل الأيام التي أفطروها، فهذا هو المراد بالوضع، يعني: ليس وضعاً كلياً إلى غير بدل، بل إلى بدل وهو القضاء، ولكنه في الوقت لم يلزموا به ولم يتحتم عليهم ذلك، بل لهم أن يفطروا ما داموا مسافرين، ولكن عليهم القضاء؛ لأنه إلى بدل، وليس إلى غير بدل.
    ثم أورد النسائي حديث أبي أمية عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى، فقال: تعال ادن، فقال: إني صائم، (فقال: تعال ادن مني حتى أخبرك عن المسافر، إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة).
    والمراد بالوضع كما عرفنا بالترجمة عدم الإلزام في الوقت، بل له أن يفطر في ذلك اليوم وعليه أن يقضي، وكذلك نصف الصلاة، وضع الله عز وجل نصفها عن المسافر وهو وضع إلى غير بدل، وبالنسبة للصلاة نصف الصلاة الرباعية إلى غير بدل؛ لأنه ليس عليه شيء مقابل هذا الترك، بخلاف الصيام فإن عليه القضاء، فالصيام إلى بدل، ونصف الصلاة وضعها إلى غير بدل، فهذا تخفيف من الله عز وجل وتيسير على عباده إذا كانوا مسافرين، فلهم أن يفطروا ويقضوا، ويقصروا الصلاة الرباعية فيجعلوها اثنتين، وهو وضع بالنصف، أي: نصف الصلاة إلى غير بدل، والقصر إنما هو للرباعية خاصة، فالثلاثية لا تقصر، والثنائية لا تقصر، وإنما القصر خاص في الرباعية.
    والثلاثية أجمع العلماء على عدم قصرها، وأنها تبقى على ما هي عليه ثلاث ركعات، وأن القصر إنما هو خاص بالرباعية، ووضع نصف الصلاة إلى غير بدل.
    ويدل قوله: وضع نصف الصلاة عن المسافر، أن القصر رخصة رخص الله تعالى بها وسهل ويسر على عباده؛ إذ خفف عليهم وشرع لهم أن يؤدوها بدل أربع ركعات ركعتين، فهو يدل على أنه رخصة، وقوله: إنه وضع نصف الصلاة معناه: أن الله رخص لهم بأن يتركوا الركعتين وأن يقتصروا على ركعتين قصراً، وهذا من تيسير الله عز وجل وتخفيفه على عباده.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ادن مني حتى أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)


    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم].هو عبدة بن عبد الرحيم المروزي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [عن محمد بن شعيب].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه أخبرني عمرو بن أمية].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... تعال أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو قلابة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا تنتظر الغداء يا أبا أمية ؟ قلت: إني صائم، فقال: تعال أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)].أورد النسائي حديث عمرو بن أمية من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وقد عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتظر الغداء حتى يحضر ليشارك فيه، فقال: (إني صائم، فقال: تعال أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)، وصيام هذا الرجل تطوع، وإذا كان الله عز وجل وضع عن المسافر صيام الفرض بحيث يفطر، ويقضي، فمن باب أولى النفل، في أن الإنسان لا يكون صائماً حال السفر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... تعال أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا الوليد بن مسلم].
    ثقة، كثير التدليس والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي حدثني يحيى].
    وقد مر ذكرهما.
    [حدثني أبو قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة.
    [حدثني جعفر بن عمرو بن أمية].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن أبيه].
    عمرو بن أميةوقد مر ذكره.

    حديث: (تعال أخبرك عن المسافر، إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن أبي أمية الضمري رضي الله عنه أنه قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر فسلمت عليه، فلما ذهبت لأخرج قال: انتظر الغداء يا أبا أمية! قلت: إني صائم يا نبي الله! قال: تعال أخبرك عن المسافر؛ إن الله تعالى وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)].أورد النسائي حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه وهو مثل ما تقدم في ذكر المتن، والقصة التي كانت سبب الحديث وهي كونه صائماً، والنبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن ينتظر الغداء، فقال: (تعال أخبرك)، وأخبره بأن الله وضع عن المسافر الصوم، ونصف الصلاة.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].
    هو إسحاق بن منصور الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [أخبرنا أبي المغيرة].
    هو عبد القدوس بن الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة].
    قد مر ذكرهم.
    [عن أبي المهاجر].
    جاء عند النسائي عن الأوزاعي، وغير الأوزاعي يقول: أبو المهلب، قال المزي: وهو المحفوظ، أي أنه أبو المهلب، وأبو المهلب هو عم أبي قلابة الجرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي أمية].
    وقد مر ذكره.

    طريق رابعة لحديث: (تعال أخبرك عن المسافر، إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا موسى بن مروان حدثنا محمد بن حرب عن الأوزاعي أخبرني يحيى حدثني أبو قلابة حدثني أبو المهاجر حدثني أبو أمية يعني: الضمري رضي الله عنه: (أنه قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر: نحوه)].أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال على المتن الذي قبله، وأن المتن نحو المتن السابق، أي: أنه يتفق معه في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ، وذكرت أن (نحوه) هذا معناها وهذا المراد بها، بخلاف كلمة (مثله)، فإنه يراد بها المساواة في اللفظ والمعنى، أي: أنه مثله في اللفظ والمعنى، وأما (نحوه) أي: نحوه في اللفظ وهو مثله في المعنى.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا موسى بن مروان].
    مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا محمد بن حرب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو قلابة حدثني أبو المهاجر حدثني أبو أمية].
    وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.


    حديث: (ادن أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن شعيب بن إسحاق حدثنا عبد الوهاب حدثنا شعيب حدثني الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو قلابة الجرمي أن أبا أمية الضمري رضي الله عنه حدثهم: (أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر، فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية! قلت: إني صائم، قال: ادن أخبرك عن المسافر؛ إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)].أورد النسائي حديث أبي أمية من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا شعيب بن شعيب بن إسحاق].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده، وشعيب بن شعيب بن إسحاق سمي باسم أبيه؛ لأن أباه توفي وأمه حامل به، فلما ولد سموه باسمه، فهو شعيب بن شعيب بن إسحاق.
    [حدثنا عبد الوهاب].
    هو ابن سعيد، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا شعيب].
    هو ابن إسحاق الذي هو أبو شعيب المتقدم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [حدثني الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو قلابة أن أبا أمية].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


    ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك في هذا الحديث



    ‏ حديث: (... إن الله وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك في هذا الحديثأخبرنا محمد بن عبيد الله بن إبراهيم الحراني حدثنا عثمان حدثنا معاوية عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة: أن أبا أمية الضمري رضي الله عنه أخبره أنه: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر وهو صائم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تنتظر الغداء؟ قال: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعال أخبرك عن الصيام؛ إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة)].
    أورد النسائي حديث أبي أمية من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في المتن.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد الله بن إبراهيم الحراني].
    صدوق فيه لين، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا عثمان].
    هو ابن عبد الرحمن الحراني، وهو صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا معاوية].
    هو ابن سلام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة أن أبا أمية أخبره].
    وقد مر ذكرهم.

    طريق سابعة لحديث: إن الله وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي عن يحيى عن أبي قلابة عن رجل أن أبا أمية رضي الله عنه أخبره أنه: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سفر نحوه)].أورد النسائي حديث أبي أمية من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (نحوه)، أي: نحو المتن المتقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو العنزي الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عثمان بن عمر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي].
    هو ابن المبارك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى عن أبي قلابة].
    مر ذكرهم.
    [عن رجل].
    والرجل هنا مبهم، ويحتمل أن يكون الذي تقدم الذي هو ابنه الذي جعفر بن عمرو بن أمية.
    [أن أبا أمية].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة، والصوم ...) من طريق ثامنة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمر بن محمد بن الحسن بن التل حدثنا أبي حدثنا سفيان الثوري عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة، والصوم، وعن الحبلى والمرضع)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك القشيري الكعبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر ونصف الصلاة، وعن الحبلى والمرضع)، المتن هو مثل الذي قبله فيما يتعلق في وضع الصيام ونصف الصلاة، وفيه إضافة: وضع الصيام عن الحبلى والمرضع، وقد عرفنا فيما مضى أن وضع الصيام عن المسافر هو إلى بدل، وكذلك الوضع عن الحبلى والمرضع هو إلى بدل، فمعناه أنهما تقضيان، أي: تفطران للحاجة أو لحاجتهما إلى الإفطار؛ إما من أجل الخوف على أنفسهما أو على ولديهما، وعليها القضاء، فوضع الصيام عن الحبلى وعن المرضع هو إلى بدل، كما أن وضع الصيام عن المسافر إلى بدل، وكذلك وضع الصيام عن الحائض هو إلى بدل، وكذلك المرضع والحامل صيامهما إلى بدل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة، والصوم ...) من طريق ثامنة


    قوله: [أخبرنا عمر بن محمد بن الحسن بن التل].صدوق، ربما وهم، أخرج له البخاري والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    هو محمد بن الحسن بن التل، وهو صدوق، فيه لين، أخرج حديثه البخاري والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا سفيان الثوري].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك القشيري الكعبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

    حديث: (إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام ...) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن ابن عيينة عن أيوب عن شيخ من قشير، عن عمه حدثنا ثم ألفيناه في إبل له، فقال له أبو قلابة: حدثه، فقال الشيخ: حدثني عمي أنه: (ذهب في إبلٍ له فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأكل -أو قال: يطعم- فقال: ادن فكل -أو قال: ادن فاطعم- فقلت: إني صائم، فقال: إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام، وعن الحامل والمرضع)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه إبهام الذي حدث في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أنس بن مالك المتقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].
    هو ابن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حبان].
    هو ابن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم والترمذي والنسائي.
    [أنبأنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عيينة].
    هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو السختياني وقد مر ذكره.
    [عن شيخ من قشير].
    قيل: إنه أنس بن مالك، وقد ذكره ابن حجر في المبهمات، أيوب عن شيخ من قشير، قال: هو أنس بن مالك، لكن هنا هذا الشيخ يروي عن عمه، والذي سبق أن مر في الحديث، والذي كان يعني يروي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنس بن مالك، يقول: (إن الله وضع عن المسافر الصوم ونصف الصلاة وعن الحبلى والمرضع)، وهناك مسمى وهنا غير مسمى، وقال الحافظ ابن حجر في المبهمات في آخر التقريب: إنه أنس بن مالك يعني المتقدم، لكنه يروي عن عمه، وقد جاء في بعض الطرق، وستأتي أن ذلك الشيخ يروي عن قريب له هو: أنس بن مالك، وقد روى عن أنس بن مالك من أقربائه شخص اسمه عبد الله بن سوادة القشيري، لكن ليس في ترجمته أنه روى عنه أيوب ولا أبو قلابة، وإنما روى عنه غير هؤلاء، فلا أدري ما هي الحقيقة في هذا، يعني بالنسبة لهذا الذي يروي عنه أيوب؟ وكما قلت في التقريب: يقول: إنه أنس بن مالك، مع أنه في الإسناد الذي سيأتي أن الذي حدث أيوب وحدث أبا قلابة شخص يروي عن عمه أو قريبه، وقد عبر عنه بالحديث الذي سيأتي أنه قريبه، وفي هذا الذي معنا أنه عمه، ولا يبعد أن يكون من أقربائه، وأنه يقال له: عمه، وإن لم يكن عمه أخاً لأبيه، ولكن لكونه من أقربائه، ويقال للكبير: عم وإن كان ليس من أقربائه، لكن الحديث فيه ذكر أنه عمه، وفيه أنه قريبه، فيكون على هذا القرب يمكن أن يكون وإن لم يكن أخاً لأبيه يكون عمه.

    حديث: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ...) من طريق عاشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا سريج حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب حدثني أبو قلابة هذا الحديث ثم قال: هل لك في صاحب الحديث؟ فدلني عليه فلقيته، فقال: حدثني قريب لي يقال له: أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إبلٍ كانت لي أُخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه فقلت: إني صائم، فقال: ادن أخبرك عن ذلك؛ إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه الاقتصار على الوضع إنما هو للصوم ولشطر الصلاة، وليس فيه ذكر الحامل والمرضع.
    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].
    هو أحمد بن علي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سريج].
    هو سريج بن يونس، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل بن علية].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وعلية أمه، وهو مشهور بالنسبة إليها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب عن أبي قلابة].
    وقد مر ذكرهما.
    [أنس بن مالك].
    هنا ذكر أن الذي حدثه به أنس، فيكون كأنه عم ذلك الشيخ، هنا قريب ذلك الشيخ، وهناك عبر بأنه عمه.

    حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ...) من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن رجل أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحاجة، فإذا هو يتغدى، قال: هلم إلى الغداء، فقلت: إني صائم، قال: هلم أخبرك عن الصوم: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم؛ ورخص للحبلى والمرضع)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه إبهام الرجل، وهو أنس بن مالك الذي مر ذكره، والذي روى عنه أبي قلابة وصرح به في الطريق الأولى، والمتن هو نفس المتن، فيه: وضع الصوم عن المسافر وشطر الصلاة، ورخص للحبلى والحامل بالإفطار.
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وقد مر ذكره.
    [عن خالد الحذاء].
    هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحذاء لقب له اشتهر به، والمتبادر إلى الذهن أن الحذاء يراد به من يصنع الأحذية أو يبيعها، وهو ليس كذلك، لا هذا ولا هذا، قالوا: إنما كان يجالس الحذائين، أي: يأتي عند الحذائين، فنسب إليهم، فقيل له: الحذاء، وقيل: إنه نسب إلى الحذاء لأنه كان يقول للحذاء الذي يصنع النعال: احذ على كذا، أي: يعطيه مقاساً ويقول: احذ على كذا، أي: اعمل عليه، أو قس عليه، أو ابن عليه، فقيل له: الحذاء لذلك، وهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن؛ لأن المتبادر إلى الذهن هو أن الحذاء الذي يبيع الأحذية أو يصنعها، وأما كونه يجالس الحذائين أو يقول: احذ على كذا، فهذا لا يتبادر إلى الذهن أن ينسب ويقال له: الحذاء.
    [عن أبي قلابة عن رجل].
    وقد مر ذكره.
    [عن رجل].
    والرجل هذا هو الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون هو أنس بن مالك المتقدم.

    حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ...) من طريق ثانية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي العلاء بن الشخير عن رجل: (نحوه)].أورد الحديث من طريق أخرى وقال: (عن رجلٍ نحوه)، والرجل هو المتقدم أنس بن مالك.
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن خالد].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن أبي العلاء بن الشخير].
    هو يزيد بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن رجل].
    وهو المتقدم.
    قال: [نحوه]، أي: نحو الحديث المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    واللفظ المحال عليه هو الموجود المتقدم، لكن هذا الذي لم يذكر ليس مطابقاً له في اللفظ والمعنى بل هو متفق معه في المعنى، ومختلف معه في اللفظ، ولهذا قيل: نحوه، ولم يقل: مثله؛ لأنه لو قيل: مثله، يكون متفقاً في اللفظ والمعنى.
    أنا لا أذكر فيه شيئاً؛ لأن النسائي عند محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان الذي نسبه هو الذي لم ينسبه، لكنه جاء في بعض طرق الحديث أنه يروي عنه شعبة، وقد قال المزي في تحفة الأشراف: إن الذي يروي عنه شعبة هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد، وإذاً فهذا وهم من النسائي؛ ظن أنه ابن ثوبان مع أنه ليس ابن ثوبان، فمعناه على ما قال المزي: يريد محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان لكنه وهم، والمراد به ابن سعد.


    الأسئلة


    ‏ ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على نفسيهما أو ولديهما


    السؤال: بالنسبة للحامل والمرضع فيما إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما من الصيام؟

    الجواب: بعض العلماء فرّق؛ فإنهما إذا خافتا على أنفسهما فيفطران ويقضيان وليس عليهما صدقة، فلا يتصدقان بشيء، وأما إذا خافتا على جنينهما فهما مع القضاء يتصدقان؛ لأن الخوف ليس على أنفسهما، لكن على جنينهما، ولا أعلم مستند هذا التفريق لكن الحديث يدل على أن الحامل والمرضع عندما تفطر وهي مأذون لها في الإفطار، فهي مثل الحائض، ومثل المسافر ومثل المريض، فهم يفطرون إلى بدل الذي هو الصيام.

    صلاة المسافر إذا علم أن وصوله سيكون قبل خروج وقت الصلاة التالية

    السؤال: إذا كان الإنسان في سفر وعلم أنه سيصل إلى بلده قبل خروج وقت الصلاة الثانية، فهل يجمعها مع الثانية ويقصرها، أو أنه ينتظر حتى يصل إلى بلده ويصليها تامة؟ وأيهما أفضل الأخذ بالرخصة أو العزيمة؟

    الجواب: ما دام أنه مسافر فله أن يصلي ويجمع ويقصر، لكنه إذا وصل إلى البلد فإن عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي نافلة مع الناس.

    تحديد صلاة الاستخارة

    السؤال: هل صلاة الاستخارة تكرر أكثر من مرة؟ وما رأيكم في تحديدها بثلاث مرات؟ وهل يلزم بعد صلاة الاستخارة أن ترتاح النفس وتطمئن للأمر المستخار له؟

    الجواب: في الاستخارة لا نعلم تحديداً، والإنسان إذا صلى صلاة الاستخارة ولم ينشرح صدره إلى شيء مما استخار من أجله، بل لا يزال متردداً، فإن له أن يصلي ويعيد الصلاة، لكن تحديدها بمقدار معين لا نعلم فيه شيئاً، وإذا انشرحت نفسه للإقدام أو الإحجام عن شيء فذاك، وإن كان لا يزال متردداً ولم ينشرح صدره إلى الإقدام أو الإحجام، فإنه يعيد الصلاة.

    ثبوت صلاة الاستخارة عن النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: هل صلاة الاستخارة ثابتة؟

    الجواب: نعم، والحديث في صحيح البخاري.

    حكم قصر الصلاة للمسافر

    السؤال: ما حكم قصر الصلاة للمسافر؟ هل هو مباح أو مستحب أو واجب؟

    الجواب: الخلاف بين أهل العلم أنه رخصة أو عزيمة، فمنهم من يقول: إنه عزيمة، وأنه يتعين على الإنسان أن يقصر ولا يجوز له أن يتم، والصحيح: أنه رخصة، وأنه لو أتم جاز له ذلك، والحديث الذي معنا يدل على أنه رخصة؛ لأنه قال: (وضع نصف الصلاة)، معناه: أنها خفضت من أربع إلى ثنتين، وجاء ذكر الرخصة والتعبير بالرخصة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي رخصة، ولو أتم الإنسان صحت صلاته.

    الوضع للحامل والمرضع من الصيام والصلاة


    السؤال: هل الوضع عن الحامل والمرضع يعود إلى الصيام وحده أو إلى الصيام ونصف الصلاة؟

    الجواب: لا، إلى الصيام فقط، أما الصلاة فلا؛ فالمريض لا يقصر، بل يصلي الصلاة تامة، ولكن المريض له أن يجمع وليس له أن يقصر، والوضع إنما هو للصيام؛ لأنه هو المقصود من أجل تغذية الجنين أو المولود.

    توضيح من هو أنس بن مالك الكعبي المذكور في حديث وضع الصيام عن المسافر

    السؤال: حديث رقم ألفين ومائتين وخمس وسبعين، قال المحقق عبد الوارث بن محمد بن علي: أن أنس بن مالك المذكور في السند هو غير أنس بن مالك الصحابي، فمن يكون؟

    الجواب: أنس بن مالك قلنا: القشيري الكعبي له حديث واحد هو هذا الحديث فقط في وضع الصلاة، ولما ترجموا له قالوا: له هذا الحديث الواحد، وذكروا في ترجمته في تهذيب الكمال، وفي تهذيب التهذيب: أنه له هذا الحديث الواحد في وضع الصيام عن المسافر ونصف الصلاة، وقالوا عنه: القشيري الكعبي، وهو غير أنس بن مالك الأنصاري خادم الرسول، فذاك له المئات من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وذاك ليس له إلا هذا الحديث الواحد فقط في الكتب.

    معنى تمام الملك في الزكاة

    السؤال: ذكر الفقهاء رحمهم الله أن من شروط الزكاة تمام الملك، أي: استقراره، فما معنى هذا الشرط؟

    الجواب: تمام الملك: أن يملك النصاب، وأن يكون تام الملك، ويمثلون لذلك بأن الإنسان إذا حصل شيئاً يبلغ النصاب، كالملتقط أو اللقاط الذي يمشي في الحصائد، ويجمع المتساقط من الحبوب وبلغت نصاباً فإنه لا زكاة فيها؛ لأن الذي عليه الزكاة هو صاحب الزرع الذي حصلت الثمار له وفي ملكه، فهذا هو الذي يزكي، أما إنسان يأتي ويجمع من الحصائد، أو يأتي للنخل ويلتقط التمر المتساقط من النخل ثم جمعه فبلغ نصاباً فإنه لا زكاة فيه، وإنما الزكاة عند الحصاد والجذاذ لمن كان مالكاً.

    معنى عقد إيجار لازم

    السؤال: ما معنى كون عقد الإجارة لازم؟

    الجواب: معنى كون الإيجار عقد لازم أنه ليس لأحد الطرفين أن يفسخ إلا بموافقة الطرف الثاني؛ لأنها من العقود اللازمة، فليس للإنسان إذا استأجر لمدة سنة في أي لحظة يأتي يقول: خلاص أنا أفسخ العقد بل يستمر العقد إلى نهاية السنة، وكذلك المؤجر لا يأتي للمستأجر ويقول: خلاص أنا ما أريد أنك تستمر، فالإيجار عقد لازم لا يملك أحد الطرفين فسخها بمفرده إلا إذا وافق الطرف الثاني، فإذا اتفقوا على الفسخ تفسخ، وإذا لم يوافق أحد الطرفين فهي لازمة إلى نهاية المدة.

    رفع اليدين في صلاة الجنازة عند كل تكبيرة


    السؤال: هل في صلاة الجنازة يرفع المصلي يديه عند كل تكبيرة؟

    الجواب: نعم، يرفع يديه عند كل تكبيرة؛ لأنه جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً، والمرفوع جاء من طريق صحيح.

    حكم الأحاديث الموجودة في كتاب مراسيل أبي داود

    السؤال: ما حكم الأحاديث التي في كتاب مراسيل أبي داود؟

    الجواب: الأحاديث التي في مراسيل أبي داود طبعاً كلها يبحث فيها؛ لأن بعض المراسيل يكون له ما يعضده وله ما يؤيده، وبعضها لا يكون كذلك، وطبعاً يختلف هذا عن هذا.

    الرأي الراجح في مراسيل الحسن

    السؤال: ما هو الرأي الراجح في مراسيل الحسن؟

    الجواب: المراسيل كلها المشهور عند المحدثين أنها ليست حجة، لكن بعض العلماء يفرق بين بعض المراسيل؛ فبعضهم يعتبر المراسيل، وبعضهم لا يعتبر المراسيل، وأما الحسن فمراسيله لا تعتبر عند من يعتبر بعض المراسيل، وإنما سعيد بن المسيب هو الذي يقال: إن مراسيله حجة عند بعض من يقول باعتماد المراسيل، وأما الحسن فمراسيله ليست كذلك، ولكن من حيث الحكم المرسل غير ثابت؛ لأن فيه انقطاعاً.

    سبب ذكر اختلاف الرواة مع أن المتن واحد

    السؤال: ما وجه ذكر الاختلاف على الرواة مع أن المتن هو نفسه؟

    الجواب: الاختلاف من حيث الإسناد، كون أحد الراوي يروي على وجه وهذا على وجه من حيث الإسناد، والمتن هو بحاله، وقد عرفنا أن ذلك الاختلاف لا يؤثر شيئاً على الحديث في الغالب.

    ذكر الاختلاف كعناوين في سنن النسائي

    السؤال: في ذكر الاختلاف على معاوية وعلي بن المبارك، ذكر تحتها أحاديث كثيرة ولم يذكر الاختلاف على معاوية وعلي إلا في الحديثين الأوليين، فما وجه جمع هذه الأحاديث تحت هذه الترجمة؟

    الجواب: الترجمة التي تحتها الأحاديث المختلفة هي الأولى التي فيها عنوان الترجمة، مثل وضع الصوم عن المسافر ونصف الصلاة، هذه الترجمة، الأحاديث التي تأتي كلها في هذا الموضوع يأتي في أثناء أو بعد هذه الترجمة أحياناً، وقد جاء هنا ذكر الاختلاف على فلان وفلان، ثم يكون المقصود هو جاء من طريقين أو ثلاثة، والتي بعدها لا علاقة لها بهذا الاختلاف، ولهذا أنا أقول: يبدو أن هذه ليست تراجم، فالترجمة هي الباب الذي هو وضع الصوم عن المسافر ونصف الصلاة، هذه الترجمة، وأما ذكر الاختلاف على فلان هذه ما هي بترجمة فيما يبدو، وإنما هي تنبيه في آخر الحديث الذي بعده ثم يأتي بعده هذا الاختلاف، ويبقى الباب الأول على ما هو عليه، كل حديث مسرود تحت هذه الترجمة، مثل ما ذكرت في قضية ذكر اسم الرجل الذي جاء في الإسناد الذي قبله، وجاء ترجمة ذكر اسم الرجل والمراد بالرجل في الإسناد الذي بعده وبعد ذلك لا علاقة لهذه الترجمة، فالذي يبدو أن التراجم هي في العناوين الذي فيها موضوع، كالموضوع الذي معنا: وضع الصوم ونصف الصلاة، أما ذكر الاختلاف فإنه لا يعتبر عنواناً لكل ما تحته، وإنما هو إشارة يكون ما بعدها مباشرة من الأحاديث يتعلق بها، ثم تنتهي ويرجع الأمر إلى أحاديث تتعلق بالعنوان الأول الرئيسي، الذي هو وضع الصيام عن المسافر ونصف الصلاة.

    العلة في إفطار الصائم


    السؤال: هل العلة في إفطار المسافر مشقة السفر أو السفر نفسه؟

    الجواب: لا، هو السفر، ولكن هو المظنة، يعني الصيام لا يكون مع وجود المشقة فحيث توجد المشقة يوجد الإفطار، وإذا ما وجدت المشقة فالإنسان يفطر من أجل السفر، لكن ليس الحكم منوطاً بالمشقة إذا وجدت وجد الإفطار، وإذا ما وجدت يتعين الصيام، بل يمكن للإنسان أن يفطر ولو ما وجد المشقة، مثل الإفطار في هذا الزمان، سافر بالطائرة وسافر بالسيارة خمس ساعات أو أربع ساعات في محل مكيف وهادئ، ويمكن أن يكون نائماً في كل الطريق، ومع هذا فالإنسان يفطر، لكن الأولى أنه حيث لا مشقة هو الصيام؛ حتى يؤدي الإنسان الصوم في وقته، وحتى لا يتحمل ديناً قد لا يتيسر له المبادرة إلى التخلص منه.

    المسافة التي يفطر فيها المسافر

    السؤال: ما هي المسافة التي يفطر فيها الصائم؟

    الجواب: هي المسافة التي يقصر فيها الصلاة، فالعلماء اختلفوا فيها، والمشهور عند كثير من أهل العلم أنها مسافة يومين قاصدين تعادل ثمانين كيلو متر تقريباً.

    ما يلزم النفساء إذا أفطرت في رمضان

    السؤال: هل النفساء تطعم في رمضان أو تقضي؟

    الجواب: النفساء تقضي ولا تطعم، مثل الحائض.

    مدى صحة القول بأن القصر في السفر عزيمة وليس رخصة

    السؤال: في حديث عائشة رضي الله عنها: (أول ما بدأت الصلاة ركعتان في السفر، فأتمت صلاة الحضر)، ألا يكون هذا الحديث يدل على أن الأمر عزيمة؟

    الجواب: هذا الذي استدل به من قال بأنه عزيمة، والذين قالوا بأنه رخصة قالوا: إنها ركعتان، وأن الصلاة رفعت، وبعد ذلك نقصت، فـعائشة حكت ما كان موجوداً من قبل الذي هو أصل الفرض الذي كان ركعتين ثم رفعت، وإلا فهو رخصة، والقول بأنه رخصة هو الصحيح، والإنسان لو أتم الصلاة، فصلاته صحيحة، ولا يقال: إنه زاد في الصلاة شيئاً ليس منها لأنها عزيمة، بل هو رخصة.

    مدى صحة زواج ولد أرضعته جدته ثم تزوج بابنة أخته من الرضاع

    السؤال: امرأة أرضعت ابن ابنها، ثم تزوج هذا الولد ابنة ابنتها وأنجب منها، فهل هذا زواج صحيح؟

    الجواب: ليس بصحيح فهو يعتبر خالها، والأولاد أولاد شبهة ينسبون إليه.

    ارتباط الاستخارة بانشراح الصدر

    السؤال: ارتياح النفس بعد الاستخارة، هل دل الحديث على أنه يلزم أن ترتاح النفس وتطمئن؟

    الجواب: المقصود بالاستخارة هو أنه تنشرح نفسه، فيقدم أو يحجم.

    دخول رمضان الثاني على النفساء ولم تقضي رمضان الأول بسبب الحمل

    السؤال: إذا أفطرت النفساء في رمضان وقبل القضاء حملت مرة أخرى، وأتى رمضان الثاني، فماذا تفعل؟

    الجواب: إذا كان الصيام لا يترتب عليه مضرة لها وهي حامل، فالحامل لها أن تصوم، وليس متعيناً عليها أنها تفطر، لكن مرخص لها أن تفطر إذا خافت على نفسها أو ولدها، وإذا جاء رمضان الثاني ولم تقضي فإنها تقضي وتطعم.

    معنى الرجعة في الطلاق

    السؤال: ما هي الرجعة؟ وكيف يراجع الرجل زوجته؟ وهل تلزم الشهادة عليها؟

    الجواب: الرجعة هي: استرجاع المطلقة طلاقاً رجعياً ما دامت في العدة، وإذا خرجت من العدة لا يمكن إلا عن طريق الزواج، يخطبها ويتزوجها، وما دامت في العدة فإن له أن يراجعها.

    الجمع بين صيام التطوع مع مشقة لا تؤدي إلى الضرر

    السؤال: إذا كان الإنسان في عمل ويحتاج إلى مجهود بدني، ويصوم صوم التطوع مع مشقة قد لا تصل إلى الضرر، فأيهما أفضل في حقه: هل الصيام والجمع بين العمل والصيام مع المشقة أم الإفطار؟

    الجواب: صيام التطوع الأولى للإنسان إذا كان فيه مشقة أن يفطر؛ لأن الصيام قد يعوقه عن الأعمال الأخرى التي يحتاج إليها من هو قوي، فيما يتعلق بعرفات؛ الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفطراً وهو بعرفة؛ لأن الأمر يتطلب قوة في ذلك اليوم، وعدم كسل بسبب الصيام.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #382
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (379)


    - (تابع باب ذكر اختلاف ابن سلام وابن المبارك على خبر وضع الصيام عن المسافر) إلى (باب الصيام في السفر، وذكر اختلاف خبر ابن عباس فيه)




    إن من يسر الشريعة الإسلامية أنها لم تكلف المسلم فوق طاقته، ومن ذلك أنها سهلت عليه في السفر حيث المشقة والتعب؛ فوضعت عنه شطر الصلاة الرباعية وكذلك الصيام. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفطر ويصوم في سفره.

    تابع ذكر اختلاف ابن سلام وابن المبارك على خبر وضع الصيام عن المسافر


    شرح حديث: (وضع الله عن المسافر الصوم ونصف الصلاة) من طريق ثالثة عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر وضع الصيام عن المسافر.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن الشخير عن رجل من بلحريش عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنت مسافراً فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا صائم وهو يأكل، قال: هلم، قلت: إني صائم، قال: تعال، ألم تعلم ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: وما وضع عن المسافر؟ قال: الصوم ونصف الصلاة)].
    فهذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي في معناه ترجع إلى ترجمة الباب، وقد جاء عن عدد من الصحابة أحاديث تدل عليها، وقد مر كذلك ذكر جملة منها، وهو: وضع الصيام عن المسافر، وعرفنا أن وضع الصيام عن المسافر هو عدم إلزامه به في الوقت، أما كونه إذا أفطر يقضي ما أفطره فإن هذا لا بد منه، وقد جاء في القرآن: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184]، إذاً: فالوضع إنما هو عدم الإلزام في الوقت، وأن ذلك من التخفيف والتيسير من الله عز وجل على عباده، فإنه شرع ويسر.
    وأورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه، وقد كان مسافراً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال: [(هلم، قلت: إني صائم، قال: ألم تعلم ما وضع الله عن المسافر؟ وضع الله عن المسافر الصوم وشطر الصلاة أو نصف الصلاة)]، والشطر هو: النصف، والحديث هو مثل ما تقدم من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى وفي هذا الموضوع، وأن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة، أي: الصلاة الرباعية، حيث شرع أن تكون اثنتين بدل الأربع في الحضر، فتكون في السفر اثنتين، فوضع الله عن المسافر ويسر وخفف، فصار غير ملزم بالصيام في الوقت وعليه القضاء، فوضع نصف الصلاة إلى غير بدل، بخلاف الصيام، فإنه وضع إلى بدل وهو القضاء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وما وضع الله عن المسافر؟ قال: الصوم وشطر الصلاة) من طريق ثالثة عشرة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بشر].
    هو ابن أبي وحشية، جعفر بن إياس اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هانئ بن الشخير].
    هو هانئ بن عبد الله، نسب إلى جده، وجاء في بعض الروايات كما سيأتي نسبته إلى أبيه، هانئ بن عبد الله بن الشخير، وهانئ بن عبد الله بن الشخير مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن رجل من بلحريش].
    وبني الحريش يقال لهم: بلحريش، فهذه قبيلة من قبائل العرب، وكلمة: (عن رجل)، سيأتي في بعض الطرق الآتية: أن هانئ بن عبد الله بن الشخير يروي عن أبيه، وليس بينه وبينه واسطة في حديث أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الذي سيأتي، فإن الإسناد ليس فيه واسطة بين هانئ وبين عبد الله، وقد قال المزي في تحفة الأشراف: إن الصواب هو ما جاء في حديث عبيد الله بن عبد الكريم، أي: الرازي الذي سيأتي، أن هانئاً يروي عن أبيه عن عبد الله بن الشخير مباشرة بدون واسطة، ولا يروي عن أحد عن أبيه، وأما ما جاء في الطريقين اللذين قبله، وهي التي معنا والتي بعدها طريق قتيبة، وطريق الطرسوسي، فإن (عن) تكون زائدة، وعلى هذا: فيكون الكلام عن هانئ بن الشخير رجل من بلحريش عن أبيه، فتكون (رجل) هذه ترجع إلى هانئ، وليس هانئ يروي عن رجل مبهم، وإنما هو وصف لذلك الرجل، وعلى هذا فتكون زيادة (عن) جاءت في الإسناد قبل رجل وبعد هانئ، وإذا حذفت صار رجل، توضيحاً وبياناً لـهانئ، وتعريفاً بـهانئ، وأنه رجل من بلحريش أو بني الحريش، وهانئ مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن الشخير، صحابي من مسلمة الفتح، وأخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    حديث: (... إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة) من طريق رابعة عشرة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا أبو داود حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بلحريش عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسافر ما شاء الله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطعم، فقال: هلم فاطعم، فقلت: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أحدثكم عن الصيام: إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، من حيث أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، والرسول يأكل، وطلب منه أن يأكل معه، فقال: إنه صائم، فقال: أحدثك عن الصيام، ثم قال: [(إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة)].
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام].
    هو عبد الرحمن بن محمد بن سلام البغدادي ثم الطرسوسي، وقد ذكره المزي عندما ذكره، قال: عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي، ثم قال: إن (عن) زائدة في طريق الطرسوسي وطريق قتيبة هي الأولى، وطريق الطرسوسي هي الثانية، فتكون (عن) قبل (رجل) زائدة.
    عبد الرحمن بن محمد بن سلام البغدادي ثم الطرسوسي، لا بأس به، ولا بأس به تعادل صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بلجريش عن أبيه].
    كلهم مر ذكرهم، وكلمة (عن رجل) مثل الإسناد الذي قبله، و(عن) فيه زائدة، و(رجل) ترجع إلى هانئ الذي هو من بلحريش، يروي عن أبيه عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه.

    حديث: (أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ ... الصوم وشطر الصلاة) من طريق خامسة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم حدثنا سهل بن بكار حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنت مسافراً، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأكل وأنا صائم، فقال: هلم، قلت: إني صائم، قال: أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: الصوم وشطر الصلاة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم].
    هو أبو زرعة الرازي، الإمام المشهور، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره مع أبي حاتم الرازي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل كثيراً ما ينقل عن أبيه عن أبي زرعة في باب الكلام في الرجال، وهو إمام، حافظ، ثقة، مشهور، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، يأتي ذكره باسمه وبكنيته، ولكنه مشهور بالكنية، وأكثر ما يأتي ذكره في الرجال جرحاً وتعديلاً، قال: أبو زرعة، أو وثقه أبو زرعة، أو قال فيه أبو زرعة: كذا، وأبو زرعة يطلق على عدد، منهم المتقدم ومنهم المتأخر، منهم: أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ثقة من التابعين، يروي عن الصحابة فهم أبو هريرة، ويروي عن أبيه، وعن جماعة، وهو مشهور بكنيته أبي زرعة، ومنهم: أبو زرعة الرازي هذا الذي معنا، وهو من طبقة شيوخ بعض أصحاب الكتب الستة، كـمسلم، والنسائي كما هنا، ومنهم أبو زرعة الدمشقي، وهو بعده، وهناك من المتأخرين بعد ذلك: أبو زرعة العراقي ولي الدين بن عبد الرحيم بن الحسين صاحب الألفية، ابنه يقال له: أبو زرعة، وهو مشهور بـأبي زرعة العراقي، فأبو زرعة، اشتهر بالتكنية هذه عدد من أهل العلم، فيهم المتقدم وفيهم المتأخر، وأقدمهم: أبو زرعة بن عمرو بن جرير الذي هو من التابعين.
    [حدثنا سهل بن بكار].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ عن أبيه].
    وهنا لم يقل: عن رجل؛ ولهذا قال المزي: الصواب ما قاله أبو زرعة، يعني: عن هانئ عن أبيه، والذي في إسناد الطرسوسي شيخ النسائي الطرسوسي: عبد الرحمن بن محمد بن سلام وشيخه قتيبة، إذاً تكون (عن) التي قبل (رجل) زائدة، فيكون الإسنادان مثل إسناد أبي زرعة، إذا حذفت (عن) أو صارت زائدة.
    إذاً: هانئ يروي عن أبيه، ولا يروي عن رجل عن أبيه.

    شرح حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام ...) من طريق سادسة عشرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عبيد الله أخبرنا إسرائيل عن موسى هو ابن أبي عائشة عن غيلان أنه قال: (خرجت مع أبي قلابة في سفر فقرب طعاماً، فقلت: إني صائم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في سفر، فقرب طعاماً، فقال لرجل: ادن فاطعم، قال: إني صائم، قال: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام في السفر، فادن فاطعم، فدنوت فطعمت)].ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك القشيري الكعبي الذي سبق أن مر قبل ذلك، والذي يروي عنه أبو قلابة، وهو يتعلق بهذا بالموضوع، وهو أنه: كان في سفر وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [(ادن، فقال: إني صائم، فقال له: إن الله وضع عن المسافر كذا)]، فدنا وأكل، والحديث ليس تابعاً للذي قبله، الذي هو حديث: عبد الله بن الشخير، وإنما يرجع إلى ما مر عن أنس بن مالك القشيري الكعبي الذي ليس له إلا هذا الحديث الذي جاء من طرق مختلفة، وهذه الطريق منها، ولكنها جاءت متأخرة بعد طرق حديث عبد الله بن الشخير.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام ...) من طريق سادسة عشرة


    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن موسى وهو ابن أبي عائشة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن أبي عائشة) الذي أتى بها من دون إسرائيل الذي هو تلميذه، وأما إسرائيل فما زاد في الرواية على ذكر موسى، ومن دون إسرائيل أتى بكلمة ابن أبي عائشة، وأتى قبلها بكلمة (هو)؛ حتى يبين أن هذا الكلام أتى به من دون التلميذ؛ من أجل أن يبين المهمل الذي هو: موسى الذي سمي ولم ينسب، فهو ابن أبي عائشة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن غيلان].
    هو غيلان بن جرير المعولي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [عن غيلان أنه قال: (خرجت مع أبي قلابة في سفر، فقرب طعاماً، فقلت: إني صائم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في سفر، فقرب طعاماً، فقال لرجل: ادن فاطعم، قال: إني صائم، قال: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام في السفر، فادن فاطعم، فدنوت فطعمت)].
    ثم ذكر النسائي المتن، وصورته صورة المرسل؛ لأنه يقول: أبو قلابة قدم طعاماً فقال لصاحبه الذي هو غيلان: ادن، فقال: إني صائم، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل وكان صائماً، فقال له: ادن، فقال الرجل: إني صائم، فقال: إن الله وضع عنه كذا، ومن المعلوم: أنه قد مر الحديث موصولاً ومتصلاً، وهنا في آخره ما يدل على الاتصال؛ لأنه قال: (فدنوت فطعمت)، وهذا كلام الصحابي، ومعنى هذا: أن فيه الإشارة إلى أن أبا قلابة أخذ عنه كما سبق أن جاءت الرواية: عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
    قوله: [(فدنوت فطعمت)]، يعني: هذا كلام الرجل الذي هو: أنس بن مالك الكعبي القشيري الذي يروي عنه أبو قلابة، لكن أوله صورته صورة المرسل؛ لأن أبا قلابة يقول: كان الرسول في سفر فجاء رجل وكذا وكذا، ما قال: إنه يروي عن رجل أنه فعل كذا وكذا، لكن في آخره كون الرجل قال: (فدنوت فطعمت)، معناه: أنه فيه ما يدل على السماع والاتصال، ولو لم يكن فيه: (فدنوت فطعمت)، فإنه قد عرف بالطرق المتقدمة أن ذلك الرجل هو أنس بن مالك القشيري، وقد روى عنه أبو قلابة كما في الطرق المتقدمة.



    فضل الإفطار في السفر على الصيام


    شرح حديث: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الإفطار في السفر على الصيام.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن مورق العجلي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا في يوم حار واتخذنا ظلالاً، فسقط الصوام، وقام المفطرون فسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: فضل الإفطار في السفر على الصيام. والمقصود من هذه الترجمة: أن الإفطار يكون مقدماً على الصيام في بعض الأحوال، كما أن الصيام يكون مقدماً على الإفطار في بعض الأحوال، وقد ذكرت أنه إذا كان فيه مشقة، ويلحق الإنسان به ضرر، فالإفطار مطلوب، وإذا كان لا يلحق الإنسان مشقة، وفيه سهولة ويسر، فالصيام هو الأولى.
    والترجمة التي معنا هي: فضل الإفطار في السفر على الصيام، وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلاً في يوم حار، وكنا في ظل، فنزل الصوام، معناه: أنهم استراحوا، ولم يتمكنوا من الحركة والشغل، فقام المفطرون بما يلزم لرحالهم ورحال الصائمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ذهب المفطرون اليوم بالأجر)]، يعني: إن هؤلاء قاموا بأعمال لأنفسهم ولغيرهم، وسبب ذلك أنهم كانوا مفطرين فصار عندهم القدرة التي ليست عند الصائمين، فهو من هذه الحيثية، فكون الصيام شاقاً، وكون اليوم حاراً، وبعض الصحابة صائم، وبعضهم مفطر، والمفطرون خدموا الصائمين، وقاموا بما يلزم لأنفسهم، فحصلوا الأجر والثواب بسبب هذه الأعمال التي قاموا بها، ولا يعني ذلك أن الصائمين لا أجر لهم، وأن أجر الصائمين صار للمفطرين، بل الصائمون لهم أجرهم، ولكن أولئك بأعمالهم التي عملوها لأنفسهم ولغيرهم، صار أجرهم أعظم، وما قاموا به أعظم أجراً مما حصل لألئك من الصيام، وقال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر).

    تراجم رجال إسناد حديث: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، هو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا أبو معاوية].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عاصم الأحول].
    هو عاصم بن سليمان الأحول، والأحول: لقب له، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مورق العجلي].
    هو مورق بن مشمرج العجلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    هو أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فـأنس بن مالك هذا هو الذي له الأحاديث الكثيرة، وأما أنس بن مالك القشيري الكعبي، فهو هذا الذي مر معنا في [وضع الصوم عن المسافر ونصف الصلاة]، ليس له إلا ذلك الحديث الواحد.


    ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر



    شرح أثر: (الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.أخبرنا محمد بن أبان البلخي حدثنا معن عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: (يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي ذكر قول عبد الرحمن بن عوف، أو قول القائل، لكن هنا الأحاديث التي أوردها هي من طرق إلى عبد الرحمن بن عوف من قوله، وموقوف عليه، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [(الصوم في السفر كالإفطار في الحضر)]، معناه: أنه لا ينبغي الصيام في السفر، وقد أورد النسائي الأثر عن عبد الرحمن بن عوف، ( يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)، فهو موقوف على عبد الرحمن بن عوف، وقد قال: يقال، وكأنه يتحدث الناس بهذا الشيء، والمقصود من ذلك: أنه إما أن يكون المراد به: أن الصوم في السفر كالإفطار في صوم النفل، فكون الإنسان غير صائم، فكأنه ليس صائماً نفلاً، فيكون خلاف الأولى، وكونه يصوم في السفر فإنه يكون خلاف الأولى، ويحتمل أن يكون كالمفطر في رمضان، ويكون فيه وعيد شديد في حق من يصوم، فيحتمل هذا ويحتمل هذا، ولعل عبد الرحمن بن عوف أو غيره ممن قال ذلك، يعني:
    بنى هذا الكلام على ما جاء في بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (ليس من البر الصيام في السفر)، وقد مر، وكذلك الحديث الذي فيه كان أناس صائمين، وبقوا على صيامهم، وقد أصابهم جهد، فأفطر رسول الله، وأفطر الناس معه، وبقي بعضهم فبلغه فقال: (أولئك العصاة)، فيكون كلام من قال هذا عبد الرحمن بن عوف أو من ذكر أنه يقال عنه: أنه فهمه من بعض الأحاديث التي وردت في عدم الصيام في السفر، (ليس من البر الصيام في السفر، ذهب أولئك العصاة)، وهذا إنما كان لسبب، وكان لحالة خاصة، ومن المعلوم: أنه إذا كان هناك مضرة، فليس من البر، بل على الإنسان أن يفطر، أما مجرد الصوم حيث لا مشقة، فلا يقال: إن صاحبه مذموم، وأنه كالمفطر في الحضر.


    تراجم رجال إسناد أثر: (الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)


    قوله: [أخبرنا محمد بن أبان البلخي].ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [حدثنا معن].
    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، هو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن عوف].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد، فقال: ( أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)، عشرة أشخاص سردهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد وبشرهم بالجنة، فـعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أبو محمد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقيل: إن أبا سلمة لم يسمع من أبيه عبد الرحمن بن عوف، وعلى هذا: فيكون فيه -مع كونه موقوفاً- انقطاع، ولا يقال: إن هذا من قبيل ما ليس للرأي فيه مجال؛ لأنه إذا كان الشيء موقوفاً، وليس للرأي فيه مجال فإنه يكون له حكم الرفع، ويكون حديثاً مضافاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حكماً؛ لأن له حكم الرفع، لا يقال ذلك؛ لأن هذا يمكن أن يكون للرأي فيه مجال، من حيث أنه يغلط أو أنه جاء عن طريق الفهم من بعض الأحاديث التي أشرت إليها: (ليس من البر الصيام في السفر)، وكذلك: (أولئك العصاة)، مع أنه جاءت أحاديث كثيرة تدل على الصيام، فلا يقال: إن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، اللهم إلا إذا كان أجهده الصيام، وحصل له المضرة، فعند ذلك يكون مثلما جاء في أولئك العصاة، أو (ليس من البر الصيام في السفر).

    أثر: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب حدثنا حماد بن الخياط وأبو عامر قالا: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)].أورد النسائي الأثر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه ليس فيه: (يقال)، وإنما أضاف الكلام إلى عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)، والكلام هو نفس الكلام؛ لأن المتن هو نفس المتن.
    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا حماد بن خياط].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [وأبو عامر].
    أبو عامر العقدي، هو عبد الملك بن عمرو، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة في الإسناد الذي قبل هذا.

    أثر: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب حدثنا أبو معاوية حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أنه قال: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)].أورد النسائي الأثر من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عوف، ولكنه من طريق ابنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف قال هذه المقالة: (الصيام في السفر كالإفطار في الحضر).
    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبو معاوية].
    وقد مر ذكره، محمد بن خازم.
    [حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الرحمن، وقد مر ذكره.


    الصيام في السفر وذكر اختلاف خبر ابن عباس فيه



    ‏ شرح حديث: (أن النبي خرج في رمضان ... فشرب وأفطر هو وأصحابه)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصيام في السفر، وذكر اختلاف خبر ابن عباس فيه.أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في رمضان، فصام حتى أتى قديداً، ثم أتي بقدح من لبن، فشرب وأفطر هو وأصحابه)].
    بعدما أورد النسائي الأبواب المتعلقة بعدم الصيام في السفر، والإرشاد إلى عدم الصيام في السفر، أورد هذه الترجمة التي فيها الصيام في السفر، ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الصيام، وجاء عنه الإفطار، والحكم فيه التفصيل الذي أشرت إليه من قبل، إذا كان فيه مشقة يكون الإفطار، وإذا لم يوجد فيه مشقة يكون الصيام، وعلى هذا: فإن الصيام في السفر سائغ، والإفطار سائغ، ولكن هذا يكون أولى في بعض الأحيان، وهذا يكون أولى في بعض الأحيان، فهذه الترجمة تتعلق بالصيام وحصول الصيام، وهو يبين ما تقدم في الباب الذي قبل هذا، من أن الكلام في أن (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)، أنه ليس بصحيح،
    اللهم إلا أن يحمل على من صام في السفر، وقد أنهكه الصيام، فإن هذا ألحق بنفسه ضرراً، فيكون من جنس ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)، أما إذا لم يوجد ضرر، فللإنسان أن يصوم، لا سيما في هذا الزمان الذي السفر فيه سهولة وفيه يسر، وأوقات يسيرة ساعة، أو ساعتين، أو أكثر، أو أقل، مثل الذي في الطائرة وفي السيارة، فيمكن للإنسان أن يفطر وله أن يصوم، لكن يكون الصوم أولى في بعض الأحوال، ويكون الإفطار أولى في بعض الأحوال، هنا أورد الأحاديث المتعلقة بالصيام في السفر.

    قوله: [(فشرب، وأفطر هو وأصحابه)]، وهذا يدل على الصيام والإفطار؛ لأنه كان من المدينة إلى قديد، كل هذه المسافة والأيام التي مضت وهو يصوم، وبعد قديد أفطر، أفطر في قديد في أثناء النهار، فدل هذا على أن الإنسان له أن يفطر إذا سافر، ولو كان قد بدأ الصيام، فله أن يفطر، وبعد ذلك استمر مفطراً حتى قدم مكة كما جاء في بعض الروايات الأخرى، وعلى هذا فالحديث دال على الصيام والإفطار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام وأفطر، صام في السفر وأفطر، فدل على أن الصيام سائغ، وأن الإفطار سائغ، لكن يكون الإفطار أولى في بعض الأحوال، ويكون الصيام أولى في بعض الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي خرج في رمضان ... فشرب وأفطر هو وأصحابه)

    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا سويد].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مقسم].
    هو مقسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه، وإلا فهو مولى عبد الله بن الحارث، وقد اشتهر بـمولى ابن عباس من أجل أنه ملازم له، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن أنه مولاه من حيث الولاء، وهو مولاه هنا لملازمته إياه فقط، وإلا فهو مولى عبد الله بن الحارث، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اشتهروا بهذا اللقب لقب العبادلة الأربعة، أو العبادلة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (صام رسول الله... ثم أفطر حتى أتى مكة من طريق ثانية)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا القاسم بن زكريا حدثنا سعيد بن عمرو حدثنا عبثر عن العلاء بن المسيب عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة حتى أتى قديداً، ثم أفطر حتى أتى مكة)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة، من المدينة إلى قديد وهو صائم، ومن قديد إلى مكة وهو مفطر، وهو في هذا الإسناد أنه صام حتى أتى قديداً، ثم أفطر حتى قدم مكة، فدل على الصيام والإفطار، ومحل الشاهد للترجمة وهي الصيام في السفر؛ لما جاء في أوله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وصام حتى وصل قديداً، وأكثر الطريق من المدينة إلى قديد، لأن القديد الآن عند نهاية الجبال، إذا ذهب الإنسان مع الطريق الجديد، فإذا انتهت الجبال وأقبل على المفرق الذي يذهب إلى جدة، هناك الوادي، وهو آخر موضع قبل الوادي، قبل الجسر الذي يكون عنده المفرق إلى جدة، فهو المسافة من المدينة إلى قديد هي الأطول، ومن قديد إلى مكة أقل، فالصيام أكثر من الإفطار، ومحل الشاهد أن الرسول صام في سفره هذا وأفطر، صام من المدينة إلى قديد، وأفطر من قديد إلى مكة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صام رسول الله... ثم أفطر حتى أتى مكة) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرني القاسم بن زكريا].ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا سعيد بن عمرو].
    هو سعيد بن عمرو الأشعثي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن العلاء بن المسيب].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الحكم بن عتيبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (أن رسول الله صام في السفر ... فأفطر هو وأصحابه) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا الحسن بن عيسى أخبرنا ابن المبارك أخبرنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام في السفر حتى أتى قديداً، ثم دعا بقدح من لبن فشرب فأفطر هو وأصحابه)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، (صام حتى وصل قديداً، ثم دعا بقدح فشرب وأفطر هو وأصحابه)، ومعنى هذا: أنه صام في السفر، وهذا هو محل الشاهد للترجمة [الصيام في السفر].
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحسن بن عيسى].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره.
    [أخبرنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #383
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (380)

    - باب ذكر الاختلاف على منصور في خبر الصيام في السفر - باب ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في خبر الصيام في السفر



    جعل الله الدين يسراً على عباده فأمر بما ينفع ونهى عما يضر، وجعل اليسر أحب إليه من غيره، ومن تيسيره أنه خير المسافر الذي عليه الصوم بين الصيام والإفطار وذلك بحسب حالته.

    ذكر الاختلاف على منصور في خبر الصيام في السفر


    ‏ شرح حديث: (خرج رسول الله إلى مكة فصام حتى أتى عسفان فدعا بقدح فشرب ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على منصور.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، فصام حتى أتى عسفان، فدعا بقدح فشرب، قال شعبة: في رمضان، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: من شاء صام، ومن شاء أفطر)].
    أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صام من المدينة حتى بلغ عسفان، وعسفان هو: وراء قديد إلى جهة مكة، ويحتمل أن يكون المقصود أنه المكان يعني: بينهما أو أن بعضهما قريب من بعض، فجاء في بعض الروايات ذكر قديد، وفي بعض الروايات ذكر عسفان.
    قوله: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، فصام حتى أتى عسفان، فدعا بقدح فشرب، قال شعبة: في رمضان، فكان ابن عباس يقول: من شاء صام، ومن شاء أفطر)].
    أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة صام وأفطر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله إلى مكة فصام حتى أتى عسفان فدعا بقدح فشرب ...)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    وعسفان بعد قديد، وهي أقرب إلى مكة من قديد، موجود الآن في لوحات المرور فالذي يذهب إلى مكة ينظر قديد ثم بعدما يتعدى مفرق جدة، ويأتي خليص يأتي بعده عسفان.

    شرح حديث: (... فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فشرب نهاراً ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فشرب نهاراً يراه الناس، ثم أفطر)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، وفيه ذكر عسفان، وأنه دعا بقدح، وأنه شرب نهاراً يراه الناس، قال: ثم أفطر، لكن لعل المقصود بها أنه أفطر حتى وصل إلى مكة، فقوله: ثم أفطر، أي: بقية رحلته إلى مكة، مثل ما جاء في الطريق السابقة: أنه صام حتى وصل قديداً، ثم أفطر حتى قدم مكة، وهنا قوله: ثم أفطر، أي: أفطر بقية أيامه التي في الطريق؛ لأن قضية اليوم الواحد وجد الإفطار بكونه شرب نهاراً، وجاء أيضاً كونه شرب والناس يرونه، لكن قوله: ثم أفطر، يعني: ثم أفطر بقية الأيام في الطريق إلى مكة كما جاء ذلك موضحاً في الطريق السابقة: وهي أنه صام حتى بلغ قديداً، ثم أفطر حتى قدم مكة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فشرب نهاراً ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة بن أعين المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور عن مجاهد].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن طاوس].
    هو ابن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا سفيان عن العوام بن حوشب أنه قال: (قلت لـمجاهد: الصوم في السفر؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ويفطر)].أورد النسائي الحديث عن مجاهد، وهو مرسل، لكن هو الراوي عن ابن عباس، والرسول صام وأفطر، وفيه أن العوام بن حوشب، قال: (قلت لـمجاهد: الصوم في السفر؟)، هل يكون الصوم في السفر؟ فقال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر) معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه هذا وهذا، ومعنى هذا أن الصيام في السفر سائغ، وهو ما ترجم له المصنف في قوله: الصيام في السفر؛ لأن فيه الصيام، وفيه الإفطار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر)

    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو حميد بن مسعدة البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن حبيب، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن العوام بن حوشب].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    وقد مر ذكره. وهنا حديثه حديث مرسل، لكن معلوم أنه مجاهد أخذ عن ابن عباس، والحديث نفسه قد مر من طريق عن مجاهد عن ابن عباس، إذاً فهذا المرسل معروف أنه متصل في الطرق السابقة.

    حديث: (أن رسول الله صام في شهر رمضان وأفطر في السفر) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هلال بن العلاء حدثنا حسين حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق أخبرني مجاهد: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صام في شهر رمضان، وأفطر في السفر)].أورد النسائي الحديث عن مجاهد وهو مرسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في شهر رمضان، وأفطر في السفر)، ومعناه: صام في السفر وأفطر.
    قوله: [أخبرني هلال بن العلاء].
    هو هلال بن العلاء بن هلال، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حسين].
    هو حسين بن عياش، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [قال حدثنا: عن زهير].
    هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي إسحاق].
    أبو إسحاق، وسماع زهير من أبي إسحاق بآخره، لكن عرفنا أن الحديث جاء من طرق أخرى، فلا يؤثر كون زهير بن معاوية سمع من أبي إسحاق بآخره؛ لأن الحديث جاء من طرق عديدة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي إسحاق، وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    وقد مر ذكره.


    ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في حديث حمزة بن عمرو في خبر الصيام في السفر



    شرح حديث: (... إن شئت صمت وإن شئت أفطرت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في حديث حمزة بن عمرو رضي الله عنه فيه.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا أزهر بن القاسم حدثنا هشام عن قتادة عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه: (سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصوم في السفر؟ قال: إن ثم ذكر كلمة معناها: إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت)].
    فالترجمة السابقة هي تتعلق بالصيام في السفر، وقد عرفنا فيما مضى حكم الصيام في السفر، وأن فيه تفصيلاً: إذا كان على الإنسان مشقة فالفطر أولى، وإذا كان يلحقه ضرر به فيتعين الفطر، وإن كان ليس هناك مشقة فالصيام هو الأولى، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيام والإفطار، فدل على أن الأمر في ذلك واسع، وقد أورد النسائي عدة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة تتعلق بالصيام في السفر، من فعله ومن قوله عليه الصلاة والسلام.
    قد أورد النسائي حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله تعالى عنه، من طرق عديدة، وفيها: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الصوم في السفر؟ فقال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، وهنا في المتن لما ذكر المتن قال: (إن)، ثم قال كلمة معناها: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، أي: أن الذي ذكره هنا هو معنى ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وليس اللفظ؛ لأنه قال: (إن، ثم ذكر كلمة معناها)، والمراد الكلمة بها الجملة؛ لأن الكلمة يراد بها الكلام، وكما يراد بها الكلمة الواحدة، وقد يكون الكلام كثير كما يقال: فلان ألقى كلمة، فالمقصود به كلمة طويلة، وقد تطلق على جملة مثل كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحانه الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فتطلق الكلمة على الكلام، كما تطلق على الكلمة الواحدة، وابن مالك يقول في الألفية:
    واحده كلمة والقول عم، يعني: واحد الكلام كلمة، والقول عم، وكذلك القول، وكلمة بها كلام قد يؤم، يعني: قد يقصد بالكلمة الكلام، ولا يقصد بها الكلمة الواحدة، (ثم ذكر كلمةً معناها: إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت)، معناه: أن هذا الذي ذكر هو بالمعنى وليس اللفظ، والمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى الصيام وإلى الإفطار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وهو يدل على الصيام في السفر، كما يدل على الإفطار في السفر، والترجمة هي تتعلق بالصيام، فقوله: (إن شئت فصم)، هذا هو محل الشاهد، أو (إن شئت صمت)، يعني: لك أن تصوم، ولك أن تفطر، الأمر في ذلك واسع، وجاء في بعض الروايات: أن الصوم تطوع؛ لأنه قال: إني أسرد الصيام. معناه: أنه يواصل، وأنه يتابع الصيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، وكذلك بالنسبة للفرض، الإنسان المسافر له أن يصوم وله أن يفطر، وفي النفل له أن يصوم ويفطر، لكن متى يكون الأولى الإفطار؟ ومتى يكون الأولى الصيام؟ ومتى يتعين الإفطار؟ أشرت إلى ذلك آنفاً كما أشرت إلى ذلك من قبل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن شئت صمت وإن شئت أفطرت)

    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو القشيري النيسابوري، هو شيخ لـمسلم أكثر من الرواية عنه، ويتفق معه في القبيلة والبلد، يعني: هو مثل مسلم في النسب، ومثله في البلد، فهو نيسابوري وتلميذه مسلم نيسابوري، وهو قشيري وتلميذه مسلم قشيري، فهو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، القشيري نسبة نسب، والنيسابوري نسبة بلد، فهو ومسلم متفقان في النسب، وفي البلد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا ابن ماجه، ومسلم أكثر عنه، وروى عنه الشيء الكثير.
    [حدثنا أزهر بن القاسم].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن يسار].
    ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة اشتهروا بهذا اللقب، وهم في المدينة وفي عصر التابعين، إذا قيل في مسألة: قال بها الفقهاء السبعة، فيراد بها هؤلاء السبعة الذين منهم: سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: السابع: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقد ذكرهم ابن القيم في أول إعلام الموقعين؛ لأن إعلام الموقعين كتاب موضوعه كلام المفتين الذين يبلغون عن الله، والذين يبينون الأحكام، ويفتون بشرع الله، إعلام الموقعين عن رب العالمين، يعني: يبينون الشرع، ويفتون في الأحكام، فهو إعلام إخبار، وقد ذكر في أول الكتاب جماعة من المفتين من الصحابة ومن التابعين، ومن بعدهم في البلاد المختلفة، فيأتي إلى البلد فيقول: الكوفة فيها في عصر الصحابة فلان وفلان، وفي التابعين فلان وفلان، ولما جاء عند المدينة وجاء عند عصر التابعين قال: ومنهم الفقهاء السبعة، وقد ذكرهم وجعل السابع منهم: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثم ذكر بيتين من الشعر ثانيه ما يشتمل على أسماء الفقهاء السبعة، فقال:
    إذا قيل: من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    سليمان الذي معنا في الإسناد، سليمان بن يسار، خارجة، خارجة بن زيد بن ثابت، وهذا من الجناس؛ لأن البيت الأول آخره خارجة، وهي المقصود بها أن فتاواهم ليست خارجة عن العلم، بل هي من صميم العلم، وفي الآخر خارجة اسم رجل، روايتهم ليست عن العلم خارجة، وفي آخره اسم خارجة الذي هو خارجة بن زيد بن ثابت.
    [عن حمزة بن عمرو الأسلمي].
    رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

    طريق ثانية لحديث: (... إن شئت صمت وإن شئت أفطرت) وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار: أن حمزة بن عمرو رضي الله عنه قال: (يا رسول الله،)، مثله مرسل].قال: أورد الحديث مرسلاً، أرسله سليمان بن يسار؛ لأنه قال: أن حمزة قال: (يا رسول الله)، فليس فيه عن حمزة، وإنما يحكي أن حمزة هو سليمان بن يسار، هو تابعي، فالمتن هو مرسل؛ لأنه يحكي الشيء الذي جرى، وما قال: عن فلان، لكن كما هو معلوم جاء من طرق كثيرة مسند يروي عن حمزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، فهو مرسل وثابت، وإن كان صورته صورة المرسل؛ لأنه جاء من طرق متصلة ومرفوعة، وفيه ذكر حمزة، وأنه هو الذي يخبر عن المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثله مرسل، وكلمة مثله، معناه أن المتن مثل المتن.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، هو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير].
    هو ابن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (إن شئت أن تصوم فصم وإن شئت أن تفطر فأفطر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار عن حمزة رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصوم في السفر؟ قال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر)].أورد النسائي حديث ابن عمرو الأسلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، تأخير له بين أن يصوم ويفطر، (إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر).
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن أبي أنس].
    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ومسلم.
    [عن سليمان بن يسار عن حمزة].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث: (إن شئت أن تصوم فصم وإن شئت أن تفطر فأفطر) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصوم في السفر؟ فقال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، مات قبل البخاري بأربع سنوات، أي: سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في ذلك: محمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة. وهم من صغار شيوخ البخاري، وماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثنا أبو بكر].
    هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو]
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

    حديث: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث والليث فذكر آخر عن بكير عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! إني أجد قوةً على الصيام في السفر، قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد النسائي حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه قال في سؤاله: (إني أجد قوةً على الصيام في السفر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، فهو مثل ما تقدم، تخيير بين الصيام والإفطار فللمسافر أن يصوم، وله أن يفطر.
    قوله: [الربيع بن سليمان].
    الربيع بن سليمان، وهو يحتمل أن يكون المرادي، وأن يكون الجيزي، وكل منهما ثقة. فـالمرادي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما الجيزي فأخرج له أصحاب السنن فقط، وكليهما يرويان عن ابن وهب.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
    [والليث].
    هو الليث بن سعد، وقد مر ذكره، والذي روى عنهم عبد الله بن وهب، يعني عبد الله بن وهب ذكر ثلاثة أشخاص، والنسائي ذكر اثنين وترك الثالث، أشار إليه، فقال: فذكر آخر، يعني: أنه معهما في الإسناد يروي عنهما عبد الله بن وهب في هذا الإسناد شخص ثالث، وما سماه هنا، وهو عبد الله بن لهيعة، نعم. إنما قال: فذكر آخر، يعني محافظةً على أن الإسناد جاء فيه ذكر الثلاثة، فهو ما أراد أن يذكر اثنين ويترك الثالث دون أن يشير إليه، بل أشار إليه، وأبهمه دون أن يسميه، ومن المعلوم أن الإبهام هنا لا يؤثر؛ لأن الإسناد ما بني على شخص مبهم، بل هناك إمامان كبيران محدثان فقيهان وهما: عمرو بن الحارث المصري، والليث بن سعد المصري، وعبد الله بن لهيعة أيضاً مصري، وعبد الله بن وهب الذي روى عنه المصري.
    [عن بكير].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو أيضاً مصري.
    [عن سليمان بن يسار عن حمزة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (إن شئت أن تصوم فصم وإن شئت أن تفطر فأفطر) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن بكر حدثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه: (سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصوم في السفر؟ قال: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر)].أورد النسائي حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
    هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد بن بكر].
    صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في الثالث كما أشرت إلى ذلك آنفاً.
    [عن حمزة بن عمرو].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار، وحنظلة بن علي قال: حدثاني جميعاً عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: (كنت أسرد الصيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أسرد الصيام في السفر؟ فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].وهذا أيضاً حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، وفيه أنه في السؤال قال: (إني أسرد الصيام في السفر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، وهو يفيد بأنه يتطوع، وأنه يتنفل.
    قوله: [أخبرنا عمران بن بكار].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أحمد بن خالد].
    صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا محمد].
    هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران بن أبي أنس عن سليمان بن يسار].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن حنظلة بن علي].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. ما خرج له البخاري في الصحيح ولا الترمذي.
    [عن حمزة بن عمرو].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي عن حمزة رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا نبي الله! إني رجل أسرد الصيام أفأصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد حديث حمزة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عمه].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا من رواية من روى عن أبيه عن جده؛ لأن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم يروي عن عمه عن جده، عمه أخو أبيه، فهو من رواية الأقارب بعضهم عن بعض، رواية رجل عن عمه، والعم يروي عن الجد.
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، هناك ذكره باسمه، وهنا ذكره بنسبه، فـمحمد هو ابن إسحاق هذا؛ لأنه قال هنا: ابن إسحاق، ومحمد، وهناك قال: محمد وابن إسحاق، وقد مر ذكره.
    [عن عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي عن حمزة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ...) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عمران بن أبي أنس: أن سليمان بن يسار حدثه: أن أبا مراوح حدثه: أن حمزة بن عمرو رضي الله عنه حدثه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رجلاً يصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد النسائي حديث حمزة الأسلمي من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد عن عمه عن أبيه].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن ابن إسحاق].
    وكذلك مر ذكره.
    [حدثني عمران بن أبي أنس].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    [عن سليمان بن يسار].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي مراوح].
    هو أبو مراوح الغفاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن حمزة].
    وقد مر ذكره.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #384
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (381)

    - (باب ذكر الاختلاف على عروة في خبر الصيام في السفر) إلى (باب ذكر الاختلاف على أبي نضرة في خبر الصيام في السفر)

    من رحمة الله سبحانه وتعالى أن رخص للصائم الإفطار في السفر، وقد كان الصحابة يسافرون منهم الصائم ومنهم المفطر، فلا يعيب أحدهم على الآخر.

    ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة في خبر الصيام في السفر


    ‏ شرح حديث: (... هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) من طريق عاشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على عروة في حديث حمزة فيه. أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو وذكر آخر عن أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه أنه: (قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أجد فيّ قوةً على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ قال: هي رخصة من الله عز وجل، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)].
    أورد النسائي حديث حمزة الأسلمي؛ وهو أنه قال: [أجد في قوةً على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ قال: هي رخصة من الله عز وجل، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح].
    ومن المعلوم أن مثل هذا الترخيص هو في الفرض، والنفل من باب أولى، أي: إذا كان الفرض قد رخص الله للإنسان أن يفطر فيه، فالنفل من باب أولى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) من طريق عاشرة


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن عمرو وذكر آخر].قد مر ذكر هؤلاء، والآخر الذي أشير إليه هنا مع عمرو هو: ابن لهيعة.
    [عن أبي الأسود].
    هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي الملقب يتيم عروة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام المدني ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مراوح عن حمزة].
    قد مر ذكرهما.


    ذكر الاختلاف على هشام بن عروة في خبر الصيام في السفر



    ‏ حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على هشام بن عروة فيه.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن بشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].
    أورد النسائي حديث حمزة بن عمرو الأسلمي من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، أي: التخيير بين الصيام والإفطار في السفر.
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].
    هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور أبوه بـابن علية؛ لأن إسماعيل بن إبراهيم مشهور بـابن علية نسبة إلى أمه، ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن محمد بن بشر].
    هو محمد بن بشر العبدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عن حمزة بن عمرو].
    قد مر ذكرهما.


    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق ثانية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسن اللاني بالكوفة، حدثنا عبد الرحيم الرازي عن هشام عن عروة عن عائشة عن حمزة بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (يا رسول الله! إني رجل أصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد النسائي حديث حمزة من طريق أخرى، وهو مثل الذي تقدم.
    قوله: [أخبرنا علي بن الحسن اللاني].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الرحيم الرازي].
    هو عبد الرحيم بن سليمان الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام عن عروة].
    قد مر ذكرهما.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، معروفة بكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن حمزة].
    قد مر ذكره.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق ثالثة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة أخبرنا ابن القاسم حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن حمزة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد النسائي الحديث حديث حمزة من طريق عائشة رضي الله عنها، وهو صورته صورة المرسل؛ لأنه ما فيه رواية عنه، وإنما قالت: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تحكي، ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة حجة، ويأتي في بعض الروايات أنها تروي عنه، وفي بعضها أنها تخبر عن سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثنا مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    قد مر ذكرهم.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق رابعة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن هشام حدثنا محمد بن سلمة عن ابن عجلان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن حمزة رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله! أصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرني عمرو بن هشام].
    هو عمرو بن هشام الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو غير محمد بن سلمة الذي في الإسناد السابق؛ لأن هذا من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وأما ذاك من طبقة شيوخ النسائي، هذا يروي عنه بواسطة، وذاك يروي عنه مباشرة، فإذا جاء في الإسناد محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فهو هذا الحراني، وإذا جاء يروي عنه مباشرة فهو المصري المرادي.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، صدوق اختلط عليه أحاديث أبي هريرة، وقد أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن عجلان ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنين.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    قد مر ذكرهم.

    حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) من طريق خامسة عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة بن سليمان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن حمزة الأسلمي رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصوم في السفر، وكان رجلاً يسرد الصيام؟ فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا عبدة بن سليمان].

    هو عبدة بن سليمان الكلابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
    قد مر ذكرهم.


    ذكر الاختلاف على أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة في خبر الصيام في السفر


    ‏ شرح حديث: (كنا نسافر في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة فيه.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن سعيد الجريري عن أبي نضرة حدثنا أبو سعيد رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسافر في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، لا يعيب الصائم على المفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم)].
    أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الصيام في السفر، وأنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم الصائم وفيهم المفطر، فلا يعيب المفطر على الصائم صيامه، ولا الصائم على المفطر إفطاره، بل الأمر في ذلك واسع، من شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر أفطر، كما جاء في حديث حمزة الأسلمي الذي مر: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، قال: كنا نسافر، وجاء في الطرق التي بعدها ليس فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم، والتي بعدها يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مثله لا شك، القيد الذي بعده هو لهذا أيضاً، كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم الصائم والمفطر، فلا يعيب أحد على أحد، لا الصائم على المفطر، والمفطر على الصائم، وهو دال على الصيام في السفر، وعلى الإفطار في السفر، والترجمة التي عقدها النسائي هي: الصيام في السفر؛ لأنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيهم الصائم وفيهم المفطر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسافر في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر ...)


    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


    حديث: (كنا نسافر مع النبي فمنا الصائم ومنا المفطر ..) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا خالد وهو: ابن عبد الله الواسطي عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمنا الصائم ومنا المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم)].أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا سعيد بن يعقوب الطالقاني].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا خالد وهو ابن عبد الله الواسطي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكلمة (هو ابن عبد الله الواسطي)، هذه الذي زادها هو من دون التلميذ النسائي أو من دون النسائي.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة عبد الرحمن بن عوف، وقد مر ذكره.
    [عن أبي نضرة عن أبي سعيد].
    قد مر ذكرهما.

    حديث: (سافرنا مع رسول الله فصام بعضنا وأفطر بعضنا) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا القواريري حدثنا بشر بن منصور عن عاصم الأحول عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصام بعضنا وأفطر بعضنا)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، وهو مثل ما جاء في حديث أبي سعيد: سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم فصام بعضهم، وأفطر بعضهم، والرسول أقرهم على ما هم عليه، وهذا دليل على أن الصيام سائغ، وأن الإفطار سائغ، وأن الإنسان له أن يصوم، وله أن يفطر، والأمر في ذلك واسع بحمد الله، لكن أيها أولى؟ فيه التفصيل الذي أشرت إليه من قبل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سافرنا مع رسول الله فصام بعضنا وأفطر بعضنا) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا القواريري].
    هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا بشر بن منصور].
    هو بشر بن منصور السليمي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عاصم الأحول].
    هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي نضرة].
    قد مر ذكره.
    [عن جابر].
    هو ابن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (فيصوم الصائم ويفطر المفطر ...) من طريق رابعة تراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أيوب بن محمد حدثنا مروان حدثنا عاصم عن أبي نضرة المنذر عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أنهما: (سافرا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيصوم الصائم ويفطر المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم)].أورد النسائي حديث أبي سعيد، وجابر معاً، وأنهما كانا يسافران مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم الصائم والمفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر.
    قوله: [أخبرنا أيوب بن محمد].
    هو أيوب بن محمد الوزان، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا مروان].
    هو ابن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس أسماء الشيوخ، والتدليس هو تدليس إسناد وتدليس أسماء الشيوخ، والمراد بتدليس أسماء الشيوخ أنه يذكر الشيخ بغير ما يشتهر به، يعني ينسبه إلى جد أو يأتي بكنيته مع نسبته، فيحتاج البحث عنه إلى جهد، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، ومروان بن معاوية الفزاري معروف بهذا التدليس، الذي هو تدليس أسماء الشيوخ، وهو غير تدليس الإسناد الذي يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، بل هذا يذكر شيخه بغير ما اشتهر به، بأن يقول: ابن أبي فلان يذكر كنية أبيه، أو ينسبه إلى جده، أو يأتي بكنيته مع نسبته إلى جده، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر].
    قد مر ذكرهم.


    الأسئلة



    منهجية التخريج عند اتفاق المعنى في الحديث واختلاف الألفاظ


    السؤال: أورد النسائي حديث حمزة بن عمرو رضي الله عنه بعدة ألفاظ، ثم إن المحقق عزا كل الألفاظ إلى تخريج واحد، مع أن في بعض الألفاظ اختلافاً عن بعض.

    الجواب: أي نعم، الألفاظ طبعاً تختلف؛ لأن الصحابي واحد، والحديث يعتبر واحداً بالصحابي، وكما هو معلوم قد يكون الحديث مطولاً، وقد يكون مختصراً، لكن قوله: (تقدم)، معناه أنه ذكر من خرجه، لكن لا شك أن الألفاظ تختلف، وفيه الذي فيه اختصار، وفيه الذي فيه طول، وهذا هو شأن التخريج؛ يعني ما هي القضية أنه لا بد أن تكون الألفاظ متفقة، بل إذا قيل: (متفق عليه)، لا يعني أن الألفاظ متساوية، بل الألفاظ مختلفة ولو كان متفق عليه، لكن المعنى ثابت ومتفق عليه، ولهذا عندما يقول: متفق عليه واللفظ لفلان، يأتي أحياناً متفق عليه واللفظ للبخاري، متفق عليه واللفظ لـمسلم، معناه أن الألفاظ تختلف، ليس معناه أنها لازم تتفق، مع قوله: متفق عليه يقول: اللفظ لفلان، معناه الثاني الذي ما ذكر،
    ليس هذا لفظه، وإنما هو متفق معه في المعنى، وفيه اختلاف في الألفاظ، وكذلك الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي لما جمع الأحاديث المتفق عليها، من المعلوم أن مسلماً يورد الحديث في مكان واحد، فيرده أولاً كاملاً، ثم بعد ذلك يحيل عليه، والطرق كلها تأتي في مكان واحد، أما البخاري فيأتي بالحديث في مواضع يستدل به على تراجم، ثم في كل موضع فيه زيادة وفيه نقصان، الحديث متفق عليه، لكن لا يعني (متفق عليه) أن الألفاظ متساوية عند البخاري وعند مسلم، بل عند البخاري نفسه في مواضع غير مختلفة، وليست على حد سواء، ولهذا لما جمع الأحاديث المتفق عليها في كتابه: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، أتى بلفظ البخاري الذي هو أقرب إلى لفظ مسلم، وأتى به على ترتيب مسلم، فالكتاب على ترتيب مسلم، وليس على ترتيب البخاري، لكنه يثبت لفظ البخاري من المواضع المتعددة الذي يتفق مع لفظ مسلم، أو الذي يتفق أو هو أقرب ما يكون إلى لفظ مسلم، ليس بلازم أن يكون متفقاً، فقضية الاتفاق هذا ليس بوارد، بل الاختلاف موجود، بل نفس المحدث الواحد يكون عنده من طرق وتختلف الألفاظ، فضلاً عن المخرجين المتعددين.


    كيفية أخذ الحقوق المستحقة للعمال

    السؤال: جئت عاملاً إلى هذا البلد ولم آخذ حقي، فهل لي أن آخذ الحق بالمعروف حتى آكل وأعيش، أو أنتظر إلى أن يعطيني حقي؟

    الجواب: الواجب على المستأجرين أن يؤدوا الحقوق إلى من استأجروه من العمال، والإنسان إذا لم يعط حقه، فإنه يتقدم إلى الجهات المسئولة للمطالبة بحقه.

    الاقتراض من البنك الربوي للحاجة إلى الزواج

    السؤال: هل لي أن أقترض من البنك الربوي حتى أتزوج، علماً بأنني بحاجة إلى الزواج؟

    الجواب: من المعلوم أن البنك الربوي لا يقرض إلا بالفائدة المحرمة، والربا لا يجوز، فلا يجوز للإنسان أن يقدم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه)، فكل من له عون عليه فإنه آثم، فلا يجوز للإنسان أن يقترض، لا من بنك ربوي ولا غيره، ما دام أن فيه فائدة محرمة.


    بيان معنى سرد الصيام في حديث حمزة

    السؤال: هل في حديث حمزة دليل على جواز السرد؟ وما هو السرد المذكور في الحديث؟

    الجواب: السرد: هو المتابعة، أي: كون الإنسان يتابع، يعني يكثر من الصيام، لكن لا يعني ذلك أنه يصوم الدهر؛ لأن الإنسان لا يجوز له أن يصوم الدهر، لكن له أن يواصل الصيام ويتابعه ويكثر منه.

    تقييم كلام ابن كثير في عدم تأثر الرواية بجهالة كبار التابعين


    السؤال: ذكر ابن كثير حديثاً في سنده مولى تابعي كبير لـابن عباس، وقال: لا تضر جهالة كبار التابعين، فهل هذا القول مسلم؟

    الجواب: هذا القول ليس بمسلم؛ لأن المجهول مجهول، سواءً كان من كبار التابعين، أو ليس من كبار التابعين؛ لأن الجهالة التي لا تؤثر هي جهالة الصحابة فقط، وأما في غيرهم فإنها تؤثر؛ ولهذا قال الخطيب في الكفاية: أنه ما من راو من رواة الحديث إلا ويسأل عنه إلا الصحابة، فإن المجهول فيهم في حكم المعلوم، فالجهالة فيهم لا تؤثر، وأما الجهالة في غير الصحابة فهي مؤثرة، لكن لعل ابن كثير يقصد أن له طرقاً، وأنه يتقوى بها، وإلا لو كان ما جاء إلا من طريق واحدة، وفيها شخص مجهول، فإن الجهالة تضر وتؤثر، إلا في الصحابة، فإنها لا تؤثر فيهم.

    مدى صحة حديث في سنده صدوق يخطئ

    السؤال: إذا جاء حديث في سنده رجل يقال فيه: صدوق يخطئ، فهل هذا الحديث ضعيف؟

    الجواب: لا يكون ضعيفاً، بل يعني إذا كان هذا الذي يخطئ أخطاؤه محدودة ومحصورة، والحديث ليس منها؛ لأن بعض الذين يوصفون بالخطأ، تحصر أحاديثهم الذي أخطأوا فيها، فيقولون: أخطأ في كذا وفي كذا، يعدونها، فإذا كان الحديث ليس من هذه الأشياء المحصورة، فيكون مثل غيره ممن لا يخطئ.

    سبب إطلاق الإرسال على حديث حمزة

    السؤال: كيف قلنا: إن حديث حمزة الثاني بأنه مرسل، مع أنه أسنده للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن المعلوم أن المرسل هو رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    الجواب: هناك مرسل صحابي ومرسل تابعي، الصحابي إذا أضاف شيئاً هو يرويه بالمباشرة، مثل: ما جاء عن عائشة كانت تروي عن حمزة، ثم بعد ذلك بعض الروايات قالت: أنه كذا وكذا، فهذا صورة المرسل، لكن يمكن ألا يكون مرسلاً، وأن يكون قد حضرت السؤال، فهي تروي وهو أيضاً يروي، لكن يبعد أنها حضرت السؤال ثم تروي عنه؛ لأنه تسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت قد حضرت السؤال، وأما إذا كانت روت عن حمزة فهي قد ترسل، وإرسال الصحابي لا يؤثر.


    معنى قول: أخرجه البخاري في جزء القراءة


    السؤال: ما معنى أخرجه البخاري في القراءة؟
    الجواب: البخاري له كتاب يقال له: جزء القراءة خلف الإمام، أي: جزء من الأجزاء الحديثية جمع فيه البخاري الأحاديث المتعلقة بقراءة المأموم وراء الإمام، هذا هو المقصود بجزء القراءة.


    معنى قول: أخرجه أصحاب الكتب الستة


    السؤال: ما معنى قولكم: أخرج له أصحاب الكتب الستة؟ هل يعني حديثاً بعينه، أم أنه من رجالهم؟

    الجواب: لا، يعني: هو من رجالهم، إذا قيل: أخرج له، معناه أنه موجود في هذه الكتب، لكن ليس معناه أنه يكون في كل حديث بعينه، يكونون موجودين فيه، لا.


    درجة صحة حديث دعاء السوق

    السؤال: ما صحة حديث دعاء السوق؟

    الجواب: دعاء السوق صححه بعض أهل العلم، وتكلم فيه بعضهم.


    مدى ثبوت حديث في فتح أزارير الصدر

    السؤال: هل هناك حديث صحيح ورد في فتح أزارير الصدر؟

    الجواب: نعم، ورد فيه حديث، لكن ليس المقصود منه أنه يسن للإنسان أن يفتح أزاريره، وتكون أزاريره مفتوحة دائماً وأبداً، وإلا لماذا تصنع الأزارير؟ ولماذا توضع الأزارير ما دام أنها لا تزر، وإنما الذي ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يحدث بحديث معين، في تلك الحال كان الإزار مفتوحاً.


    ما يجب على الكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق أثناء نهار رمضان

    السؤال: أحسن الله إليك، هل يلحق بالحائض والمسافر الكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق، والصبي إذا بلغ؟

    الجواب: لا شك، كل هؤلاء يلحقون، كل من وجب عليه الصيام، فإن عليه أن يمسك بقية اليوم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #385
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (382)

    - (باب الرخصة للمسافر أن يصوم بعضاً ويفطر بعضاً) إلى (باب وضع الصيام عن الحائض)

    جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص بالإفطار في رمضان لأصناف متعددة ممن وجب عليهم، منهم: المسافر وهو مخير بين الصيام والإفطار أو صوم بعض وإفطار بعض، وهو بحسب الحال، ومنهم: المرضع والحامل فلهما الإفطار إن كانت هناك حاجة، وهناك صنف يلزمهم الإفطار كالحائض، وكل هؤلاء يجب عليهم القضاء في وقت آخر.
    الرخصة للمسافر أن يصوم بعضاً ويفطر بعضاً

    شرح حديث: (خرج رسول الله عام الفتح صائماً في رمضان حتى إذا كان بالكديد أفطر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة للمسافر أن يصوم بعضاً ويفطر بعضاً.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح صائماً في رمضان، حتى إذا كان بالكديد أفطر)].
    أورد النسائي باب وهو: الرخصة في أن يصوم بعضاً ويفطر بعضاً، فبعدما ذكر الإفطار، وذكر الصيام، وأن للإنسان أن يصوم مطلقاً، وله أن يفطر مطلقاً، ذكر هذه الترجمة وهي أن له أن يصوم ويفطر، أي: له أن يجمع بين هذا وهذا، أي أن له أن يفطر الشهر كله ما دام مسافراً، وله أن يصوم الشهر كله ما دام مسافراً، وله أن يفطر بعضه ويصوم بعضه.
    وأورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنها، (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح صائماً).
    أي: أنه خرج عام الفتح صائماً في رمضان، ولما كانوا في الكديد، وهو موضع قريب من عسفان أو قريباً من قديد، قالوا: إنه بين عسفان وقديد.
    أفطر واستمر مفطراً حتى دخل مكة، وفيه الدلالة على الترجمة؛ لأنه صام وأفطر، أي صام بعض الشهر، وأفطر بعضه، وللإنسان أن يفطر الشهر كله ما دام مسافراً، وله أن يصومه كله، وله أن يصوم بعضه ويفطر بعضه، والحديث دال على ما ترجم له المصنف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله عام الفتح صائماً في رمضان حتى إذا كان بالكديد أفطر)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويروي عن الزهري، والمعروف بالرواية عن الزهري هو: ابن عيينة وليس الثوري، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ينسب إلى جده شهاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عبيد الله بن عبد الله].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    الرخصة في الإفطار لمن حضر شهر رمضان فصام ثم سافر

    شرح حديث: (صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الإفطار لمن حضر شهر رمضان فصام ثم سافر.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فشرب نهاراً ليراه الناس، ثم أفطر حتى دخل مكة فافتتح مكة في رمضان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر)].
    أورد النسائي رحمه الله ترجمة: الرخصة في الإفطار لمن حضر شهر رمضان فصام ثم سافر.
    وهذه الرخصة له بأن يفطر إذا دخل عليه الشهر وصام ثم خرج، بل له أن يفطر في أثناء النهار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر نهاراً حيث يراه الناس، ثم استمر مفطراً حتى وصل مكة عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك عام الفتح؛ ولهذا قال ابن عباس: الرسول صلى الله عليه وسلم صام، وأفطر، فمن شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر أفطر، اقتداءً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].وقد مر ذكره.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مفضل].
    هو ابن مهلهل السعدي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن منصور].
    هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    ابن عباس، وقد مر ذكره.


    وضع الصيام عن الحبلى والمرضع


    شرح حديث: (... وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الصيام عن الحبلى والمرضع.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا مسلم بن إبراهيم عن وهيب بن خالد حدثنا عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه رجل منهم: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وهو يتغدى، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هلم إلى الغداء، فقال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل وضع للمسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعن الحبلى، والمرضع)].
    يقول النسائي رحمه الله: وضع الصيام عن الحبلى والمرضع. سبق أن مر الحديث الذي أورده النسائي هنا فيما يتعلق بوضع الصيام عن المسافر، وهنا أورده بالاستدلال به على وضع الصيام عن الحبلى والمرضع.
    وقد عرفنا أن الوضع المراد به هو: عدم الإلزام به في الوقت، وليس المقصود أنه يوضع إلى غير بدل، وأنه لا يؤتى به، بل يوضع عنها في الوقت الذي تكون بحاجة إلى وضعه، فهي غير ملزمة، ولكن عليها القضاء، فهو وضع إلى بدل، وقد سبق أن المسافر أيضاً يوضع عنه نصف الصلاة، أي: الرباعية، فهو وضع إلى غير بدل.
    وأما بالنسبة للحامل والمرضع فالذي يتعلق بهما ويخصهما هو الصيام، فإنه يوضع عنهما، وأما نصف الصلاة فلا توضع عن الحامل والمرضع؛ لأن وضع الصيام عنهما من أجل مراعاة مصلحتهما أو مصلحة الجنين الذي في البطن، والذي هو بحاجة إلى تغذية، وكذلك الطفل الذي يرضع، وهو بحاجة إلى تغذية، وغذاؤه من غذاء أمه، فإذا تغذت، وأكلت حصل لجنينها التغذي تبعاً لها، أما بالنسبة للصلاة فإنه لا علاقة لهما -أي: الحامل والمرضع- بالوضع؛ لأن الوضع إنما هو للمسافر الذي وضع عنه الصيام، وشطر الصلاة، وأما الحامل والمرضع، فالوضع خاص بالصيام، وهو وضع إلى بدل، وأما الصلاة فإنها لا توضع إلا عن المسافر، وأما الحامل والمرضع وغيرهما فلا، بل من هو أشد، وأعظم حاجةً منهما، وهو المريض الذي أتاه المرض، فإنه لا تقصر الصلاة في حقه، ولا يجوز له أن يقصرها، فالمريض الذي أنهكه المرض يصلي أربعاً، ولا يصلي اثنتين.
    فإذاً الحامل والمرضع من باب أولى ألا يكون لها، فالوضع الذي يتعلق بهما، والذي هو خاص بهما هو وضع الصيام، وأما الصلاة فلا علاقة للوضع فيها؛ لأنه كما ذكرت المريض الذي أنهكه المرض، وأتعبه المرض، يصلي أربعاً، وعلى هذا فإن هذه الشريعة جاءت بالتخفيف والتيسير، وأن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو خافتا على ولديهما، فإن لهما أن يفطرا، ولكن عليهما أن يقضيا.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
    هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن وهيب بن خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن سوادة القشيري].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    سوادة بن حنظلة القشيري، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أنس بن مالك رجل منهم].
    أي: رجل من بني قشير، فالكعبي رجل من بني قشير، وليس أنس بن مالك الأنصاري خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا ذكر هذا الحديث من طرق عديدة عن أنس بن مالك القشيري الكعبي، وليس له إلا هذا الحديث الواحد، أما أنس بن مالك الأنصاري خادم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فله الكثير من الحديث، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    تأويل قول الله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)

    شرح حديث سلمة بن الأكوع: (لما نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية ..) كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تأويل قول الله عز وجل: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )[البقرة:184].أخبرنا قتيبة أخبرنا بكر وهو ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (لما نزلت هذه الآية: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )[البقرة:184]، كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها)].
    أورد النسائي [تأويل قول الله عز وجل: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )[البقرة:184]]. المقصود بالتأويل هو التفسير، أي المراد بذلك؟ وقد جاء تحت هذه الترجمة حديثان: أحدهما عن سلمة بن الأكوع، والثاني عن ابن عباس، وكل منهما يشتمل على تأويل هذه الآية وتفسيرها، أما الذي جاء في حديث سلمة بن الأكوع فهو أن الصوم لما فرض، فرضه الله عز وجل، وخير فيه بين الصيام، وبين الإفطار والفدية والإطعام الذي هو إطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنه لما فرض لم يفرض إلزاماً لكل أحد، بحيث يكون الإنسان عليه أن يصوم الشهر، بل خير الناس بين أن يصوموا، وبين أن يفطروا أو يعطوا فدية عن كل يوم إطعام مسكين، (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ )[البقرة:184]، يعني إذا أتى بشيء زائد على اللازم فهو خير له، ولكنهم رغبوا في الصيام، مع كونهم مخيرين رغبوا في الصيام، قال: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )[البقرة:184]، هم مخيرون بين الصوم والإفطار، ولكن الإفطار معه فدية، ولكن صيامهم أولى، وهو خير لهم، يعني: خير من الإفطار والإطعام، وعلى هذا فإن هذه الآية التي هي الأولى منسوخة بالآية التي بعدها، (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )[البقرة:184]، أي: الذين يطيقونه ولا يريدون أن يصوموا عليهم أن يأتوا بفدية، ثم نسختها الآية التي بعدها، وهي: الإلزام بالصيام، (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:185]، ليس هناك تخيير، التخيير كان أولاً، ثم نسخ بالإلزام بالشهر، وأنه لا تخيير بين صيام وفدية، وليس هناك إلا الصيام؛ ولهذا قال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184]، يعني: عدة الأيام التي أفطرتم (من أيام أخر)، سواءً أفطرتم الشهر كله أو بعضه.
    وقوله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184] يدل على أن الإنسان يقضي بعدد الشهر، فلو كان الشهر تسعاً وعشرين، والناس صاموا تسعةً وعشرين، فهو لا يصوم عند القضاء إلا تسعة وعشرين، وإذا كان الشهر ثلاثين يصوم ثلاثين؛ لأن الله تعالى يقول: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184]، يعني: عدة الأيام التي أفطرتم ورخص لكم في الإفطار بها عليكم أن تقضوها، سواءً أفطروا الشهر كله أو بعضه، من أفطر شيئاً من رمضان أو كله فعليه القضاء عدة أيام الصيام، ولو كان الشهر تسعةً وعشرين ولم يكن ثلاثين، الذي يقضي يقضي تسعة وعشرين ولا يقضي ثلاثين؛ لأن القضاء يماثل الأداء، والأداء هو تسعة وعشرين، فالقضاء تسعة وعشرون، لا يصوم الإنسان ثلاثين والناس قد صاموا تسعةً وعشرين، (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184].
    إذاً: الآية الثانية نسخت الآية الأولى، الآية الأولى التي فيها التخيير بين الصيام، وبين الإفطار مع الفدية، وقد رغبوا في الصيام، وأنه أولى لهم من الإفطار، نسخت بالآية التي بعدها وهي قوله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )[البقرة:184]، ما فيه إلا الصيام، ومن أفطر فعليه العدة، ومن أفطر لمرض أو سفر أو أمر يقتضي ذلك، فعليه عدة ما أفطره من أيام أخر يقضيها قضاءً على نحو الأداء، العدد الذي أفطره يجب عليه أن يقضيه، هذا هو مقتضى حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، الذي فسرت الآية بأنه كان تخييراً في أول الأمر بين الصيام والإفطار مع الفدية.


    تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع: (لما نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية..) كان من أراد أن يفطر ويفتدي ...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا بكر وهو ابن مضر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو: ابن مضر الذي زادها من دون قتيبة، النسائي أو من دون النسائي.
    أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عمرو بن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكير].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع].
    هو يزيد بن أبي عبيد، وهو مولى سلمة بن الأكوع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلمة].
    هو سلمة بن عمرو بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (في قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ...) من طريق أخرى


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (في قوله عز وجل: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )[البقرة:184]، يطيقونه: يكلفونه، فدية: طعام مسكين واحد، (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا )[البقرة:184]، أي زاد طعام مسكين آخر (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )[البقرة:184]، لا يرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام، أو مريضٌ لا يشفى)].أورد النسائي الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في تفسير هذه الآية، وأن الآية ليست بمنسوخة، بل هي باقية، ولكن المراد بها الذي لا يطيق الصيام لكبره، وهرمه، أو لمرضه الذي لا يرجى برؤه، فإما هذين عليهما الفدية، وهما لا يستطيعان أن يقضيا؛ لأنه لا قضاء عليهما لعدم استطاعتهما، وهما لا يستطيعان في الصيام الأداء ولا يستطيعان القضاء، إما لهرم وكبر وعدم قدرة دائمة، أو مرض لا يرجى برؤه، فإن الحكم في هذين أنهما يفطران ويفديان، وهذا هو اللازم والواجب، وإذا حصل زيادة تطوع فأطعم عن كل يوم أكثر من مسكين فذلك خير، ولكن الذي يلزم ويتعين هو إطعام مسكين لكل يوم.
    وقوله: (يطيقونه) معناه: يكلفونه، يعني: يشق عليهم، ولا يقدرون عليه إما لهرم وتقدم سن، أو مرض دائم مستمر لا يرجى برؤه، فهؤلاء الفرض في حقهم هو الفدية عن كل يوم مسكيناً، وهذا التفسير على أساس أن الآية على غير التفسير الذي مر، وكل منهما صحيح، فالأول الذي جاء في حديث سلمة كان هذا في أول الأمر، وابن عباس فسر ذلك بهذا التفسير في حق هذين الصنفين من الناس، وهما المريض الذي لا يرجى برؤه من المرض، والذي لا يستطيع لهرمه أو كبره، فإن هذا عليه الفدية؛ لأنه لا يستطيع الأداء، ولا يستطيع القضاء، بل هو عاجز باستمرار غير قادر على الصيام؛ لأن الذي يقدر من يكون معذوراً لمرض يرجى برؤه، أو مسافراً فهذا يفطر، ولكن يقضي عدة من أيام آخر، أما الذي لا يستطيع أن يصوم القضاء، فلا يستطيع الأداء، ولا يستطيع القضاء، هذا يكون عليه الفدية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (في قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].المشهور أبوه بـابن علية، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبوه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم مشهور بنسبته إلى أمه علية، يقال له: ابن علية، ومحمد بن إسماعيل هذا ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرنا ورقاء].
    هو ورقاء بن عمر اليشكري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن أبي رباح].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


    وضع الصيام عن الحائض

    شرح حديث عائشة: (... كنا نحيض على عهد رسول الله ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الصيام عن الحائض.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا علي يعني: ابن مسهر عن سعيد عن قتادة عن معاذة العدوية: (أن امرأةً سألت عائشة رضي الله عنها: أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت؟ قالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: وضع الصيام عن الحائض، أي: عدم الإلزام به وأنه لا يجوز فعله في حال الحيض، هو وضع عنها، ولا يجوز لها أداؤه ولو كانت قادرةً عليه، بل يجب عليها الإفطار، ولا يجوز لها أن تصوم في حال حيضها، وقد وضع عنها، أي: وضع عنها الإتيان به في الوقت، بل ألزمت بعدم الإتيان به في الوقت، ولكن عليها القضاء، وعليها أن تقضي إذا طهرت، وفي حال الحيض لا صيام ولا صلاة، والصلاة إلى غير بدل، والصيام إلى بدل.
    والحكمة في التفريق بين الصيام، والصلاة؛ لأن الصيام إلى بدل، والصلاة إلى غير بدل، أن الصلاة تتكرر في اليوم، والليلة خمس مرات، والصيام لا يأتي في السنة إلا شهراً واحداً، فالله عز وجل أوجب على الحائض ألا تصوم ولا تصلي، ولكنها تقضي الصوم في أيام أخر؛ وذلك لأنه لا يأتي في السنة إلا مرةً واحدة ولا يتكرر، والصلاة لكونها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والله تعالى أسقطها إلى غير بدل، لا تقضي المرأة الصلاة، ولكنها تقضي الصيام، ثم أيضاً الصلاة تكون صلوات كثيرة، مع كونها تتكرر هي كثيرة تتجمع عليها أيام، وكل يوم فيه خمس مرات، فجاءت الشريعة بعدم الإتيان بالصلاة، وعدم الإتيان بالصوم في حال الحيض، ولكن الصلاة تسقط إلى غير بدل، والصوم يوضع ولكن إلى بدل، وهو القضاء.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سألتها معاذة العدوية، وهنا جاء في السؤال عن معاذة: أن امرأةً سألت عائشة، وهي السائلة كما جاء في بعض الروايات الصحيحة، قالت معاذة لـعائشة: (ما بال الحائض تقضي، الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟)، فقولها: أن امرأةً سألتها هي المرأة ولكنها أبهمت نفسها، ويأتي في بعض الأحاديث أن الرجل يبهم نفسه، أو المرأة تبهم نفسها كما هنا، والواقع هي امرأة، وهي صادقة في قولها: امرأة سألت عائشة هي امرأة، أو يقول الرجل بدل ما يقول: سألت أو يقول: إن رجلاً سأله وهو رجل سأل وكلامه صحيح، فهو يبهم نفسه، والمرأة تبهم نفسها أحياناً، وهذا مثال من إبهام المرأة نفسها، يعني: بدل ما تقول: قلت، قالت: أن امرأة سألت عائشة، فهذا إبهام الراوي نفسه، أو إبهام السائل نفسه، فسألتها عن قضاء الحائض الصوم؟ قالت: (أحرورية أنت؟)، والمقصود بالحرورية نسبة إلى حروراء وهو بلد كان فيه الخوارج الذين اجتمعوا في ذلك المكان، وكان عندهم تشدد وتنطع، فهي لما قالت هذه المقالة، قالت لها: (أحرورية أنت؟)، يعني: الشيء الذي هم عليه.
    والذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر النساء بقضاء الصوم، ولا تؤمر بقضاء الصلاة، والعبرة هو اتباع ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفي بعض الروايات: (ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟)، ما بالها؟ فالجواب هو: أننا نؤمر بكذا، والواجب هو الاتباع، والتقيد بما جاءت به الشريعة، سواءً عرفت الحكمة أو لم تعرف، لكن إذا بحث عن الحكمة وعرفت، يكون ذلك زيادة إيمان وبصيرة، وإن لم تعرف الحكمة، فإن الواجب هو التمسك بالسنة والأخذ بها، ولو لم تعرف الحكمة، بل الواجب هو العمل بالنص، ولو لم تعرف الحكمة، ولهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما جاء وقبل الحجر الأسود، قال: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فهو يقبل اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يقبل النبي عليه الصلاة والسلام ما قبله. ونحن نقبل اتباعاً، ولو لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصل منا التقبيل للحجر الأسود.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... كنا نحيض على عهد رسول الله ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا علي يعني ابن مسهر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه مثل كلمة (هو) التي يزيدها من دون التلميذ، يأتي بكلام يوضح، ويأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، كلمة (هو) مثل الذي مر هو ابن مضر في الإسناد السابق، وهنا أتى بكلمة (يعني) بدل (هو)، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل، ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وهو علي بن حجر، وقائلها هو من دون التلميذ، النسائي أو من دون النسائي، فالذي قال كلمة يعني هو من دون التلميذ، من دون علي بن حجر، النسائي أو من دون النسائي، والفاعل في كلمة (يعني) وهي فعل مضارع ضميره مستتر يرجع إلى التلميذ الذي هو علي بن حجر، يعني: أن النسائي ومن دونه قال: يعني تلميذ علي بن مسهر، وهو علي بن حجر، أنه يعني ابن مسهر؛ لأنه قال: علي فقط، وهو، أي: التلميذ، يعني ابن مسهر، إذاً: كلمة يعني فعل مضارع له قائل، وله فاعل، فقائله من دون التلميذ، وفاعله ضمير يرجع إلى التلميذ.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن..
    [معاذة].
    هي معاذة العدوية، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، التي حفظت الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما ما يتعلق بأمور البيت، وما يقع بين الرجل وأهله، فإنها حفظت الشيء الكثير من السنة، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال، وامرأةً واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، هؤلاء ستة رجال، والمرأة الواحدة هي عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث عائشة: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)].أورد النسائي هذا الحديث الذي فيه أن المرأة تقضي الصيام، قالت: (إن كان يكون عليّ القضاء من رمضان فما أقضيه حتى يجيء). فما أقضيه حتى يأتي شعبان، لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه الدلالة على الترجمة، أي: كون المرأة لا تصوم في حال حيضها، ولكنها تقضي، فيكون عليها القضاء من رمضان، فما تقضيه إلا في شعبان.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وقد عرفنا مراراً وتكراراً أن السابع من الفقهاء السبعة فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والذي هو هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرها.
    سبق أن مر بنا الحديث وذكرنا أنه لعل ذلك كان قبل أن يشرع، يعني: تلك الأيام التي شرع صيامها، كصيام ست من شوال.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن أبي رباح].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    وضع الصيام عن الحائض

    شرح حديث عائشة: (... كنا نحيض على عهد رسول الله ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع الصيام عن الحائض.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا علي يعني: ابن مسهر عن سعيد عن قتادة عن معاذة العدوية: (أن امرأةً سألت عائشة رضي الله عنها: أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت؟ قالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: وضع الصيام عن الحائض، أي: عدم الإلزام به وأنه لا يجوز فعله في حال الحيض، هو وضع عنها، ولا يجوز لها أداؤه ولو كانت قادرةً عليه، بل يجب عليها الإفطار، ولا يجوز لها أن تصوم في حال حيضها، وقد وضع عنها، أي: وضع عنها الإتيان به في الوقت، بل ألزمت بعدم الإتيان به في الوقت، ولكن عليها القضاء، وعليها أن تقضي إذا طهرت، وفي حال الحيض لا صيام ولا صلاة، والصلاة إلى غير بدل، والصيام إلى بدل.
    والحكمة في التفريق بين الصيام، والصلاة؛ لأن الصيام إلى بدل، والصلاة إلى غير بدل، أن الصلاة تتكرر في اليوم، والليلة خمس مرات، والصيام لا يأتي في السنة إلا شهراً واحداً، فالله عز وجل أوجب على الحائض ألا تصوم ولا تصلي، ولكنها تقضي الصوم في أيام أخر؛ وذلك لأنه لا يأتي في السنة إلا مرةً واحدة ولا يتكرر، والصلاة لكونها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والله تعالى أسقطها إلى غير بدل، لا تقضي المرأة الصلاة، ولكنها تقضي الصيام، ثم أيضاً الصلاة تكون صلوات كثيرة، مع كونها تتكرر هي كثيرة تتجمع عليها أيام، وكل يوم فيه خمس مرات، فجاءت الشريعة بعدم الإتيان بالصلاة، وعدم الإتيان بالصوم في حال الحيض، ولكن الصلاة تسقط إلى غير بدل، والصوم يوضع ولكن إلى بدل، وهو القضاء.
    وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سألتها معاذة العدوية، وهنا جاء في السؤال عن معاذة: أن امرأةً سألت عائشة، وهي السائلة كما جاء في بعض الروايات الصحيحة، قالت معاذة لـعائشة: (ما بال الحائض تقضي، الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟)، فقولها: أن امرأةً سألتها هي المرأة ولكنها أبهمت نفسها، ويأتي في بعض الأحاديث أن الرجل يبهم نفسه، أو المرأة تبهم نفسها كما هنا، والواقع هي امرأة، وهي صادقة في قولها: امرأة سألت عائشة هي امرأة، أو يقول الرجل بدل ما يقول: سألت أو يقول: إن رجلاً سأله وهو رجل سأل وكلامه صحيح، فهو يبهم نفسه، والمرأة تبهم نفسها أحياناً، وهذا مثال من إبهام المرأة نفسها، يعني: بدل ما تقول: قلت، قالت: أن امرأة سألت عائشة، فهذا إبهام الراوي نفسه، أو إبهام السائل نفسه، فسألتها عن قضاء الحائض الصوم؟ قالت: (أحرورية أنت؟)، والمقصود بالحرورية نسبة إلى حروراء وهو بلد كان فيه الخوارج الذين اجتمعوا في ذلك المكان، وكان عندهم تشدد وتنطع، فهي لما قالت هذه المقالة، قالت لها: (أحرورية أنت؟)، يعني: الشيء الذي هم عليه.
    والذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر النساء بقضاء الصوم، ولا تؤمر بقضاء الصلاة، والعبرة هو اتباع ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفي بعض الروايات: (ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟)، ما بالها؟ فالجواب هو: أننا نؤمر بكذا، والواجب هو الاتباع، والتقيد بما جاءت به الشريعة، سواءً عرفت الحكمة أو لم تعرف، لكن إذا بحث عن الحكمة وعرفت، يكون ذلك زيادة إيمان وبصيرة، وإن لم تعرف الحكمة، فإن الواجب هو التمسك بالسنة والأخذ بها، ولو لم تعرف الحكمة، بل الواجب هو العمل بالنص، ولو لم تعرف الحكمة، ولهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما جاء وقبل الحجر الأسود، قال: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فهو يقبل اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يقبل النبي عليه الصلاة والسلام ما قبله. ونحن نقبل اتباعاً، ولو لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصل منا التقبيل للحجر الأسود.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... كنا نحيض على عهد رسول الله ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا علي يعني ابن مسهر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه مثل كلمة (هو) التي يزيدها من دون التلميذ، يأتي بكلام يوضح، ويأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، كلمة (هو) مثل الذي مر هو ابن مضر في الإسناد السابق، وهنا أتى بكلمة (يعني) بدل (هو)، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل، ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وهو علي بن حجر، وقائلها هو من دون التلميذ، النسائي أو من دون النسائي، فالذي قال كلمة يعني هو من دون التلميذ، من دون علي بن حجر، النسائي أو من دون النسائي، والفاعل في كلمة (يعني) وهي فعل مضارع ضميره مستتر يرجع إلى التلميذ الذي هو علي بن حجر، يعني: أن النسائي ومن دونه قال: يعني تلميذ علي بن مسهر، وهو علي بن حجر، أنه يعني ابن مسهر؛ لأنه قال: علي فقط، وهو، أي: التلميذ، يعني ابن مسهر، إذاً: كلمة يعني فعل مضارع له قائل، وله فاعل، فقائله من دون التلميذ، وفاعله ضمير يرجع إلى التلميذ.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن..
    [معاذة].
    هي معاذة العدوية، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، التي حفظت الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما ما يتعلق بأمور البيت، وما يقع بين الرجل وأهله، فإنها حفظت الشيء الكثير من السنة، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال، وامرأةً واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، هؤلاء ستة رجال، والمرأة الواحدة هي عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    شرح حديث عائشة: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)].أورد النسائي هذا الحديث الذي فيه أن المرأة تقضي الصيام، قالت: (إن كان يكون عليّ القضاء من رمضان فما أقضيه حتى يجيء). فما أقضيه حتى يأتي شعبان، لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه الدلالة على الترجمة، أي: كون المرأة لا تصوم في حال حيضها، ولكنها تقضي، فيكون عليها القضاء من رمضان، فما تقضيه إلا في شعبان.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن كان ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وقد عرفنا مراراً وتكراراً أن السابع من الفقهاء السبعة فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والذي هو هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرها.
    سبق أن مر بنا الحديث وذكرنا أنه لعل ذلك كان قبل أن يشرع، يعني: تلك الأيام التي شرع صيامها، كصيام ست من شوال.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #386
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (383)

    - (باب إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه) إلى (باب النية في الصيام)

    من المعلوم من الدين بالضرورة فرضية صيام رمضان، فكل من أدرك رمضان فعليه الصيام، حتى من كانت له رخصة في الإفطار وارتفعت هذه الرخصة أثناء النهار فعليه أن يمسك بقية يومه. ومن أركان الصيام وشروط صحته تبييت النية من الليل، إلا أنه لا تشترط النية للنافلة من الليل، بل تجوز من النهار.
    إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه؟

    شرح حديث: (أمنكم أحد أكل اليوم ... فأتموا بقية يومكم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه؟أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس أبو حصين، حدثنا عبثر، حدثنا حصين، عن الشعبي، عن محمد بن صيفي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء: (أمنكم أحد أكل اليوم؟ فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان، فهل يصوم بقية يومه؟
    المقصود من هذه الترجمة: أن المسافر رخص له في الإفطار لسفره، والحائض يلزمها أن تفطر، وألا تصوم لحيضها، لكن إذا طهرت الحائض في أثناء النهار في رمضان، واغتسلت، والمسافر قدم من سفر، وانتهى السفر، وجاء إلى أهله في أثناء النهار، فهل يمسك بقية يومه؟ عليه أن يمسك بقية يومه، وليس له أن يأكل؛ لأن الترخيص انتهى، والرخصة كانت للسفر وقد انتهت، فلا يأكل عند أهله وهم صائمون؛ لأنه صار حاضراً، وانتهى من السفر، فالإمساك بقية اليوم متعين؛ لأن الترخيص صار لسبب، ولو كان ذلك الإمساك لا يفيده شيئاً من حيث أن ذلك اليوم هو ملزم بقضائه، لكن حرمة الشهر، وحرمة الزمن والوقت، والسبب الذي من أجله حصل الترخيص قد انتهى، فإذاً عليه أن يكون ممسكاً.
    ومثل ذلك لو كان خبر دخول الشهر ما ظهر إلا في أثناء النهار، أي: علم بأن الهلال رؤي البارحة، ولكن ما علموا إلا بعد طلوع الفجر، فإنه يلزمهم أن يمسكوا بقية اليوم، وعليهم القضاء، فالحائض إذا طهرت في أثناء النهار، والمسافر إذا قدم في أثناء النهار، وانتهى سفره، ومثل ذلك خبر الشهر إذا جاء بعد دخول النهار، فإن الواجب هو الإمساك، وعدم الأكل في نهار رمضان، والإنسان حاضر مقيم، هذا هو المقصود من هذه الترجمة.
    [عن محمد بن صيفي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء: (أمنكم أحدٌ أكل اليوم؟ فقالوا: منا من صام ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم)].
    أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم عاشوراء: (أمنكم أحدٌ صائم؟ قالوا: منا الصائم، ومنا المفطر، فأمرهم أن يتموا بقية يومهم)، الصائمين، وغير الصائمين، ومحل الشاهد هو الكلام في غير الصائمين، الذين كانوا مفطرين، أمروا بأن يتموا بقية يومهم، وفسر هذا على أساس أن صيام عاشوراء مستحب، وأنه تطوع مؤكد، وإذا كان في حق التطوع فالواجب من باب أولى، وفسر أيضاً بأنه كان في أول الأمر قد فرض صيام عاشوراء، ثم بعد ذلك نسخ، وفرض صيام رمضان، ولكنه مخير فيه بين الصيام وبين الإفطار والإطعام كما عرفنا آنفاً، ثم ألزم بالصيام، ونسخ التخيير بين الصيام. والإفطار مع الإطعام، وعلى هذا فيكون على أساس أنه فرض وأنه واجب، وعلى كل حال سواءً كان فرضاً، وأن هذا في أول الأمر، أو كان تطوعاً والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإمساك، فإن كان فرضاً فالأمر واضح، وإن كان تطوعاً وقد أمر بالإتمام، فإن الفرض يكون من باب أولى، معناه أنه يمسك بقية يومه، وعلى هذا استدل النسائي على أن الحائض والمسافر مثل هؤلاء يمسكون بقية يومهم، بما جاء في هذا الحديث من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الصيام في حق من كان فإنه يواصل، ومن كان مفطراً فإنه يمسك بقية يومه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أمنكم أحد أكل اليوم؟ ... فأتموا بقية يومكم ..)

    قوله: [أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس أبو حصين].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي. وهنا كما رأينا النسائي ذكر شيخه وأطال في نسبه، أي: أن التلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، يطيل في نسبه أو يختصر نسبه، له ذلك، وإنما الذي ليس له ذلك هو من كان دونه، وإذا أراد أن يأتي بشيء يوضح فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، وهنا نرى أن النسائي أطال في ذكر نسب شيخه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حصين].
    هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن صيفي].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه النسائي، وابن ماجه.


    إذا لم يجمع من الليل، هل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟

    شرح حديث: (... من كان أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا لم يجمع من الليل، هل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن يزيد أنه حدثنا سلمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل: (أذن يوم عاشوراء: من كان أكل فليتم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: إذا لم ويجمع من الليل، يعني: إذا لم يعزم النية، ويعقد النية، يجمع العزم على الصيام من الليل، فهل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟، وهنا قال النسائي: من التطوع، وأورد حديث عاشوراء الذي سبق أن مر، وهذا فيه أن النسائي بناه على أنه تطوع، ومن المعلوم أنه إذا كان هذا في التطوع، فإن الفرض يكون من باب أولى، وعلى القول الآخر الذي ذكرت، وهو أن صوم عاشوراء كان أولاً واجباً، وأنه فرض ثم نسخ إلى صيام رمضان مع التخيير، ثم نسخ بالإلزام بصيام الشهر بدون تخيير، وهنا الترجمة على أن صيام عاشوراء أنه تطوع، والمقصود أن الإنسان إذا لم يجمع النية من الليل، فإن له أن يمسك، وله أن يعقد النية في أثناء النهار، ما دام أنه لم يأكل فينوي، وتنعطف النية، وترجع إلى ما كان من قبل، لكن إذا كان الإنسان قد أكل، فإنه يعتبر مفطراً، ولكن الحديث أمر بالإمساك في حق من كان مفطراً، أما إذا كان في صيام التطوع، أكل بعد طلوع الفجر فليس بإمكانه أن يصوم؛ لأنه أكل في النهار، ومن أصبح غير آكل، فإن له أن ينوي من أثناء النهار، ويكون ما مضى داخلاً في الصيام، وتنعطف النية على ما مضى، يعني الذي سبق الشروع في الصيام، فيكون الذي مضى، والذي يأتي كله داخلاً في النية، وهذا في النفل دون الفرض، أما الفرض فلا بد من نية من الليل كما سيأتي في الأحاديث، ولهذا لو لم يأت الخبر في شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر، ولو كان الإنسان لم يأكل شيئاً، فيجب عليه أن يمسك، وعليه القضاء.
    ولا تكفي النية في أثناء النهار للفرض؛ لأنه لا بد أن تكون جميع أوقات النهار داخلة في النية، والنية متقدمة، وليست متأخرة، والنية المتأخرة تنفع في النفل، ولا تنفع في الفرض، فالفرض لا بد من نية من الليل، لأن صيام التطوع يكون بنية من الليل، وبنية من النهار، لكن بشرط ألا يكون قد أكل، أما إذا كان قد أكل بعد الفجر، فلا سبيل إلى صيامه، ولا إلى تطوعه؛ لأنه لا يعتبر صائماً النهار من أوله إلى آخره.
    [عن سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (أذن يوم عاشوراء: من كان أكل فليتم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم)].
    [من أكل فليتم بقية يومه]، معناه: أنه يمسك، [ومن لم يأكل فليصم]، يعني: إذا لم يأكل فليصم، وتنعطف النية، وهذا هو المقصود، يعني إذا لم يجمع النية من الليل، فإنه في التطوع يأتي بالنية في أثناء النهار، ويدخل فيها ما مضى قبل النية وبعد النية، والمقصود بـ [أذن]، أي: أعلم الناس وأخبرهم، وقد مر في الحديث الذي قبل هذا.
    [فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم]، معنى أهل العروض: أهل أطراف المدينة ونواحيها، والتي تتبعها، يعني يبلغون هذا الذي بلغ به أهل المدينة، حتى يعملوا كما عملوا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... من كان أكل فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم)


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد].
    هو يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    [حدثنا سلمة].
    قد مر ذكره.


    النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة رضي الله عنها فيه


    شرح حديث: (... أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النية في الصيام والاختلاف على طلحة بن يحيى بن طلحة في خبر عائشة رضي الله عنها فيه.أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا عاصم بن يوسف، حدثنا أبو الأحوص، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإني صائم، ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إليّ حيسٌ، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله، إنه أهدي لنا حيسٌ فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها)].
    أورد النسائي رحمه الله: النية في الصيام، والاختلاف على طلحة، يعني المراد بالنية هنا: النية المتعلقة بصيام النفل، وهي إما أن تكون في أثناء النهار كما سبقت الإشارة إليه، وأما بالنسبة للفرض فإنها لا تكون في أثناء النهار، بل لا بد أن تكون من الليل، بحيث تكون النية سابقة لجميع الوقت، ونية الصيام قد سبقته قبيل طلوع الفجر، أي: بحيث يكون من أول الصيام، والنية موجودة، أما إذا طلع الفجر، ولم توجد النية، فإنها لا تنفع، أو لا ينفع صيام الفرض والحالة هذه؛ لأنها ما وجدت النية في جميع أجزاء النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يعني مضى جزء من الوقت ليس فيه نية، والنية لا بد أن تتقدم في صيام الفرض، ولا يلزم أن تتقدم في صيام النفل، والأحاديث التي أوردها بعد هذه الترجمة مباشرة تتعلق بالنفل.
    فـعائشة رضي الله عنها تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليهم في النهار ولم يكن قد أكل شيئاً من الليل بعد طلوع الفجر، فقال: هل هناك أكل فقالوا: لا، قال: [إني صائم]، يعني: عزم على الصيام أو نوى الصيام، ولكنه سأل إذا كان هناك شيء فسيأكل، ولكنه لم يجد شيئاً فنوى أنه صائم، فانعطفت النية فشملت المستقبل وانعطفت إلى الماضي من الزمن، قال: [إني صائم]، ومعنى هذا أن النية ما وجدت في التطوع إلا في أثناء النهار.
    ثم لما جاءها وقد أهدي لهم حيس فخبأت، والحيس: هو طعام مؤلف من تمر وسمن وأشياء أخرى كالإقط، لكن فيه التمر والسمن، ومعه شيء آخر يضاف إليه، هذا يقال له: الحيس، ويضرب المثل بشدة الاختلاط، فيقال: اختلط الناس اختلاط الحيس، يعني مثل ما يختلط السمن مع التمر مع غيره إذا عجن ودخل بعضه في بعض، فهذا هو الحيس.
    قوله: [ثم أهدي إليّ حيس، وخبأت للنبي صلى الله عليه وسلم].
    [وخبأت]، معناه: أنني أخذت قطعةً منه أو جزءاً منه، ووضعته في مكان لا يصل إليه أحد؛ مخبأ، ما هو أمام الناس، ولا أمام الأنظار، فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    قوله: [وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله، إنه أهدي لنا حيسٌ فخبأت لك منه، قال: ادنيه، أما إني قد أصبحت، وأنا صائم، فأكل منه].
    يعني أصبح وهو صائم، وكان قد نوى الصيام، ثم إنه أكل منه، وهذا يدل على الجواز، الإنسان إذا أصبح صائماً وهو متطوع، وأراد أن يفطر فله ذلك، ولكن الأولى كما هو معلوم أن الإنسان يتم صومه، لكن إن أراد أن يفطر، فإن له ذلك كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمقصود هو ما يتعلق بالجملة الأولى التي فيها أنه أصبح وهو لم يأكل شيئاً، وبعد ذلك سأل: هل عندهم شيء يأكله، فقالوا: لا، فنوى الصيام، فوجدت النية للتطوع في أثناء النهار، وانعطفت على الماضي، فصار الصيام بهذه النية التي في أثناء النهار شملت ما بعد النية وما قبل النية.
    قوله: [ثم قال: إنما مثل الصوم].
    أي: إنما مثل صوم التطوع مثل الإنسان الذي اقتطع قطعةً من ماله ليتصدق بها، فإن أمضاها أمضاها، وإن حبسها حبسها؛ لأنها ما دام أنها لم تصل إلى من يستحقها، فإن الأمر يرجع إليه، ولكن الإمضاء خير من الإمساك، كما أن الصيام، ومواصلة الصيام خير من الإفطار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عاصم بن يوسف].
    ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبي الأحوص].
    هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة متقن، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن يحيى بن طلحة].
    هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، يعني جده أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    قد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (... قلت: يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم ثم أكلت حيساً ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود، حدثنا يزيد، أخبرنا شريك، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دار عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دورة، قال: أعندك شيء؟ قلت: ليس عندي شيء، قال: فأنا صائم، قالت: ثم دار عليّ الثانية وقد أهدي لنا حيس، فجئت به فأكل، فعجبت منه، فقلت: يا رسول الله، دخلت عليّ وأنت صائم، ثم أكلت حيساً؟ قال: نعم يا عائشة، إنما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التطوع، بمنزلة رجلٍ أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه)].أورد النسائي رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، لكن هنا إنما مثل في غير رمضان.
    فقال: (إنما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التطوع، بمنزلة رجلٍ أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه).
    هذا بالنسبة للتطوع ففيه الاستمرار أو الإفطار، وأما في رمضان، وقضاء رمضان فليس له أن يفطر، والعبارة غير واضحة في السياق؛ لأنه في غير رمضان أو التطوع؛ لأن التطوع هو غير صيام رمضان، وغير القضاء، يعني ما عدا ذلك يقال له: تطوع، إلا شيء ألزم الإنسان نفسه به، فهذا يلزمه بإلزامه، وما عدا ذلك فإنه تطوع، وهذا هو الذي ضرب له المثل، في أنه مثل صاحب الصدقة، إن شاء أن يمضيها أمضاها أو يمضي بعضها، وإن شاء أن يمسك أمسك، ما دام أنها لم تصل إلى من يستحقها، وهي في حوزته، فإن ذلك إمكان الإمضاء، وإمكان عدمه.


    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... قلت: يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم ثم أكلت حيساً ...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا أبو داود].هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد].
    هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شريك].
    هو شريك بن عبد الله القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن مجاهد عن عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    حديث: (... أما إني قد أصبحت أريد الصوم فأكل) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الهيثم، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيء ويقول: هل عندكم غداء؟ فنقول: لا، فيقول: إني صائم، فأتانا يوماً وقد أهدي لنا حيس، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: نعم، أهدي لنا حيس، قال: أما إني قد أصبحت أريد الصوم فأكل)، خالفه قاسم بن يزيد].أورد النسائي رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهي مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن الهيثم].
    هو العبدي، وهو لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده. و(لا بأس به) تعادل (صدوق)، وهي مثل صدوق إلا عند يحيى بن معين فهي تعادل ثقة، وغير يحيى بن معين فهي دون الثقة، وهي تعادل صدوق.
    [حدثنا أبي بكر الحنفي].
    هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #387
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (384)

    - تابع باب النية في الصيام - باب اختلاف الناقلين لخبر حفصة في النية في الصيام


    النية أساس العمل؛ فالعمل الذي لا نية فيه لا أجر فيه، والنية تجب في الصيام إذا كان فرضاً، فمن لم ينو وجب عليه الإمساك وقضاء ذلك اليوم، أما النفل فلا يجب فيه تبييت النية.
    النية في الصيام

    شرح حديث: (أتانا رسول الله يوماً فقلنا: أهدي لنا حيس قد جعلنا لك منه نصيباً فقال: إني صائم فأفطر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النية في الصيام. أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا قاسم حدثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقلنا: أهدي لنا حيس، قد جعلنا لك منه نصيباً، فقال: إني صائم فأفطر)].
    قد سبق للنسائي رحمه الله أن ذكر: حديث عائشة من طرق، وفيها ما هو أتم من هذه الطريق؛ لأنه هنا ذكره مختصراً، وسبق أن مر ذكره لأطول من هذا، وذكر فيه: أنه سأل عن شيء في مرة من المرات، فقالوا: إنه ليس عندهم شيء، فقال: إنه صائم، يعني: أراد أن يصوم، فصارت النية تشمل ما بعد العزم على الصيام، وما بين قبل ذلك، وهذا إنما هو في النفل؛ لأنه يجوز بنية من النهار، ولا يلزم أن يكون بنية من الليل، وهنا ذكر شقاً أو طرفاً منه وهو المتعلق بكونه جاء في مرة أخرى، وكان قد أهدي له حيس، وخبئوا للنبي صلى الله عليه وسلم منه شيء، وكان صائماً فأكل عليه الصلاة والسلام.
    والحيس هو: خليط من التمر، والسمن، والأقط، وقد يضاف إلى ذلك شيء آخر غير هؤلاء الثلاثة، لكنه يعتمد ويقوم على هذه الأمور الثلاثة: التمر، والسمن، والأقط، هذا هو الحيس، فعندما تجمع هذه الأصناف الثلاثة، وتمزج ويخلط بعضها ببعض، يصبح حيساً، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري وذكره غيره، وأنا قد ذكرت هذه الفائدة ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وهي الفائدة رقم ستمائة واثنين، فإن فيها بيان الحيس، وأنه يشتمل على هذه الأصناف الثلاثة التي هي: التمر: والسمن، والأقط.
    الحاصل: أن الحديث من طرقه المتعددة يدل على أن صيام النفل يجوز بنية من النهار، وأنه لا يلزم أن تبيت فيه النية من الليل، بل لو أصبح غير آكل شيئاً، ثم أراد أن يصوم، فله أن يصوم، ويمكنه ذلك، ولو لم توجد النية قبل طلوع الفجر؛ لهذا الحديث الذي جاء من طرق عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنه عزم على الصيام في أثناء النهار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتانا رسول الله يوماً فقلنا: أهدي لنا حيس قد جعلنا لك منه نصيباً فقال: إني صائم فأفطر)


    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].هو أحمد بن حرب المروزي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن القاسم].
    هو القاسم بن يزيد، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، هو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن يحيى].
    هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، جده أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ وهو طلحة بن عبيد الله وطلحة هذا صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عائشة بنت طلحة].
    هي عمته أخت يحيى بن طلحة بن عبيد الله، أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة، الرجال هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، والمرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث: (... أصبح عندكم شيء تطعمينه؟ فقالت: لا، فيقول: إني صائم...) من طريقة ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا طلحة بن يحيى حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتيها وهو صائم، فقال: أصبح عندكم شيءٌ تطعمينيه؟ فقالت: لا، فيقول: إني صائم، ثم جاءها بعد ذلك فقالت: أهديت لنا هدية، فقال: ما هي؟ قالت: حيس، قال: قد أصبحت صائماً فأكل)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهي تشتمل على الحالتين: الحالة التي سأل ولم يكن هناك شيء، وقد نوى الصيام، والحالة التي أخبر فيها أن عندهم شيئاً، وأنه كان أصبح صائماً، فأكل عليه الصلاة والسلام، والحديث من هذه الطريق مشتملة على الحالتين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... أصبح عندكم شيء تطعمينيه؟ فقالت: لا، فيقول: إني صائم...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    هو ابن سعيد القطان البصري، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    حديث: (... هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني صائم) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني صائم)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى مختصرة، وفيها النية في أثناء النهار.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن وكيع].
    هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

    حديث: (... هل عندكم طعام؟ فقلت: لا، قال: إني صائم...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي عن القاسم بن معن عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة ومجاهد عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاها فقال: هل عندكم طعام؟ فقلت: لا، قال: إني صائم، ثم جاء يوماً آخر فقالت عائشة: يا رسول الله، إنا قد أهدي لنا حيس، فدعا به فقال: أما إني قد أصبحت صائماً فأكل)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].
    هو أحمد بن علي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن نصر بن علي].
    هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو علي بن نصر الجهضمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن القاسم بن معن].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن طلحة بن يحيى عن عائشة ومجاهد عن عائشة].
    طلحة بن يحيى عن عائشة، ومجاهد عن عائشة، يعني: عائشة عمته ومعها مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    طريق خامسة لحديث: (... هل عندكم طعام؟ فقلت: لا، قال: إني صائم...) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن يحيى بن الحارث حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا القاسم عن طلحة بن يحيى عن مجاهد وأم كلثوم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها، فقال: هل عندكم طعام؟ نحوه)، قال أبو عبد الرحمن: وقد رواه سماك بن حرب، قال: حدثني رجل عن عائشة بنت طلحة].ثم أورد النسائي: حديث مجاهد، وأم كلثوم مرسلاً، يعني: ليس فيه رواية عن عائشة، لكن سبق أن مر أن كلاً منهما يروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فذلك الإرسال لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء من طرق كثيرة متصلة، وهنا ذكره عن مجاهد، وأم كلثوم: أن عائشة قالت كذا وكذا، فهو يعتبر مرسل؛ لأنهم ما حضروا هذا، ولا يعرفون ذلك إلا بالواسطة؛ لأنهم من التابعين.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث].
    هو عمرو بن يحيى بن الحارث الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن المعافى بن سليمان].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن القاسم].
    هو القاسم بن معن، وقد مر ذكره.
    [عن طلحة بن يحيى عن مجاهد وأم كلثوم].
    طلحة بن يحيى عن مجاهد وأم كلثوم، وقد مر ذكرهم إلا أم كلثوم، وأم كلثوم هي بنت أبي بكر الصديق، توفي أبو بكر وهي حمل فولدت بعد وفاته، وهي ثقة، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. أم كلثوم بنت أبي بكر تابعية.
    قال في آخره: نحوه، يعني: نحو ما تقدم في الروايات السابقة، وقد عرفنا كلمة (نحوه) أنه يراد بها: الاتفاق في المعنى مع الاختلاف في اللفظ، بخلاف كلمة (مثله)، فإنه يراد بها: المماثلة في اللفظ والمعنى، أو الاتفاق في اللفظ والمعنى.
    [قال أبو عبد الرحمن: وقد رواه سماك بن حرب حدثني رجل عن عائشة بنت طلحة].
    ثم قال أبو عبد الرحمن: وقد رواه سماك بن حرب عن رجل عن عائشة، ثم ذكر الإسناد الذي فيه رواية سماك بن حرب عن رجل عن عائشة بعد هذا.

    حديث: (... هل عندكم من طعام؟ قلت: لا، قال: إذاً أصوم ...) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني صفوان بن عمرو حدثنا أحمد بن خالد حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب حدثني رجل عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: هل عندكم من طعام؟ قلت: لا. قال: إذاً أصوم، قالت: ودخل على مرةً أخرى فقلت: يا رسول الله، قد أهدي لنا حيس، فقال: إذاً أفطر اليوم وقد فرضت الصوم)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم مشتمل على الحالتين: حالة كونه صام، وكان قد بحث عن الطعام، ونوى الصيام من أثناء النهار، والحالة الثانية: أنه كان نوى الصوم، ولكنه أفطر في أثناء النهار.
    قوله: [أخبرنا صفوان بن عمرو].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أحمد بن خالد].
    هو أحمد بن خالد الوهبي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إسرائيل].
    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سماك بن حرب].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، عن رجل وهو مبهم، وقد ذكر ابن حجر في آخر التقريب عند ذكر المبهمات: سماك عن رجل عن عائشة بنت طلحة، قال: يقال: إنه طلحة بن يحيى بن طلحة، أي: الذي مر ذكره في الأسانيد السابقة، فالرجل المبهم قيل: إنه طلحة أيضاً الذي جاء ذكره مراراً في الروايات السابقة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة رضي الله عنها في النية في الصيام


    شرح حديث: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة رضي الله عنها في ذلك.أخبرني القاسم بن زكريا بن دينار حدثنا سعيد بن شرحبيل: أخبرنا الليث عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن حفصة رضي الله عنهم وأرضاهم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)].
    ثم أورد النسائي: حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر، فلا صيام له)، معناه: أنه لا بد من نية من الليل، وتكون قبل طلوع الفجر، حتى تكون النية مع جميع أجزاء الصيام موجودة، لكن هذا يحمل على الفرض، وأما النفل فقد عرفنا في الأحاديث السابقة: أنه يمكن أن تكون النية من أثناء النهار، وأنها تنعطف على ما مضى، وأما بالنسبة للفرض، وكذلك القضاء، فإنه لا بد من تبييت النية، بحيث تكون النية موجودة مع جميع أجزاء الصيام، ووقت الصيام، جميع أجزاء الوقت من أوله إلى آخره، ولا يصلح أن تأتي النية في أثناء النهار، فالفرض لا بد فيه من تبييت النية، ولهذا في أول يوم من رمضان، لو لم يأتِ خبر الهلال لبعض الناس إلا في أثناء النهار، فإنه يجب عليهم الإمساك، وعليهم أن يقضوا مكان ذلك اليوم، ولو كان الإنسان أصبح غير آكل شيئاً؛ لأنه ما علم بثبوت الشهر قبل طلوع الفجر، فيكون مضى جزء من النهار بدون نية، والمطلوب في الفرض أن تكون النية مع جميع أجزاء الوقت.
    فالحديث يقول: (لا صيام لمن لم يبيت النية قبل الفجر)، وهذا كما هو معلوم يحمل على الفرض، وأما النفل فقد مر فيه الحديث المتقدم، والنسائي فيما تقدم ذكر النية في الصيام وأطلقها، ثم أورد الأحاديث التي فيها أن النية تكون من أثناء النهار، ثم أتى بالحديث الذي جاء من طرق أن النية تكون في الليل، وأنها لا تكون بعد طلوع الفجر، ولكن هذا كما قلت: يحمل على الفرض لا على النفل؛ لأن النفل جاء ما يدل على أنها يمكن أن تكون من أثناء النهار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)


    قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن سعيد بن شرحبيل].
    صدوق، أخرج له البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أيوب].
    هو يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم بن عبد الله].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
    [عن عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن حفصة].
    حفصة، هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن جدي حدثني يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن شعيب].
    هو عبد الملك بن شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه شعيب].
    ثقة أيضاً، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن جده].
    هو الليث بن سعد، وقد مر ذكره، وهذا الحديث من رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد، من رواية من روى عن أبيه عن جده، ثم بعد ذلك يحيى بن أيوب.
    [عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب].
    عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب، وهنا فيه ذكر ابن شهاب بين عبد الله بن أبي بكر، وبين سالم.
    وابن شهاب محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، هو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم عن عبد الله عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد السابق.

    حديث: (من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب أخبرني يحيى بن أيوب وذكر آخر: أن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حدثهما عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو بلفظ: (من لم يجمع الصيام)، يعني: يعقد العزم والنية، (قبل طلوع الفجر فلا يصوم)، والمقصود بذلك كما عرفنا إنما هو في الفرض كما هو واضح.
    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].
    ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أشهب].
    هو أشهب بن عبد العزيز، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن يحيى بن أيوب وذكر آخر].
    وقد مر ذكره، وذكر آخر، وهو ابن لهيعة، وهذه طريقة النسائي؛ لأنه إذا كان الإسناد فيه ابن لهيعة ومعه غيره، فإنه يعتمد على رواية الغير ويبهم ابن لهيعة، فيقول: وذكر آخر، وهو عند غير النسائي مصرحاً به مع يحيى بن أيوب، لكن النسائي عندما يأتي ذكره مع غيره، هو لا يروي عنه، ولكنه إذا جاء ذكره مع غيره، فإنه يبهمه ويقول: وذكر آخر، يعني: شخصاً آخر.
    [عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن الأزهر حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)].ثم أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن الأزهر].
    صدوق، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن عبد الرزاق].
    هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (من لم يجمع الصيام من الليل فلا يصوم) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    سقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت عبيد الله عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة رضي الله عنهما: (أنها كانت تقول: من لم يجمع الصيام من الليل فلا يصوم)].أورد النسائي من طريق أخرى، ولكنه موقوف على حفصة من كلامها، يعني: قالت: (من لم يجمع الصيام من الليل فلا يصوم)، فهنا موقوف عليها، وما مر مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريقها.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن معتمر].
    هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب الذي يقال له: العمري المصغر؛ تمييزاً له عن أخيه عبد الله بن عمر المكبر، وهذا ثقة، وذاك ضعيف، المصغر الذي معنا عبيد الله ثقة، وعبد الله بن عمر المكبر ضعيف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.


    حديث: (لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب: أنه قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أنه قال: قالت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه موقوف أيضاً على حفصة رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
    الربيع بن سليمان، وهو يحتمل أنه المرادي، وأنه الجيزي، وكل منهما ثقة، وكل منهما روى عنه النسائي، وكل منهما يروي عن ابن وهب.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    مر ذكره.
    [عن حمزة بن عبد الله بن عمر].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو شقيق سالم.
    [عن أبيه عن حفصة].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر) من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا الحسن بن عيسى أخبرنا ابن المبارك أخبرنا معمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن حفصة رضي الله عنهم أنها قالت: (لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى موقوف على حفصة، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الحسن بن عيسى].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي، البصري، ثم اليماني، شيخ عبد الرزاق بن همام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن عبد الله عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر) من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا حبان أخبرنا عبد الله عن سفيان بن عيينة ومعمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة رضي الله عنهم أنها قالت: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى موقوف على حفصة، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].
    هو ابن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن حبان].
    هو حبان بن موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره.
    [عن سفيان بن عيينة].
    هو سفيان بن عيينة المكي الهلالي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ومعمر].
    مر ذكره.
    [عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن أبيه عن حفصة].
    وقد مر ذكر الأربعة.

    حديث: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر) من طريق تاسعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر)].ثم هذا مثل ما تقدم، وهو موقوف عليها.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وقد ذكره.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر) من طريق عاشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب أخبرنا سفيان عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر)، أرسله مالك بن أنس].أورد النسائي الحديث عن حفصة من طريق أخرى.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
    هو أحمد بن حرب المروزي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان عن الزهري عن حمزة بن عبد الله عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.
    قال في آخره: [أرسله مالك بن أنس].
    ثم قال: أرسله مالك بن أنس، وأورد الحديث بعد ذلك، أورد الإسناد الذي فيه ذكر مالك في الإسناد الذي بعده مباشرة.

    حديث: (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر) من طريق حادية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما مثله: (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)]. قوله: [قال الحارث] في أوله، أورده عن عائشة، وحفصة، وأنهما يقولان: (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
    وقد جاءت صيغة أخرى، وهي: أخبرني، وفي بعضها يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وذلك أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كان راضياً عنه، وكان بينهما صفاء، فكان يأتي ويحضر ويسمع، وقد أذن له بالأخذ عنه، فكان يقول: أخبرني قراءة عليه وأنا أسمع، وفي بعض الأحوال جرى بينهما شيء، فكان لا يأذن له أن يأتي في حلقته، فكان يجلس من وراء الستار ويسمع ويروي، ولكنه لا يقول: أخبرني في هذه الصورة، بل يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأن كلمة أخبرني فيها أذن له أنه تحمل منه أو حمله، وهو يخبر بالواقع؛ لأنه ما كان أذن له في تلك الحال، وكان يفرق بين ما أذن له فيه يقول: أخبرني الحارث بن مسكين، وبين ما لم يؤذن فيه يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، هذا هو التفريق بين أخبرني الحارث بن مسكين، وبين قال الحارث بن مسكين، وهو في الحالتين اللتين حصلت للنسائي معه، والحارث بن مسكين هو المصري، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثني مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر قال: رأس المتقنين، معناه: أنه متمكن في الإتقان، ومتقدم فيه على غيره، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [عن عائشة وحفصة].
    عن عائشة وحفصة، أنها قالت: من قولهما، وقوله في السابق: [أرسله مالك بن أنس] معناه: أنه من رواية الزهري عن أنس عن عائشة به واسطة.
    وهذا الإرسال، على الطريقة الأخرى التي هي أعم من كون التابعي يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل رواية الراوي عمن لم يلقه أو لم يدرك عصره، فهذا إرسال، ولهذا يأتي يرسل ويدلس لأناس متأخرين، يرسل ويدلس، والإرسال يكون ظاهراً، ويكون خفياً، فالإرسال الظاهر هو: كون الإنسان يروي عمن لم يدرك عصره، بينه وبينه سنين، يعني مات هذا قبل أن يولد هذا، ويروي عنه، فهذا يقال له: إرسال، ويكون إرسالاً خفياً فيما إذا عاصره ولم يسمع منه؛ لأن هذا فيه احتمال السماع؛ لأنه مدرك عصره؛ ولهذا يقال له: إرسالاً خفي، والإرسال الجلي هو: كونه ما أدرك عصره، أمره واضح فيه انقطاع، وقد مر أن هشيم بن بشير الواسطي كان كثير التدليس والإرسال الخفي، والإرسال الخفي هو رواية الراوي عمن أدرك عصره ولم يلقه، فالإرسال له معنيان: معنىً خاص، وهو كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنىً أعم، وهو كون الراوي يروي عمن لم يدرك عصره، أو عمن لم يلقه، وقد أدرك عصره.

    حديث: (إذا لم يجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصم) من طريق ثانية عشرة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر: سمعت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إذا لم يجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصم)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه موقوف على عبد الله بن عمر، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    وقد مر ذكره.
    [عن المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان، وقد مر ذكره.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن عمر، وقد مر ذكره.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر) من طريق ثالثة عشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)].أورد الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر، وهو موقوف عليه، وهو مثل ما تقدم، [قال الحارث بن مسكين]، يعني: أنه مما سمعه منه أو حضره في حال منعه إياه أن يحضر حلقته، وأن يحضر مجلسه، فكان يعبر عن ذلك بغير أخبرني؛ لأنه ما أخبره، وما أراده يتحمل عنه في ذلك الوقت، ولكنه تحمل، وذلك سائغ عند المحدثين، ولكن النسائي كان يعبر بهذه العبارة، وهو يدل على دقته، وعلى احتياطه وتحرزه، فكان لا يعبر بأخبرني في مثل هذه الصورة؛ لأنه ما أراد إخباره وتحديثه.
    قوله: [عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك].
    وقد مر ذكرهم.
    [عن نافع عن ابن عمر].
    نافع عن ابن عمر ، وقد مر ذكر الجميع.
    الاسئلة

    الفرق بين نية الفرض ونية النفل في الصوم

    السؤال: الألفاظ جاءت عامة: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا يصم)، فكيف نفرق بين إذا كان فرضاً أو إذا كان نفلاً؟


    الجواب: لأنه جاء في النفل ما يدل على أنه يمكن أن يكون من أثناء النهار، يعني: النصوص الأخرى قيدت هذا النص الذي ظاهره الإطلاق له.


    مراجعة الزوجة بعد الطلاق

    السؤال: ما هي الرجعة؟ وكيف يراجع الرجل زوجته؟ وهل يلزم الإشهاد؟ وكيف يكون؟ وما هو أحسن كتاب في هذا الموضوع؟

    الجواب: ما أعلم كتاباً خاصاً في الرجعة، ولكن كل كتب الفقه مشتملة على باب الرجعة وما يتعلق بالرجعة، وكلام العلماء في الرجعة، والأحاديث التي وردت في الرجعة، وكذلك كتب الحديث أيضاً تشتمل على ذلك، والرجعة طبعاً تكون بالقول، وتكون أيضاً بالفعل؛ لأن المرأة الرجعية هي في عصمة الزوج وهي زوجة، ولو مات أحد الزوجين وهي في العدة، فإنهما يتوارثان؛ لأنها في عصمته، وما خرجت من كونها زوجة، وتبقى عنده في بيته، ويبيت معها، ولو جامعها فمجامعته إياها رجعة، أو إرجاع لها، لكن كما أن الطلاق يظهر ويتبين، فكذلك أيضاً يتبين ما يقابله الذي هو الرجعة، وهي تحصل بالجماع فلو جامعها، فإنه يعتبر مراجعاً لها، لكنه يخبر بذلك، ويشهد على ذلك؛ حتى يتبين أن الطلاق قد فسخ، وأنه نسخ وانتهى منه، وصارت الرجعة، وتعتبر طلقة مضت وراجعها، فتبقى على بقية الطلقات التي بقيت له وعليه أن يشهد.

    كيفية خروج الشمس من مغربها


    السؤال: هل خروج الشمس من مغربها كخروجها من مشرقها، بحيث تطلع على بلد قبل بلد، ثم تظهر على البلد الآخر؟

    الجواب: يبدو أن خروجها من مغربها لا يعني أنها تدور، وأنه يحصل لها مثل ما كان يحصل من قبل، فإذا حصل شيء من هذا فعند ذلك تقوم الساعة، لكن كونها تدور على العالم، ويحصل بعد ذلك وقت، ما نعلم منه شيئاً، لكن المهم أنه حصل فيها شيء يخالف ما هو معروف عنها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #388
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (385)

    - باب صوم نبي الله داود - باب صوم النبي بأبي هو وأمي


    بيّن الشرع كيفية صوم داود عليه السلام، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يتقرب إلى الله بجميع النوافل، ومنها الصيام، فقد كان يصوم أكثر شعبان.
    صوم نبي الله داود عليه السلام

    شرح حديث: (أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم نبي الله داود عليه السلامأخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)].
    يقول النسائي رحمه الله: صوم نبي الله داود، أي: بيان صفته، وقد أورد فيه النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه).
    هذا الحديث يدل على بيان كيفية صيام داود عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهذا هو الصيام المستحب في حق من أراد أن يكثر الصيام، فإنه يكون على هذا الوصف الذي هو أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ كما كان يفعل ذلك داود عليه السلام، وكما بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن ذلك أحب الصيام إلى الله، صيام يوم وإفطار يوم.
    قوله: [(وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود)]، يعني: صلاة الليل، وقيام الليل، (كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)، وهذا من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، هذا هو المراد بالليل هنا بما يتعلق بالنسبة لصلاة الليل، فقيل: إن الليل من الفراغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فينام نصف هذه المدة، أي: بعد صلاة العشاء، ثم يقوم الثلث، ثم بعد ذلك ينام السدس؛ فيكون أخذ نصيبه من النوم في أول الليل، وقام في ثلثه على نشاط، ثم إذا بقي سدس ينام ليستريح من التعب الذي حصل له في الصلاة وليتهيأ لصلاة الفجر.
    أما بالنسبة لصلاة داود والصلوات المفروضة على داود لا نعرف كيفيتها، لكن الصلاة بهذه الطريقة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها أحب الصلاة إلى الله، فيها نوم نصف الليل أولاً للراحة، وأخذ نصيبه من النوم، ثم الصلاة ثلث الليل، ثم السدس الأخير من الليل يكون نائماً، لتحصل له الراحة بعد قيامه ثلث الليل الذي بعد النصف وقبل السدس، والمسلم أيضاً يتهيأ لصلاة الفجر بنومه السدس الأخير، ويكون قد ارتاح، ويقوم للصلاة بنشاط وبقوة، هذا هو معنى هذا الحديث، وفيه أن الله تعالى يحب، وأن من صفاته المحبة، وأن الأعمال بعضها أحب إليه من بعض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام...)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن دينار].
    هو المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن أوس].
    تابعي كبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. ويقال: إن عبد الله بن عمرو ولد وعمر أبيه ثلاث عشرة سنة، أي: أن أباه تزوج مبكراً، وولد له عبد الله مبكراً وعمره ثلاث عشرة سنة، فأبوه أكبر منه بثلاث عشرة سنة.


    صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك.أخبرنا القاسم بن زكريا حدثنا عبيد الله حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: صوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وكلمة (بأبي هو وأمي) المقصود بها التفدية، وليس الحلف بالأب والأم، أي: هو مفدي بأبي وأمي، فداؤه أبي وأمي، هذا هو المقصود من هذه الجملة، باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، يعني: مفدي هو بأبي وأمي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وهذه الترجمة تتعلق ببيان صيامه، أي: صيام التطوع، كيف كان يصوم؟ فهذا هو المقصود من هذه الترجمة؛ لأنها تتعلق بأفعاله المتعلقة بالصيام، أي: صيام التطوع، كيف كان يصوم التطوع عليه الصلاة والسلام؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وسيأتي أحاديث مكررة سبق أن مرت، ولكنها جاءت في موضوع آخر، مثل: صيام شعبان وغيره؛ جاءت هناك لأنها تتعلق بصوم شعبان، وجاءت هنا لأنها تتعلق بصيام النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفطر أيام البيض في حضرٍ ولا في سفر)، أي: أنه كان يداوم عليها، وهي ثلاثة أيام من الشهر، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على صيام أيام البيض، والتأكيد على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وجاء عنه التنصيص أيضاً على صيام أيام البيض، وأيام البيض ثلاث، فإذا صامها الإنسان من كل شهر يكون صام أيام البيض، وفي نفس الوقت قد صام ثلاثة أيام من كل شهر والمراد بأيام البيض هي: اليوم الثالث عشر، واليوم الرابع عشر، واليوم الخامس عشر، هذه الأيام البيض، وقيل لها: بيض؛ لأن لياليها بيض؛ ولأن القمر يكون موجوداً فيها، فهي ليالي مضيئة بضوء القمر، فقيل لها: الأيام البيض، فيكون الليل والنهار مضيئان؛ في النهار إضاءة الشمس، وفي الليل تأتي إضاءة القمر، والبياض إنما هو لليالي؛ لأن الأيام كلها سواء، وأما الليالي فليست كلها سواء؛ الأيام كلها سواء بطلوع الشمس، والليالي ليست كلها سواء، فالثلاث الليالي هذه يكون القمر موجوداً فيها، وتكون الإضاءة فيها، فوصفت بأنها ليالي بيض، وقيل لأيام تلك الليالي: الأيام البيض.
    والحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وهو دال على الصوم في السفر؛ لأن قوله: (لا يتركها لا في حضر ولا في سفر)، معناه: أنه يصوم تطوع في السفر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض...)

    قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا].هو القاسم بن زكريا بن دينار، أخرج له مسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا عبيد الله].
    هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يعقوب].
    هو يعقوب بن عبد الله القمي، وهو صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
    [عن جعفر].
    هو جعفر بن أبي المغيرة القمي، وهو صدوق يهم، الأول صدوق يهم، وهذا صدوق يهم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، فلم يخرج له البخاري في الصحيح، ولا مسلم في الصحيح، ولا ابن ماجه في السنن بل في التفسير.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن جبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وما صام شهراً متتابعاً غير رمضان منذ قدم المدينة)].أورد النسائي: حديث ابن عباس المتعلق بصيام النبي صلى الله عليه وسلم التطوع، وأنه كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، معناه: أنه يستمر في الصيام، وكان يفطر حتى نقول: لا يريد أن يصوم، وما كان شهراً كاملاً غير رمضان، يعني: ولم يكن يستكمل شهراً منذ قدم المدينة غير رمضان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو يصوم أحياناً فيكثر، وأحياناً يفطر حتى يقولوا: إنه لا يصوم، ولن يستكمل شهراً كاملاً غير رمضان، فهذا مما جاء في هديه في الصيام صيام التطوع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو محمد بن بشار بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو أبو الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بشر].
    هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.


    حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور المروزي حدثنا حماد عن مروان أبي لبابة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم)].أورد حديث عائشة رضي الله عنها، وهو يتعلق بجزء من حديث عبد الله المتقدم: (كان يصوم حتى يقولوا: لا يريد أن يفطر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يريد أن يصوم).
    قوله: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور].
    صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مروان أبي لبابة].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، والمرأة هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.


    شرح حديث: (... ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن خالد حدثنا سعيد حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لا أعلم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلةً حتى الصباح، ولا صام شهراً قط كاملاً غير رمضان)].أورد النسائي حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ القرآن في ليلة، وما قام ليلةً حتى الصباح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان)، وهذا محل الشاهد بالنسبة للصيام، ما استكمل شهراً إلا رمضان، وإنما يصوم من الأشهر فيكثر ويقل، ولكنه لا يستكمل إلا رمضان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا صام شهراً قط كاملاً غير رمضان)


    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زرارة بن أوفى].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن هشام].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (وما صام رسول الله شهراً كاملاً... إلا رمضان) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن عبد الله بن شقيق أنه قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، وما صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا رمضان)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم (كان يصوم حتى نقول: قد صام)، يعني: يواصل الصيام وأكمل الشهر، يعني: يصوم الشهر حتى يقولوا: خلاص يكمله، ولا يكمله، وكان لا يصوم من الشهر حتى يقولوا: لا يصوم، معناه: يفطر، وما كان يستكمل شهراً إلا رمضان.


    تراجم رجال إسناد حديث: (وما صام رسول الله شهراً كاملاً ... إلا رمضان) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد، وقد مر ذكره.
    [عن أيوب].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرها.

    حديث: (كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصومه شعبان...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا معاوية بن صالح أن عبد الله بن أبي قيس حدثه أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: (كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصومه شعبان، بل كان يصله برمضان)].أورد النسائي حديث عائشة، وفيه أن أحب الشهور إلى الله -يعني من حيث الصيام التطوع- صيام شعبان، وكان يكثر منه، وكان يصله برمضان؛ لأنه يكثر صيامه من هذا الشهر، وما كان يصوم شهراً مثل ما يصوم في شعبان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
    الربيع بن سليمان يحتمل المرادي، والجيزي، وكل منهما ثقة.
    في الترجمة الأخرى قال: الربيع بن سليمان المؤذن المرادي إذا كان نص عليه في تحفة الأشراف فالمراد به: الربيع بن سليمان المرادي، صاحب الإمام الشافعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاوية بن صالح].
    هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن عبد الله بن أبي قيس].
    عبد الله بن أبي قيس، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أنه سمع عائشة رضي الله عنها].
    عائشة، وقد مر ذكرها.

    حديث: (ما رأيت رسول الله في شهر أكثر صياماً منه في شعبان) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا ابن وهب أخبرني مالك وعمرو بن الحارث، وذكر آخر قبلهما: أن أبا النضر حدثهم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول: ما يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان)].ثم أورد حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في كثرة صيامه أحياناً، وقلة صيامه أحياناً، وما كان أكثر صياماً منه في شهر غير شعبان، فإنه كان يكثر منه ما لا يكثر من غيره الصيام.
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
    هو الربيع بن سليمان بن داود، وهو الجيزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا ابن وهب].
    ابن وهب، وقد مر ذكره.
    [أخبرني مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [وعمرو بن الحارث وذكر آخر].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وذكر آخر قبلهما وهو ابن لهيعة.
    [أن أبا النضر حدثهم].
    هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    عائشة، وقد مر ذكرها.


    شرح حديث: (أن رسول الله كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أخبرنا شعبة عن منصور أنه قال: سمعت سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)].أورد النسائي حديث أم سلمة: (كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا رمضان)، المقصود من ذلك: الإكثار من شعبان، وإلا فإنه لا يكمله، وإنما يصوم أكثره وأغلبه وعامته، وذكر الشهر المقصود منه الأغلبية، يعني كما جاء مبيناً في الروايات الأخرى: (أنه ما كان يصوم شهراً إلا رمضان).

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)

    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبي داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت سالم بن أبي الجعد].
    ثقة، يرسل كثيراً، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أم سلمة].
    هي أم المؤمنين، هند بنت أبي أمية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الوليد حدثنا محمد حدثنا شعبة عن توبة عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان، ويصل به رمضان)].أورد حديث أم سلمة من طريق أخرى: (أنه لم يكن يصوم شهراً تاماً إلا شعبان، ويصل به رمضان)، وهو مثل ما تقدم كان يصوم شهرين متتابعين، والكلام فيه مثل الكلام الذي في قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن الوليد].هو محمد بن الوليد بن عبد الحميد القرشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا محمد].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن توبة].
    هو توبة العنبري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أم سلمة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (لم يكن رسول الله لشهر أكثر صياماً منه لشعبان...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لشهرٍ أكثر صياماً منه لشعبان، كان يصومه أو عامته)].أورد النسائي حديث عائشة المتعلق بإكثاره من الصيام في شعبان، كان يصوم كله أو عامته، معناه: أنه يصوم أغلبه، وقد جاء عنها نفسها أنها قالت: لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، ومعنى ذلك أنه غالبيته العظمى، بحيث لا يترك منه إلا القليل النادر اليسير.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لم يكن رسول الله لشهر أكثر صياماً منه لشعبان...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عمي].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق المدني، إمام في المغازي، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم.

    حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن هشام حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً)].أورد النسائي: حديث عائشة في صيام شعبان، وأنه كان يصومه إلا قليلاً، أي: شعبان.
    قوله: [حدثنا عمرو بن هشام].
    هو عمرو بن هشام الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن سلمة].
    هو محمد بن سلمة الحراني أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن إسحاق].
    هو محمد بن إسحاق، وقد مر ذكره.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير أن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم شعبان كله)].أورد النسائي حديث عائشة: (أنه كان يصوم شعبان كله)، والمقصود من ذلك عامته؛ لأنه جاء عنها روايات كثيرة تقول: (ما كان يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان منذ أن قدم المدينة)، فعلى هذا المقصود بالكلية هنا العموم أو العامة الغالب، وليس الكل، بحيث يكون مثل رمضان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا بحير].
    هو بحير بن سعد، وهو ثقة، ثبت، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن معدان].
    ثقة يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جبير بن نفير].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عائشة رضي الله عنها].
    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الرحمن حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن شيخ من أهل المدينة حدثني أبو سعيد المقبري حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: قلت: (يا رسول الله! لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)].ثم أورد النسائي: حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه المتعلق بصيام شعبان، وأنه سأله أنه لم يره يصوم مثل ما كان يصوم في شعبان، فقال: (إنه شهرٌ يغفل الناس عنه، وهو ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)، وهذا فيه بيان الحكمة في إكثاره من الصيام في شهر شعبان (يرفع عملي وأنا صائم).
    فهذا فيه بيان الإكثار، وسبب الإكثار، أو الحكمة من الإكثار، وأنها ترفع فيه الأعمال، أي: في نهاية الشهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (...ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان...)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن شيخ من أهل المدينة].
    صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين في الصلاة، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني أبي سعيد المقبري].
    اسمه كيسان، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أسامة بن زيد].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حبه وابن حبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي عن عبد الرحمن حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن شيخ من أهل المدينة حدثني أبو سعيد المقبري حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: قلت: (يا رسول الله! إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: أي يومين؟ قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس، قال: ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)].ثم أيضاً أورد النسائي حديث أسامة بن زيد من طريق أخرى، وفيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وأن هناك يومين إن دخل في صيامه وإلا صامهما، وهما الإثنين والخميس، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنهما يومان تعرض فيهما أعمال العباد، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وهو يتعلق بصيام التطوع، وأنه كان يكثر من الصيام في الشهر ويقل، وكان يتحرى الإثنين والخميس، والحكمة في ذلك أنه ترفع فيهما الأعمال، فيحب عليه الصلاة والسلام أن يرفع عمله وهو صائم صلى الله عليه وسلم، والإسناد هو نفس الإسناد: عمرو بن علي.

    حديث: (كان يسرد الصوم فيقال: لا يفطر...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب أخبرني ثابت بن قيس الغفاري حدثني أبو سعيد المقبري حدثني أبو هريرة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسرد الصوم فيقال: لا يفطر، ويفطر فيقال: لا يصوم)].أورد النسائي حديث أسامة من طريق أخرى، وهو أنه (كان يسرد الصوم حتى يقولوا: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم)، وقد مر ذلك مراراً في بيان هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن زيد بن الحباب].
    صدوق يخطئ في حديث الثوري، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت بن قيس عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن أسامة].
    وقد مر ذكرهم إلا أبا هريرة يروي عن أسامة، فـ أبو هريرة ، هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وهو رواية صحابي عن صحابي.

    شرح حديث: (كان يتحرى صيام الإثنين والخميس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان عن بقية حدثنا بحير عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير أن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس)].أورد النسائي حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس)، وقد مر في حديث أسامة أنه كان الحكمة في ذلك أنه تعرض فيهما الأعمال، فيحب أن يرى الله عمله وهو صائم صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم رجال الإسناد.

    حديث: (كان رسول الله يتحرى يوم الإثنين والخميس) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الله بن داود أخبرني ثور عن خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحرى يوم الإثنين والخميس)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [حدثنا عبد الله بن داود].
    هو عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرني ثور].
    هو ثور بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.
    [عن خالد بن معدان].
    وقد مر ذكره.
    [عن ربيعة الجرشي].
    هو ربيعة بن عمرو الجرشي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.

    حديث: (كان رسول الله يتحرى الإثنين والخميس) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبيد الله بن سعيد الأموي حدثنا سفيان عن ثور عن خالد بن معدان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحرى الإثنين والخميس)].أورد النسائي: حديث عائشة من طريق أخرى، وهي مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    هو إسحاق بن إبراهيم المروزي، وقد مر ذكره.
    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد الأموي].
    هو عبيد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وهو ليس السرخسي، إنما هو عبيد الله بن سعيد بن أبان الأموي غير السرخسي؛ ذاك اليشكري السرخسي.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، مر ذكره.
    [عن ثور].
    مر ذكره أيضاً.
    [عن خالد بن معدان عن عائشة رضي الله عنه].
    وقد مر ذكرهما.

    حديث: (كان رسول الله يتحرى يوم الإثنين والخميس) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحرى يوم الإثنين والخميس)].أورد النسائي: حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الإثنين والخميس، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبي داود].
    هو عمر بن سعد الحفري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن سفيان].
    هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر ، كوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد بن سعد].
    ثقة، أخرج له البخاري والنسائي وابن ماجه.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.


    الأسئلة

    الفرق بين (حدثنا) و(أخبرنا) في الأسانيد


    السؤال: في بعض الأحيان يكون في بداية السند قال: حدثنا، والمعتاد أنه أخبرنا، فهل هناك سبب؟
    الجواب: حدثنا وأخبرنا هما بمعنى واحد عند كثير من العلماء، وبعض العلماء يفرق بين أخبرنا وحدثنا بأن حدثنا فيما سمع من الشيخ، وأخبرنا فيما قرئ على الشيخ، أخبرنا، لكن أكثر استعمال النسائي أخبرنا، وهذا ليس خاصاً في العرض، بل هو في العرض والسماع، فلا فرق بينهما عند كثير من المحدثين؛ يطلقون الإخبار والسماع على ما سمع من لفظ الشيخ، وعلى ما قرئ على الشيخ.

    سبب قول النسائي: بأبي هو وأمي لرسول الله عليه الصلاة والسلام

    السؤال: لماذا قال النسائي: بأبي هو أمي على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل على نبي الله داود، هل هي خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: هذا هو الذي كان السلف يستعملونه مع النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن يكون أحب إلى كل مسلم من والده وولده والناس أجمعين؛ لأن الله تعالى ساق للمسلمين على يديه نعمة هي أعظم النعم، وهي نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فهي أجل النعم، فصارت محبته يجب أن تكون أعظم من محبة الوالدين، ولهذا يأتي كثيراً في كلام العلماء تفديته بالأب والأم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا شيء ألف واستعمل، يعني: قد يكون الأب والأم ميتان لكنه جرى على الألسنة، وهو تعظيم لقدره صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيم لشأنه عليه الصلاة والسلام، والإشارة في ذلك إلى ما جاء من كون محبته يجب أن تكون في النفوس أعظم من محبة الوالدين والأولاد والناس أجمعين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #389
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (386)

    - تابع صوم النبي بأبي هو وأمي - باب ذكر الاختلاف على عطاء في خبر صوم النبي


    بيّن الشرع الحكيم كيف كان صوم النبي عليه الصلاة والسلام وهو صيام الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، ونهى عن صيام الدهر أو صيام الأبد.
    تابع صوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي


    شرح حديث: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم الإثنين والخميس) من طريق خامسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأميأخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عاصم عن المسيب بن رافع عن سواء الخزاعي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم الإثنين والخميس)].
    فهذا الحديث -حديث عائشة- فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس، وقد مرت جملة من الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس، وهذا من جملة الأحاديث، وهو دال على فضل صيام هذين اليومين، وقد مر في بعض الأحاديث أن الأعمال ترفع فيهما، فيقول صلى الله عليه وسلم: (إنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم الإثنين والخميس) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد].إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن اليمان].
    صدوق يخطئ كثيراً، وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المسيب بن رافع].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سواء الخزاعي].
    سواء الخزاعي، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس...) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أبو بكر بن علي حدثنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن سواء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الإثنين والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة)].أورد النسائي حديث أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: الإثنين والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من الجمعة المقبلة. والمراد بالجمعة: الأسبوع، الإثنين والخميس من الجمعة أي: من الأسبوع، ثم الأسبوع الثاني يصوم منه الإثنين، ويطلق على الأسبوع جمعة، كما يطلق عليه سبت، وكما جاء في الحديث: (فما رأينا الشمس سبتاً)، أي: أسبوعاً، وهنا الجمعة يراد بها الأسبوع، فكان عليه الصلاة والسلام يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وكان يتحرى الإثنين والخميس، فيصوم الإثنين والخميس من جمعة الأسبوع، ومن الأسبوع الثاني يصوم الاثنين منه، وهو دال على فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والحسنة بعشرة أمثالها، وهو مثل صيام الدهر؛ لأن اليوم عن عشرة أيام، فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام فيكون كأنه صام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وهو أيضاً دال على استحباب صيام الإثنين والخميس، وتحري الإثنين والخميس، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى من صيامه هذين اليومين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس) من طريق سادسة


    قوله: [أخبرني أبو بكر بن علي].هو أحمد بن علي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبي نصر التمار].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز، اسمه واسم أبيه مثل ابن جريج، وهذا عبد الملك بن عبد العزيز أبو نصر التمار، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والنسائي.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عاصم عن سواء].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن أم سلمة].
    هي أم المؤمنين، هند بنت أبي أمية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كان رسول الله يصوم من كل شهر يوم الخميس ويوم الإثنين...) من طريق سابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا إسحاق أنبأنا النضر أنبأنا حماد عن عاصم بن أبي النجود عن سواء عن حفصة رضي الله عنها، أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم من كل شهرٍ يوم الخميس ويوم الإثنين، ومن الجمعة الثانية يوم الإثنين)].أورد النسائي حديث حفصة، وهو مثل حديث أم سلمة: [(كان يصوم من كل شهر الخميس والإثنين، ومن الجمعة الثانية الإثنين)]، أي: أسبوع يصوم منه إثنين وخميس، وأسبوع يصوم منه إثنين، فيصوم من أسبوع إثنين وخميس ثم من الأسبوع الثاني الذي يليه يصوم الإثنين، وهو مثل حديث أم سلمة المتقدم.


    تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصوم من كل شهر يوم الخميس ويوم الإثنين...) من طريق سابعة


    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا إسحاق].
    هو ابن إبراهيم الحنظلي بن راهويه، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أنبأنا النضر].
    هو النضر بن شميل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا حماد عن عاصم].
    حماد، هو ابن سلمة، عن عاصم، وهو ابن أبي النجود.
    [عن سواء عن حفصة].
    سواء مر ذكره وحفصة وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كان رسول الله إذا أخذ مضجعه... وكان يصوم الإثنين والخميس ...) من طريق ثامنة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار حدثنا حسين عن زائدة عن عاصم عن المسيب عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه جعل كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وكان يصوم الإثنين والخميس)].أورد النسائي حديث حفصة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا اضطجع وضع كفه اليمنى تحت خده، أي: ينام على جنبه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده عليه الصلاة والسلام، وكان يصوم الإثنين والخميس، وهذا المقصود من إيراد الحديث، كونه يصوم الإثنين والخميس، هذا من هديه عليه الصلاة والسلام، أنه يصوم الإثنين والخميس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا أخذ مضجعه... وكان يصوم الإثنين والخميس...) من طريق ثامنة

    قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار].ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا حسين].
    هو حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    هو زائدة بن قدامة الثقفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم عن المسيب عن حفصة].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال أبي: أخبرنا أبو حمزة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر، وقلما يفطر يوم الجمعة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر)]، أي: من أوائل الشهر، [(وقلما كان يفطر يوم الجمعة)]، ولعل المقصود من ذلك: أنه كان يصومه مع غيره؛ لأنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام النهي عن إفراده بالصوم، وأنه يصام معه يوم قبله ويوم بعده، كما جاء في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث جويرية أم المؤمنين في صحيح البخاري: (أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها وهي صائمةٌ يوم الجمعة فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري)، فدل هذا على أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لا يفرد الجمعة بالصوم، وأنه يصام ومعه غيره، وما جاء في هذا الحديث أنه قلما كان يفطر يوم الجمعة، أي: أنه كان يصوم معه غيره، أي: الخميس أو السبت، وغالباً ما يكون الخميس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الخميس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق].ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي، يروي عن أبيه، وأبوه ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا أبو حمزة].
    هو محمد بن ميمون السكري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. أبو حمزة محمد بن ميمون السكري.
    [عن عاصم].
    هو ابن أبي النجود، وقد مر.
    [عن زر].
    هو ابن حبيش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مسعود الهذلي].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء المعروفين في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أمرني رسول الله ... وصيام ثلاثة أيام من الشهر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن رجل عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من الشهر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة المتعلق بقول أبي هريرة: [(أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أنام على وتر)]، وهذا الحديث هو من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وليس من فعله، والترجمة تتعلق بفضل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا يتعلق بأمره، وقد مر أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فهو يفعل ذلك، ويأمر بذلك، ويرشد إلى ذلك، وجاء هذا الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة يقول: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)، وجاء من حديث أبي الدرداء في صحيح مسلم: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فصيام ثلاثة أيام من كل شهر جاء من قوله ومن فعله ومن حثه وترغيبه؛ لأنه أوصى أبا هريرة أبا الدرداء بأن يصوموا ثلاثة أيام من كل شهر، واجتمع فيه أمره وقوله، وكما قلت: الترجمة هي في صوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي ليس فيها التنصيص على صوم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما فيها التوصية، ولكن الأحاديث التي مرت فيها أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)


    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا أبو كامل].
    هو فضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم بن بهدلة عن رجل عن الأسود بن هلال].
    عاصم بن بهدلة عن رجل، والرجل هذا غير مسمى.. مبهم، لكن الحديث ورد في الصحيحين عن أبي هريرة وفيه هذه الأمور الثلاثة، فالحديث صحيح، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة وهو مشتمل على هذه الأمور الثلاثة.
    والأسود بن هلال، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث ابن عباس: (ما علمت النبي صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، أي شهر رمضان ويوم عاشوراء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبيد الله: أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما: (وسئل عن صيام عاشوراء؟ قال: ما علمت النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، أي: شهر رمضان، ويوم عاشوراء)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: (ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صام يوماً يتحرى صيامه لفضله إلا شهر رمضان، وعاشوراء)، أي: هذا اليوم الذي هو عاشوراء، ورمضان فرض، وعاشوراء من آكد صيام التطوع.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (ما علمت النبي صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، أي شهر رمضان ويوم عاشوراء)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو عبيد الله بن أبي يزيد المكي، وهو ثقة، كثير الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع ابن عباس].
    ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    وهذا الإسناد من رباعيات النسائي؛ لأنه من أعلى الأسانيد عنده؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، أربعة أشخاص: قتيبة، وسفيان بن عيينة، وعبيد الله بن أبي يزيد، وابن عباس، أربعة أشخاص، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وما عنده إلا الرباعيات، وهذا منها.

    شرح حديث معاوية: (سمعت رسول الله يقول في هذا اليوم: إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يوم عاشوراء وهو على المنبر يقول: (يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في هذا اليوم: إني صائم، فمن شاء أن يصوم فليصم)].أورد النسائي حديث معاوية رضي الله عنه المتعلق بيوم عاشوراء، وأنه قال: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم يقول: (إني صائم، فمن شاء أن يصوم فليصم)، أي: هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني صائم، فمن شاء أن يصوم فليصم)، وهذا يدل على فضل صيام هذا اليوم الذي هو يوم عاشوراء، وقول معاوية رضي الله عنه: (أين علماؤكم؟)، لأنه قد بلغه أن فيهم من يتكلم في صيام هذا اليوم إما بكراهة أو بإيجاب، فأراد أن يبين السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه أراد (أين علماؤكم؟)، أي: لا يعلمونكم السنن، ولا يبينون لكم ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث معاوية: (سمعت رسول الله يقول في هذا اليوم: إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد بن عبد الرحمن].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن قال: سمعت معاوية].
    هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أن النبي كان يصوم يوم عاشوراء...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زكريا بن يحيى حدثنا شيبان حدثنا أبو عوانة عن الحر بن صياح عن هنيدة بن خالد عن امرأته أنها قالت: حدثتني بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعاً من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، أول إثنين من الشهر وخميسين)].أورد النسائي حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الطرق أنها أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعاً من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، أول إثنين من الشهر وخميسين)، (أول إثنين)، أي من الشهر، (وخميسين)، وهذا يفيد بأنه في بعض الأحيان يفعل هذا، ويفعل ما تقدم إثنين وخميس وإثنين، وهنا إثنين وخميسين، وقد تقدم أنه كان يصوم إثنين وخميس، ثم من الجمعة الثانية يوم الإثنين، فهذا يفيد أنه أحياناً يفعل كذا، وأحياناً يفعل كذا، وفيه صيام تسعة ذي الحجة، وهي التسع الأولى التي لها شأن عظيم وفضل؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)، والحديث في صحيح البخاري، وهنا فيه أن من الأعمال التي تعمل في تلك العشر أن تصام التسع التي آخرها يوم عرفة، وكذلك فيه صيام عاشوراء وقد مر في بعض الأحاديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يصوم يوم عاشوراء...)


    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].زكريا بن يحيى السجزي، مر ذكره.
    [حدثنا شيبان].
    هو شيبان بن فروخ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي، وهو من شيوخ مسلم.
    [حدثنا أبي عوانة].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، مر ذكره.
    [عن الحر بن صياح].
    ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
    [عن هنيدة بن خالد].
    معدود في الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
    [عن امرأته].
    لا يعرف اسمها كما قال الحافظ ابن حجر، وهي صحابية، أخرج حديثها أبو داود، والنسائي، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات: أنها أم سلمة، وقد مر ذكرها. وعلى هذا فالحديث من رواية ثلاثة من الصحابة: هنيدة، وزوجته، وأم المؤمنين أم سلمة.


    ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه

    شرح حديث: (من صام الأبد فلا صام)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه.أخبرني حاجب بن سليمان حدثنا الحارث بن عطية حدثنا الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام الأبد فلا صام)].
    أورد النسائي ذكر الاختلاف على عطاء فيه، ومعلوم أن مثل هذا يصلح إذا كان في الباب أو تابع للباب الذي قبله، والباب الذي قبله لا علاقة له في هذا الأحاديث التي ستأتي؛ لأن الباب الأول فيه صيام الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحاديث التي ستأتي في صيام الأبد، فيبدو أن الترجمة ساقط منها شيء، وهي مثل الترجمة التي بعدها: النهي عن صيام الأبد، وذكر الاختلاف على عطاء فيه، والضمير فيه يرجع إلى صيام الأبد إلى هذا المحذوف، فالترجمة مثل الترجمة التي بعدها: النهي عن صيام الدهر وذكر الاختلاف على فلان فيه، وهنا النهي عن صيام الأبد.
    والأبد هو الدهر، لكن النسائي جعل البابين من أجل وجود اللفظين، وهذه طريقة النسائي أحياناً يعقد الباب من أجل اللفظ الذي جاء فيه وإن كان الكل يدخل تحت الدهر، والكل يدخل تحت الأبد لا الأحاديث التي تحت الدهر، لكنه رحمة الله عليه طريقته أنه إذا كان اللفظ فيه اختلاف فإنه يبوب للفظ الذي جاء مخالفاً، وعلى هذا فالترجمة فيها نقص، ولا يصلح أن تكون تابعة للباب الذي قبلها؛ لأن الباب الذي قبلها باب صوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا لا علاقة له بصوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو بصوم الأبد، كل الأحاديث الذي فيه صيام الأبد، ثم جاء بعده النهي عن صيام الدهر، والأحاديث الذي فيها ذكر الدهر، وعلى هذا فالترجمة يبدو أنها: النهي عن صيام الأبد وذكر الاختلاف على عطاء فيه، أي: في صيام الأبد، ومرجع الضمير ليس موجوداً، ولو كان أنه يتعلق بالباب الأول كان يرجع إلى صوم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة لهذه الترجمة بصوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي تتعلق بصوم الأبد، وهي مثل الترجمة التي بعدها تماماً، ولهذا أقول: يمكن أن هذه الترجمة مثل ترجمة: النهي عن صوم الأبد، وذكر الاختلاف على عطاء فيه، أي: في صوم الأبد؛ لأن الضمير في: (فيه) يرجع إلى هذا، فكما أن الباب الذي بعده على هذه الطريقة، فهذا يكون على هذه الطريقة.
    [عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام الأبد فلا صام)].
    أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من صام الأبد فلا صام)]، أي: ما صام الصوم المشروع، ولم يصم صوم السنة الذي هو السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن جماعةً من أصحابه تقالوا أعمالهم وقالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصوم فلا أفطر، وأما الثاني قال: أنا أقوم الليل فلا أنام، والثالث قال: لا أتزوج النساء، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فالذي يصوم الدهر فيه مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يترتب على صومه الدهر إضعاف نفسه، وعدم قيامه بالأمور الأخرى التي يتطلب الأمر قيامها، والشأن قيامه بها؛ لأنه صومه بصفة دائمة باستمرار، يعني يصوم الشهور المتتالية، لا بد وأن يناله شيء من الضعف، فيصيبه شيء من العجز عن أمور أخرى يحتاج إليها وهي مطلوبة.
    وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(لا صام)]، أي: إما أن يكون معناه أنه ما وجد منه الصيام المشروع، أو أنه دعاء عليه، وهو دال على النهي عن صيام الأبد الذي هو الدهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من صام الأبد فلا صام)

    قوله: [أخبرني حاجب بن سليمان].صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحارث بن عطية].
    هو مثله صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن أبي رباح].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من صام الأبد فلا صام) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن مساور عن الوليد حدثنا الأوزاعي أخبرني عطاء عن عبد الله (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الله حدثني الوليد عن الأوزاعي حدثني عطاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام الأبد فلا صام ولا أفطر)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، (من صام الأبد فلا صام ولا أفطر)، لا صام، أي: ما صام الصيام المشروع، (ولا أفطر)، لأنه تحمل العناء، ووجد منه النقص والضرر بنفسه، فلا يعتبر صام الصوم المشروع المستحب الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما سأله عبد الله بن عمر ما زاد على أن قال: صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً، وما زاد على أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصيام الدهر فيه ما فيه، ولهذا قال: (لا صام ولا أفطر)، (ما صام)، أي: ما صام الصوم الشرعي الذي يجمع فيه بين الأجر وبين القيام بالأمور الأخرى، (ولا أفطر)، أي: ما حصل منه الصيام، بل تحمل العطش والعناء والمشقة والتعب، فهو لا هذا ولا هذا، لا أفطر ولا صام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من صام الأبد فلا صام) من طريق ثانية

    قوله: [حدثنا عيسى بن مساور].صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [عن الوليد].
    هو ابن مسلم، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    مر ذكره.
    [أخبرني عطاء عن عبد الله].
    عطاء عن عبد الله بن عمر، وقد مر ذكرهم.
    [(ح)].
    ثم قال: (ح) تحويل من إسناد إلى إسناد.
    [أخبرنا محمد بن عبد الله].
    هو ابن المبارك المخرمي البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثني الوليد عن الأوزاعي حدثني عطاء عن عبد الله].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    حديث: (من صام الأبد فلا صام) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن الوليد حدثنا أبي وعقبة عن الأوزاعي حدثني عطاء حدثني من سمع ابن عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام الأبد فلا صام)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيها: (من صام الأبد فلا صام)، وهو مثل الطريق الأولى السابقة، وكل هذه الأحاديث بلفظ الأبد؛ لما يشعر بأن الترجمة هي تتعلق بالأبد.
    قوله: [أخبرنا العباس بن الوليد].
    هو العباس بن الوليد بن مزيد، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    هو الوليد بن مزيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [وعقبة].
    هو عقبة بن علقمة، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [عن الأوزاعي حدثني عطاء حدثني من سمع ابن عمر].
    عطاء عمن سمع ابن عمر، أي فيه واسطة، وسبق أن مر في الطرق المتقدمة عن عطاء أنه يروي عن عبد الله بن عمر، فلا أدري من هي هذه الواسطة؟

    حديث: (من صام الأبد فلا صام) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن يعقوب حدثنا محمد بن موسى حدثنا أبي عن الأوزاعي عن عطاء حدثني من سمع ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (من صام الأبد فلا صام)]. أورد النسائي حديث ابن عمر، وهو مثل ما تقدم، (من صام الأبد فلا صام).
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن يعقوب].
    هو إسماعيل بن يعقوب الصبيحي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد بن موسى].
    هو محمد بن موسى بن أعين، وهو صدوق، أخرج له البخاري والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    هو موسى بن أعين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الأوزاعي عن عطاء حدثني من سمع ابن عمر].
    وقد مر في الإسناد السابق.

    حديث: (من صام الأبد فلا صام) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمد حدثنا ابن عائذ حدثنا يحيى عن الأوزاعي عن عطاء أنه حدثه، قال: حدثني من سمع عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام الأبد فلا صام ولا أفطر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو مثل حديث ابن عمر المتقدم في بعض طرقه (من صام الأبد فلا صام ولا أفطر)، والطرق السابقة عن ابن عمر، وهذه الطريق التي بعدها عن عبد الله بن عمرو.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن محمد].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا ابن عائذ].
    هو محمد بن عائذ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن حمزة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي عن عطاء أنه حدثه، قال: حدثني من سمع عبد الله بن عمرو].
    الأوزاعي عن عطاء عمن سمع عبد الله بن عمرو، الذي سمع هو جاء في الإسناد الذي بعده، يعني: الواسطة بين عطاء وبين عبد الله بن عمرو هو أبو العباس الشاعر في الإسناد الذي بعده، فالرجل المبهم هنا قد سمي في الإسناد الذي بعده، وهو السائب بن فروخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. هذا هو المبهم، وجاء مسمى في الإسناد الذي يليه.
    [عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين.

    حديث: (لا صام من صام الأبد) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج بن محمد قال ابن جريج: سمعت عطاء أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أني أصوم أسرد الصوم)، وساق الحديث، قال: قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد: (لا صام من صام الأبد)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وكان سببه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أنه يسرد الصوم، وأنه قال: (لا صام من صام الأبد)، لا أدري كيف قال في صيام الأبد، (لا صام من صام الأبد)، أي كأن فيه تردد في شيء، وقد مر في الطريق السابقة التصريح بأنه قال: (لا صام من صام الأبد).
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].
    هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثنا حجاج بن محمد].
    هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عطاء أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص].
    وقد مر ذكرهم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #390
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (387)



    - باب النهي عن صيام الدهر - باب ذكر الاختلاف على غيلان بن جرير في خبر النهي عن صيام الدهر

    جاءت أحاديث كثيرة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة توضح لنا حرمة صيام الدهر؛ لمشقته على النفس، وتفويته مصالح كثيرة أوصى الشرع الحنيف بالاهتمام بها.
    النهي عن صيام الدهر، وذكر الاختلاف على مطرف بن عبد الله في الخبر فيه

    شرح حديث: (يا رسول الله! إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر قال: لا صام ولا أفطر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن صيام الدهر، وذكر الاختلاف على مطرف بن عبد الله في الخبر فيه.حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن الجريري عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أخيه مطرف عن عمران رضي الله عنه أنه قال: قيل: (يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر، قال: لا صام ولا أفطر)].
    يقول النسائي رحمه الله: النهي عن صوم الدهر. هذه الترجمة سبق أن هناك ترجمة تشبهها وهي: النهي عن صوم الأبد، والعنوان الذي جاء وهو ذكر الاختلاف على خبر عطاء فيه.
    قلت: العنوان لا علاقة له بالباب الذي قبله، وعلى هذا فالعنوان فيه نقص، وهو النهي عن صوم الأبد، وذكر الاختلاف على عطاء بن أبي رباح فيه، وقلت: إن الترجمة لعلها مثل الترجمة التي تليها، وإنما حصل الفرق بينهما من أجل كلمة الأبد، وكلمة الدهر، وهذا احتمال، وهناك احتمال آخر، وقد رأيته لما اطلعت على السنن الكبرى للنسائي، وإذا فيها أن الباب الذي هو النهي عن صوم الدهر مقدم، ثم الفصل الذي هو ذكر الاختلاف على عطاء فيه مؤخر، وعلى هذا فيكون فيه تقديم وتأخير، وإذا كانت الأحاديث المتعلقة بالأبد متأخرة عن هذا الباب، فما يبقى إشكال، بل يبقى الوضع على ما هو عليه، والضمير يرجع إلى الدهر الذي سبق أن تقدم في الباب، فهما احتمالان: احتمال أن يكون هناك تقديم وتأخير، ويوضح هذا ما جاء في السنن الكبرى للنسائي، فإن باب النهي عن صيام الدهر مقدم على الفصل الذي هو ذكر الاختلاف على عطاء فيه، وذكر الاختلاف على عطاء جاء بعد ذلك، وعلى هذا يكون الترتيب مستقيماً، والاحتمال الثاني: أن يكون فيه النهي عن صوم الأبد، والاحتمال الذي يتفق مع ما جاء في السنن الكبرى هو الأقرب؛ لأن الصغرى التي هي سنن النسائي يقال لها: المجتبى وهي منتقاة أو مختصرة من الكبرى، وإن كانت في الصغرى أشياء ليست في الكبرى ولكنها قليلة، لكن في الغالب أو في كثير من المواضع أن الأبواب تتفق، والترتيب يتفق، ولكنه يحصل اختلاف في الترتيب، ومن ذلك ما جاء فيما يتعلق بالدهر والأبد، فإن الباب الذي نبدأ به الآن مقدم على الباب أو الفصل الذي قرأناه بالأمس، باب النهي عن صيام الدهر، ثم يأتي بعد ذلك ذكر الاختلاف على خبر عطاء فيه، فيكون فيه الضمير يرجع إلى الدهر الذي مر في الباب.
    والمقصود بالنهي عن صيام الدهر كما عرفنا من قبل، أي: ذمه، وأنه مذموم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على ذمه، وعرفنا السبب في ذلك، وهو ما يترتب عليه من إضعاف النفس وإنهاكها، وعدم قيام الإنسان بما هو مطلوب منه، وبما ينبغي له أن يقوم به، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم، في بعض الأحاديث المتعلقة بهذا ستأتي: (إن لعينك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن كذا..)، ومن المعلوم أنه إذا حصل صوم الدهر بصفة دائمة، وقيام الليل بصفة دائمة فإن العين تتأثر، وكذلك الأهل لهم حق، ولا يحصل لهم ذلك مع الصيام، وكذلك الضيوف وما إلى ذلك، فالإنسان لا ينشط لاستقبالهم، ولإكرامهم، وللأكل معهم وما إلى ذلك، فيكون فيه محاذير، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على عدم صيام الدهر، بل جاء عنه ما يدل على أن الإنسان إذا عمل أعمالاً هي قليلة، ولكن الإنسان يداوم عليها، تكون بمثابة صيام الدهر، ومن ذلك الصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن فيها صيام الدهر؛ لأن اليوم بعشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون كصيام الدهر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يدل على ذلك، وأن هذا كصيام الدهر، ثم جاء: (من صام رمضان وأتبعه ستة من شوال، فكأنما صام الدهر)، فيكون الإنسان يصوم الدهر مرتين، إذا صام رمضان وأتبعه ستة من شوال، وصام ثلاثة أيام من كل شهر، يكون حصل منه أمور تؤدي المطلوب من صيام الدهر، وذلك بحصول الأجر؛ لأن الحسنة تكون بعشر أمثالها، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، اليوم عن عشرة أيام، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: (يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر)، أي: دائماً صائم، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا صام ولا أفطر)، وقد عرفنا أن معناه: أنه ما صام الصيام المشروع، ولا أفطر الإفطار الذي يحصل به ترويح للنفس، وتمكينها من أداء الحقوق المترتبة عليها، أو أنه دعاء عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاحتمالان يدلان على ذم صيام الدهر، وقد مر ذكر صيام الأبد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عمن صام الأبد: (لا صام ولا أفطر)، والأبد هو: الدهر، والكلام هنا كالكلام الذي مر، وهذا هو حاصله.


    تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر قال: لا صام ولا أفطر)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن إسماعيل].
    هو ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، إسماعيل مشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الجريري].
    هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن عبد الله بن الشخير].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أخيه مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران].
    هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (ذكر عنده رجل يصوم الدهر، قال: لا صام ولا أفطر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا مخلد عن الأوزاعي عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أخبرني أبي: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر: (عنده رجل يصوم الدهر، قال: لا صام ولا أفطر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه، وهو مثل حديث عمران بن حصين المتقدم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما بلغه عن رجل يصوم الدهر قال: (لا صام ولا أفطر)، والكلام هنا كالكلام الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن هشام].
    هو الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن مخلد].
    هو مخلد بن يزيد الحراني، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن الشخير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (قال في صوم الدهر: لا صام ولا أفطر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (في صوم الدهر: لا صام ولا أفطر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو العنزي الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، مشهور بكنيته ومشهور باسمه ونسبته، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [أبي داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة عن مطرف عن أبيه].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


    ذكر الاختلاف على غيلان بن جرير فيه

    حديث: (يا نبي الله! هذا لا يفطر منذ كذا وكذا، قال: لا صام ولا أفطر) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على غيلان بن جرير فيه.أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا الحسن بن موسى حدثنا أبو هلال حدثنا غيلان وهو: ابن جرير حدثنا عبد الله وهو: ابن معبد الزماني عن أبي قتادة عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمررنا برجل فقالوا: يا نبي الله، هذا لا يفطر منذ كذا، وكذا، قال: لا صام ولا أفطر)].
    أورد النسائي حديث عمر رضي الله عنه من طريق أبي قتادة رضي الله عنه، وهو أنهم مروا برجل فقالوا: إنه ما أفطر منذ كذا وكذا، فقال: (لا صام ولا أفطر)، وهو مثل ما تقدم، يعني يدل على ذم صيام الدهر.
    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
    هو هارون بن عبد الله البغدادي الحمال، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحسن بن موسى].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هلال].
    هو محمد بن سليم الراسبي، وهو صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن غيلان].
    هو ابن جرير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو ابن جرير) الذي أتى بها من دون تلميذه كما عرفنا ذلك.
    [عن عبد الله وهو ابن معبد الزماني].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    وكلمة (ابن معبد)، قالها من دون تلميذه.
    [عن أبي قتادة].
    هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن الخطاب].
    وهو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، ذو المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... وسئل عمن صام الدهر فقال: لا صام ولا أفطر...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن غيلان: أنه سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سئل عن صومه فغضب، فقال عمر رضي الله عنه: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، وسئل عمن صام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، أو ما صام وما أفطر)].أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه، المتعلق بذكر صوم الدهر وذمه، وفي أوله: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن صيامه، أي: صيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فغضب من هذا السؤال، واختلف في السبب في هذا الغضب، فقيل: لعله خشي أن يعرف الإنسان ذلك، فيعجز عن القيام به، أو أنه ما أراد أن يظهر الشيء الذي أخفاه من عمله عليه الصلاة والسلام؛ حتى لا يحصل مشقة على أمته، مثل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، في بعض الأحاديث أنه قال: (لولا أن أشق على المسلمين ما تخلفت عن غزوة)، معناه أنه كان يحب أن يغزو في كل غزوة، وأن يخرج في كل غزوة، ولكن منعه من ذلك خشية أن يشق على المسلمين، كما جاء ذلك في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي منعه من أن يخرج في الجهاد مع كل غزوة؛ حتى لا يشق على المسلمين بأن يقتدوا به، ويكلفوا أنفسهم الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، فلعله غضب من أجل هذا.
    فقال عمر رضي الله عنه، عند ذلك لما رأى غضبه: [(رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً)]، وهذه هي أصول الدين، هي الأصول الثلاثة التي ينبني عليها الدين، وهي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه، وهي الأصول التي ألف فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، الرسالة القيمة المختصرة: الأصول الثلاثة وأدلتها، التي هي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه، وإننا (رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً)، عليه الصلاة والسلام.
    [(وسئل عن صوم الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، أو ما صام وما أفطر)]، أي: أنه قال: لا، أو قال: ما، فيه شك بينها هل قال: لا أو قال: ما، وهو مثل ما تقدم، ذم لصوم الدهر، أو دعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم على من حصل منه ذلك؛ لما يترتب على صومه من الأمور المحظورة التي أرشد إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي سيأتي ذكرها في بعض الأحاديث، كقوله: (إن لعينك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وسئل عمن صام الدهر، فقال: لا صام ولا أفطر...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر، ويأتي غير منسوب، إذا روى عنه محمد بن بشار أو محمد بن المثنى، وهو يروي عن شعبة، فكل ما جاء محمد بن بشار أو محمد بن المثنى يروي عن محمد غير منسوب، أو جاء محمد يروي عن شعبة وهو غير منسوب، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة].
    وقد مر ذكرهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #391
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (388)

    - (باب سرد الصيام) إلى (باب صوم يوم وإفطار يوم)


    يشرع الإكثار من الصيام، ولكن الأفضل صيام داود، وهو صوم يوم وإفطار يوم، وما زاد عليه كان فيه مشقة على النفس، وتفويتاً لمصالح دينية ودنيوية.
    سرد الصيام

    شرح حديث: (يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [سرد الصيام.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت، أو أفطر إن شئت)].
    عقد الترجمة لقوله: سرد الصيام، وكان مقصوده منها؛ لأنه جاء في نفس الحديث: (إنني أسرد الصيام)، والمقصود: أنه يكثر منه، ويوالي صيامه، لكنه لا يدل على أنه يصوم الدهر، لكنه يدل على أنه يكثر من الصيام وأنه يواليه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الصيام في السفر؟ فقال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر).
    فقد مر حديث حمزة بن عمرو الأسلمي من طرق عديدة فيما يتعلق بالصيام في السفر، وهنا أورده من أجل السرد؛ لأن له علاقة بصوم الدهر من جهة أن فيه ذكر السرد، لكنه ليس كصيام الدهر، ولا يدل على صيام الدهر، وإنما يدل على الإكثار من الصيام، وليس فيه صيام الدهر.
    فالرسول قال: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)، أي: الإنسان في السفر له أن يصوم، وله أن يفطر، وقد عرفنا فيما مضى أن الصيام في السفر وعدم الصيام، يكون هذا أولى في بعض الأحوال، وهذا أولى في بعض الأحوال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم...)

    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء يحيى يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد كما عرفنا ذلك من قبل.
    [عن هشام].
    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها.
    [أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    إذاً هو من مسند عائشة، لكنه سبق أن جاء أنه من مسند حمزة بن عمرو الأسلمي، وأن حمزة هو الذي يخبر عن نفسه، وهنا عائشة تخبر أنه حصل من حمزة كذا وكذا، وهنا ليس من رجال الإسناد، لكن فيما تقدم هو من رجال الإسناد، وهو الذي ينتهي الحديث إليه، ويخبر عن سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إياه، وقد جاء ذلك من طرق عديدة، وحمزة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.


    صوم ثلثي الدهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك


    شرح حديث: (قيل للنبي: رجل يصوم الدهر... قالوا: فثلثيه؟ قال: أكثر...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم ثلثي الدهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: رجل يصوم الدهر، قال: وددت أنه لم يطعم الدهر، قالوا: فثلثيه، قال: أكثر، قالوا: فنصفه، قال: أكثر، ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر: صوم ثلاثة أيام من كل شهر)].
    أورد النسائي صوم ثلثي الدهر، لما ذكر ترجمة الدهر ذكر ترجمة ثلثي الدهر، والمقصود من ذلك: عدم الإقرار على ذلك، وعدم شرع ذلك، وأن الذي ينبغي للإنسان أن يصوم ما هو أقل من ذلك بكثير، فهو ليس المقصود ما ورد في صوم ثلثي الدهر، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو أقل من ذلك بكثير، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، لكنه عقد الترجمة؛ لأنه جاء في الحديث ذكر ثلثي الدهر، فأتى بالترجمة بثلثي الدهر، وأن الإنسان لا يصومه، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أرشد إلى صيام ما هو أقل من ذلك بكثير، ثم أورد النسائي حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: رجلٌ يصوم الدهر؟ قال: وددت أنه لم يطعم الدهر)].
    أي: ما أكل ليلاً، ولا نهاراً، حتى يموت جوعاً، وأن هذا عمل مذموم، وأن الإنسان يفوت على نفسه مصالح كثيرة، يعني فهذا دليل على ذم صيام الدهر، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقدم عليه، لما يترتب عليه من المفاسد، وهذا من ذم الرسول صلى الله عليه وسلم لصيام الدهر، (وددت أنه لم يطعم الدهر).
    قوله: [(قالوا: فثلثيه)]، أي: إذا ما كان كذلك، من أن يصوم الدهر، إذاً ثلثيه قال: (أكثر)، أي هذا أكثر من الحد الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وهو ليس المقصود من ذلك أنه أكثر وراء ذلك؛ لأن فيه تنزل الدهر، ثم الثلثين، ثم النصف، وهكذا نزول، وليس المقصود الأكثرية الذي وراء يكون أكثر، وإنما المقصود أن هذا أكثر من الذي ينبغي، أي: هذا المقدار أكثر من المقدار الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، هذا المقصود بأكثر هنا، وليس المقصود أنه ينتقل إلى ما وراءه، وأنه ينتقل إلى ما هو أكثر، بل كل ما وراء أقل، لكن كل واحد يقال: أكثر فيه، يعني أكثر من المقدار أو الحد الذي ينبغي أن يصومه الإنسان، والذي يستحب للإنسان أن يصومه، هذا أكثر من الحد، والنسائي أورد الترجمة هنا من أجل ذكر ثلثي الدهر.
    قوله: [(قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر)]، أي: هذا أكثر من الحد الذي ينبغي للإنسان.
    قوله: [(ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ قالوا: بلى، قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر)]، فوحر الصدر فسر بأنه: غشه ووساوسه، وفسر بأنه الغيظ، والحقد، وفسر بغير ذلك، والمقصود أن الإنسان إذا صام من الشهر ثلاثة أيام، معناه: أنه صام الصيام الذي ينفعه، ولا يضره، بحيث يكون الإنسان على صلة بالعبادة، لا يغفل عنها، فيصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر حصل أجر الدهر، وفي نفس الوقت ما غفل عن العبادة، بل كان على صلة بالعبادة، إذ يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فهذا فيه بيان الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان في الصيام، وهو أن يحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام، وركعتي الضحى)، وحديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم، وكلها تدل على صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قيل للنبي: رجل يصوم الدهر... قالوا: فثلثيه؟ قال: أكثر...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].مر ذكره.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به.
    [عن أبي عمار].
    هو عريب بن حميد أبو عمار الدهني، وهو ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [عن عمرو بن شرحبيل].
    هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وهو مثل أبي عمار همداني.
    [عن رجل].
    عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا أن المجهول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين، بل يكفي الواحد منهم أن يقال عنه: إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى خصهم، وأثنى عليهم في كتابه العظيم بخصائص، ووعدهم الحسنى بقوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )[الحديد:10]، فمناقبهم عظيمة، والمجهول منهم في حكم المعلوم، وأما غير أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا بد من معرفة الشخص، ومعرفة حاله، حتى يعول على روايته أو لا يعول، أما الصحابة فيكفي أن يكون الشخص منسوباً إلى صحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    صوم ثلاثة أيام من كل شهر وعلاقتها بالتوالي أو التقوى

    مداخلة: أحسن الله إليك، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر)، هل هي متتالية أو مفرقة؟الشيخ: لا، ليست متتالية، يمكن أن تكون مفرقة، ويمكن أن تكون متتالية، يمكن أن تكون البيض الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، ويمكن أن تكون متفرقة، مثل ما جاء في الحديث: (صوم الإثنين والخميس من جمعة، والإثنين من جمعة أخرى)، أو إثنين وخميسين، وهذا سبق أن مر في بعض الأحاديث ذكر أن الصيام يكون هكذا ويكون هكذا، فلا يشترط التوالي، بل يمكن أن تتوالى، ويمكن أن تتفرق، يمكن أن تتوالى إذا صام الإنسان أيام البيض ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر كما سيأتي في بعض الأحاديث، وكما سبق أن مر، وكذلك يمكن أن تتفرق بأن يصوم الإنسان الإثنين والخميس، الإثنين من أسبوعين وخميس، أو الإثنين من أسبوع وخميسين من أسبوع.
    ويمكن أن يصوم الثلاثاء والأربعاء، وكونه يصوم أيام البيض أو يصوم إثنين وخميس أولى، وإن صام ثلاثة متوالية من أي مكان من الشهر تدخل تحت قوله: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر).

    شرح حديث: (قيل للنبي: رجل يصوم الدهر... قالوا: فثلثيه؟ قال: أكثر...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل أنه قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل صام الدهر كله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وددت أنه لم يطعم الدهر شيئاً، قال: فثلثيه؟ قال: أكثر، قال: فنصفه؟ قال: أكثر، قال: أفلا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ قالوا: بلى، قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر)].ثم أورد النسائي حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مثل ما تقدم، في سياقه وفقراته.
    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].
    هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي معاوية].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل].
    وقد مر ذكرهم.
    الحديث في صورته مرسل؛ لأن عمرو بن شرحبيل هو من التابعين مخضرم، فإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو مرسل، لكنه كما عرفنا جاء في الحديث السابق، كونه أسنده إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا المرسل في حكم المعلوم أنه هناك صحابي، أن الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه صحابي، والمرسل إذا عرف الواسطة فيه، وأنه صحابي، ليس فيه إشكال؛ لأن المحظور في المرسل احتمال أن يكون الساقط تابعي، وأما إذا كان الساقط الصحابي فلا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول.

    شرح حديث: (قال: يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: أو يطيق ذلك أحد؟ ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم، ولم يفطر، قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: أو يطيق ذلك أحد؟ قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذلك صوم داود عليه السلام، قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني أطيق ذلك، قال: ثم قال: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، هذا صيام الدهر كله)].ثم أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه، قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    قوله: [(قال: كيف من يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر)]، فهنا دعاء عليه، وأنه ما حصل منه الصيام الذي يحصل من ورائه الأجر الكامل، بل فيه خلل وفيه نقص، وما أفطر الإفطار الذي يجعله يتمكن من القيام بالأمور المترتبة عليه، والتي يتطلبها إفطاره، وتأدية الحقوق إلى أهله من الزوجة، والأهل، والضيوف، وغير ذلك كما جاء مبيناً في بعض الروايات التي ستأتي.
    ثم قال: (يصوم يومين ويفطر يوماً)، أي: ثلثي الدهر؛ لأنه إذا صام يومين، وأفطر يوماً، معناه صام الثلثين، فقال: (أو يطيق ذلك أحد؟)، أي: هذا بالنسبة لغالب الناس، وإلا فإنه قد يطيقه بعض الناس، لكن يترتب عليه مضرة، لكن في الغالب أنه لا يطاق، ومن أطاقه فإنه أيضاً يحصل به شيء من المشقة، أو شيء من الأضرار التي تترتب على ذلك، وفي ذلك إشارة إلى عدم صيامه، أي: صيام يومين، وإفطار يوم الذي هو ثلثي الدهر، ثم (قال: من يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذلك صيام داود عليه الصلاة والسلام)، وهو سائغ لمن يفعل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد عبد الله بن عمرو بن العاص إلى صوم يوم، وإفطار يوم، وقال: (إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال: لا أفضل من ذلك)، وقال: (إن هذا صيام داود)، وجاء في بعض الروايات كما تقدم: (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً).
    وقوله: [(فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال عليه الصلاة والسلام: وددت أني أطيق ذلك)].
    من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يطيق ذلك، وأنه كان يصوم وكان يواصل، وقد قال له أصحابه: (إنك تواصل) قال: (إنني لست كهيئتكم، إنني أطعم، وأسقى)، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى حقوق الأهل، وحقوق من له علاقة به، معناه: أن عنده زوجات ولهن حقوق، والصيام لا يحصل به تأدية الحقوق كما ينبغي، ثم أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم يريد ألا يشق على أمته في تكلف الصيام الذي يلحقهم به ضرر ومشقة، وهو عليه الصلاة والسلام كان يصوم، ويفطر، كما عرفنا في صومه صلى الله عليه وسلم (كان يصوم من الدهر حتى يقولوا: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [(ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، هذا صوم الدهر كله)]؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، فإذا صام الإنسان من كل شهر ثلاثة أيام، ورمضان يصومه فرضاً، فذلك صيام الدهر، بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).

    تراجم رجال إسناد حديث: (قال: يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: أو يطيق ذلك أحد؟ ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة].
    وقد مر ذكرهم.


    صوم يوم وإفطار يوم، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيه

    شرح حديث: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم يوم وإفطار يوم، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيه.قال وفيما قرأ علينا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا حصين ومغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)].
    ثم أورد النسائي صيام يوم وإفطار يوم، وأورد فيه: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً)، يعني فهذا يدل على أن صيام يوم، وإفطار يوم جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه (أحب الصيام إلى الله صيام داود)، وكما أرشد إلى ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)

    قوله: [وفيما قرأ علينا أحمد بن منيع].أي أنهم أخذوا منه وهو يقرأ من كتاب، أي: يحدثهم من كتابه، ولهذا قال: فيما قرأ علينا أحمد بن منيع، وأحمد بن منيع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشيم].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حصين].
    هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ومغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وذكروا عنه أنه احتلم، وبلغ وعمره اثنا عشر سنة، وكذلك عمرو بن العاص احتلم وهو صغير، وتزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله فقالوا: إن بينه وبينه اثنا عشر أو ثلاث عشرة سنة، ومغيرة بن مقسم حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجاهد].
    هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصحابة الذين يكتبون لأنفسهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... صم أفضل الصيام صيام داود عليه السلام صوم يوم وفطر يوم) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن معمر حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن مجاهد أنه قال: قال لي عبد الله بن عمرو: (أنكحني أبي امرأةً ذات حسب، فكان يأتيها فيسألها عن بعلها، فقالت: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشاً، ولم يفتش لنا كنفاً منذ أتيناه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ائتني به، فأتيته معه، فقال: كيف تصوم؟ قلت: كل يوم، قال: صم من كل جمعة ثلاثة أيام، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يومين وأفطر يوماً، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، صوم يوم وفطر يوم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأنه زوجه امرأة ذات حسب، فكان عمرو رضي الله عنه يأتي إليها ويسألها عن بعلها، يعني: يسألها عن عبد الله بن عمرو، فكانت تقول: (نعم الرجل منذ أتيناه ما..).

    شرح حديث: (... صم يوماً وأفطر يوماً...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا عبثر حدثنا حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه قال: (زوجني أبي امرأة، فجاء يزورها فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجل، لا ينام الليل، ولا يفطر النهار، فوقع بي، وقال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، قال: فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أرى عندي من القوة، والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لكني أنا أقوم، وأنام، وأصوم، وأفطر، فقم، ونم، وصم، وأفطر، قال: صم من كل شهر ثلاثة أيام، فقلت: أنا أقوى من ذلك، قال: صم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً، قلت: أنا أقوى من ذلك، قال: اقرأ القرآن في كل شهر، ثم انتهى إلى خمس عشرة، وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك)].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بقصة تزويج والده له من امرأة، وأنه كان مشغول بالصيام، والقيام، فجاء عمرو يسأل زوجته عنه، فقالت: نعم الرجل يصوم النهار، ويقوم الليل، معناه: أنه ما يؤديها حقها الذي تريده المرأة من الرجل، فوقع به، يعني: لامه، وشدد عليه، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأرشده إلى أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال له: (صم يوماً، وأفطر يوماً)، الذي هو صيام داود، ولم يزده على ذلك، ولم يوافقه على أن يصوم أكثر من ذلك.
    (اقرأ القرآن في كل شهر)، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فكان يزيده أو ينقص من الأيام حتى وصل إلى خمسة عشر، يعني: في نصف الشهر، يقرأ القرآن، فبدل ما يقرأ في كل شهر، يقرأه في نصف شهر، ومعنى أنه يقرأ وهو يصلي في الليل، فأرشده إلى أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وأن يقرأ القرآن في خمسة عشر يوما لقوله: [(ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك)].

    تراجم رجال إسناد حديث: (... صم يوماً وأفطر يوماً...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبثر].
    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكرهم.


    شرح حديث: (... قلت: وما كان صوم داود؟ قال: نصف الدهر) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي كثير: أن أبا سلمة حدثه: أن عبد الله رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجرتي فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قال: بلى، قال: فلا تفعلن، نم، وقم، وصم، وأفطر، فإن لعينك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك، حقاً، وإن لزوجتك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لصديقك عليك حقاً، وإنه عسى أن يطول بك عمر، وإنه حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثاً، فذلك صيام الدهر كله، والحسنة بعشر أمثالها. قلت: إني أجد قوة، فشددت فشدد علي، قال: صم من كل جمعة ثلاثة أيام. قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فشددت فشدد علي، قال: صم صوم نبي الله داود عليه السلام. قلت: وما كان صوم داود؟ قال: نصف الدهر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، في صيامه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه إلى داره، وقال: (ألم أخبر أنك تصوم، وتقوم الليل)، فقلت: بلى يا رسول الله، فقال: (قم، ونم، وصم وأفطر فإن لعينك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لصديقك عليك حقاً)، ومن المعلوم أن هذه الحقوق لا تتأتى مع صيام الدهر، ومع مواصلة الصيام، فإنه يحصل الإخلال بها، وعدم القيام بها كما ينبغي، لا من حيث إجهاد العين بالسهر، وعدم النوم، ولا من حيث الجوع الذي يحصل للإنسان بصفة دائمة، ولا يعني من حيث الجسد، يعني: كونه يصيبه النحول، والتأثر بسبب كثرة الصيام، وكذلك بالنسبة للزوجة وما تتطلب من الحقوق، وكذلك الضيف، وكذلك الصديق، وغير هؤلاء ممن للإنسان بهم علاقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى بيان الأمور التي تترتب على مواصلة صيام الدهر، وأن تحصل هذه المحاذير التي يخشى منها، والتي تترتب على صيام الدهر، فقال: (صم ثلاثة أيام من كل شهر، فذلك صيام الدهر، والحسنة بعشر أمثالها، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم صيام داود، قال: وما صيام داود؟ قال: يصوم يوماً ويفطر يوماً).
    قوله: [(وإنه عسى أن يطول بك عمر)]، يعني: فتعجز عن الشيء الذي التزمته، والشيء الذي اجتهدت فيه، فتعجز عن ذلك؛ لأن الإنسان إذا عمل عملاً يواصله، ويستمر عليه، وينبغي للإنسان أن يدوم على العمل الصالح، ولا ينقطع عنه، والإنسان إذا التزم شيئاً فقد يعجز عنه في المستقبل، لكن صيام ثلاثة أيام من كل شهر هي سهلة على الإنسان إذا التزمها يداوم عليها كبيراً، وصغيراً.
    ثم قال: (وإنه حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة، فذلك صيام الدهر كله، والحسنة بعشر أمثالها، قلت: إني أجد قوة، فشددت فشدد علي).
    (أنك تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والحسنة بعشر أمثالها، وذلك كصيام الدهر)، الإنسان يصوم الدهر بصيام ثلاثة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، واليوم بعشرة أيام، قال: (فشددت فشدد علي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال صم من كل جمعة ثلاثة أيام. قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فشددت فشدد علي. قال: صم صوم نبي الله داود عليه السلام. قلت: وما كان صوم داود؟ قال: نصف الدهر).
    انتهى إلى صيام يوم، وإفطار يوم، وأنه يعادل نصف الدهر، وقوله: [(شددت فشدد علي)]، يحكي ما حصل له في آخر الأمر من كونه كبر، وصار لا يقدر على أن يحقق هذا الشيء الذي كان عزم عليه وأراده.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... قلت: وما كان صوم داود؟ قال: نصف الدهر) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا يحيى بن درست].هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا أبي إسماعيل].
    هو أبو إسماعيل القناد، وهو إبراهيم بن عبد الملك، وهو صدوق في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن أبا سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، هو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثه: أن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكره.


    صوم يوم وإفطار يوم

    شرح حديث: (فصم يوماً وأفطر يوماً وذلك صيام داود...) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم يوم وإفطار يوم. أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول: (لأقومن الليل، ولأصومن النهار ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت الذي تقول ذلك؟ فقلت له: قد قلته يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم، وأفطر، ونم، وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر. قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يوماً، وأفطر يومين، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: فصم يوماً، وأفطر يوماً وذلك صيام داود، وهو أعدل الصيام، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أفضل من ذلك. قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحب إلى من أهلي ومالي)].
    يقول النسائي رحمه الله تحت ترجمة: صوم يوم وإفطار يوم، أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق، وقد مر بعض الطرق التي جاء منها الحديث، أي: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أورده من طريق أخرى بعد الطرق المتقدمة، والمتعلقة بصيامه، واستمراره في الصيام، وقد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول ذلك: قال: نعم. قال: فإنك لا تستطيع، صم، وأفطر، وقم، ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، وذلك كصيام الدهر)؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر، فقال: (إنه يستطيع أفضل من ذلك، قال: صم يوماً وأفطر يومين)، يعني معناه: أنه يصوم عشرة أيام، ويفطر عشرين يوماً، يعني: يصوم ثلث الشهر، ويفطر ثلثيه، يعني: فيصوم يوماً ويفطر يومين، عشرة أيام من ثلاثين يوماً، فيكون عشرة صائم، وعشرين مفطراً، فقال: (إنه يستطيع أفضل من ذلك، قال له: صم يوماً وأفطر يوماً)، يعني: يكون نصف الشهر خمسة عشر يوماً من ثلاث إلى عشر إلى خمسة عشر التي هي نصف الشهر، قال: (وذلك أعدل الصيام)، صيام داود كان أعدل الصيام، (قال: إني أستطيع أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك). ثم إن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، لما كبر، وشق عليه الصيام، وكان قد ألزم نفسه أو التزم الشيء الذي راجعه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى هذا المقدار، ندم على ذلك وقال: (لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام أحب إلي من أهلي ومالي)، إشارة إلى ما حصل له بعد تقدم سنه من الضعف وعدم القدرة، وتمنى أن يكون قبل ما أرشده إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    الحاصل أن الحديث يدل على صيام يوم وإفطار يوم، وهو ما ترجم له المصنف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فصم يوماً وأفطر يوماً وذلك صيام داود...) من طريق خامسة


    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان يحتمل أنه المرادي، ويحتمل أنه الجيزي، وكل منهما ثقة، وكل منهما روى عنه النسائي، وهما يرويان جميعاً عن عبد الله بن وهب.
    [حدثناعبد الله بن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني يونس]
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سعيد بن المسيب].
    أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وأبو سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، هو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن سعيد بن المسيب لا خلاف في عده في الفقهاء السبعة، وأما أبو سلمة فالسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديث أبي سلمة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (... فصم صيام داود عليه السلام فإنه أعدل الصيام عند الله يوماً صائماً ويوماً مفطراً...) من طريق سادسة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن بكار حدثنا محمد وهو ابن سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: (دخلت على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قلت: أي عم! حدثني عما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: يا بن أخي! إني قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهاداً شديداً حتى قلت: لأصومن الدهر، ولأقرأن القرآن في كل يوم وليلة، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاني حتى دخل عليّ في داري، فقال: بلغني أنك قلت: لأصومن الدهر، ولأقرأن القرآن، فقلت: قد قلت ذلك يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم من كل شهر ثلاثة أيام، قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: فصم من الجمعة يومين: الاثنين والخميس، قلت: فإني أقوى على أكثر من ذلك، قال: فصم صيام داود عليه السلام، فإنه أعدل الصيام عند الله: يوماً صائماً، ويوماً مفطراً، وإنه كان إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه أنه يصوم من الجمعة يومين: الاثنين، والخميس، يعني يصوم من السبعة الأيام يومين، ثم إنه قال: يقوى على أكثر من ذلك، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم، إلى صيام داود، كان يوماً صائماً، ويوماً مفطراً.
    و(كان إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر)، قوله: (إذا لاقى لم يفر)، إشارة إلى أن ذلك الصيام الذي هو صيام يوم، وإفطار يوم لا يضعفه، وهذا بالنسبة لبعض الناس، وإلا فإنه قد يحصل الضعف في صيام يوم، وإفطار يوم، لكن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام، كان لا يفر إذا لاقى، أي: ولم يؤثر الصيام عليه وعلى جسده، فكان لم يؤثر ذلك فكان لا يفر إذا لاقى، مع أنه يصوم يوماً، ويفطر يوماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فصم صيام داود عليه السلام فإنه أعدل الصيام عند الله يوماً صائماً ويوماً مفطراً...) من طريق سادسة


    قوله: [أخبرني أحمد بن بكار].هو الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا محمد].
    هو ابن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وكلمة هو الحراني، هذه قالها من دون أحمد بن بكار، إما النسائي أو من دون النسائي.
    [عن ابن إسحاق].
    هو ابن إسحاق محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقا، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكرهما.
    وفي أول الحديث يقول أبو سلمة بن عبد الرحمن لـعبد الله بن عمرو: أي عم! حدثني عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشأن صيامه، فقوله: يا عم، هذه يقولها الصغير للكبير من باب الأدب، وإن لم يكن عماً من النسب أو من جهة القرابة، وإنما هذا من الأدب الذي يخاطب به الصغير الكبير، ولو كان ليس قريباً له، وهذا شيء معروف في كلام الصحابة، وكلام التابعين؛ لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن من التابعين، وأما الصحابة فقد جاء في الحديث في معركة بدر، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيها، شابان من الأنصار أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، فكان أن غمزه من كان على يمينه وقال: أي عم، أتعرف أبا جهل ؟ قال: نعم وماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا موتاً، أي: حتى يموت من أجله قريب، إما أنا، وإما هو، ثم غمزه الآخر، وقال مثلما قال.
    فالحاصل أن هذين الصحابيين الشابين، وكانا قد شهدا بدراً، قال كل واحد منهما لـعبد الرحمن بن عوف: أي عم، وعبد الرحمن من المهاجرين، وهؤلاء من الأنصار، ما في قرابة بينهم، وإنما هذا من باب الأدب؛ لأن الصغير يتأدب مع الكبير فيقول له: يا عم، عندما يخاطبه، وإن لم يكن من قرابته.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #392
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (389)

    - باب ذكر الزيادة في الصيام والنقصان - باب صوم عشرة أيام من كل شهر

    ورد في الأحاديث بيان فضل صيام داود عليه الصلاة والسلام، وفضل صوم عشرة أيام، أو خمسة، أو أربعة، أو ثلاثة من كل شهر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الدهر.

    ذكر الزيادة في الصيام، والنقصان، وذكر اختلاف الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فيه


    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (صم يوماً ولك أجر ما بقي...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الزيادة في الصيام والنقصان، وذكر اختلاف الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فيه. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن زياد بن فياض سمعت أبا عياض يحدث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (صم يوما ولك أجر ما بقى. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم يومين، ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام: كان يصوم يوما، ويفطر يوما)].
    أورد النسائي الزيادة، والنقصان في الصيام، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: [ (صم يوما، ولك أجر ما بقي، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال له: صم يومين ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال له: صم ثلاثا ولك أجر ما بقي، ثم قال له: صم أربعا ولك أجر ما بقي، ثم قال: صم صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) ]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (صم ولك أجر ما بقي) ]، أي: أنه يؤجر ويثاب، فإما أنه يؤجر الشهر، كما جاء في بعض الروايات إذا صام يوما منه، أو إنه إذا صام يوما فيؤجر أجر عشرة أيام؛ لأنه جاء أنه يصوم يوما، وله أجر التسعة الباقية، وجاء في بعض الروايات: أنه يصوم يوما، وله أجر الشهر، يعني صم من الشهر يوما، ولك أجر ما بقي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه مقدارا، وهو يطلب المزيد، حتى جاء عند الأربعة فطلب الزيادة، فأرشده إلى صيام داود الذي هو صيام يوم وإفطار يوم.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (صم يوماً ولك أجر ما بقي...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو الملقب بـالزمن البصري العنزي، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زياد بن فياض].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي عياض]
    هو عمرو بن الأسود العنسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكره.


    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (... صم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تلك التسعة ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه حدثنا أبو العلاء عن مطرف عن ابن أبي ربيعة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (ذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الصوم، فقال: صم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تلك التسعة. فقلت: إني أقوى من ذلك. قال: صم من كل تسعة أيام يوماً، ولك أجر تلك الثمانية. قلت: إني أقوى من ذلك. قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً، ولك أجر تلك السبعة. قلت: إني أقوى من ذلك. قال: فلم يزل حتى قال: صم يوما وأفطر يوما)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وفيه أنه قال: (صم يوما، ولك أجر التسعة، ثم قال: من كل تسعة يوما، ولك أجر الثمانية، ثم قال: صم من كل ثمانية أيام يوما ولك أجر السبعة)، ثم بعد ذلك انتهى إلى أن أرشده إلى صيام داود، وهو صيام يوم وإفطار يوم، وفيما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يصوم يوماً وله أجر التسعة، يعني: فيه زيادة الأجر بهذا المقدار الذي هو يوم، والحسنة بعشرة أمثالها، ولهذا قال: (صم من كل تسعة يوما ولك أجر الثمانية)، يعني: ذاك الذي قبلها أفضل؛ لأن هناك واحد عن عشرة، وهنا واحد عن تسعة، يعني: هذا واحد وله أجر التسعة الباقية، وهذا له واحد من التسعة وله أجر الثمانية، فمعناه: أن ما أرشده إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يوم واحد من عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، وذلك أهون عليه، وأخف عليه، وأرفق به، وهو الذي تمناه، وهو الذي جاء إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إليه كثيراً وهو صيام ثلاثة أيام، وأنها كصيام الدهر، وكون الإنسان يمكن أن يداوم عليها، ولا يناله بذلك مشقة، ويذهب وحر الصدر، ويهذب النفس، ويكون الإنسان على صلة بالصيام باستمرار، لا يغفل عنه، ولا ينساه، ولكن مع ذلك لا يضره؛ لأنها ثلاثة أيام، تنفع ولا تضر، ثم كأنه صام الدهر.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (... صم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تلك التسعة...) من طريق ثانية


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ولم يكن من التيميين ولكنه نزل فيهم فنسب إليهم، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن.
    [عن أبي العلاء].
    هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ربيعة].
    لم ينسبه، ولم يذكره الحافظ ابن حجر في التقريب، بل قال: (إنه هو الذي يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وإلا فهو مجهول)، وفي تهذيب التهذيب قال: (يحتمل أن يكون الذي يروي عن حفصة)، وهو الذي تقدم ذكره قبل ذلك، أي في تهذيب التهذيب.
    [الحارث بن عبد الله المخزومي].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي. قال في التقريب: إذا لم يكن هذا فهو مجهول، لكن من المعلوم إنه جاءت الروايات الكثيرة في حديث عبد الله بن عمرو وثبوتها في إرشاده إلى الصيام.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (صم يوماً ولك أجر عشرة...) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد حدثنا حماد (ح) وأخبرني زكريا بن يحيى حدثنا عبد الأعلى حدثنا حماد عن ثابت عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صم يوماً ولك أجر عشرة، فقلت: زدني. قال: صم يومين ولك أجر تسعة، قلت: زدني قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ثمانية). قال ثابت: فذكرت ذلك لـمطرف فقال: ما أراه إلا يزداد في العمل وينقص من الأجر، واللفظ لـمحمد].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يصوم يوماً وله أجر عشرة.
    ثم قال: (صم يومين ولك أجر تسعة).
    ثم قال: (صم ثلاثة أيام ولك أجر ثمانية).
    قال ثابت: فذكرت ذلك لـمطرف فقال: ما أراه إلا يزيد في العمل، وينقص في الأجر؛ لأنه قبل يوم واحد له أجر عشرة أيام، ومع ذلك يصوم يومين وله أجر تسعة، يعني فما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه مما هو أرفق أولى من أن يزيد على ذلك زيادة تشق عليه، وقد يتمنى أنه لم يفعل، بل قد تمنى بالفعل حيث مر قوله رضي الله عنه: (لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام أحب إلي من أهلي ومالي).

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (صم يوماً ولك أجر عشرة...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يزيد].
    هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حماد].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ح].
    ثم أتى بـ (ح) التحويل الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد، فروى عن شيخه أو شيخ آخر له وهو [زكريا بن يحيى السجزي]، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن حماد، وهو لا بأس به، وهي تعادل صدوق، وقد أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. فالمشهور أن (لا بأس به) تعادل (صدوق)، لكن عند يحيى بن معين لا بأس به تعادل ثقة، ولهذا يقولون: لا بأس به عند يحيى بن معين توثيق، فإذا قال عن شخص: أنه لا بأس به، فهو يعني بذلك أنه ثقة، ولهذا ينقل عنه في بعض الأشخاص الكبار أن يقول: لا بأس به، فمن لا يعرف اصطلاحه يظن أن هذا فيه تقليل من شأن من هو في القمة، ومن هو معروف، لكن إذا عرف أنه يريد بقوله: لا بأس به ثقة، وأن لا بأس به عند يحيى بن معين توثيق، فإنه يزول منه ذلك الذي بدا له، وظهر، ولهذا يقولون: إذا ظهر السبب بطل العجب؛ لأن الإنسان يعجب من كون شخص في القمة، ويقال: لا بأس به، لكن إذا عرف أن لا بأس به تعادل ثقة، وأن السبب في ذلك أنه يطلق هذا اللفظ على ثقة، ولا يقصد ما يقصد غيره من أنه أقل من ثقة، فإنه يزول الإشكال والظن الذي يظن أن فيه تقصير في حق الشخص.
    [عن حماد].
    حماد بن سلمة، وقد مر.
    [عن ثابت].
    هو ابن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعيب بن عبد الله بن عمرو].
    منسوب إلى جده هنا؛ لأنه ينسب إلى أبيه فيقال: شعيب بن محمد بن عبد الله، ويقال: شعيب بن عبد الله كما هنا منسوباً إلى جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الذي يأتي كثيراً في الصحيفة المعروفة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، هذا هو والد عمرو صاحب الصحيفة المشهورة التي هي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والتي فيها خلاف بين أهل العلم في قبولها، أو الكلام فيها، أو عدم قبولها، وعمرو يرويها عن أبيه شعيب، وشعيب يرويها عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى هذا يكون متصلاً، أما إذا فهم بأنه يرويها عن شعيب عن جده محمد يكون منقطعاً؛ لأن محمداً لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يصير من قبيل المرسل، لكن على أن شعيباً سمع جده عبد الله يكون متصلاً؛ لأنه رواية ابن عن أب، والأب يروي عن الجد، وهنا معنا في الإسناد ليس في عمرو ولكن في شعيب الذي هو والد عمرو، وهو منسوب إلى جده، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فعلى هذا يكون متصلاً، فهو يروي عن عبد الله ؛ لأنه ثبت سماعه منه، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله].
    هنا أبوه عن جده لأنه أبوه، ولهذا الحديث يقول: قال لي، ولا يمكن أن أباه يقول: قال لي؛ لأنه ما أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو محمد، فقوله: قال لي، هذا كلام عبد الله، وأبوه الذي هو جده، والجد أب، ويطلق عليه أب، وهو أبو الأب وإن على، كما أن أبا الأم أيضا أب وهو جد ويقال له: أب، ولهذا يطلق على الأولاد من جهة الأب والأم كلهم أولاد، وكلهم أبناء، كما جاء في حق عيسى، وأنه من أبناء إبراهيم؛ لأنه من جهة أمه يعني: الأبوة، فسواء كان من جهة أبيه أو أمه، يقال له: أب، كما أن ابن الابن أو بنت البنت يقال له أو لها: ابن.
    قال: [واللفظ لـمحمد].
    أي: شيخه الأول؛ لأن له شيخين في الإسناد: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وزكريا بن يحيى، يعني هذا اللفظ للشيخ الأول ليس للشيخ الثاني الذي هو: زكريا، فسياق لفظ الشيخ الأول محمد، أي: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وليس لفظ الشيخ الثاني الذي هو زكريا بن يحيى السجزي.


    صوم عشرة أيام من الشهر، واختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو فيه


    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (... قال: فصم عشراً. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك ...) من طريق رابعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم عشرة أيام من الشهر، واختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو فيه. أخبرنا محمد بن عبيد عن أسباط عن مطرف عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه بلغني أنك تقوم الليل، وتصوم النهار، قلت: يا رسول الله، ما أردت بذلك إلا الخير. قال: لا صام من صام الأبد، ولكن أدلك على صوم الدهر: ثلاثة أيام من الشهر. قلت: يا رسول الله، إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم خمسة أيام. قلت: إني أطيق أكثر من ذلك, قال: فصم عشرا. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم صوم داود عليه السلام: كان يصوم يوما، ويفطر يوما)].
    ثم ذكر صوم عشرة أيام، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو؛ لأنه جاء فيه ذكر العشرة الأيام، فالترجمة يعني أنه ورد ذكرها، هذا هو المقصود من الترجمة في العشرة الأيام؛ لأن صيامها هو المستحب أو أنه هو الأولى؛ لأنه جاء فيه ذكر العشرة، كما سيأتي أنه يترجم عدة تراجم فيها ذكر غير هذا الرقم، لكن لكونه ورد ذكر العشرة أورده. فلما بلغه أنه يقوم الليل، ويصوم الدهر، قال: (لا صام من صام الدهر، لكن أدلك على ما هو أفضل من ذلك؟).
    وقوله: (على صوم الدهر)، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، صم ثلاثة أيام، أدلك على صوم الدهر تحصل أجر صيام الدهر، ولا تحصل مضرة، بخلاف كونه يصوم الدهر فيناله مضرة، ومشقة، وإذا صام ثلاثة أيام حصل ما يريد؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، (أدلك على صوم الدهر: صم ثلاثا)، يعني: وذلك صيام الدهر؛ لأن اليوم عن عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، فقال: (إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم خمسة)، زاده يومين من الشهر، يعني خمس أيام من الشهر، (قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم عشرة)، وهذا هو الذي أورده من أجله، (قال: أطيق أكثر من ذلك، قال: صم يوما، وأفطر يوما)، وانتهى عند هذا الحد، كل الروايات تنتهي إلى أنه ما يزيد عن صيام يوم وإفطار يوم الذي هو نصف الدهر.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (... قال: فصم عشراً. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك...) من طريق رابعة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].هو محمد بن عبيد المحاربي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [أسباط].
    هو أسباط بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن طريف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب بن أبي ثابت].
    ثقة، كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي العباس].
    هو السائب بن فروخ الشاعر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    وقد مر ذكره.


    طريق خامسة لحديث عبد الله بن عمرو: (... قال: فصم عشراً. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك...) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسين حدثنا أمية عن شعبة عن حبيب حدثني أبو العباس وكان رجلا من أهل الشام، وكان شاعراً، وكان صدوقا، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وساق الحديث].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى أوله، ولم يذكر بقيته، وأشار إلى بقيته بقوله: وساق الحديث.
    قوله: [أخبرنا علي بن الحسين].
    هو الدرهمي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [أمية].
    هو أمية بن خالد، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن حبيب عن أبي العباس].
    قال في صفته: وكان رجلا من أهل الشام، وكان شاعرا، وكان صدوقا.
    [عن شعبة عن حبيب عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة. وأما هذه جملة اعتراضية فيها ذكر بيان حال أبو العباس الشاعر، وهي من كلام تلميذه، والغالب أن التلميذ هو الذي يقول هذا الكلام.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو في صيام العشر كل شهر من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني حبيب بن أبي ثابت سمعت أبا العباس هو الشاعر، يحدث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عبد الله بن عمرو، إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الأبد، صوم الدهر ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله. قلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم صوم داود كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى)].ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، إلا أنه ليس فيه ذكر العشرة، مع أن الترجمة للعشرة، الترجمة هي في صوم العشرة، ولعله يعني الحديث أنه فيه اختصار أو أنه اختصره، وإلا فإن الترجمة لذكر العشرة ولا ذكر للعشرة في هذه الرواية، (إذا فعلت ذلك هجمت العين).
    وقوله: (إذا فعلت ذلك)، يعني الذي هو صيام الدهر، (هجمت العين)، أي: أنها غارت بسبب الضعف والهزال، لأن العين تغور في مكانها بأن تبعد، وتتلاشى، وتضمحل؛ بسبب الهزال الذي حصل للإنسان، ومعنى تغور: تغوص، (ونفهت النفس)، يعني: تعبت وكلت بسبب كثرة الصيام ومواصلة الصيام، ولكن يدله على الصيام الذي يناسب، الذي ينفع ولا يضر، الذي يفيد ويحصل الأجر، ولا يحصل معه مشقة.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في صيام العشر كل شهر من طريق سادسة


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وقد مر ذكره.
    [عن خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو في صيام العشر كل شهر من طريق سابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقرأ القرآن في شهر. قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: في خمسة أيام، وقال: صم ثلاثة أيام من الشهر، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: صم أحب الصيام إلى الله عز وجل صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما)].أورد النسائي الحديث من طريق آخر، وهو يتعلق بالقراءة قراءة القرآن، وقد جاء في بعض الروايات: أنه يقرأ القرآن في يوم وليلة، ويصوم الدهر، فقال: (اقرأ القرآن في شهر، قال: إني أستطيع أكثر من ذلك، فلم يزل يطلب منه أنه يخبره بأنه يطيق حتى قال له: خمسة)، يعني خمسة أيام، أي يقرأ القرآن في خمسة أيام، ثم كذلك بالنسبة للصيام قال: (صم ثلاثة أيام، قال: فلم أزل أستزيده حتى قال: صم صيام داود)، والحديث الذي قبله ليس فيه (فلم أزل أستزيده)، وإنما قال: (إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم صوم داود).
    قال: لم أزل أستزيد قل كذا ثم قل كذا، فتدخل العشرة في الاستزادة التي تكررت، يعني: أنها كالروايات السابقة فيها ذكر الخمسة وذكر العشرة استزادة فيكون فيه دخول العشرة، وأن الحديث فيه اختصار.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في صيام العشر كل شهر من طريق سابعة


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا محمد بن بشار].
    هو الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن جعفر الملقب غندر، وقد مر ذكره.
    [عن شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن عمرو بن دينار].
    وهو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو].
    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (... وصم من كل عشرة أيام ذلك أجر تسعة...) من طريق ثامنة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: (أن أبا العباس الشاعر أخبره: أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أني أصوم وأسرد الصوم، وأصلي الليل، فأرسل إليه، ولما لقيه قال: ألم أخبر أنك تصوم، ولا تفطر، وتصلي الليل فلا تفعل، فإن لعينك حظا، ولنفسك حظا، ولأهلك حظا، وصم، وأفطر، وصل، ونم، وصم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تسعة، قال: إني أقوى لذلك يا رسول الله، قال: صم صيام داود إذا، قال: وكيف كان صيام داود يا نبي الله؟ قال: كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى. قال: ومن لي بهذا يا نبي الله؟)]. أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، يعني بلغه أنه يصوم الدهر، ويقوم الليل، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ألم أخبر عنك أنك تقول كذا وكذا)، وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا بلغه شيء، ما يبني الحكم على هذا الكلام حتى يتثبت ويتحقق، ولهذا قال: (ألم أخبر عنك أنك تقول كذا وكذا؟ فقال: بلى نعم)، يعني: فبنى عليه الكلام، ما قال مباشرة أنه الأمر كذا وكذا، وإنما قال: (ألم أخبر عنك أنك كذا وكذا؟ قال: نعم)، فأقر بالشيء الذي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك قال له: (فلا تفعل، فإن لعينك حظا، ولنفسك..).
    قال: (فلا تفعل)، يعني: صيام الدهر، (فإن لعينك حظا)، يعني: نصيب من الحق الذي ينبغي أن يكون لها، بحيث لا تجهد ولا تتعب بصيام النهار، وقيام الليل، وإنما يكون فيه صوم، وإفطار، ونوم، وصلاة، يعني لا تكون صلاةً باستمرار، وصوماً باستمرار، ولا تركاً باستمرار، وإنما يصلي، وينام، ويصوم، ويفطر، (إن لنفسك عليك حظا)، أي: لها حق، (ولأهلك حظا).
    قوله: (صم من كل عشرة أيام يوماً ولك أجر تسعة)، معناه: يصوم ثلاثة أيام، وذلك كصيام الدهر، يعني: يصوم يوماً، وهو عن تسعة، فله أجر الباقي الذي هو تسعة، فيكون صام العشرة، وإذا صام ثلاثة أيام من الشهر صام الثلاثين يوماً، أو الشهر كله، فيكون صام الدهر، وهذا هو الذي كثر إيصاء الرسول عليه، ورغب فيه، وحث عليه؛ لأن فيه فائدة وليس فيه مضرة.
    قوله: [(إني أقوى لذلك، قال: صم صيام داود إذا، قال: وكيف كان صيام داود؟)].
    أي: نعم، وهذا فيه ذكر العشرة، يعني أنه إذا صام يوما فيكون له أجر العشرة، لكن ليس فيه ذكر العشرة، ففيه اختصار.
    (ومن لي بهذا يا نبي الله؟)، يعني: كونه يصوم صيام داود.
    وفيه أنه (لا يفر إذا لاقى)، أي: أنه يكون عنده هذا، وهذا.
    فالإشارة عائدة إليهما؛ لأنه هو يريد أكثر من صيام يوم، وإفطار يوم، لكن الجمع بينهن هذا هو الذي ورد.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (... وصم من كل عشرة أيام ولك أجر تسعة ...) من طريق ثامنة


    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن حجاج].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، هو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي العباس الشاعر عن عبد الله]
    وقد مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #393
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصيام

    (390)

    - (باب صيام خمسة أيام من الشهر) إلى (باب صوم ثلاثة أيام من الشهر)


    بيّن الشرع فضيلة المداومة على صيام النوافل، وأن أفضلها وأعدلها صيام داود عليه السلام، وهو صوم يوم وإفطار يوم، وأنها كصيام الدهر، وكره الشرع الزيادة على ذلك؛ لأن فيه مشقة على النفس، وتفويتاً لمصالح كثيرة.
    صيام خمسة أيام من الشهر

    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (... أما يكفيك من كل شهر ... خمساً ...) من طريق تاسعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صيام خمسة أيام من الشهر.أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد، عن خالد وهو الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح قال: (دخلت مع أبيك زيد على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر له صومي، فدخل عليّ فألقيت له وسادة آدم ربعة حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة فيما بيني وبينه، قال: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قلت: يا رسول الله، قال: خمساً؟ قلت: يا رسول الله، قال: سبعاً؟ قلت: يا رسول الله، قال: تسعاً؟ قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة؟ قلت: يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر: صيام يوم، وفطر يوم)].
    ذكر الترجمة، وهي: صيام خمسة أيام، والمقصود منها مثل ما جاء في العشرة، يعني: كونه ورد ذكر الخمسة، يعني: وغيرها، لكن الترجمة من أجل أنه جاء ذكر الخمسة، وإلا فإن الحديث يأتي فيه ذكر الخمسة، وفيه العشرة وفيه صيام يوم، وإفطار يوم، وهو يأتي لكل ترجمة الحديث من طريق أخرى، وقد أتى به في الترجمة الأخرى بلفظ آخر، فيكون المقصود من الترجمة أن لفظ الخمسة، وأن الإرشاد إلى صيام خمسة ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (... أما يكفيك من كل شهر ... خمساً ...) من طريق تاسعة


    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وقد مر قريبا.
    [حدثنا وهب بن بقية].
    ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد، وهو الحذاء].
    هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقيل له: الحذاء؛ لأنه كان يجالس الحذائين، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، لم يكن حذاء ولا بائعاً للأحذية، وإنما كان يجلس عند الحذائين فنسب إليهم، مثل ما مر في التيمي ، نزل في بني تيم فنسب إليهم، وقيل: إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، يعني يعطيه مقاس، ويقول: احذ عليه، فقيل له: الحذاء من أجل قوله: احذ، وهي أيضا نسبة إلى ما غير ما يسبق إلى الذهن، سواء كان يجالسهم أو يقول: احذ؛ لأن المتبادر إلى الذهن أنه يصنع الأحذية، أو يبيع الأحذية، والأقرب الذي يصنع الأحذية يقال له: حذاء.
    [عن أبي قلابة].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المليح].
    هو ابن أسامة بن عمرو الهذلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [على عبد الله].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد مر ذكره وهو يخاطب أبا قلابة؛ ولهذا يقول: دخلت مع أبيك زيد، يعني: عبد الله بن زيد الذي هو أبو قلابة.


    صيام أربعة أيام من الشهر

    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (... صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي...) من طريق عاشرة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صيام أربعة أيام من الشهر. أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج بن محمد حدثني شعبة عن زياد بن فياض سمعت أبا عياض قال: قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صم من الشهر يوماً ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم يومين ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الصوم صوم داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي صيام أربعة أيام، يعني: أنه ورد فيه التنصيص على أربعة، مثل ما مر التنصيص على خمسة وعلى عشرة، هذا هو المقصود من الترجمة، والحديث سبق أن مر يعني: إسناداً، ومتناً، أما الإسناد فقد مر رجاله كلهم في الحديث السابق.


    صوم ثلاثة أيام من الشهر

    شرح حديث أبي ذر: (أوصاني حبيبي بثلاثة... وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [صوم ثلاثة أيام من الشهر.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبدا: أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي صيام ثلاثة أيام من كل شهر. وأورد فيها حديث أبي ذر، وهذه الثلاثة هي الذي كثر ذكرها في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يعني يوصي بها ابتداء، ويوصي بها عبد الله بن عمرو في أكثر الروايات، ويرشد إلى أن فيها صيام الدهر، فصيام ثلاثة أيام هي التي جاءت عن عدد كبير من الصحابة، يعني: وفيها وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بأن يصوموا ثلاثة أيام من الشهر؛ لأنه بذلك يكونون قد صاموا الدهر، فأورد حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه أوصاه بصيام ثلاثة أيام، لا يدعهن ما عاش، يعني: أنه عازم على الاستمرار عليهن حتى يموت، (صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)، وفي صحيح مسلم: (أن أوتر قبل أن أرقد)، الحديث في صحيح مسلم أيضاً، وهو بلفظ: (أن أوتر قبل أن أرقد)، فالحديث مشتمل على الترجمة، وهي صيام ثلاثة أيام، بل فيه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر: (أوصاني حبيبي بثلاثة ... وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر)


    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس المروزي السعدي، ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    وهو ابن جعفر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن أبي حرملة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عطاء بن يسار].
    هو عطاء بن يسار مولى ميمونة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي ذر].
    هو جندب بن جنادة مشهور بكنيته أبي ذر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث... وصوم ثلاثة أيام من كل شهر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن سمعت أبي أخبرنا أبو حمزة عن عاصم عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث: بنوم على وتر، والغسل يوم الجمعة، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه إيصاؤه بثلاث أو توصيته بثلاث، وهي: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وغسل الجمعة، وأن ينام على وتر)، وهذه الرواية فيها ذكر غسل الجمعة، لكن الرواية التي في الصحيحين وفي غيرهما عن أبي هريرة، فيها ذكر ركعتي الضحى بدل غسل الجمعة، ولهذا قال الألباني: إنه منكر بذكر الغسل؛ لأن الأحاديث التي جاءت في الصحيحين، وفي غيرهما عن أبي هريرة فيها التنصيص على صلاة ركعتي الضحى بدل غسل الجمعة، وقد مر أيضا حديث أبي هريرة بهذا اللفظ الذي هو لفظ الشيخين؛ البخاري ومسلم: (صيام ثلاثة أيام، وصلاة الضحى، وأن يوتر قبل أن ينام).


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث... وصوم ثلاثة أيام من كل شهر)


    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن].هو محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [سمعت أبي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا أبي حمزة].
    هو محمد بن ميمون المروزي السكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود بن هلال].
    ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله بركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن رجل عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وهو مشتمل على الثلاثة التي جاءت في الصحيحين، يعني: صلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يوتر قبل أن ينام.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
    وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبو كامل].
    هو فضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم عن رجل عن الأسود عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله... وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا أبو النضر: حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن الأسود بن هلال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنوم على وتر، والغسل يوم الجمعة، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)].ذكر هذه الرواية، وهي مثل الرواية التي قبل الرواية السابقة التي فيها ذكر الغسل بدل الضحى، والمحفوظ أو المعروف أن ركعتي الضحى هي التي جاءت في أكثر الروايات عند النسائي، وعند غيره، بل في الصحيحين جاءت بذكر صلاة الضحى، وليس فيها ذكر الغسل.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أمرني رسول الله... وصيام ثلاثة أيام من كل شهر) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا أبو النضر].
    هو هاشم بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو معاوية].
    هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي، الذي هو التميمي، الذي ينسب إلى بني نحو جماعة من الأزد، وليس منسوباً إلى علم النحو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم عن الأسود عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهم.


    الأسئلة

    السبب في منع الحارث بن مسكين للنسائي من حضور مجلسه

    السؤال: لماذا منع الحارث بن مسكين الإمام النسائي من حضور مجلسه؟
    الجواب: حصل بينهم شيء ما أتذكره الآن، لكنه موجود في المقدمة.

    الفرق بين لفظ (يستحب ويشرع وبالخيار)

    السؤال: هل هناك فرق بين يشرع، ويستحب، وبالخيار؟

    الجواب: يعني: يستحب يدل على الندب؛ لأنه بمعنى الندب، أما كلمة يشرع فهي أوسع، يمكن أن يدخل تحتها المباح.

    مدى ورود حديث في إفراد يوم السبت بالصيام

    السؤال: هل هناك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في إفراد يوم السبت بالصيام؟

    الجواب: نعم، ورد النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم، إلا في فرض، والحديث صحيح، لكنه يحمل على ما إذا صيم وحده، أما إذا صيم، ومعه غيره، كالذي يصوم ست شوال وفيها يوم السبت، أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر التي هي البيض، وفيها يوم السبت، أو يصوم أياماً متواصلة، ومعها السبت أيضاً ليس فيه بأس، والدليل على هذا حديث جويرية أم المؤمنين في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدي أن تصومي غداً السبت؟ قالت: لا، قال: فأفطري)، يعني: فدل على أنها لو صامت السبت ليس فيه بأس، فإذاً السبت يصام مع غيره، والنهي يحمل على ما إذا قصد صيامه وحده.

    تفسير رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مقصراً لحيته

    السؤال: ما تقول في شخص رأى في منامه شخص النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وهو في أكمل الصفات الخلقية؛ إلا أنه قصر لحيته؟

    الجواب: هذا ما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رؤي على الهيئة التي يعرفه أصحابه -فالشيطان لا يتمثل به- فيكون رآه حقاً، أما إذا كان على غير الهيئة التي هو عليها، فهذا ليس رسول الله، ويعتبر هذا ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا ابن عباس كما في الشمائل للترمذي، قال له رجل: إنني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال له ابن عباس: صف لنا هذا الذي رأيت، فوصفه، قال له ابن عباس: لو كنت رأيته كما رأيناه ما زدت على هذا الوصف شيئاً، يعني: هو رسول الله، رؤية مطابقة للشيء الذي يعرفه أصحابه.

    نصائح لمن أراد أن يحفظ بعض الأحاديث النبوية

    السؤال: ما هو رأيكم فيمن أراد أن يحفظ بعض الأحاديث المهمة، بأي شيء تنصحونه؟

    الجواب: سبق أن ذكرت أن الإنسان ينبغي له أن يحفظ الأربعين النووية؛ لأن فيها أربعين حديثاً من جوامع الكلم، وقد اعتني بها وشرحت، وأحسن شروحها كتاب ابن رجب الحنبلي، وكذلك إذا أراد أن يحفظ أحاديث أكثر، فيناسب عمدة الأحكام لـعبد الغني المقدسي، تشتمل على أكثر من ثلاثمائة حديث، وهي في الصحيحين، وإذا كان يريد أن يحفظ ما هو أكثر فليحفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ويشتمل على ألف وتسعمائة وستة أحاديث، وكلها متفق عليها، هذا هو الذي يناسب أن الإنسان يفعله.

    صلاة المصلي على النبي أثناء صلاته إذا سمع اسمه أو كنيته

    السؤال: إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة باسمه، أو بكنيته، أو بالرسالة فهل يصلي عليه من هو داخل الصلاة؟

    الجواب: لا، الإنسان الذي في داخل الصلاة ما يتابع من هو خارج الصلاة، ويفعل مثل ما كان يتابعه، يعني: فلا يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن شخصاً ذكره، وإنما يشتغل بصلاته، ولا يسمع لكلام غيره ويتابعه.

    الصلاة على النبي عند ذكر اسمه في القراءة في الصلاة

    السؤال: إذا كان الإمام مثلاً: يقرأ، ومرت مثلاً: محمد رسول الله، أو يا أيها الذي آمنوا صلوا عليه، فهل يصلي على النبي؟

    الجواب: بالنسبة للفرض ليس للإنسان أن يفعل، وأما بالنسبة للنفل فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو، ويتعوذ، ويعظم الله عز وجل، فلو فعل ذلك في النفل فليس فيه بأس، يعني: مثل ما جاء بالنسبة للذكر والسؤال والاستعاذة.

    مدى صحة حمل أمر النبي بصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الوجوب

    السؤال: في الأحاديث التي مرت معنا وردت بلفظ الأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وكذلك في الصحيحين: أوصاني، فهل يحمل على الوجوب؟

    الجواب: لا، أبداً، يحمل على الاستحباب المؤكد، وليس على الوجوب؛ لأن ليس فيه صيام.. ولا يجب إلا شهر رمضان.

    بيان من أخرج حديث: (من صام الأبد فلا صام)

    السؤال: (من صام الأبد فلا صام)، من أخرجه؟
    الجواب: الذي عندك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه جماعة ومنهم البخاري في مواضع عديدة، يعني: في التعليق.
    نعم، أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي.

    مدى صحة نسبة استحباب قراءة القرآن عند الدفن إلى الشافعي

    السؤال: جاء في رياض الصالحين: أن الشافعي رحمه الله قال: ويستحب قراءة القرآن عند دفن الميت، وإن ختم فحسن، فهل يصح ذلك؟

    الجواب: ما أعتقد أن هذا يصح، كيف يكون عند الميت يقرءون القرآن ويختمونه؟ أبداً، القرآن لا يقرأ في المقابر، والقرآن يقرأ في المساجد، وفي البيوت، وأما المقابر فهي مكان لدفن الموتى وزيارتهم، والدعاء لهم.

    مدى وجود علماء قبل الألباني صححوا ما ضعفه أو ضعفوا ما صححه

    السؤال: هل الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني في صحيحه سبق أن صححت من غيره أو ضعفت من قبل علماء الحديث وهو صححها؟ أي: في السلسلة الصحيحة.

    الجواب: والله ما أدري، على كل أقول: كون أن من قبله قد تكلم فيه لا شك، المتكلمون في الأحاديث كثيرون، لكن هل كلها كذلك، لا نستطيع أن نقول هذا، والإنسان عليه أن يبحث، ويقف على الحقيقة بالتتبع، والألباني يعني: له عناية، وله اهتمام، وله جهد عظيم يشكر عليه، وقد وفقه الله عز وجل لخدمة السنة، وفي عنايته، واجتهاده في السنة يعتبر في هذا العصر ما له مثيل من جهة كثرة الاطلاع على الكتب المخطوطة، والمطبوعة، والعناية بها، وجمعها وجمع الطرق، فجزاه الله خيراً، له جهود تشكر، أقول: تشكر، ولا يجحدها إلا مكابر أو حاقد.
    مداخلة: الأحاديث التي ضعفها الألباني، هل هناك من العلماء من صححها من قبله؟
    الشيخ: الجواب مثل الجواب السابق، وكما هو معلوم قضية التصحيح، والتضعيف قد يصحح الحديث بسبب رجل ظن أنه فلان الفلاني، ثم يتبين بأنه غيره، ضعيف فيختلف التصحيح والتضعيف بسبب الرجال والوهم في الرجال؛ لأنه أحياناً يأتي رجل في الإسناد، فيظن بعض من يدرس الإسناد أنه الشخص الثقة فيصحح، ويأتي من يتتبع، ويجد مثلاً: أنه شخص آخر، وأنه ضعيف، فالتصحيح يكون فيه نظر؛ لأنه بنى على ظن أنه شخص، وتبين له أنه شخص آخر، وهذا موجود عند المحدثين، عندما يصحح أحدهم يقول: وهم، وقال: ظن أنه فلان، وليس فلان، بل هو فلان، ذكره فلان، ونسبه إليه فلان وهكذا، فقضية التصحيح والتضعيف تجدها تنبني على الأشخاص، وقد يصحح الشخص بناء على أنه ظن أن الشخص هذا، ويتبين أنه غيره فيضعفه الثاني.

    حكم صلاة من نوى أثناء وضوئه أنه سيعيد الوضوء ولم يفعل


    السؤال: شخص توضأ، ولكن نوى في قلبه أنه سيعيد الوضوء، ولكن لم يعده وصلى، فما حكم صلاته؟

    الجواب: صلاته صحيحة، حتى ولو نوى أنه يعيد وإلا ما يعيد، أقول: ما دام أنه توضأ وكان من نيته أنه يجدد الوضوء، فوضوءه صحيح قائم ما دام ما نقض.

    حكم صيام من نوى الإفطار ولم يجد ما يفطر به

    السؤال: شخص نوى أن يفطر ولم يجد شيئاً يفطر به، فهل أفطر؟

    الجواب: إذا كان صائماً ونوى الإفطار فهو مفطر.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #394
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (391)


    كتاب الزكاة

    باب وجوب الزكاة

    الزكاة ركن من أركان الإسلام، تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، وهي من الأمور المهمة التي يجب على الداعية تبيينها للناس بعد دعوتهم للتوحيد والصلاة.
    وجوب الزكاة

    شرح حديث: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب ... فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن زكريا بن إسحاق المكي حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك بذلك، فأخبرهم أن الله عز وجل فرض عليهم خمس صلوات في يوم وليلة، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله عز وجل فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فاتق دعوة المظلوم)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ذكر كتاب الزكاة بعد أن ذكر كتاب الصيام، وقد عرفنا فيما مضى أن هذا الترتيب - الذي هو تقديم الصيام على الزكاة - على خلاف المشهور عند أهل العلم، وذلك أنهم يقدمون الزكاة على الصيام؛ لأن الزكاة هي التي يأتي كثيراً قرنها بالصلاة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه كثيراً ما يأتي ذكر الصلاة ويأتي معها إيتاء الزكاة، فهما متلازمتان، ويأتي ذكرهما كثيراً، لكن النسائي رحمه الله هنا وفي بعض النسخ قدم الصيام على الزكاة، وقد مر بنا كتاب الصيام وهذا هو كتاب الزكاة، وإنما قدمت الزكاة على غيرها بعد الصلاة؛ لأنها كما أشرت أولاً قرينتها في كتاب الله عز وجل، ولتلازمهما في الذكر؛ ولأن الزكاة حق مالي نفعه متعد بخلاف الصيام، فإن نفعه قاصر ولا يتعدى صاحبه، وأما الزكاة ففيها التعدي من الغني إلى الفقير، ومن المحسن إلى المحتاج، ففي ذلك تعدية النفع، فيستفيد من ذلك المعطي والمعطى، المزكي والذي أعطي الزكاة، المتصدق والذي أعطي الصدقة، فلهذا يأتي كثيراً ذكر الزكاة مع الصلاة، وهذا هو الذي درج عليه العلماء من محدثين وفقهاء، أنهم يجعلون الطهارة أولاً، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، هكذا يرتبون في كتب الحديث وفي كتب الفقه، وصنيع النسائي فيه تقديم الصيام على الزكاة، وقد عرفنا فيما مضى أن أول حديث أورده كان فيه تقديم الصيام على الزكاة.
    والزكاة هي: حق فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء ليعطى للفقراء، أو ليصرف في المصارف التي بينها الله عز وجل، وهي مأخوذة من النماء، والزكاة فيها تنمية؛ لأنها هي سبب في نماء المال وسبب في زيادته، والصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وهي من شكر الله عز وجل على النعمة بالمال، كون الإنسان أعطاه الله المال الزائد على حاجته وعلى كفايته، والذي يدخره ويحول عليه الحول ثم يكون بالغاً نصاباً ولا يحتاج إليه، فهي نعمة أنعم الله بها عليه، وهي زائدة عن حاجته، فمن شكر الله عز وجل على هذه النعمة أنه يعطي الحق الذي فرضه الله عز وجل عليه طيبة به نفسه.
    والله عز وجل لما فرض الزكاة أخبر بأن فيها تزكية، وفيها تطهيراً: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فهي تطهير للمال، وتزكية للنفوس، وتزكية للمال، تطهير للنفوس من الشح، وتزكية للنفوس، وكذلك تزكية للمال وتنمية له؛ فهي من أسباب نماء وكثرة المال، والصدقة لا تنقص المال بل تزيده، وتكون سبباً في زيادته، ثم أيضاً: النفع الذي يحصل كون الإنسان يحصل الأجر، وغيره يحصل الفائدة، ولما فرض الله عز وجل الزكاة فرضها على وجه ينفع الفقير ولا يضر الغني، ينفع الفقير الذي ليس عنده شيء ولا يضر الغني، فلم تفرض على وجه يكون فيه إضرار بالأغنياء، بل فرضت على وجه فيه عدم الإضرار بهم، لأن الذي فرض شيء يسير من مال كثير تفضل الله تعالى وأعطاه الأغنياء، أعطاهم المال الكثير، وفرض عليهم اليسير، وهذا اليسير لا يضرهم إخراجه، وينفع الفقراء وصوله إليهم، لأنهم ما عندهم شيء، فينفعهم أي شيء يحصل لهم.
    ثم أيضاً: ما وجبت في كل مال، إنما تجب في المال إذا بلغ نصاباً، وأما إذا لم يبلغ النصاب فما فيه زكاة ولو حال عليه الحول، ولو خرجت الثمرة ولكنها لم تبلغ النصاب فإنه لا زكاة فيها، بل فرضت في الشيء الكثير الذي يمضي عليه عند الإنسان حول وهو نصاب فأكثر، ويمضي عليه حول إذا كان من الأموال المدخرة، أو يكون نصاباً عند الحصاد والجذاذ فيما يتعلق بالحبوب والثمار.
    ثم هذا الفرض شيء يسير بالنسبة للخارج من الأرض؛ إذا كان الإنسان ما يتعب عليه ويسقى بماء الأمطار، أو بماء العيون، ولا يتعب على إخراجه وعلى وصوله إليه، فإنه عليه فيه العشر، وإذا كان يستخرج بواسطة المضخات أو بواسطة السواني فإن فيه نصف العشر، إذا كان فيه كلفة يكون فيه نصف العشر، وإذا كان بغير كلفة يكون فيه العشر، وإذا كان من النقدين أو من عروض التجارة فإن فيه ربع العشر، يعني: جزء من أربعين جزءاً، مال كثير فرض الله فيه شيئاً يسيراً لا يضر الغني إخراجه، ويستفيد الفقير من وصوله إلى يده؛ لأنه ما عنده شيء يقتاته وشيء يستفيده، فإذا وصل إليه هذا الذي لا يضر الغني إخراجه، فإنه ينفعه ويقضي حاجته ويسد عوزه.
    ثم إن الزكاة هي: أحد أركان الإسلام الخمسة، بل هي الثالث من أركان الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) وجاء في حديث جبريل بيان الإسلام، وأنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، فهي ركن من أركان الإسلام التي انبنى عليها هذا الدين الحنيف.
    وهي قرينة الصلاة في كتاب الله سبحانه وتعالى، يقرن الله عز وجل بين الصلاة والزكاة في آيات كثيرة: ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ )[التوبة:5]، ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ )[التوبة:11]، ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )[البينة:5]، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )[الحج:41] فيأتي في القرآن كثيراً القرن بين الصلاة والزكاة، وفي الحديث: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) وأحاديث كثيرة فيها القرن والجمع بين الصلاة والزكاة.
    ثم إن النسائي رحمه الله أورد في باب وجوب الزكاة حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة بعث معاذ إلى اليمن رضي الله تعالى عنه، وهو حديث عظيم، اعتنى به أهل العلم وقدموه على غيره، فـالبخاري رحمه الله صدر به كتاب الزكاة، وصدر به كتاب التوحيد، فهو أول حديث في كتاب الزكاة عنده، وأول حديث في كتاب التوحيد عنده، وهو أول حديث عند النسائي في كتاب الزكاة، كما فعل البخاري أيضاً فعل النسائي، فجعل هذا الحديث الذي هو حديث بعث معاذ إلى اليمن ورسم الخطة التي يسير عليها في الدعوة إلى الله عز وجل صدر به البخاري كتاب الزكاة وكتاب التوحيد من صحيحه، وصدر به الإمام مسلم، وصدر به الإمام النسائي كتاب الزكاة من سننه، وتبعه جماعة من المؤلفين في الحديث فصدروا به كتبهم، ففعل عبد الغني المقدسي في عمدة الأحكام أن جعل هذا الحديث أول حديث في كتاب الزكاة، وكذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام جعله أول حديث في كتاب الزكاة، وكذلك جعله غيرهم، أي: صدروا به كتب الزكاة من كتبهم، وهذا يدل على ما اشتمل عليه من التدرج في بيان شرائع الإسلام، وأنه يبدأ بالشهادتين أولاً، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، وهي أول شيء يدعى إليه بعد الصلاة، وهذا يوضح أن الزكاة تقدم على الصيام؛ لأن هذا الحديث الذي رسم به النبي صلى الله عليه وسلم الخطة لـمعاذ ذكر فيه الشهادتين، ثم إذا أقروا بها ينقلهم إلى الدعوة إلى الصلاة، فإذا استجابوا ينقلهم إلى الدعوة إلى الزكاة، فيبدأ بالأهم فالأهم، فأهم شيء بعد الصلاة هو الزكاة، ولهذا فتقديم الزكاة على الصيام هذا هو المشهور، وهو الذي تدل عليه الأدلة الكثيرة، وهو الذي يدل عليه هذا الترتيب الذي حصل في هذا الحديث بأنه يبدأ بالأهم فالأهم، فأهم شيء التوحيد والشهادتان ويليه الصلاة ثم يليه الزكاة، فإن هم أجابوا فادعهم إلى كذا فإن هم أجابوا فادعهم إلى كذا، انتقال من أهم إلى مهم، وتدرج مما هو أعلى إلى ما يليه، ومما هو أهم إلى ما يليه في الأهمية، فلهذا اعتنى جماعة من المؤلفين بهذا الحديث فصدروا به كتبهم وفي مقدمتهم الإمام البخاري رحمة الله عليه كما أشرت إلى ذلك.

    مكانة الدعوة إلى التوحيد

    وحديث بعث معاذ إلى اليمن رضي الله عنه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) وهذا تمهيد وتوطئة وتنبيه له، إلى أن يعلم أن أولئك أهل علم وأهل كتاب، يعني: كتاب سابق وهم اليهود، فإن عندهم التوراة وإن كان حصل فيها تحريف وتبديل إلا أنهم ينتسبون إلى كتاب، ويزعمون أنهم يتبعون كتاباً، والكتاب حصل فيه تحريف وتبديل، لكن الذي عنده شيء جاء من الله عز وجل ليس كالجاهل الذي يعبد الأوثان ولا صلة له ولا علاقة له بدين، فإن التمهيد الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبه عليه في أخذ الحيطة والاستعداد، ولهذا فإن الداعية عندما يتجه إلى بلد، أو يريد الدعوة في بلد، يتعرف أحوال البلد وأهل البلد وما عندهم من العلم، وما عندهم من الشبه، وما عندهم من الأمور التي يحتاج إلى علاجها ويحتاج إلى كشفها وتوضحيها وبيان الحق، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) يعني: معناه أنه يستعد لهم، ويعلم بأنهم ليسوا مثل الوثنيين الذين لا علاقة لهم بالدين ولا ينتمون إلى دين، ولا تربطهم بالدين رابطة، بل هم عبدة أوثان مشركون وإن كان النصارى واليهود أيضاً هم كفار ومشركون، لكن فرق بين كافر له علاقة بدين سابق وبين كافر لا علاقة له بأي دين، ولهذا صار لأهل الكتاب تميز على غيرهم بأحكام الإسلام تختلف عن أحكام الوثنيين الذين لا ينتمون إلى دين سابق جاء من الله عز وجل وجاء به رسل الله الكرام، فهناك فرق بين هؤلاء وهؤلاء، أهل الكتاب أحل لنا ذبائحهم ولم تحل لنا ذبائح الوثنيين، وأحل لنا نساؤهم ولم تحل لنا نساء الوثنيين، يعني: فهناك أحكام تخصهم ويتميزون بها عن سائر الكفرة الوثنيين الذين لا علاقة لهم بالدين، ولا علاقة لهم بدين جاء من الله عز وجل ونزل من عند الله سبحانه وتعالى، فصار لهم أحكام تخصهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ) فالرسول صلى الله عليه وسلم لما مهد هذا التمهيد أمره بأن يدعو بالتدريج ولا يأتيهم بالأحكام جملة، ويقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا وهم ما دخلوا في الدين، وإنما أول شيء يدعوهم إلى المفتاح والمدخل، المدخل إلى الإسلام وهو الشهادتان، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ادعهم إلى هذا، وهذا فيه أن الدعوة تكون بالأهم، وتكون إلى الأهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد معاذاً أن يدعوهم إلى الشهادتين التي هي الأساس، ولا ينفع أي عمل من الأعمال إذا لم يكن مبنياً على الشهادتين بعد بعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لا ينفع أي إنسان أن يعمل عمل إلا إذا كان مبنياً ومستنداً على شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، إذا كان مستسلماً منقاداً لله عز وجل يخصه بالعبادة ومتبعاً النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعبد الله به، وهو ما سبق أن أشرت إليه أن دين الإسلام مبني على شرطين: الإخلاص والمتابعة، إخلاص العمل لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معنى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله،؛ لأن أشهد أن لا إله إلا الله مقتضاها إخلاص العمل لله، وشهادة أن محمداً رسول الله معناها: تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعبد الله وفقاً لشريعته، ولهذا جاء عن بعض السلف قوله في قول الله عز وجل: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )[الملك:2] قال: العمل الأحسن هو الأخلص الأصوب، ثم قال: الخالص: ما كان لله وحده، والصواب: ما كان على السنة؛ الخالص ما كان لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه، والصواب ما كان على السنة؛ لأنه إذا لم يكن على السنة يكون على البدعة، والعمل المبتدع مردود على صاحبه لا ينفعه عند الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لـمسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فالعبادة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل لا بد أن تكون خالصة لوجه الله، ولا بد أن تكون مطابقة لشريعة الله التي جاء بها رسول الله، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، فلا يشرك مع الله في العبادة أحد كائناً من كان، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن تكون الأعمال التي يتقرب إلى الله عز وجل بها مبنية على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، بأن تمتثل الأوامر وينتهى عن النواهي، فهما شرطان أساسيان لا بد منهما، وهما معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وهما متلازمان، فإخلاص العمل لله عز وجل ولكن العمل على بدعة مردود على صاحبه، والعمل إذا كان على السنة ولكن أشرك مع الله غيره مردود على صاحبه، ولا ينفعه إلا إذا توفر فيه الشرطان: الإخلاص والمتابعة.
    والذي قال عنه بعض أهل العلم: توحيدان لا بد منهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، توحيد الرسول بالمتابعة، وتوحيد المرسل سبحانه وتعالى بإخلاص العمل له سبحانه وتعالى، ولا يعني هذا أن هناك توحيداً اسمه توحيد المتابعة غير توحيد الألوهية، فإن أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية لا بد فيه من شرطين: الإخلاص والمتابعة، وتوحيد الألوهية: هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد، ولا بد فيه من شرطين: الإخلاص والمتابعة، إخلاص العمل لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنواع التوحيد ثلاثة بالاستقراء، استقراء نصوص الكتاب والسنة أن أنواع التوحيد ثلاثة، ليست أربعة وإنما هي ثلاثة:
    توحيد الربوبية: وهو توحيد الله تعالى بأفعاله؛ الإقرار بأنه الخالق الرازق المحيي المميت، أفعال الله عز وجل، فهو واحد في أفعاله، والمتفرد بالخلق والإيجاد، والإحياء والإماتة، وتدبير الكون لا شريك له في الملك سبحانه وتعالى، هذا توحيد الربوبية.
    وتوحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، والتوكل، والإنابة، وغير ذلك من أنواع العبادة التي يفعلها العباد، فإنها تكون لله عز وجل، وهذه الأعمال التي يعملها العباد ويتقربون بها إلى الله عز وجل تكون على وفق السنة، لا تكون مبنية على بدعة أو خرافات أو منكرات، بل تكون على وفق السنة.
    إذاً: فأول ما يدعى إليه التوحيد، الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكفي شهادة أن لا إله إلا الله عن شهادة أن محمداً رسول الله بعد أن بعث الله رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، بل كل يهودي ونصراني بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعه أن يقول: إنه تابع لنبي من الأنبياء قبل محمد عليه الصلاة والسلام، كاليهود الذين يقولون: إنهم يتبعون موسى، والنصارى الذين يقولون: إنهم يتبعون عيسى؛ لأن شرائع موسى وعيسى انتهت ببعثته صلى الله عليه وسلم.
    وجميع الشرائع كلها نسخت بشريعته، وختمت بشريعته عليه الصلاة والسلام، فلا ينفع اليهودي أن يقول: إنه تابع لموسى ولا يكون تابعاً لمحمد عليه الصلاة والسلام، ولا ينفع النصراني أن يقول: إنه تابع لعيسى ولا يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن محمداً إنما هو رسول للعرب خاصة، لا! إذا شهد بأنه رسول فيجب تصديق الرسول فيما يقول، والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وجاء بالقرآن والسنة أنه رسول إلى الناس كافة، وأنه رسول إلى الثقلين، فيجب تصديقه فيما يقول، وأن أي يهودي أو نصراني لا ينفعه أن يزعم أنه متبع لرسول من رسل الله قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بعد أن بعث الله رسوله عليه الصلاة والسلام لا بد من الإيمان به، ولا بد من اتباع شريعته.
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ( والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار ) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، فاليهود والنصارى من أمة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدعوة موجهة إلى كل إنسي وجني من حين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هؤلاء هم أمة الدعوة، الدعوة موجهة إليهم، ليست لأحد دون أحد ولا يختص بها أحد دون أحد.
    ولهذا جاء في القرآن الكريم: ( وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[يونس:25]، فحذف المفعول في (يدعو) وأظهر المفعول في (يهدي)؛ لأن الدعوة عامة والهداية خاصة، يعني: والله يدعو كل أحد، كل مدعو إلى دار السلام، ما أحد يدعى وآخر لا يدعى، لا أحد يبين له الحق وآخر يستر عنه الحق أو يخفى عنه الحق، لا! الحق مبذول لكل أحد، ( وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ )[يونس:25] يعني: كل أحد مدعو إلى دار السلام، كل مدعو إلى دار السلام، لكن ما كل يهدى إلى الصراط المستقيم؛ لأن الله تعالى شاء أن يكون الناس فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وما شاء الله كان لا بد أن يوجد ما قدره الله وقضاه، ولهذا قال: ( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[يونس:25] ما قال: يهدي كل أحد؛ لأنه لو شاء أن يهدي الناس كلهم لهداهم ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )[السجدة:13]، ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )[الأنعام:149] لكن الله تعالى شاء أن يكون الناس فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وأرسل الرسل لبيان الطريق إلى الجنة والطريق إلى النار، فمن وفقه الله عز وجل أخذ بأسباب السعادة، ومن لم يوفق أخذ بطريق الشقاوة وطريق الخذلان والعياذ بالله.
    وعلى هذا فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان: أمة دعوة وأمة إجابة، فأمة الدعوة هم كل إنسي وجني من حين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ولهذا أثبت الله عز وجل الهداية للرسول عليه الصلاة والسلام في آية ونفاها عنه في آية، والهداية المثبتة غير الهداية المنفية، قال الله عز وجل: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الشورى:52] يعني: تدل وترشد كل أحد، ما تدل أحد دون أحد، ونفيت عنه الهداية في قوله: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )[القصص:56] هداية التوفيق هذه لله عز وجل وليست للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن التي للرسول صلى الله عليه وسلم هي هداية الدلالة والإرشاد وقد حصلت.
    وقال الإمام الزهري رحمة الله عليه: (من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم)، فالذي من الله عز وجل وهي الرسالة قد حصل؛ الله أرسل الرسل وأنزل الكتب، والذي على الرسل هو البلاغ وقد حصل؛ فقد بلغوا البلاغ المبين، وما تركوا شيئاً أمروا بتبليغه إلا وقد أدوه على التمام والكمال، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله بشريعة خاتمة ومهيمنة وناسخة لشرائعه، وبين للناس ما أمر بتبليغه، فلم يتركهم دون بيان لشيء فيأتي أناس يبتدعون أشياء ويلصقونها بالدين، ويضيفونها إلى الدين، بل الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا تحتاج إلى إضافات ولا تحتاج إلى محدثات، بل النبي صلى الله عليه وسلم ترك الناس على محجة بيضاء ليلها كنهارها، ما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه، ولا ترك أمراً يباعد من الله إلا وحذر الأمة منه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وبلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والسعيد من يوفقه الله لاتباعه، والسير على منواله، والمخذول من يحيد عن منهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يدعو إلى التوحيد أولاً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واليهود الذين يزعمون أنهم متبعون لموسى يدعون إلى أن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا بد من هذا وهذا، ومقتضى الشهادة أن يؤخذ بكل ما جاء عنه، تمتثل أوامره وينتهى عن نواهيه، تصدق أخباره، يعبد الله طبقاً لشريعته صلى الله عليه وسلم، هذا هو معنى: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأول شيء يدعى إليه التوحيد، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ).

    بيان أهمية الصلاة والدعوة إليها

    ثم قال: ( فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ) فرض الله عز وجل على عباده خمس صلوات في كل يوم وليلة، هذه الخطوة الثانية، وهذا يدل على أن الصلاة هي أول ما يدعى إليه بعد التوحيد، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام كما بين ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ: ( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله ) فأخبر أن عموده الصلاة، وجاء في عظم شأن الصلاة آيات وأحاديث وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأنها أول ما يجيب به من يدخلون سقر عن الذي أوصلهم سقر، وأنهم ما كانوا يصلون، وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظم شأن الصلاة، وهي آخر ما يفقد في هذه الحياة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، وهي الصلة الوثيقة التي يكون الإنسان على صلة بالله؛ لأن الإنسان في اليوم والليلة خمس مرات يصلي، ويذهب إلى المساجد في اليوم والليلة خمس مرات، معناه: صلة وثيقة بالله سبحانه وتعالى، فالذي يحافظ على الصلاة ويتحرى الأوقات ليذهب إلى الصلاة إذا حدثته نفسه بسوء يتذكر الصلاة ولماذا يذهب يصلي؟ لكي تنهاه الصلاة عن الفحشاء والمنكر، ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )[العنكبوت:45]، فالذي يحافظ على الصلاة ويتحراها ويتحرى أوقاتها، وينظر متى يأتي الوقت ومتى يدخل الوقت؛ لأنه يخشى الله عز وجل ويطيع الله عز وجل إذا حدثته نفسه بسوء، فإن الصلاة تكون سبباً في منعه؛ فهو يحافظ على الصلاة رجاء ثواب الله، فهو يبتعد عن المعاصي ويخشى عقاب الله.والله عز وجل فرض الصلوات، وجعل لها أوقاتاً معلومة، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها، وأن يأتي بها على الوجه المشروع، وأن يأتي بها في أوقاتها، وبشروطها وأركانها وواجباتها، وما هو مطلوب منه فيها، فيأتي الإنسان بالصلاة ويقيمها كما أمر الله تعالى وكما شرع الله أن يقيمها الإنسان.

    أهمية الزكاة للمجتمع المسلم وحرص الداعية على بيانها

    ثم قال: ( فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم ) وهذا فيه أن الزكاة تلي الصلاة في الدعوة، الدعوة إلى التوحيد أولاً، ثم إلى الصلاة ثانياً، ثم إلى الزكاة ثالثاً، هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه في التدرج في الدعوة، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم.ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث أن الصدقة فرضها الله في أموالهم التي أنعم الله عليهم بها، وتفضل عليهم بها، والله تعالى هو الذي أعطى المال وهو الذي ينزع المال، وهو الذي جعل هذا غنياً وهذا فقيراً، فشرع للغني أن يشكر، ومن شكر نعمة الله عليه أن يؤدي الحق الذي فرض الله عليه، وشرع للفقير أن يصبر على ما ابتلاه الله عز وجل من الفقر، والله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم، يبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، والله تعالى يبتلي بالخير والشر، فالله يبتلي الأغنياء بالمال، ويبتلي الفقراء بعدم حصول المال لهم، ليشكر من يشكر، ويصبر من يصبر، ومن كان بخلاف ذلك: الغني الذي لا يشكر والفقير الذي لا يصبر، فإنه يضر نفسه ولا يستفيد من ماله الذي أعطاه الله عز وجل إياه إذا لم يحصل منه الشكر على نعمة الله عز وجل بأن يأخذ المال من طريقه ويصرفه في طريقه، ومن أعظم ما يجب فيه أو ما يلزم فيه الزكاة التي فرضها الله عز وجل في أموال الأغنياء.
    ثم قال: ( تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم ) يعني: هذه الزكاة تؤخذ من الأغنياء الذين أعطاهم الله المال وتصرف للفقراء، وفي قوله: (تؤخذ) يعني: معناه أن الإنسان إذا امتنع من الزكاة تؤخذ منه قهراً؛ لأنه قال: تؤخذ وعبر بـ(تؤخذ)، حتى يشمل ما إذا أخذت منه بطيب نفسه وبكراهية نفس.
    ثم قال: (من أغنيائهم فترد على فقرائهم).
    الفقير: قيل: هو الذي لا يجد الكفاية، ويأتي الجمع بين الفقراء والمساكين في بعض النصوص، ويأتي إفراد الفقير عن المسكين والمسكين عن الفقير في بعض النصوص، ويقول عنها العلماء: هذه الألفاظ التي هي الفقير والمسكين هي من الألفاظ التي إذا جمعت في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدها عن الآخر فإنه يشمل المعنى العام الذي كان موزعاً عند الاجتماع، فالفقير والمسكين إذا جمع بينهما في الذكر يفسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئاً أصلاً، ما عنده شيء أصلاً، والمسكين بأنه الذي عنده شيء لا يكفيه، يعني: بينهم فرق، إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما بالمعنى، فسر الفقير بأنه الذي ما عنده شيء أصلاً والمسكين بأنه الذي عنده شيء لا يكفيه، لكن إذا جاء الفقير فقط مثلما جاء في الحديث الذي معنا هنا يعني: الله فرق بينهما في الذكر في آية قسمة الصدقات ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60] فبين أن الفقراء غير المساكين، يعني: أشد حاجة، وإن كان كلهم يجمعهم أن ما عندهم شيء يكفيهم، إلا أن هذا ما عنده شيء يكفيه وهذا ما عنده شيء أصلاً، فالله تعالى جمع بينهما في الذكر فقال: الفقراء والمساكين.
    إذاً: الفقراء هم الذين ما عندهم شيء أصلاً، والمساكين الذين ما عندهم شيء يكفيهم، وفي بعض النصوص يأتي ذكر الفقراء فقط ما معهم مساكين، مثل الحديث الذي معنا ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) ما قال : ومساكينهم، أتى بكلمة الفقير وحدها، فالفقراء يدخل تحتها المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع، يدخل تحت الفقير هنا الذي ما عنده شيء والذي عنده شيء ما يكفيه، يعني: تكون بهذه الطريقة، يعني: منها الفقير والمسكين، ومثل البر والتقوى يأتي الجمع بينهما فيكون البر له معنى والتقوى لها معنى، لكن إذا جاء البر وحده دخل فيه ما يشمل التقوى، وإذا جاءت التقوى وحدها دخل فيها ما يشمل البر، فهي ألفاظ إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدها عن الآخر اتسع لأن يشمل المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع.
    ومثل هذا لفظ الإيمان والإسلام، فإنه إذا جاء لفظ الإسلام والإيمان مع بعض يفسر الإيمان بالأعمال الباطنة والإسلام بالأعمال الظاهرة، لكن إذا جاء الإسلام وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا جاء الإيمان وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )[آل عمران:19] يعني: يشمل الأمور الاعتقادية والأمور العملية؛ لأن الإسلام جاء وحده، لكن ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ )[الأحزاب:35] يعني: جاء ذكر الإسلام وعطف هؤلاء على هؤلاء، يعني: معناه أنه عندما يجمع بينها في الذكر يفرق بينها في المعنى، فيفسر عند اجتماع الإسلام والإيمان بأن الإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، ويفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وإذا جاء الإسلام وحده دخل فيه الباطن والظاهر، وإذا جاء الإيمان دخل فيه الظاهر والباطن، فهي ألفاظ يقال عنها: إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى وإذا انفرد أحدها عن الآخر اتسع لأن يشمل المعنى الذي كان موزعاً عند الاجتماع، فعندنا هنا الفقير والمسكين عند اجتماعهما في آية الصدقات ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60] يفسر الفقراء أنهم الذين ما عندهم شيء أصلاً، والمساكين الذين عندهم شيء لا يكفيهم، ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) الحديث الذي معنا الفقراء يراد بهم الذي ما عنده شيء أصلاً والذي عنده شيء لا يكفيه.
    ثم أيضاً الحديث في قوله: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) من العلماء من استدل بالحديث على أن الزكاة لا تخرج من بلد المال؛ لأن قوله: (تؤخذ من أغنيائهم) أي: أغنياء اليمن (فترد على فقرائهم) يعني: فقراء اليمن، فالزكاة تكون في البلد الذي فيه المال وتخرج فيه في البلد الذي فيه المال، ومن العلماء من قال: يجوز إخراجها؛ لأن المقصود المسلمين، تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقراء المسلمين، فيجوز نقلها، فالذين قالوا بجواز النقل قالوا: إن الضمير يراد به المسلمون، وأنه يرجع إلى المسلمين أغنياء وفقراء، والذي يقول بأن زكاة المال تكون في بلد المال يقول: إن الضمير يرجع إلى أهل اليمن، أغنياء أهل اليمن وفقراء أهل اليمن، لكن لا شك أن فقراء البلد إذا كانوا أحوج من غيرهم فهم مقدمون على غيرهم؛ لأن الذين يشاهدون المال ويرون المال هم أحق بزكاة المال، لكن إذا كان هناك أحد أحق منهم وأولى منهم وأشد حاجة منهم فلا بأس من إخراجها، وإذا أخرج بعضها في البلد الذي فيه المال وأخرج بعضها في بلد آخر فإنه لا بأس بذلك.
    ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى الدعوة إلى إخراج الزكاة، ثم إن قوله: (صدقة في أموالهم) دليل على أن الصدقة تطلق على المفروضة، كما أنها تطلق على التطوع، وكثيراً ما يأتي ذكر الصدقة ويراد بها التطوع، والزكاة يراد بها المفروضة، لكن الصدقة تأتي للمفروضة وللتطوع، ولهذا جاء إطلاق الصدقة على الزكاة المفروضة كما هنا: (صدقة في أموالهم)، المقصود به: الزكاة المفروضة، قوله: (خذ من أموالهم صدقة) أي: الزكاة المفروضة، وقوله: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا )[التوبة:60] أي: الصدقات المفروضة، فإن الصدقات تأتي بمعنى: المفروضة وتأتي بمعنى: التطوع، تأتي بما هو فرض وبما هو تطوع، تأتي لهذا ولهذا، بخلاف الزكاة فإنها تأتي فيما هو مفروض، واستعمالها فيما هو مفروض، ولهذا يأتي الجمع بين الصلاة والزكاة فإيتاء الزكاة، يأتي بمعنى المفروضة التي فرضها الله عز وجل، وهي التي قرنت بالصلاة، والتي هي لازمة وواجبة ومتعينة، بخلاف الصدقة، فإنها إحسان وتطوع، والله عز وجل يقول كما في الحديث القدسي: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) الحديث.
    ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد بعد أن يستجيبوا لدفع الزكاة كما جاء، هنا الرواية ليس فيها ذكر الكرائم، لكن فيها اتقاء دعوة المظلوم، وقد جاء في الصحيحين وفي غيرهما ذكر كرائم الأموال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن هم أطاعوك ) أي: بأن استسلموا وانقادوا لإعطاء الزكاة قال: ( إياك وكرائم أموالهم ) يعني: لا تأخذ الزكاة من أنفس أموالهم، بل يؤخذ من المتوسط، لا يؤخذ الجيد ولا الرديء وإنما يؤخذ من أوساط المال، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أرشده إلى أخذ الزكاة قال: ( فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ) يعني: احذر أن تأخذ منهم الزكاة على وجه لا يجب عليهم، إلا إذا أخرجوه هم طيبة به نفوسهم فلا بأس، إذا دفعوا النفيس أو تقدموا هم بدفع النفيس يؤخذ منهم، أما أن يؤخذ منهم ويلزمون به ونفوسهم لا تسمح بذلك فإن هذا ظلم، ولهذا قال: ( فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم )؛ لأنها إذا أخذت الكرائم بغير طيب أنفسهم فإن ذلك من الظلم لهم؛ لأن الحق الذي فرضه الله الوسط، ليس النفيس وليس الرديء وإنما هو الوسط الذي بين هذا وهذا، فإذا أعطوا النفيس لا بأس، إذا أعطوه وجادت به نفوسهم ولم يؤخذ منهم قهراً وقسراً لا بأس به ويؤخذ منه، أما أن يؤخذ منهم قسراً فإن هذا ظلم، ولهذا قال: (واتق دعوة المظلوم) يعني: معناه إذا فعلت هذا يكون ظلماً، (واتق دعوة المظلوم)؛ لأن الإنسان إذا ظلم فهو يدعو على من ظلمه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فإنها لا صارف يصرفها، ولا مانع يمنع منها، لكن هذه الدعوة يعني: لا يلزم أن تكون تحصل ويحصل مقتضاها، بل الأمر كما جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان إذا دعا دعوة فإنه إما أن يحصل ما أراد، أو يدفع عنه من الشر، أو يدخر له من الخير ومن الثواب ما يدخره الله عز وجل، كما جاء ذلك في حديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    فوائد وحكم من حديث ابتعاث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن

    الحاصل: أن هذا حديث عظيم، ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومن كمال نصحه وفصاحته وبلاغته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفيه بعث الدعاة إلى الله عز وجل، ورسم الخطة لهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رسم الخطة وقال: افعل كذا وافعل كذا، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأنه يعرف أحوال المدعوين حتى يستعد الداعية لهم، وأنه يبدأ بالتوحيد أولاً، فيبدأ بالأهم فالأهم، ثم أنه ينتقل إلى الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ثم ينتقل إلى الزكاة وهي التي تلي الصلاة، وفيه ما أشرت إليه يعني: من الفوائد.والحاصل: أنه حديث عظيم من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً فيه قبول خبر الواحد والاحتجاج به في العقائد وغير العقائد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن ليدعوهم إلى التوحيد وإلى الصلاة والزكاة، ومن المعلوم أن الحجة قامت عليهم بتعليم معاذ لهم، وهو أرشده إلى التوحيد أولاً، فخبر الواحد وقبول خبر الواحد هذا أصل ثابت في الكتاب والسنة، وهذا دليل من أدلته؛ لأنه أرسل شخصاً واحداً إلى اليمن يدعوهم إلى الشهادتين، يدعوهم إلى إخلاص العمل لله، وإلى متابعة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ثم إن الحديث ليس فيه ذكر الصيام ولا ذكر الحج، مع أن بعث معاذ كان متأخراً بعد فرض الصيام وبعد فرض الحج، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ولايته على اليمن رضي الله عنه وأرضاه، فتكلم العلماء في عدم ذكر الصيام والحج، وأجابوا بأجوبة من أحسنها: الجواب الذي ذكره الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري عن شيخه سراج الدين البلقيني قال: إن الشارع إذا كان بصدد بيان أركان الإسلام فإنه يأتي بها كاملة، ولا يترك شيئاً منها، كما جاء في حديث معاذ وكما جاء في حديث جبريل؛ لأنه المقصود بيان الأركان فهو يأتي بالجميع، أما إذا كان المقصود الدعاء إلى الإسلام فإنه يقتصر على الأمور الثلاثة بالتدرج، فإنه يعني تأتي الأحاديث فيها الاقتصار على التوحيد وعلى الصلاة والزكاة؛ لأنه إذا كان المقصود هو بيان الأركان يأتي بالأركان الخمسة (بني الإسلام على خمس: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...) كما في حديث جبريل ويأتي بالخمسة، لكن لما كان في الدعوة إلى الوحيد فإنه يذكر الأشياء الثلاثة وغيرها تابع لها، قال: والحكمة في ذلك أن الشهادتين هي الأساس، وهي ثقيلة على الكفار أن يجعلوا الإله واحداً، بل هم يجعلون الآلهة المتعددة والآلهة المختلفة فيثقل عليهم أن يأتوا أو يعبدوا الإله الواحد كما أخبر الله عن الكفار: ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )[ص:5].
    وأما الصلاة فلتكررها في اليوم والليلة وهي عبادة بدنية، ثم الزكاة؛ لأن المال عظيم شأنه عند النفوس، والله جبل النفوس على حب المال، فإذا حصل المحافظة على الصلاة وهي تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فالمحافظة على الصيام الذي لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة وهو عمل بدني من باب أولى، يمكن من الأسهل؛ لأنه ذكر الأشياء التي إذا فعلت غيرها يكون سهلاً على من أتى بها، والحج بدني مالي، فالذي يحافظ على الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، ويحافظ على الزكاة التي هي عبادة مالية والنفوس جبلت على محبة المال؛ فإن من سهل عليه بذل المال في الزكاة يسهل عليه بذله وإنفاقه في الحج ليؤدي الفرض الذي فرضه الله عز وجل عليه في الحج، وكذلك الذي يحافظ على الصلاة وهي عبادة بدنية تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، يمكن من السهل عليه أن يكلف بدنه سفرة في عمره مرة واحدة يؤدي بها الحج، قالوا: فلم يذكر الصيام والحج وقد كان بعث معاذ إلى اليمن بعد فرضهما؛ لأن الذي يأتي بهذه الأمور الثلاثة التي هي الشهادتان والصلاة والزكاة من السهل عليه أن يأتي بما وراءه من الصيام والحج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب ... فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ...)

    قوله: [ محمد بن عبد الله ].هو محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن المعافى ].
    هو ابن عمران الموصلي وهو ثقة أخرج حديثه البخاري، وأبو داود والنسائي.
    [ عن زكريا بن إسحاق ].
    هو زكريا بن إسحاق المكي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ عن أبي معبد ].
    واسمه نافذ مولى ابن عباس مشهور بكنيته أبي معبد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ].
    ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    والحديث من مسند ابن عباس ، وقد جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات أن ابن عباس يرويه عن معاذ، قال: عن ابن عباس عن معاذ، ولا تنافي بينهما؛ فيمكن أن يكون ابن عباس شهد ذلك أو أنه أخذ ذلك عن معاذ فكان يرويه عنه بواسطة، ويضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة، وإن لم تعرف الواسطة، وهنا قد عرفت الواسطة وهو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، ولكن الحديث هنا عند النسائي وهو من مسند ابن عباس وليس من مسند معاذ.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #395
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (392)

    - تكملة باب وجوب الزكاة


    من الأمور الضرورية التي ينبغي للمسلم معرفتها أن الزكاة واجبة ويكفر منكرها، وإخراجها عن طيب نفس دليل على صحة الإيمان، ولهذا جعل الله تعالى للمتصدقين باباً في الجنة يدخلون منه وهو: باب الصدقة.
    تابع وجوب الزكاة

    شرح حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى تحت ترجمة: [ باب وجوب الزكاةأخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: ( قلت: يا نبي الله! ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه، أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله، وإني أسألك بوحي الله: بم بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ) ].
    فقد أورد النسائي رحمه الله تحت ترجمة: باب وجوب الزكاة، حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وبعثه إلى اليمن، وأمره بأن يدعو إلى التوحيد أولاً، ثم إلى الصلاة ثانياً، ثم إلى الزكاة ثالثاً، ثم أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: إنني ما جئتك إلا وقد حلفت عددتهن لأصابع يدي، يعني: أنه حلف عشرة أيمان بعدد أصابع اليدين أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدخل في دينه، يعني أنه كان كارهاً للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام، ثم إن الله تعالى من عليه وهداه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، وأن يبين له الدين الذي بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم به، فقال: الإسلام، فقال: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، والمقصود من الحديث الجملة الأخيرة، وهي قوله: وتؤتي الزكاة؛ لأنه أرشده إلى ثلاثة أمور، إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، والتخلي من عبادة كل من سواه، ثم الصلاة، ثم الزكاة، وهذه هي الأمور الثلاثة التي جاءت في حديث معاذ مرتبة على حسب الأهمية، بأن يبدئ بالدعوة إلى الصلاة، ثم يبدئ بالدعوة إلى الزكاة، فهو أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أعظم أمور الإسلام، وآيات الإسلام، والأشياء المطلوبة في الإسلام، وهي الشهادتان التي أشار إليها بقوله: أسلمت وجهي لله وتخليت، والرجل جاء يخاطب النبي ويقول: يا نبي الله! فمعنى ذلك أن أعظم شيء يدعى إليه في دين الإسلام هو الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
    وهنا قال: (أسلمت وجهي لله وتخليت)، وهذا يعني: لا إله إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله، نفي وإثبات، تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وتثبتها لله وحده لا شريك له، فإن قوله: (أسلمت وجهي لله)، هي بمعنى: إلا الله، وتخليت، هي بمعنى: لا إله، ففيها نفي وإثبات، وفيها ترك وإتيان؛ ترك عبادة كل من سوى الله، والإتيان بالعبادة لله وحده لا شريك له.
    فلا إله إلا الله متكونة من ركنين: نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، وهذان الركنان معناهما: أنك تنفي العبادة عن كل من سوى الله في الركن الأول، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له في الركن الثاني؛ لأن الأول نفي عام، والثاني إثبات خاص، نفي العبادة عن كل من سوى الله وهذا النفي العام، وإثبات العبادة لله وحده وهذا هو الإثبات الخاص.
    فقوله: (أسلمت وجهي إلى الله)، هي تماثل: إلا الله، (وتخليت) تماثل: لا إله، أي: أنه تخلى من عبادة كل أحد سوى الله سبحانه وتعالى، وأتى بالعبادة لله وحده لا شريك له خالصة له، كما أنه لا شريك له في ملكه فلا شريك له في العبادة، كما أنه رب العالمين، وهو خالق الخلق، فهو الإله الحق الذي يجب أن يفرد بالعبادة، ولا يجوز أن يصرف لغيره شيء من أنواع العبادة، بل العبادة كلها تكون خالصة لوجهه.
    ومن المعلوم أن العبادة التي تكون لله خالصة لا بد أن تكون مطابقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما أشرت إليه في الدرس الماضي من أن هذا هو مقتضى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أي: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
    فلا ينفع العمل صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وكذلك أيضاً لا ينفعه العمل مع كونه خالصاً لله إلا إذا كان مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تخلف أحد الاثنين: الإخلاص أو المتابعة فإن العمل لا ينفع صاحبه عند الله، بل لا بد من نفعه وقبوله عند الله أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أما إذا كان ليس خالصاً لله فإنه مردود؛ لقول الله عز وجل: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ))[الفرقان:23]، وعائشة رضي الله عنها لما ذكرت ابن جدعان وأنه كان يتصف بكذا وكذا وكذا، يعني: من أعمال الخير والإحسان، والمساعدات والإعانات، قال عليه الصلاة والسلام: ( إنه لم يقل: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )، يعني: لا ينفعه ذلك؛ لأنه لم يؤمن بالله عز وجل، ويخص الله تعالى بالعبادة، ويكون مؤمناً بالله، عابداً لله وحده، فلم ينفعه ذلك.
    وأما إذا كان العمل ليس على السنة فإنه مردود على صاحبه، فيدل على ذلك الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية لـمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
    فإذاً: من شروط القبول: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة الأولى فيما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل بقوله: (أسلمت وجهي إلى الله وتخليت)، فيه إخلاص العبادة لله عز وجل، ونبذ عبادة كل من سواه، ثم ذكر الإتيان بالصلاة، ثم ذكر إيتاء الزكاة، التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد أرشده إلى هذه الأمور الثلاثة التي هي التوحيد، والصلاة، والزكاة، وغير ذلك تبع له، فمن استسلم وانقاد، وأتى بهذه الأمور الثلاثة يسهل عليه أن يأتي بما سواها.
    ثم إن الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بشدة عداوته له، وأنه كان كارهاً له ولدينه، وقد حلف عشرة أيمان بعدد أصابع يديه أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي دينه، ثم إن الله عز وجل قذف في قلبه الإيمان، ووفقه للإيمان، وهداه للإيمان، فتبدلت حاله من السوء إلى الحسن، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً متعلماً، سائلاً النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء التي هي مطلوبة منه، والتي بعثه الله تعالى بها، فبين له عليه الصلاة والسلام أعظم ما هو مطلوب من المسلم إذا أسلم لله عز وجل ودخل في الدين، فإنه أول ما يطالب به: أولاً المفتاح الذي هو الشهادتان، ثم أول شيء بعد ذلك الصلاة، ثم بعد ذلك الزكاة.
    ففي هذا بيان ما كان عليه ذلك الرجل من شدة العداوة والبغض، كونه ألزم نفسه بأيمان حتى لا يهون عليه أن يأتي إليه، وتلك الأيمان هي بأصابع يديه، وقوله في الحديث: عددهن لأصابع يديه، يعني: هذا المقصود بالضمير بعددهن، أي: عدد أصابع اليدين، يشير لأصابع يديه، يعني: كأنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بيديه، وقال: عددهن، يعني: أنه يشير إلى أصابع يديه، ثم إن الله عز وجل هداه ومن عليه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسترشداً وسائلاً عن أمور الدين، فبين له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك وأجابه على ما سأله عنه.
    والشاهد أن الزكاة هي أهم شيء يدعى إليه بعد التوحيد والصلاة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)


    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [ حدثنا معتمر ].
    هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو هنا غير منسوب، لكن لا لبس في عدم النسبة؛ لأنه لا يوجد في الكتب الستة من اسمه معتمر سواه، هو الشخص الوحيد الذي يسمى بهذا الاسم، يعني: معتمر بهذا الاسم ليس معه أحد في هذا، ولهذا سواء نسب أو لم ينسب؛ لأن ما هناك رجل عند النسائي اسمه معتمر إلا هذا الرجل، بل ولا في الكتب الستة كلها رجل يقال له: معتمر إلا هذا الرجل، وهو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده ].
    هو بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    يروي عن أبيه حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    وحكيم يروي عن معاوية الذي هو جد بهز وأبو حكيم ، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري تعليقا،ً ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي أن هؤلاء الثلاثة الذين هم: الجد والابن والحفيد كلهم خرج لهم البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، وحكيم وبهز كل منهما صدوق، وأما معاوية فهو صحابي.
    [ وإني كنت امرءاً ما أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله ].
    إني كنت لا أعقل شيئاً، يعني: ليس عنده شيء من العلم ومن الحق إلا ما يأخذه عن الله وعن رسوله، أي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو يبلغ عن الله، يعني: أنه ليس عنده شيء من الدين إلا ما يأخذه من النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبلغه عن الله عز وجل، ولهذا سأله عن الذي بعثه الله تعالى به، وليس معنى ذلك أنه يشير إلى أنه ليس عنده علم؛ لأنه من المعلوم أنه الآن يبحث عن الإسلام والذي هو الأساس، فإذاً هو يسأل عن ما هو مطلوب منه، وما هو لازم له، وليس معنى ذلك أن عنده علماً سابقاً.
    وقوله: أسألك بوحي الله، النسائي أورد الحديث في موضعين في هذا الباب، وأورده في باب: السؤال بوجه الله، والحديث جاء فيه بلفظ: أسألك بوجه الله، وفي هذه الرواية: بوحي الله، والرواية التي ذكرها النسائي في باب سيأتي: أسألك بوجه الله، والسؤال بوجه الله سؤال بصفة من صفاته، وكذلك السؤال بوحي الله سؤال بصفة من صفاته؛ لأن الكلام هو وحي الله عز وجل، وحي الله هو كلامه الذي أوحى به إلى رسله الكرام، فسواء كانت وحياً، أو سواء كانت وجهاً، الوحي هو كلام الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، والوجه صفة من صفات الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، فإن كان كل من الروايتين محفوظاً فكل له معنى، وإن كانت واحدة، يعني: مصحفة عن الثانية، وفي بعض النسخ هنا كما أشار في التعليق، فيها: بوجه الله، وعلى هذا تتفق مع الرواية التي ستأتي، ولكن على كون هذه محفوظة، فإن وحي الله هو كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ووجه الله صفة من صفاته.

    شرح حديث: (... والزكاة برهان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن مساور حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك ) ]. أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه الذي فيه بيان فضائل لعدة خصال وعدة أعمال، اشتمل على فضائل لعدة أعمال، اشتمل على فضل الطهور، والوضوء وإسباغه، واشتمل على فضل التحميد والتسبيح، واشتمل على فضل الصلاة، وعلى فضل الزكاة، وعلى فضل الصبر، وعلى بيان أن القرآن حجة للإنسان أو عليه، فهو مشتمل على فضائل عديدة.
    ومقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب الذي هو باب وجوب الزكاة، أو ما يتعلق بالزكاة قوله: (والزكاة برهان)، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث؛ لأن الحديث يتعلق بالصلاة، ويتعلق بالزكاة، ويتعلق بالصبر، ويتعلق بالوضوء وإسباغه، ويتعلق بذكر الله عز وجل، والثناء عليه، كل هذه فضائل دل عليها هذا الحديث، أو اشتمل عليها هذا الحديث على فضائل أعمال قولية وفعلية، والمقصود من إيراده جملة من جمله وهي: (والزكاة برهان)، وفي بعض الألفاظ: (والصدقة برهان)، وقد ذكرت أن الزكاة أنها تأتي يراد بها الفريضة، وتستعمل للفريضة، وأن الصدقة تأتي للنافلة وللفريضة، وذكرت بعض النصوص التي فيها ذكر الصدقة بمعنى الفريضة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ )[التوبة:60]، وكذلك: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة:103]، وحديث معاذ الذي مر بنا بالأمس: ( أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، وفي الحديث هنا يقول: ( والصلاة نور، والزكاة برهان ).
    وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان )، وقد جاء في صحيح مسلم : (الطهور شطر الإيمان)، والمراد بالطهور هو الوضوء، وقيل: إن قوله: إنه شطر الإيمان؛ لأن الوضوء فيه طهارة الظاهر، وفيه نظافة الظاهر، والإيمان فيه نظافة الداخل الباطن؛ لأن الإيمان فيه طهارة الباطن، والوضوء فيه طهارة الظاهر، فصارت الطهارة ظاهرة وباطنة، فالباطنة هي: تتعلق بالقلب وهو الإيمان، وظاهره: تتعلق بالجوارح التي هي نظافتها، فنظافة القلب بالإيمان، ونظافة الجوارح بالطهارة التي هي الوضوء.
    وقيل: إن المراد بالإيمان هو الصلاة، والطهور هو شطره، بمعنى أنه لا صلاة إلا بطهور، ليس هناك صلاة إلا بطهور، فهي شرط من شرائط الصلاة، بل من أعظم شرائط الصلاة أن الإنسان يكون على طهارة، ولا ينفع إنسان أن يصلي على غير طهارة، ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا صلاة إلا بطهور.
    فإسباغ الوضوء شطر الإيمان، قالوا: إن الإيمان هنا مراد به الصلاة، ويأتي إطلاق الإيمان على الصلاة، كما قال الله عز وجل: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )[البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، يعني: الصلاة الأولى التي صلوها إلى بيت المقدس وماتوا، أو الذين كانوا موجودين، فصلاتهم إلى بيت المقدس في محلها؛ لأنها طاعة لله، وصلاتهم إلى الكعبة أيضاً في محلها؛ لأنها طاعة لله، والذي ذهب لا يضيعه الله، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس التي كانت قبل النسخ والتحويل، فمن العلماء من قال: إن المراد بالإيمان الصلاة، والإتيان بالصلاة لا يتم إلا بالوضوء.
    وكما قلت: في مسلم: ( الطهور شطر الإيمان )، وهنا (إسباغ الوضوء)، وإسباغ الوضوء يكون بالاستيعاب، وكذلك أن يشرع في العضد، وفي الساقين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل المرفقين والكعبين، ويشرع في الساقين والعضدين، معناه: أنه يدخل فيها، لكنه لا يستمر فيها ويطيل، وإنما يشرع فيها أن يتجاوز المرفق، فهذا من إسباغه، يعني: العناية بالاستيعاب، وكون الإنسان يشرع في الغسل الذي فيه النهاية، وهو الكعبان في الرجلين، والمرفقان في اليدين، بحيث يدخل في العضد ويدخل في الساقين، لكن لا يطيل ولا يستمر، وإنما يشرع فيهما، وكذلك أيضاً يكون بالتكرار، يعني: يغسل ثلاث مرات، يغسل مرتين أو ثلاث مرات؛ لأن هذا من الإسباغ، فهو شطر الإيمان، يعني: إكمال الوضوء وإسباغه هو شطر الإيمان.
    ( والحمد لله تملأ الميزان )، الحمد لله ثناء على الله عز وجل، وكلمة الحمد لله كلمة يقولها الإنسان بلسانه وشأنها عظيم عند الله عز وجل، فقيل في معناها: أن الأعمال التي تكون أعراضاً تكون أجساداً وأجساماً يوم القيامة وتوضع في الميزان، هي وإن كانت عرضاً بمعنى أنها صفة وهي كلام، إلا أن ذلك الكلام يجعله الله عز وجل على صورة جسم وعلى صورة شيء يوضع في الميزان، ولهذا جاء أن الأعمال تكون أعراضاً وتوضع في الميزان، وجاء أيضاً كونها تنفع صاحبها مثل ما جاء في البقرة وآل عمران، يعني: قراءتهما يأتيان يوم القيامة وهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تظل صاحبها يوم القيامة، تكون ظلاً له، يعني: فقراءته التي قرأها لهاتين السورتين يجعلهما الله عز وجل يعني: سحابة، أو غمامة، أو فرقان من طير صواف، يعني: تظلل صاحبها، الأعمال تقلب أعراضاً، ويجعلها الله أعراضاً وتوضع في الميزان، ويستفيد منها صاحبها كالتظلل الذي حصل.
    ( الحمد لله تملأ الميزان )، يعني: شأنها عظيم عند الله عز وجل، وفيه أيضاً دليل على أن الأعمال توزن، وإثبات الميزان وأن هناك ميزاناً توزن به الأعمال، والمقصود من الوزن هو: إيقاف الإنسان على أعماله، والموازنة بين سيئاته وحسناته، وليس ليعلم الله عز وجل المقدار؛ فالله تعالى عالم به وعالم بكل شيء وزن أو لم يوزن، لكن المقصود من ذلك إظهار وإيقاف الإنسان على حسناته وسيئاته، والموازنة بينها، حتى يقف على ذلك وأنه لا يظلم، وأن الله تعالى يجازيه بالعدل وبالقسط: ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )[الكهف:49]، فهذا هو المقصود من الوزن: إيقاف الناس على أعمالهم والموازنة بينها.
    ( والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض ).
    والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، وفي لفظ مسلم: ( وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض )، تملآن أو تملأ الواحدة منهما ما بين السماء والأرض، يعني: أن الله تعالى يجعلهما على صفة أجسام وتوضع في الميزان.
    ( والصلاة نور ).
    والصلاة نور، يعني: نور لصاحبها في الدنيا والآخرة، فهي نور وإشراق وضياء في وجهه، علامة على العبادة والطاعة، ثم أيضاً تكون نوراً له يعني: نور معنوي، بمعنى أنه يبصره فيما يعود عليه بالخير وما يعود عليه بالمضرة، ويوضح ذلك قول الله عز وجل: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )[العنكبوت:45]، فهذا من كونها نور، يعني: كونها فيها النهي عن الفحشاء والمنكر، وتنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتكون سبباً في امتناع صاحبها عن الفحشاء والمنكر، هذا من الضياء ومن النور الذي فيها، يعني: نور معنوي، وكذلك نور يوم القيامة يستضيء به الإنسان ويضيء للإنسان، ويكون نوراً بين يدي الإنسان، فهي نور كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، هي نور في الدنيا وفي الآخرة، نور في الوجه ونور في الطريق، وكون الإنسان يعرف الحق فيعمل به، وينتهي عن الباطل بسبب الصلاة، ووجه ذلك: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، هذا الفرض من غير النوافل، والإنسان عندما يكون محافظاً على الصلوات، وحريصاً على النوافل، إذا حدثته نفسه بسوء يتذكر: لماذا يصلي ولمن يصلي؟ يصلي يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، فكيف تحدثه نفسه بأن يقع في المعاصي، فتذكره صلاته ومحافظته على الصلاة، وصلته الوثيقة بالله عز وجل تكون سبباً في كونه يرعوي وينزجر، ويبتعد على أن يقع في المعاصي.

    معنى أن الزكاة برهان والصبر ضياء

    ( والزكاة برهان ) هي برهان على إيمان صاحبها، وعلى صدق إيمانه، لماذا؟ لأن المال عزيز على النفوس، والنفوس جبلت على حب المال، فالإنسان الذي يؤدي الحق الذي فرض الله عليه طيبة به نفسه مع ما جبلت عليه النفوس على حب المال، فهذا دليل على إيمان صاحبها، وبرهان وعلامة واضحة على الإيمان؛ لأن الإيمان هو الذي دفعه إلى هذا، وضعف الإيمان هو الذي يجعله يبخل بالزكاة ويبخل بالمال، ولا يصرف المال فيما ينبغي أن يصرف فيه المال، وحرص النفوس على المال هذا أمر معلوم، ولهذا يأتي الإنفاق في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال، ويقدم المال على النفس، كل المواضع التي جاءت في القرآن فيها تقديم المال على النفس، إلا في موضع واحد قدمت النفس على المال، في آية: ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )[التوبة:111]، يعني: قدم المال في الآيات الكثيرة على النفس، وذلك لما جبلت عليه النفوس من محبة المال، ولأن أيضاً الجهاد بالمال يحصل ممن عنده القدرة على الجهاد بالنفس وممن ليس عنده القدرة على الجهاد بالنفس، يعني: عنده مال، ولكن ما عنده قدرة على أن يجاهد بنفسه، ويكون عنده قدرة فيجمع بينهما، فجاء في القرآن كثيراً تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. ( والزكاة برهان، والصبر ضياء ).
    والصبر ضياء، الصبر هو ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، صبر على النوائب والمصائب، الإنسان إذا وقعت به مصيبة لا يتسخط، بل يقول: قدر الله وما شاء فعل، إذا حصل له شيء يكرهه، وهو حريص على أن يحصل له ما يريد من الخير ولكن فاته وحصل له شيء لا يريده، فيقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، كما جاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فيصبر الإنسان على طاعة الله، ويصبر عن معاصي الله، ويصبر على أقدار الله المؤلمة التي فيها مصائب وفيها ابتلاء وامتحان، ويصبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة على الصبر، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن العاقبة وخيمة؛ لأنها لذة ساعة وبعدها حسرة وندامة وعقوبة من الله عز وجل، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، أي: الطريق إلى الجنة يحتاج إلى صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، صبر على الطاعات ولو شقت على النفوس، والإنسان من المعلوم أنه إذا كان نائماً في الليل لا سيما في وقت الشتاء وفي شدة البرد، والفراش وفير، وفي فراش دافئ، ثم سمع الأذان وسمع: الصلاة خير من النوم يهب من فراشه ونفسه تميل إلى النوم، وتشتهي النوم والفراش، يعني: هو مرتاح في الفراش، لكن ما يدعى إليه وهو الصلاة خير من هذا الذي هو متلذذ فيه، والذي هو مرتاح إليه ومطمئن إليه وهو النوم، الصلاة خير من النوم، فيقوم ويذهب في البرد، وقد يكون الإنسان أيضاً يتوضأ بماء بارد وما عنده شيء يسخن فيه، ففيه مشقة على النفوس، كذلك الصيام فيه مشقة، والزكاة فيها مشقة، لأن النفوس مجبولة على حب المال، ومع ذلك تجد الإنسان يصبر على الطاعة ولو شقت على النفوس، ويصبر على المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن عاقبة الصبر على الطاعة حميدة، وعاقبة الانسياق وراء النفس الأمارة بالسوء أو الوقوع فيما تشتهيه النفوس مما لا يسوغ عاقبته وخيمة، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، فالصبر ضياء؛ لأن فيه الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، والصبر على أقدار الله، فهو ضياء يضيء للإنسان الطريق في الدنيا والآخرة، يضيء للإنسان الطريق في الدنيا؛ لأنه فيه صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وفي الآخرة حصول الثواب له بالنور والضياء والإشراق الذي يكون له بثبوته على طاعة الله وصبره عن معاصي الله عز وجل.
    (والقرآن حجة لك أو عليك)، هو حجة لك إن قمت بما يجب عليك نحوه، يعني: عملت بما فيه، امتثلت الأوامر، وانتهيت عن النواهي، وصدقت الأخبار، وعبدت الله طبقاً لما جاء في القرآن والسنة، فإن القرآن يكون حجة للإنسان، حجة له ينفعه عند الله عز وجل، وحجة على الإنسان إذا كان بخلاف ذلك، يعني: كونه يعرف الحق، ولا يعمل به، فيكون حجة عليه لا له، والقرآن إما حجة الإنسان وإما حجة على الإنسان، فإن قام بما يجب عليه نحوه كان حجة له، وإن كان بخلاف ذلك كان حجة عليه.
    والحديث في صحيح مسلم وفي النسائي وفي غيره، وقد جاء حديث آخر في صحيح مسلم هو بمعنى هذا الحديث، وهو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث أخرجه مسلم، كان له أمير على مكة، فجاء الأمير، فسأله عمر: من أمرت على مكة، يعني: في حال غيبتك، أو من وليت على أهل مكة في حال غيبتك؟ فقال: ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى، قال: نعم يا أمير المؤمنين! إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، هذه مسوغات للتعيين والاختيار، والترشيح للعمل، إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، ماذا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه؟ تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين )، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع فيه آخرين )، مثل قوله: حجة لك أو عليك؛ لأن فيه من يرفع، وفيه من يوضع، فيه من يكون حجة له، ومن يكون حجة عليه، فيه من يكون القرآن شاهد له، ومنهم من يكون القرآن شاهد عليه؛ لأنه ما قام بما يجب عليه نحوه، ولهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه لما أخبره بوجه الاختيار وأنه لعلمه بالكتاب، وبمعرفته للفرائض والأحكام، تذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عند ذلك: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: فيه تنفيذ وتطبيق، أو مطابقة لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الإنسان: صدق الله، أو يقول: صدق رسول الله، مر بنا قريباً الحديث الذي فيه: إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال: صدق الله إذ يقول: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )[الأنعام:160]، الحديث مر بنا قريباً، أن الإنسان إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال لعله أبو هريرة أو كذا: صدق الله عز وجل إذ يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام:160]، هنا لما قال له أن هذا الرجل اختاره على غيره وقدمه لأنه عالم بالكتاب، وعارف بالفرائض، تذكر الحديث وقال عنده: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... والزكاة برهان ...)

    قوله: [ أخبرنا عيسى بن مساور ].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ].
    صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [ عن معاوية بن سلام ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أخيه ].
    هو زيد بن سلام، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ أنه أخبره جده أبي سلام ].
    واسمه ممطور ، وهو ثقة، يرسل، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن، يعني: مثل حفيده زيد بن سلام.
    [ عن عبد الرحمن بن غنم ].
    قيل: إنه معدود في الصحابة، وقيل: إنه تابعي، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ أن أبا مالك ].
    هو أبو مالك الأشعري، واختلف في اسمه، فقيل: إن اسمه الحارث ، وقيل: عبيد ، وقيل: كعب ، وقيل على ذلك أقوالاً كثيرة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود وابن ماجه.


    شرح حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن نعيم المجمر أبي عبد الله أنه قال: أخبرني صهيب أنه سمع من أبي هريرة ومن أبي سعيد يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ( والذي نفسي بيده، ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا ندري على ماذا حلف، ثم رفع رأسه في وجهه البشرى، فكانت أحب إلينا من حمر النعم، ثم قال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، فقيل له: ادخل بسلام ) ]. ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم، وحلف، ولم يذكر المحلوف، ثم أكب، فأكب الناس يبكون، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى، ففرحوا، واعتبروا ذلك خيراً لهم من حمر النعم التي هي أنفس الأموال عندهم، وحمر النعم يأتي في الحديث ذكر الإشارة إليها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعلي : ( والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )؛ لأنها أنفس الأموال عندهم، فكانت أحب إليهم ومن أنفس ما هو عندهم، يعني: أن هذا الذي حصل أحب إليهم مما هو أنفس شيء عندهم في الحياة الدنيا، وهو هذه النعم الحمر الذي هذا وصفها.
    فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة فقيل له: أدخل بسلام ).
    يعني: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له: ادخل بسلام.
    في الحديث ذكر الصلاة والمحافظة على الصلوات الخمس، وكذلك فيه ذكر الصيام وذكر الزكاة، والمقصود من إيراد الحديث هنا ذكر الزكاة، وكون الزكاة ذكرت، وكون الإنسان يؤدي الزكاة، ثم مع كونه يفعل هذه الأفعال يجتنب الكبائر السبع وهي الموبقات، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السبع الموبقات وهي: الشرك بالله، والزنا، وقتل النفس التي حرم الله، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، يعني: هذه وردت في حديث أبي هريرة في الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الجزاء يكون على ترك وعلى فعل، على ترك المحرمات، وترك الكبائر والموبقات، وعلى أيضاً فعل، وهو الإتيان بالصلوات، والإتيان بالصيام، والإتيان بالزكاة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)


    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن شعيب ].
    هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .
    [ عن الليث ].
    هو الليث بن سعد، يعني: أبو شعيب، يعني: شعيب يروي عن أبيه الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا خالد ].
    هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي هلال ].
    هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نعيم المجمر ].
    هو نعيم بن عبد الله المجمر أبو عبد الله، هو أبوه عبد الله، وكنيته أبو عبد الله، فكنيته توافق اسم أبيه، فهو نعيم بن عبد الله المجمر، وقيل له: المجمر؛ لأنه كان يجمر المسجد، يعني: يأتي بالجمر ويضع عليه العود أو البخور الطيب ويبخر المسجد، فقيل له: المجمر، يعني: لقب بهذا، وقيل: إنه لقب لأبيه وأيضاً هو لقب به، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني صهيب ].
    صهيب مولى العتواريين، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده كما في التهذيب.
    [ أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد ].
    أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر الصحابة حديثاً، وأبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    والحديث ذكره الألباني وحكم عليه بالضعف، ولعل حكمه عليه بالضعف بسبب صهيب هذا الذي ذكر أنه مقبول، لعله هذا سبب التضعيف.
    وفي التقريب، يقول: صهيب مولى العتواريين، وفي موضع يقول في الهامش في نسخة تهذيب الكمال: العتواري، تفرد نعيم المجمر بالرواية عنه، ووهم من قال غير ذلك، مقبول من الطبقة الرابعة.

    شرح حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير لك، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟! قال: نعم، وإني أرجو أن تكون منهم )، يعني: أبا بكر]. أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، يقول: يا عبد الله! هذا خير لك، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟) و(هل) هنا بمعنى النفي، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يقال له: ادخل الجنة من أي باب، يعني: كاف، فهل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ وهذا سؤال استفهام حقيقي، هل يدعى أحد؟ استفهام حقيقي، أما الأول بمعنى: النفي، مثل قوله: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، يعني: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يدعى من باب من أبواب الجنة، هذا خير له، المهم أن يدخل الجنة، لكن هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وأرجو أن تكون منهم)، يعني: لكونه يعمل هذه الأعمال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كونه يعمل هذه الأعمال التي لها هذه الأبواب للجنة.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، المراد بالزوجين قيل: الصنفان، الزوج هو: الصنف والنوع، يعني: والمراد من ذلك أنه يكرر، أو ينوع الصدقة ويكررها، ينفق نفقة معززة مشفوعة بغيرها، يعني: متكررة، هذا هو المراد بالزوجين، ( من أنفق زوجين في سبيل الله)، ثم إنه قيل له: هذا خير، ثم ذكر الصلاة والصيام والصدقة والجهاد، وفيها ما هو من الأعمال البدنية.
    والحديث قيل: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، فقيل: أن المقصود من ذلك: أن كل أعمال البر هي إنفاق، وإن كانت بعض الأعمال ليست مالاً وليست إنفاقاً للمال، إلا أنها إنفاق للجهد وإنفاق للنفس وبذل النفس، ولهذا يقال: أنفق عمره في كذا وكذا، أو صرف عمره في كذا، يعني: فيما يتعلق بالأعمال، ولهذا جاء بعد ذلك إن كان من كذا، فمن أنفق زوجين في سبيل الله دعي، قيل: هذا خير، فيحتمل أن يكون المراد أن ذلك يرجع إلى الصدقة، ويحتمل أن يكون ذلك يرجع إلى الإنفاق العام الذي يشمل الصدقة المالية والصدقة غير المالية التي تكون ببذل النفع وبذل الخير، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعديد الصدقات، وإطلاق الصدقات على أنواع كثيرة غير البذل، بذل المال، مثل: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل هذه من أنواع الصدقات؛ لأنها صدقة من الإنسان على نفسه؛ إذ عمل أعمالاً تفيده، وأيضاً تصدق على غيره إذ أحسن إليه بهذه الأنواع، إماطة الأذى عن الطريق؛ لأنه تصدق على الناس إذ أزال الأذى عن طريقهم حتى لا يتعرضوا لأذى، وحتى لا يحصل لهم أذى، والأمر بالمعروف صدقة؛ لأنه دلهم على الخير، والنهي عن المنكر صدقة؛ لأنه حذرهم من الشر، والكلمة الطيبة صدقة؛ لأن الإنسان تكلم بكلام سر الإنسان وأفاده واستفاد منه.
    فيكون المراد بالإنفاق: العموم، يعني: ما يشمل المال وغير المال، يعني: الجهد والمال، ثم في الحديث دليل على أن تلك الأعمال لها أبواب في الجنة، الصدقة لها باب يقال له: باب الصدقة، والجهاد باب الجهاد، والصلاة باب الصلاة، والصيام يقال: باب الريان، يعني: يختلف، ما قيل اسمه: باب الصيام، وإنما قيل له: الريان؛ لأنه يشعر بالري، وأن من دخله يشرب ويروى؛ لأنه عطش نفسه في الدنيا، فأخبر بأنه يدخل من هذا الباب الذي يشعر بالري.
    ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: (هل على من دخل من أي باب من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم).


    تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)


    قوله: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ حدثنا أبي ].
    وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ عن شعيب ].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني حميد بن عبد الرحمن ].
    هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أن أبا هريرة ].
    عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
    وهل بقية الأبواب في الجنة معروفة الأسماء؟
    فالجواب: الله أعلم، ما ندري، ثم أيضاً لا يلزم أن يقال: إن الأبواب ثمانية بالنسبة لثمانية أعمال؛ لأن أبواب الجنة ثمانية كما هو معلوم، كما جاء ذلك في الأحاديث الكثيرة: ( فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )، من قال: كذا، ومن فعل كذا، لا يقال: إن كل عمل من الأعمال له باب، فيمكن أن يكون هناك أبواب عامة، وأبواب خاصة داخلة ضمن تلك الأبواب، يعني: تستوعب أعمال الخير، لكن كونها تكون أعمال ثمانية من أعمال الخير لها أبواب والباقي ليس له أبواب هذا ليس بظاهر، فيمكن أن تكون هناك أبواب رئيسية تسمى بهذا، وهناك أبواب جزئية، يعني: الأبواب الرئيسية ثمانية كما جاء في الحديث، لكن هناك أبواب داخلة في هذه الأبواب، وذكر المعلق أن فيه أشياء، يعني: ذكر في الحاشية أن فيه أبواب كذا، وقال: أن هذه سبعة، ويمكن أن يكون الثامن كذا وكذا، وهذا لا يعني أن تكون الأبواب هي بعدد هذه الخصال، بل خصال الخير كثيرة، ويدخل الجنة أصحابها، فيمكن والله أعلم أن الجنة لها ثمانية أبواب كما جاء أبواب الجنة الثمانية، لكن الأبواب تحتها أبواب.
    وأبو بكر الصديق هو لا شك منهم؛ لأنه فعل أفعالاً، وقد جاء في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل قال: ( من أصبح منكم صائماً، من أصبح منكم عائداً مريضاً )، من فعل منكم كذا، وكلها اجتمعت في أبي بكر، وكلها يقول أبو بكر : أنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمعت فيه إلا دخل الجنة، وهذا الرجل كما هو معلوم ما مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين أفضل منه، هو الصديق .


    الأسئلة

    الطواف بالرجل الاصطناعية

    السؤال: ما حكم الطواف بالرجل الاصطناعية؟

    الجواب: ما فيه بأس، الإنسان إذا كان رجله يعني: كذا، وصنعت له رجل يمشي عليها فيطوف بها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #396
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (393)

    - باب عقوبة مانع الزكاة - باب زكاة الإبل

    حذر الشرع من ترك الزكاة، ورتب عليه العقوبة في الدنيا والآخرة، وبين مقدار نصاب الزروع والثمار، وأوضحت الأدلة أحكام زكاة الأنعام: الإبل والبقر والغنم ونصاب كل منهما، وحكم الأوقاص فيها.
    عقوبة مانع الزكاة

    شرح حديث: (ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عقوبة مانع الزكاة.أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم منها شيء ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: باب عقوبة مانع الزكاة، يعني: عقوبته في الدنيا، وأما عقوبته في الآخرة فقد مر في بعض الأحاديث كيفية عقابه، وأنه يعذب بالمال الذي منع زكاته، بحيث إذا كان صاحب إبل يبطح لإبله بقاع قرقر فتمر عليه، وتطؤه بأخفافها إذا مر عليه أخراها رد عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وهذه من عقوبته في الدار الآخرة، وأما عقوبته في الدنيا فهي ما جاءت في هذا الحديث، من أنه تؤخذ منه الزكاة، ويؤخذ أيضاً زيادة عليها عقوبة له، فهي عقوبة دنيوية، والنسائي رحمه الله ترجم لهذه الترجمة، عقوبة مانع الزكاة، إشارة إلى ما جاء فيه من قوله: [( فإن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا )].
    والحديث أوله: [( في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون )] في كل سائمة هي التي ترعى أكثر الحول ولا يتكلف صاحبها علفها والإنفاق عليها، وإنما ترعى من الفلاة، فهذه هي السائمة، أما إذا كان يعلفها أو أكثر الحول وهو يعلفها، فإن هذه لا زكاة فيها، اللهم إلا أن تكون معدة للتجارة والبيع، فإنها تزكى زكاة عروض التجارة، لكنها لا تزكى زكاة السائمة؛ لأن الزكاة في الإبل، أو الغنم، أو البقر، يعني في غير التجارة إنما هي في كونها سائمة، يعني: ترعى أكثر الحول.
    وقوله: [(في كل أربعين)] فسره بعض العلماء أنه إذا استقرت الفريضة، بعد المائة والعشرين يكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، لكن هذا لا يستقيم؛ لأن استقرار الفريضة فيه أربعون وفيه خمسون، ما تستقر على أربعين فقط، ثم الذي يظهر أن المقصود من ذلك أن كل أربعين فيها بنت لبون، ولا يعني هذا أن ما كان دون الأربعين لا زكاة فيه وما فوق الأربعين إلى الثمانين لا زكاة فيه؛ لأن هذه دلالة مفهوم لكن هناك دلالة منطوق، وهي التي ستأتي في حديث أنس في كتاب أبي بكر الذي فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصدقات وبين مقاديرها، وفيه: أن ما دون الأربعين فيه زكاة من نوع الإبل ومن غير نوع الإبل، وما فوق الأربعين إلى الثمانين أيضاً، فيه زكاة من نوع الإبل، وما بعد الثمانين أيضاً كذلك فيه زكاة فلا يعني أن ما نقص عن الثمانين نقص عن الأربعين وما زاد على الأربعين، أو ما نقص على الثمانين وما زاد على الثمانين أنه لا زكاة فيه، وإنما فيه الدلالة على أن هذا المقدار فيه الزكاة لكن لا مفهوم له، لأن هذا المفهوم معارض بالمنطوق الذي هو أن الخمس من الإبل فيها شاة والعشر فيها شاتان والخمسة عشر فيها ثلاث شياه، والعشرين فيها أربع شياه والخمسة والعشرين فيها بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين ففيها بنت لبون، تبدأ من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، هذا فيه بنت لبون، فالأربعون موجودة في الوسط وهي ضمن هذا المقدار، وهو يستقيم على أن في كل أربعين بنت مخاض، لكن يشكل عليه إذا بلغت مائة وعشرين، فإن مقتضى هذا الحديث أن في مائة وعشرين ثلاث بنات لبون، لكن جاء في حديث أنس الذي فيه التفصيل أن العشرين هي داخلة في الوقت، وإذا زادت واحدة على العشرين صارت مائة وواحد وعشرين، فيكون فيها ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين، فيكون فيها بنتا لبون وحقة، فإذا صارت مائة وخمسين صار فيها ثلاث حقاق، مائة وستون فيها أربع بنات لبون، وهكذا.
    إذاً: فيشكل على هذا الإطلاق الذي في الحديث رقمه (120) الذي هو المضاعفة الثالثة للأربعين؛ لأن الأربعين فيها بنت لبون، الثمانين فيها بنتا لبون، لأن من ست وسبعين إلى تسعين هذا بنتا لبون، يعني: معناه رقم ثمانين فيه بنتا لبون مطابق لهذا الحديث، لكن رقم مائة وعشرين بمقتضى هذا الحديث يكون فيه ثلاث بنات لبون، لكن حديث أنس الذي فيه التفصيل ذكر أن المائة والعشرين هي تابعة للواحد والتسعين، يعني: فيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة يكون في كل أربعين بنت لبون، وكل خمسين حقة، يعني: إذا زادت واحدة تبدأ ثلاث بنات لبون، أما مائة وأربعون، ومائتان، ومائتان وأربعون، ومائتان وثمانون، وثلاثمائة وعشرون، هذه كلها تمضي على قوله: [في كل أربعين بنت لبون].
    أما قوله: [(لا يفرق إبل عن حسابها)] تحتمل شيئين أنها لا يفرق بين الصغير والكبير، والسمين والهزيل، والسليم والمعيب، بل كلها تحسب، ولكن يؤخذ الوسط لا من الجيد ولا من الرديء، تؤخذ الزكاة من الوسط من أوساط المال، لا من أجود المال ولا من أردأ المال ولكن من أوسط المال، فهي لا تفرق إبل عن حسابها، بمعنى على أحد التفسيرين أنه لا يفرق بين السمان والهزال، والصغار والكبار، لكن هذا الكلام فيما يتعلق بالصغار فيما إذا كان النصاب الأول موجود؛ لأن النصاب الأول لابد من وجوده وحولان الحول عليه.
    أما النصاب الثاني فلا يلزم أن يحول عليه الحول؛ لأن الفرع تبع للأصل، ونتاج السائمة تابع لأصلها، كما أن ربح التجارة تابع لرأس المال، الربح تابع لرأس المال، يذكر رأس المال والربح مع بعض، لكن المهم أن يحول الحول على أقل نصاب، مثلاً من الإبل خمس، من الغنم أربعين، من البقر ثلاثين، فإذا كان الإنسان عنده تسع وثلاثين من الغنم ما فيها شيء؛ لأن النصاب ما وجد، ولو مضى عليها حول لأنه ما وجد النصاب الذي يحول عليه الحول، لكن لو كان عنده أربعون موجودة وتناسلت وتنامت في خلال العام، وفي أثناء العام حتى بلغت مائة وواحد وعشرين مثلاً من الغنم، في آخر الحول بلغت مائة وواحد وعشرين فيكون فيها شاتان؛ لأن الذي حصل النمو وحصلت الزيادة بسبب النماء هو محسوب تبع الأصل، فلو أن إنساناً عنده مائة وعشرون وقبل أن يحول الحول بيوم ولدت واحدة من المائة والعشرين سخلة فتعد السخلة في المائة والعشرين، ولكن لا تؤخذ السخلة ولا الجيد بل تؤخذ من الوسط، هذا بالنسبة للنصاب الثاني وما وراءه، أما النصاب الأول لا يحسب الحول ولا يبدأ الحول إلا من تمامها أربعين، لو كان عنده تسع وثلاثون، هذه لا زكاة فيها ولو حال عليها أعوام إذا ما تنامت وزادت على أربعين، أو وصلت الأربعين فإنه لا زكاة فيها، لأنه ما وجد النصاب ولا زكاة في المال حتى يبلغ النصاب ولا يكون فيه حتى يحول عليه الحول، هذا معنى.
    والمعنى الثاني: [(لا تفرق إبل عن حسابها)] يعني: أنه لا يفرق بين المجتمع خشية الصدقة كما سيأتي في حديث أنس ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، يعني: فيما يتعلق بالخليطين؛ لأن الخلطة تصير المالين كالمال الواحد، ولو كان هذا لشخص وهذا لشخص، والخلطة قد تكون تكثر فيها الزكاة وقد تقل فيها الزكاة مع الخلطة، تكون الزكاة قليلة بسبب الخلطة وتكون كثيرة بسبب الخلطة، فمثلاً: إذا كان واحد عنده أربعون شاة والثاني أربعون شاة والثالث أربعون شاة، وخلطوها وحال عليها الحول ما فيها إلا شاة واحدة، وهي مائة وعشرون؛ لأنه مال واحد، لكن لو كان كل واحد على حدة هذا أربعون وهذا أربعون وهذا أربعون وهذه ترعى على حدة، وهذه ترعى على حدة تصير فيها ثلاث شياه، لأن كل واحد عنده نصاب، وكذلك هذه تنقص بالخلطة تنقص الصدقة، بدل ما يكون فيها ثلاث لو كانت متفرقة يكون فيها واحدة.
    وقد يكون العكس بأن يكون واحد عنده عشرون وواحد عنده عشرون، ثم خلطوها وحال عليها الحول فيها شاة، ولو كان كل واحد عشرينه على حدة ما صار فيها زكاة، لأنها ما بلغت النصاب، فالخلطة تصير المالين كالمال الواحد، وقد تكثر معها الزكاة، وقد تقل معها الزكاة، قد يكون الأحظ للفقراء، وقد يكون غير الأحظ للفقراء، يكون الأحظ فيما إذا كان الجمع يفيد الزيادة، ويكون غيره إذا كان الجمع يفيد النقص، مثلما ذكرت في المثال الذي هو مائة وعشرون وكل واحد له أربعون، فإنه لا يكون فيها إلا شاة واحدة، وتؤخذ من واحد، والاثنان الآخران يرجعان بقسطهما، أو يرجع صاحب الشاه على الاثنين بقسطهما الذي عليهما؛ لأنه تقوم الشاة ثلاثة أثلاث قيمتها فيسقط عن الذي أخرجت ثلث ثم يبقى ثلثا القيمة يأخذه من صاحب الثمانين صاحب الأربعين وصاحب الأربعين، يتراجعا بينهما بالسوية كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا.
    [(فمن أداها مؤتجراً بها فله الأجر)] يعني: من أداها طالباً الأجر وطيبة بها نفسه فإنه يحصل أجرها، ومن أبى عن أدائها أخذت وشطر ماله إما نصفه، وإما بعضه بالإضافة إلى الزكاة التي تستحق على المال، وهذا هو المقصود من الترجمة للنسائي في قوله: عقوبة مانع الزكاة، أي: عقوبته الدنيوية، أنه يؤاخذ إذا رأى الإمام ذلك بأن يأخذ منه إما النصف، أو يأخذ منه بعض المال زيادة على ذلك.
    بعض العلماء يقول: إن الرواية [(شطر ماله)] يعني: يجعل شطرين جيد ورديء، ثم يتخير المصدق من الجيد، وهذا أيضاً فيه عقوبة؛ لأن الحق هو للوسط، فإذا أخذ من الجيد معناه أخذ شيء زائداً عن الحق، إلا أن في هذا يكون العقوبة قليلة، وفي الذي مر تكون العقوبة أشد وأعظم، ثم هذا يدل على أنه لا أجر له؛ لأنه ما نوى، وإنما أخذت قهراً عليه، وما وجدت النية لكن يسقط عنه الفرض، ويسقط عنه الإثم؛ لأنه أدى ما عليه، لكن كونه يحصل الأجر ما يحصل أجر، لأنه ما نوى، قالوا: وتكفي نية الإمام، يعني: كونه أخذ منه الزكاة قهراً، ونوى أنها زكاة وإن لم ينوي ذلك الذي هو ممانع وغير مواقف، فيكون سقط عنه الواجب ويكون حصلت تأدية الواجب لكن بغير طواعية وبغير رضا.
    ثم قال في آخر الحديث: [( لا يحل لآل محمد منها شيء )] يعني: لا يحل من هذا الذي أخذ سواء كان الأصل أو الذي أخذ عقوبة لا يحل لآل محمد منها شيء؛ لأن هذا تبع الزكاة، ويضاف إلى الزكاة، والزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها هذا الحديث، لا يحل لآل محمد منها شيء.
    وقد ذكر أو المشهور عند العلماء أن هذا المنع لآل محمد لكونهم يعطون من الفيء، وقد ذهب بعض أهل العلم ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم يحصل لهم من ذلك الشيء الذي كانوا يعطون منه، فإن لهم أن يأخذوا من الزكاة؛ لأن الذي كان عوضاً عن هذا لا وجود له فيجوز أن يعطوا من الزكاة، هكذا قال بعض أهل العلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي] هو الفلاس ، المحدث، الناقد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى]
    هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، كتلميذه الفلاس ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا بهز بن حكيم بن معاوية القشيري]
    صدوق خرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري] وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده معاوية بن حيدة] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن هؤلاء الثلاثة الجد والابن والحفيد كلهم خرج لهم البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.


    زكاة الإبل

    شرح حديث: (... ولا فيما دون خمس ذود صدقة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الإبل.أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن يحيى ح وأخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان وشعبة ومالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أواق صدقة ) ].
    هذا الحديث باب زكاة الإبل يعني: مقدارها، وهذا الحديث الذي أورده النسائي وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فيه بيان مقادير الأنصبة فيما يتعلق بالإبل، وفيما يتعلق بالفضة، وفيما يتعلق بالحبوب والثمار، الزرع والثمر، ثمر الزرع وتمر النخل مثلاً، هذا الحديث فيه بيان هذه الأنصبة، والذي إذا بلغه زكى، وإذا نقص عنه لا يزكي، قال: [( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )] يعني: زكاة، وهنا إطلاق الصدقة على الزكاة، وقد مر بنا أن الصدقة تأتي للمفروضة، والصدقة تأتي للمفروضة والتطوع، وبعض العلماء يقول: إن الصدقة لا تطلق على المفروضة، لكن هذا مردود لوجود الآيات والأحاديث الدالة على إطلاق الصدقة على الزكاة، وعلى هذا فالصدقة تطلق على الزكاة المفروضة، وعلى الصدقة المستحبة، تطلق على الفرض والتطوع يقال لها: صدقة، وأما الزكاة فهي تطلق على المفروضة.
    [(فليس فيما دون الخمسة أوسق)]، والأوسق: جمع وسق، والوسق: ستون صاعاً، فيكون خمسة في ستين بثلاثمائة صاع هذا هو النصاب، فإذا كانت الحبوب أو الثمار عندما أثمرت بلغت هذا المقدار وزيادة، فيه زكاة، أما إذا نقصت عن ثلاثمائة صاع التي هي خمسة أوسق لا زكاة فيها، ولهذا قال: [(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)]، ومعنى هذا الخمسة فما فوقها فيه صدقة، لكن دونها لا زكاة فيه، معناه النصاب ثلاثمائة صاع فإذا بلغه الحب أو التمر فإنه يزكى، وأما مقدار الزكاة سيأتي في أبواب مقدار زكاة الحبوب، لكن هنا الحديث أورده النسائي من أجل الإبل: [( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )]؛ لأنه يتعلق بزكاة الإبل، لكنه أيضاً يدل على زكاة الفضة وعلى زكاة الحبوب والثمار أيضاً.
    و[( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )] الذود المقصود به: خمس من الإبل، سواء كانت ذكوراً خلصاً، أو إناثاً خلصاً، أو ذكوراً وإناثاً، فإنه إذا ملك الإنسان خمساً وحال عليه الحول يكون فيها زكاة، وهذا أقل نصاب، وهو زكاته من غير نوعه التي هي شاة؛ لأن إخراج من نوعه هي مضرة للأغنياء، وكونه ما يجعل فيه زكاة يكون فيه مضرة على الفقراء، فما فرض من نوعها والعدد قليل؛ لأنه يضر الأغنياء، وما أسقط الزكاة نهائياً؛ لأن هذا فيه عدم فائدة للفقراء، فشرعت على وجه ليس فيه مضرة للغني وفيه فائدة للفقير، ومعنى هذا أن ما نقص عن خمس لا زكاة فيه، فلو أن إنسان عنده أربع من الإبل، يملكها ومضى عليها حول ويملكها لا زكاة فيها، لأن النصاب ما وجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: [( ليس فيما دون خمس ذود صدقة )] يعني: معناه: إذا نقص عن الخمس ما فيه زكاة، ولو حال عليه الحول؛ لأنه ما وجد النصاب، لكن إذا وجد النصاب وحال الحول ففيه زكاة والزكاة من غير النوع من نوع آخر من نوع الغنم التي هي أخف من الإبل، وعرفنا الحكمة في فرضها من غير نوعها، مراعاة لمصلحة الفقراء وعدم الإضرار بالأغنياء.
    [( وليس فيما دون خمس أواق صدقة )] والمراد بالأواقي وهي: زكاة الفضة، والأوقية أربعون درهماً، يعني: مائتا درهم هذا هو النصاب، وما نقص عنه فإنه لا زكاة فيه، إذا نقص عن مائتي درهم التي هي خمس أواق؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، خمسة في أربعين تصير مائتين، فالنصاب هو مائتا درهم، فإذا نقص عن هذا المقدار ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس فيما دون خمس أواق صدقة، فإذا بلغت خمس أواق وزادت، صار فيها صدقة إذا حال الحول.
    إذاً: عرفنا أن هذا الحديث دل على زكاة الإبل، وما لا زكاة فيه لأنه دون النصاب، وما يبدأ وجوب الزكاة فيه؛ لأنه يبلغ النصاب وهو الخمس، لكن بعد الخمس فيه تفاصيل لمقدار ما يخرج، لكن هنا بيان الحد الأدنى الذي هو النصاب والذي إذا نقص عنه لا زكاة، وإذا بلغه وزاد وجبت الزكاة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا فيما دون خمس ذود صدقة ...)

    قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري ، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة الهلالي المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة المازني المدني الأنصاري] ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ثم أتى بحاء التحويل فقال: ح الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد، يعني أن النسائي يذكر إسناداً آخر يبدأ من شيخ آخر له، فقال: [حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار]، محمد بن المثنى العنزي المكنى بـأبي موسى والملقب الزمن وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله محمد بن بشار الملقب بندار، فإنه بصري، وشيخ لأصحاب الكتب الستة، والاثنان ماتا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات سنة مائتين واثنين وخمسين، ولهذا قال عنهم ابن حجر: وكانا كفرسي رهان يعني: معناه أنهما متقاربان متفقان في الشيوخ والتلاميذ، ومن أهل البصرة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال: كفرسي رهان، التي كل واحد يريد أن يغلب فيكون متساويين في الغالب بعد أن كل واحد يريد الغلب والسبق، كانا كفرسي رهان يعني: متماثلين.
    [عن عبد الرحمن]، فهذان الاثنان محمد بن المثنى ومحمد بن بشار يرويان عن عبد الرحمن وهو ابن مهدي، عبد الرحمن بن مهدي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان] هو ابن عيينة الذي مر، وقد مر ذكره، والفرق بين الإسنادين أن الأول أعلى والثاني أنزل؛ لأن الأول بين النسائي وبين عمرو بن يحيى شخصان، وهنا بين النسائي وبين عمرو بن يحيى ثلاثة، طبعاً اثنان في درجة واحدة وهم محمد بن بشار ومحمد بن المثنى لا يحسبون على أساس أنهم طبقات لأنهما من طبقة واحدة، محمد بن المثنى ومحمد بن بشار طبقة وعبد الرحمن بن مهدي شيخهما طبقة، وسفيان بن عيينة طبقة ثالثة، فصار الإسناد الأول أعلى من الإسناد الثاني، فالإسناد الأول عالي بالنسبة للإسناد الثاني؛ لأن بين النسائي وبين عمرو بن يحيى في الإسناد الأول واسطتان، وبين النسائي وبين عمرو بن يحيى في الإسناد الثاني ثلاث وسائط، ثلاثة أشخاص، شخصان منهما في طبقة واحدة.
    والإسنادان التقيا عند سفيان، لكن بالنسبة للرواية عن سفيان أيضاً كذلك عالية؛ لأن بين وبينه سفيان واسطتان، وهذا بينه وبينه واسطة واحدة، هو الالتقاء عند سفيان وليس عند عمرو بن يحيى، لكن بين النسائي وبين سفيان شخص في الإسناد الأول، وبين النسائي وبين سفيان في الإسناد الثاني طبقتان، واثنان في طبقة واحدة.
    [ سفيان وشعبة ومالك ].
    عن سفيان يعني: في الطريق الثاني يعني عبد الرحمن يروي عن ثلاثة في طبقة واحدة هم: سفيان، وشعبة ومالك، وقد عرفنا سفيان، أما شعبة هو ابن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأما الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين وكبير المثبتين أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن يحيى عن أبيه ].
    أبوه يحيى بن عمارة المدني الأنصاري المازني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة كابنه.
    [ عن أبي سعيد ].
    هو أبي سعيد الخدري ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بنسبته وبكنيته، ويأتي ذكره بالنسبة في الكنية ويأتي بالكنية مع النسبة، لكن كونه يأتي النسبة بدون الكنية حدثني الخدري هذا لا يأتي ولا يستعمل، وإنما أحياناً يقال: أبو سعيد الخدري ، وأحياناً يقال: أبو سعيد فقط، وهو المشهور بهذه الكنية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هناك صحابة يكنون بأبي سعيد، لكن ما كانوا يشتهرون بكناهم مثل: عبد الرحمن بن سمرة فإن كنيته أبو سعيد، وسعد بن مالك بن سنان كنيته أبو سعيد ، ولكن هذا اشتهر بالكنية وذاك ما اشتهر بها، ولهذا يأتي ذكره بكنيته كثيراً، الذي هو أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حديث: (ليس فيما دون خمسة ذود صدقة ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الذي قبله، من بيان مقادير الحد الأدنى لنصاب الإبل، ونصاب الفضة، ونصاب الحبوب والثمار.
    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد التجيبي المصري].
    ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي ، وأبو داود ، وابن ماجه.
    [أخبرنا الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن سعيد ].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
    [ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث كتاب أبي بكر لعماله بفرائض الصدقة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا المظفر بن مدرك أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن أبا بكر رضي الله عنه كتب لهم: إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله عز وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعط، ومن سئل فوق ذلك فلا يعط فيما دون خمس وعشرين من الإبل، في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين، ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين، ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة، وعنده جذعة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين إن استيسرتا له، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين، ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة، ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].ثم أورد النسائي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتب به إلى أنس بن مالك لما أرسله إلى البحرين لأخذ الصدقات، وكتب له هذا الكتاب الذي هو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مقادير الزكاة من الإبل، والغنم، وكذلك قال فيه: إنه مما أمر الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مرفوع؛ لأن أبا بكر قال: [(التي فرضها رسول الله)]، وقوله: (التي أمر الله بها رسوله) يدلنا على أن السنة وحي من الله، كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] لأنه هنا قال لما ذكر: [(التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أمر الله بها رسوله)] يعني: أن هذا التفصيل وهذا البيان هو من الله عز وجل، وهذا هو الذي تدل عليه آيات الكتاب، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من عند الله، أوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام.
    إذاً: فالله تعالى هو الذي فرض هذه المقادير، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببيانها وإبلاغها؛ لأنه قال: [(فرضها رسوله، والتي أمر الله تعالى بها رسوله)] يعني: قدرها وبينها وأبلغها، والله تعالى هو الذي أمره بها، فالذي يأتي به صلى الله عليه وسلم من غير القرآن هو من الله سبحانه وتعالى، إلا أن هذا وحي متلو وهذا وحي غير متلو، هذا وحي متلو متعبد بتلاوته والعمل به، وهذا متعبد بالعمل به، أي: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا المقدار مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيه أيضاً زيادة إيضاح وبيان، وأن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، أي: بهذا الفرض وبهذا التقسيم، وبهذا التقدير، وبهذا التفصيل الذي جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    وقوله: [(من المسلمين)] معناه: الزكاة تؤخذ من المسلمين، والكفار لا تؤخذ منهم الزكاة؛ لأنهم لم يسلموا، لكن لا يعني هذا أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، هم مخاطبون بالفروع تبعاً للأصول، وعليهم إثم ترك الفروع، وإثم ترك الأصول، لكن لا ينفع إخراج الزكاة، ولا يطلب منهم الزكاة؛ لأن الزكاة على المسلم وليست على الكافر، الكفار لا زكاة عليهم، بل الزكاة على المسلمين، ولهذا قال: [(فمن سئلها من المسلمين)]، يعني: أن المسلمين هم الذين تطلب منهم الزكاة، وهم الذين تؤخذ منهم، ولا تؤخذ من فقراء المسلمين، وإنما من أغنيائهم وترد على فقراء المسلمين.
    [(فمن طلبت منه على وجهها)] يعني: على التقدير الذي جاء في السنة، وعلى التحديد الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليعطها، ومن طلبت منه على غير وجهها: بأن طلب منه أكثر، أو أعظم سواء في العدد، أو السن فلا يعطي؛ لأنه ظلم وهو لا يعطي إلا المقدار المحدد، فلا يعطي ثنتين بدل واحدة، ولا يعطي سناً أعلى بدل السن الأدنى، وإنما على حسب المقدار الذي عنده من بهيمة الأنعام، والزكاة التي حددت يعطيها وفقاً لما هو مشروع، وإذا طلب منه أكثر من ذلك، سواء من حيث السن، أو من حيث العدد فلا يعطي؛ لأن هذا لا يسوغ إلا أن تطيب نفسه بذلك، فلا بأس، كما سيأتي في الحديث، أنه إذا كان خمس ففيها شاة، وليس في أربع شاة إلا أن يشاء ربها، يعني: إذا كان يريد أن يخرج شيئاً من الذي ما فيه زكاة جزاه الله خيراً، ولا يقال: لا، ما نقبلها منك، بل تقبل، لكن ما يطالب بها؛ لأنها ما بلغت النصاب، فإذا أعطاها تبرعاً أو تطوعاً فإنها تقبل منه، لكن لا يلزم بها، [(فمن طلبت منه على وجهها فليعطها، ومن طلبت منه على غير وجهها فلا يعطي)] وإنما يعطي الشيء الواجب عليه، ولا يلزم بالزائد، أما الواجب عليه فهو مستعد لبذله، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الصدقات معروفة ومقاديرها معروفة يعرفها المصدق والمتصدق، العامل والمزكي، فإذا طلب منه شيئاً في حدود ما هو مشروع يعطيه، وإذا طلب منه أكثر مما هو مشروع ليس له أن يعطيه.

    تفصيل زكاة الإبل فيما دون خمس وعشرين

    بعدما ذكر أن من طلب الزكاة على وجهها يعط، ومن طلبت منه على غير وجهها لا يعط بدأ بالتفصيل قال: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل في كل خمس ذود شاة)].قوله: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل)] يعني: من أربع وعشرين فما دون؛ لأن خمساً وعشرين التي دونها أربع وعشرون، فأربع وعشرون فما دون خمس وعشرين، معناه: أن الزكاة إذا نقصت عن خمس وعشرين، ففي كل خمس شاة، وهذا فيه أن الزكاة من غير الجنس، لكن إذا كثر المال ووصل إلى خمس وعشرين يبدأ الإخراج من الجنس في كل خمس شاة، فإذا ملك خمساً من الإبل وحال عليها الحول يزكي، فإذا كانت أربعاً لا زكاة فيها، فالنصاب الأدنى الذي تخرج فيه الزكاة هو خمس من الإبل، وإخراج الزكاة من غير النوع ينفع الفقير ولا يضر الغني، ولو أخرج من الخمس واحدة فمعناه: أن خمس المال يخرج زكاة، وهذا فيه مضرة على الأغنياء، فشرعت الزكاة دون الخمس والعشرين على وجه ينفع الفقير ولا يضر الغني.
    والزكاة كلها فرضت على هذا النحو؛ لأن الزكاة شيء قليل من شيء كثير، لكن التفريق بين الإخراج من النوع ومن غير النوع، هذا هو المقصود منه.
    فإذا بلغت تسعاً فليس فيها إلا شاة واحدة، فإذا صارت عشراً يصير فيها شاتان، إلى أربع عشرة ما فيها إلا شاتان، فإذا بلغت خمس عشرة، ففيها ثلاث شياه إلى عشرين يكون فيها أربع شياه، إلى أربع وعشرين ما فيها إلا أربع شياه.

    تفصيل زكاة الإبل في خمس وعشرين فما فوقها

    فإذا بلغت خمساً وعشرين يبدأ يخرج من النوع، فيخرج بنت مخاض، وبنت المخاض هي: التي أكملت سنة من عمرها ودخلت في السنة الثانية، وقيل لها: بنت مخاض؛ لأن أمها في ذلك الوقت تحمل فتكون ذات حمل والماخض هي: الحامل، وسواء كانت أمها كذلك، أو ليست كذلك، لكن هذا وجه التسمية، فمن خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين كلها ما فيها إلا بنت مخاض، فإن عدم بنت المخاض يجزئه ابن لبون الذكر، وابن لبون هو: الذي أكمل السنة الثانية، ودخل في الثالثة؛ لأنه أمضى سنتين وبنت مخاض أمضت سنة، فيصير الفرق بين الذكر والأنثى أن الأنثى أحظ؛ لأنها تربى وتنمى وتلد بخلاف الذكر، لكنه يجوز إذا لم يجد بنت مخاض أن يدفع ابن لبون بدل بنت المخاض من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين.فإن زادت واحدة وصارت ستاً وثلاثين يكون فيها بنت لبون، وهي: التي أكملت السنة الثانية، ودخلت في الثالثة فقيل لها: بنت لبون؛ لأن أمها في الغالب تكون قد ولدت وصارت ذات لبن، فيقال لها: بنت لبون.
    ثم من ست وثلاثين إذا زادت واحدة عن خمس وثلاثين يكون فيها حقة طروقة الجمل، وهي: التي أكملت السنة الثالثة ودخلت في الرابعة، فصار عندها الأهلية لأن يطرقها الفحل إلى ستين، يعني: من ست وأربعين إلى ستين، وهنا يكون الفرق والوقص أكثر؛ لأن الفرضين السابقين الوقص فيهما إحدى عشرة أو عشر وأما هنا فمن ست وأربعين إلى ستين.
    فإذا زادت واحدة فصارت واحداً وستين يصير فيها جذعة، وهي: التي أكملت أربع سنوات ودخلت في السنة الخامسة يقال لها: جذعة.
    إلى خمس وسبعين ما فيها إلا جذعة، فإذا زادت واحدة وصارت ستاً وسبعين صار فيها بنتا لبون، ومن ست وسبعين إلى تسعين أيضاً مثل الذي قبله الفرق خمسة عشر، فإذا بلغت إحدى وتسعين يكون فيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين يكون في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، معناه: مائة وعشرون يكون فيها حقتان، وهذا أطول وقص في الإبل، أو في زكاة الإبل من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين ثلاثون، والوقص هو: ما بين الفرضين يقال له: وقص، وهو ما لا زكاة فيه؛ لأن زكاته مثل زكاة الحد الذي قبله الأدنى، يعني: من واحد وتسعين يبدأ حقتان إلى مائة وعشرين وفيه حقتان، فإذا زادت عليها واحدة إلى مائة وتسعة وعشرين يكون فيها ثلاث بنات لبون، ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا بلغت مائة وثلاثين تصير أربعين أربعين وخمسين، وفيها بنتا لبون وحقة، فإذا صارت مائة وأربعين يصير فيها حقتان وبنت لبون، خمسون وخمسون وأربعون، كل خمسين فيها حقة، وكل أربعين فيها بنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، كل خمسين فيها حقة إلى مائة وستين فيكون فيها أربع بنات لبون، إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين يأتي عند ذلك الذي يمكن أن يدفع أربع حقاق، أو يدفع خمس بنات لبون؛ لأنك إذا ضربت أربعين في خمس تصير مائتين، وإذا ضربت خمسين في أربعة تصير مائتين أيضاً، تتساوى، هذا الذي يسمونه في الحساب المضاعف المشترك البسيط، وهو أقل عدد ينقسم على عددين بدون باقي، يعني: أقل عدد ينقسم على أربعين وخمسين ولا يبقى شيء هو مائتان، إن شاء عمل كذا، وإن شاء عمل كذا، وهكذا بعد ذلك تستمر.
    ثم بين عليه الصلاة والسلام إذا تباينت يعني: بأن كان الإنسان وجب عليه جذعة، ولكن ما عنده جذعة بل حقة، وكانت الجذعة هي التي تجب عليه؛ لأن إبله واحد وستون فأكثر، فيدفع الحقة ويدفع معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، وكذلك من وجبت عليه الحقة وليس عنده إلا بنت لبون فإنه يعطي بنت اللبون ومعها شاتان، أو يأخذ منه العامل الحقة ويعطيه الفرق؛ لأنه يجب عليه بنت لبون، أي: يأخذ منه الحد العالي ويعطيه الفرق، أو يأخذ منه الحد الأدنى ويعطي المتصدق الفرق، فإذا كان الواجب عليه بنت لبون وعنده حقة يأخذ الحقة ويعطيها المصدق؛ لأنه أخذ الحد الأعلى، وما عنده الحد الواجب، ولكن عنده الحد الذي دونه، فإنه يأخذ الحد الأدنى ويدفع المصدق للمالك شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، هذا إذا تباينت، أما إذا وجد السن المطلوب، فإنه يدفع بلا زيادة ولا نقصان، وليس معه شيء، وأما بالنسبة لبنت المخاض إذا وجدت فله أن يأخذ ابن لبون ذكراً، وليس معه شيء ولا يدفع شيئاً.
    قوله: [(فيما دون خمس وعشرين من الإبل في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة)].
    وهذا -كما قلت- هو أعلى وقص في زكاة الإبل، وهو الفرق بين النصابين؛ لأن من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين ثلاثين، هذا أعلى شيء؛ لأن الذي مضى خمسة عشر أو عشر، والذي بعد كله على عشر؛ لأن كل خمسين فيها حقة، وكل أربعين فيها بنت لبون، فأعلى وقص هو هذا الوقص الذي يخرج فيه حقتان، وهو الذي يبدأ من واحد وتسعين، وينتهي بمائة وعشرين.
    قوله: [فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين إن استيسرتا له، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وكان عنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها].
    يعني: هذا يرجع إلى الحد الأدنى؛ لأن الحد الأدنى الذي يجب فيه الزكاة هو خمس، وما نقص عن الخمس ليس فيه زكاة، فالأربع ما فيها زكاة؛ لأنها دون الخمس إلا أن يشاء ربها، كأن يقول: خذوا الزكاة ولو ما وجبت علي، أنا أريد أن أخرج شيئاً لله عز وجل، فهذا تؤخذ منه ولا يقال: لا نأخذ، فما دام أنه أخرج شيئاً غير واجب عليه وتبرع به فيقبل منه، ولو يتبرع بماله كله.

    تفصيل زكاة الغنم

    قوله: [(وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة)].هنا التنصيص بالسائمة؛ لأن الزكاة تجب في السائمة التي ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت تعلف وينفق عليها صاحبها فهذه لا زكاة فيها إلا أن تكون معدة للتجارة، فتزكى زكاة عروض تجارة، فالحد الأدنى أربعون، فمن كان عنده تسع وثلاثون، هذه مثل الأربع من الإبل، فالأربع من الإبل لا زكاة فيها إلا أن يشاء المالك، وتسع وثلاثون ما فيها زكاة إلا أن يشاء المالك؛ لأن هذا دون النصاب، فإذا بلغ أربعين يبدأ يحسب الحول من اليوم الذي بلغت عنده أربعين، فإذا مضى الحول يخرج الزكاة، والزكاة هي شاة من الأربعين شاة، إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة واحدة وهي ضعف الأربعين مرتين، فالذي عنده مائة وعشرون يؤخذ منه شاة، والذي عنده أربعون يؤخذ منه شاة، والذي عنده ثمانون يؤخذ منه شاة، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زادت واحدة على مائة وعشرين فصارت مائة وواحدة وعشرين يصير فيها شاتان، تنتقل من شاة إلى شاتين عند مائة وعشرين.
    قوله: [(فإذا زادت واحدة، ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة)].
    من مائة وواحد وعشرين إلى مائتين ما فيها إلا شاتان، فإذا زادت واحدة على المائتين انتقل إلى ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة شاة، يعني: أنه من مائتين وواحد إلى أربعمائة؛ لأنها إذا زادت عن هذا المقدار ففي كل مائة شاة، فأربعمائة فيها أربع شياه، وخمسمائة فيها خمس شياه، وألف فيها عشر شياه، وألفان فيها عشرون شاة، وهكذا في كل مائة شاة، فأطول وقص في الغنم هو هذا من مائتين وواحد إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، ثم يكون في كل مائة شاة، معناه: أربعمائة فيها أربع شياه، فهذا الوقص الطويل، ما قال: فإن زادت واحدة إلى ثلاثمائة ففيها أربع شياه، بل قال: في كل مائة شاة، ومن المعلوم أن العدد الذي يكون فيه أربع شياه هو الأربعمائة؛ لأن كل مائة فيها شاة، فأطول وقص هو من مائتين وواحد إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، فإذا بلغت أربعمائة يكون فيها أربع شياه، وخمسمائة فيها خمس شياه، وستمائة ست شياه، وسبعمائة سبع شياه وهكذا ألف شاة فيها عشر شياه.

    ما لا يؤخذ من الأنعام في الصدقة

    قوله: [(ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المتصدق)].يقول: لا يؤخذ هرمة، ولا ذات عوار، لا يؤخذ هرمة وهي الكبيرة، ولا ذات عوار، وهي التي فيها عيب، يمكن أن يؤخذ من هذه إذا كانت كلها معيبة أو كلها هرمات؛ فإنه يؤخذ من جنسها، لكن كونه يؤخذ الرديء مع أن المال فيه جيد ورديء وفيه وسط فإنه لا يؤخذ الرديء، فإذا كانت هرمات أو كانت معيبة، فالزكاة منها، تكون من نفس المال، معيبة من معيبات، وهرمة من هرمات.
    قوله: [(ولا تيس الغنم)]، تيس الغنم هو: الفحل الذي يطرقها لحاجة صاحب الغنم إليه.
    [(إلا أن يشاء ربها)] أي: إذا أراد أن يخرجه فإنه يؤخذ منه، ولكن بموافقته، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، ولا عيب، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المتصدق.

    الأحكام المترتبة على الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع


    قوله: [(ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)]، الاجتماع والافتراق يمكن أن يكون من المصدق ومن المتصدق، المتصدق هو المالك، والمصدق هو العامل، المتصدق يكون الجمع والتفريق منه حتى تقل الزكاة، والمصدق يفرق ويجمع حتى تكثر الزكاة؛ لأن الزكاة تكثر بالتفريق وبالتجميع بالنسبة للمالك والمصدق؛ لأنها تكثر وتقل، فمن جانب المالك قد يريد من وراء التفريق والتجميع أن تقل الصدقة، والعامل يريد من وراء التجميع والتفريق أن تكثر الصدقة، فالملاك إذا كانوا خلطاء مثلاً عندهم عدد من الغنم، كأن يكون شخصان لكل واحد منهما عشرون شاة، ويجمعونها، وترعى الحول راعيها واحد، وموردها واحد، وحضيرتها واحدة، مكان اجتماعها ومبيتها، فإذا جاء المصدق الذي هو العامل عزل كل واحد نصيبه على حده، فيكون لواحد عشرون، والآخر عشرون، ولا يكون هناك زكاة؛ لأنه ما بلغ النصاب، لكن بقاءها على ما هي عليه، وهي أربعون مجتمعة، وحال الحول وهي كذلك، فإنها تزكى زكاة المال الواحد؛ لأن الخلط يصير المالين كالمال الواحد.فهنا يحصل التفريق خشية الصدقة، من المالك أو الملاك، حتى لا تكثر عليهم، كأن يكون لكل واحد مثلاً مائة وواحدة، فيجمعونها، ثم إذا جاء المصدق فرقوها، فصار كل واحد عنده مائة وواحدة، فيكون كل واحد عليه شاة، ولو كانت مجتمعة يكون فيها ثلاث شياه؛ لأن مائتين وواحدة فيها ثلاث شياه، فلما استقل كل واحد بنصيبه وعزل نصيبه، لم يكن عليه إلا شاة واحدة، فهذا تفريق من أجل قلة الصدقة، وذاك تفريق من أجل عدم الصدقة، الذي هو أقل من النصاب؛ لأنها أربعون، كل واحد له عشرون، فليس فيه زكاة، لكن مائة وواحدة، ومائة وواحدة، فيها زكاة ولكنها قلت، بدل ما كان لازمهم ثلاثة شياه، صار يلزم كل واحد شاة؛ لأن المائة وواحدة فيها شاة واحدة، ومائة وواحدة فيها شاة واحدة، فيكون فيها شاتان عليهما جميعاً، فهذا تفريق من أجل قلة الصدقة، وعشرون وعشرون تفريق من أجل عدم الصدقة.
    قوله: (لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة)، الجمع بين المتفرق بأن يكون خلطاء، يعني: كل واحد له أربعون، فإذا جمع بينها لم يلزم إلا شاة واحدة، فهم لو كانوا متفرقين يكون على كل واحد شاة، فلما اجتمعوا صارت عليهم شاة واحدة، فهنا جمع بين متفرق من أجل تقليل الصدقة، فهم كل واحد غنمه مستقلة، ثم لما جاء المصدق قالوا: إنهم شركاء خلطاء، فصارت مائة وعشرين لهم جميعاً، فهذا جمع بين متفرق، فيكون عليهم شاة واحدة، بدل ما يكون على كل واحد شاة، هذا تفريق وتجميع من الملاك، إما لأجل ذهاب الصدقة من أصلها، أو من أجل تقليلها، وعدم كثرتها حتى لا تكثر.
    وأما العامل فهو يجمع بين متفرق بأن يكون واحد عنده عشرون، وواحد عنده عشرون، فيقول: أنتم خلطاء، ويجمعها ويقول: عليكم شاة، وكل واحد ليس عليه شيء، وغالباً أن التفريق والتجميع إنما هو من الملاك؛ لأنهم هم الذين تحصل منهم الخلطة، بخلاف العامل؛ فإن كونه يجعلهم شركاء، وما هم بشركاء أو العكس، لا يستقيم ولا يتم، لكنه قد يحصل ويكون عن طريق الظلم، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة؛ لأن الخلطة تصير زكاة المالين زكاة مال واحد بخلطهما وجمعهما.
    قوله: [(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)].
    يعني: إذا كان مثلاً ثلاثة أشخاص كل واحد عنده أربعون، وصاروا خلطاء، وحال الحول وهم على خلطتهم، وجاء المصدق وأخذ شاة واحدة من غنم واحد منهم، فإن هذا الذي أخذت شاته يرجع إلى شريكيه بثلثي قيمة الشاة؛ لأن ثلث القيمة عليه، والثلثان على شريكيه، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، يعني: أن الزكاة بينهم على قدر مالهم، وقد يكون المال مختلفاً، كأن يكون لواحد ثمانون، وواحد له أربعون، فيكون واحد عليه ثلثا الشاة، وواحد عليه ثلث الشاة.
    [(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)]، سواء اتحد المقدار: مقدار نصيبيهما أو اختلف، فكل نصيبه من الزكاة على قدر نسبة ماله من بهيمة الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم، [(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)]، يعني: عند أخذ الزكاة من واحد منهم، فهو يرجع إلى شريكه، أو إلى شركاه بمقدار نصيب ذلك الشريك، أو أنصباء أولئك الشركاء.

    زكاة ما نقص عن النصاب إذا شاء رب المال ذلك

    قوله: [(إذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].[(فإذا كانت سائمة الرجل)]، الرجل هنا لا مفهوم له، فلا يعني أن الأنثى تختلف، ولكن لما كانت الأحكام غالباً تناط بالرجال، أتى التعبير بالرجال، وإلا فإن النساء أحكامهن أحكام الرجال، وهذا يأتي كثيراً في السنة: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)، وكذلك المرأة، (من وجد ماله عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من الغرماء)، وكذلك المرأة، فإذا وجد المال عند امرأة قد أفلست فصاحب المال أحق به من الغرماء، فإذا كانت سائمة الرجل أو المرأة تقل عن أربعين شاة فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه ما بلغت النصاب؛ لأن النصاب أربعون، فإذا قلت عن الأربعين ولو شاة واحدة، ولو حال عليها الحول، فإنه لا زكاة فيها، لكن من عنده تسعة وثلاثون في اليوم الذي تكمل فيه أربعين، إما بولادة واحدة منها، أو بإضافة واحدة من الخارج إليها، عند ذلك يبدأ يحسب الحول إذا كملت الأربعين، فإذا نقصت عن الأربعين فإنه لا زكاة، هذا بالنسبة للنصاب الأول الذي هو الحد الأدنى، لكن الأنصبة الثانية التي تأتي بعد الأول، هذه لا يشترط أن يحول الحول عليها؛ لأن نتاج السائمة وربح التجارة تبع للأصل، فلو أن واحداً عنده أربعون فحال عليها الحول، وتنامت وصارت مائة وعشرين، ثم قبل أن يأتي المصدق بيوم واحد ولدت واحدة فصارت مائة وواحداً وعشرين، فإنه يؤخذ منه شاتان؛ لأن السخلة تعد ولا تؤخذ، تعد في الأنصبة الثانية، أما النصاب الأول فإنه لا يحسب الحول إلا إذا جاء وإذا وجد، أما الأنصبة الثانية فإنه لا يحول الحول عليها، ما دام أن النصاب الأول موجود -وهو الأساس- فإن الأنصبة الثانية أو المقادير الأخرى التي بعد النصاب الأول لا يشترط أن يحول الحول عليها، بل نتاج السائمة تبع لأصلها، كما أن ربح التجارة تبع لأصله.
    الإنسان إذا كان عنده مثلاً عشرة آلاف ريال، ثم لما حال الحول صارت عشرين ألف ريال، يزكي العشرين ألف ريال، يزكي الأصل والربح، رأس المال والربح؛ لأن الربح تبع للأصل، ونتاج السائمة تبع للأصل، فهنا يقول: إذا نقصت عن الأربعين السائمة شاة واحدة فلا زكاة فيها؛ لأنها ما بلغت النصاب.
    قوله: [(إلا أن يشاء ربها)].
    الذي عنده تسعة وثلاثون لو قال أنا سأخرج، بل لو قال: خذوها كلها فليأخذوها، ما دام أنه متصدق، وما دام أنه محسن، وما دام أنه متبرع وليس متقيداً بالواجب، وإنما يقول: أنا أريد أن أخرج لله، يؤخذ منه، وهو لا يجب عليه، لا يطالب به، مثل ما مر في الأربع من الإبل، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها؛ لأن الخمس هي الحد الأدنى، فإذا أخرج عن ما دون الخمس بطوعه واختياره يؤخذ منه، والأربعون هي الحد الأدنى من الغنم، فإذا نقصت عن ذلك وأخرج صاحبها شيئاً مما عنده تبرعاً وتطوعاً، وليس أمراً واجباً، فإنه يقبل منه.

    زكاة الفضة وإخراج زكاة ما دون النصاب منها إذا أراد المالك

    قوله: [(وفي الرقة ربع العشر)].الرقة هي: الفضة، مقدار الزكاة فيها ربع العشر، يؤخذ من المال إذا بلغ نصاباً وأكثر، وحال عليه الحول، هذا مقدار زكاة الورق الذي هو الفضة، فيخرج جزء من أربعين جزءاً، وسهماً من أربعين سهماً.
    [(فإن لم تكن إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].
    مر في الحديث: [(وليس فيما دون خمس أواق صدقة)]، والخمس أواق هي مائتان، وهنا مقدار بين التسعين والمائتين، هذا داخل تحت عموم قوله: [( ليس فيما دون خمس أوسق صدقة )]، وهذا الحديث يفيد أن مائة وتسعين ليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها، والمقدار الذي بين التسعين والمائتين ليس فيه شيء، فلماذا نص على أنه تسعون ولم يقل: مائة وتسع وتسعون؟ قالوا: لأن هذا هو آخر عقد تحت المائتين، وهي تذكر بالعقود، لكن لا يعني هذا أن ما بين العقدين ليس فيه شيء، ما بين العقدين فيه شيء، بل نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: [( وليس فيما دون خمس أواق صدقة )]؛ لأن مائة وتسعاً وتسعين هي دون خمس أواق؛ لأن الأواق إذا كملت مائتين صارت خمس أواق، فإذاً ذكر المائة والتسعين لا مفهوم لها من حيث الزيادة، بمعنى: أن ما وراءها فيه زكاة؛ لأن حديث: [( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )]، يدل على أن كل ما تحت المائتين لا زكاة فيه، ولكن ذكرت المائة والتسعون؛ لأنها عقد؛ لأن العقود هكذا: مائة وعشرة، مائة وعشرون، مائة وثلاثون، مائة وأربعون، هذه عقود؛ لأن العقد عشرة، فذكر آخر عقد تحت المائتين، وهو المائة والتسعون، فلا يعني أن ما زاد عليه يكون فيه زكاة، أي: بين التسعين والمائتين؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: [(ليس فيما دون خمس أواق صدقة )]، يدل على أنه لا شيء فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث: كتاب أبي بكر لعماله بفرائض الصدقة

    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [ حدثنا المظفر بن مدرك ].
    هو المظفر بن مدرك ، أبو كامل، ثقة متقن، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي ، كذا الترمذي والنسائي.
    [ حدثنا حماد بن سلمة ].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    وقد ذكر هنا أنه أخذ الكتاب من [ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك]، وجاء في مسند إسحاق بن راهويه أنه قرأه عليه، ومعنى هذا أنه أخذ الكتاب وسمعه منه، وقد جاء في صحيح البخاري من طريق أخرى، ليس من طريق حماد بن سلمة، وإنما من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري عن ثمامة ، فصار له طريق أخرى، غير طريق حماد ، في صحيح البخاري في طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري عن ثمامة بن عبد الله بن أنس فهي طريق أخرى، وثمامة صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس ].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    والحديث يكون من مسند أنس عن أبي بكر؛ لأن أنساً أخذ هذا الكتاب من أبي بكر، وأبو بكر قال: إنها الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فهو من مسند أبي بكر رضي الله عنه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه هو عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، ومشهور بكنيته: أبو بكر، وأبوه مشهور بكنيته: أبو قحافة، وهو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وهو الخليفة الأول الذي قام بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، وعمل على إرجاع المرتدين إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة جمة، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أمره وفي آخر حياته وقبل أن يموت بخمس: ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً )، فهي منقبة لا يدانيه فيها أحد، ولا يساويه فيها أحد؛ لأنها لم تكن، ولو كانت لأحد من الناس لكان الأحق بها والأولى بها أبا بكر، فهذا بيان لعظيم منزلته وعظيم شأنه، وأنه المقدم على غيره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #397
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (394)

    - (باب مانع زكاة الإبل) إلى (باب مانع زكاة البقر)

    الإبل والبقر من الأنعام التي تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب المقرر شرعاً، شرط أن يكون مما يرعى في الفلوات، أما إذا كانت مما يعلف ليشرب لبنها، أو كانت مما يؤجر في نقل الأحمال فهذا لا زكاة فيه، وقد توعد مانع هذه الزكاة بأن تأتي أنعامه تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
    مانع زكاة الإبل

    شرح حديث: (تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤها بأخفافها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مانع زكاة الإبلأخبرنا عمران بن بكار حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تحلب على الماء، ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير يحمله على رقبته له رغاء، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت، ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار ، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت، قال: ويكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه: أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه أصبعه ) ].
    أورد النسائي: عقوبة مانع زكاة الإبل، يعني: عقوبته في الآخرة، وهي أنه يعذب بالإبل التي منع زكاتها، بحيث تأتي عليه وتطأه بأخفافها، كما جاء مبيناً في بعض الأحاديث التي مرت (إذا مر عليه آخرها رد عليه أولاها ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )[المعارج:4] حتى يقضى بين الناس)، يعني: أنه في الموقف، وفي عرصات القيامة يأتي كذلك ويعذب بها قبل أن يقضى بين الناس، وقبل أن ينتهي الحساب.
    وكذلك الغنم الذي لا يؤدي زكاتها تأتي إليه وهي على أحسن حال وأوفر حال وتطأه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، وهذا فيه ذكر عقوبة مانع زكاة الإبل، ومانع زكاة الغنم، وأنه يعذب بها نفسها، حيث تأتي يوم القيامة وتطأه، والغنم تنطحه مع وطئها إياه بأظلافها.
    قوله: [(ويكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه، أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه أصبعه)].
    ويكون كنز أحدهم -يعني: مانع الزكاة- يوم القيامة شجاعاً أقرع يلحقه ويتبعه، فلا يزال به حتى يلقمه أصبعه فيقضمه، ثم يأكله شيئاً فشيئاً كما جاء مبيناً في الروايات الأخرى، وأنه يعذب به يوم القيامة، فيكون شجاعاً أقرع، يعني: حية غليظة كبيرة، يعني: من أشد ما يكون وأغلظ ما يكون.
    وذكر في أوله عن الغنم إذا لم يعط فيها حقها قال: (ومن حقها حلبها على الماء)، هذا الحق المندوب، وأما الحق الواجب فهو الذي بين في حديث أنس، وهو منها يعني: شاة، وكذلك الإبل منها أو من جنسٍ آخر.
    قوله: [(ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت)]. يعني: كونه ظلم شيئاً، وكان ظلمه أن أخذ بعيراً، بأن يكون مثلاً العامل المصدق أخذ شيئاً لا يستحقه ظلماً، وقد مر في حديث معاذ: (وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، ومثل ذلك فيما إذا أخذه عن طريق سرقة، أو أخذه عن طريق غلول، أو أخذه بأي طريق غير مشروعة، فإنه يأتي به يحمله على ظهره يوم القيامة، أو على رقبته يوم القيامة، يعني: يعذب به، وتكون فضيحة له، وكذلك أيضاً الذي يظلم شيئاً من الأرض، فإنه يطوقه من سبع أراضين كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أراضين )، يعني معناه: أنه يأتي به على رقبته يحمله؛ لأنه ظلمه، فهذا يدل على أن الظالم الذي يظلم بالشيء، فإنه يأتي به يوم القيامة يحمله، وتكون فضيحة له على رءوس الأشهاد، وهذا في الموقف.
    قوله: [(ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغت)].
    وكذلك بالنسبة للغنم، يعني: كونه يأتي بشاة على رقبته لها يعار، يعني: ثغاء، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيء قد بلغتك، يعني: بلغه أن الظلم ظلمات، وأنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ غير الحق، المصدق ليس له أن يأخذ غير الحق، وكذلك ليس لأحد أن يأخذ مال غيره إلا بطيب نفس منه، فإذا أخذه بغير طيب نفس منه فإنه ظلم يأتي به على رقبته يوم القيامة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا أملك لك شيئاً قد بلغت )، لا يعني هذا أنه لا يشفع لمثل هؤلاء؛ لأن هذا الكلام إنما هو في الموقف، وقبل أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، لكن إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، فإنه يشفع في أهل الكبائر ويخرجون من النار، فلا يعني قوله هنا: (لا أملك لك شيئاً قد بلغت)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل المعاصي أو لأهل الذنوب وأهل الكبائر، بل هذا الكلام إنما هو في الموقف الذي يفتضح فيه الناس، ويظهر فيه الناس، ثم يكون الناس على هذه الحال حتى يقضى بين الناس، وينصرفون إلى منازلهم وأماكنهم، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
    ويدخل في هذا الموظف الذي يأخذ من المراجعين شيئاً ولا شك أن هذا ظلم، أقول: هذا ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وأخذ الموظف من المراجعين شيئاً هو من قبيل الرشوة ومن قبيل الظلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا هي لم يعط فيها حقها تطؤها بأخفافها)

    قوله: [ أخبرنا عمران بن بكار ].هو عمران بن بكار الموصلي الكلاعي الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا علي بن عياش ].
    هو علي بن عياش الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا شعيب بن أبي حمزة الحمصي ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني أبو الزناد ].
    هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، اشتهر بهذا اللقب الذي هو على صفة الكنية؛ لأن أبا الزناد هو لقب، وليس كنية له، وإنما لقب به تلقيباً، وكنيته غير هذه، فهو لقب على صورة الكنية، وهو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ مما حدثه عبد الرحمن الأعرج ].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولقبه الأعرج ، وقد اشتهر به، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سمع أبا هريرة ].
    عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


    سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً لأهلها ولحمولتهم


    شرح حديث: (في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلا لأهلها ولحمولتهم.
    أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا له أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها شيء )].
    ثم أورد النسائي الترجمة وهي باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً لأهلها أو كانت لحمولتهم، يعني: أن الإبل إذا كانت تستخدم وتستعمل؛ بأن يحملون عليها، ويشتغلون عليها بالحمل، أو بكونهم يسنون عليها، ويستخرجون الماء بواسطتها، فإن هذه لا زكاة فيها، وكذلك إذا كانت عندهم في البيت يعلفونها ويشربون ألبانها فإنه لا زكاة فيها.
    أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه الذي فيه: (في كل إبل سائمة من كل أربعين بنت لبون)، أخذه من مفهوم سائمة؛ لأن السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يحتاج الناس إليها لحمولة، ولا يحتاج الناس إليها أيضاً لكونهم يبقونها عندهم يعلفونها ويشربون ألبانها، بل هي ترعى في الفلاة، فاستنبطه من كلمة سائمة، ومفهوم السائمة: هي التي لا يحتاج إليها للحمل؛ لأنها متروكة ترعى، وكذلك أيضاً تكون في الفلوات، وليست مثل التي تكون عند الناس في البيوت أو المنازل، ويشربون ألبانها، أو يستخدمونها في استنباط الماء واستخراج الماء، أو لحمل البضائع ونقلها من مكان إلى مكان، فإن هذه لا زكاة فيها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون ...)

    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود في القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [ حدثنا معتمر ].
    هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده ].
    هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة، ومثله أبوه وجده، يعني: كل هؤلاء الثلاثة أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة، بهز بن حكيم، وحكيم بن معاوية، ومعاوية بن حيدة.


    زكاة البقر

    شرح حديث: (... ومن البقر ثلاثين تبيعاً أو تبيعة ...)


    قال المصنف رحمه الله: [باب زكاة البقرأخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً، أو عدله معافر، ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة )].
    ثم أورد النسائي زكاة البقر، أي: مقدار زكاة البقر، ومقدار الأنصبة التي تكون للبقر في زكاتها، وأرد فيه حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن (وأمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً)، يعني: جزية؛ لأن اليهود كانوا في اليمن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الزكاة منهم، أن يأخذ الجزية من كل حالم ديناراً، والحالم هو البالغ الذي بلغ سن البلوغ، سواء احتلم أو لم يحتلم، ما دام وصل إلى سن البلوغ فإنه يؤخذ منه دينار، أو عدله معافر، يعني: ما يماثل أو ما يقابل الدينار معافر، التي هي البرود، وهي لباس يلبس ويصنع ويعمل في اليمن، فيأخذ من كل حالم بالغ ديناراً، أو عدل ذلك الدينار معافر.
    قوله: [ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة].
    ومن البقر من ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، وهذا هو النصاب، يعني: الحد الأدنى للبقر هو ثلاثين، فإذا نقصت عن ثلاثين لا زكاة فيها، فإذا بلغت ثلاثين يبدأ يحسب الحول، ويكون فيها تبيع أو تبيعة، وهو العجل الصغير الذي أكمل سنة واحدة ودخل في السنة الثانية، ويقال له: تبيع أو تبيعة؛ لأنه يتبع أمه، يعني: ما انفرد عنها واستقل عنها، بل هو تابع لها لصغره، سواء في ذلك الذكر أو الأنثى، يؤخذ منه هذا أو هذا، يؤخذ منه تبيع أو تبيعة.
    قوله: [ومن كل أربعين مسنة].
    ومن كل أربعين مسنة، يعني: إذا بلغت أربعين فإنه يكون فيها مسنة، والمسنة التي أكملت السنة الثانية ودخلت الثالثة، هذه هي المسنة، وتستقر الفريضة بذلك بأن يؤخذ من كل أربعين مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، وأطول وقص يكون في زكاة البقر هو من أربعين إلى تسعة وخمسين، يعني: هذا هو أطول وقص في زكاة البقر؛ لأنه بعد ذلك كل ثلاثين فيها تبيع، وكل أربعين فيها مسنة، في السبعين يكون فيها تبيع أو تبيعة ومسنة، والثمانين فيها مسنتان، والتسعين فيها ثلاثة تبابيع، والمائة يكون فيها تبيعان ومسنة وهكذا.
    إذاً فأطول وقص في زكاة البقر، هو من أربعين الذي فيه مسنة إلى تسع وخمسين التي فيها مسنة واحدة، فإذا بلغت ستين يكون فيها تبيعان.
    وقد عرفنا أن أطول وقت في زكاة الإبل هو من واحد وتسعين إلى مائة وعشرين، وأطول وقصٍ في زكاة الغنم من مائتين وواحد إلى أربعمائة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن البقر ثلاثين تبيعاً أو تبيعة ...)

    قوله: [ أخبرنا محمد بن رافع ].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو شيخ مسلم وقد أكثر من الرواية عنه، ومسلم مثله في النسب والبلد، فـمسلم قشيري نيسابوري، ومحمد بن رافع شيخه قشيري نيسابوري نسباً وبلداً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [ حدثنا يحيى بن آدم ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل ].
    ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وابن ماجه.
    [ عن الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له، وهو مشهور بهذا اللقب.
    [ عن شقيق ].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي، كنيته أبو وائل، مشهور بكنيته ومشهور باسمه، يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مسروق ].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معاذ ].
    هو معاذ بن جبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد كبار الصحابة، وقد توفي سنة 18هـ في طاعون عمواس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (من كل أربعين بقرة ثنية ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يعلى وهو ابن عبيد قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم قالا: قال معاذ رضي الله عنه: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة ثنية، ومن كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر )].أورد النسائي حديث معاذ رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يأخذ من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين ثنية، والثنية هي: المسنة التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، وهي التي تجزئ في الأضحية؛ لأن الذي يخرج زكاة في البقر الثنية هي أعلى شيء يخرج، وتجزئ في الأضحية، بخلاف الذي يخرج في الإبل، فإنه كله لا يجزئ في الأضحية؛ لأن الذي يجزئ ما تم خمس سنين، وكل الأنواع التي تخرج في الزكاة لا تصل إلى حد الثنية، الثنية التي أكملت سنتين ودخلت في الثالثة، وبنت المخاض التي أكملت سنة واحدة، واللبونة أكملت سنتين، والحقة أكملت ثلاثاً، والجذعة أكملت أربعاً، وكلها لا تجزئ في الأضحية، كلها أسنان دون ما يجزئ في الأضحية، لكن بالنسبة للبقر الذي يخرج منها الذي هو المسنة، الثنية، فتجزئ في الأضحية.
    (ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر).
    ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر، وقد مر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... من كل أربعين بقرة ثنية ...) من طريق ثانية

    قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان ].هو أحمد بن سليمان الرهاوي ، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا يعلى وهو ابن عبيد ].
    يعلى هو ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن عبيد الذي زادها النسائي أو من دون النسائي وليس التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى هذا، بل ينسب شيخه كما يريد.
    [ حدثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم ].
    عن الأعمش عن شقيق عن مسروق والأعمش عن إبراهيم، هؤلاء مروا في الإسناد الذي قبل هذا إلا إبراهيم، وهو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا مما أرسله، وهذا يعتبر مما أرسله، ولكن الواسطة معروف أنه مسروق ؛ لأنه سيأتي أنه يروي الحديث نفسه عن مسروق ، فهذا من إرساله؛ لأن معاذ توفي سنة 18هـ، وهو لم يدرك معاذاً، فهو من قبيل المرسل، لكن عرفت الواسطة.
    [ عن معاذ ].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: ( لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر ) ].ثم أورد النسائي حديث معاذ من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [ أخبرنا أحمد بن حرب ].
    صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا أبز معاوية ].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ ].
    وقد مر ذكرهم، وهذا فيه بيان الواسطة بين إبراهيم وبين معاذ، وهو مسروق.

    حديث: (... أن لا آخذ من البقر شيئاً حتى تبلغ ثلاثين ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليمان الأعمش عن أبي وائل بن سلمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئاً حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ) ].ثم أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه تفصيلاً وتفريقاً فيما يتعلق فيما دون الثلاثين، وأنه لا يأخذ منها شيئاً حتى تبلغ الثلاثين، يعني: لو كانت تسعة وعشرين فإنه لا يكون فيها زكاة، وهو مثلما تقدم في الطرق السابقة: يخرج تبيعاً أو تبيعة، وفي الأربعين مسنة.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي ].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ حدثنا يعقوب ].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبي].
    هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن إسحاق ].
    هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثني سليمان الأعمش ].
    هنا ذكره باسمه ولقبه.
    [ أبي وائل بن سلمة ].
    يعني: ذكره هنا بكنيته ونسبته، وهو شقيق بن سلمة ، وقد مر ذكره.
    [ عن معاذ بن جبل ].
    وقد مر ذكره.


    مانع زكاة البقر

    شرح حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ...)

    قال المصنف رحمه الله: [ باب مانع زكاة البقر أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا وقف لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها، وتنطحه ذات القرون بقرونها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول الله! وماذا حقها؟ قال: إطراق فحلها، وإعارة دلوها، وحمل عليها في سبيل الله، ولا صاحب مال لا يؤدي حقه، إلا يخيل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه، يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)].
    أورد النسائي عقوبة مانع زكاة البقر، أي: عقوبته في الآخرة، وقد أورد فيه حديث جابر رضي الله عنه (أنه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة وقف لها بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها، وتنطحه ذات القرون بقرونها، ليس فيها يومئذٍ جماء ولا مكسورة القرن).
    ليس فيها جماء، وهي التي لا قرون لها، ولا مكسورة القرن.
    (قلنا: يا رسول الله! وماذا حقها؟ قال: إطراق فحلها).
    إطراق فحلها، يعني: كون فحلها إذا احتيج إليه، فإنه يمكن من احتاج إليه من أجل أن يطرق دابته، وأن ينزو عليها. (وإعارة دلوها)، يعني: عندما يأتي الورد، يعني: إعارة الدلو لمن يحتاج إلى أن يخرج الماء لبقره أو غنمه أو إبله.
    (وحمل عليها في سبيل الله).
    وهذه الحقوق مستحبة، وأما الحق الواجب وفريضة الزكاة فهي المقادير التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي مرت بنا، سواء كان ذلك بالنسبة للإبل، أو بالنسبة للبقر، أو بالنسبة للغنم.
    ثم قال: (ولا صاحب مال لا يؤدي حقه إلا يخيل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه، يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل).
    ثم بين أنه ليس هناك صاحب مال لا يؤدي حقه إلا يخيل له، يعني: يمثل ويجعل على صورة خبيثة موحشة مخيفة، على صورة شجاع أقرع يتبعه، فإذا رأى أنه لا مفر فإنه يعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل، الفحل يعني: هو الذكر، يعني: قوي الأسنان، فإنه يقضم الشيء الذي يصل إلى فمه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ...)

    قوله: [ أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ]. ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن ابن فضيل ].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي جاء عنه الكلمة المشهورة وهو قوله: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان؛ لأنه قيل عنه: إنه تشيع، وهذا يدل على سلامته من التشيع؛ لأن كونه يدعو لـعثمان ويترحم على عثمان ويدعو على من لم يترحم عليه ليس هذا شأن الرافضة وشأن الشيعة الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذمونهم ويعيبونهم، فالذي يقول هذا الكلام بريء من هذه البدعة، وبريء من هذا السوء.
    [ عن عبد الملك بن أبي سليمان ].
    صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبي الزبير ].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر بن عبد الله ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.


    الأسئلة

    حكم زواج رجل مسلم بكتابية في بلاد كافرة

    السؤال: رجل يعيش في دولة كافرة، هل يجوز له التزوج من نساء أهل الكتاب؟

    الجواب: الزواج من نساء أهل الكتاب سائغ كما جاء به القرآن، لكن المسلمة أولى بأن يتزوج بها.

    مقدار نصاب النقدين بالعملة الحالية

    السؤال: مائتين درهم كم تساوي من الريال الموجود؟

    الجواب: المائتا درهم التي هي النصاب هي تقدر بالريالات السعودية الفضة ستة وخمسون ريالاً من الفضة، وأما من الورق فقيمتها من الورق، يعني: ينظر قيمتها في السوق، يعني: قيمة الريال من الفضة من الورق، وسيكون ما يقابل ستة وخمسين هو النصاب من الورق، ومن الفضة كما قلت هو ستة وخمسين ريالاً سعودياً فضياً.

    زكاة السائمة التي ترعى صباحاً ويضاف لها طعام وماء في المساء

    السؤال: إذا كانت الماشية ترعى في الصباح حتى المساء، ولكنها إذا عادت في المساء أضع لها شعيراً وماء، فهل تعتبر سائمة فيها الزكاة؟

    الجواب: والله إذا كان أن الغالب عليها الرعي، وكونهم يعطونها شيء، يعني: طبعاً هي كونها تذهب من الصباح إلى المساء أنها ترعى، فطبعاً فيها زكاة، أما إذا كانت الأرض مجدبة، وهي ليس فيها شيء، وإنما يخرجونها وتعود ويعلفونها، والعمدة على العلف، فإذا كان العمدة على العلف فليس فيها زكاة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #398
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (395)

    - (باب زكاة الغنم) إلى (باب إذا جاوز في الصدقة)


    بين الشرع زكاة الغنم ومقدارها ورتب العقوبة على مانعها، وينبغي على آخذ الزكاة ألا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفرق، وينبغي على المزكي أن يزكي بأنعام سليمة ليس فيها عيب، وللإمام أن يدعو لصاحب الصدقة، وللمتصدق أن يزيد على صدقته برضاه.
    زكاة الغنم

    حديث كتاب أبي بكر في فرائض الصدقة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الغنمأخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي حدثنا شريح بن النعمان حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه، فيما دون خمس وعشرين من الإبل في خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستة وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا بلغت ستة وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليست عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربعة من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت واحدة ففي كل مائة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب زكاة الغنم، ومراده بذلك بيان التفصيل الذي جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد فيه حديث أبي بكر الصديق من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما الذي فيه كتابة فرائض الصدقة في الإبل والغنم، وكذلك في الرقة التي هي الفضة، وفي هذا الحديث تفصيل ما يتعلق بزكاة الإبل، وما يتعلق بزكاة الغنم، وقد مر هذا الحديث بطوله وبما فيه من التفصيل في باب زكاة الإبل من نفس الطريق إلا أنه من حديث أنس عن أبي بكر ، إلا أنه جاء من طريق أخرى عن الإمام النسائي رحمه الله.
    وقد عرفنا ما يتعلق بهذا الحديث هناك عند الكلام على زكاة الإبل، ونذكر ما يتعلق بالإسناد الذي لم يأت من قبل.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة ].
    هو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا سريج بن النعمان ].
    ثقة، يهم قليلاً، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا حماد بن سلمة ].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [إن أبا بكر رضي الله عنه]
    أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة على الإطلاق، وهو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وهو صاحب الفضائل الجمة والمناقب الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    باب مانع زكاة الغنم

    شرح حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى زكاتها ...)


    قال المصنف رحمه الله: [ باب مانع زكاة الغنمأخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما نفدت أخراها أعادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مانع زكاة الغنم، أي: عقوبته في الآخرة، وقد أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي فيه: (أنه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم إلا إذا جاء يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، فتطؤه ذات القرون بقرونها، وذات الظلف بأظلافها، وتطؤه ذات الخف بأخفافها، حتى يقضى بين الناس)، ومعنى هذا أنه يعذب بها يوم القيامة، وقد مر الحديث وغيره فيما تقدم في بيان عقوبة مانع الزكاة من الإبل والبقر والغنم، وأنه يعذب بالشيء الذي كان يبخل به، أي: المال الذي كان يبخل بزكاته، يأتي ذلك المال على أوفر حال وأحسن حال، وعلى أسمن ما تكون تلك البهائم التي هي بهيمة الأنعام، فتطؤه ذات الأخفاف بأخفافها التي هي الإبل، وتطؤه ذات الظلف بأظلافها التي هي البقر والغنم، وتطؤه ذات القرون بقرونها التي هي البقر والغنم.


    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها ...)


    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [ عن وكيع ].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له اشتهر به.
    [ عن المعرور بن سويد ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت في درس مضى أن مما ذكر في ترجمته: أنه كان عمره مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية.
    [ عن أبي ذر ].
    هو أبو ذر جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع

    شرح حديث: (... ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع أخبرنا
    هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة أنه قال: ( أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته، فجلست إليه فسمعته يقول: إن في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن، ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع، فأتاه رجل بناقة كوماء فقال: خذها، فأبى ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجمع بين المتفرق والتفريق بين مجتمع، وقد أورد فيه حديث مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله لجباية الصدقات؛ لأنه هنا سويد بن غفلة هو ليس صحابياً، وإنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم إلى المدينة في اليوم الذي توفي فيه رسول الله بعد دفنه، بعدما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة في ذلك اليوم، فلم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وهو الذي يصلح أن يقال فيه: كاد أن يكون صحابياً.
    وقد ذكر في ترجمة الصنابحي أنه قدم من اليمن يريد أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف لصحبته، فلما كان في الجحفة وإذا ركب قدم من المدينة فالتقوا به، فأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن البارحة، أي: أنه كاد أن يصل، أو كاد أن يكون صحابياً؛ لأنه جاء ليكون صحابياً، فلما وصل إلى الجحفة وهي المكان الذي يقال له: رابغ، وقريباً من رابغ، جاءهم ركب من المدينة يخبرونهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، وقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، وسويد بن غفلة كذلك جاء في اليوم الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما دفن، فهو كاد أن يكون صحابياً، والحديث عن المصدق، يعني: صاحب الحديث، أو الذي يسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسويد بن غفلة لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدركه ولم يره، أدرك زمانه وكان مسلماً في حياته، ولكنه لم يلقه.
    فهذا المصدق سمع سويد بن غفلة بعد أن جاء لأخذ الزكاة أنه يقول: إن في عهدي، يعني: العهد الذي عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم به، هذا العهد الذي عهد إليه به، والذي عهد إليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا يأخذ راضعاً، وفسر الراضع بأنه الذي يرضع، وهذا لصغره، وأخذه يكون فيه مضرة أو عدم فائدة للمساكين والفقراء؛ لأنه كونه يؤخذ الصغير الذي يرضع، يعني: معناه أنه يكون فيه نقص، وضرر في حق المساكين والضعفاء الذين لهم الزكاة، وفسر بأن راضع لبن، أي: ذات راضع، أي: التي هي ذات لبن يرضع أو ترضع، وهذا فيه إضرار بأصحاب الأموال من جهة أنهم يحتاجون إلى لبنها، ويحتاجون أيضاً إلى إرضاع ولدها، فأخذها يكون فيه إضرار بأصحاب الأموال، ففسر راضع لبن بأنه الذي يرضع، وفسر بأنه ذات راضع، وهي الدابة التي ترضع، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم، وفسر أيضاً بتفسير ثالث، وهو أن المراد به أنه لا يؤخذ زكاة المال الذي خصص للبن والذي يعلف من أجل دره ومن أجل لبنه، فيكون عند أهله يعلفونه ويشربون أو يقتاتون من لبنه، يعني: أنه لا زكاة في الذي يحتاج إليه أهله للبنه أو لحمولته أو ما إلى ذلك ويعلفونه، وكذلك إذا كان صغيراً لا يؤخذ زكاة؛ لأن فيه مضرة للفقراء ونقصاً في حق الفقراء، وإذا كانت ذات لبن فإن ذلك فيه مضرة لأصحاب الأموال؛ لأنه يفوت عليهم اللبن لأنفسهم ولأولاد البهائم.
    قوله: (ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع)، هذا فيه: أن التفريق والتجميع يكون من المصدق، كما يكون أيضاً من المالك كما سبق أن عرفنا في حديث أنس الطويل، حديث أنس عن أبي بكر الذي مر في باب زكاة الإبل وفي باب زكاة الغنم، وفي آخره: ( ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية )، فذاك دال على هذه الترجمة التي عقدها المصنف هنا، ولكنه أتى هنا بهذا الحديث الذي فيه التنصيص على ذلك من العامل، وفيه أن العامل لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، يعني: من أجل الصدقة، بأن يجد أناساً مجتمعين، يعني: مشتركين خلطاء، ولكل واحد مثلاً، عشرين من الغنم، وعشرين من الغنم، فيجمع بينها من أجل أن يكون فيها شاة، أو يكون شخصان لكل واحد منهم مائة وواحد، فيكون على كل واحد شاة، فيجمع بينها فيكون فيها ثلاث شياه، يعني: لا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع.
    قوله: [ فأتاه رجل بناقة كوماء وقال: خذها فأبى ].
    يعني: أنها كوماء، يعني: أن الشحم عليها، وسنامها مرتفع، يعني: لسمنها، فأبى، ولعله امتنع أن يأخذها؛ لأنها زائدة على الحق، ومن المعلوم أن ذلك سائغ؛ لأنه جاء في الحديث: ( إلا أن يشاء )، إذا شاء الإنسان أن يعطي شيئاً أكثر مما يجب عليه لا بأس، بل من لا تجب عليه الزكاة أصلاً، إذا أخرج شيئاً من تلقاء نفسه، فإنه يؤخذ منه كما مر في الحديث، ومن كان عنده أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، ومن كان عنده تسع وثلاثون، ومن كان عنده أقل من أربعين شاة واحدة، أي: تسع وثلاثين فليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها، فإذا أعطى بطيبة نفس منه، فإنه يؤخذ منه، وهذا الصحابي الذي هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل هذه الناقة الكوماء، ولعله امتنع من ذلك لكونه ما عنده العلم لكونه إذا كان أعطى أكثر مما يستحق أو مما يجب عليه فإنه لا بأس بذلك، كما جاء موضحاً في حديث أنس، أو أنه امتنع من ذلك تورعاً وتعففاً من أن يأخذ شيئاً أكثر من المال أو من الحق الذي هو واجب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع ...)

    قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].هو هناد بن السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن هشيم ].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وقد عرفنا فيما مضى أن التدليس هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، أما الإرسال فهو رواية الراوي عن من لم يلقه، وسواء كان مدركاً عصره أو غير مدرك عصره وإذا كان غير مدرك عصره، فهو مرسل جلي، وإذا كان مدركاً عصره فهو المرسل الخفي.
    والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، وقيل له: خفي لأنه ممكن؛ لأنه معاصر له، لكن الواقع أنه ما حصل، لكن إذا كان لم يدرك عصره هذا جلي واضح؛ لأنه مثلاً هذا ولد بعد أن مات هذا، أو بينه وبينه مسافة طويلة، فهذا مرسل جلي، فـهشيم بن بشير الواسطي ثقة كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هلال بن خباب ].
    صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة:

    استدراك على ما تم ترجمته لمظفر بن مدرك فيما سبق

    وبالمناسبة؛ الشخص الذي مر بنا في الدرس الماضي وهو مظفر بن مدرك ، أبو كامل ، الذي في تهذيب الكمال: روى عنه أبو داود في التفرد حديثاً، يعني: حديثاً واحداً، والنسائي روى له حديثاً، ومعناه: أنه مقل، يعني: ليس له في كتب السنن إلا هذا الحديث الواحد عند النسائي، وليس له في كتاب التفرد لـأبي داود إلا حديثاً واحداً، وتهذيب التهذيب، والتقريب، يعني: الترمذي والنسائي، وفي خلاصة تهذيب الكمال: أبو داود والنسائي، لكن التفصيل والإيضاح والبيان هو في تهذيب الكمال، حيث نص على أن أبا داود روى له حديثاً في كتاب التفرد، والنسائي روى له حديثاً، ومعنى هذا أنه مقل، يعني معناه: أن المظفر ما يأتي لنا في سنن النسائي مرة أخرى، اللهم إلا أن يكون المزي قد وهم، يعني: وإلا فإنه جاء مرة واحدة، يعني: ما جاء قبلها، ولا يجيء بعدها، وإن كان قد جاء أو يجيء فإن ذلك يعتبر وهم؛ لأنه نص على أن أبا داود روى له حديثاً في التفرد، والنسائي روى له حديثاً.أبو عبد الله يقول: إنه في تهذيب الكمال هلال بن خباب نص على أنه أخرج له الأربعة، وهذه النسخة الباكستانية في تقريب التهذيب كذلك فيه الأربعة، هلال بن خباب الأربعة.
    إذا كان المزي نص على الأربعة فهو المعتمد؛ لأنه ينص بالحروف، ويذكر بالأسماء لا بالحروف، يعني: ينص عليها بالأسماء فلان وفلان، أو الأربعة أو الجماعة، بخلاف هؤلاء فإنهم يرمزون، والرموز للأربعة والجماعة، بينها شيء من التشابه في الرسم.

    تابع تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا نجمع بين متفرق ولا نفرق بين مجتمع ...)


    قوله: [ عن ميسرة أبي صالح ].مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
    [ عن سويد بن غفلة ].
    تابعي مخضرم، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسويد بن غفلة يعني: عمر وعاش مائة وثلاثين سنة، وذكروا في ترجمته: أنه كان يصلي بالناس التراويح في قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة.
    إذاً فـسويد بن غفلة هذا والمعرور بن سويد في الإسناد الذي قبله، كل منهم بلغ عمره هذا المقدار، وهذا سويد بن غفلة أسود شعر الرأس واللحية، وهو كان يصلي بالناس التراويح في رمضان.
    [ مصدق النبي صلى الله عليه وسلم ].
    عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف اسمه، ولا يحتاج إلى معرفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنه يكفيهم شرفاً ويكفيهم فضلاً إضافتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالمجهول منهم في حكم المعلوم، بخلاف غيرهم فإنه يحتاج إلى معرفته، وقد ذكر هذا الخطيب البغدادي وقد ذكره غيره بأنه ما من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفة حاله ومعرفة شخصه إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يحتاج إلى ذلك، بل يكفي أن يقال عن الواحد منهم: أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (بعثنا مصدق الله ورسوله، وأن فلاناً أعطاه فصيلاً مخلولاً ...)

    قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا هارون بن زيد بن يزيد يعني: ابن أبي الزرقاء ، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث ساعياً، فأتى رجلاً، فأتاه فصيلاً مخلولاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بعثنا مصدق الله ورسوله، وأن فلاناً أعطاه فصيلاً مخلولاً؛ اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله، فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم بارك فيه وفي إبله ) ].أورد النسائي حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعياً مصدقاً، فجاء إلى رجل فأعطاه فصيلاً مخلولاً، والمخلول هو الهزيل الذي خل حتى يصيبه الهزال، فأعطاه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن فلاناً جاءه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أعطاه فصيلاً مخلولاً، فقال: اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء ذلك الرجل أو بلغ ذلك الرجل ما دعا به عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء تائباً منيباً وقال: أتوب إلى الله، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وجاء بناقة حسناء، فقال: اللهم بارك فيه وفي إبله.
    وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة السابقة التي هي: الجمع بن متفرق، والتفريق بين مجتمع؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بهذا، وهو أقرب ما يكون للباب الذي يليه؛ لأن فيه دعاء لأصحاب الصدقة، والباب الذي يليه يتعلق بصلاة الإمام على أصحاب الصدقة، أي: دعاؤه لهم، فهو أشبه وأقرب إلى الباب الذي يليه، وفي السنن الكبرى أورد هذه الترجمة تحت باب أيضاً ما له علاقة، وهو باب: تراجع الخليطين بينهما بالسوية، وأورد هذا الحديث وحده، وليس فيه شيء يتعلق بهذا الموضوع، ولكن كما أشرت: الذي يبدو أن أقرب شيء إليه الباب الذي يليه، وهو صلاة الإمام على صاحب الصدقة، أي: دعاؤه له، فهو أشبه بالباب الذي يليه، ولا يظهر دخوله في الباب الذي وضع تحته، وهو الجمع بين مفترق، والتفريق بين مجتمع.
    والرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه أولاً، فأثر عليه ذلك، فجاء بناقة حسناء، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المعلق عند دعائه عليه قال: إن ثبت على صدقته، يعني معناه: كأن هذا الدعاء أنه مقيد بكونه على هذا النقص، وعلى هذا الذنب الذي اقترفه، وهو كونه لم يؤد الواجب الذي عليه كما ينبغي، لكنه بعد أن جاء به وأدى الحق الذي عليه، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم.
    إذاً فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له في آخر الحديث هو الذي يليق بالباب الذي يليه، وهو الصلاة على صاحب الصدقة؛ لأن الصلاة تأتي بمعنى الدعاء.
    قوله: [ بعثنا مصدق الله ورسوله ].
    يعني: هذا المصدق كما هو معلوم بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبعث المصدقين الذي هو إرسال العمال للزكاة بأمر من الله عز وجل.
    قوله: [ أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه ].
    يعني معناه: أن الذي حصل منه أنه رجع عنه، وأنه يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه مما حصل منه، وأيضاً يطلب منه أن يدعو له بدل أن دعا عليه.
    ولا تقال مثل هذه العبارة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعثنا مصدق الله ورسوله، وأن فلاناً أعطاه فصيلاً مخلولاً ...)


    قوله: [أخبرنا هارون بن زيد بن يزيد يعني: ابن أبي الزرقاء قال: حدثنا أبي].هارون بن زيد بن يزيد أي: ابن أبي الزرقاء، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
    عن أبيه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
    [ حدثنا سفيان ].
    هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عاصم بن كليب ].
    هو عاصم بن كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبيه ].
    عن أبيه كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن.
    [ عن وائل بن حجر ].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


    صلاة الإمام على صاحب الصدقة


    شرح حديث: (... اللهم صل على آل آبي أوفى)


    قال المصنف رحمه الله: [ باب صلاة الإمام على صاحب الصدقةأخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة قال عمرو بن مرة : أخبرني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى ) ].
    أورد النسائي صلاة الإمام على صاحب الصدقة، أي: دعاؤه له؛ لأن الصلاة هي الدعاء، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه صاحب صدقة صلى عليه.
    قوله: (إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، وأنه جاءه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى)، وهي دعاء، ومن المعلوم أن المتصدق يدعى له، يعني: سواء بالصلاة أو بالدعاء، كما جاء في الحديث الذي قبل هذا: (اللهم بارك فيه وفي إبله)، يعني معناه: أن المصدق الذي هو المالك يدعى له عندما تؤخذ منه الصدقة، يعني يدعو له العامل الذي يأخذها منه، ويتقبلها منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم صل على آل أبي أوفى)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد ].هو عمرو بن يزيد الجرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا بهز بن أسد ].
    هو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ قال عمرو بن مرة ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب، وفي الإسناد يعني: عندما قال: [عن شعبة، قال عمرو بن مرة: أخبرني]، وهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، ويفعله بعض المحدثين ومنهم: شعبة، وهذا من فعله؛ فإنه يستعمله كثيراً، بأن يقدم الاسم على الصيغة، يعني: بدل ما يقول: حدثني عمرو بن مرة، يقول عمرو بن مرة: أخبرني، هذا تقديم الاسم على الصيغة، ولا بأس به، سواء قدم الاسم أو أخر، يعني قيل: حدثني عمرو بن مرة، أو قيل: قال عمرو بن مرة : حدثني، كل ذلك صحيح، لكن هذا اصطلاح يفعله بعض المحدثين، ومنهم شعبة، وقد ذكرت ذلك في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، وأن الحافظ ابن حجر ذكر عن شعبة أنه يستعمل ذلك كثيراً.
    [ سمعت عبد الله بن أبي أوفى ].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


    إذا جاوز في الصدقة


    شرح حديث: (... أرضوا مصدقيكم ...)

    قال المصنف رحمه الله: [ باب إذا جاوز في الصدقة.أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى عن محمد بن أبي إسماعيل عن عبد الرحمن بن هلال أنه قال: قال جرير رضي الله عنه: ( أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناس من الأعراب، فقالوا: يا رسول الله! يأتينا ناس من مصدقيك يظلمون، قال: أرضوا مصدقيكم! قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم! ثم قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم! قال جرير رضي الله عنه: فما صدر عني مصدق منذ سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو راض ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا جاوز في الصدقة، يعني: جاوز الحد المطلوب أو الحد الواجب، والمقصود من هذا أو معنى هذا أنه إذا كان من المالك فهذا سائغ، يعني: إذا كانت المجاوزة في الصدقة، يعني: إخراج أكثر من المطلوب، يعني: عدداً ونوعاً وسناً، فإن ذلك سائغ يقبل من المتصدق، لكن المصدق إذا جاوز في الصدقة بمعنى أنه طلب زيادة فإنه لا يعطى الزيادة؛ لأنه سبق أن مر في حديث أنس عن أبي بكر الطويل يقول فيه: هذه الفريضة التي فرضها الله على المسلمين التي أمر بها رسوله، فمن سئلها على وجهها فليعط، ومن سئل على غير وجهها فلا يعط، يعني معناه: أنه لا يعطي أكثر من المطلوب، لا من حيث العدد، ولا من ناحية السن إلا باختياره وبطواعيته، فالمجاوزة إن كانت من قبل المالك فإنه لا بأس بذلك، إذا كانت المجاوزة والزيادة عن المطلوب حصلت من المالك بطيب نفس منه، وسواء كان ذلك في السن أو في العدد، لا بأس يؤخذ منه، ويدل عليه ما جاء في الحديث: (أنه إذا نقصت عن خمس فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وإذا نقصت عن أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)، معناه: أنه إذا أدى شيء لا يجب عليه فإنه لا بأس بذلك يقبل منه، لكن إذا أخذ منه شيء لا، يعني: إذا أخذه المصدق وهو لا يجب عليه فإنه ظلم، وقد مر في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه حين بعثه إلى اليمن، قال: (فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)، يعني: إياك أن تأخذ كرائم الأموال، ( واتق دعوة المظلوم )، يعني: أنك إذا أخذتها ظلمت، والمظلوم يدعو، وليس بين الله وبين دعوة المظلوم حجاب، ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).
    ومعنى هذا: أن التجاوز من جهة المصدق ظلم لا يجوز، وقد أورد النسائي حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أن ناساً من الأعراب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن مصدقيك يظلموننا، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بأنهم لا يظلمونهم، ولكنهم هم لشحهم بالمال ولحرصهم على المال، يعني: يجعلون الحق، أو الذي يؤخذ منهم يظنون أنه ظلم، وهو ليس بظلم، ولهذا قال: الأعراب، والأعراب هم الذين فيهم مثل هذه الصفات التي هي الجفاء، وكذلك بعض الصفات الذميمة، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرضوا مصدقيكم، قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم قال: وإن ظلم؟ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن مصدقيه لا يظلمون، وأنه بين لهم وحدد لهم، ولهذا سبق أن مر بنا قريباً الحديث الذي عن سويد بن غفلة الذي يذكر عن مصدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقول: في عهدي، أي: العهد الذي عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم به أن لا يأخذ راضع لبن، وأن لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع من حيث الصدقة، وجاءه رجل بناقة كوماء فأبى أن يقبلها.
    فهم لا يحصل منهم الظلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم، وأرسل أناساً هو يأمنهم، ولكن كلام الأعراب فيهم ليس بصحيح، وهذا يدل على أن الكلام في الوالي يعني: أحياناً يكون من أناس غير محقين، مثل ما جاء في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما كان أميراً على الكوفة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ثم يأتي أناس يتكلمون فيه إلى عمر ويقولون: إنه ما يحسن الصلاة، ما يحسن يصلي، جفاء! شخص يمشي على الأرض، والناس يعرفون أنه من أهل الجنة، ومع ذلك يقعون فيه ويتكلمون فيه حتى في الصلاة، فهم مبطلون وهو محق، ولما استدعاه عمر رضي الله عنه وجاء إليه، وقال: إنهم يقولون: إنك ما تحسن تصلي، فقال: إنني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمد في الأوليين وأقصر في الأخريين، فقال: هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق!
    الحاصل: أن بعض الأشخاص الذين يتولى عليهم، يحصل منهم تجاوز الحد إلى أبعد الحدود مثلما حصل من أهل الكوفة لسعد بن أبي وقاص ، وهؤلاء الأعراب جاءوا يقولون: أصحابك أو مصدقيك يظلموننا، والرسول ما أرسلهم إلا وقد ائتمنهم ورسم لهم الخطة التي يسيرون عليها، ويأخذون كذا، ويأخذون كذا، وهذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يروي عنه سويد بن غفلة أوتي بناقة حسناء فأبى أن يقبلها؛ لأنها أكثر من الحق.
    [ قال جرير: فما صدر عني ].
    قال جرير رضي الله عنه: فما صدر عني مصدق منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صدر عني وهو راض، يعني معناه: أنه يؤدي الحق وأكثر الحق.


    تراجم رجال إسناد حديث: (... أرضوا مصدقيكم ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ].محمد بن المثنى هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو مشهور بكنيته ولقبه.
    ومثله محمد بن بشار الملقب بندار، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر عن الاثنين: وكانا كفرسي رهان، أي: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، كل منهما من أهل البصرة، واتفقوا في الشيوخ والتلاميذ، وكل منهم روى عنه أصحاب الكتب الستة، فهما كفرسي رهان، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة.
    [ قال: واللفظ له ].
    واللفظ له، أي: لـمحمد بن بشار الثاني، أي: للشيخ الثاني.
    [ حدثنا يحيى ].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن أبي إسماعيل ].
    ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
    [ عن عبد الرحمن بن هلال ].
    عبد الرحمن بن هلال، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، يعني: ما أخرج له الترمذي ولا البخاري في الصحيح.
    [ قال جرير ].
    جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: ( إذا أتاكم المصدق فليصدر وهو عنكم راض) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل هو ابن علية أخبرنا داود عن الشعبي قال: قال جرير رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أتاكم المصدق فليصدر وهو عنكم راض ) ].أورد النسائي حديث جرير من طريق أخرى مختصرة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتاكم المصدق فليصدر وهو عنكم راض )، بمعنى: أنه لا يحصل منهم شيء من الشح، وشيء يجعل بينه وبينهم شيء؛ لأنهم أخلوا بالواجب؛ ولأنه تعب معهم في الحصول على الواجب، بل يؤدون بسهولة ويسر حتى يكون هناك ارتياح من الطرفين، وحتى يكون هناك سلامة؛ لأنه ليس معنى ذلك أنه يرضى، بمعنى: أنه يأخذ شيء كثير، أو أنه يعطى أكثر من اللازم، لا! وإنما هم يؤدون الواجب بسهولة ويسر وعدم عناء ومشقة؛ لأنه إذا حصل منهم التلكؤ، وحصل منهم البخل بالشيء الذي هو واجب، يعني: يحصل بينه وبينهم أخذ ورد، وأن هذا لا يجزئ، وأننا نريد كذا وكذا، فهو يريد أن يكون من أول وهلة، يعني: يعطونه الحق فيكون راضياً عنهم، وليس المقصود من ذلك أنهم يعطونه أكثر من اللازم، يعني: رضاه أنهم يعطونه أكثر من اللازم، وإنما معناه أنهم يعطونه الواجب بسهولة ويسر، بدون عناء وبدون إلحاح، وبدون أخذ ورد، يعني: يأتي الإنسان ويؤدي حقه ويمشي، بدون ما يقول: والله هذه ما نقبلها أعطنا غيرها، هذه دون، هذه أقل من الواجب، لا! يعطي من أول وهلة الشيء الواجب، فيكون المصدق راضياً عنه من أول وهلة، ما يكون فيه شيء في النفس أولاً ثم في النهاية يعطونه الواجب.


    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتاكم المصدق فليصدر وهو عنكم راض) من طريق أخرى


    قوله:[ أخبرنا زياد بن أيوب ].ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
    [ عن إسماعيل هو ابن علية ].

    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    و ابن علية اشتهر بها، وهي أمه، يعني: نسبة إلى أمه، وقد اشتهر بها.
    [ عن داود ].
    هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن الشعبي ].
    هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جرير ].
    هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #399
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (396)





    - (باب زكاة الورق) إلى (باب مانع زكاة ماله)

    بيّن الشرع الحكيم أحكام زكاة الورق، وزكاة الحلي، ورتّب العقوبة على مانع الزكاة يوم القيامة، وبيّن كذلك حكم زكاة الحنطة والتمر، وزكاة الحبوب ومقدار ما يخرج منها.
    باب زكاة الورق


    شرح حديث: (ليس فيما دون خمسة أواق صدقة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الورق.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد أنه حدثنا يحيى وهو ابن سعيد عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أوسق صدقة ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: باب زكاة الورق، والمراد بالورق: الفضة، ومثلها ما يقوم مقامها من الأوراق النقدية، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري الذي سبق أن مر من طرق عديدة عند ذكر زكاة الإبل، أورده هنا عند ذكر زكاة الورق؛ لأنه مشتمل على هذا وذاك، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أوسق صدقة )، أورده هنا من أجل الجملة الأولى، وهي: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)، والأواق: جمع أوقية، والأوقية: أربعون درهماً، أي: فيكون النصاب مائتي درهم، وهي تعادل بالنقد السعودي الفضي: ستة وخمسون ريالاً من الفضة، أما النصاب من الورق، فقيمته ستة وخمسين من الفضة قيمتها في السوق عندما يحول الحول، هذا هو مقدار النصاب، فإن كانت قيمة الريال الفضي عشرة ريالات من الورق، فيكون النصاب خمس وستين، وإن كان أقل أو أكثر فإنها تختلف القيمة.
    ومعرفة النصاب يحتاج إليه إذا قل المال، وكان في حدود، هل يصل إلى حد الزكاة أو لا؟ عند ذلك يحتاج إلى معرفة النصاب، أما إذا كان المال كثيراً وفيراً فإنه يخرج منه ربع العشر، ولا يحتاج إلى معرفة النصاب؛ لأن معرفة النصاب يحتاج إليها إذا دار الأمر بين كونه يعني: تحل فيه الزكاة أو ما تحل، هل فيه زكاة ولا ما فيه زكاة؟ هل يبلغ إلى حد الذي هو يزكى أو أنه لم يبلغ حد الذي يزكى؟ فإذا كان قليلاً في حدود خمس أواق فأقل، فإنه لا زكاة فيه، وإذا كان خمس أواق فأكثر، وهو مائتا درهم، فيكون فيه الزكاة، وإذا كان ستة وخمسين من الفضة، أو ما يقوم مقامها مما قيمته هذا المقدار، وجبت فيه الزكاة، وإذا كان دون ذلك فلا زكاة فيه.
    وعلى هذا فالحديث دال على بيان نصاب الفضة، وأن ما دون النصاب لا زكاة فيه، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )، أما ما يتعلق بزكاة الإبل فقد مر، وما يتعلق بزكاة الحبوب والثمار فإنه سيأتي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ليس فيما دون خمسة أواق صدقة ...)

    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي ].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن حماد ].
    هو ابن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وإذا جاء حماد غير منسوب، فيروي عنه يحيى بن حبيب بن عربي فالمراد به: حماد بن زيد.
    [ أنه حدثنا يحيى وهو ابن سعيد ].
    يعني: الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن يحيى ].
    هو عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ].
    وهو ثقة أيضاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سعيد ].
    أبو سعيد الخدري ، هو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، مشهور بكنيته ونسبته، ولكن تأتي كنيته كثيراً، ولا يأتي بالنسبة بدون الكنية، وإن كان مشهوراً بها، ولا يقال: الخدري بدون أبو سعيد، وإنما يقال: أبو سعيد، أو يقال: أبو سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان، لكنه مشهور بكنيته أبو سعيد، وهو الذي اشتهر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكنية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يكنى بأبي سعيد، ولكنه ما اشتهر بها، مثل: عبد الرحمن بن سمرة، كنيته أبو سعيد، لكنه ليس مشهوراً بهذه الكنية، وإنما الذي اشتهر بها هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء سبعة أشخاص معروفون بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم: أبي سعيد الخدري الذي معنا في هذا الإسناد.


    حديث: (... وليس فيما دون خمسة أواق صدقة ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن سلمة أخبرنا ابن القاسم عن مالك أنه حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس فيما دون خمس أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، مشتمل على هذه الجمل الثلاث التي تبين الأنصبة، وأقل ما تجب فيه الزكاة من الفضة ومن الإبل، ومن الحبوب والثمار.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن سلمة ].
    هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.
    [ أخبرنا ابن القاسم ].
    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ].
    هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المدني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن أبيه ].
    ثقة أيضاً، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، يعني: فيه زيادة أبي داود على الذين خرجوا لابنه.
    [ عن أبي سعيد ].
    هو أبو سعيد الخدري ، وقد مر ذكره.

    حديث: (... ولا فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن يحيى بن عمارة وعباد بن تميم عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( لا صدقة فيما دون خمس أوساق من التمر، ولا فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة )].ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مشتمل على الجمل الثلاث، التي هي مشتملة على مقادير الأنصبة في الورق، والثمار، والإبل.
    قوله: [ أخبرنا هارون بن عبد الله ].
    هو الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا أبي أسامة ].
    هو أبو أسامة حماد بن أسامة مشتهر بكنيته، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه حماد بن أسامة وكنيته أبو أسامة، وهو مشهور بهذه الكنية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الوليد بن كثير ].
    هو الوليد بن كثير المخزومي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ].
    محمد بن عبد الرحمن منسوب إلى جده، وهو محمد بن عبد الله الذي تقدم يأتي منسوباً إلى جده، فيقال: محمد بن عبد الرحمن، وهو محمد بن عبد الله الذي مر في الإسناد المتقدم.
    [ عن يحيى بن عمارة ]
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ وعباد بن تميم ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكره.

    حديث: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي، حدثنا ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة وكانا ثقة، عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن وعباد بن تميم وكانا ثقة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) ].ثم أورد حديث أبي سعيد ، وهو مثل ما تقدم من طريق أخرى، وهو مشتمل على الجمل الثلاث المتقدمة في الطرق المتقدمة.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور الطوسي ].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [ حدثنا يعقوب ].
    هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبي ].
    وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا ابن إسحاق ].
    هو محمد بن إسحاق المدني، صاحب المغازي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثني محمد بن يحيى بن حبان ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ].
    تقدم ذكره قريباً، وكان ثقة.
    [ عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن ].
    هو يحيى بن عمارة المازني، وعباد بن تميم، وقد مر ذكرهما.
    [ عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكره.


    شرح حديث: (قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أسامة حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( قد عفوت عن الخيل والرقيق، فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة ) ].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يتعلق بزكاة الورق، وقد قال فيه عليه الصلاة والسلام: [( قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق )]، يعني: أنه لا زكاة فيها، وهذا مطابق لما تقدم من الروايات: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، مر من طرق عديدة، فإن هذا من جنسه ومثله، يعني: دال على أنه لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق، وقد عرفنا أن هذا فيما إذا لم يتخذ للتجارة، أما ما كان للتجارة فإنه يزكى، كل ما كان للتجارة فإنه يزكى زكاة عروض التجارة.
    [( فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة )]. وهذا فيه: بيان مقدار النصاب، وبيان الواجب فيه، أو القدر الذي يجب فيه وهو ربع العشر؛ لأن فيه بيان النصاب من الورق، وهو مائتا درهم، وربع العشر الذي هو من كل مائتين خمسة، ورد أن الزكاة هي ربع العشر، وهنا المائتين عشرها عشرين، وربعها خمس، ربع العشر.


    تراجم رجال إسناد حديث: (قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة)


    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان ].محمود بن غيلان ، هو: المروزي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود .
    [ حدثنا أبي أسامة ].
    وقد مر ذكره قريباً.
    [ عن سفيان ].
    هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي إسحاق ].
    هو أبو إسحاق السبيعي ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، مشهور بكنيته أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عاصم بن ضمرة ].
    صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [ عن علي رضي الله عنه ].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    حديث: (قد عفوت عن الخيل والرقيق، وليس فيما دون مائتين زكاة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا حسين بن منصور حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( قد عفوت عن الخيل والرقيق، وليس فيما دون مائتين زكاة ) ].أورد النسائي حديث علي من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما تقدم، إلا أن فيه بيان النصاب، وأنه لا زكاة فيما دون النصاب، بخلاف الطريق السابقة فإنها بيان مقدار ما يخرج من الزكاة، وأنها ربع العشر.
    قوله: [ أخبرنا حسين بن منصور ].
    ثقة، أخرج له البخاري، والنسائي.
    [ حدثنا ابن نمير ].
    هو: عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    والأعمش لقب اشتهر به، واسمه سليمان بن مهران.
    [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه ].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


    باب زكاة الحلي


    شرح حديث: (أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الحلي. أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: ( أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار، قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: زكاة الحلي، وأطلق الترجمة، والعلماء لهم فيها خلاف، منهم من قال بوجوب الزكاة فيها، أي: الحلي، ومنهم من قال: بعدم وجوب الزكاة فيها، والذين قالوا بالوجوب استدلوا بهذا الحديث، وغيره من الأحاديث الدالة على ذلك، وكذلك بعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وأنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها ... الخ)، فإن الذين قالوا بزكاة بالحلي، استدلوا بتلك العمومات، واستدلوا بهذه الأشياء الخاصة التي جاءت في التنصيص على زكاة الحلي، والمقصود: أن الحلي سواء كان ذهباً أو فضة، يعني: إذا بلغ نصاباً، فإنه تجب فيه الزكاة، ومقدار الزكاة ربع العشر، سواء كان ذلك من الذهب أو من الفضة.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الذي فيه: (أن امرأة من أهل اليمن جاءت ومعها ابنة لها، وعليها مسكتان غليظتان، وهما سواران، يعني: في يديها، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أتحبين أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما صدقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم)، والحديث استدل به على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أتؤدين زكاة هذا؟) وسألها: هل تؤد؟ معناه: أن فيه زكاة، وعندما قالت: لا، قال: أتحبين أن يسورك الله، وهذا فيه دليل على أن الذهب والفضة أنه يزكى مطلقاً أي ذهب، سواء كان للاستعمال، أو لغير الاستعمال، سواء كان على صورة النقود، أو على صورة الحلي، أو على أي حالة كانت، ما دام ذهب وفضة، فإنها تجب الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً فأكثر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ...)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا خالد ].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حسين ].
    هو حسين بن ذكوان المعلم ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن شعيب ].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    يروي عن أبيه، وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة، وقد ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون متصلاً ولا انقطاع فيه، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو أحد الصحابة المشهورين بكتابة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي هريرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ويقولون في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إذا ثبت إلى عمرو فهو من قبيل الحسن، إذا كان الإسناد إلى عمرو بن شعيب مستقيماً، فإنه يكون من قبيل الحديث الحسن؛ لأن عمرو صدوق، وأبوه شعيب صدوق، فحديثهما من قبيل الحسن.

    شرح حديث: (جاءت امرأة معها بنت لها إلى رسول الله وفي يد ابنتها مسكتان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت حسيناً حدثني عمرو بن شعيب قال: ( جاءت امرأة ومعها بنت لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان )، نحوه مرسل، قال أبو عبد الرحمن : خالد أثبت من المعتمر ].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه مرسل، أرسله عمرو بن شعيب؛ لأنه ما ذكر الرواية عن أبيه عن جده، وإنما عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة، فهو من قبيل المرسل، والنسائي عندما أورده قال: خالد أثبت من المعتمر ، يعني: الذي رواه موصولاً وهي الطريق المتقدمة خالد بن الحارث أثبت من المعتمر بن سليمان الذي رواه مرسلاً، وعلى هذا فالطرق المرسلة تتفق مع الموصولة، والاعتماد على الموصولة، والمرسلة لا تختلف عنها، بل هي متفقة عنها في بيان الحكم، وهو وجوب الزكاة في الحلي.


    تراجم رجال إسناد حديث: (جاءت امرأة معها بنت لها إلى رسول الله وفي يد ابنتها مسكتان ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [ حدثنا المعتمر ].
    هو ابن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت حسيناً حدثني عمرو بن شعيب ].
    وقد مر ذكرهما، حسين هو المعلم، حسين بن ذكوان المعلم، وقد مر ذكرهما.
    نسبة المعلم لأنه كان يشتغل مهنة التعليم يعلم الصبيان.


    باب مانع زكاة ماله


    شرح حديث: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه يوم القيامة شجاعاً أقرع ...)


    [ باب مانع زكاة ماله. أخبرنا الفضل بن سهل حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الذي لا يؤدي زكاة ماله، يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، قال: فيلتزمه أو يطوقه، قال: يقول: أنا كنزك أنا كنزك ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب: مانع زكاة ماله، يعني: عقوبته في الآخرة، وأنه يعاقب بهذه العقوبة، وهي التي جاءت في الحديث، حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (أن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل له يوم القيامة شجاعاً أقرعاً)، يعني: يجعل على هيئة شجاع أقرع، وهي الدابة الغليظة الخبيثة، أقرع يعني: الذي تساقط شعره من كثرة سمه وشدة سمه، (له زبيبتان)، وقيل فيهما: أنهما نقطتان سوداوان عند عينيه، أو قيل غير ذلك، ومعنى ذلك: أنه منظر كريه، يعني: في غاية الكراهية.
    ( فيلتزمه أو يطوقه ).
    يعني: يكون طوقاً في عنقه، يقول: (أنا كنزك، أنا كنزك)، يعني: يعذب بماله الذي لم يؤد زكاته، يعذب بنفس المال الذي لم يؤد زكاته، وقد عرفنا فيما مضى: أن الذي لا يؤدي زكاة ماله من ذهب ولا فضة، تصفح له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه، وجبهته، وجبينه، فتحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها تلك المواضع من جسده، ولا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث من كونه يكون على صورة شجاع أقرع، وكونه يأتي، ويحمى على ماله الذي لم يؤد زكاته ويكوى به، يمكن أن يعذب بهذا وبهذا، وأحياناً يكون كذلك، وأحياناً يكون كذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه يوم القيامة شجاعاً أقرع ...)

    قوله: [أخبرنا الفضل بن سهل ].الفضل بن سهل، هو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [ حدثنا أبو النضر ].
    هو هاشم بن قاسم ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ].
    هو الماجشون ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن دينار ].
    هو عبد الله بن دينار المدني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن عمر ].
    هو ابن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر هذا، وعبد الله بن عمرو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من آتاه الله عز وجل مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا الفضل بن سهل حدثنا حسن بن موسى الأشيب حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المدني عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من آتاه الله عز وجل مالاً فلم يؤد زكاته، مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرعاً له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه يوم القيامة، فيقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )[آل عمران:180] ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي هو دال أو مشتمل على ما اشتمل عليه حديث ابن عمر، وهو (أن الذي لا يؤدي زكاته، يخيل له يوم القيامة ويمثل له شجاعاً أقرعا، فيأخذ بلهزمتيه)، وقيل: المراد باللهزمتين، يعني: شدقيه، أو هما العظمان الناتئان بين الرأس وبين اللحيين، ويلتزمه ويأخذ بلهزمتيه، (ويقول: أنا كنزك أنا مالك)، يعني: أنه يعذب به، ثم تلا الآية: ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )[آل عمران:180].

    تراجم رجال إسناد حديث: (من آتاه الله عز وجل مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع ...) من طريق أخرى


    قوله: [أخبرني الفضل بن سهل ].مر ذكره.
    [ حدثنا حسن بن موسى الأشيب ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المدني ].
    صدوق يخطئ، وأخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [ عن أبيه ].
    أبوه عبد الله ، وقد مر ذكره.
    [ عن أبي صالح ].
    هو ذكوان السمان، مشهور بكنيته ومشهور باسمه، فاسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يبيع السمن، ويبيع الزيت، فيقال له: السمان، ويقال له: الزيات ، واسمه ذكوان، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #400
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الزكاة

    (397)



    (باب زكاة التمر) إلى (باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر)

    تخرج الزكاة عن التمر والحبوب إذا بلغ خمسة أوسق، ومقدار الإخراج يكون العشر إذا سقي بماء المطر والأنهار والعيون أو لم توجد مشقة وكلفة في الحصول على الماء، ويخرج نصف العشر إذا سقي بالمكائن والسواني وغيرها مما فيه كلفة ومشقة.
    زكاة التمر


    شرح حديث: (ليس فيما دون خمسة أوساق من حب أو تمر صدقة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ زكاة التمر أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوساق من حب أو تمر صدقة ) ].
    أورد النسائي: باب زكاة التمر، يعني: مقدار النصاب فيها، وأن فيها زكاة مقدار النصاب، وأورد حديث أبي سعيد: (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر أو الحب صدقة)، يعني: ليس في الحبوب ولا التمور إذا لم تبلغ خمسة أوسق ليس فيها صدقة، وإذا بلغت خمسة أوسق وجبت فيها الصدقة، ومقدارها على ما سيأتي مفصلاً في الأحاديث: أنه إذا كان بماء السيول والأمطار والأنهار فإنه يكون العشر، وإذا كان بتعب ومشقة فإنه يكون نصف العشر.
    ومقدار الوسق هو: ستون صاعاً، الوسق الواحد ستون صاعاً، يعني: خمسة في ستين يطلع ثلاثمائة صاع.
    نضرب ثلاثمائة صاع في ثلاثة، لأن الكيلو يعادل ثلاثة، يصير تسعمائة كيلو، الوسق ستون صاعاً، خمسة في ستين بثلاثمائة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ليس فيما دون خمسة أوساق من حب أو تمر صدقة)

    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
    [ حدثنا وكيع ].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ].
    هو الثوري، إذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به الثوري؛ لأنه معروف بالرواية عنه، وذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يروي عن ابن عيينة إلا بواسطة، وهو يروي عن سفيان الثوري، وهو مشهور بالرواية عنه، وسفيان الثوري مر ذكره قريباً.
    [ عن إسماعيل بن أمية ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن يحيى بن حبان، عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة: محمد بن يحيى بن حبان، ويحيى بن عمارة، وأبو سعيد .


    زكاة الحنطة

    شرح حديث: (لا يحل في البر والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الحنطةأخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا يحل في البر والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق، ولا يحل في الورق زكاة حتى تبلغ خمسة أواق، ولا يحل في إبل زكاة حتى تبلغ خمس ذود ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب زكاة الحنطة، وقد أورد فيه حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو بلفظ: (لا يحل في البر والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق)، وقوله: (لا يحل)، يعني: لا يجب فيه، يعني: لا يصل إلى حد الوجوب، إلا إذا بلغ هذا المقدار، وإذا كان دون هذا المقدار فإنه لا زكاة فيه، وكذلك بالنسبة للذود والإبل، وكذلك زكاة الورق لا يحل فيه، أي: لا يجب فيه زكاة حتى يصل إلى تلك المقادير.
    فالحديث مثل ما تقدم، أو دال على ما دلت عليه الروايات المتقدمة عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل في البر والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق ...)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].وقد مر ذكره.
    [ حدثنا يزيد بن زريع ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا روح بن القاسم ].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [ حدثنا عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
    والحنطة هي: البر ، ولهذا جاء بالبر، هنا في الحديث التمر والبر، فالبر هو الحنطة.

    زكاة الحبوب


    شرح حديث: (ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق ...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الحبوبأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق، ولا فيما دون خمس ذود، ولا فيما دون خمس أواق صدقة ) ].
    ثم أورد زكاة الحبوب، والمقصود بالحبوب يعني: العموم؛ لأنه يشمل الحنطة وغير الحنطة، لكن هناك نص عليه؛ لأنه جاء في ذكر البر، وهنا أتى بالترجمة وأتى بالحديث من أجل ذكر الحب الذي هو المقصود به الحبوب.
    قوله: [ أخبرنا محمد بن المثنى ].
    هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [ عن عبد الرحمن ].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ].
    هو سفيان الثوري ، وقد مر ذكره.
    ولا تكون قاعدة إذا روى عبد الرحمن عن سفيان يكون هو الثوري، أنا ما أستطيع أن أقول بالنسبة لذلك، هل هو يروي عنه قليلاً أو كذا، لكن لأن عبد الرحمن في الغالب هو في طبقة ابن عيينة، من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، فهو في الغالب يروي عن متقدم، فيعتبر ذاك قرين له الذي هو سفيان بن عيينة ، قد يروي القرين عن قرينه رواية الأقران، لكن الكثير رواية التلاميذ عن الشيوخ.
    لكن المعروف أن عبد الرحمن بن مهدي هو في طبقة سفيان بن عيينة ، فيكون الغالب أنه الثوري، اللهم إلا أن يكون من رواية القرين عن قرينه فيمكن.
    [ عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد ].
    وهؤلاء كلهم مر ذكرهم.


    القدر الذي تجب فيه الصدقة

    حديث أبي سعيد الخدري في القدر الذي تجب فيه الصدقة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ القدر الذي تجب فيه الصدقةأخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع حدثنا إدريس الأودي عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) ].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القدر التي تجب فيه الصدقة. والمقصود به النصاب، وهو خمسة أوسق فأكثر، وما كان دون ذلك فليس فيه زكاة، والمقصود هنا بيان نصاب الحبوب والثمار وأنها خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، يعني: ضرب خمسة في ستين.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].
    وقد مر ذكره.
    [ حدثنا وكيع ].
    وقد مر ذكره أيضاً.
    [ حدثنا إدريس الأودي ].
    هو إدريس بن يزيد الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    [ عن عمرو بن مرة ].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب أيضاً.
    [ عن أبي البختري ].
    هو سعيد بن فيروز، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سعيد ].
    وقد مر ذكره.

    حديث أبي سعيد الخدري في القدر الذي تجب فيه الزكاة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو دال على ما دل عليه ما تقدم.
    قوله: [ أخبرنا أحمد بن عبدة ].
    هو الضبي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا حماد ].
    هو ابن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن سعيد ].
    هو الأنصاري، وقد مر ذكره.
    [ وعبيد الله بن عمر ].
    هوعبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ].
    عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد، وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


    شرح حديث: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هارون بن سعيد بن الهيثم أبو جعفر الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر، وما سقى بالسواني والنضح نصف العشر ) ].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يوجب العشر ويوجب نصف العشر، يعني: بيان مقدار الزكاة إذا كانت عشراً، وإذا كانت نصف عشر، متى تكون عشر الخارج من الأرض، ومتى تكون نصف العشر، وقد أورد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر، وما سقي بالسواني والنضح نصف العشر )، فقوله: (فيما سقت السماء)، أي: المطر، أو الأنهار الجارية، أو العيون التي تنبع من الجبال وتسقي الزروع، (أو كان بعلاً)، وهو النخل أو الزرع الذي يشرب بعروقه ولا يحتاج إلى سقي لقرب الماء منه، كل ذلك يكون الزكاة فيه العشر؛ لأنه ما حصل عليه كلفة ومشقة، أما ما كان بكلفة ومشقة وهو الذي يكون عن طريق السواني والنضح، وهي استخراجه عن طريق النواضح، التي هي الإبل التي يستقى عليها، ومثل ذلك استخراجه عن طريق المضخات والمكائن التي يستنبط بها الماء من الأرض، فإنه تكون الزكاة نصف العشر، وعلى هذا فالتفريق بين ما فيه العشر وبين ما فيه نصف العشر، يرجع إلى المشقة وعدم المشقة، والكلفة وعدم الكلفة؛ فالذي لا كلفة فيه ولا مشقة على صاحبه وهو خير ساقه الله إليه بدون عناء ومشقة فإنه يكون فيه العشر، وما كان سقيه يكون بتعب وبجهد وبصرف أموال عليه فإن هذا يكون فيه نصف العشر.


    تراجم رجال إسناد حديث: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر ...)


    قوله: [أخبرنا هارون بن سعيد بن الهيثم أبو جعفر الأيلي ].ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ حدثنا ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سالم ].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، قيل: سالم هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فهو السابع من الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وأما الستة الآخرون فإنه متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
    [ عن أبيه ].
    هو عبد الله بن عمر ، وقد مر ذكره.


    شرح حديث: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو وأحمد بن عمرو والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن أبا الزبير حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر، وفيما سقى بالسانية نصف العشر ) ].ثم أورد النسائي حديث جابر، وهو مثل حديث ابن عمر المتقدم: بيان ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصف العشر، وهو مثله تماماً، والسواني هي النواضح التي قسنا عليها، يعني: كالإبل التي يستخرج الماء بواسطتها، هذه يقال لها: نواضح، والواحد يقال له: ناضح.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر ...) من طريق ثانية

    قوله: [ أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو ].ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ وأحمد بن عمرو ].
    هو ابن السرح أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ والحارث بن مسكين ].
    هو الحارث بن مسكين المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [ قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب ].
    هو ابن وهب المصري، وقد مر ذكره.
    [ حدثنا عمرو بن الحارث ].
    هو عمرو بن الحارث المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ أن أبا الزبير حدثه ].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سمع جابر بن عبد الله ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر وهو ابن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر، وفيما سقى بالدوالي نصف العشر ) ].أورد النسائي حديث معاذ رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم، فيه: أنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أمره بأن يأخذ مما سقت السماء العشر، ومما سقي بالدوالي، يعني: جمع دالية أو دلاء، يعني: أنه استخرج بالنضح والاستخراج، بتعب ومشقة، يكون فيه نصف العشر، فهو متفق مع حديث ابن عمر، وحديث جابر المتقدمين في التفريق بين ما سقي بمشقة، وما سقي بدون مشقة، وأنه في الأول العشر، وفي الثاني نصف العشر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر ...) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا هناد بن السري ].هو أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبي بكر وهو ابن عياش ].
    ثقة، لما كبر ساء حفظه، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن عاصم ].
    هو ابن أبي النجود بن بهدلة، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي وائل ].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي ، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معاذ ].
    هو معاذ بن جبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •