تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 13 من 26 الأولىالأولى ... 34567891011121314151617181920212223 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 260 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #241
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (238)


    - (باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى (باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة)

    إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقوقاً على أمته، ومن تلك الحقوق الصلاة والسلام عليه، وقد ورد في السنة أن الملائكة يبلغونه النبي صلى الله عليه وسلم.
    السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
    أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق حدثنا معاذ بن معاذ عن سفيان بن سعيد ح وأخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع وعبد الرزاق عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ: باب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم: والسلام والتسليم لا فرق بينهما، إلا أن التسليم مصدر، والسلام اسم مصدر، كالبيان والتبيين والبلاغ والتبليغ، والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام، هو أيضاً مثله الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه يصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة تبلغ الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر النسائي هذا الحديث في السلام، وجاء في حديث آخر فيه ذكر الصلاة، وأن ذلك يبلغه عليه الصلاة والسلام، ولو كان الإنسان يصلي في مكان بعيد، أو يسلم في مكان بعيد، ولو كان في أماكن في أقصى الأرض، فإن الملائكة الموكلة بنقل ذلك توصل الصلاة والسلام إلى الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) هذا الحديث يدل على عظم شأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأن المصلي المسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا حصل منه ذلك في أي مكان من الأرض، فإن الملائكة السياحين يبلغون ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وفيه: التنبيه إلى كثرة الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، وأن الملائكة تبلغ ذلك إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
    وفيه: بيان عظم منزلة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو ما أكرمه الله عز وجل به من أمر المؤمنين، بأن يصلوا ويسلموا عليه، وأن الملائكة تبلغه ذلك السلام، عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ثم إن الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، من حقه على أمته أن يصلوا ويسلموا عليه، عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى بعثه رحمة للعالمين، بعثه بالنور والهدى والحق الذي من سار عليه وصل إلى الجنة، وانتهى إلى العاقبة الحسنة، فمن حقه عليه الصلاة والسلام على أمته، أن يصلوا ويسلموا عليه، عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، وفيها الحث على الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث فيه الدلالة على أن الإنسان يصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام، ويسلم عليه، والملائكة تبلغ ذلك إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
    ومن حق الرسول عليه الصلاة والسلام على أمته أن يصلوا ويسلموا عليه، وأن يكثروا من ذلك؛ لأن الله تعالى ساق على يديه لهم نعمة عظيمة، وهي: نعمة الإسلام، نعمة الخروج إلى الإسلام، إلى النور، التي هي أجل النعم، وأفضل النعم، وخير النعم، فمن حقه عليه الصلاة والسلام على أمته -وقد ساق الله تعالى على يديه هذه النعمة العظيمة- أن يحبوه محبة تفوق محبة أي مخلوق، ولو كان الأب، والأم، والابن، والبنت، والصديق، والقريب، وسائر الناس؛ لأن النعمة التي ساقها الله على يديه، لا يساويها نعمة، ولا يماثلها نعمة، نعمة الإسلام، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)؛ لأن الوالدين لهم فضل على الولد، وهما سبب وجوده، وحقهم عليه عظيم، وقد قرن الله تعالى حق الوالدين بحقه سبحانه وتعالى، لكن محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجب أن تكون أعظم من محبة الوالدين، ومحبة الأولاد، والأصدقاء، والأقرباء، والناس أجمعين؛ لأن كل من أسدى إليك نعمة من البشر، وكل من حصل منه إحسان إليك، فإنه لا يداني ولا يقارب الإحسان الذي حصل لك على يدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو الخروج من الظلمات إلى النور والهداية إلى الصراط المستقيم.
    فقوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين) يعني: معناه أنهم يسيحون في الأرض، وينتشرون فيها، يأخذون الصلاة والسلام عليه، فيبلغونه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وهذا أيضاً فيه الإيمان بالملائكة، وأن الملائكة موكلون بأعمال، ومن أعمال بعضهم: هذا الانتشار الذي يكون في الأرض، لتبليغ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، السلام الذي يسلم عليه من أي مكان من الأرض، فإن ذلك يبلغ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فالملائكة الإيمان بهم من أصول الإيمان الستة، التي بينها عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) فيؤمن الإنسان بالملائكة، وأنهم خلق من خلق الله، وأن الله تعالى وكل إليهم أعمالاً يقومون بها، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ففيهم الموكلون بنقل الصلاة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيهم الموكلون بالوحي، وفيهم الموكل بالقطر، وفيهم الموكل بالموت، وفيهم الموكل بالجبال، وفيهم الموكل بالجنة، وفيهم الموكل بالنار، وفيهم الموكل بالحفظ، والموكل بالكتابة، أعمال كثيرة جاءت بالكتاب والسنة، هي من أعمال الملائكة، فيؤمن العبد بكل ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام من ذكر الملائكة وذكر الأعمال التي أنيطت بهم، والتي يقومون بها امتثالاً لأمر الله عز وجل، لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
    وهذا الحديث من جملة الأحاديث الكثيرة، الدالة على الإيمان بالملائكة، وأن لهم أعمالاً جاء بيانها وإيضاحها في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وهذا الحديث يدلنا على أن الإنسان سلامه يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، من كل مكان ولو كان في أقصى الأرض، ولا يكون السلام عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه يكون من كل مكان، الإنسان يصلي ويسلم عليه، والملائكة تبلغ ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا فإن ما يفعله بعض الناس من أنهم إذا رأوا أحداً قدم إلى المدينة، أو اتجه إلى المدينة يقول له: سلم لي على الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبلغ سلامي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا غير مشروع، هذا ما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي جاءت به السنة: أن الإنسان يكثر من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في أي مكان من الأرض، وهذا الحديث يدل على أن الملائكة تبلغ السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) يعني: أن الإنسان يصلي من أي مكان، ويسلم من أي مكان، على الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك يبلغ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، والجمع بين الصلاة والتسليم عليه، صلى الله عليه وسلم هو الأكمل والأفضل؛ لأن الله تعالى يقول: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56]، فإذا ذكر الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام، يصلي ويسلم عليه جميعاً، فلا يصلي عليه فقط ولا يسلم عليه فقط، وإنما يجمع بين الصلاة والسلام عليه، كما أمر الله تعالى بذلك في كتابه العزيز في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56]، فيقول: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام عند ذكره.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام)
    قوله: [أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم].عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا معاذ بن معاذ].
    هو معاذ بن معاذ العنبري البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان بن سعيد].
    وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو، وصف رفيع، من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وهو فقيه، محدث، حجة، إمام، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ح وأخبرنا محمود بن غيلان].
    ثم قال النسائي: ح وأخبرنا، وحاء هذه يؤتى بها للتحول، علامة على التحول من إسناد إلى إسناد؛ لأن النسائي رحمه الله لما ذكر الإسناد عن شيخه عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق عن معاذ بن معاذ عن سفيان بن سعيد تحول إلى إسناد آخر، فقال: ح وأخبرنا محمود بن غيلان وهو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود.
    [حدثنا وكيع وعبد الرزاق].
    وكيع، هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني، وهو ثقة، مصنف، صاحب كتاب المصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من جملة الذين وصفوا بالتشيع، لكن تشيعه، أنه كان يقدم علياً على عثمان في الفضل، وهذه مسألة خلافية بين أهل السنة، وجمهورهم على أن عثمان أفضل، وجاء عن بعضهم وهم قليلون منهم: عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن خزيمة، قالوا: إن علياً أفضل، وهذا التقديم إنما هو في الفضل، وليس بالخلافة؛ لأن الخلافة، العلماء متفقون على أن عثمان أولى بالخلافة؛ لأن الصحابة قدموه، ومن اعترض على تقديمه - أي: تقديم عثمان - ورأى أن غيره أولى منه، فقد اعترض على فعل الصحابة الذين هم أعلم، والذين هم أدرى وهم أخبر، ولهذا جاء عن بعض العلماء: (من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار) وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية: أن تقديم علي على عثمان في الفضل هذه مسألة خلافية بين أهل السنة، لا يبدع من يقول بها، وإنما الذي يبدع من قال بالتقديم في الخلافة، وأنه أولى منه بالخلافة؛ لأن معناه إنكار الذي فعله الصحابة، وأن الصحابة عملوا أمراً غير صحيح، فمن رأى أنه أولى منه بالخلافة، فهذا هو الذي يبدع، أما من رأى أنه أفضل منه، وليس أولى منه بالخلافة، فهذا قول قال به بعض أهل السنة ومنهم: عبد الرزاق الذي معنا، وهذا لا يؤثر ولا يقدح في الرجل، لأنه كما هو معلوم يجوز أن يولى المفضول، مع وجود الفاضل، كون علي أفضل من عثمان، ومع ذلك قدم عثمان على علي، في رأي هؤلاء معلوم، أن المفضول قد يولى مع وجود الفاضل، فليس بلازم أن يكون كل من ولي أفضل ممن ولي عليه، ومن المعلوم أن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولي على الجيش في ذات السلاسل، وفيهم أبو بكر وعمر، وهذه الولاية لا تدل على التفضيل، فالذين قالوا بأن علياً أفضل، لا يقولون بأنه أولى منه بالخلافة، ، لكن المعروف والمشهور عند أهل السنة، تقديم عثمان على علي، وهذا هو الذي كان معروفاً عند الصحابة، وكانوا كما جاء عن ابن عمر في الحديث الذي في صحيح البخاري يقول: (كنا نخير بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فنقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) فهذا التفضيل الذي كان بين الصحابة يدل على أن عثمان أفضل من علي رضي الله تعالى عن الجميع.
    [عن سفيان].
    هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عبد الله بن السائب].
    يعني: سفيان في الإسنادين، لأن الإسنادين يلتقيان عند سفيان، أعني: إسناد محمود بن غيلان الثاني، وإسناد عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق في الإسناد الأول، يلتقيان عند سفيان الثوري، عن عبد الله بن السائب الكندي وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن زاذان].
    وهو زاذان الكندي، وهو صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المهاجرين الأولين هاجر الهجرتين، وهو من علماء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث: (يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا إسحاق بن منصور الكوسج أخبرنا عفان حدثنا حماد حدثنا ثابت أنه قدم علينا سليمان مولى الحسن بن علي زمن الحجاج فحدثنا عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه، فقلنا: إنا لنرى البشرى في وجهك، فقال: إنه أتاني الملك فقال: يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الترجمة معقودة لبيان فضل الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، وأن صاحبها يؤجر عليها بحيث تكون صلاته بعشر، وتسليمه بعشر، فيصلي الله عليه، بصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، يصلي عليه بها عشراً، ويسلم عليه بتسليمه على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، يسلم عليه بها عشراً، وقد أورد النسائي حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليهم أي: على جماعة من أصحابه وفي وجهه البشرى، يعني: يظهر على وجهه البشر والسرور، فعرفوا ذلك في وجهه عليه الصلاة والسلام وسألوه، فقالوا: إننا نرى في وجهك البشرى، فقال عليه الصلاة والسلام: [(قال: إنه أتاني الملك فقال: يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً)].
    فهذا دال على فضل الصلاة عليه، وفضل التسليم عليه، صلى الله عليه وسلم، وأن فاعل ذلك، يثيبه الله عز وجل بأن يصلي عليه، ومن المعلوم أن صلاة الله عز وجل على رسوله ثناؤه عليه، وكذلك صلاة الله على العبد ثناؤه عليه في الملأ الأعلى (أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً) فهذا واضح الدلالة على أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، يثيبه الله تعالى بهذا الثواب، والحسنة بعشر أمثالها، فالصلاة بعشر صلوات، والتسليم بعشر تسليمات؛ لأن الله يسلم عليه عشراً، كما سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم واحدة، وقد جاء مثل ذلك في صحيح مسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً) فهو دال على ما دل عليه هذا الحديث الذي معنا، هذا الحديث الذي رواه النسائي مثله ما جاء في صحيح مسلم، في بيان فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت أحاديث عديدة جمعها الحافظ ابن حجر في كتابه: فتح الباري، عند شرح حديث الصلاة على الرسول الصلاة الإبراهيمية، جمع الأحاديث التي هي صحيحة أو حسنة، وقال بعد أن ذكرها: إن هناك أحاديث كثيرة، منها ما هو موضوع، ومنها ما هو ضعيف، وفي ما صح وثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما يغني ويكفي عما ليس بصحيح، وكثير من الأحاديث التي تروى، وتأتي في الكتب التي تجمع بين كل ما هب ودب، يأتون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الأمر كما قال الحافظ ابن حجر في الأحاديث الصحيحة ما يغني ويكفي، عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
    ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك، الدالة على فضل الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) وكذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ( البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي) وذكر الحافظ ابن حجر أحاديث عديدة منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، يكفي ويغني، ولا حاجة إلى الأخذ بالأحاديث الضعيفة، أو التمسك بالأحاديث الضعيفة، فإن الأخذ بما ثبت وصح يغني ويكفي عما لم يثبت ولم يصح.
    يقول أبو طلحة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليهم وفي وجهه البشرى، يعني: أنه مسرور يظهر عليه السرور، وذلك لما ظهر على وجهه من ذلك، فسألوه عن هذا الذي ظهر على وجهه، فأخبرهم وأنه قد فرح وسر بهذا الخبر، الذي جاء به الملك من الله عز وجل، وهو: أن الله عز وجل يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد، إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد، إلا سلمت عليه عشراً، فهذا فيه الحث على الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان فضل الصلاة على الرسول والسلام عليه، صلى الله عليه وسلم وأن الحسنة بعشر أمثالها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور الكوسج].إسحاق بن منصور الكوسج المروزي والكوسج لقب، والمروزي نسبة، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، هو مثل: محمود بن غيلان الذي تقدم قريباً، فإن كلاً منهما خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [أخبرنا عفان].
    وهو ابن مسلم الصفار البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    وهو ابن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، يعتبر أثبت الناس في حديث ثابت، وهو هنا يروي عن ثابت البناني، وحماد بن سلمة بن دينار البصري، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ثابت].
    وهو ابن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه قدم علينا سليمان مولى الحسن بن علي].
    سليمان مولى الحسن بن علي، ويقال له: سليمان الهاشمي؛ لأنه ينسب إلى الحسن بن علي يعني: مولى الحسن بن علي بن أبي طالب، فيقال له الهاشمي؛ لأنه هاشمي بالولاء، فيقال له: سليمان الهاشمي، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مجهول، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: أنه صحح حديثه ابن حبان، والحاكم. والألباني قال: إنه حسن، ومن المعلوم أن الحديث الذي أشرت إليه، هو في صحيح مسلم هو شاهد له، وهو دال على ما دل عليه (من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً) فهو دال على ما دل عليه ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وحديثه أخرجه النسائي وحده.
    [عن عبد الله بن أبي طلحة].
    وهو المدني، وهو قد ولد في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ووثقه ابن سعد، وحديثه أخرجه مسلم، والنسائي، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، فـعبد الله بن أبي طلحة، أمه أم سليم أم أنس بن مالك فهو أخو أنس بن مالك لأمه.
    [عن أبيه].
    أبو هو أبو طلحة، وهو زيد بن سهل مشهور بكنيته زيد بن سهل الأنصاري، كنيته أبو طلحة، وهو مشهور بها، أكثر شهرة من اسمه، وكثيراً ما يأتي ذكره بالكنية وهو أبو طلحة، وكذلك أولاده ينسبون إليه فيقال: ابن أبي طلحة، فهو مشهور بالكنية، وحديثه أي: حديث أبي طلحة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    التمجيد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام
    شرح حديث فضالة بن عبيد في التمجيد والصلاة على النبي قبل الشروع في الدعاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة.أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن أبي هانئ أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد رضي الله عنه يقول: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي، ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع تجب وسل تعط)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، التمجيد لله عز وجل، والثناء عليه، والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والمقصود من ذلك: أن الداعي يمهد بين يدي دعائه، بالثناء على الله، وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا من أسباب قبول الدعاء، وقد أورد النسائي حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يدعو في صلاته، لم يمجد الله ولم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (عجلت أيها المصلي)، ثم علم أصحابه أنهم يأتون بين يدي الدعاء بالثناء على الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده، وصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (ادع تجب وسل تعط)، فهذا يدلنا على أن من أسباب قبول الدعاء: أن يمهد له، وأن يكون بين يديه الثناء على الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وفي هذا الحديث، بيان استحباب والحث على أن يسبق الدعاء، الصلاة والسلام على رسول الله، وقبل ذلك التمجيد لله عز وجل، ومن المعلوم أن من المواطن التي تكون في الصلاة، ويكون فيها الدعاء هي في التشهد الأخير، وكذلك في السجود، فإنه في السجود جاء قوله عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)، وكذلك في التشهد، جاء أن الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) يعني: بعد ما يأتي بالتشهد، ويأتي بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن التشهد فيه حمد لله وثناء عليه؛ لأن (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثناء على الله عز وجل وتعظيم له وتمجيد، و: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله) فيه سلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، و: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فيه صلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يأتي بالدعاء وراء هذا الثناء، وبعد هذه الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وكذلك في السجود يكثر الإنسان من الدعاء، وكذلك يعظم الله عز وجل، كما ورد تسبيح الله عز وجل، يقول: سبحان ربي الأعلى، فإن هذا من تعظيم الله عز وجل وتمجيده، فإذا سبح الله، وصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام، وأكثر من الدعاء، والسجود من مواطن إكثار الدعاء، وهو أيضاً من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء؛ لأنه جاء في الحديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فإذا سبق ذلك ثناء على الله، وتعظيم لله وصلاة على رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم دعا فإن ذلك يكون من أسباب أو حري بأن يستجاب للإنسان، وأن يحصل له القبول، وقد جاء في الحديث: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن -أي: حري أن يستجاب لكم-).
    ثم أيضاً صلاة الجنازة لما كان الميت وهو على وشك المواراة في قبره، شرعت صلاة الجنازة، وصلاة الجنازة المقصود منها الدعاء، ولكن قبل الدعاء يأتي: الحمد لله والصلاة على رسوله، في قراءة الفاتحة، التي فيها حمد وثناء لله عز وجل، ثم بعد ذلك الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك الدعاء، تكون هذا الموطن، أو هذه الحالة التي العبد أحوج ما يكون فيها إلى دعاء الداعين، شرع قبل الدعاء له في الصلاة أن يؤتى بحمد الله والصلاة على رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ويفهم من الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام خاطبه وهو في الصلاة؛ لأنه قال: (عجلت أيها المصلي)، وذاك قال: (ادع تجب وسل تعط).
    تراجم رجال إسناد حديث فضالة بن عبيد في التمجيد والصلاة على النبي قبل الشروع في الدعاء
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
    وهو المرادي المصري وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، هذا هو محمد بن سلمة المرادي المصري، شيخ النسائي، وهناك محمد بن سلمة، وهو أيضاً باهلي من طبقة شيوخ شيوخه، وقد خرج له مسلم، فإذا جاء محمد بن سلمة، في شيوخ النسائي فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الباهلي.

    [حدثنا ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هانئ].
    هو حميد بن هانئ، وهو لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي علي].
    هو أبو علي الجنبي، وهو عمرو بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن فضالة بن عبيد].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #242
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (239)

    - (باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى (باب نوع آخر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)
    شرع للمسلم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في كل وقت وحين؛ ومنه وقت التشهد في الصلاة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية ذلك؛ وهناك روايات تجمع الصلاة على النبي وآله وإبراهيم وآله، وأخرى فيها الصلاة على النبي وآله وآل إبراهيم، وكلها ثابتة.
    الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث أبي مسعود الأنصاري في الأمر بالصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري وعبد الله بن زيد الذي أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله عز وجل أن نصلي عليك يا رسول الله! فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)].
    يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
    ومراد النسائي بهذه الترجمة أنه جاء الأمر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بأن يصلوا عليه وقال لهم: [قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد]، بعد أن سألوه عن كيفية الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، وهذا السؤال الذي سألوه إياه قد جاء في القرآن الأمر بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن الكيفية التي ينفذون بها ما أمروا به في قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرص على السؤال عن أمور الدين، ومعرفة أحكام الشرع، والنسائي أورد تحت هذه الترجمة حديث أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى جماعة من أصحابه وهم في مجلس سعد بن عبادة سيد الخزرج من الأنصار، فقال له أحدهم أو قالوا له: [كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فسكت رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى تمنوا أن ذلك السائل لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وذلك السائل جاء في الحديث أنه بشير بن سعد، وبشير بن سعد هو والد النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، فتمنوا أنه لم يسأله، وذلك لما رأوا من سكوته، فخشوا أن يكون كره ذلك، وأن هذا السؤال لا ينبغي، فكون النبي عليه الصلاة والسلام سكت مدة لم يجب على هذا السؤال، كرهوا وجود هذا السؤال، وخشوا أن يكون هذا من الأسئلة التي لا ينبغي السؤال عنها، فأجابهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: [قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم] يعني: كما علموا في التشهد الذي أرشدوا فيه أن يقولوا: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، فقد جاء في التشهد كيفية السلام على الرسول عليه الصلاة والسلام وهي: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وقد جاء في بعض الروايات: (قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟) قد علمنا كيف نسلم عليك بكونهم يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، [فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد].
    وهذا الذي حصل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام -كون بعضهم سأله هذا السؤال- يدلنا على اهتمام أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في معرفة أمور الدين، وسؤال النبي عليه الصلاة والسلام عما يحتاجون إلى الإجابة عليه، وهذا يدلنا على فضلهم، ونبلهم، وكمالهم، وحرصهم على معرفة أمور الدين، وأنهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام، عما يشكل عليهم وعما يحتاجون إلى معرفة جوابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقوله في أول الحديث: [أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة) فهذا يدلنا على أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يجلسون في المجالس، ويتذاكرون فيها العلم، ويتحدثون فيها عما يريدون أن يتحدثوا فيه، من الأمور التي يناسب التحدث فيها، فإن الحديث يقول: [كنا في مجلس سعد بن عبادة فأتانا رسول الله عليه الصلاة والسلام]، وفيه: إتيان الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أصحابه في مجالسهم، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، وكماله صلى الله عليه وسلم؛ أنه يأتي إلى أصحابه ويزورهم ويغشاهم في مجالسهم، فيجلس معهم ويحدثهم ويسألونه فيجيبهم عما يسألون عنه.
    وسعد بن عبادة هو سيد الخزرج كما أن سعد بن معاذ سيد الأوس، فكانوا في مجلسه، والنبي عليه الصلاة والسلام أتاهم وهم في مجلس ذلك السيد الذي هو سيد الخزرج رضي الله تعالى عنه، ثم إن هذه صيغة من صيغ الصلاة الإبراهيمية التي هي: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد]، فهذه صيغة من صيغ الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، جاءت عن هذا الصحابي الذي هو أبو مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وقد جاءت في ذلك صيغ عديدة عن جماعة من الصحابة سيأتي ذكر بعضها أي: بعض هذه الصيغ التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أكمل الصيغ هي الصلاة التي جمع فيها بين ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، هذه هي أكمل الصلوات أو أكمل الصلاة الإبراهيمية؛ التي فيها الجمع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وقد جاءت في بعض الأحاديث من حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود الأنصاري في الأمر بالصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.
    ومحمد بن سلمة المرادي المصري هو من طبقة شيوخ النسائي، ويماثله في الاسم واسم الأب محمد بن سلمة الباهلي، وهذا متقدم على المصري، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي يروي عنه النسائي بواسطة، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فالمراد به الباهلي، وهذا هو المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [والحارث بن مسكين].
    هو المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وقال النسائي: [قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له]، أي: واللفظ للحارث بن مسكين؛ لأنه ذكر شيخين: محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، وهما مصريان، إلا أن اللفظ للشيخ الشامي؛ وهو الحارث بن مسكين.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، الراوي عنه الحديث والفقه، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في صحيحه، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي.
    [حدثني مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة من مذاهب أهل السنة، وهو محدث، فقيه، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نعيم بن عبد الله المجمر].
    نعيم بن عبد الله المجمر يقال له المجمر؛ لكونه يجمر المسجد ويأتي بالطيب؛ العود الذي يوضع على الجمر، ويظهر منه رائحة طيبة، فكان يجمر المسجد فلقب بهذا اللقب، أو وصف بهذا الوصف، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري].
    هو محمد بن عبد الله بن عبد ربه الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وأبوه هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه، الذي أري الأذان في منامه، فأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، فأمره بأن يلقيه على بلال ليؤذن بذلك الأذان، وهو ليس من رجال الإسناد -الذي هو عبد الله- وإنما ذكرت جملة اعتراضية عندما ذكر ابنه محمد بن عبد الله بن زيد قال النسائي: [وعبد الله بن زيد الذي أري الأذان في الصلاة] فهي جملة اعتراضية، وكلمة (أخبره) ترجع إلى محمد، يعني: عن نعيم المجمر، أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أخبره، وجاءت جملة اعتراضية فيها بيان أن أباه هو صاحب الأذان، وإلا فإنه ليس من الرواة في هذا الإسناد، فالصواب في الضبط أو بالشكل، أن عبد الله مرفوع الدال، وليست مفتوحة، ليس معطوفاً على ابنه وإنما هذه جملة اعتراضية مبتدأ وخبر.
    [عن أبي مسعود].
    أبو مسعود الأنصاري هو عقبة بن عمرو الأنصاري، صحابي جليل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مسعود.
    كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث أبي مسعود في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا زياد بن يحيى حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا هشام بن حسان عن محمد عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أمرنا أن نصلي عليك ونسلم، أما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك، قال: قولوا: اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب كيف الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
    أورد فيه حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: [أمرنا الله بالصلاة والسلام عليك، أما السلام فقد عرفنا، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم] وهذه صيغة مختصرة فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر آله، وفيها ذكر آل إبراهيم بدون ذكر إبراهيم، ومن المعلوم أن آل إبراهيم إذا ذكروا فإنه يدخل فيهم إبراهيم؛ لأنه يدخل هو وآله، لكن جاء في بعض الأحاديث الجمع بين إبراهيم والآل، كما جاء فيها بين محمد صلى الله عليه وسلم والآل، فهنا فيه ذكر محمد وليس فيه ذكر آله، والتي بعدها فيها ذكر آل إبراهيم وليس فيها ذكر إبراهيم، لكن كما قلت: إبراهيم يدخل في آل إبراهيم، بخلاف محمد فإنه لا يدخل في آل محمد، إلا إذا جاء التنصيص عليهم.
    وهذه الصلاة الإبراهيمية فيها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الصلاة على آل إبراهيم، وفي بعضها الجمع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وفيه أنه طلب للنبي عليه الصلاة والسلام صلاة كالصلاة التي لإبراهيم وآله عليه الصلاة والسلام.
    وقد ذكر هنا إشكال؛ وهو أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام أفضل من إبراهيم، والحديث جاء فيه أنه طلب صلاة على محمد تشبه الصلاة على إبراهيم، قالوا: ومن المعلوم أن المشبه دون المشبه به، مع أن هنا المشبه وهو رسول الله أعظم من المشبه به، فكيف يوجه هذا الإشكال الذي ورد؛ وهو: أنه طلب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وآله صلاة تشبه أو تماثل الصلاة التي حصلت لإبراهيم وآله، والمشبه دون المشبه به مثلما يقال: فلان كالبدر، يعني: المشبه دون المشبه به. فهذا الإشكال ذكر، ولكن أجاب عليه العلماء بأجوبة كثيرة؛ منها: بل هو من أوضحها: أنه ليس المقصود التشبيه، وإنما المقصود: هو أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وآله، وجدت الصلاة عليهم وحصلت الصلاة عليهم، وقد طلب لأن يحصل للنبي عليه الصلاة والسلام وآله صلاة كما أنه قد حصل صلاة على إبراهيم وآله، وليس المقصود أن يطلب صلاة تشبه الصلاة، أو أن فيه تشبيه للصلاة على إبراهيم.
    إذاً: فمعنى هذا أن المقصود هو أنه طلبت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، كما أن الصلاة قد حصلت ووجدت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وآله، وليس المقصود صلاة تشبه الصلاة، أو أن المشبه يكون دون المشبه به.
    وقيل: إن قوله: [اللهم صل على محمد] يكون انتهى الكلام هنا، ثم يأتي كلام مستأنف، يعني: [وصل على آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم]، فيكون المشبه إنما هو آل محمد بإبراهيم وآل إبراهيم، وقيل أيضاً في الجواب عن هذا الإشكال: إن محمد صلى الله عليه وسلم هو من آل إبراهيم، فيكون له نصيب خاص حيث طلب أن يصلى عليه، وأيضاً له من الصلاة على آل إبراهيم؛ لأنه من آل إبراهيم، فيكون له نصيبه الذي جاء على سبيل الاستقلال، ونصيبه الذي يأتيه من كونه من آل إبراهيم، فيكون أكثر وأعظم من إبراهيم؛ لكونه طلب له صلاة وأيضاً له نصيب من الصلاة على آل إبراهيم، فإذا ضم نصيبه من الصلاة على آل إبراهيم وهو منهم على الصلاة التي طلبت له يكون أعلى وأرفع من إبراهيم، وأجابوا عن ذلك بأجوبة عديدة لكن هذه أظهرها، والذي يظهر أن الأول هو أظهر هذه الأقوال؛ وهو أنه ليس المقصود التشبيه، وإنما المقصود أن يوجد على محمد الصلاة؛ لأن الصلاة قد وجدت على إبراهيم وآله عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في كيفية الصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا زياد بن يحيى].هو زياد بن يحيى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد].
    هو الثقفي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [حدثنا هشام بن حسان].
    هو هشام بن حسان البصري، وهو ثقة، من أثبت الناس في محمد بن سيرين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن بشر].
    هو عبد الرحمن بن بشر البصري، وهو الأزرق، وقال عنه الحافظ: مقبول، وأخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي. ومقبول كما هو معلوم يحتاج إلى الاعتضاد، ومن المعلوم أن حديث أبي مسعود جاء في الإسناد الذي قبل هذا من غير طريقه، فهو ثابت من غير هذا الطريق من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، فكونه مقبولاً لا يؤثر؛ لأنه وجد من الطرق لنفس الحديث عن أبي مسعود ما يقويه، بل ما هو أقوى منه، ولا يحتاج إلى تقوية ذاك، ولكن هذا هو الذي يحتاج إلى تقوية، فغيره مما هو ثابت يقوي ما جاء في هذا الإسناد من جهة كون الرجل وصف بأنه مقبول يحتج به عند الاعتضاد.
    [عن أبي مسعود].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    نوع آخر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام
    شرح حديث كعب بن عجرة في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار من كتابه حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن سليمان عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
    قال ابن أبي ليلى: ونحن نقول: وعلينا معهم، قال أبو عبد الرحمن: حدثنا به من كتابه وهذا خطأ].
    [أخبرنا القاسم بن زكريا حدثنا حسين عن زائدة عن سليمان عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد).
    قال عبد الرحمن: ونحن نقول: وعلينا معهم. قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من الذي قبله، ولا نعلم أحداً قال فيه عمرو بن مرة غير هذا. والله تعالى أعلم].
    ذكر النسائي نوع آخر من كيفية الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ وهو ما جاء عن كعب بن عجرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره النسائي من طريقين بإسنادين متماثلان، إلا أن في أحدهما سليمان الأعمش في الأول يروي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وفي الإسناد الثاني سليمان الأعمش يروي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقال في الأول: إنه خطأ، وقال في الثاني: إنه أولى بالصواب؛ لأن الحكم بن عتيبة هو المعروف بالرواية عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في هذا الحديث، قال النسائي: ولا أعلم أحداً ذكر فيه عمرو بن مرة يعني: في هذا الإسناد، أو في طريق هذا الحديث إلا هذا، أي: الذي حدثهم به القاسم بن زكريا بن دينار من كتابه وفيه هذا اللفظ الذي هو عمرو بن مرة.
    وحدثهم ليس من كتابه، وهو على الجادة وعلى الرواية المشهورة وهي رواية الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال: إن الرواية الثانية أولى بالصواب، وهي الأكمل من حيث اللفظ؛ لأن الرواية الأولى: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد]، أما الرواية الثانية التي هي رواية الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ففيها الجمع بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام وآله، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وذلك أنه قال: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد]، فهي أكمل صلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ وهي التي فيها الجمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وقد جاءت الرواية من حديث كعب بن عجرة في صحيح البخاري، وأن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين له، وجاء في بعض الروايات أنه قال: قلت: بلى فاهدها إلي، فقال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، ففيها الجمع بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام وآله، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وتلك الرواية وإن كان فيها هذا الخطأ إلا أنها ثابتة المتن من طرق متعددة من حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في كيفية الصلاة على النبي قوله: [أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار من كتابه].يعني: أنه حدثه من كتابه، وبهذا الإسناد، والقاسم بن زكريا بن دينار، ثقة، خرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا حسين بن علي].
    هو الجعفي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    هو زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    هو ابن مهران الكاهلي الأعمش، لقبه الأعمش، يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه الأعمش في كثير من الروايات، وقد عرفنا أن من فوائد معرفة ألقاب المحدثين ألَّا يظن التعدد فيما إذا ذكر باسمه مرة وبلقبه مرة أخرى، فمن لا يعرف أن الأعمش لقبه سليمان بن مهران يظن أن الأعمش شخص وسليمان بن مهران شخص آخر، فبمعرفة ذلك يندفع توهم التعدد للأشخاص، مع أن الراوي أو المذكور في الإسناد هو شخص واحد، يذكر باسمه أحياناً ويذكر بلقبه أحياناً أخرى، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    هو الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
    هو المدني ثم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن كعب بن عجرة].
    هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي مشهور وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    أما الإسناد الثاني فهو مثله، إلا أنه ليس فيه ذكر الكتاب وفيه ذكر الحكم يروي عنه سليمان بن مهران الكاهلي، والحكم يروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والحكم هو ابن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، ثبت، فقيه، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وبقية الإسناد هم نفس رجال الإسناد السابق.
    شرح حديث كعب بن عجرة في كيفية الصلاة على النبي من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال لي كعب بن عجرة ألا أهدي لك هدية قلنا: (يا رسول الله! قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)].هنا أورد النسائي حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفي أوله أنه قال لـعبد الرحمن بن أبي ليلى: [ألا أهدي لك هدية؟]، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على تبليغ السنن، وبذل العلم ونشره، وتشويقهم إلى تلقيه وإلى آخذه؛ لأن كون كعب بن عجرة رضي الله عنه يلقى عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو من التابعين فيقول: [ألا أهدي لك هدية].
    يعني: كونه يصف الحديث الذي سيحدثه به بأنه هدية يدلنا على اهتمامهم بنشر العلم، وعلى بذله وأنهم يتهادون العلم، بل هو أنفس هداياهم؛ لأنها هدايا الخير، وهدايا الهدى والتبصير بأمور الدين، ولذلك هذا يدلنا على عظم شأن بذل العلم عندهم، وحرصهم على بذله وترغيبهم في بذله؛ لأن قوله: [ألا أهدي لك هدية]، كون كعب يخاطب عبد الرحمن يعني: يلفت نظره إلى أن يستعد ويتهيأ لمعرفة هذا الشيء الذي وصف أنه هدية، هذه الهدية الثمينة التي أراد أن يلقيها عليه، قدم لها بهذا الذكر؛ حتى يحصل منه التشوق والتشوف والاستعداد والتهيؤ وحتى يستوعبها؛ لأن هذا من الأساليب الذي سيحدث عنده استعداد تام وتهيؤ، وهذا من كمالهم، ونبلهم، وفضلهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهم خير هذه الأمة، التي هي خير الأمم، فأفضل هذه الأمة أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا هو حرصهم ورغبتهم الشديدة في تبليغ العلم ونشر السنن، فلهم الأجر على ما عملوه، وعلى ما قاموا به من العمل، وعلى بذل العلم ونشره، ولهم مثل أجور من استفاد خيراً بسببهم، وعمل بالعلم الذي جاء عن طريقهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا من أسباب كونهم خير هذه الأمة؛ لأن كل علم، وكل هدى حصل للناس، واستفاد منه الناس إلى قيام الساعة، إنما جاء عن طريق أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    ولهذا فإن محبتهم دليل الإيمان، ودليل الصدق بالإيمان؛ لأن هؤلاء هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي معنا يدل على كمال حرصهم على تبليغ السنن، واتخاذهم الأساليب المشوقة المرغبة إلى تلقيها، وإلى تفهمها وإلى إتقانها وإجادتها رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    ثم ذكر الحديث الذي هو الهدية النفيسة التي أراد كعب أن يهديها إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمة الله عليه، وهي: كيفية الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد]، وهذه الصيغة ليس فيها الجمع بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وآله، ولكنها -كما قلت- جاءت في الرواية السابقة التي قبل هذه وجاءت في صحيح البخاري بهذا اللفظ: [ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟]، ثم قال لفظ الحديث الذي هو الهدية، وكان فيه الجمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وآله وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله.
    تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في كيفية الصلاة على النبي من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو المروزي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، ثم يلتقي الإسناد عند الحكم، يعني: مع الإسناد الذي قبله، فيكون سليمان الأعمش رواه عن الحكم، وشعبة أيضاً رواه عن الحكم.
    الأسئلة

    حكم البسملة في الوضوء
    السؤال: ما حكم البسملة في بداية الوضوء؟الجواب: البسملة مشروعة جاءت بها السنة (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فيسمى الله عند البدء في الوضوء.
    حكم رفع الأصبع بعد الوضوء
    السؤال: ما حكم رفع الإصبع بعد الوضوء؟الجواب: ما أعلم شيئاً في الرفع، لكن الإنسان عندما يتشهد ويذكر الله عز وجل فإنه يشير بإصبعه، وقد جاء في الحديث الذي فيه أن الرجل الذي كان يخطب الجمعة، ويرفع يديه فأنكر عليه ذلك الصحابي وقال: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد على أن يشير بأصبعه)، فالإنسان إذا تشهد وإذا ذكر الله ورفع أو أشار بإصبعه فإن ذلك سائغ.
    حكم زيادة لفظ (سيدنا) في التشهد
    السؤال: هل يجوز لنا أن نزيد في الصلاة الإبراهيمية لفظ: (سيدنا) كأن نقول: اللهم صل على سيدنا.. إلى آخره؟الجواب: الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه هو سيدنا وهو سيد البشر، وسيد الخلق، عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مشفع) هكذا جاء الحديث في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وكونه سيدهم يوم القيامة، مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة لأن ذلك اليوم يظهر السؤدد على الأولين والآخرين، من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، فهو عليه الصلاة والسلام سيدنا، ولكن الألفاظ الشرعية التي علم الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه إياها يؤتى بها كما علمهم إياها فيأتي بها الإنسان: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد]، نعم هو سيدنا وسيد البشر، لكن الألفاظ الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ الإنسان بها، وهكذا فعل أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنهم يأتون بالصيغ كما علمهم إياها، ولا يزيدون عليها؛ لأن هذه الروايات التي يروونها ما أضافوا إليها هذه الكلمة، والأحاديث التي تأتي كثيراً في الكتب تنتهي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فما كانوا يقولون: قال: قال سيدنا رسول الله، نعم هو سيدنا لكن ما كانوا يفعلون هذا الفعل، وكونهم لا يقولون ذلك ليس فيه أنهم ما عندهم الاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يحبونه، ويحترمونه أعظم مما يحصل من غيرهم ممن جاء بعدهم؛ لأنهم أحرص الناس على كل خير، وهم السباقون إلى كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم، فالتقيد بألفاظ الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام والإتيان بها كما علمهم إياها هذه هي السنة التي فعلها أصحابه الكرام وتبعهم من تبعهم بإحسان.
    معنى: (أنا سيد ولد آدم)
    السؤال: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)؟الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كل ما يحتاجون إليه، حتى ما يجب أن يعتقد في حقه بينه.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #243
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (240)

    - تابع نوع آخر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    لقد علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيفية الصلاة عليه، وجاءت على صيغ متعددة منها المطول ومنها المختصر، وأجمعها وأحسنها الصلاة الإبراهيمية التي نقولها في التشهد من الصلاة.
    نوع آخر من الصلاة على النبي
    شرح حديث طلحة بن عبيد الله في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)].
    فالترجمة السابقة هي: كيف الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والمراد من ذلك بيان: الكيفية أو الصيغة التي علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا في الدرس الماضي أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم حريصون على كل خير، وهم السباقون إلى كل خير، وكانوا يسألون النبي عليه الصلاة والسلام عما يؤمرون به في الكتاب والسنة، وقد جاء الأمر في كتاب الله عز وجل في سورة الأحزاب: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56]، فإن الله عز وجل في هذه الآية الكريمة أخبر أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ملائكته يصلون عليه صلى الله عليه وسلم، وأمر المؤمنين بأن يصلوا ويسلموا عليه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد علم أصحابه كيفية السلام عليه؛ وذلك في التشهد الذي علمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) فكانوا قد علموا كيف يسلمون عليه، فسألوه كيف يصلون عليه عليه الصلاة والسلام، وذلك السؤال منهم لتنفيذ ما أمروا به في قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56]، فإنه قد علمهم كيف يسلمون، فسألوه كيف يصلون فأجابهم بأجوبة منها هذا الجواب في هذا الحديث الذي أورده النسائي عن طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه أنهم قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: (كيف نصلي عليك يا رسول الله؟! قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذه الكيفية للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام هي أكمل الكيفيات، وهي التي فيها الجمع بين محمد عليه الصلاة والسلام وآله وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، وقد جاءت من طرق متعددة، أي: الجمع بين الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام وآله والنبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله جاء في عدة أحاديث من حديث كعب بن عجرة الذي فيه أن كعباً قال لـعبد الرحمن بن أبي ليلى: (ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: خرج علينا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وحديث طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه أيضاً هو بمعنى أو بلفظ حديث كعب بن عجرة، حيث أن فيه الجمع بين الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله والصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله.
    وقد مر بنا جملة من الروايات من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ومن حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه، وهذا الحديث من طريق أو من رواية طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه.
    وقد مر بنا أن في الحديث إشكال وهو تشبيه الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، مع الصلاة على إبراهيم مع أن محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل من إبراهيم وأعظم شأناً من إبراهيم، وقد عرفنا أن للعلماء في ذلك أجوبة، وأن من أوضحها أنه لا تشبيه، وإنما المقصود: أن الصلاة وجدت ووقعت وحصلت بإبراهيم وآله، فطلب أو أمر المسلمون بأن يطلبوا من الله عز وجل أن يصلي على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، كما أنه قد صلى على إبراهيم وآله فإنه يسأل الله عز وجل أن يصلي على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام وآله، وليس المقصود تشبيه صلاة بصلاة، أو أن صلاة تشبه صلاة، وإنما الصلاة على إبراهيم وآله وقعت ووجدت وحصلت، والمسلمون يسألون الله عز وجل لنبيهم محمد عليه الصلاة والسلام من الله عز وجل أن يصلي عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وصلاة الله عز وجل على نبيه هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، هذا هو أصح ما قيل في معنى صلاة الله على نبيه محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهي أنه يذكره عند الملائكة ويثني عليه، وينوه بشأنه، وذلك تعظيم للرسول عليه الصلاة والسلام وتنويه بشأنه وإعلاء لدرجته ورفعة لمنزلته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    وعرفنا أيضاً أن كون المسلمين يصلون على النبي عليه الصلاة والسلام هذا من حقه عليهم، وقد ساق الله على يديه أعظم نعمة وهي نعمة الإسلام، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فمن حقه على أمته أن يصلوا ويسلموا عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث طلحة بن عبيد الله في كيفية الصلاة على النبي
    قوله: [إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وهو: محدث فقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل كونه يقال للشخص: أمير المؤمنين في الحديث، وقد حصل هذا الوصف لعدد قليل من المحدثين منهم: إسحاق بن راهويه هذا، ومنهم: البخاري، ومنهم: شعبة بن الحجاج، ومنهم: سفيان الثوري، ومنهم: الدارقطني، وعدد قليل من المحدثين وصفوا بهذا الوصف الرفيع الذي هو الوصف بأمير المؤمنين في الحديث.
    وإسحاق بن راهويه هذه الزيادة التي في آخر الاسم وهي الواو والياء والهاء، يأتي كثيراً في بعض الأسماء المختومة بمثل هذا اللفظ للمحدثين فيه إطلاق، وللغويين فيه إطلاق، أما إطلاق المحدثين فهم يأتون به على أن الواو ساكنة وما قبلها مضموم والياء بعدها مفتوحة وبعدها هاء، فيقولون: راهويه، الهاء مضمومة والواو ساكنة والياء مفتوحة وفي آخره الهاء.
    أما اللغويون فإنهم يقولون راهويه يكون مختوماً بكلمة ويه، يعني: الاسم مختوم بهاء، فيقولون راهويه نفطويه، وغير ذلك من الألفاظ التي يؤتى بها على هذا السياق، فإن الواو عند اللغويين تكون مفتوحة والياء بعدها ساكنة بعدها الهاء.
    وإسحاق بن راهويه كما أنه محدث قد وصف بهذا الوصف واللقب الرفيع وهو أمير المؤمنين في الحديث، فهو من العلماء المجتهدين من الفقهاء الذين جمعوا بين الفقه والحديث، وحديثه أي: حديث إسحاق بن راهويه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا محمد بن بشر].
    هو محمد بن بشر العبدي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مجمع بن يحيى].
    وهو: صدوق، أخرج له مسلم، والنسائي.
    [عن عثمان بن موهب].
    هو عثمان بن عبد الله بن موهب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن موسى بن طلحة].
    هو موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه طلحة بن عبيد الله].
    وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة في حديث واحد، حيث سردهم وقال عن كل واحد منهم أنه في الجنة، فقال: (أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبي عبيدة بن الجراح في الجنة)، عشرة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة، وأخبر بأنهم من أهل الجنة، وذلك في حديث واحد، ولهذا يقال لهم العشرة المبشرين بالجنة، وعند سلف هذه الأمة أنهم يفضلون الأربعة الخلفاء الراشدين أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة ومنهم طلحة بن عبيد الله الذي هو الراوي لهذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديث طلحة بن عبيد الله أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وقد شهد رسول الله عليه الصلاة والسلام لأناس آخرين من أصحابه الكرام بالجنة، منهم: بلال، ومنهم: الحسن والحسين، وفاطمة، ومنهم: ثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة بن محصن، وعدد آخر من الصحابة جاء في أحاديث متفرقة عن كل واحد منهم أنه من أهل الجنة، ولكن غلب إطلاق لفظ العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنهم بشروا بها في حديث واحد، ولا يعني ذلك أنه لا يبشر غيرهم أو لم يبشر غيرهم لما قيل: العشرة المبشرون بالجنة فالعدد ليس له مفهوم، وإنما المقصود: أنهم سردوا في حديث واحد وبشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث طلحة بن عبيد الله في كيفية الصلاة على النبي من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثنا عمي حدثنا شريك عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رجلاً أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف نصلي عليك يا نبي الله؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)].أورد النسائي حديث طلحة بن عبيد الله من طريق أخرى، وهو يختلف عن الطريق السابقة من جهة أن الطريق السابقة وفيها الجمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وآله وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، أما هذه الطريق ففيها ذكر محمد عليه الصلاة والسلام وآله وذكر إبراهيم دون آله، ثم في الطريق السابقة أنه قال: (قلنا: يا رسول الله!) وهنا (أن رجلاً سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام)، ولا تنافي بين قوله: (قلنا) وبين قوله: (أن رجلاً) فيمكن أن يكون تحدثوا فيما بينهم قبل أن يأتيهم النبي عليه الصلاة والسلام ما هي الصيغة التي يصلون بها على النبي عليه الصلاة والسلام وينفذون بها أمر الله عز وجل في قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56]، وتولى السؤال رجل واحد منهم، ولكن الرغبة هي من الجميع، والتذاكر في الموضوع كان من الجميع، ولكن كون الذي باشر السؤال واحد نسب إليه، وفي بعض الروايات: (قلنا: يا رسول الله) لا تنافي بين قوله: (قلنا) وبين: (أن رجلاً)؛ لأن الرجل هو الذي باشر وتولى السؤال، والباقون رغبتهم هي رغبته ومطلوبهم هو مطلوبه، ويمكن أن يكون حصل منهم التذاكر في الأمر وأنهم يريدون أن يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن السؤال حصل من واحد والباقون تبع له في ذلك؛ لأن رغبة الجميع واحدة، فهذا به يتبين أنه لا تنافي بين قوله: (قلنا) في الرواية السابقة وبين قوله في هذه الرواية: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم). تراجم رجال إسناد حديث طلحة بن عبيد الله في كيفية الصلاة على النبي من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عبيد الله].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، لم يخرج له مسلم، ولا ابن ماجه.
    [يروي عن عمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد] هذا هو عمه، وهو ثقة، فاضل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك].
    وهو ابن عبد الله النخعي القاضي الكوفي وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه].
    وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث زيد بن خارجة في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في حديثه عن أبيه عن عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة قال: سألت زيد بن خارجة قال: أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صلوا علي واجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)].أورد النسائي هذا الحديث وهو من طريق زيد بن خارجة رضي الله تعالى عنه، وأنه سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: (اجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، وهذه صيغة مختصرة للصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من أخصر الصيغ، والمشهور عند المحدثين التي يستعملونها وكذلك الصحابة التي يستعملونها عندما يأتي ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنهم يصلون ويسلمون عليه، فيجمعون بين الصلاة والسلام عليه، كما نجد أن أواخر الأسانيد تنتهي إلى ذكر الصحابي يضيف الحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فيقول الصحابي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعل كذا، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فأخصر صيغة للصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام هي صيغتان: صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام، هاتان صيغتان مختصرتان فيهما الجمع بين الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، ولهذا يوصي المحدثون عند كتابة الحديث بأن يجمع بينهما فيقال: صلى الله عليه وسلم، أو يقال: عليه الصلاة والسلام، فلا يقال: صلى الله عليه فقط دون أن يقال: وسلم، ولا يقال: عليه السلام دون أن يقال: عليه الصلاة والسلام، بل يجمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )[الأحزاب:56] فالصلاة والتسليم عليه بأن يقال وهي أخصر الصيغ: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، فهم يوصون كتبة الحديث بأن يكتبوها كاملة ليست منقوصة لا من حيث المعنى ولا من حيث الرمز والصيغة، فمن حيث المعنى لا يقولون: صلى الله عليه دون أن يقال: وسلم، ولا يقال: عليه السلام دون أن يقال: عليه الصلاة، وإنما يقال: عليه الصلاة والسلام أو صلى الله عليه وسلم، ولا أن يرمز لها بحروف عند الكتابة مثل رمز أو (صلعم) مثل ما يوجد في بعض الكتب، بل يحذرون من ذلك، وقد قال الفيروزأبادي في كتابه: الصلاة والبشر في الصلاة على خير البشر صلى الله عليه وسلم قال: (وليحذر أن يكتب عند ذكره عليه الصلاة والسلام (صلعم) كما يفعله الكسالى وعوام الطلبة) الذين يحصل منهم التساهل والتهاون بأن يكتبوا هذه الرموز بدلاً من صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، فيوصون بأن تكون كاملة من حيث المعنى، لا منقوصة بأن يصلى عليه ولا يسلم أو يسلم ولا يصلى عليه، بل يصلى ويسلم عليه عليه الصلاة والسلام، ولا أن يرمز له بحرف واحد مثل أو حروف مجموعة وهي (صلعم) يعني: رمزاً عن صلى الله عليه وسلم وإنما يأتي بها مكتوبة كاملة صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، وهذه الصيغة هي للصلاة عليه عليه الصلاة والسلام وهي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
    وقد ذكرت فيما مضى أن أكمل الصلوات على الرسول عليه الصلاة والسلام الصلاة التي فيها الجمع بين محمد عليه الصلاة والسلام وآله وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله والتي جاءت من طريق بعض أصحابه مثل: كعب بن عجرة كما جاء في صحيح البخاري، ومثل: طلحة بن عبيد الله كما مر بنا في سنن النسائي.
    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خارجة في كيفية الصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد].هو سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي وهو ثقة، ربما أخطأ وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [يروي عن أبيه].
    وأبوه يحيى بن سعيد الأموي، وهو صدوق، يغرب وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ويحيى بن سعيد الأموي في طبقة يحيى بن سعيد القطان؛ لأنهم من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، من طبقة شيوخ شيوخ النسائي؛ لأن النسائي هنا يروي عن سعيد بن يحيى عن يحيى، ويروي النسائي عن يحيى بن سعيد القطان بواسطة، فهما في طبقة واحدة، لكن يميز بين يحيى بن سعيد القطان والأموي أن يحيى بن سعيد الأموي كثيراً ما تأتي روايته من طريق ابنه سعيد كما هنا، فإن سعيد بن يحيى بن سعيد يروي عن أبيه يحيى بن سعيد الأموي، فهما أي: القطان والأموي الاسم واسم الأب متفقان في طبقة واحدة، وهي طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة.
    [عثمان بن حكيم].
    هو عثمان بن حكيم بن عباد وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن خالد بن سلمة].
    صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن موسى بن طلحة].
    وهو الذي روى عن أبيه في الإسنادين السابقين وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن خارجة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه النسائي وحده.
    نوع آخر من الصلاة على النبي
    شرح حديث أبي سعيد الخدري في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا قتيبة حدثنا بكر وهو ابن مضر عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (قلنا: يا رسول الله، السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم)].
    أورد النسائي نوع آخر من كيفية الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو أنهم سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام عن كيفية الصلاة عليه وقد ذكر في السؤال أنهم عرفوا كيف يسلمون عليه وذلك في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم) فإنه في الأول فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، والثانية ذكر محمد عليه الصلاة والسلام وآله وإبراهيم دون آله.
    وفيه فيما لم يتقدم وصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه عبد الله ورسوله، وهذان الوصفان من أخص أوصافه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أرشد بأن يوصف بهما حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) ومعنى كونه عبد: أي أنه عبد لله يعبد الله عز وجل ويتقرب إليه بالطاعات، والعبد لا يعبد فإنما هو عابد وليس بمعبود، فهو عبد لا يعبد، والوصف الثاني رسول والرسول لا يكذب بل يصدق، ويطاع، ويتبع، فهو عبد عابد لله عز وجل ولا يعبد ولا يصرف له شيء من أنواع العبادة، وهو رسول يصدق ويؤمن بما جاء به، ويمتثل كل ما أمر به وينتهى عن كل ما نهى عنه ويصدق في أخباره، فهو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، والله عز وجل ذكر وصف العبودية له في أشرف المقامات في إنزال القرآن وفي الإسراء والمعراج وفي تلاوة القرآن كما قال الله عز وجل: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ )[الإسراء:1] وقال: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ )[الفرقان:1]، ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ )[الجن:19] وصف رسول الله عليه الصلاة والسلام بوصف العبودية في أشرف المقامات، فهو عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يطلق عليه هذان الوصفان وهو وصف العبودية والرسالة، وهما من أخص أوصافه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
    وكذلك جاء في الحديث أيضاً وصفه بذلك، في حديث عبادة بن الصامت حيث قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله) إلخ الحديث، فجمع لمحمد عليه الصلاة والسلام أنه عبد الله ورسوله ولعيسى بأنه عبد الله ورسوله، وذلك أن النصارى غلت في عيسى عليه الصلاة والسلام حتى عبدوه مع الله، وحتى جعلوه ثالث ثلاثة، وهو عبد الله ورسوله، والرسول عليه الصلاة والسلام هو عبد الله ورسوله، وكل منهما عبد لله ورسول لله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهما وعلى سائر النبيين والمرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في كيفية الصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكر].
    وهو ابن مضر المصري وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [وهو ابن مضر].
    هذه زيادة ممن دون قتيبة إما النسائي أو من دون النسائي، وذلك أن قتيبة الذي هو تلميذه لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن مضر وإنما يقول: بكر بن مضر، ينسبه كما يريد لأنه شيخه، فلا يحتاج إلى أن يقول: هو، لكن لما كان قتيبة عند روايته هذا الحديث بهذا الإسناد ما زاد على كلمة بكر الذي دون قتيبة وهو النسائي أو من دون النسائي أرادوا أن يبينوا من هو بكر هذا، فأضافوا نسبته ولكن أتوا بصيغة تبين أنه ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ وهي كلمة (هو ابن مضر).
    [عن ابن الهاد].
    وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ويقال له: ابن الهاد ؛ لأن جده كان يشعل النيران في الفلاة من أجل اهتداء الناس إلى الطريق.
    وهو ثقة، مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن خباب].
    هو عبد الله بن خباب الأنصاري المدني وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد].
    وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو مشهور بكنيته ونسبته أكثر من اشتهاره باسمه، فيقال: أبو سعيد الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء السبعة معروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا يقول السيوطي في الألفية مشيراً إلى هؤلاء السبعة:
    والمكثرون من رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    نوع آخر من الصلاة على النبي
    شرح حديث أبي حميد الساعدي في كيفية الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أخبرني أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: (يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته -في حديث الحارث: كما صليت على آل إبراهيم- وبارك على محمد وأزواجه وذريته قالا جميعاً: كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، قال أبو عبد الرحمن: أخبرنا قتيبة بهذا الحديث مرتين، ولعله أن يكون قد سقط عليه منه شطر].
    أورد النسائي نوع آخر من الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه وهو أنهم سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف الصلاة عليه؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته في حديث الحارث: كما صليت على إبراهيم.
    [قال: في حديث الحارث: كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، قالا جميعاً: كما باركت على آل إبراهيم].
    الحديث جاء من طريق شيخين للنسائي هما قتيبة بن سعيد، والحارث بن مسكين، والحارث بن مسكين روايته هي الكاملة التي لا نقص فيها وهي: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم)، أما رواية قتيبة فإنه قال: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم)، معناه أنه سقط منه شطر أي: جزء؛ لأن فيه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآل إبراهيم، ثم دعاء بالبركة على النبي صلى الله عليه وسلم وآل إبراهيم، وحديث الحارث بن مسكين فيه الجمع بين محمد عليه الصلاة والسلام وأزواجه وذريته وآل إبراهيم في الموضعين، وأما قتيبة بن سعيد فإن فيه سقط؛ لأن أوله صلاة وآخره بركة، اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، قال النسائي: أخبرنا به قتيبة مرتين ولعله سقط منه الشطر، يعني: جزء منه في الوسط يتعلق بآخر الصلاة وأول البركة، آخر الدعاء بالصلاة وأول الدعاء بالبركة، فصار في رواية قتيبة التي أثبتها النسائي ذكر أول الصلاة وآخر البركة، والحارث بن مسكين فيه الصلاة والبركة في كل من محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكذلك آل إبراهيم، وهذه الصيغة فيها بدلاً عن الآل ذكر الأزواج والذرية، ففيه دلالة على دخول الأزواج في الآل، وكذلك الذرية؛ لأنه قال في بعض الروايات: (محمد وآل محمد)، وفي هذه الرواية: (محمد وأزواجه وذريته)، فهي مشتملة على تفسير للآل.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في كيفية الصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد مر ذكره.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو: ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ورواية قتيبة عنه عالية؛ لأن قتيبة عمر، لأنه ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وهي سنة مائة وخمسين، وعاش تسعين سنة، فتوفي قبل وفاة الإمام أحمد بسنة واحدة؛ لأنه توفي سنة مائتين وأربعين والإمام أحمد توفي سنة مائتين وواحد وأربعين، فكانت ولادته في السنة التي مات فيها أبو حنيفة ووفاته في السنة التي قبل وفاة الإمام أحمد؛ ولهذا لقي من لم يلقه غيره ممن كان مات في السنة التي مات فيها وقريب منها، ولهذا يروي عن مالك ومالك توفي سنة مائة وتسعة وسبعين، لأن عمر قتيبة لما توفي مالك تسع وعشرون سنة؛ لأن ولادته سنة مائة وخمسين ولهذا يروي عن مالك.
    بكر بن مضر مات قبل مالك بخمس سنوات أو ست سنوات، ومع ذلك قتيبة، أدرك مالك وأدرك من كان أكبر من مالك، ممن توفي قبل مالك.
    [الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
    هو الحارث بن مسكين المصري.
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    عن مالك، وهنا يتبين أن الطريق الثانية أنزل من الطريق الأولى؛ لأن الطريق الأولى بين النسائي وبين مالك شخص واحد، وهنا بين النسائي وبين مالك شخصين وهم: الحارث بن مسكين، وعبد الرحمن بن القاسم، فالطريق الأولى عالية والطريق الثانية نازلة.
    [حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني القاضي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم].
    وهو المدني، وقيل: إن اسمه كنيته وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الستة.
    [عن عمرو بن سليم الزرقي].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني أبي حميد الساعدي].
    وهو المنذر بن سعد بن المنذر مشهور بكنيته أبي حميد وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة
    حكم تغيير الشيب بالسواد
    السؤال: ماحكم تغيير الشيب بالسواد؟الجواب: تغيير الشيب بالسواد لا يجوز؛ لأنه جاء في ذلك النهي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وجاء الوعيد على من فعل ذلك، فهو غير سائغ وغير جائز، بل يغير بغير السواد كما جاء في قصة أبي قحافة والد أبي بكر أنه لما رأى رأسه يلوح بياضاً قال عليه الصلاة والسلام: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد).
    المجزئ في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد
    السؤال: هل يجزئ أن أقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولا نزيد على ذالك؟الجواب: نعم يجزئ أن يقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، لكن الإتيان بالأكمل هو الأكمل والأفضل، وقد عرفنا أن الأكمل هو الجمع في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بين النبي عليه الصلاة والسلام وآله وإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله كما جاء في حديث كعب بن عجرة وكما جاء في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنهما.
    ما يقوله الحاج عند رمي الجمار
    السؤال: هل يأتي الذي يرمي الجمرات: باسم الله الله أكبر أم يقول: الله أكبر فقط؟الجواب: الذي ورد هو التكبير أنه يكبر عند كل حصاة، لكن التسمية لا أدري عنها ما أستطيع أن أقول فيها شيئاً.
    التوقيت في الصوم للمتمتع
    السؤال: متى يكون صيام المتمتع في الحج، هل يجوز قبل يوم التروية أم بعد أيام التشريق؟الجواب: يجوز قبل يوم التروية، لكن إذا كان الإنسان يغلب على ظنه قبل يوم عرفة يجوز قبل يوم عرفة، أما يوم عرفة فالحجاج يكونون مفطرين ولا يكونون صائمين ليتقووا على العبادة وليكون عندهم في ذلك اليوم نشاط لا يكونون صائمين قبل أن يدب إليهم الكسل فيحصل لهم النوم أو السأم، وإنما يكون لهم نشاط يتقوون به على ذكر الله عز وجل، والإقبال على الدعاء والابتهال إليه سبحانه وتعالى في ذلك الموقف العظيم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان مفطراً ولم يكن صائماً وهو القدوة والأسوة عليه الصلاة والسلام، فالإنسان له أن يصوم قبل يوم عرفة يوم التروية والأيام التي قبله، وله أن يصوم أيام التشريق، وإذا بقي عليه شيء يأتي به في أيام التشريق؛ لأنه رخص في أيام التشريق أن يصمن لمن لم يجد الهدي، له أن يصوم لأن أيام التشريق لا يجب صومها مثل يوم العيد، لكن رخص لمن لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #244
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (241)
    - (باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) إلى (باب الذكر بعد التشهد)
    لقد بين الشرع فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة يدعو المصلي ويتخير في الدعاء، وأن الأفضل في الدعاء أن يثني على الله ويمجده ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها يدعو بما شاء.
    الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث: (... أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله يعني: ابن المبارك حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه فقال: إنه جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يريد بذلك أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لها شأن ولها فضل وفيها أجر عظيم وثواب جزيل من المولى سبحانه وتعالى، وذلك أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين، ودل أمته على كل خير وحذرها من كل شر، وأخرجها الله به من الظلمات إلى النور، فمن حقه عليها أن تصلي وتسلم عليه عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في هذا الحديث وفي غيره ما يدل على عظم شأن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، وكثرة ثوابها وجزائها عند الله عز وجل، وأن الله تعالى يثيب من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة أن يصلي عليه بها عشراً، ومن سلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يسلم عليه بذلك عشراً، فيكون المسلم يجمع بين الصلاة والتسليم على النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يثيب من حصل منه ذلك بأن يحصل له مضاعفة الأجر وأن تكون تلك الصلاة بعشر صلوات من الله عز وجل وفي ذلك أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.
    وقد أورد النسائي حديث أبي طلحة الأنصاري زيد بن سهل رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى أصحابه والبشر يعلو وجهه، يعني: مسروراً يظهر عليه السرور والفرح، فسألوه، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن جبريل جاءه وقال: أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صلى الله عليه عشراً، وأن لا يسلم عليه أحد إلا سلم الله عليه عشراً، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، والصلاة بعشر صلوات، والسلام بعشر منه، بأن يسلم عليه عشر مرات بأن يحصل له ذلك عشر مرات، والصلاة هي ثناء الله عز وجل على عبده بالملأ الأعلى، والسلام هو تسليم الله عز وجل لعبده وحصول السلامة له، وحصول مقتضى اسم الله عز وجل الذي فيه الخير والبركة للعبد الذي حصل منه الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحسنة بعشرة أمثالها وهذا دال على عظم شأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وكذلك السلام على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر المروزي].وهو ثقة، حافظ، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    يروي عن [عبد الله بن المبارك].
    وهو المروزي ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب، وهو ثناء عظيم على هذا الرجل العظيم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وكلمة يعني: ابن المبارك الذي قالها النسائي أو من دون النسائي وليس سويد بن نصر الذي هو تلميذه؛ لأن سويد بن نصر لا يحتاج إلى أن يقول: ابن المبارك، وإنما يقول: عبد الله بن المبارك، وينسبه كما يريد، لكن الذي يحتاج إلى أن يصفه أو يبين شيئاً يوضحه ويزيل اللبس عنه لحصول الاشتباه في الأسماء هو من دون التلميذ، وهو إما النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) هذه جملة لها فاعل ولها قائل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى سويد بن نصر، وقائلها هو النسائي أو من دون النسائي، أي: قال النسائي أو من دونه: يعني: سويد بن نصر بقوله: عبد الله عبد الله بن المبارك، هذا هو المراد بهذه الكلمة، ومثلها كلمة (هو ابن فلان) تأتي كثيراً في الأسانيد، وفي بعضها يأتي: (يعني: ابن فلان)، والمراد بها أن الزيادة التي حصلت لتوضح الاسم جاءت ممن دون التلميذ، ولما جاء بها من دون التلميذ لم ينسبه فيقول: عبد الله بن المبارك؛ لأنه لو كان كذلك ظن أن هذا لفظ التلميذ، لكن أتى بلفظ يوضح أن هذا اللفظ ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ ليبين من هو ذلك الرجل المهمل الذي لم ينسب وهو عبد الله في رواية سويد بن نصر المروزي عنه.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثابت].
    هو ثابت بن أسلم البناني البصري وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان مولى الحسن بن علي].
    سليمان مولى الحسن يقال له: الهاشمي مولاهم، وقد قال عنه الحافظ في التقريب أنه مجهول، وسبق أن مر الحديث في الأبواب القريبة الماضية وذكرت أن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمته في تهذيب التهذيب أن الحديث صححه ابن حبان، والحاكم، وأن الشيخ الألباني قال عنه أنه حديث حسن.
    [عن عبد الله بن أبي طلحة]
    عبد الله بن أبي طلحة ولد في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وهو أخو أنس بن مالك، وهو ثقة، فهو الذي حنكه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فله رؤية ويعتبر من كبار التابعين من حيث الرواية، فالذين لهم رؤية وليست لهم رواية يعتبرون من كبار التابعين، ويكونون معدودين في الصحابة من حيث الرؤية، وهو أخو أنس بن مالك لأمه أم سليم، وأبوه أبو طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة أخرج له مسلم، والنسائي.
    [عن أبيه].
    أبوه أبو طلحة الأنصاري هو زيد بن سهل مشهور بكنيته أبو طلحة وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور بهذه الكنية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على واحدة صلى الله عليه عشراً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً)، وهو مثل حديث أبي طلحة المتقدم فيما يتعلق بجزئه الأول؛ لأن فيه ذكر الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة يجمع فيها بين الصلاة والتسليم، وقد يؤتى بها بدون التسليم فيما إذا أتي بالصلاة الإبراهيمية وليس معها تسليم، لكن إذا أتى بها مختصرة مثل: صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام فإن الله تعالى يثيبه على أن يحصل ذلك له عشر مرات كما جاء في حديث أبي طلحة المتقدم.
    وحديث أبي هريرة شاهد لحديث أبي طلحة فيما يتعلق بجزئه فيما يتعلق بالصلاة.
    ومعلوم أن الصلاة التي تكون عند ذكره صلى الله عليه وسلم يجمع فيها بين الصلاة والتسليم عليه عليه الصلاة والسلام فيقال: صلى الله عليه وسلم أو يقال: عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، هؤلاء هم الذين خرجوا حديث علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو شيخ للبخاري، لكن مسلماً أكثر من الرواية عنه.
    [أخبرنا إسماعيل بن جعفر].
    وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن العلاء].
    هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم، وهو صدوق، ربما وهم وحديثه أخرجه البخاري، في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    يروي عن أبيه [عبد الرحمن بن يعقوب الجهني].
    مولاهم وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي: أن الذين خرجوا له هم نفس الذين خرجوا لابنه، العلاء وأبوه عبد الرحمن خرج لكل منهما البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة، وأكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي صحابي جليل مكثر من رواية حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا محمد بن يوسف حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفعه عشر درجات) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى يصلي عليه بذلك عشر صلوات، ويحط عنه عشر خطيئات ويرفعه عشر درجات، وذلك فضل عظيم من المولى سبحانه وتعالى يثيب به من صلى على النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].وهو الكوسج المروزي، ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا محمد بن يوسف].
    وهو الفريابي وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يونس بن أبي إسحاق].
    هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي وهو صدوق، يهم قليلاً، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والأربعة.
    يروي [عن بريد بن أبي مريم البصري].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خدم النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنوات مذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله عز وجل وأنس يخدمه رضي الله تعالى عنه، وأنس هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنه وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فهؤلاء سبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    باب تخيير الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    شرح حديث عبد الله بن مسعود في التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخيير الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعمرو بن علي واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى حدثنا سليمان الأعمش حدثني شقيق عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه يدعو به)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الترجمة أوردها النسائي بعد ذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وكيفياتها، وبيان فضلها، وأورد فيها حديث ابن مسعود وليس فيه تعرض للصلاة، وإنما فيه ذكر التشهد فقط، وبعد فراغه من التشهد قال: ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به، هذا هو لفظ الحديث، لكن النسائي ذكر في الترجمة أن الإنسان يتخير من الدعاء أو التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد، وذلك أن التشهد مشتمل على السلام على الرسول عليه الصلاة والسلام، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فيها الصلاة عليه، فيكون الإنسان جامعاً بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، السلام في التشهد والصلاة في الصلاة الإبراهيمية التي علم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصحابه إياها، عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فكون النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة مع أن الحديث ليس فيه نص على ذكر الصلاة وأن الدعاء يكون بعد الصلاة وإنما أراد بذلك أن التشهد فيه سلام وأيضاً فيه صلاة، فإذا جمع الإنسان بين الصلاة والتسليم عليه عليه الصلاة والسلام يأتي بعد ذلك بالدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يدعو لم يمجد الله ولم يصل على رسول الله، فقال: (عجلت أيها المصلي)، ومعنى هذا أن من أسباب قبول الدعاء أن يكون مسبوقاً بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أنه في التشهد السلام والصلاة بعده، فإذا أتى الإنسان بالسلام وأتى بالصلاة يكون جمع بين الصلاة والتسليم عليه الصلاة والسلام، فبعد ذلك يتخير من الدعاء ما شاء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على الذي سأل الله عز وجل دون أن يمجد الله ودون أن يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالتشهد فيه تمجيد الله بقوله: (التحيات الله والصلوات والطيبات)، لأن هذا تمجيد لله وثناء عليه، وبين أنه المستحق لذلك، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وهي الصلاة الإبراهيمية إذا أتى بها بعد التشهد فيكون قد مجد الله وصلى وسلم على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على أن النسائي رحمه الله استنتج أنه يجمع بين السلام والصلاة عليه، وأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم لما عرفوا كيف يسلمون عليه قالوا: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام بأن بين لهم الصلاة التي يصلون بها عليه الصلاة الإبراهيمية، فيكون الإنسان في التشهد قد جمع بين التشهد وبين الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ثم يأتي بما أعجبه من الدعاء سواء يختار من الأدعية الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو مطلقاً يتخير من الدعاء الذي يعجبه، لكن لا شك أن كون الإنسان يحرص على الإتيان بالوارد وبالذي أثر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا شك أن هذا هو الأكمل وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يفعله.
    قال ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام).
    وهذا فيه بيان ما كانوا يفعلونه من قبل وأنهم يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، السلام على جبريل وميكائيل، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقولوا هكذا، فإن الله هو السلام، فلا يقال: السلام على الله من عباده؛ لأن الله تعالى هو السلام ومنه السلام، فلا يقال: السلام على الله من عباده، نهاهم عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم أيضاً قولهم: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان أيضاً يغني عنه ما علمهم إياه عليه الصلاة والسلام بقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، فإن كلمة: عباد الله الصالحين تغني عن فلان، وفلان، وفلان ؛ لأنه كما جاء في الحديث نفسه: (إنكم إذا قلتم ذلك فقد أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) تصيب الملائكة، وتصيب البشر، وتصيب الجن، كل عبد صالح في السماء والأرض تصيبه تلك الدعوة أو ذلك السلام: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فكلمة: عباد الله الصالحين تغني عن فلان وفلان التي كانوا يقولونها، أتى بلفظ عام يشمل كل عبد صالح، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، جوامع الكلم وجوامع الأدعية؛ لأنهم يقولون: فلان وفلان يسمون عدة أسماء، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يقولوه وأعطاهم لفظاً واحداً يشمل ما يريدونه وما يجري على ألسنتهم وما لا يخطر على بالهم، وأن المراد به أو المقصود به: أنه يسلم على كل عبد صالح في السماء والأرض (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
    ثم أيضاً هذا يدلنا على أن العبد إذا كان حرص على أن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في كل مكان، كل إنسان يدعو بهذا الدعاء ويقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يكون للعبد الصالح نصيب من هذا الدعاء، فهذا يدلنا على عظم شأن الاستقامة وكون الإنسان يحرص على أن يكون مستقيماً لأنه يحصل هذه الدعوة العامة التي تحصل من كل مصل وتصيب كل عبد صالح في السماء والأرض كما بين ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    (لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات).
    هذا فيه تعظيم لله عز وجل وتمجيد له، وأن التحيات والصلوات والطيبات كلها له سبحانه وتعالى.
    (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
    وهذا سلام على النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي عرفوه وأرادوا أن يعرفوا كيفية الصلاة فعلمهم إياها بعد أن سألوه ذلك السؤال: (قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد) إلخ الحديث.
    (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض).
    ومعنى هذا يغني عن قولكم: السلام على فلان وفلان، إذا قلتم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تصيب كل عبد صالح في السماء والأرض، فيغني عن تسميتكم بعض الأشخاص أو بعض الأفراد.
    (أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
    وهذا هو التشهد الذي يشهد الإنسان لله بالوحدانية والألوهية ويشهد لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأنه عبد الله ورسوله، والشهادة لله بالوحدانية تقتضي أن لا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره وأن تكون جميع أنواع العبادة خالصة لوجهه، وشهادة أن محمداً رسول الله تعني أن يصدق في جميع أخباره وأن تمتثل جميع أوامره وأن ينتهى عن جميع نواهيه وأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يعبد بالبدع والمحدثات والخرافات والأهواء وإنما يعبد طبقاً لما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن المسلم يتبع ولا يبتدع كما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، معناه التزموا بما جاءكم من الوحي وبما جاءكم من الكتاب والسنة فقد كفيتم بما جاءكم من الحق والهدى عن البدع والمنكرات والمحدثات التي تحدثونها وتتقربون إلى الله عز وجل بها، والله تعالى إنما يتقرب إليه بطاعته ويتقرب إليه بما شرعه بما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا هو الذي ينفع الإنسان عند الله عز وجل.
    أما كونه يحدث في دين الله عز وجل أموراً محدثة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان ثم يتقرب إلى الله عز وجل ويقول: أنا قصدي حسن ذلك لا ينفعه، بل لا بد مع حسن القصد أن يكون على السنة كما جاء عن الفضيل بن عياض رحمة الله عليه أنه قال في قول الله عز وجل: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )[هود:7] فقال: العمل الأحسن هو ما كان خالصاً صواباً، ثم فسر ذلك فقال: فالخالص ما كان لله وحده، والصواب ما كان على سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذان هما شرطا قبول العمل: الإخلاص والمتابعة، تجريد الإخلاص لله وحده وتجريد المتابعة للرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد قال شارح الطحاوية: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، فيوحد المرسل وهو الله بالعبادة ويخصه بها ويجعلها خالصة له ولا يجعل مع الله شريكاً في العبادة فلا يدعو إلا الله ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يقسم إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستعيذ إلا بالله، ولا يستغيث إلا بالله، كل أنواع العبادة تكون خالصة لوجه الله، وهذا هو تجريد الإخلاص لله وحده، لا يكون معه شريك في العبادة؛ لأنه لا شريك له في الملك، فهو المتفرد بالخلق والإيجاد وهو المستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وإذا عبد مع الله غيره فإن عمل الإنسان يكون لاغياً ويكون لا عبرة به ولا قيمة له، كما قال الله عز وجل: ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً )[الفرقان:23].
    والشرط الثاني: تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، فهو الذي يتابع ويعول على ما جاء به، وهو الذي يسأل عن هديه وعن شرعه فيتقرب العبد إلى ربه باتباع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي هو علامة محبة الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[آل عمران:31].
    ثم بعد ذلك يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كما جاءت بذلك الأحاديث، ثم بعد ذلك يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به، وبهذا يكون الإنسان مجد الله عز وجل وصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك من أسباب قبول الدعاء كما أشرت إليه في الحديث المتقدم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يدعو بدعاء لم يمجد الله ولم يصل على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (عجلت أيها المصلي).
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مسعود في التخيير في الدعاء بعد الصلاة على النبي
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثله في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة وكونه مات سنة اثنتين وخمسين شخصان آخران وهما: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى العنزي الملقب الزمن، فهؤلاء ثلاثة هم شيوخ لأصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
    [وعمرو بن علي].
    هو الفلاس المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [واللفظ له].
    أي أن اللفظ للشيخ الثاني من الشيخين، الشيخان هما يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعمرو بن علي الفلاس، واللفظ الذي ذكره النسائي هنا هو لفظ الشيخ الثاني له وهو عمرو بن علي الفلاس.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سليمان الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي لقبه الأعمش الكوفي، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به.
    [حدثني شقيق].
    وهو ابن سلمة الكوفي ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو وائل مشهور بها، يأتي أحياناً باسمه شقيق كما هنا ويأتي أحياناً بكنيته أبو وائل وهو شخص واحد يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد علماء الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الذكر بعد التشهد
    شرح حديث أنس في الذكر بعد التشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الذكر بعد التشهد.أخبرنا عبيد بن وكيع بن الجراح أخو سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي، قال: سبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، ثم سليه حاجتك يقل: نعم نعم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الذكر بعد التشهد، والمراد بالذكر هو الثناء على الله عز وجل وتعظيمه وتمجيده هذا هو الذكر، وأما الدعاء فهو السؤال، اللهم إني أسألك كذا وكذا هذا دعاء، وسبحان الله والحمد لله والله أكبر هذا ذكر، ففيه ذكر ودعاء، فالدعاء طلب ورجاء والذكر ثناء على الله عز وجل.
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك أن أم سليم وهي أمه، أم أنس جاءت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت: علمني دعاء.
    (علمني كلمات أدعو بها في صلاتي، قال: سبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، ثم سليه حاجتك يقل: نعم نعم) يعني: أجبتك وحققت طلبك، معناه أن الحديث يدل على ما دل عليه ما تقدم من كون الإنسان بين يدي حاجته يثني على الله ويعظم الله عز وجل، ويسبق طلبه وحاجته تمجيد الله عز وجل، وقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام مما يمجد الله به بأنه يسبح عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً، ويكون الدعاء بعد ذلك، والحديث ليس فيه ذكر التشهد، وليس فيه ذكر أن هذا في التشهد، لكن المواطن التي يكثر فيها من الدعاء والتي يتخير فيها الدعاء والدعاء يسبقه تعظيم وتمجيد وصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، المواضع التي يدعى فيها ويكثر فيها من الدعاء هي في السجود، وفي التشهد الأخير، والنسائي رحمه الله حمل ذلك عقد هذه الترجمة للتشهد وأورد تحتها هذا الحديث ليفيد أو ليستدل على أن الإنسان في تشهده بين يدي دعائه يعظم الله عز وجل ويمجده، والتعظيم والتمجيد الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام أم سليم أم أنس بن مالك هو أن تسبح الله عشراً، وتحمد الله عشراً، وتكبر الله عشراً، ثم تسأل حاجتها، يقول الله عز وجل: نعم نعم، يعني: أجبت طلبك وحققت رجاءك فيما طلبت من هذا الدعاء الذي سبقه الحمد والثناء للمولى سبحانه وتعالى.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في الذكر بعد التشهد
    قوله: [أخبرنا عبيد بن وكيع].هو عبيد بن وكيع بن الجراح أخو سفيان بن وكيع، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه لا بأس به، أخرج له النسائي، وكلمة: (لا بأس به) تعادل (صدوق) كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب بأن صدوق ولا بأس به وليس به بأس هي في درجة واحدة ومعناها واحد، لكن من العلماء من يأتي بكلمة لا بأس به وهي تعادل ثقة عنده، وهذا في اصطلاح يحيى بن معين، فإن قوله: لا بأس به عنده توثيق، ولهذا يقول عن الأشخاص الكبار الثقات الحفاظ يقول عن الواحد منهم لا بأس به، وكلمة: لا بأس به وإن كانت في الاصطلاح العام عند المحدثين أنها أنزل من ثقة وهي في منزلة صدوق إلا أن في اصطلاح يحيى بن معين أنها تعادل ثقة، وهي فوق صدوق، وكما يقولون: المهم أن يعرف الاصطلاح، وإذا عرف الاصطلاح يزول الإشكال.
    [يروي عن أبيه].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، حافظ، مصنف، هو صاحب كتاب الزهد وكتب أخرى غير ذلك الكتاب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة بن عمار].
    صدوق، يغلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
    ثقة حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن عمه [أنس بن مالك].
    أخو أبيه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة هو الذي مر بنا في إسناد أبي طلحة المتقدم الذي روى عنه مسلم، والنسائي، والذي حنكه النبي عليه الصلاة والسلام، وعندما جاء به أنس بن مالك إليه حنكه ودعا له، وهذا ابنه إسحاق، فـإسحاق ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يروي عن عمه أخو أبيه لأمه، يعني: عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما أم سليم.
    يروي [عن أنس] وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة
    مدى صحة تخصيص القنوت في الفجر والمغرب
    السؤال: هل ورد في السنة تخصيص القنوت بالفجر والمغرب فقط؟الجواب: لا، القنوت يكون في جميع الصلوات، وليس خاصاً بالمغرب والفجر، ليس خاصاً بها، بل جاءت السنة كما سبق أن مر بنا في الصلوات المختلفة، يعني: في الصلاة السرية والصلاة الجهرية.
    مدى جواز الأضحية للنبي صلى الله عليه وسلم والأقارب الأموات
    السؤال: ما حكم الأضحية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأقارب الميتين؟الجواب: الإنسان لا يضحي عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه يضحي عن نفسه، ثم الله تعالى يثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما يثيبه، بل أي عمل تعمله أيها المسلم فإن الله تعالى يثيبك عليه ويثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما أثابه؛ لأنه هو الذي دلك على هذا الهدى ودلك على هذا الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) فإذا أردت أن يصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام زيادة ثواب بسببك، فما عليك إلا أن تعمل صالحاً لنفسك والله تعالى يثيب نبيه عليه الصلاة والسلام مثلما أثابك؛ لأنه هو الذي دلك على الخير، وهو الذي أخرجك الله به من الظلمات إلى النور، فله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها، من حين بعثه الله إلى قيام الساعة له أجور أعماله ومثل أجور أمته كلها من حيث بعثته إلى قيام الساعة؛ لأن هذا العمل الذي تعمله الأمة إنما كان بدلالته وإرشاده، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
    نعم الإنسان يضيف إلى ذلك بأن يصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام، والإنسان يؤجر على الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يحصل له زيادة رفعة وثواب بكونه يصلى عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. الأماكن التي تزار في المدينة
    السؤال: ما هي الأماكن التي تزار في هذه المدينة الطيبة؟الجواب: الأماكن التي تزار في هذه المدينة المباركة، طيبة الطيبة خمسة أماكن، ثلاث مقابر ومسجدان، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه بألف صلاة، ومسجد قباء وقد جاء في السنن القولية والفعلية ما يدل على فضل الصلاة فيه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إليه كل سبت راكباً وماشياً ويصلي فيه، وجاء عنه أنه قال: (من توضأ في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة)، فدلت السنة القولية والفعلية على فضل الصلاة فيه وعلى عظم أجر الصلاة فيه، أي: في مسجد قباء.
    أما المقابر الثلاث فهو قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما يسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام ويدعو له ويسلم على أبي بكر، وعمر ويدعو لهما رضي تعالى عنهما.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #245
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (242)

    - (باب الدعاء بعد الذكر) إلى (باب نوع آخر من الدعاء)
    جاءت السنة ببيان ما يتعلق بالدعاء في الصلاة، وبيان أن الإنسان يقدم بين يدي دعوته الثناء على الله بأسمائه وصفاته ونعوت جلاله، ثم حمده وتقديسه، وهذا من الأدب مع الله تبارك وتعالى.
    الدعاء بعد الذكر
    شرح حديث أنس في الدعاء بعد الذكر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بعد الذكر.أخبرنا قتيبة حدثنا خلف بن خليفة عن حفص بن أخي أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده! لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) ].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الدعاء بعد الذكر.
    مراد النسائي بهذه الترجمة هو: أن الإنسان عندما يدعو، يقدم بين يدي دعائه، بذكر الله عز وجل، والثناء عليه، وتعظيمه، وتمجيده، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، فإن ذلك: من أسباب قبول الدعاء، وقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أن الإنسان عندما يدعو، قبل دعائه يحمد الله، ويمجده، ويثني عليه، ويصلي على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، وهنا بين يدي الدعاء توسل بأسماء الله عز وجل وصفاته، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أنه كان جالساً مع النبي عليه الصلاة والسلام (ورجل يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد قال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك) كذا وكذا، أي: أنه قدم بين يدي مسألته بالثناء على الله عز وجل وتعظيمه وتمجيده، وهذا من أسباب قبول الدعاء؛ ولهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: (تدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل أعطى).
    والمقصود من إيراد الحديث هنا: أن قوله: إني أسألك كذا وكذا، ولم يذكر سؤاله، وإنما ذكر الثناء، الذي بين يدي سؤاله، والتوسل إلى الله عز وجل بصفاته وأسمائه، هذا من أسباب قبول الدعاء، وهذا هو التوسل المشروع، التوسل المشروع: كون الإنسان يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، ويثني عليه ويعظمه بين يدي سؤاله، فيكون ذلك، توسلاً مشروعاً، هو خير ما يتوسل به العبد إلى الله عز وجل، كونه يعظم الله ويثني عليه ويمجده، ثم بعد ذلك يسأله حاجته فيكون متوسلاً إليه بأسمائه وصفاته والثناء عليه سبحانه وتعالى.
    قوله: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت) فيه اعتراف بأن الحمد له، وهو صاحب الحمد، وهو الذي يحمد على كل حال، فهو صاحب النعم كلها المتفضل بها، وهو المحمود على النعم كلها ظاهرها وباطنها، وفي جميع الأحوال سبحانه وتعالى، ثم: (لا إله إلا أنت) اعتراف بألوهيته، وأنه الإله الحق الذي لا تصح العبادة إلا له، ولا يصرف شيء منها لغيره، بل كلها له سبحانه وتعالى؛ لأنه المتفرد بالخلق والإيجاد، وهو المتفضل بالنعم، وهو المحيي، والمميت، المتصرف بالكون كيف يشاء، فهو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له، لا يشرك مع الله أحد في عبادته لأنه لا شريك له في ملكه، فله الملك، وله الحمد، وله العبادة التي هي حقه، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره سبحانه وتعالى.
    (المنان) يعني: صاحب المنن والنعم، الذي امتن على عباده بكل خير، وبكل نعمة، وأعظم النعم: نعمة الهداية إلى الإسلام، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، يقول الله عز وجل: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[آل عمران:164] فهذه أعظم منة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام، نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، نعمة الخروج من الظلمات إلى النور هي أجل النعم، وهي أفضلها، وهي أعلاها، لا يماثلها نعمة ولا يساويها نعمة.
    (بديع السماوات والأرض) الذي أوجد السماوات، على غير مثال سابق، بل هو الذي قدر خلقها على ما شاء، وأوجدها كيف شاء، على ما شاء، فهو المبدع لها، الموجد لها، المتصرف فيها، المالك لها، فهو خالق الخلق ومالك الملك ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
    (يا ذا الجلال والإكرام)، يصف الله عز وجل، بأنه ذو الجلال والإكرام، صاحب العظمة، صاحب الكرم، العظيم الكريم، الذي لا تصلح العظمة إلا له، والكريم الذي هو صاحب كل نعمة وصاحب كل منة ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ )[النحل:53]، ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )[إبراهيم:34]، ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )[لقمان:20] فنعم الله عز وجل، لا تعد ولا تحصى، فهو سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام.
    من أنواع التوسل المشروع
    ثم قال: (يا حي يا قيوم)، وهذان من أسماء الله عز وجل، وقد بدئت بهما آية الكرسي: ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )[البقرة:255] بعد ذكر اسم الله، الذي هو العلم لفظ الجلالة الله، جاء الحي القيوم، الحي الذي هو كامل الحياة، القيوم القائم بنفسه، المقيم لغيره، الذي قامت به السماوات والأرض، وكل شيء قام إنما هو بإقامته إياه، فهو الحي القيوم الذي هو على كل شيء قدير، والذي هو مالك الملك، ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.ثم قال بعد ذلك: (أسألك) يعني: بعد أن توسل إلى الله عز وجل، بهذه الأوصاف، وبهذه الأسماء، ودعا ربه وناداه قائلاً: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يقول: إني أسألك كذا وكذا، فهذا هو التوسل المشروع، أما الذين ابتلوا بالتوسلات المبتدعة، التي ما جاءت بها شريعة الله، وليست من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يعرفون التوسل المشروع، لا يعرفون مثل هذا الدعاء، الذي أرشد إليه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وهو: أن يكون الدعاء متوسل إلى الله عز وجل، بأسمائه، وصفاته، وتعظيمه، وتمجيده، والثناء عليه سبحانه وتعالى.
    فلو أن المتوسل إذا أرد أن يتوسل، بحث عن التوسل المشروع، إذا كان يعلمه وتوسل به ودعا به، وإذا كان لا يعلم، يسأل ويتعلم، حتى يعرف الحق والهدى، ومن المعلوم أن الأدعية التي جاءت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، إما بتعليمه أصحابه إياها، أو سماعه إياهم يدعون ويتوسلون، ثم يقرهم ويؤيد ما قالوه ويرشد إليه، كما جاء في هذا الحديث، فإن قوله: (أتدرون بما سأل؟ سأل الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) وهو: هذه الأوصاف العظيمة، لله عز جل التي نهايتها: يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فالتوسل بأسماء الله وصفاته والثناء عليه، هذا هو خير توسل وهذا هو أفضل توسل.
    ومن التوسل المشروع: التوسل إلى الله بالعمل الصالح، كون الإنسان يتوسل إلى الله بعمله الصالح؛ لأن عمله عمل تقرب به إلى الله عز وجل، فهو يتوسل إلى الله بذلك العمل، والنبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى ذلك، كما جاء في قصة الثلاثة الذين كان يمشون في فلاة من الأرض، فحصل مطر فاحتاجوا إلى أن يدخلوا في غار، فدخلوا في الغار، فانحدرت صخرة وسدت عليهم باب الغار، فصاروا لا يستطيعون الخروج، فصاروا في قبر وهم أحياء، ليس عندهم أحد من الناس، ولا يعلم بهم أحد إلا الله عز وجل، فعند ذلك فكروا ماذا يصنعون، وبماذا يتوسلون إلى الله عز وجل، فقال أحدهم: إنه لا ينجيكم إلا: أن تتوسلوا إلى الله عز وجل بأعمال صالحة، عملتموها في حال الرخاء، يثيبكم الله عليها في الشدة، ولهذا جاء في الحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فواحد منهم: تذكر وذكر حالة من الحالات، وأنه كان باراً بوالديه، وأنه كان يأتي بالغبوق وهو: الحليب الذي يأتي به في أول الليل ويشرب، فكان من عادته أنه يأتي بالغبوق لأبويه، ويشربان قبل أن يناما، ففي يوم من الأيام، بعدت الإبل ونأت فجاء بالغبوق، وقد مضى وقت من الليل وقد ناما، فلم يرد أن يكدر عليهما صفو نومهما، ولم يرد أن يجلس وينام، قد يستيقظا ولا يتنبهان لهذا الذي أحضر لهما، فوقف والقدح على يديه، ينتظر لعلهما يتحركان، أو يستيقظان من أنفسهما، فاستيقظا وشربا، فتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الذي عمله، فقال: اللهم إنك تعلم أني عملت كذا وكذا وكذا، اللهم فرج عنا ما حل بنا، أو ما نحن فيه، فتزحزحت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
    والثاني منهما تذكر: وإذا له ابنة عم، وكان يحبها ويراودها عن نفسها، وكانت تمتنع منه، وفي سنة من السنوات حصل لها فاقة وشدة، فجاءت إليه تطلب منه شيئاً من المساعدة والإحسان، فعرض عليها ما كان يعرضه عليها من السوء، ونتيجة لشدة حاجتها مالت، ولكن في نفسها شيء، ولما أعطاها ما أعطاها من النقود، وهي: مائة دينار، وجلس بين رجليها، خوفته بالله عز وجل، وقالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام وتركها خوفاً من الله عز وجل، فتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الصالح، فتزحزحت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
    ثم جاء الثالث وتذكر: أنه كان عنده أجير استأجره، فراح وترك أجرته، وهو لا يعرفه، فنمى هذه الأجرة، حتى اتسعت وصارت: إبلاً، وبقراً، وغنماً، ورقيقاً، فجاء بعد مدة طويلة وقال: يا فلان، عندك لي أجرة، فقال: انظر ما في هذا الوادي من الإبل، والغنم، فهو لك، فقال: أتستهزئ بي؟ لأن أجرته كانت بسيطة، وهذه أموال طائلة، فظن أنه يستهزئ، فقال: لا، هو نصيبك، هو حقك؛ لأنه نماه حتى تضاعف وحتى كثر، فتوسل إلى الله عز وجل، بهذا العمل، فتزحزحت الصخرة فخرجوا يمشون، تعرفوا إلى الله عز وجل في حال الرخاء، فعرفهم في حال الشدة، فالتوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح مشروع، والدليل عليه: هذا الحديث الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي يحكيه عن أمم سابقة أو عن ثلاثة في الأمم السابقة.
    ومن التوسل المشروع بالعمل الصالح: كون الإنسان يتوسل إلى الله، بمحبته لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، فيقول: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لرسولك، أسألك أن تحقق لي كذا وكذا، فيتوسل إلى الله عز وجل بعمله الصالح، بمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام، واتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم، يتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل الصالح الذي عمله، وأنه يحب الله ورسوله، وأنه يؤمن بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فيتوسل إلى الله عز وجل بهذا العمل، هذا هو التوسل المشروع، كثير من الناس، لا سيما المبتدعة، لا يعرفون التوسل المشروع، وكل ما عندهم من التوسلات المبتدعة، التي ما يعرفها الصحابة ولا يعلم عنها الصحابة شيئاً، وهم خير الأمة، وإنما أحدثها المحدثون، وأتى بها أناس من تلقاء أنفسهم، وتبعاً لأهوائهم، ليس لهم في ذلك مستند من كتاب ولا من سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في الدعاء بعد الذكر
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان: قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خلف بن خليفة].
    صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حفص].
    وهو حفص بن أخي أنس بن مالك، وقيل: إنه ابن أخيه لأمه، حفص بن عبد الله بن أبي طلحة، ابن أخي أنس بن مالك لأمه؛ لأن أنس بن مالك، أخوه لأمه عبد الله بن أبي طلحة، أمهما أم سليم، فهو ابن أخيه لأمه، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    [عن أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، إلى أن توفاه الله، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند النسائي، وهي أعلى الأسانيد، الأسانيد الرباعية: هي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، أعلى ما عنده الرباعيات، وبين النسائي، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة أشخاص هم: قتيبة، وخلف بن خليفة، وحفص بن أخي أنس، وعمه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
    والثلاثيات عند البخاري، وعند الترمذي، وابن ماجه، أصحاب الكتب الستة الذين لهم ثلاثيات ثلاثة: البخاري له: اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي له: حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده: خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات.
    شرح حديث محجن بن الأدرع في الذكر بعد الدعاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد أبو بريد البصري عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا حسين المعلم عن ابن بريدة حدثني حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد فقال: اللهم أني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد غفر له ثلاثاً) ].أورد النسائي حديث: محجن بن الأدرع الأسلمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه، وهو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته، وتشهد) يعني: قبل نهاية صلاته فسأل الله عز وجل وقال:
    (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال عليه الصلاة والسلام: قد غفر له.. قد غفر له.. قد غفر له) قالها ثلاثاً؛ لأنه توسل إلى الله عز وجل، بهذه الأسماء والصفات، فتوسل إليه بأن الله تعالى هو الواحد، هذا من أسمائه، الأحد، هو من أسمائه، الصمد، هو من أسمائه، الذي لم يلد ولم يولد، وهذه من صفاته، يعني: صفات كمال، أنه متنزه عن: الوالدين، والأولاد، والأشباه، والنظراء، فهو متنزه عن أن يكون له أصول، ومتنزه عن أن يكون له فروع، ومتنزه عن أن يكون له أشباه، لم يشبهه ويماثله، ويكون كفؤاً له، الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:3-4].
    فتوسل إلى الله عز وجل، بهذه الأسماء والصفات، ثم بعد ذلك طلب المغفرة من الله عز وجل، وهذا هو السؤال، يعني: الأول ثناء، وذكر، وتعظيم، والمطلوب جاء في الآخر بعد الثناء، والذكر لله عز وجل، وهو أنه قال: (أن تغفر لي ذنوبي) ثم ختم ذلك بالثناء عليه، وذكر اثنين من أسمائه والثناء عليه بذلك، فقال: (إنك أنت الغفور الرحيم) ومن أسماء الله الغفور، ومن أسمائه الرحيم، فهو توسل بأسماء الله وصفاته.
    تراجم رجال إسناد حديث محجن بن الأدرع في الذكر بعد الدعاء
    قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد أبو بريد].عمرو بن يزيد أبو بريد البصري وهو صدوق، أخرج له النسائي، أبو بريد كنيته، وأبوه يزيد، اسم الأب مع الكنية متقاربة في اللفظ، وفي الشكل، وفي النطق، إلا أنها تختلف بالحروف، هذا يزيد وهذا بريد، فشكلها واحد ورسمها واحد، وهذا الذي يأتي فيه الاشتباه بين الأسماء، ويعرف التمييز بينها: بمعرفة الصيغ بكل اسم، سواء كان اسماً، أو نسباً، أو كنية، فكلمة يزيد، أو بريد، شكلها واحد، إلا أن الفرق في النقط والشكل، وإلا فالرسم واحد.
    [عن عبد الصمد].
    هو ابن عبد الوارث بن سعيد البصري وهو صدوق، ثبت في شعبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه عبد الوارث بن سعيد، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حسين المعلم].
    وهو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة ربما وهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن بريدة].
    وهو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حنظلة بن علي الأسلمي].
    ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن محجن].
    وهو محجن بن الأدرع الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، مثل الذي مر بنا قريباً، وهو: حفص بن أخي أنس بن مالك، كل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي.
    نوع آخر من الدعاء
    شرح حديث أبي بكر: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء. أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)].
    أورد نوعاً آخر من الدعاء وهو: الدعاء بعد الذكر، يعني: في آخر الصلاة، ومن المعلوم أن المواضع التي يكثر فيها الدعاء موضعان في الصلاة، في السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، فهذان موضعان يدعى فيهما، ويكثر فيهما من الدعاء، والنسائي هنا، يورد الأحاديث التي يدعى بها في هذا الموطن، وفي هذا الموضع، الذي هو بعد التشهد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقبل السلام، والأحاديث التي فيها الدعاء في الصلاة، يمكن أن يدعى بها في السجود، ويمكن أن يدعى بها قبل السلام، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) وقد مر بنا الحديث الذي قال فيه بعد التشهد: (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به).
    إذاً: هنا موضعان يدعى فيهما ويكثر فيهما من الدعاء، وهما: السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي صلوات الله وبركاته وسلامه عليه.
    أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، سأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنهم وأرضاهم، من الحرص على السؤال، أو توجيه الأسئلة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الأمور المختلفة التي يحتاجون إلى معرفتها، ومن ذلك: ما يريدونه من الأدعية التي يدعون الله عز وجل بها في صلاتهم، فهذا الصديق، خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن أبي بكر، يسأل النبي عليه الصلاة والسلام، سؤالاً يدعو به في صلاته، فعلمه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).
    فهذا دعاء، فيه اعتراف الإنسان بظلمه نفسه وخطأه، وأنه بحاجة إلى رحمة الله، وإلى مغفرته، فهو يقر ويعترف بذنوبه وخطئه، ويسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنه، وأن يغفر له ويرحمه، ثم يعظم الله عز وجل ويختم ذلك الدعاء بالثناء عليه، بذكر اثنين من أسمائه يناسب ذكرهما في هذا المقام، وهما اسم الغفور الرحيم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بكر: (علمني دعاء أدعو به في صلاتي...)
    قوله: [قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد وقد مر ذكره.
    [حدثنا الليث].
    هو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، هو محدث مصر وفقيهها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    هو المصري وهو ثقة، فقيه، يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الخير].
    أبو الخير كنية، وصاحب هذه الكنية مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عبد الله بن عمرو بن العاص].
    صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم من صغار الصحابة وهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، هؤلاء هم العبادلة الأربعة، وأطلق عليهم لقب العبادلة، وإن كان الذين يسمون بهذا الاسم من أصحاب رسول الله كثيرون، منهم: عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عثمان أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن مسعود، كل هؤلاء وغيرهم يسمون بهذا الاسم، ولكن الذين اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، هؤلاء الذين هم من صغار الصحابة، وأدركهم من التابعين من لم يدرك المتقدمين، مثل: عبد الله بن مسعود وغيره فيطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة، وهو من المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسبب ذلك: أنه كان يكتب، فكان يكتب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكثرت روايته عنه، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكر الصديق].
    هو عبد الله بن عثمان ،كنيته أبو بكر، وكنية أبيه أبو قحافة، فهو أبو بكر بن أبي قحافة، ولكنه مشهور بكنيته وبلقبه الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو خير هذه الأمة، التي هي خير الأمم، وهو أفضل الصحابة، الذين هم خير هذه الأمة، وقد جاء في فضله أحاديث كثيرة، وقد سماه الله عز وجل في كتابه العزيز: صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذلك في سورة التوبة حيث يقول الله عز وجل: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] فثاني اثنين هو: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
    الرسول ومعه أبو بكر وذلك في الغار، عند إرادتهما الذهاب للهجرة من مكة إلى المدينة، فكان معه في الغار، وقال الله عز وجل في حقه: (إذ يقول) أي: النبي عليه الصلاة والسلام (لصاحبه) أبي بكر.
    ومناقبه كثيرة وفضائله وفيرة، ومن أعظم هذه الفضائل، بل هي أعظمها قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) فإنه أخبر عن أمر لا يكون، أن لو كان كيف يكون، وهو أنه لا يتخذ خليلاً، ولكن لو حصل اتخاذ خليل، لكان أحق الناس بذلك الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهذه منقبة عظيمة لا يماثله فيها أحد، ولا يدانيه فيها أحد، وهي دال على أفضليته، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يفضلون ويخيرون فيقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينكره، فدل على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر ثم من بعده عمر ثم من بعده عثمان، ومن بعد هؤلاء الثلاثة، علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
    وحديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء
    شرح حديث معاذ بن جبل: (فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب سمعت حيوة يحدث عن عقبة بن مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأحبك يا معاذ، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ].
    وكذلك أيضاً يدعى به بالسجود؛ لأنه كما ذكرت، المواطن التي يدعى فيها، ويكثر من الدعاء فيها، ويتخير الأدعية فيها: السجود، والتشهد الأخير قبل السلام، وبعد الإتيان بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: إني لأحبك) يخاطب معاذ رضي الله عنه، وهذه منقبه عظيمه لـمعاذ، كون النبي عليه الصلاة والسلام يخاطبه ويقول: (إني لأحبك، قال: وأنا أحبك يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: فلا تدع أن تقول في كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فهذا دعاء عظيم، يسأل الإنسان ربه أن يعينه على ذكره يعني: ذكر الله عز وجل الذي به تطمئن القلوب، (وشكرك) شكر الله على النعم، والشكر: يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، (وحسن عبادتك) يعني: كون الإنسان يأتي بالعبادة على وجه هو محسن فيه، وذلك لكونها خالصة لوجه الله ومطابقة لسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل: (فلا تدع أن تقول في كل صلاة: رب أعني على ذكرك...)
    قوله: [يونس بن عبد الأعلى].يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت حيوة].
    حيوة بن شريح التجيبي المصري، وهو فقيه، زاهد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن مسلم].
    هو عقبة بن مسلم التجيبي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
    وهو عبد الله بن يزيد، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الصنابحي].
    وهو عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي أبو عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو مخضرم، وكان قدم من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتشرف بصحبته، ولما وصل إلى الجحفة، وهي المكان القريب من رابغ، جاء ركب من المدينة فأخبروهم بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال بعض العلماء فيه: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة شيء، فقدم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، بخمسة أيام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أما معاذ بن جبل].
    فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمشهور بصحبته، وهو معروف بالعلم والفقه، من علماء الصحابة وفقهائهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء.أخبرنا أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم)].
    ذكر النسائي نوعاً آخر من الأدعية التي يدعى بها في آخر الصلاة، وهو ما أورده عن شداد بن أوس بن ثابت، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته يقول: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً) الحديث.
    هذا دعاء يرويه شداد بن أوس، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويذكر أنه سمعه وهو يدعو به في صلاته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ...)
    قوله: [أخبرنا أبو داود].وهو سليمان بن سيف الحراني وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا سليمان بن حرب].
    سليمان بن حرب البصري، وهو ثقة، إمام، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو ابن دينار البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سعيد الجريري].
    وهو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي العلاء].
    هو يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    واسمه عكس الذي تقدم أبو عبد الرحمن الحبلي، ذاك عبد الله بن يزيد، وهذا يزيد بن عبد الله.
    [عن شداد بن أوس بن ثابت].
    عمه حسان بن ثابت أخرج حديثه الجماعة.
    وهذا الإسناد، ذكر الشيخ الألباني، أن فيه انقطاعاً بين أبي العلاء، وبين شداد بن أوس، وذلك أنه جاء عند الإمام أحمد، ذكر شخص بينهما وهو الحنظلي يعني: بنسبته دون أن يذكر اسمه، وذكر الشيخ الألباني، أنه لم يقف على ترجمته فالإسناد فيه انقطاع بين أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبين شداد بن أوس.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #246
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (243)

    - تابع نوع آخر من الدعاء
    ورد في السنة المطهرة أدعية للمصلي في صلاته ومن ذلك: (اللهم بعلمك الغيب ...) وفي هذا الدعاء بيان أن على الداعي أن يقدم بين يدي دعائه الثناء على الله وتعظيمه والتوسل إليه فإنه أحرى أن يستجاب.
    نوع نوع آخر من الدعاء بعد الذكر
    شرح حديث السائب الثقفي في الدعاء بعد الذكر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بعد الذكر نوع آخر. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه قال: (صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنه صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه، فسأله عن الدعاء، ثم جاء فأخبر به القوم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين) ].
    فهذا حديث من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشتمل على نوع من أنواع الدعاء التي يدعو بها المصلي في صلاته، والصلاة الدعاء فيها يكون في السجود، ويكون في التشهد الأخير قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
    الدعاء بعد الذكر، مثل هذا الدعاء الذي سمعه عمار بن ياسر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشتمل على سؤال بعد تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وتوسل بصفتين من صفاته سبحانه وتعالى ومن المعلوم أن التوسل إلى الله عز وجل بصفاته وبأسمائه بين يدي الدعاء من أسباب قبول الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو بالأدعية التي فيها التوسل إلى الله عز وجل، بالثناء عليه بذكر شيء من صفاته، أو أسمائه، بين يدي الدعاء. وهذا الحديث مشتمل على ذلك؛ لأن فيه دعاء كثيراً، وفيه دعوات عظيمة. ويسبق هذه الدعوات الثناء على الله عز وجل بصفتين من صفاته والتوسل إليه بهما، وهي: العلم والقدرة، فـعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه صلى صلاة أوجز فيها فقال له بعض القوم، أو قال له بعض الجماعة الذين صلوا وراءه: إنك أوجزت أو خففت، فقال: أما ذلك فقد دعوت فيها بدعوات، سمعتهن من رسول الله عليه الصلاة والسلام يعني: إيجاز مع إتمام، وليس الإيجاز الذي يخل.
    ومن المعلوم: أن الإيجاز إذا كان مع إتمام، فإن ذلك مما جاءت به السنة، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي يؤثر، والذي يحذر هو: الإيجاز الذي يكون معه إخلال، والذي لا يتمكن معه المأموم من فعل ما هو مطلوب منه، وذلك للسرعة الشديدة، وأما إذا كان إيجازاً، ولكن مع الإيجاز إتمام، فصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام كانت كذلك، وجاء عنه ما يدل على ذلك، وعمار بن ياسر قال: إنني قد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما انصرف تبعه بعض القوم، والذي تبعه هو السائب الثقفي، والد عطاء بن السائب، ولكنه كنى عن نفسه بقوله: تبعه رجل، وهذا يبين لنا: أنه إذا جاء في بعض الأحاديث يقول فيها الراوي: قال رجل، أو يقول الصحابي: قال رجل، فيمكن أن يكون هو، إلا أنه لم يرد أن يسمي نفسه، وهو صادق فيما قال؛ لأن الذي سأله رجل، أو الذي فعل ذلك رجل، فهذا من التكنية عن النفس.
    فسأله، فأجابه وأخبره بتلك الدعوات، فرجع إلى القوم وأخبرهم بها، وهذه الدعوات هي: قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه الذي رواه عمار بن ياسر عنه، رضي الله تعالى عنه يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق) وهذا توسل؛ لأنه ما أتى بحاجته إلى الآن، لكنه مهد لسؤال حاجته بالثناء على الله عز وجل، والتوسل إليه بصفتين من صفاته وهي: علمه الغيب وقدرته على الخلق، والله عز وجل هو الذي يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، والله تعالى يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، لكن علم الغيب على الإطلاق هو من خصائص الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )[النمل:65] فالله تعالى هو علام الغيوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والله تعالى قد يطلع خلقه بعض ما شاء من غيبه، كما أطلع رسوله عليه الصلاة والسلام على كثير من المغيبات التي تقع في المستقبل، وأخبر بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه مما يجري في المستقبل من أشراط الساعة، وما إلى ذلك من الغيوب المستقبلة، فقد أطلع الله تعالى نبيه على ذلك وأخبر بها عليه الصلاة والسلام.
    فهو سبحانه وتعالى علام الغيوب، وهو الذي على كل شيء قدير، فتوسل إلى الله عز وجل بعلمه الغيب، وبقدرته على الخلق؛ لأنه هو الذي على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً كان (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )[يس:82].
    إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم توسل بين يدي دعائه بالثناء على الله عز وجل، وتعظيمه، وذكر صفتين من صفاته هي: العلم والقدرة، علم الغيب والقدرة، قال: (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أسألك ...)، إذاً ما قبل ذلك توسل (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)، هذا هو الطلب، هذا هو أول السؤال، هذا هو أول الرجاء، لكن ما قال مباشرة: اللهم أحيني.
    وقد جاء في أحاديث كثيرة أدعية لم يسبقها توسل، لكن الدعاء الذي يسبقه توسل إلى الله عز وجل، وثناء عليه، هذا من أسباب قبول الدعاء.
    سؤال الله الوفاة إن كانت خيراً للعبد
    (اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي)، فهذا هو أول السؤال الذي سأله وطلبه من الله عز وجل. هذه الكيفية هي التي فيها الفائدة للإنسان، إن كانت الحياة خيراً له يبقيه، وإن كانت الوفاة خيراً له يتوفاه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)؛ لأنه لا يدري، قد يكون هو يرى أنه في ضيق، وفي مشقة، وفي مصيبة في هذه الحياة الدنيا، فيطلب الانتقال، فينتقل إلى أمر أشد، وإلى أمر أخطر، يحصل له بعد الموت، ولكن إذا سأل هذا السؤال، هو على خير إن حصل إبقاؤه وإن حصلت وفاته.فيكون تمني الموت وسؤال الموت على حالة حسنة، ويكون سؤال البقاء على حالة حسنة؛ لأن حصول البقاء وطول العمر، على حالة سيئة مضرة على الإنسان، لكن إذا طال عمره، وحسن عمله فهو على خير، وكذلك إذا توفي على خير، وكان ما يجده بعد الموت خيراً، يكون الإنسان على خير في حياته وفي وفاته.
    وجاء في حديث آخر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو بدعاء يقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)، وهذه فائدة الحياة وفائدة الموت، إذا كان في الحياة زيادة في الخير، وزيادة في الثواب، وزيادة في العبادة التي تنفع الإنسان بعد موته. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر، هذا من جنس هذا الدعاء: (أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)، والكل من جوامع أدعيته عليه الصلاة والسلام.
    سؤال الله الخشية في الغيب والشهادة
    ثم قال: (وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة) يعني: كون الإنسان يخشى الله، ويتقيه في جميع أحواله، في حال وجوده بين الناس والناس يرونه، وفي حال غيبته وخلوته بنفسه، وعدم اطلاع الناس عليه، ما يكون علانيته تختلف عن باطنه، أو كونه ظاهراً للناس تختلف حاله إذا غاب على الناس، بل تكون جميع حالاته على حالة طيبة، يعني: يخشى الله عز وجل في سره وعلانيته، ما يكون يظهر للناس بمظهرٍ طيب، وإذا خلا ظهر بمظهر خلاف ذلك، بل غيبه وشهادته كلها خير، فهو في حال سره وعلانيته، وحال ظهوره للناس واختفائه عن الناس يكون على حالة طيبة، يسأل الله تعالى الخشية في سره وعلانيته، في الشهادة والغيبة.والخشية كما قلنا هي: الخوف والتقوى، وقد جاء في الحديث، أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) يعني: ذكر الله خالياً ليس عنده أحد يراه، والذي دفعه إلى ذلك خشية الله عز وجل، فبكت عينه من خشية الله، ولم يكن عنده أحد. معناه أن سره وعلانيته تكون سواء، ولهذا جاء في الحديث: (اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) أي: يتق الله عز وجل في حال وجوده بين الناس، وفي حال كونه في بيته، وفي حال كونه في خلوته ليس عنده أحد، لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، يكون الإنسان يتقي الله في جميع أحواله، في بيته وخارج بيته، في متجره، في معمله، في مكتبه، في جميع أحواله، يكون متقياً لله عز وجل، يلازم تقوى الله سبحانه وتعالى، اتق الله حيثما كنت، يعني: ما تكون إذا ظهر الناس ظهر بمظهر طيب، وإذا خلا صار بخلاف ذلك، فتكون صفاته صفات المنافقين، الذين يظهرون ما لا يبطنون، يظهرون بشيء هم على خلافه بالسر، وإنما يكون الإنسان في جميع أحواله حريصاً على خشية الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال.
    (وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة)، يعني: كونه غائباً على الناس، وكونه على مرأى من الناس، وعلى مشاهدة من الناس.
    سؤال الله قول الحق في الغضب والرضا
    (وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) أسألك كلمة الحق أن يكون يقول الحق، ويتكلم بالحق في حال سروره، وفي حال غضبه، ما يكون في حال سروره له حال، وإذا غضب تغير وانقلب، وأتى بالكلام الذي لا ينبغي، وسب وشتم، وتجاوز الحدود. فكلمة الحق يسأل العبد ربه أن يمكنه من قولها، وأن يجعله يتكلم بالحق في حال غضبه ورضاه، ولهذا الغضب يحصل منه الشدة ومنه الكلام السيء. ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كون الإنسان يمسك نفسه عند الغضب، وأنه يكبتها ويبتعد عن أن يتكلم بما لا ينبغي في حال الغضب، فقد (جاء رجل إلى رسول الله فقال: أوصني قال: لا تغضب فكرر مراراً قال: لا تغضب) لأن الغضب إذا حصل يجعل الإنسان يتكلم بكلام لا ينبغي، وبكلام لا يليق، فيتضرر بذلك، ويضر غيره بذلك، بسبب كونه تكلم في حال غضبه، وخرج عن طوره، وتكلم بما لا ينبغي، فيكون بذلك أساء إلى نفسه، وأساء إلى غيره، فعلى الإنسان أن يقول الحق ولو على نفسه في حال رضاه وفي حال غضبه، يقول العدل، ويتكلم بالعدل، ويكون ذلك في حال سروره وفي حال غضبه، ويسأل العبد ربه أن يمكنه من أن يأتي بكلمة الحق في حال غضبه وفي حال رضاه.
    سؤال الله القصد في الفقر والغنى
    (وأسألك القصد في الفقر والغنى) القصد هو: التوسط والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط؛ لأن الغنى قد يكون معه إسراف، وتجاوز للحد، والله عز وجل يقول: (كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى )[العلق:6-7]، ويقول: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ)[الشورى:27]، فيكون مع المال ومع الإحسان تجاوز للحد، ومع الفقر يكون فيه اقتراف واستياء واعتراض على قضاء الله وقدره، وكون الإنسان يتسخط ويتلوم ويتكلم بكلام لا ينبغي، وإنما يكون الإنسان غنياً شاكراً أو فقيراً صابراً، فيكون في حال غناه يكون شاكراً، ويصرف النعم فيما شرع له أن يصرفها فيه، ولا يستعملها فيما يعود عليه بالمضرة، وإنما يستعملها فيما يعود عليه بالخير، وفي حال فقره يصبر، لا يتسخط، ولا يعترض على قضاء الله ويقول: فلان عنده كذا وأنا ما عندي كذا، والنبي عليه الصلاة والسلام، أرشد الإنسان إلى أن ينظر إلى من دونه، ولا ينظر إلى من فوقه؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى من دونه، عرف أن له فضل على من دونه، وأن فضل الله عليه عظيم، لكن إذا غفل عمن دونه، وراح ينظر إلى من فوقه عند ذلك لا يعرف قدر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لينظر أحدكم إلى من دونه ولا ينظر إلى من فوقه فإن ذلك أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) فالإنسان يرى أنه وإن حصل عنده شيء من قلة المال فهناك من هو دونه، فينظر إلى من دونه، لكن لا ينظر إلى من هو أكثر منه؛ لأنه إذا نظر إلى من هو أكثر منه، حصل عنده الجشع، وحصل عنده عدم الرضا بما قدر الله وقضاه، ويجعله يتصرف تصرفات من أجل أن يحصل مثلما حصل غيره، ولو بطرق غير صحيحة، لكن إذا رضي بما أعطاه الله عز وجل، وصار عنده شيء من القناعة، ونظر إلى من دونه، ولم ينظر إلى من فوقه، فإنه يكون بذلك عرف قدر نعمة الله عز وجل عليه.(وأسألك القصد في الفقر والغنى) والقصد هو: التوسط والاعتدال، وهو التوسط في الأمور، ودين الإسلام وسط، وشريعة الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط، الله عز وجل يقول: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67] التوسط في الأمور ما فيه إسراف ولا تقتير، ما فيه تقتير يحصل من وراءه ضرر، ولا إسراف يسير فيه إضاعة المال، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا)[الفرقان:67]، هذا هو القصد، وهذا هو التوسط والاعتدال (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67] وسط بين الإفراط والتفريط.
    يقول الشاعر:
    ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
    أي: الطرفان المقابلان المكتنفان للوسط الذي هو الاعتدال مذمومان، الإفراط والتفريط مذمومان، الغلو والجفاء مذمومان، التوسط في الأمور والاعتدال في الأمور هذا هو المطلوب، لا يكون الإنسان غالياً ولا يكون جافياً، لا يغلو في أشخاص، ولا يجفو في أشخاص، وإنما يعتدل ويتوسط، ويقول الحق في الأشخاص، لا يتجاوز الحدود، ولا ينقص عما هو مطلوب منه وما مشروع له، هذا هو القصد وهذا هو الاعتدال في الأمور.
    سؤال الله النعيم الذي لا ينفد
    (وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفذ) يعني: نعيماً دائماً، وهذا هو نعيم الجنة الذي ليس له نفاذ، يسأل الله نعيماً لا ينفد؛ لأن الذي عند الناس ينفذ (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ )[النحل:96]، لكن النعيم الذي لا ينفد هو في الجنة، والإنسان يسأل الله نعيماً لا ينفد يعني: يسأل الله الجنة ونعيمها الذي لا ينفد، والتي هي أكلها دائم وظلها لا ينقطع، (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود:108] يعني: غير مقطوع، بل هو دائم مستمر. (وقرة عين لا تنقطع) يعني: سرور دائم، والسرور الدائم إنما يكون في الجنة، إنما يكون في دار السرور ودار النعيم هذا هو قرة العين التي لا تنقطع، وأما الدنيا فإنها وإن حصلت قرة عين -في بعض الأحيان- فإنه يحصل شيء يكدر هذا السرور، ولكن السرور الذي ليس معه تكدير هو نعيم الجنة، وقرة العين تكون في الجنة.
    (وأسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء) يعني: يرضى بقضاء الله وقدره إذا وقع له شيء يؤلمه أي: من الأقدار المؤلمة، فإنه يؤمن بقضاء الله وقدره ويقول: قدر الله وما شاء فعل، لو قدر غير ذلك لكان، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فقوله: (واستعن بالله)، معناه: خذ بالأسباب ولا تعول على الأسباب فقط، بل عول على مسبب الأسباب، ولكن أنت افعل الأسباب، وخذ بالأسباب التي تؤدي إلى ما تريد، واستعن بالله أن يحقق لك ما تريد. أما أنك لا تأخذ بالأسباب وتقول: هذه أمور طبيعية إذا جاء السبب جاء المسبب، فلا؛ لأن هناك شيء وراء السبب، وهو توفيق الله عز وجل وتقدير الله عز وجل؛ فإن الله تعالى إذا قدر ألا يوجد المسبب، فلا يوجده حتى مع وجوب السبب، كالإنسان إذا أراد أن يحصل الولد، الطريق إليه أن يتزوج، هذا هو الطريق المشروع الذي يحصل به الولد، ما فيه طريقة يحصل بها الولد إلا عن طريق الزواج، ما أحد يترك الأسباب يقول:أريد الولد وأنا ما تزوجت، لا، هذا سفه وجنون، ولكنه يأخذ بالسبب فيتزوج، لكن إذا تزوج، ليس بمجرد الزواج يأتي الولد، بل هناك شيء آخر وراءه، وهو توفيق الله عز وجل، وإعانة الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي يوجد الولد.
    (احرص على ما ينفعك واستعن بالله) ما تحرص على ما ينفعك فقط، وتغفل عن الله عز وجل، بل خذ بالأسباب، وعول على مسبب الأسباب، وتوكل على مسبب الأسباب، واسأل مسبب الأسباب أن ينفع بالأسباب، اسأل الذي جعل السبب أن يأتي بالمسبب، الذي قدر السبب أن يأتي بالمسبب.
    (ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا) إنسان مثلاً دخل في تجارة وحصل كساد وقال: لو أنا ما دخلت هذه التجارة وسلكت طريقاً ثانية يكون أحسن، هذا اعتراض على قضاء الله وقدره، الذي قدره الله كان، وما تدري ما يكون، لو فعلت ذاك الذي تقول: أنه أحسن. علم الغيب عند الله عز وجل.
    (فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
    (وأسألك الرضا بعد القضاء) الإنسان يرضى بقضاء الله وقدره، والصبر ثلاثة أنواع، صبر على طاعة الله، وصبر عن معاص الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
    الأمور التي تحصل للإنسان، يحصل له حادث سيارة، يحصل له نكبة، يحصل له انهدام بيت، يعني: مصيبة تصيبه في جسده، أو في ماله، أو في ولده، هذه مصائب تحصل للإنسان، فالإنسان يصبر على أقدار الله، ولا يتسخط على القضاء والقدر.
    ثم قال: (وأسألك برد العيش) يعني: كون الإنسان بعد ما يموت في حالة طيبة وفي نعيم، ومن المعلوم أن الإنسان في قبره، إذا كان من الموفقين يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها كما جاء في ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، (يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها) ويكون كذلك حتى يبعث من القبر، ثم ينتقل إلى نعيم الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، فإذا كان بخلاف ذلك، والعياذ بالله (يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ...) إلخ الحديث.
    (برد العيش بعد الموت) هو: ما يحصل من النعيم في القبر نعيم القبر الذي جاء بيانه في هذا الحديث، الذي أشرت إليه، وهو حديث البراء بن عازب الذي يقول فيه: (فيفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها) فيكون منعم وهو في قبره، ويجد النعيم والعيش الطيب وهو في قبره؛ لأنه مفتوح له باب إلى الجنة يصل إليه نعيم الجنة وهو في قبره.
    سؤال الله التلذذ بالنظر إلى وجهه سبحانه
    (وأسألك برد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم)، وهذا أعظم ما يحصل لأهل الجنة في الجنة، أن يروا الله عز وجل. وهذا الحديث يدل على رؤية الله في الدار الآخرة، وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، كما جاءت في ذلك الآيات والأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، آيات كثيرة وأحاديث متواترة، جاءت عن ثلاثين صحابياً، ذكرها ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) ذكر الثلاثين، وذكر أحاديث الثلاثين متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها عنه ثلاثون من أصحابه الكرام، والقرآن جاء بذلك قال تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )[القيامة:22-23]، ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )[المطففين:15] الكفار حجبوا، والمؤمنون بخلافهم غير محجوبين يرون الله عز وجل.وهذا الحديث من أحاديث إثبات الرؤية، (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) وأعظم نعيم يحصل لأهل الجنة: أن يروا الله عز وجل، هذه الرؤية التي تحصل منهم إلى الله، هي أجل نعيم وأكمل نعيم، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس:26] بأنه النظر إلى وجه الله عز وجل، كما جاء في صحيح مسلم، أنها تنظر إلى الله (الزيادة النظر إلى الله).
    (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) وفيه إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، (والشوق إلى لقائك) يعني: كون الإنسان يكون عنده شوق إلى لقاء الله، في هذه الحياة الدنيا، فإذا كان عنده شوق إلى لقاء الله فإنه يستعد لذلك اللقاء، يستعد له بماذا؟ بالأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله عز وجل. فمن هذه الأسئلة التي اشتمل عليها هذا الدعاء، الشوق إلى لقائه، والإنسان إذا اشتاق إلى لقاء الله عمل الأعمال التي تفيده إذا لقي الله عز وجل، يعملها في هذه الحياة الدنيا، فالدنيا هي دار العمل، والآخرة دار الجزاء، والإنسان يستعد للقاء الله بالعمل الصالح، فإذا اشتاق إلى لقاء الله عز وجل، وعمل الأعمال التي تنفعه إذا لقي الله عز وجل، فهذا هو الذي استفاد في آخرته، وفي دنياه، إذ عمرها فيما يعود عليه بالخير، وفي آخرته إذ حصل الثواب على هذا العمل الصالح.
    ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل وقال له: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال له عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) يعني: ما هو العمل الذي أعددته لنفسك، إذا قامت الساعة؟، هذا هو المهم كون الإنسان يستعد للقاء الله، وذلك بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل زلفى.
    (والشوق إلى لقائك) يعني: في هذه الحياة الدنيا يشتاق إلى لقاء الله، ويعمل الأعمال التي تقربه إلى الله (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مظلة).
    ثم قال: (اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين) الزينة الحقيقية: هي زينة الإيمان؛ لأن الإيمان إذا وفق الإنسان لتحقيقه، والقيام بما هو مطلوب منه، يجد ثواب ذلك عند الله عز وجل (اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين) مهتدين في أنفسنا هداة لغيرنا، يكون الإنسان هادياً مهدياً ينفع نفسه، وينفع غيره، يكون راشداً، مرشداً، هادياً، مهدياً، (واجعلنا هداة مهتدين) نهتدي بأنفسنا فنعمل الأعمال الصالحة التي تقربنا إلى الله عز وجل، ونسير وفق الصراط المستقيم، وندعو غيرنا ونهديهم الصراط المستقيم، ونظهرهم بالدين القويم، ونرشدهم إلى ما يعود عليهم بالخير، وإذا اهتدى الإنسان في نفسه، وعمل الأعمال الصالحة لكونه من المهتدين، ودعا غيره إلى الأخذ بأسباب السعادة، واستفاد ذلك الغير من هدايتك، فالله تعالى يثيبك مثلما أثابه، ويعطيك من الأجر مثلما أعطاه؛ لأنك الذي دللته على الخير، (ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله).
    هذا دعاء عظيم من جوامع كلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر عمار بن ياسر رضي الله عنه بأن هذه الصلاة التي قالوا أنه أوجز فيها دعا فيها بهذا الدعاء العظيم: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين)، ما أعظم هذا الدعاء! وما أجمله! وما أوسعه! لأنه ألفاظ قليلة ولكنها تشتمل على معان واسعة، ولهذا فإن أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام هي من جوامع الكلم.
    فإذا حرص الإنسان على معرفة أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، ودعا بها، يكون دعاؤه بالدعاء المأثور عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي نفس الوقت، يكون قد أتى بالدعاء الذي هو سليم من أي نقص ومن أي خلل، بخلاف الأدعية التي يحدثها الناس، فإن بعضها لا يسلم من خلل، لا يسلم من نقص، لا يسلم من خطأ، لا يسلم من الإتيان بشيء لا يسوغ، لكن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم، كلام الرسول فيه العصمة، أدعية الرسول هي فيها العصمة، وفيها السلامة، كلها خير وبركة، أما الأدعية التي يحدثها الناس، فمنها ما يكون طيباً ولا بأس به، ومنها ما يكون فيه مخالفة، أو فيه عدم اتفاق، مع ما جاءت به الشريعة، وهذا هو الذي يخشى على صاحبه من مغبته ومن مضرته.
    وأول ما جاء في هذا الدعاء، كما قلت التوسل إلى الله عز وجل، بعلمه الغيب وقدرته على الخلق، وهذه هي الطريقة المشروعة للإنسان إذا أراد أن يتوسل، فيتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي). الرجل الذي مر بنا أنه سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول في دعائه: (لك الحمد، أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! إني أسألك كذا)، هذا هو التوسل الذي ينفع صاحبه، يثني على الله عز وجل، ثم يأتي بعد ذلك بما يريد، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) توسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، أما إذا توسل بتوسلات غير مشروعة، مثل: بجاه فلان، أو بجاه النبي، أو بجاه فلان الفلاني هذا ليس بمشروع، لم يرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أصحابه الكرام. لكن ما فعله الرسول هو هذا، والذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو هذا.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #247
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (244)

    - باب التعوذ في الصلاة - نوع آخر من التعوذ في الصلاة
    مما يشرع قوله في الصلاة التعوذ من أربعة أمور، وهي: التعوذ من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات، حتى إن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب ذلك في التشهد الأخير.
    باب التعوذ في الصلاة
    شرح حديث: (كان رسول الله يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التعوذ في الصلاة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل قلت لـعائشة حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته، فقالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل).
    يقول النسائي رحمه الله: التعوذ في الصلاة؛ أي الإتيان بذكر فيه الاستعاذة بالله عز وجل، وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: أنه قال لها فروة بن نوفل: حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته، فقالت: نعم، كان يقول في صلاته: (أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) وهذا دعاء عظيم من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإن فيه التعوذ من شر ما عمل الإنسان؛ أي: ما حصل منه من أمور سيئة عملها، وهو لا ينبغي له أن يعملها، (ومن شر مال لم يعمل) يعني: من الأمور التي طلب منه أن يعملها، وهو لم يعملها؛ أي: ما فعل من السيئات، وما ترك من الحسنات، ما فعل من الأمور التي لا يجوز فعلها، وما لم يفعله من الأمور التي يطلب فعلها.
    إذاً: هذا دعاء عظيم شامل من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومن الأدعية الجامعة التي تشمل كل إخلال فيما يتعلق بارتكاب المحظورات، وفيما يتعلق بعدم القيام بفعل ما هو واجب، ومطلوب؛ لأن الإنسان مطلوب منه أن يعمل كل ما هو خير، وأن ينتهي ويبتعد عن كل ما هو شر، فإذا استعاذ الإنسان من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، فمعناه أنه استعاذ من فعله لأمور منكرة هي من قبيل السيئات، ولما حصل منه من الإخلال، والتقصير في أمور مطلوبة منه هي كفعله للحسنات.
    فهو دعاء عظيم من جوامع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام جوامع، ولهذا فإن المسلم عليه أن يحرص على معرفة الأدعية التي جاءت عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، سواء كان مما يدعى به في الصلاة، أو في غير الصلاة؛ لأن الأخذ بالأدعية النبوية فيه العصمة، وفيها السلامة؛ لأنها كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأما الأدعية التي يأتي بها الإنسان من نفسه، وليست مأثورة عن رسول عليه الصلاة والسلام، فإنها تحتمل أن تكون سليمة، ويحتمل أن تكون مشتملة على خطأ، ومخالفات، ووقوع في أمور محظورة، ولكن العصمة والسلامة بلا شك إنما هي بما أوثر عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام كما أن السلامة فيها محققة؛ لأنها كلام الذي لا ينطق عن الهوى، ولأنها كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم، فأيضاً هي جوامع، فبالإضافة إلى كون فيها السلامة أيضاً هي جوامع مشتملة على معاني واسعة مع أن ألفاضها قليلة، فهي قليلة المبنى واسعة المعنى، وهذا هو معنى كون كلمه عليه الصلاة والسلام جوامع، وكون الأدعية التي يدعو بها هي من الجوامع.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمت ومن شر ما لم أعمل)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو محدث، فقيه، إمام مشهور، إمام في الفقه، وإمام في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا جرير].
    هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديث أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة، وهو من أقران الأعمش.
    [عن هلال بن يساف].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن فروة بن نوفل].
    اختلف في صحبته، وقيل: إن الصحبة إنما هي لأبيه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [قلت عائشة].
    أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي هي ذات المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والتي هي من أوعية السنة، والتي حفظت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما الأحاديث المتعلقة في البيوت، والتي لا يطلع عليها إلا أهل البيت، التي لا يطلع عليها إلا أمهات المؤمنين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها حفظت الشيء الكثير، وروت الشيء الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بأمور البيت وفي غيرها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد قال السيوطي في هؤلاء السبعة في ألفيته:
    والمكثرون في رواية الأثر أبي هريرة يليه بن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    وزوجة النبي المراد بها: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضها الصديقة بنت الصديق أنزل الله عز وجل في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في كتاب الله عز وجل في أوائل سورة النور، فمن رماها بالإفك فإنه يعتبر مكذباً للقرآن، ويعتبر كافراً ليس من المسلمين؛ لأن من قال: إنها واقعة في الإفك الذي رميت به، وقد برأها الله عز وجل، وأنزل براءتها في كتابه الكريم، فإنه يكون مكذباً بهذه الآيات التي أنزلها الله على رسوله الكريم، وفيها براءة لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    وكان من نبلها، وفضلها رضي الله تعالى عنها أنها مع إنزال الآيات في براءتها، وفي ذلك إظهار لفضلها، كانت تتواضع لله عز وجل، وكانت تقول: وكنت أتمنى أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه رؤيا يبرأني الله بها. ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، فهي تريد أن يحصل وحي في براءتها عن طريق الرؤيا، وكانت تستهون نفسها وتقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى.
    فهؤلاء هم أولياء الله حقاً الذين جمعوا بين الكمال، والتواضع لله عز وجل، أحسنوا لله، وقاموا بما هو مطلوب منهم، ورفع الله شأنهم، وأعلى ذكرهم، ومع ذلك يحصل التواضع منهم لله عز وجل، وقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:(من تواضع لله رفعه الله) فهي تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى. وهذا من تواضعها، ومن فضلها، ونبلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    نوع آخر من التعوذ في الصلاة
    شرح حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة عن أشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: نعم، عذاب القبر حق قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة بعد إلا تعوذ من عذاب القبر)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي نوع آخر؛ أي: من التعوذ في الصلاة، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، و(أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: نعم، عذاب القبر حق، وقالت: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد إلا تعوذ بالله من عذاب القبر).
    فهذا الحديث يدلنا على التعوذ بالله من عذاب القبر، وإنه يتعوذ به في الصلاة، ومن المعلوم أن التعوذ في الصلاة، والذكر، والدعاء في الصلاة إنما يكون في موضعين: في السجود، وفي التشهد الأخير قبل السلام، فهذان هما الموضعان اللذان يكثر فيهما الدعاء، ويؤتى فيهما بالدعاء، ويتخير الإنسان فيه من الدعاء ما شاء، وقد جاء في الحديث بالنسبة للسجود: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) وجاء في الحديث الذي مر: (ثم ليتخير الدعاء أعجبه ما شاء) أي: أعجبه إليه يدعو به، إذاً: معناه أنه يدعو الإنسان في التشهد الأخير قبل السلام، ويدعو أيضاً في السجود، فيستعيذ بالله عز وجل في صلاته، سواءً كان ذلك في السجود، أو في التشهد قبل السلام؛ لأن السجود أرشد فيه النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإكثار من الدعاء، وكذلك أيضاً التشهد الأخير جاء ما يدل على الدعاء فيه، وأن الإنسان يتخير من الدعاء أعجبه إليه.
    وسؤال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاه عن عذاب القبر، يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عليهم وأرضاهم من الحرص على معرفة الأحكام، ومعرفة أمور الدين أصوله وفروعه، وكانوا يسألون عن الأصول والفروع، وهذا من السؤال عن أصول الدين؛ لأن هذا من الأمور العقدية، وهو من الإيمان بالغيب الذي لا يعرف العلم به إلا عن طريق الوحي، وهو من جملة الأخبار التي يخبر بها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن أمور مستقبلة.
    ومن المعلوم أن من مقتضيات أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يطاع في كل ما يؤمر به، وأن ينتهى عن كل ما ينهى عنه، وأن يصدق في كل ما يخبر به، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإن الإيمان بعذاب القبر، والتصديق بعذاب القبر، هذا من التصديق بأخباره عليه الصلاة السلام، ومن الإيمان بالغيب الذي امتدح الله أهله وأثنى عليهم في أول سورة البقرة حيث قال: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )[البقرة:1-3]، فهذا من الغيب الذي يجب الإيمان به.
    الأدلة على وقوع عذاب القبر
    وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بعذاب القبر، وإثباته، بل جاء القرآن الكريم في إثبات ذلك في قول الله عز وجل في آل فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فإن هذه الآية تدل على عذاب القبر، وأن آل فرعون يعذبون في قبورهم حتى تقوم الساعة، وإذا قامت الساعة ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وغيره من حديث البراء بن عازب الحديث الطويل في عذاب القبر، وفي آخره: (أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها) فهذا فيه بيان إثبات عذاب القبر، وهو ثابت في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.واستعاذة النبي عليه الصلاة والسلام منه، والإرشاد إلى التعوذ منه، وبيان أن عذاب القبر حق، يدل على إثباته، وإنه يجب التصديق به، ومن كان أهلاً لأن يعذب في قبره، فإنه يصل إليه عذاب القبر، وإن لم ندرك كيفية وصوله؛ لأن هذه من الأمور الغيبية يجب التصديق بها، ولا يكون الإيمان مبنياً على المشاهدة، والمعاينة، بل الإنسان يؤمن بالخبر إذا جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعرف الكنه والكيفية؛ لأن عذاب القبر ونعيم القبر ليس من جنس ما يعقل في الدنيا، ويشاهد في الحياة الدنيا، فقد يفتح القبر ولا يوجد فيها لا جنة ولا نار، لكن لا يمنع وجود الجنة والنار، لكن الإنسان لم يطلعه الله عز وجل على ذلك، لم يطلع الله عز وجل البشر على ذلك، وقد أطلع نبيه عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحديث في صحيح مسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) ،وقد أخفاه الله على الناس لحكمة؛ وهي أن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأنه لو كشف للناس ما يجري في القبور ما يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، لكن صار ذلك خفياً، ولهذا لما كانت الحيوانات غير مكلفة كانت تسمع كما جاء في الحديث، (إنه عندما يسمع من يعذب في قبره يصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس، والجن، ولو سمعها الإنسان لصعق)، فالله سبحانه وتعالى أطلع البهائم على ذلك، ولم يطلع الإنس والجن على ذلك؛ لأنهم مكلفون، فكان في عدم إطلاعهم التمييز بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، من يصدق بالأخبار، ومن يكذب بالأخبار، ولا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة.
    فعذاب القبر حق، ومن كان أهلاً لعذاب القبر فعذاب القبر يصل إليه، سواءً قبر أو لم يقبر، وسواءً أحرق وذر في الهواء، أو أكلته الحيتان، أو أكلته السباع، الله عز وجل قادر على أن يوصل إلى جسد الإنسان العذاب على الكيفية التي يعلمها سبحانه وتعالى، ولو فتح القبر فلا يرى الإنسان جنة ولا نار، لكن هذا لا يمنع، ولا يجعل الإنسان لا يؤمن، بل يؤمن؛ لأن أمور الآخرة ليست من جنس أمور الدنيا، ليست من جنس ما يشاهد الناس في الدنيا، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس الخسوف، هو راءاها ورأى عناقيد العنب، ومد يده ليتناول منها، والصحابة وراءه يرونه يرون اليد الممدودة ولا يرون الشيء الذي مدت إليه، أطلع نبيه ولم يطلع الصحابة، وكلهم في مكان واحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى الجنة التي عرضت عليه، ورأى النار التي عرضت عليه، والصحابة ما رأوا هذا الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل رأوا يده ممدودةً كأنه يتناول شيئاً، وسألوه بعد ذلك فقال: أنه رأى الجنة: وعرضت عليه، ورأى عناقيد العنب متدلية، فأراد أن يأخذ منها عنقوداً، قال: (ثم تركت، ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا) لو أخذ عنقوداً لأكل الناس منه إلى نهاية الدنيا، هذا نعيم الآخرة، لكن الله عز وجل شاء ألا يكون نعيم الآخرة في الدنيا، بل يكون في الآخرة، وهذا العنقود لو أخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لأكل الناس منه إلى نهاية الدنيا، هذا هو نعيم الآخرة.
    إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم رأى العناقيد، ورأى الجنة، ورأى النار، والصحابة وراءه ما رأوه، وهو عليه الصلاة والسلام أطلعه على ما يجري في القبور من حيث أنه يسمع العذاب، وهم لم يطلعهم عليه على ذلك، حيث قال: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فأحاديث عذاب القبر كثيرة متواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويجب الإيمان بها، ولا يتوقف الإيمان على المشاهدة والمعاينة، وأن الإنسان يقول: لو فتحنا القبر ما وجدنا نعيم، ولا وجدنا جنة ولا نار، والذي أكلته السباع كيف يصل إليه العذاب، والذي أكلته الحيتان كيف يصل إليه العذاب، الله عز وجل يقول: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ )[ق:4]، ويعيد الأجساد من تلك الذرات التي اختلطت بالتراب، والذي يعاد يوم القيامة هو الجسد الذي كان في الدنيا، ليس جسداً جديداً، الذي يعاد عند البعث هو الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء، فينعم ويعذب، ما يوجد جسم جديد ينعم، ويعذب وهو ما حصل منه إساءة، وإنما الذي يعذب هو نفس الجسد الذي حصلت منه الإساءة، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ )[يس:65]، الأيدي تشهد، والأرجل تشهد، إذاً الأيدي التي تشهد هي الأيدي التي في الدنيا، والأرجل هي الأرجل التي في الدنيا، الأرجل التي مشت إلى المعصية، والأيدي التي فعلت المعصية، فالبعث يكون للأجساد التي كانت في الدنيا، والعذاب يكون على الأجساد التي كانت في الدنيا، والنعيم يكون على الأجساد؛ لأنها هي التي أحسنت وهي التي أساءت، والإحسان يكون على الجسد الذي أحسن، والروح التي أحسنت، والعذاب يكون على الروح التي أساءت، والجسد الذي أساء؛ لأن العمل سواءً كان خيراً أو شراً بمجموع الروح والجسد، ليس من الروح وحدها، ولا من الجسد وحده، ولهذا تنعم الروح والجسد، ويعذب الروح والجسد، والعذاب يصل إلى من يستحقه، سواء قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو أكلته الحيتان أو أحرق وذر في الهواء، الله عز وجل يوصل إلى العذاب إلى من يستحق العذاب.
    ثم من الأمور التي يمكن أن نتبينها في الدنيا وهي مشاهدة معاينة حاصلة بالنسبة للإنسان في الأمور الدنيا، وهي توضح أن عذاب القبر يمكن أن ينعم المنعم، ويعذب المعذب، وقد يكونان في قبر واحد، هذا في نعيم وهذا في جحيم، وهذا ما يصل إليه نعيم هذا، وهذا ما يصل إليه جحيم هذا، العذاب ما يصل إلى المنعم، والنعيم ما يصل إلى المعذب، وهم في قبر واحد مدفونين مع بعض، والله تعالى على كل شيءٍ قدير، في الدنيا شيء يوضح هذا، وهو ما يجري في النوم، ينام شخصان في غرفة واحد، بل يكونان في لحاف واحد؛ الزوج، والزوجة، ينامان في لحاف واحد، ثم كل واحد منهم يقوم من نومه، واحد منهم منعم، وواحد معذب، واحد منهم رأى أنه يأكل من الفواكه، ويتمتع في النعيم، ثم يقوم ولعابه يسيل مسروراً بالشيء الذي حصل له في هذا النوم، والثاني في جواره يرى أن السباع تلاحقه، والحيات تنهشه، والعقارب تلسعه، ثم يقوم وهو في ذعر، وفي خوف، وريقه ناشف من شدة ما حصل له في النوم، من هذا الأمر الذي حصل للروح، ومن المعلوم أنه إذا كان هذا حصل في الدنيا، مع أن هذا بجوار هذا، وهذا ما درى عن نعيم هذا، فهذا في الآخرة من باب أولى، هذا يبين لنا أمور الآخرة، والإنسان يجب عليه أن يصدق بكل ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، وبذلك يكون محققاً شهادة أن محمداً رسول الله.
    أما إذا لم يصدق بأخبار الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يكن محققاً لمعنى أشهد أن محمداً رسول الله، لأن أشهد أن محمداً رسول الله تعني أن يصدق في كل ما يخبر به، وأن ينتهى عن كل ما ينهى عنه، وأن يفعل كل ما يأمر به، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته، لا يعبد بالبدع والمنكرات والمحدثات والخرافات، والأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما يكون الإنسان عمله مبنياً على أساس متين، ومتوفر فيه شرطان هما: إخلاص العمل لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون العمل خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، ومطابقاً لسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، لا يكون مبتدعاً محدثاً من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة) ثم أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالمسلم يحقق مقتضى أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصدق الأخبار، ويمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، وتكون عبادته طبقاً لما شرعه رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ثم قالت: (فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً بعد إلا تعوذ بالله من عذاب القبر).
    يعني: إما أنه شرع له التعوذ من ذلك الوقت، أو أنه كان موجوداً من قبل، ولكنها ما فطنت له ولا تنبهت إلا بعد ما سألت هذا السؤال، وأجاب بهذا الجواب، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا؛ يحتمل أن يكون التعوذ بالله من عذاب القبر موجوداً في صلواته من قبل، وما كانت فطنت لذلك، وإنما فطنت لما سألت، وأجابها بهذا الجواب، ويحتمل أنه إنما كان أوحي إليه أن يتعوذ في الصلاة في ذلك الوقت الذي حصل سؤالها إياه، وأجابها بأن عذاب القبر حق، وأنه كان يتعوذ في صلاته من عذاب القبر.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة.
    [عن محمد]،
    محمد هنا غير منسوب، يروي عنه محمد بن بشار، ويروي هو عن شعبة، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار، ويروي عن شعبة، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديث شعبة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث].
    هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن أبيه أبي الشعثاء، وهو: سليم بن أسود المحاربي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    قد مرّ ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثني أبي عن شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) ].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ بالله في الصلاة.
    فكان يدعو في الصلاة يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات).
    (اللهم إني أعوذ بك المأثم والمغرم) يعني: هذا حديث من الأحاديث المشتملة على تعوذ النبي عليه الصلاة والسلام، أي تعوذه بالله عز وجل من أمور متعددة: من عذاب القبر، وهو الذي مر بالحديث الذي قبل هذا عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومن فتنة المسيح الدجال، المسيح الدجال هو الرجل الذي يخرج في آخر الزمان، ويحصل على يديه أمور عجيبة، وأمور غريبة تجعل الناس يخدعون فيه، ويفتنون فيه، فيتبعونه، والذي يوفقه الله عز وجل يعصمه الله عز وجل من الدجال وفتنته، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى الاستعاذة بالله من فتنة المسيح الدجال، والمسيح الدجال هو الرجل الذي تواترت بذكره الأحاديث عن رسول عليه الصلاة والسلام، وأنه يخرج في آخر الزمان، وأنه يطوف البلاد، وأنه يدخلها إلا مكة والمدينة؛ فإن الملائكة تحرسها، وتمنعه من دخولها، ولكنه يقيم في أطرافها وفي خارجها، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، يخرجون إليه ويلحقون به، وإن كانوا ليسوا عنده، ولكن هذه الرجفات الثلاث تجعل هؤلاء الذين هم من أتباعه يلحقون به ويخرجون، والأحاديث متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي كثيرة جداً في الصحيحين، وفي غيرها من كتب السنة، وكذلك أيضاً يحصل على يديه أمور يأتي بجنة ونار، ويفتن الناس بما يحصل على يديه، وبما معه من تلك الخوارق التي يفتتن بها الناس، وهي فتنة يفتن الله عز وجل بها من شاء من عباده الموجودين في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويأتي ويصلي في المسجد الأقصى، ثم يخرج ويلحق به بباب لد من أرض فلسطين، فيقتله بيده ويري الناس دمه بحربته، وعند ذلك ينتهي هذا الرجل الذي هو صاحب هذه الفتنة، التي جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بالتعوذ بالله من فتنته؛ لأنه يأتي بأمور عجيبة تذهل الناس، ومن لم يوفقه الله عز وجل فإنه يخدع، ويغتر بما يحصل على يديه، وبما يرى معه من الأمور التي هي من خوارق العادات، فيحصل الابتلاء والامتحان لمن شاء الله عز وجل من عباده، ولهذا جاء في الأحاديث: (وأنه ليس هناك فتنة أعظم من فتنة المسيح الدجال) فالإيمان بهذا الخبر المتواتر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من وجود الدجال، وخروجه في آخر الزمان، وما يحصل على يديه، هذا من الإيمان بالغيب التي يجب التصديق بها، وأنه لابد وأن يوجد هذا الشخص، لابد، وأن يخرج على الناس في ذلك الوقت الذي شاء الله أن يخرج، ثم يحصل منه ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويفتتن به من يفتتن، ويعصم الله منه من يعصم من عباده الذين سلمهم من الافتتان به.
    قوله: (ومن فتنة المحيا والممات) هذا أيضاً دعاء عام، وهذا عموم بعد خصوص، أو تعميم بعد تخصيص؛ لأن فتنة المسيح الدجال هي من فتنة المحيا، لكن هذا الدعاء يشمل التعوذ من سائر الفتن، ويدخل فيها فتنة المسيح الدجال، فيكون ذكرها بعد ذكر المسيح الدجالمن ذكر العام بعد الخاص؛ لأن هذه من فتن الحياة ، وفتنة الممات أيضاً منها ما يجري في القبر من السؤال والعذاب وما إلى ذلك، كل هذا أيضاً من فتنة الممات، ففيه أدعية خاصة في الحياة وفي الموت، ودعاء عام يشمل ما يجري في الحياة من الفتن، وما يجري في الموت، وبعد الموت من الافتتان.
    قوله: (وأعوذ بك من المأثم والمغرم) المأثم هو: الوقوع في الإثم، أو الأعمال التي تؤدي إلى الإثم، وأما المغرم فقد فسر بأنه الذنوب والمعاصي، وما جاء في الحديث من تفسيره بأن المراد به الدين، والغرم الذي يتحمله الإنسان، ويبتلى به الإنسان من الديون التي يتحملها، فآخر الحديث يدل ويفسر المراد بهذا المغرم، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: (ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) يعني: يترتب على هذه الأمور الغير طيبة، حصول الكذب في الحديث، وحصوله خلاف الوعد، فهذا من أضراره، ومن الأمور التي تترتب على المغرم، وتحمل الديون، ولهذا هذا فيه تنفير من الوقوع في الدين، لكن المقصود بالدين الذي ليس هناك أمر يقتضيه، وليس هناك ضرورة تلجئ إليه، وأما إذا كان الإنسان يستدين، وعنده وفاء، أو عنده قدرة على الوفاء في المستقبل، فيعلم أن أمامه شيء سيأتيه في وقت لاحق، فيستدين لأنه ما عنده شيء في الوقت الحاضر، ولكنه سيأتيه بعد كذا من الأشهر مال في مقابل كذا، أو مما يعلمه مما سيصل إليه في المستقبل، فلا بأس بذلك، ولا مانع منه، لكن كون الإنسان يستدين، ويحمل نفسه أشياء بأمور ليس هناك داعٍ إليها، وليس هناك حاجة إليها، فإن هذا يحمل نفسه حقوق الناس، ويترتب على ذلك مثل هذه المفاسد التي أرشد إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، فهذه من الأدعية الجامعة التي هي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعوذ النبي من عذاب القبر من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أيضاً أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول عليه الصلاة والسلام بجد النبي صلى الله عليه وسلم كلاب ؛ لأن قصي بن كلاب أخو زهرة بن كلاب، فيلتقي نسبه مع نسب النبي عليه الصلاة والسلام بـكلاب بن مرة جد النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينسب ويقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب جده الأعلى في النسب، وينسب أيضاً إلى جده شهاب فيقال أيضاً: ابن شهاب، فهو مشهور بهاتين النسبتين، والمراد بجده ليس جده هو؛ لأنه يعتبر جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فهو جد جده؛ لأن جده عبيد الله، وعبيد الله جده شهاب، فهو ينسب إلى جد من أجداده فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو إمام، جليل، ثقة، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أسند إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه جمع السنة، وتدوينها، وقال فيه السيوطي في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    والمراد بالتدوين: التدوين بتكليف من السلطان، وإلا فإن التدوين بأعمال فردية، وجهود خاصة من غير تكليف من السلطان موجود في زمن الصحابة وموجود في زمن التابعين، وعبد الله بن عمرو كما جاء في الحديث، وجاء في الأثر عن أبي هريرة أنه كان يكتب ولا أكتب، يعني كانوا يكتبون السنة، لكن الذي حصل من عمر إلى الزهري هو الجمع بتكليف من ولي الأمر، وتكليف من السلطان، وحديث الزهري عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
    [أخبرني عروة بن الزبير].
    هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة، فقيه، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب ، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء سبعة اشتهروا بهذا اللقب، وهو لقب الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، فإذا جاء مسألة من المسائل يقولون: قال بها الفقهاء السبعة، ولا يسمونهم اكتفاءً بهذا اللقب الذي يشملهم، وهؤلاء هم المعنيون بهذا اللقب، وعروة بن الزبير الذي معنا في هذا الإسناد هو واحد من فقهاء المدينة السبعة.
    [عن عائشة]؛ هو يروي عن خالته عائشة، وعائشة مر ذكرها في الأسانيد الماضية. شرح حديث: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم وعذاب القبر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى عن الأوزاعي ح وأخبرنا علي بن خشرم عن عيسى بن يونس واللفظ له، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له).هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له) فهذا الحديث مشتمل على التعوذ من هذه الأمور الأربعة: من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب جنهم، فهذه الأربع أرشد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه يتعوذ بالله منها بعد التشهد؛ يعني: في آخر الصلاة في التشهد الأخير والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقبل السلام، والحديث فيه الأمر بالتعوذ بالله منها، وقد حمله بعض الفقهاء على الوجوب، وجمهورهم حملوه على الاستحباب، وكونه جاء فيه الأمر حتى ولو لم يقل بالوجوب، فإن إرشاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى التعوذ بالله من هذه الأربع، وكون البعض قال بالوجوب، هذا يجعل المسلم يهتم بها، ويحرص عليها، أي: الاستعاذة بالله عز وجل من هذه الأربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
    تراجم رجال إسناد حديث (إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر...)
    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي].ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [عن المعافى].
    هو ابن عمران الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، فقيه أهل الشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من وافقت كنيته أسم أبيه، فأبوه عمرو وكنيته أبو عمرو، وهذا من أنواع علوم الحديث التي مرت بنا في المصطلح، وفائدة معرفتها ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بلقبه بدل نسبته، وفيما لو ذكر بكنيته بدل نسبته، فإذا قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، أو قيل: عبد الرحمن بن عمرو، النتيجة واحدة، فهو عبد الرحمن أبو عمرو، فلا تصحيف بين كلمة (ابن) و(أبي)، بل هو أبو عمرو وابن عمرو.
    [ح وأخبرنا].
    حول الإسناد قال: (ح)، وهذه (ح) التحويل، هي للتحويل من إسناد إلى إسناد، أي: أنه يمشي في الإسناد ثم يأتي بكلمة (ح) ثم يرجع من جديد، ويأتي بإسناد آخر حتى يتلاقى الإسنادان الأول والثاني، ثم يستمر إلى النهاية، فيكون الإسناد جاء من طريقين يلتقيان عند شخص معين، ثم يتوحد الطريق بدل ما كان طريقين يتحد الطريق بعد ذلك حتى يصل إلى منتهاه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنا حول الإسناد إلى إسناد آخر.
    [أخبرنا علي بن خشرم]،
    شيخ آخر من مشايخه، وهو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، خرج حديث مسلم، والترمذي، والنسائي. وعلي بن خشرم هذا من المعمرين، وقد ذكر في ترجمته أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً.
    يعني معناه صام ثمانية وثمانين سنة، أي أنه من حين بدأ التمييز سواء كان قد احتلم أو لم يحتلم؛ لأن الصيام يوجد قبل الاحتلام، لكنه صام هذه السنين وهي ثمانية وثمانين سنة وهو يصوم، فهو من المعمرين.
    [عيسى بن يونس].
    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، مأمون، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [واللفظ له].
    أي: للشيخ الثاني، ذكر إسنادين، فهو ذكر الذي اللفظ بالنسبة للإسناد الأول، للإسناد الثاني وليس للإسناد الأول.
    ويلتقيان عند الأوزاعي.
    [عن حسان بن عطية].
    حسان بن عطية ثقة، فقيه، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن أبي عائشة].
    محمد بن أبي عائشة قيل: أن أباه عبد الرحمن، وهو حجازي ليس به بأس، وليس به بأس مثل الصدوق، يعني في اصطلاح الحافظ ابن حجر كما في التقريب في أوله، ليس به بأس هي بمنزلة الصدوق، وقد ذكرت أن بعض المحدثين وهو يحيى بن معين يطلق (لا بأس به) بمعنى ثقة؛ لأن لا بأس به عند ابن معين توثيق تعادل كلمة ثقة عند غيره وهذا اصطلاح، وكما يقولون: إذا فهم الاصطلاح فلا مشاحة في الاصطلاح.
    أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وما أخرج له البخاري في الصحيح، ولا الترمذي.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه]،
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    الأسئلة

    حكم قول التعوذ من الأربع في التشهد الأول
    السؤال: لماذا لا تقولون بالدعاء في التشهد الأول، وجاءت السنة بذلك؟الجواب: ما أعرف أن السنة جاءت بأنها تأتي بعد التشهد الأول؛ لأن التشهد الأول يخفف ولا يطول، وأما التشهد الأخير فهو الذي يؤتى فيه بالصلاة، ويؤتى فيه بالتعوذات، ويأتي الإنسان بما يتخير من الدعاء أعجبه إليه، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    بيان كيفية إحرام الحائض
    السؤال: كيفية إحرام المرأة الحائض؟ الجواب: المرأة الحائض تحرم وعليها الحيض، يعني: أنها تغتسل وتتنظف عند الإحرم ولو كان الحيض عليها، وتدخل في الإحرام وتلبي، وإذا دخلت مكة لا تدخل البيت حتى تطهر من الحيض، وتغتسل، وإن استمر معها فإنها تعمل جميع أعمال الحج، إلا إنها لا تدخل البيت، وتطوف به حتى تطهر من حيضها وتغتسل.
    مدى لزوم كون الأرض مقدسة أنها تقدس الناس التي فيها
    السؤال جاء في الحديث: (المدينة كالكير تنفي خبثها)، إلى آخر الحديث، هل معناه أن ليس في المدينة أحد منافق أو خبيث؟ يقول: هل معنى هذا الحديث ألا يكون هناك منافق أو خبيث في المدينة؟ الجواب: نعم، ليس فيه ما يدل على أن المدينة ما يبقى فيها إلا ناس طيبون، سالمون من النفاق، وسالمون من المعاصي، أبداً، بل المدينة كما هو معلوم يكون فيها الطيب، وفيها الرديء، وكما قال سلمان رضي الله تعالى عنه أو أبو الدرداء، يقول أحدهما للآخر يقول: إن البلاد لا تقدس أحداً، وإنما يسلم الإنسان من السوء بالعمل الصالح، فقد أشرت إلى الحديث الذي جاء فيه إنه إذا خروج الدجال، وطاف بالبلاد كلها، وجاء ونزل في أطراف المدينة، ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة في ذاك الوقت، فهم باقون، ولكن إذا جاء الدجال، وحصلت الرجفات خرجوا ولحقوا به فوجود المنافقين مما لا شك فيه، فهناك من لا خير فيهم يخرجون من المدينة، والمدينة تنفيهم، ولكن لا يعني ذلك أن كل من خرج منها يكون كذلك، فإن المدينة خرج منها أصحاب رسول الله عليه الصلاة السلام، وتوزعوا في الآفاق ليقوموا بالجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى دين الله عز وجل، وهم خيار خلق الله، فليس معنى ذلك أن من بقي فيها يكون خيراً، ومن خرج منها يكون بخلاف ذلك، فإنه يبقى فيها الطيب والرديء، ويخرج منها الطيب والرديء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #248
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (245)

    - باب نوع آخر من الذكر بعد التشهد - باب تطفيف الصلاة
    جاءت أحاديث كثيرة تبين ما يقوله الإنسان بعد تشهده في الصلاة ومنها: أن يقول: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. ومما ينبغي مراعاته في الصلاة عدم نقصانها، بل يتمها ويأتي بها على أكمل وجه.
    باب نوع آخر من الذكر بعد التشهد
    شرح حديث: (إن رسول الله كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر بعد التشهد.أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم).
    يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من الذكر بعد التشهد، وسبق أن مر أنواع من الذكر بعد التشهد، وهذا منها؛ أي: أنه يقال ذلك في آخر الصلاة، وهذا الذكر المقصود به الثناء على الله عز وجل، وعلى شرعه، وعلى ما جاء به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما؛ [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم] هذا هو الذكر الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، والمراد به: الثناء على الله عز وجل، وعلى كلامه الذي هو صفة من صفاته، فهو أحسن الكلام، ليس هناك كلام أحسن من كلام الله عز وجل، وخير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
    والحديث المقصود من إيراده كونه ثناء على كلام الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، وكذلك على الهدي وهو الطريقة والمنهج الذي جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهديه خير الهدي، وكلام الله عز وجل خير الكلام، وفي الحديث إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وجميع صفات الله عز وجل التي جاءت في الكتاب والسنة يجب إثباتها لله عز وجل على الوجه اللائق لكماله وجلاله، دون تشبيه أو تكييف أو تمثيل، ودون تعطيل أو تأويل، بل على حد قول الله عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11]، وكلام الله عز وجل هو القرآن وغيره مما تكلم به؛ مثل: التوراة، والإنجيل، ومثل كلامه لأهل الجنة إذا دخلوا الجنة، ومثل كلامه مناجاته لموسى، وتكليمه محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، فكل هذا من كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل لا يتناهى؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية للمتكلم به، فلا بداية للكلام ولا نهاية للكلام، فكلام الله عز وجل لا ينتهي، ولا ينحصر؛ لأن المتكلم به قديم بلا ابتداء، ودائم بلا انتهاء، هو الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية؛ ولهذا يقول الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )[لقمان:27]، ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )[الكهف:109]، فكلام الله عز وجل لا ينحصر، ولا ينتهي؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية للمتكلم به، والذي له بداية وله نهاية كلامه محصور، مثل البشر والخلق؛ لأن لهم بداية، ولهم نهاية، وكلامهم منتهي ومحصور؛ لأنه معروف بدايتهم ونهايتهم، فكلامهم يكون محصوراً، لكن الذي لا بداية له ولا نهاية له فلا نهاية لكلامه، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ )[لقمان:27]، يعني: لو كانت الأشجار التي في الأرض كلها يتخذ منها أقلام، والبحور الزاخرة، المحيطات هذه الواسعة الكثيرة الضخمة في السعة، وكثرة الماء، فهي على ما هي عليه، لو صارت مداداً يكتب به، وضوعفت أضعافاً مضاعفة لانتهت الأقلام، وانتهت البحور التي لو كانت مداداً، ولم ينفد كلام الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ )[لقمان:27]، نفس البحر يكون مداداً، ويضاعف سبع مرات أو أكثر، فإنه ولا بد أن ينتهي المداد، ولا ينتهي كلام الله.
    والقرآن هو من كلام الله، القران يكتب بمحبرة صغيرة تكتب القرآن؛ لأنه هو شيء من كلام الله، وبعض من كلام الله، والتوراة من كلام ا لله، والإنجيل من كلام الله، وكلام الله عز وجل لا حصر له، ولا نهاية، والآية الثانية في سورة الكهف: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )[الكهف:109]، أي: بمثل البحر مدداً، لو جعلنا أضعافاً مضاعفة تكون مداداً لانتهى ذلك المداد، ولا ينتهي كلام الله؛ لأن البحر محصور، وإن كان واسعاً، ولكن كلام الله عز وجل لا ينحصر؛ لأنه لا بداية للمتكلم به، ولا نهاية له سبحانه وتعالى، إذاً لا حصر لكلامه، وكلام الله لا يتناهى.
    (أحسن الكلام كلام الله) ففيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وفيه إثبات أن كلامه خير الكلام، وليس أحد أحسن من الله حديثاً، وكلامه أحسن الكلام، وهدي نبيه عليه الصلاة والسلام خير الهدي، أي: الطريقة التي عليها الرسول عليه الصلاة والسلام هي الطريقة الأحسن، هي الطريقة التي فيها السلامة والنجاة، هي الطريقة التي من سار عليها فإنه سار على درب السلامة، وعلى طريق العصمة من الزيغ، ومن حاد عن الجادة التي كان عليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فإنه هو الذي تتخطفه الشياطين، وتتفرق به السبل؛ لأن الطريق إلى الله عز وجل واحد؛ وهو ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهناك سبل أخرى منحرفة عن هذا السبيل، هي التي يدعوا إليها الشياطين، والله عز وجل يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )[الأنعام:153]، وقال عليه الصلاة السلام: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي) وقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة) فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) كأنه قيل: يا رسول الله! فماذا تأمرنا به عند هذا الاختلاف؟ أجاب دون أن يسأل؛ لأن المقام يقتضي الإتيان بهذا الكلام وهذا الجواب، فقال: (فعليكم بسنتي) يعني طريق السلام، وطريق العصمة، وطريق النجاة عند وجود هذا الاختلاف الكثير، أن تلتزموا بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتسيروا على سنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    إذاً: هاتان الجملتان عظيمتان: (أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) فكان عليه الصلاة والسلام يقول بعد التشهد ويثني على الله عز وجل بهذا الثناء، وعلى كلامه بهذا الثناء، ويثني على شريعة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وطريقته ومنهجه، وأنها خير الهدي؛ وأحسن الهدي، هدي محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يقول في صلاته بعد التشهد: أحسن الكلام كلام الله ..)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس المحدث، الناقد، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، مشهور بلقب الفلاس، وهو متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال قال الفلاس كذا، ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، والمراد به عمرو بن علي هذا، ويأتي أيضاً باسمه ونسبه كما جاء هنا.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو محدث، ناقد، متكلم في الرجال، جرحاً وتعديلاً، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر بن محمد].
    هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الملقب الصادق، جعفر الصادق، أحد أئمة أهل السنة الذين يتولون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    عقيدة أهل السنة في آل البيت وسائر الصحابة
    وعقيدة أهل السنة أنهم يتولون صحابته الكرام، ويحبون الجميع، ويعرفون للجميع قدرهم، ويسيرون في كل على الاعتدال، والتوسط؛ بدون إفراط ولا تفريط، وبدون غلو، وجفاء، فلا يغلون ولا يجفون، ليس عندهم الجفاء وليس عندهم الغلو في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي أهل بيته، فهم معتدلون ومتوسطون، ليسوا بغلاة يزيدون ويتجاوزون الحدود، وليسوا بجفاة ينقصون عن الحدود، وإنما يتكلمون في الجميع بالكلام اللائق بهم، ومن كان تقياً من أولياء الله عز وجل فإنهم يحبونه، سواءً كان من أهل البيت أو من غيرهم، ويحبون الصحابة جميعاً، ويتولونهم جميعاً، ويحبون أولياء الله من أهل البيت الذين هم على الاستقامة، وعلى الجادة، أما من كان منحرفاً من أهل البيت فإن نسبه لا يرفعه عند الله، وقد قال نبي الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: من أخره عمله عن دخول الجنة، ليس نسبه هو الذي يدخله الجنة، وإنما يدخل الإنسان العمل الصالح، (ومن بطأ به عمله) هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
    فقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الشرك النسيب أبا لهب
    فـأبو لهب هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مشرك، ولم يؤمن بالنبي، ولم يدخل في هذا الدين، فهو من أهل النار، ومن الكفار الذين هم خالدون ومخلدون في النار، فنسبه وكونه عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكونه من أهل بيت الرسول الذين هم من قرابته، ما نفعه ذلك؛ لأنه لم يكن مسلماً، فقد رفع الإسلام سلمان الفارسي من الفرس، أخرجه الله من الظلمات إلى النور، وهداه إلى الإسلام، ودخل في دين الله، فرفعه الإسلام، وأما أبو لهب فهو ذو نسب شريف، هو عم رسول الله عليه الصلاة والسلام أخو عبد الله والده، ولكن لكونه مشركاً لم يكن مؤمناً بالله، وضعه الشرك، وجعله في الدرك الأسفل في النار، فالإسلام يرفع درجات، والشرك يحط ويضع صاحبه، ويكون من أهل النار المخلدين فيها أبد الآباد، (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )[النساء:48].
    فـجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عن علي، والحسن، والحسين، ورحمة الله على محمد، وجعفر، وعلى كل من التابعين رحمة الله عليهم أجمعين، وهو من أئمة أهل السنة، وهو من علماء أهل السنة الذين يعرفون قدر الجميع، ويأخذون ما جاء عنهم، وعن طريقهم، بخلاف الرافضة الذين يغلون فيهم، ويتجاوزن الحدود فيهم، ويصفونهم بصفات لا يوصف بها رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا تجاوز للحدود وغلو، والواجب هو الاعتدال، والتوسط في الأمور؛ لا إفراط، ولا تفريط، محبة وموالاة من غير بغض، ومن غير غلو، ليس في القلوب حقد عليهم، ولا يزيدون من تعظيمهم حتى يرفعوهم عن منازلهم التي يستحقونها إلى منازل لا يستحقونها، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، يقول الشاعر:
    ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
    وأهل السنة والجماعة يعتبرون جعفر الصادق إمام من أئمتهم، يأخذون برواياته، ويستدلون بما جاء عن طريقه، ويحتجون بما جاء عن طريقه مما ثبت إليه، وثبت بعده، واتصل إسناده، ويعولون على ذلك، أما الرافضة فهم يعتبرون الحق ما جاء من عند الأئمة فقط، وكل شيء لم يأت من عندهم فهو باطل، كل شيء ما خرج من عند الأئمة -ومنهم جعفر الصادق- فهو باطل، أما أهل السنة فيقبلون ما جاء عن جعفر، وعن محمد، وعن أهل البيت، وغير أهل البيت، أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يتقبلون كل ما جاء عن طريقهم، وما جاء عن التابعين، وأتباع التابعين ومن بعدهم، سواءً كانوا من أهل البيت أو من غير أهل البيت، وهم من الثقات، العدول، الحافظين، الذين يعول على روايتهم وعلى أخبارهم، فإنهم يقبلونه ولا يردونه.
    وهذا الحديث يرويه عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو صدوق، فقيه، إمام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    يروي عن أبيه محمد بن علي الملقب الباقر، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأهل السنة يحبون من أهل البيت من كان مؤمناً تقياً؛ لقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحبونه لتقواه ولاستقامته على أمر الله، أما من كان منهم غير تقي، فإنه لا يحب، بل يبغض في الله، من كان من أهل البيت غير تقي، وغير مستقيم على أمر الله، وواقع في حرمات الله، فإنه يبغض لما حصل منه، وإن كان من أهل بيت رسول الله؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله؛ أن تحب في الله، وتبغض في الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
    وهذه الطريقة التي هي طريقة موالاة أهل البيت الذين هم أهل الإيمان والتقى، الذين هم القدوة، والأسوة فيها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، فأبو بكر رضي الله عنه يقول كما جاء في صحيح البخاري: والله لقرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أحب إليّ أن أصل من قرابتي. يعني يحب أن يصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب من أن يصل قرابته؛ ولذلك لقربهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا في من كان مؤمناً تقياً، ويقول: ارقبوا محمداً في أهل بيته. ويقول عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه للعباس: والله لإسلامك حين أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب . يعني أباه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يحب إسلامه؛ يعني: يحب إسلام عمه الذي هو العباس، فوفقه الله عز وجل فأسلم، ودخل في الدين الحنيف، وأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام الذين أدركهم الإسلام أربعة : حمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب، فاثنان هديا واثنان خذلا؛ اثنان هداهما الله عز وجل للإسلام وصاروا مسلمين من صحابة رسول الله، ومن قرابته أعمامه، وهم: العباس، وحمزة رضي الله تعالى عنهما، واثنان خذلا فلم يدخلا في الدين، وهما: أبو لهب، وأبو طالب، فأبو لهب أنزل الله تعالى فيه سورة تتلى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ )[المسد:1-5]، وأما أبو طالب فكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على هدايته، وقد جاء إليه وهو في النزع وقال: (يا عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله) ولكن عنده بعض جلساء السوء فقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكانت أن خرجت روحه وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب، فمات كافراً.
    فقرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أهل السنة يتولونهم، ويحبونهم، ويجلونهم، ويحترمونهم، لكنهم لا يتجاوزون الحدود ولا يغلون، ولا يكون محبتهم لبعض أهل البيت ويبغضون بعض أهل البيت، لا, يحبون أهل البيت كلهم، من كان منهم مؤمناً تقياً فهم يحبونه لإيمانه ولقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    انحراف الرافضة في أهل البيت
    فهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل البيت، وهم من أئمة أهل السنة، وهم ممن غلا فيهم الرافضة؛ لأنهم من الأئمة الاثني عشر الذين يغلون بهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بأحد من البشر، حتى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيصفونهم بصفات ما تضاف للرسول عليه الصلاة والسلام.فمما يصفونهم به أنهم يقولون: ليس شيء من الحق إلا خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، يعني هذا الذي جاء عن طريق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبي هريرة، وطلحة، والزبير، هذا لا قيمة له؛ لأنه ما خرج من عند الأئمة، فالقرآن ما خرج من عند الأئمة؛ لأن الذي جمعه أبو بكر، وعثمان، فهذا المصحف الذي بأيدينا جمعه أبو بكر وعثمان، ما جمعه أحد من الأئمة الاثني عشر، وهم يقولون كما في كتاب الكافي الذي هو من أرفع كتب الشيعة يقول في باب من الأبواب: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، ويقول أيضاً: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ويقول: باب أن الأئمة يعلمون الكتب المنزلة على المرسلين، وأنها عندهم ويعرفونها بلغاتها، فهذا باب من الأبواب الموجودة في كتاب الكافي، وهو مثل كتاب صحيح البخاري عندنا تماماً، كما أن كتاب صحيح البخاري أصح كتاب فعندهم كتاب الكافي هو أرفع كتاب.
    إذاً: أهل السنة والجماعة يتولون الجميع، يحبون أصحاب رسول الله، ويحبون أهل بيت رسول الله، من كان منهم مؤمناً تقياً سواء كان صحابياً، أو كان من التابعين، فإن كان من المتقين أحبوه، وإن كان من المنحرفين أبغضوه؛ لما حصل منه من الانحراف عن الجادة؛ لأن الحب في الله، والبغض في الله هو أوثق عرى الإيمان: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
    إذاً: هذان إمامان جليلان من أئمة أهل السنة يحتج أهل السنة بأحاديثهما، ويقدرونهما قدرهما، وكذلك غيرهم ممن هم من أهل الاستقامة، يعظمونهم، ويحبونهم، ويجلونهم، ويحتجون بما جاء عن طريقهم، لكن لا غلو ولا جفاء، لا يذمونهم، ولا يقدحون فيهم، ولا يعيبونهم، ولا يغلون فيهم، فهم وسط بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء.
    [عن جابر رضي الله تعالى عنه].
    هو الذي روى عنه حديث الحج الطويل، التي فيها حجة النبي صلى الله عليه وسلم فرواها من طريق محمد هذا الذي هو محمد بن علي بن الحسين، وكان قد جاء إلى جابر رضي الله عنه جماعة، فسألهم عن أسمائهم واحد واحد، ولما وصل إلى محمد بن علي قربه إليه، ووضع يده على صدره، وكانوا قد سألوه عن الحج، فحكى لهم الحديث الطويل الذي هو في حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي رواها جابر بن عبد الله هي من رواية أهل البيت، هذه الحجة التي ما روى أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تفصيله، وسياقها بطولها مثل ما حكاها جابر بن عبد الله، يرويها عن جابر محمد بن علي بن الحسين ؛ أما جابر بن عبد الله الأنصاري فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، واسمه عبد الله بن حرام، وأما جابر فهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، والسبعة هم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فالسبعة المكثرون هم: أبو هريرة رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، وأنس بن مالك رضي الله عنه، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    تطفيف الصلاة

    شرح حديث حذيفة في التحذير من خطر تطفيف الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثني يحيى بن آدم حدثنا مالك وهو ابن مغول عن طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب عن حذيفة رضي الله عنهما: (أنه رأى رجلاً يصلي فطفطف فقال له حذيفة: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عاماً. قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن)].أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب تطفيف الصلاة؛ أي: نقصانها، وعدم الاطمئنان بها، هذا هو التطفيف، فالتطفيف المراد به هنا: النقصان، وقالوا: إن التطفيف يطلق على الزيادة، والنقصان، وقد جاء في القرآن الكريم: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )[المطففين:1-3]، فهم إذا كان الحق لهم أخذوه كاملاً، وإذا كان الحق عليهم أعطوه ناقصاً، فيكون شأنهم أنهم يستوفون حقوقهم ولا يعطون الحقوق كاملاً؛ يعني: شأنهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: ينهاكم عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات) يعني: يمنع ولكن يسأل، يعني: يطالب بالذي له، ولكن لا يعطي الذي عليه، فإذا كان الحق له أو يريد شيئاً لنفسه يمد يده: هات أعطيني، وإذا كان الحق عليه يمنع الحق الذي عليه، وقوله: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )[المطففين:1-6]، يعني: فيجازيهم على ما حصل منهم، هذا هو التطفيف في الصلاة، والمراد به هنا النقصان.
    ثم أورد حديث حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً طفف صلاته -يعني عجلها، وأسرع فيها ونقرها- فقال له: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن) يعني من التخفيف يمكن، لكن مع الإحسان والتمام، وكانت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام تخفيفاً مع التمام، يعني معناه: أنه لا يطول الطول الذي يشق على الناس، ولكنه يأتي بها تامة، فهو ما أنكر كونه يخفف، لكن أنكر كونه ما يتم الصلاة مع التخفيف، وهو الذي ينقرها نقراً ولا يطمأن فيها، ولا يتم ركوعها ولا سجودها، هذا هو الذي أنكره حذيفة.
    قال: [ولو مت لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم]، والفطرة قيل: هي الملة، وقيل: هي السنة والطريقة، وقيل أن المقصود من هذا الحديث من كلام حذيفة رضي الله عنه: زجره وبيان أن صلاته غير صحيحة؛ لأنه ما أتى بها بأركانها التي لا بد منها؛ لأن الصلاة لابد فيها من وجود الأركان، فإذا عدمت الأركان، أو عدم شيء من الأركان، فإن الصلاة وجودها كعدمها لا تجزي صاحبها، وهذا كان على مدة طويلة، ثم أنه أرشد إلى أن الإيجاز يمكن لكن مع الإتمام والإحسان، ما هو إيجاز مع تفريط وتضييع للصلاة؛ إيجازاً مخل، يعني: يحصل فيه الإخلال بالأمور اللازمة التي لابد منها، الإيجاز يكون مع التمام والكمال، وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيجاز مع تمام وكمال عليه الصلاة والسلام.
    ثم الحديث فيه إشكال؛ وهو أن الرجل قال: أنه منذ أربعين سنة، وحذيفة توفي سنة ست وثلاثين من الهجرة، والصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهو يقول: أربعين سنة! ففيه إشكال، ومعناه: أنه قبل فرض الصلاة، يعني: أربعين سنة هي قبل أن تفرض الصلاة؛ لأن الصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات، يعني معناه: تسعة وثلاثين سنة عند وفاة حذيفة؛ يعني منذ فرضت الصلاة حتى توفي حذيفة تسعة وثلاثين سنة، وهو يقول: منذ أربعين سنة! فقيل: إما أنه مبالغة؛ لأنه بالغ في الكلام، وأنه ليس أربعين سنة بالتحديد. وهذا فيه دليل على أن الإنسان الذي يصلي مثل هذا الصلاة لا تقبل صلاته، وأن على كل مسلم أن يتعلم أمور الصلاة، وأن يأتي بها تامةً، وإن أوجزها يأتي بها تامة، وإن خففها يأتي بها تامة، فلا يخفف التخفيف الذي يخل، ولكن إذا خفف يتم الأركان، ويأتي بما هو مطلوب منه مما لا بد منه.
    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة في التحذير من خطر تطفيف الصلاة
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان هو: الرهاوي، وهو حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثني يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مالك وهو ابن مغول].
    الكوفي، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وكلمة (هو ابن مغول) أتى بها من قبل يحيى بن آدم، هو الذي زادها؛ لأن يحيى بن آدم ما قال: هو ابن مغول، وإنما قال: فلان بن فلان، وينسبه كما يريد، لكن يحيى بن آدم ما زاد في ذكر شيخه على كلمة: مالك، لكن من دونه أتوا بما يوضح من هو مالك، وأتوا بعبارة تبين أن هذا كلام ليس من التلميذ، وإنما هو من دون التلميذ؛ إما أحمد بن سليمان الرهاوي، أو من دونه، وقال: هو ابن مغول.
    [عن طلحة بن مصرف].
    ثقة، قارئ، عابد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن وهب].
    ثقة، جليل، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة].
    هو حذيفة بن اليمان، صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #249
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (246)

    - (باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة) إلى (باب موضع اليدين عند السلام)
    هناك أعمال تبطل الصلاة وأعمال تصح بها الصلاة، فأقل ما تصح به الصلاة الطمأنينة في الأركان مع الإتيان بما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال كما جاء ذلك في حديث المسيء صلاته.
    أقل ما يجزئ من عمل الصلاة
    شرح حديث رفاعة في المسيء صلاته
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن علي وهو ابن يحيى عن أبيه عن عم له بدري أنه حدثه: (أن رجلاً دخل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ونحن لا نشعر، فلما فرغ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلَّ فإنك لم تصل، فرجع فصلى، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، مرتين أو ثلاثة، فقال له الرجل: والذي أكرمك يا رسول الله! لقد جهدت فعلمني. فقال: إذا قمت تريد الصلاة فتوضأ فأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ، ثم اركع فاطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع، ثم افعل كذلك حتى تفرغ من صلاتك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة لهذا الباب وهي أقل ما يجزئ في الصلاة، المقصود من ذلك الشيء الذي لابد منه في الصلاة، والذي إذا أخل به يكون أخل بالصلاة، مثل الذي مر في الحديث الذي قبل هذا، الذي صلى صلاةً لا يتم ركوعها ولا سجودها، فقال له: (منذ كم تصلي؟ فقال: منذ أربعين سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة), يعني صلاتك ما هي مجزئة، وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فجاء رجل وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يرمقه -أي: ينظر إليه- وهم لا يشعرون، لكنه ينظر إلى كيفية صلاته فقضى صلاته وجاء وسلم عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن رد عليه السلام: (ارجع فصل)، الصلاة وجدت لكن وجودها مثل عدمها؛ لأنه ما صلى صلاةً مجزئة؛ لأنه أخل بركوعها وسجودها وقيامها، ما عنده اطمئنان في الصلاة نقرها نقراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه ليعود فيصلي، ولعله كان يعلم كيفية الصلاة، ولكنه نقرها فأراد أنه إذا عاد مرة ثانية، يأتي بها على المطلوب، لكنه صلى صلاةً مثل التي صلاها، فجاء ثم أعاده، فصلى مثل الأولى فلما قال: (ارجع فصل)، قال: لقد جهدت -يعني: الشيء الذي أقدر عليه أتيت به- فعلمني، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قمت إلى الصلاة)، يعني: أردت القيام إلى الصلاة، (فتوضأ فأحسن الوضوء)؛ لأن هذا شرط لابد من تقدمه على المشروط، أي من شروط الصلاة الوضوء، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وقوله: (لا يقبل الله صلاة أحد إلا بطهور)، يعني إذا أحدث إلا بعدما يتطهر، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو شرط من شروط الصلاة، يتقدم المشروط وهو الوضوء، وإذا صلى الإنسان بدون وضوء فصلاته لاغية، وجودها مثل عدمها.
    (ثم استقبل القبلة)، أيضاً كذلك استقبل القبلة بأن يتجه إلى القبلة، وهي من شروط الصلاة، وهذا إنما هو في الفرائض، وأما في النافلة بالنسبة للمسافر فقد عرفنا في الأحاديث الماضية أنه يستقبل القبلة في أول الصلاة، ثم يصلي أينما توجهت به راحلته، وأما في الفرائض فإنه لابد وأن يصلي مستقبلاً القبلة، فلا يصلي راكباً على الدابة وإنما ينزل، أما إذا كان الإنسان مثلاً في طائرة، والوقت سيخرج قبل نزول الطائرة، فإن الإنسان لا يؤخر الصلاة عن وقتها إلا إذا كانت صلاة تجمع مع الثانية، فيمكن أن يؤخر إلى آخر وقت الثانية إذا كانت الطائرة تنزل في وقت الثانية، وإذا مشى مثلاً في الصباح والطائرة تنزل عقب العصر فيمكنه أن يؤخر الظهر حتى يصليها مع العصر بعدما تنزل الطائرة، فيصلي الظهر ثم العصر، لكن إذا كانت ستغرب الشمس ولا تصل الطائرة إلا بعد الغروب وقد خرج الوقت، فالإنسان يصلي على حسب حاله -يعني: إذا وجد مكاناً في الطائرة يتجه فيه إلى القبلة ويركع ويسجد فعل، وإذا كان ما يجد فإنه يصلي في مقعده على حسب هيئته يومئ إيماءً- ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، أما بالنسبة للسيارات وبالنسبة للرواحل فإنه إذا جاء الوقت ينزلون ويصلون ثم يواصلون السير. (ثم استقبل القبلة وكبر)، يعني: ادخل الصلاة بتكبيرة الإحرام.
    (ثم اقرأ) وأطلق القراءة، وعينها في أحاديث أخرى (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ففاتحة الكتاب هي التي لابد منها ويضيف إليها غيرها،(ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، هذه صفة الركعة التي لاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم إخلاله في الركوع والسجود وعدم الاطمئنان، فأرشده وبين له أن الاطمئنان في الصلاة لابد منه، ولهذا قال: (فإنك لم تصل)، معناه: ما صليت الصلاة المجزئة، ومن المعلوم أنه ما يعيد الصلوات التي مضت مدة حياته، وإنما يتوب إلى الله عز وجل ويندم على ما فرط ويحسن في المستقبل، لكن هذه الصلاة التي علم بأنها لاغية يعيدها.
    فهذا حديث عظيم بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أموراً لابد منها في الصلاة، ويسمى الحديث حديث المسيء في صلاته، والحديث سبق أن مر بنا، ولكن النسائي أعاده هنا للاستدلال به على هذه الترجمة التي عقدها.
    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في المسيء صلاته
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    وهو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي].
    هو علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن العجلان الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    عن أبيه يحيى بن خلاد بن رافع بن العجلان الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عم له بدري].
    يعني ممن شهد بدراً وهو رفاعة بن رافع أخو خلاد بن رافع، ورفاعة صحابي بدري أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة
    شرح حديث رفاعة في المسيء صلاته من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن داود بن قيس حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري حدثني أبي عن عم له بدري قال: ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته، فرد عليه السلام ثم قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى كان عند الثالثة أو الرابعة، وقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت وحرصت فأرني وعلمني. قال: إذا أردت أن تصلي فتوضأ فأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع، فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنتقصه من صلاتك)].
    قوله في الترجمة: باب أقل ما يجزئ من العمل في الصلاة، وقد مر في الدرس الماضي حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه من إحدى الطريقين اللتين أوردهما النسائي، فقد مرت وهي تتعلق ببيان المسيء صلاته، وأنه دخل المسجد وصلى صلاةً لم يطمئن في ركوعه وسجوده، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، أي: إن صلاتك غير مجزئة؛ لأنه ما حصل الإتيان بالأمور التي هي أركان الصلاة، وهي: القيام، والركوع، والسجود، والرفع من الركوع، والجلوس بين السجدتين، والاطمئنان في هذه الأفعال كلها وأورد بعد ذلك الطريقة الثانية المشتملة على ما اشتملت عليه الطريقة الأولى من جهة أن الرجل لما كرر الصلاة على الهيئة الأولى لم يأت بالمطلوب فيها، قال للنبي عليه الصلاة والسلام: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت فأرني وعلمني، يعني أرني كيف أصلي وعلمني كيف أصلي؛ لأن الشيء الذي أعلمه أتيت به، وكان هذا الذي عمله خطأ؛ لأنه لم يأت بهذه الأفعال على الوجه الذي يجب عليه أن يأتي بها عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، أي إن صلاته غير مجزئة، ولما كرر العمل ولم يكن عمله هو الذي يبرئ الذمة ويتأتى به الواجب، قال للرسول عليه الصلاة والسلام: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت -أي: أتيت بجهدي وما أقدر عليه وما أعلمه- فأعلمني وعلمني، فعلمه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقال: (إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم استقبل القبلة وكبر)، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أمور لابد منها تسبق الصلاة، وهي: إحسان الوضوء، ثم استقبال القبلة، ويدخل فيها ويكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ ما تيسر من القرآن، وقد جاءت النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بتعين قراءة الفاتحة، ثم يركع حتى يطمئن راكعاً، ثم يرفع حتى يعتدل قائماً، ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً، ثم يجلس حتى يطمئن جالساً، ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً، ثم يرفع، فيأتي بركعات صلاته على هذه الهيئة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بركعة واحدة.
    والحديث سبق أن مر في الدرس الماضي، وأيضاً في دروس مضت، ولكنه جاء به هنا للاستدلال على أقل ما يجزئ من العمل في الصلاة، والمراد من ذلك الأمور التي لابد منها، والتي إذا فقدت فإن الصلاة تكون مفقودة وتكون غير موجودة؛ لأنه لم يأت بالأمور الأساسية فيها التي هي الأركان، فلابد من هذه الأفعال، ولابد من الاطمئنان في هذه الأفعال التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في المسيء صلاته من طريق أخرى قوله: [سويد بن نصر].سويد بن نصر هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عبد الله بن المبارك].
    هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب وصفه بهذه الصفات، وختمها بقوله: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود بن قيس].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي بن يحيى بن خلاد].
    هو علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي الأنصاري. وهو ثقة، خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك.
    [يروي عن عمه رفاعة بن رافع الأنصاري].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ممن شهد بدراً، وهنا لم يسمه، وإنما قال: عن عم له بدري، أي عم لـيحيى بن خلاد، وهو رفاعة بن رافع، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    شرح حديث عائشة: (كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام، قال: قلت: (يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا)].روى النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد سألها سعد بن هشام عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من معرفة أحكام الشريعة، وسؤال التابعين للصحابة عن أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وعن أفعاله في أمور معينة، وهنا سألها عن وتر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأورد النسائي الحديث مختصراً؛ لأنه ليس فيه ذكر الوتر، وإنما فيه ذكر الركعات التي تسبق الوتر وهي الركعة الأخيرة، لكن الحديث جاء مطولاً عند النسائي فيما بعد، وفيه: (أنه بعدما صلى ثمان ركعات لم يجلس فيهن إلا بعد الثامنة، جلس يدعو، ثم قام ولم يسلم، ثم صلى ركعة، وجلس يدعو، ويذكر الله عز وجل، ثم سلم تسليماً يسمعهم إياه)، وهذه الطريقة التي معنا مختصرة، والطريقة التي ستأتي في قيام الليل هي مطولة ومفصلة لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في الوتر، وهذا يدل على أنه ليس بلازم في صلاة الليل أن يصلي ركعتين ثم يجلس يتشهد، ثم يصلي ركعتين وهكذا، ولكن لاشك أن هذا هو الأولى -يعني كونه يصلي، ويجلس عند كل ركعتين ويتشهد، ويصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يسلم ثم يقوم ويصلي ركعتين وهكذا- لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إليه ودل الأمة عليه وأمرها به وفعل ذلك أيضاً فالفصل ثبت من قوله وفعله، فالفصل من قوله ثبت بقوله: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى) هذا قوله.
    وأما فعله فقد جاء: (أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين، ركعتين، ركعتين ثم ركعة واحدة)، أما الوصل فقد ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه سائغ، ولكن الأولى والأفضل هو الفصل؛ لأنه هو الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أرشد الأمة إليه، وأيضاً ما يحصل معه من الارتياح للتقوي على الصلاة فإنه إذا سلم من ركعتين ثم جلس أو شرب حصل شيء ينشطه للقيام، إذاً فالأولى هو ما أرشد إليه وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو صلاة كل ركعتين على حدة، ثم يختم بركعة ينهي صلاة الليل بها.
    وهذا الحديث الذي أورده النسائي في هذه الترجمة، لعل المقصود من إيراده في هذه الترجمة هو أن الحديث الأول بطريقيه اشتمل على أقل ما يجزئ من عمل الصلاة، بالنسبة للركعة والركعات، وكيف يأتي بها، وأنه يطمئن في قيامه، وفي ركوعه، واعتداله من الركوع، وفي سجوده، وجلوسه بين السجدتين وهكذا، لكن ما فيه تعرض للتشهد ولا للسلام، فأورد النسائي هذا الحديث الذي فيه ذكر التشهد والسلام، وهذا هو مقصود من إيراد الحديث في الترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فهو يعتبر شيخاً لهم سمعوا منه وأخذوا الحديث عنه.
    [عن يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زرارة بن أوفى].
    هو أيضاً بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان من العباد، وقد ذكر في ترجمته أنه مات فجأةً في الصلاة وهو يصلي بالناس إماماً لهم، ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) [المدثر:8]، في سورة المدثر: أنه كان يصلي بالناس الصبح، فلما جاء عند هذه الآية شهق شهقةً ثم وقع ومات رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن هشام].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الأصول الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق، زوجة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، التي روت الأحاديث الكثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، وتعتبر هي المرأة الوحيدة التي روت الروايات الكثيرة التي لم يدانها في ذلك أحد، بل إن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهؤلاء السبعة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة، سبعة يقول السيوطي فيهم في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فالبحر هو ابن عباس.
    المراد بزوجة النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، ولهذا فإن من قذفها وقد برأها الله عز وجل مما قذفت به فإنه مرتد كافر ليس من أهل الإسلام؛ لأنه مكذب بالقرآن، ومكذب بما نزل به القرآن من براءتها، فمن رماها بالإفك فإنه كافر مرتد عن دين الإسلام يجب قتله، ولا يورث ماله وإنما يكون فيئاً يوضع في بيت مال المسلمين.
    السلام
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلام.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سليمان يعني ابن داود الهاشمي حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد قال حدثني عبد الله بن جعفر وهو ابن المسور المخرمي عن إسماعيل بن محمد حدثني عامر بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره)].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب السلام -أي السلام من الصلاة- وهو الخروج من الصلاة الذي به يحصل الانتهاء منها، وقد جاء في الحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، بمعنى أن الإنسان إذا كبر تكبيرة الإحرام حرم عليه ما كان حلالاً قبلها، وإذا سلم حصل الرجوع إلى ما كان عليه قبل التكبير، بمعنى أنه يحل له ما كان حراماً عليه في الصلاة، (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، يعني يحصل التحلل منها بالتسليم، ولهذا يعرفون الصلاة فيقولون: هي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدئة بالتكبير مختتمة بالتسليم. أقوال وأفعال مخصوصة: هي ركوع، وسجود، وقراءة وتسبيح، وتهليل، ودعاء، واستغفار، وتشهد وما إلى ذلك، مبتدئة هذه الأفعال والأقوال بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذا هو التعريف الشرعي الذي يطابق المعنى الشرعي، وأما من حيث اللغة فمعناها: الدعاء، ولا شك أن الصلاة مشتملة على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء، ولكن الصلاة الشرعية هذا هو تعريفها: أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فختام الصلاة التسليم.
    وقد أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم عن يمينه وعن شماله)، يعني: يحصل الخروج من الصلاة بتسليمه عن اليمين وتسليمه عن الشمال، ففيه حصول تسليمتين، وفيه الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة الشمال عند التسليم، والتسليم هو نهايتها، وهو ركن من أركان الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الكوفي المعروف أبوه بابن علية، ومحمد بن إسماعيل ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [قال: حدثنا سليمان يعني: ابن داود الهاشمي].
    سيلمان بن داود الهاشمي من نسل عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة، جليل، قال عنه الإمام أحمد: إنه يصلح للخلافة، يعني إشارةً إلى فضله ونبله وعلو مكانته.
    أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.
    وقوله: (يعني ابن داود الهاشمي)، هذه كلمة يعني ابن داود الهاشمي، زادها النسائي أو من دون النسائي ؛ لأن تلميذه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الكوفي المشهور أبوه بـابن علية، لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسب شيخه كما يريد، لكن محمد بن إسماعيل لما ذكر شيخه في هذا الإسناد ما زاد على أن قال: سليمان، يعني ما نسبه، لكن من دون التلميذ الذي هو النسائي أو من دون النسائي هو الذي أتى بهذه الزيادة، وأتى بكلمة (يعني)، وكلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل، وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى محمد بن إبراهيم بن علية.
    وهذه الطريقة يستعملونها حتى يميزوا بين كلام التلميذ وكلام من دون التلميذ مما زاده من باب الإيضاح والبيان، وهما عبارتان تستعملان؛ هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، كما سيأتي في نفس الإسناد؛ لأن الإسناد جمع فيه بين الأمرين، أو بين العبارتين: كلمة (هو) وكلمة (يعني).
    [حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد].
    حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد هنا أيضاً عبارة هو ابن سعد من جنس عبارة يعني؛ لأن سليمان بن داود ما قالها، أي ما نسب شيخه، وما زاد على كلمة: إبراهيم شيئاً، لكن محمد بن إبراهيم أو من دونه هم الذين زادوها، وأما سليمان بن داود فهو قال: إبراهيم فقط، فمن دونه وهو محمد بن إسماعيل أو النسائي أو من دون النسائي هؤلاء هم الذين أتوا بكلمة: هو ابن سعد، وهو إبراهيم بن سعد الزهري، ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه.
    وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عبد الله بن جعفر].
    وهو ابن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وهو يقال له: المخرمي نسبة إلى مخرمة الذي هو أبو المسور، فيقال له: ابن مسور المخرمي، وعبد الله بن جعفر هذا قال عنه الحافظ في التقريب: ليس به بأس، وكذلك قال النسائي: ليس به بأس، وكلمة: ليس به بأس تعادل صدوق، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب، أن كلمة: صدوق وليس به بأس أو لا بأس به هي في درجة واحدة.
    وحديث عبد الله بن جعفر أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    والنسائي رحمه الله لما ذكر هذا الإسناد ميز في آخره بين عبد الله بن جعفر الذي ليس به بأس، ووالد علي بن المديني الذي هو ضعيف وقال عنه: متروك، حتى يبين أن هذا الذي يعنيه في هذا الإسناد هو المخرمي وليس عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني، فإنه لم يخرج له النسائي، لكنه لما كانت الأسماء متفقة أتى بهذا الكلام الذي يبين أن من ذكره في الإسناد ليس به بأس وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة، منسوب إلى جده مخرمة فيقال له: المخرمي.
    وهذا يسمى في المصطلح: المتفق والمفترق، يعني كونه يحصل الاتفاق في الأسماء وأسماء الآباء وتختلف الأشخاص فليسوا شخصاً واحداً وإنما شخصان اتفقا في الاسم واسم الأب، فيقال له: المتفق والمفترق.
    [عن إسماعيل بن محمد].
    هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عامر بن سعد].
    يعني يروي عن عمه عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن أبيه].
    سعد بن أبي وقاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهم أفضل الصحابة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء عشرة شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد، سردهم وسماهم وقال: إنهم في الجنة، وقد شهد لغيرهم في أحاديث متفرقة، مثل: ثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة بن محصن، والحسن، والحسين، وفاطمة، وبلال، وعدد كبير من الصحابة جاءت أحاديث خاصة بالشهادة لآحادهم بالجنة كل جاء في حديث، ولكن قيل لهم: العشرة، وليس الشهادة لعشرة فقط؛ لأنهم اشتهروا بلقب العشرة؛ لأنهم بشروا بالجنة في حديث واحد، وسعد بن أبي وقاص هو آخر العشرة موتاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده)، قال أبو عبد الرحمن: عبد الله بن جعفر هذا ليس به بأس، وعبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني متروك الحديث.أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أن فيه: (أنه يسلم عن شماله حتى يرى بياض خده)، معناه: أنه يلتفت كثيراً، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله من حصول التسليم، وأنه تسليمتان، وأنه يكون عن اليمين وعن الشمال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهوية الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحصل له هذا اللقب الذي هو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو التلقيب بأمير المؤمنين في الحديث، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا أبو عامر العقدي].
    هو عبد الملك بن عمرو القيسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن جعفر].
    هذا ومن فوقه مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    موضع اليدين عند السلام
    شرح حديث جابر بن سمرة في موضع اليدين عند السلام
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع اليدين عند السلام.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال سمعت جابر بن سمرة رضي الله عنهما يقول: (كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيده عن يمينه وعن شماله، فقال: ما بال هؤلاء الذين يرمون بأيدهم كأنها أذناب الخيل الشُمس، أما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله)].
    أورد النسائي موضع اليدين عند السلام. وهي أنها تكون على الفخذين، يعني على الحالة التي هي عليها في التشهد تكون عليها عند السلام، لا تتغير عن هذه الحالة التي هي عليها عند التشهد، لا تتغير عند السلام، بل تبقى على حالها حتى يتم السلام، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا نصلي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فنقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيده عن يمينه وعن شماله. يعني: عندما يسلم لليمين يشير بيده إلى اليمين، وعندما يسلم لليسار الثانية يشير إلى اليسار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال هؤلاء يرمون بأيدهم كأنها أذناب خيل شُمس)، والخيل الشُمس هي التي عندها حركة واضطراب، وعندها شدة، معناه يتحرك ذيلها وليس مستقراً ولا هادئاً، فهم عند السلام كانوا يشيرون باليد اليمنى إلى جهة اليمين، واليد اليسرى إلى جهة الشمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن تبقى أيديهم على ما هي عليه، (أما يكفي الواحد منهم أن يضع يده على فخذه)، يعني: على ما هي عليه قبل الوصول إلى السلام، أي: في التشهد؛ لأنه في التشهد اليدين لها هيئة، تبقى على هيئتها حتى يتم السلام، ما هو عند السلام يحصل فيها تحرك من جهة اليمين لليمنى، وتحرك من جهة اليسار بالنسبة لليد اليسرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة الحيوانات، وعن هذا الفعل الذي فيه مشابهة الحيوانات، وقد جاء النهي عن مشابهة الحيوانات في أحاديث متعدد منها هذا، ومنها: (البروك كبروك البعير)، ومنها: (الإقعاء كإقعاء الكلب)، و(افتراش الذراعين كافتراش الكلب)، فهذه من الهيئات التي هي معروفة للحيوانات، وقد جاء النهي عن الإتيان بها في الصلاة، وهنا جاء النهي عن الإتيان بهذه الهيئة التي تشبه حركة أذيال الخيل الشُمس.
    قال: (أما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله).
    معناه: يسلم على من يمينه، وعلى من شماله، ويخرج من الصلاة بذلك، أي: بذلك التسليم الذي هو تسليمةٌ عن اليمين، وتسليمةٌ عن الشمال.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في موضع اليدين عند السلام قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، متكلم في الرجال، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن أبي نعيم].
    أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، كان يوصف بالتشيع، لكن مع كونه موصوفاً بهذا الوصف كان يقول: ما كتبت علي الحفظة بأنني سببت معاوية، ومن المعلوم أن سب معاوية عند الشيعة هذا من أسهل الأشياء، مثل شرب الماء سهولته، يعني: من السهل عليهم أن يشتموا هذا الرجل الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، فـأبو نعيم وصف بالتشيع يقول: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية، معناه هذا التشيع تشيع لا يؤثر، لعله من جنس تقديم علي على عثمان في الفضل، الذي لا يؤثر، ولا يضر، وصاحبه لا يبدع، يعني: القول به ليس بدعة، وإنما الذي هو بدعة تقديم علي على عثمان في الخلافة، وأنه أولى منه بالخلافة، هذا هو الذي يبدع؛ لأن هذا اعتراض على عمل الصحابة، وعلى اتفاق الصحابة، وخروج عما كان عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث اتفقوا على بيعته، واختير من الستة الذي هم أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فآل الأمر إلى أن صار دائراً بين علي، وعثمان، وتم الأمر إلى تقديم عثمان على علي رضي الله تعالى عن الجميع، وأبو نعيم حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، والنسائي يروي عنه بواسطة؛ لأنه من كبار شيوخ البخاري، وأما البخاري يروي عنه مباشرة، وهناك ممن هو مشهور بـأبي نعيم الأصبهاني، وهو متأخر مصنف الحلية (حلية الأولياء) وغيرها من الكتب، وكتاب: (معرفة الصحابة)، وكانت وفاته سنة أربعمائة وثلاثين، يعني هذا وفاته فوق المائتين قليلاً، وأما ذاك فوفاته سنة أربعمائة وثلاثين، فإذا قيل: أخرجه أبو نعيم، المراد به الأصبهاني المتأخر، وأما هذا فهو متقدم من كبار شيوخ البخاري.
    [عن مسعر].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن القبطية].
    ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن جابر بن سمرة].
    هو جابر بن سمرة بن جنادة، صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديث جابر بن سمرة عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة
    الاكتفاء بتسليمة واحدة في الصلاة
    السؤال: هل تجزئ تسليمة واحدة في الصلاة بهذه الصيغة: السلام عليكم؟الجواب: قال بهذا بعض العلماء، وقال بعضهم: أنه لا يجزئ؛ لأنه لابد من تسليمتين، ومن المعلوم أن القول بالتسليمتين هو الذي فيه الاحتياط، وفيه الخروج من الخلاف؛ لأن من سلم تسليمتين خرج من الاختلاف، معناه أنه على القولين أدى ما هو مطلوب منه، أما من سلم تسليمة واحدة، فعلى القول الثاني الذي يقول: بأنه لابد من الاثنتين يعتبر ما أدى ما هو مطلوب منه، وقد جاء في بعض الأحاديث، لكن تكلم فيها بعض العلماء، وممن تكلم فيها ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين، فإنه ذكر أن التسليم لابد فيه من تسليمتين، وأنه لا يجزئ تسليمة واحدة، وتكلم في الحديث الذي ورد بالتسليمة الواحدة.
    حكم الالتفات في الصلاة
    السؤال: ما حكم من يلتفت في سلامه التفاتة واحدة؟ وما الدليل على جوازه؟الجواب: ما أعلم، الدليل دل على أن الالتفات يكون يميناً وشمالاً، وأما كونه يلتفت التفاتة واحدة ما أعلم شيئاً يدل عليه، لكن في الحديث ورد أنه يسلم عن يمينه وعن شماله.
    حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند المحدثين
    السؤال: هذا السائل يسأل عن إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند المحدثين؟الجواب: حديث عمرو بن شعيب إذا ثبت الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو لا يقل عن درجة الحسن، وكثير من الأحكام الشرعية مبنية على هذا الإسناد الذي هو عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
    صلاحية الاحتجاج بالأحاديث التي سكت عنها الحافظ في الفتح أو مقدمته
    السؤال: يقول ما حكم الأحاديث التي سكت عنها ابن حجر في الفتح؟الجواب: الأحاديث التي سكت عنها الحافظ ابن حجر هي صالحة للاحتجاج، قد ذكر هذا إما في أول المقدمة أو في أول الفتح، يعني الأحاديث فيها ما يبين حكمه إثباتاً، وفيها ما يبين عدم ثبوت حكمه، وفيها ما يسكت عنه، لكن ما يسكت عنه هو ذكر طريقته إما في الفتح وإما في المقدمة، لا أذكر أيهما.
    ثبوت حديث اختصام الملأ الأعلى والتفصيل في رؤية النبي لربه
    السؤال: هذا السائل يسأل عن صحة هذا الحديث، يقول: إني قمت من الليل، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: يا محمد، أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، أعادها ثلاثاً، فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء)، إلى آخر الحديث؟الجواب: حديث اختصام الملأ الأعلى وكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام حديث ثابت، وقد شرحه ابن رجب في جزء اسمه: اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، هو شرحٌ لهذا الحديث الطويل، يعني رؤيا رسول عليه الصلاة والسلام ربه في المنام هو حديث ثابت عند العلماء.
    مداخلة: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه؟
    الشيخ: في اليقظة ما رآه، وفي المنام هذا الحديث الذي ذكر يدل على حصول ذلك، وفي ليلة المعراج لم يثبت أنه رأى ربه، بل ثبت ما يدل على عدم الرؤية، وذلك أنه لما سئل عليه الصلاة والسلام قيل: له هل رأيت ربك؟ لم يقل: نعم، بل قال: (نورٌ أنى أراه)، كيف أراه والنور لم أتمكن معه من رؤيته، وهذا النور الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو نور الحجاب الذي جاء في الصحيح حيث قال: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، والحديث في صحيح مسلم.
    فضل طلب العلم وبيان كيفية تحصيله
    السؤال: ما هو فضل طلب العلم، وما هي أحسن طرق طلبه؟الجواب: طلب العلم كما هو معلوم شأنه عظيم وفضله كبير؛ لأن به يعرف الطريق الذي يوصل إلى الله عز وجل، وبه يعرف الإنسان الحق حتى يعبد الله على بصيرة، وحتى يدعو غيره على بصيرة؛ لأن الجاهل يعمل على خلاف الحق لجهله، وإذا دعا يدعو إلى الباطل لجهله، لكن من علم فإنه يعمل على بينة، ويدعو على بينة، وثمرة العلم العمل، والدعوة إلى العلم وإلى ما جاء به الكتاب والسنة، والله عز وجل يقول: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )[يوسف:108]، فلابد من البصيرة، والبصيرة إنما تكون بالعلم، وتكون بمعرفة الحق والهدى.
    فطالب العلم شأنه عظيم، ونفعه عميم، وذلك أنه يعرف الحق فيعمل به، ويدعو الناس إليه، ولو لم يحصل لأهل العلم من المناقب إلا أن يوصفوا بأنهم من ورثة رسول الله عليه الصلاة والسلام لكان ذلك كافياً في شرفهم وفضلهم ونبلهم، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العمل، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فأهل العلم مما يدل على فضلهم -بل هو كافٍ في الدلالة على الفضل لو لم يأتِ أحاديث أخرى- كونهم وراث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذين يرثون عنه الهدى الذي جاء به؛ لأن الأنبياء ما كانت مهمتهم جمع المال وتوريثه لورثتهم من بعدهم، فإنه لا يورث عنهم المال، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فهم ما جاءوا لجمع المال، ولكن جاءوا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فمن وفقه الله عز وجل أخذ بنصيب وافر من هذا الميراث الذي هو ميراث النبوة، العلم النافع، علم الكتاب والسنة، العلم الذي يثمر العمل والدعوة على بصيرة وعلى هدى، (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم).
    غير الأنبياء يجمعون المال، ويرثهم ورثتهم، وأما الأنبياء فقد جاءوا بالحق والهدى، ويرثهم كل من وفقه الله عز وجل لأن يتعلم العلم النافع الذي هو علم الكتاب والسنة، هذا الميراث مبذول لكل من أراده، فمن وفقه الله عز وجل سار في تحصيله، فحصل ما حصل منه، فعمل بذلك العلم، ودعا غيره إليه، فكان مأجوراً على عمله، ومأجوراً على دعوته وتوجيهه، ومأجوراً مثل أجور الذين استفادوا خيراً بسببه، واستفادوا علماً بسببه، واستفادوا هدىً وبصيرةً بسببه؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، والأحاديث في فضائل العلم وفي فضل العلماء كثيرة جداً، ولكن هذه إشارةٌ إلى أهمها، وإلى فضيلة من أعظم تلك الفضائل وهي كون طالب العلم يعتبر من وراث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    حكم التنفل في السفر
    السؤال: ما حكم التنفل بالنسبة للمسافر؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحافظ في سفره إلا على ركعتي الفجر والوتر، لكن الإنسان إذا جاء إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى المسجد الحرام، وصلى فيهما متنفلاً، فإن تلك المضاعفة موجودة فيها، صلاة النافلة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف نافلة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.
    بيان حكم الإفراد والتمتع والقران في الحج والأفضل منها
    السؤال: ما حكم إفراد الحج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، وأنكر صلى الله عليه وسلم وغضب على الصحابة لما لم يمتثلوا أمره؟الجواب: إفراد الحج والقران بين الحج والعمرة سائغان، لكن الأفضل منهما التمتع، وبعض العلماء يقول: أنه لا يجوز للإنسان أن يفرد ولا أن يقرن إلا إذا كان قد ساق الهدي، لكن الصحيح أن القران سائغ وإن لم يسق الهدي، والإفراد سائغ وإن لم يسق الهدي، والدليل على هذا كون الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان كانوا يفردون، وهذا يدل على أن الإفراد سائغ، ولكن الأولى منه التمتع؛ لأنه هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تمناه بقوله: (لو استقبلت ما استدبرت لما سقت الهدي، ولولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة).حكم تجاوز الميقات بدون إحرام
    السؤال: ما حكم من يتجاوز الميقات لبعض الأسباب؟الجواب: الميقات لا يتجاوزه من يريد الإحرام إلا محرماً، هذا هو الحكم، ولا يجوز له أن يتجاوز الميقات غير محرم، كل من يريد حجاً أو عمرة يمر بميقات، لا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم.
    بيان حقيقة المذاهب الأربعة
    السؤال: ما حكم من قال: المذاهب الأربع سبلٌ متفرقة؟الجواب: المذاهب الأربعة هي مذاهب أربعة علماء من علماء الإسلام، هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمة الله على الجميع، وهناك فقهاء آخرون في زمانهم وقبل زمانهم هم مثلهم في الجلالة وفي العلم وفي الفقه في دين الله عز وجل، لكن ما حصل لهم أن انتشرت مذاهبهم وجمعت أقوالهم واعتني بها كما حصل لأصحاب المذاهب الأربعة، أصحاب عنوا بجمع مذاهبهم، وهذه المذاهب الأربعة هي مذاهب علماء أجلاء، ومن المعلوم أن كل إنسان ليس بمعصوم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان يحرص على أن يعرف الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحاب المذاهب الأربعة كل واحد منهم يوصي بأن يبحث عن الدليل، وأن يتبع الدليل، وكل واحد من الأئمة الأربعة اجتهد، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وخطؤه مغفور، فهم لا يعدمون أجراً أو أجرين رحمة الله عليهم، وهم أوصوا بأنه إذا وجد الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه يتبع الدليل وتترك أقوالهم، وهذا من نبلهم وفضلهم ومعرفتهم بأقدارهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    بيان حكم التمسح على أرضية الروضة بنية الترك
    السؤال: هل يجوز التمسح على أرضية الروضة من أجل أن يتبرك بها؟الجواب: ليس للإنسان أن يتمسح بأرض، ولا بجدار، ولا ببقعة، ولا بمنبر، ولا بحجرة، ولا بأي شيء؛ لأن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام هو خير الهدي، (أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، فهل أرشد إلى أنه يتمسح بجدران أو يتمسح ببقعة، أو بعمود، أو بمنبر، أو بأي شيء؟ ما وجد شيء من هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، خير الأمة بعد نبيها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما وطئ على الأرض أفضل منهم، هم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، اختارهم الله لصحبة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، هذه الحياة الدنيا ما أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه إلا الصحابة، عيونهم رأت الرسول صلى الله عليه وسلم، وآذانهم سمعت كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقوا هدي رسول الله منه فأدوه إلى الناس، عن طريقهم عرفنا الكتاب والسنة، ولم نعرف الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، ولا سبيل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعرفة الحق الذي جاء عنه إلا من طريق أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، هؤلاء الصحب الكرام الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ومتع أبصارهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته، وشنف أسماعهم بسماع كلامه من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، ما فعلوا شيئاً من ذلك، وهم أحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالشيء الذي كانوا عليه هو الحق والهدى.
    وقد قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ما يمكن لأهل آخر الزمان أن يصلحوا بطريقة ما صلح بها الصحابة أبداً، الذي صلح به الصحابة هو الذي يصلح به الناس إلى يوم القيامة، ولا سبيل إلى صلاح الأمة بعد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم إلا بأن يكونوا على المنهج الذي كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أصلح الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وخير الناس بعد الأنبياء والمرسلين.
    وقال مالك أيضاً رحمة الله عليه: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة. الذي ما هو دين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما هو دين إلى قيام الساعة، معناه: إذا أُحدث أمور بعد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهذه ليست من الدين في شيء، بل هي من محدثات الأمور، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )[آل عمران:31]، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ما تكون بتقبيل جدران حول قبره، ولا التمسح بالجدران حول قبره عليه الصلاة والسلام، وإنما تكون باتباعه والسير على منهجه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته عليه الصلاة والسلام، هذه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم أعظم من محبته لنفسه، ومحبته لأبيه وأمه، وابنه وبنته، وقريبه، وصديقه، ومن سائر الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد وولده والناس أجمعين).
    ما هي علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ما هي العلامة التي يعرف بها محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل العلامة أن الإنسان يذهب إلى القبر ويتمسح بالجدران؟ أبداً، ما هي ذي بعلامة؛ لأن الصحابة ما كانوا يفعلون هذا وهم أحب الناس إلى رسول الله، ورسول الله أحب الناس إليهم، يحبونه أعظم مما يحبه من جاء بعدهم، لكن ما هي علامة محبتهم؟ علامة محبتهم أن الواحد منهم إذا سمع السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عملها، إذا سمع أمراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثله، إذا سمع نهياً عن رسول الله ابتعد عنه، إذا سمع خبراً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صدق به، لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته، هذه طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك آية في القرآن يسميها العلماء آية الامتحان والاختبار، وهو أنه من يدعي محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة على ذلك، ما هو بس مجرد دعوى، ومجرد تمسيح جدران وما إلى ذلك، لا، بل علامة الاتباع: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )[آل عمران:31]، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، هذه هي علامة المحبة، المحب لمن يحب مطيع، والذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم يكون ممتثلاً لكل ما يأمر به، ومنتهياً عن كل ما ينهى عنه، ومصدقاً لكل ما يخبر به، ولا يعبد الله إلا طبقاً لشريعة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لا يعبده تبعاً للأهواء والشهوات، والبدع والمنكرات والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم أعظم من محبة أي من الخلق، (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد وولده والناس أجمعين)، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي نعمة الإسلام، ونعمة الهداية والصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة، ولهذا وجب أن تكون محبته أعظم من محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله لنا على يديه أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها علينا وهي نعمة الإسلام، ولهذا جاء عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول عليه الصلاة والسلام وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله، لما سمع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، قال رضي الله عنه: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث. لأن الفرح بنعمة الإسلام هي أعظم ما يفرح به من نعمة، قال: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء مع من أحب)، ثم قال أنس رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم.
    الحاصل أن التمسح بالجدران والشبابيك والأبواب والأعمدة والمنبر وغير ذلك ليس من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس مما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، وليس هذا أيضاً علامة على محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، بل علامة محبته طاعته واتباعه، وامتثال ما جاء به عليه الصلاة والسلام.
    والعمل المقبول عند الله لا بد فيه من توفر شرطين، كل عمل ينفع عند الله ما ينفع إلا إذا توفر فيه شرطان: الشرط الأول: أن يكون لله خالصاً، والشرط الثاني: أن يكون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولابد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله إخلاص العبادة لله وحده، وأشهد أن محمداً رسول الله تجريد المتابعة للرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    حكم التعامل مع الشركات التي تنوب عن الحجاج في الذبائح وتعطيهم سندات مقابل ذلك
    السؤال: السائل هنا يا شيخ معه سند من أحد البنوك للهدي، يقول: هل هذا السند كاف لكوني أديت الواجب الذي عليّ؟الجواب: إذا كان الإنسان أعطى النقود للجهة المخصصة لهذا العمل، وهو البنك الإسلامي الذي تتولى شركة الراجحي النيابة عنه بأخذ النقود مقابل الهدي الذي يذبح عن الحجاج في أيام العيد والأيام التي بعده، فإن هذا لا بأس به، وهذا عمل طيب؛ لأن فيه خدمة للحجاج، ويرى حالهم من العناء والمشقة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #250
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (247)

    - (باب كيف السلام على اليمين؟) إلى (باب السلام باليدين)
    بين لنا الشرع الحكيم كيفية التسليم من الصلاة، وأنه يكون مقالاً وفعالاً، أما المقال فله صيغ متعددة أحسنها: السلام عليك ورحمة الله، وأما الفعال فهو الالتفات جهة اليمين حتى يرى بياض الخد ثم الالتفات إلى الشمال مثله.
    كيف السلام على اليمين
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية السلام على اليمين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف السلام على اليمين. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض، ورفع، وقيام، وقعود، ويسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك)].
    يقول النسائي رحمه الله: كيف السلام على اليمين.
    لما أورد النسائي في الأبواب السابقة السلام وإثباته، وأنه من الأمور التي لا بد منها في الصلاة، وأنه يخرج بالتسليم من الصلاة؛ لأنه يدخل فيها بالتكبير، ويخرج منها بالتسليم، أورد بعد هذا تراجم تتعلق بالسلام، وكيفية السلام، فأورد هذه الترجمة وهي كيف السلام على اليمين، وهو أنه يلتفت عن يمينه حتى يرى بياض خده، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا هو المقصود من حيث الفعل، ومن حيث القول، فالكيفية فعلاً، وفعلاً الالتفات حتى يرى بياض الخد، وقولاً أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
    وأورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي فيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض، ورفع، وقيام، وقعود)، وقد سبق أن مر بنا هذا، وعرفنا أنه يستثنى من ذلك القيام من الركوع، فإنه لا تكبير فيه، بل فيه التسميع -سمع الله لمن حمده- أما جميع أفعال الصلاة والانتقال من هيئة على هيئة، ومن عملٍ إلى عمل، فالذي يقال عند ذلك: هو التكبير، إلا في موضع واحد وهو القيام من الركوع، فإن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد.
    (ويسلم عن يمينه وشماله حتى يرى بياض خده)، وهذه الهيئة، وهي: كونه يلتفت حتى يرى بياض الخد، من جهة اليمين ومن جهة الشمال، وقد جاءت الأحاديث مفسرةً ومبينةً أن هذه الهيئة تكون إلى جهة اليمين، وأنها تكون إلى جهة الشمال، واللفظ يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن اليمين، وعن الشمال كذلك السلام عليكم ورحمة الله، وهذا هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام، بحيث يخرج من الصلاة بقوله: السلام عليكم ورحمة الله، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه يقول في التسليم على الشمال: السلام عليكم، وجاء في بعض الأحاديث أنه كان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكن الغالب على فعله هو السلام عليكم ورحمة الله، فتكون على هذا الصلاة بدئت بلفظ الجلالة، وختمت بلفظ الجلالة، عند الدخول يقول: الله أكبر، وعند الخروج يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
    ثم يقول: ورأيت أبا بكر، وعمر يفعلان ذلك، أي: أنهما يفعلان كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو فعل رسول الله، وفعل خلفائه الراشدين أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية السلام على اليمين
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى، هو العنزي، الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [عن معاذ بن معاذ].
    معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زهير].
    هو زهير بن معاوية الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسمع من أبي إسحاق بآخره، لكن الحديث جاء من طرقٍ متعددة عن أبي إسحاق وعن غيره، فيكون كونه سمع منه بعد الاختلاط، أي: سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط أن ذلك لا يؤثر.
    [عن أبي إسحاق].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، الهمداني نسبة عامة، والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع هم من همدان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود وعلقمة].
    الأسود وعلقمة، الأسود يروي عن والده الأسود بن يزيد ين قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعلقمة هو علقمة بن قيس بن يزيد النخعي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عبد الله بن مسعود].
    رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وممن هاجر الهجرتين: الهجرة إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة، وهو من علماء الصحابة، وفقهائهم رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ليس من العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأن العبادلة الأربعة يراد بهم أربعةٌ من صغارهم، وهم: ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وأما عبد الله بن مسعود فإنه ممن تقدمت وفاته؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة.
    شرح حديث ابن عمر في كيفية السلام على اليمين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني عن حجاج قال ابن جريج: أخبرنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان: (أنه سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: الله أكبر كلما وضع، الله أكبر كلما رفع، ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن يساره)].أورد حديث عبد الله بن عمر، وهو دالٌ على ما دل عليه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر يقول: (الله أكبر)، كما يحصل منه خفض، وفي كل رفعٍ، وقد عرفنا أن هذا يستثنى منه القيام من الركوع، فإنه لا يكبر عنده بل يقال: سمع الله لمن حمده بالنسبة للإمام، ويقول الإمام والمأموم: ربنا ولك الحمد، أي أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، فيكبر عند كل خفض، ورفع، (يقول: الله أكبر كلما رفع، ويقول: الله أكبر كلما خفض).
    (يقول: الله أكبر كلما وضع).
    يعني: عندما يخفض وعندما يرفع، عندما يخفض يعني عند الركوع وعند السجود، والرفع عند القيام من السجود، والقيام من التشهد، عند كل خفض، ورفع يقول: الله أكبر، إلا في الموضع المستثنى، (ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، والسلام عليكم ورحمة الله عن شماله). والمقصود منه ما جاء في آخره من حصول السلام على اليمين، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن الشمال، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهو بمعنى ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في كيفية السلام على اليمين
    قوله: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني].وهو صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حجاج].
    حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عمرو بن يحيى].
    عمرو بن يحيى المازني، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن يحيى بن حبان].
    محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقةٌ أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن عمه واسع بن حبان بن منقذ].
    قيل: إنه صحابي ابن صحابي، وقيل: ليس بصحابي بل هو ثقة، معناه: أنه من التابعين، وهو ثقة؛ لأنه إذا كان موصوفاً بالصحبة فلا يحتاج إلى أن يوصف بوصفٍ آخر؛ لأن الصحبة كافية؛ لأنها أعلى وأشرف من غيرها، وإذا كان غير صحابي يحتاج إلى توثيق، ولهذا قال الحافظ: صحابي ابن صحابي، وقيل: بل ثقة، يعني: أنه ليس بصحابي ولكنه من التابعين، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما].
    وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة الذين أشرت إليهم آنفاً، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء سبعة عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم من الصحابة الكرام، وهم ستة رجال وامرأة، المرأة هي: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.
    كيف السلام على الشمال
    شرح حديث واسع بن حبان في كيفية السلام على الشمال
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف السلام على الشمال.أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز يعني: الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قلت لـابن عمر رضي الله عنهما: (أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانت؟ قال: فذكر التكبير، قال: يعني وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم عن يساره)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيف السلام على الشمال، وأنه مثل السلام على اليمين، يلتفت على شماله كما يلتفت على يمينه، حتى يرى بياض خده من الشمال كما يرى بياض خده من اليمين، هذا من حيث الفعل، ومن حيث القول يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
    تراجم رجال إسناد حديث واسع بن حبان في كيفية السلام على الشمال
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هوابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد العزيز].
    هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني): الدراوردي، هذه قالها من دون التلميذ الذي هو قتيبة، إما النسائي، أو من دون النسائي.
    [عن عمرو بن يحيى].
    إلى آخر الإسناد، مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    جاء في هذا الحديث جهة الشمال: (السلام عليكم) في هذه الرواية، والرواية السابقة يقول: السلام عليكم ورحمة الله، عن اليمين وكذلك عن الشمال، وهذه الرواية يقول فيها: السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين، السلام عليكم من جهة الشمال، وهذا يدلنا على أن ذلك سائغا، ولكن الذي عرف وكثرت فيه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يجمع بين السلام والرحمة فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله)، عن اليمين وعن الشمال، لكن هذا الحديث أو هذه الرواية بهذا الحديث فيها السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين، السلام عليكم من جهة الشمال.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية السلام على اليسار
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زيد بن أخزم عن ابن داود يعني: عبد الله بن داود الخريبي عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كأني أنظر إلى بياض خده عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي يقول فيه: (كأني أنظر إلى بياض خده عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله)، يعني: أنه يلتفت على يمينه حتى يرى بياض خده، ويلتفت على شماله حتى يرى بياض خده، ويقول في تلك الحالتين عن اليمين: السلام عليكم ورحمة الله، وعن الشمال: السلام عليكم ورحمة الله.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية السلام على اليسار قوله: [أخبرنا زيد بن أخزم].وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن داود].
    هو عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه أيضاً البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن علي بن صالح].
    هو علي بن صالح بن حي الكوفي، وهو ثقةٌ، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص].
    أبو إسحاق، وهو السبيعي وقد مر ذكره قريباً، وأبو الأحوص، وهو عوف بن مالك الكوفي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله].
    عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (كان رسول الله يسلم عن يمينه حتى يبدو بياض خده وعن يساره حتى يبدو بياض خده)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن آدم عن عمر بن عبيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يبدو بياض خده، وعن يساره حتى يبدو بياض خده)].وهذا عن ابن مسعود أيضاً، وفيه هيئة الفعل عند السلام، وأنه يسلم على يمينه حتى يرى بياض خده، وعن شماله حتى يرى بياض خده، لكن ليس فيه ذكر كيفية السلام باللفظ، وإنما فيه الكيفية بالفعل، وهي الالتفات يميناً حتى يرى بياض الخد، والالتفات شمالاً حتى يرى بياض الخد، والأحاديث الأخرى عنه هي التي بينت الهيئة الفعلية، والصفة القولية منه صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يسلم عن يمينه حتى يبدو بياض خده وعن يساره حتى يبدو بياض خده)
    قوله: [أخبرني محمد بن آدم].وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن عمر بن عبيد].
    عمر بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي، وهو صدوقٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله].
    وقد مر ذكرهم.
    شرح حديث: (أن النبي كان يسلم عن يمينه وعن يساره ... حتى يرى بياض خده من هاهنا وبياض خده من هاهنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده من ها هنا، وبياض خده من ها هنا)].وهذا أيضاً عن عبد الله بن مسعود رواية أخرى مبينة للهيئة الفعلية، والصيغة القولية التي تقال عند التسليم، وهي السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين، والسلام عليكم ورحمة الله من جهة الشمال، وأنه يلتفت حتى يرى بياض خده من جهة اليمين، ويلتفت حتى يرى بياض خده من جهة الشمال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يسلم عن يمينه وعن يساره... حتى يرى بياض خده من هاهنا وبياض خده من هاهنا)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو المحدث، الناقد، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن].
    هو ابن مهدي البصري، ثقة، إمام، ناقد، متكلم في الرجال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله].
    وقد مر ذكرهم.
    حديث: (كان رسول الله يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده وعن يساره حتى يرى بياض خده) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا علي بن الحسن بن شقيق أنبأنا الحسين بن واقد حدثنا أبو إسحاق عن علقمة والأسود وأبي الأحوص قالوا: حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر)].أورد حديث ابن مسعود من طريقٍ أخرى، وهي مشتملة على ما اشتملت عليه الطرق السابقة من السلام عن اليمين وعن الشمال حتى يرى بياض الخد من الجهتين، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين ومن جهة الشمال.
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].
    هو الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا علي بن الحسن بن شقيق].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا الحسين بن واقد].
    ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو إسحاق].
    أبو إسحاق ومن بعده علقمة، والأسود، وأبو الأحوص، وعبد الله بن مسعود، مر ذكرهم.
    السلام باليدين
    شرح حديث: (... إذا سلم أحدكم فلا يلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلام باليدين. أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن فرات القزاز عن عبيد الله وهو ابن القبطية عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا: السلام عليكم، السلام عليكم، قال: فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب السلام باليدين، يعني: في النهي عن ذلك، المراد من ذلك من هذه الترجمة النهي عنه، وأنه لا يسلم باليدين، وإنما يسلم بالكلام فيقول المصلي: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يشير بيده اليمنى من جهة اليمين، ولا بيده اليسرى من جهة الشمال، وإنما كما سبق أن مر في الحديث الذي مر من طريق أخرى أن يديه عند السلام تكون على فخذيه، يعني: لا تتحرك يمينا ولا تتحرك شمالا، فمر هذا الحديث بترجمة تحت عنوان: موضع اليدين عند السلام، وهذه الترجمة أوردها: السلام باليدين، تلك لبيان الموضع، وأنها تكون على الفخذين، وهذه لبيان النهي عن هذا الفعل، وأنها لا تحرك الأيدي عند السلام، لا يمين، ولا شمال، وإنما تكون على الفخذين.
    وأورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه المشتمل على هذا، وهو أنهم كانوا إذا سلموا يشيرون بأيديهم إلى جهة اليمين وإلى جهة الشمال، اليمنى إلى جهة اليمين، واليسرى إلى جهة الشمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس)، يعني: التي تتحرك وتضطرب، (إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبيد الله بن موسى].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسرائيل].
    هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن فرات القزاز].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله وهو ابن القبطية].
    ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن جابر بن سمرة].

    هو جابر بن سمرة بن جنادة، صحابي ابن صحابي وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    صفة الحج تمتعاً
    السؤال: أريد أن أحج متمتعاً، فما هي الأفعال التي أفعلها، علماً بأنني سوف أصل إلى مكة إن شاء الله يوم الثامن من ذي الحجة؟ الجواب: الإنسان إذا ذهب إلى مكة الأفضل في حقه أن يكون متمتعاً، وسواءً كان ذهب في اليوم الثامن أو قبله، كل ذلك يمكنه أن يتمتع، يحرم بالعمرة من الميقات، ويلبي بها، فيقول: لبيك عمرة إذا شاء أن ينطق، ويستمر في التلبية حتى يدخل مكة، فيطوف طواف العمرة سبعة أشواط بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، يبدأ بالصفا ويختتم بالمروة، ثم يقصر شعر رأسه كله، ويتحلل ويبقى في مكة حلالاً، وإذا كان في اليوم الثامن، وهو يريد أن يذهب إلى منى، يمكنه أيضاً أنه إذا طاف وسعى، قصر شعر رأسه وتحلل بذلك وإن لم يخلع ثيابه، ثم ينوي الإحرام بالحج ويذهب إلى منى، ثم يستمر في أعمال الحج، ويكون عليه طوافاً وسعياً بعد الحج.
    الحاصل: أن التمتع عمرة مستقلة عن الحج بطوافها، وسعيها، وتحللها، والحج مستقلٌ عن العمرة بإحرامه، وطوافه وسعيه، وأعماله وتحلله، وعلى المتمتع هدي وهي شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة إن كان مستطيعاً، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومثله القارن في وجوب الهدي، إن استطاع وإلا صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
    الإحرام من جدة لمن يريد دخول مكة
    السؤال: إنني مسافر من المدينة إلى جدة ثم إلى مكة، فهل يجوز لي أن أحرم من جدة؟ الجواب: إذا كان الإنسان في المدينة ونيته أن يحرم، يعني: نيته أن يحج أو يعتمر، فلا يجوز له أن يتجاوز ميقات المدينة إلا وقد أحرم، ولو ذهب إلى جدة، يذهب إلى جدة وعليه إحرامه، أو يذهب إلى مكة يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل ويذهب إلى جدة، ما في بأس أن يذهب إلى جدة بعدما يطوف، ويسعى، ويتحلل.
    ما يقوله المأموم بعد قول إمامه سمع الله لمن حمده
    السؤال: هل للمأموم أن يقول بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده أن يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد؟الجواب: بعض العلماء قال: بأنه يقول: سمع الله لمن حمده كما يقول الإمام، ويستدلون على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، ويقول: ربنا ولك الحمد، فالقول بهذا يعني أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد، لكن الصحيح الذي يدل عليه الدليل أنه لا يجمع بينهما؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، لو كان يقولها لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وإنما قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، فهذا يدل على أنه لا يقولها، والمسألة خلافية، وهذا دليل القائلين بقولها، والقائلين بعدم قولها، والقول: بأنها لا تقال هو الأرجح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، ما زاد فقولوا: سمع الله لمن حمده، قال: (فقولوا: ربنا ولك الحمد).
    الإنكار في مسائل الخلاف
    السؤال: هل يجوز للإنسان أن ينكر على الناس في المسائل التي اختلف فيها أهل العلم؟ الجواب: المسائل المبنية على اجتهاد والأدلة فيها خفية، ليس للإنسان أنه ينكر، لكن المسائل التي الدليل فيها واضح، والقول الآخر لا دليل عليه إلا مجرد رأي، أو مجرد قياس، فإنه لا قياس مع النص، ولا اجتهاد مع النص، فالنص إذا كان موجوداً يرشد إليه، أما إذا كانت المسألة فيها خفاء والاشتباه قائم، فلا ينكر فيها. حكم اقتناء ألعاب الأطفال للعب أو البيع
    السؤال: ما حكم اقتناء ألعاب الأطفال؟ وكذلك هل يجوز له أن يجلبها لبيعها؟الجواب: ليس للإنسان أن يجتلب اللعب التي هي صور، أما اللعب التي هي ليست صوراً، وليس فيها شيء من المحاذير لا بأس بها، أما التي هي صور مجسمة أو غير مجسمة، فهذا لا يجوز اجتلابها، ولا استيرادها، ولا بيعها، ولا شراؤها.
    صلاة المسافر خلف مقيم
    السؤال: شخص مسافر ودخل المسجد عند صلاة الظهر، فوجد الإمام في الركعة الأخيرة، هل بعد تسليم الإمام يقوم ويأتي بركعة واحدة ويسلم أم يتم؟الجواب: المسافر إذا دخل وراء إمام يجب عليه أن يتم ولو دخل معه قبل السلام، ولو ما أدرك معه حتى ركعة، ولو دخل معه قبل أن يسلم فإنه إذا قام يقضي يصلي أربعاً، مثل المسافر الذي يأتي للمسجد النبوي، ويدرك الإمام لم يسلم، فيدخل معه فإنه إذا قام يصلي فليتم أربعاً ولا يصلي اثنتين؛ لأن المسافر عندما يصلي وراء إمام مقيم، يصلي صلاة مقيم، ولو فاته بعض الصلاة أو كل الصلاة، وأدرك الإمام لم يسلم، فإنه يصلي صلاة المقيم، هذا هو الذي يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى خلف إمامٍ يتم أتم؟ قال: تلك السنة).
    كفارة من تسبب بموت بحادث سيارة
    السؤال: تسببت في حادث سيارة ومات فيه شخصان، فهل أصوم عنهما بالجمع ؟الجواب: ما فيه خلاف، عنهم يجوز، الاثنان يجوز جمعهما، ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ )[الأنبياء:78]، وهما اثنان، يعني فإطلاق الجمع على المثنى لا بأس به.
    هل يصوم عن الاثنين؟
    الجواب: يصوم عنهم أربعة أشهر، عن كل واحد شهرين، وقبل ذلك لا يصوم إلا إذا عجز عن العتق؛ لأن الواجب عليه هو العتق أولاً، فإذا عجز عنه، يصوم عن كل واحد شهرين؛ لأن عليه عتق رقبتين، وإذا عجز عن العتق يصوم أربعة أشهر: شهرين متوالين، ثم شهرين متواليين، لا تكون الأربعة متوالية، اثنان متوالية، واثنان متوالية.
    الأماكن التي يزورها المسلم في مدينة رسول الله
    السؤال: ما هي الأماكن التي تزار في هذه المدينة؟الجواب: هذه المدينة المباركة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم الأماكن التي تزار فيها خمسة فقط هي مسجدان وثلاث مقابر، مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومسجد قباء، هذا هو الذي يزار من المساجد في المدينة، لا يزار في المدينة مساجد أخرى سوى هذين المسجدين: مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومسجد قباء، هذان هما: المسجدان اللذان جاءت الأحاديث التي تحث على زيارتهما والإتيان إليهما، والصلاة فيهما، أما غير ذلك ما جاء في شيء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وليس هناك فضل يقصد في مسجد من المساجد سوى هذين المسجدين، مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد قباء.
    أما المقابر الثلاث فهي قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، والبقيع، وشهداء أُحد، هذه هي الأماكن الخمسة التي يزورها الإنسان الذي يصل إلى المدينة، أما ما عدا ذلك من الذهاب إلى أماكن أخرى، فهذا قتل للوقت، وإضاعة للوقت في غير طائل، وكون الإنسان يحرص على زيارة ما هو مشروع، ولا يتشاغل بشيءٍ ليس بمشروع، هذا هو الذي ينبغي له.
    كفارة من أفطر في رمضان لكبر سنه
    السؤال: أبي كبير في السن ويفطر في رمضان، يقول: كيف نكفر عنه تلك الأيام التي لم يصمها؟الجواب: عن كل يوم مسكيناً، إذا كان بلغ به من الكبر والهرم بحيث لا يستطيع الصيام، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، السنوات التي أدركه رمضان وهو هرم لا يستطيع الصيام، كلها تحسب أيامها، ويطعم عن كل يوم مسكينا، إن كان الشهر كاملاً فيكون ثلاثين يوما، ثلاثين مسكينا، وإن كان الشهر ناقصاً يكون تسعاً وعشرين مسكينا؛ لأن الذي يجب عليه هو ما يجب على الناس، والناس إذا كانوا صاموا تسعا وعشرين عليه إطعام تسعا وعشرين عن كل يوم مسكينا، وإذا كانوا صاموا ثلاثين، يطعم عن كل يوم مسكينا، يعني ثلاثين مسكينا، هذا هو الواجب أنه يطعم عن كل يوم مسكينا.
    مقدار ما يطعم به المسكين من الكفارة
    السؤال: هل يعطي ثلاثة كيلو رز أو كيلو ونصف؟الجواب: يمكن إعطاء كيلو ونصف مثلاً من الأرز ومعه شيء من الإدام ويكفي.
    حكم سماع الأغاني
    السؤال: ما حكم سماع الغناء لا سيما ونحن حجاج في المدينة؟الجواب: سماع الغناء من الأمور المحرمة، والله عز وجل أنعم على الإنسان بالسمع والبصر، وأُمر بأن يستعمل البصر فيما شرع له استعماله فيه، ونهي أن يستعمله في أمور لا يجوز استعماله فيه، وكذلك السميع يستعمله فيما أبيح له سماعه من قراءة القرآن، وذكر الله عز وجل، ومن الكلام الحسن، والمناجاة بين الناس التي يحتاجون إليها، هذه نعمة عظيمة أنعم الله تعالى بها على الإنسان، ولا يجوز أن يستعملها في سماع الأغاني، ولا كذلك في سماع الغيبة والنميمة، ولا سماع الفحش وما إلى ذلك، وإنما يستعمل هذه النعم فيما شرع له استعمالها فيه، ويحذر من استعمالها فيما منع من استعمالها فيه، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، هذه الصحة التي هي عافية، وسلامة من الأمراض، وسلامة في العينين، وفي البصر، وفي السمع، وفي الأرجل، وفي الأيدي، الإنسان يتحرك، وينتقل، ويأخذ، ويعطي بيديه، بعض الناس ليس له رجلان، حرم من هذه النعمة لا يستطيع أن يمشي، وإنما يحمل، ويجعل في عربة، وبعض الناس ليس له يدين، يعني حصل له مثلاً حادث، أو حصل له شيء بقي بدون يدين ما يستطيع يتوضأ، ما يستطيع أن يستعمل مثل ما كان يستعمل غيره ممن أعطي اليدين، وأحد عنده البصر فيستعمله في طاعة الله، وأحد منع منه فلا يتمكن من استعماله، وأحد عنده السمع يستعمله فيما أبيح له استعماله، ومن الناس من ليس عنده السمع فلا يتفاهم معه إلا بأصوات مرتفعة، أو بالإشارة، والإنسان الذي أعطاه الله هذه النعمة يحمد الله تعالى عليها، ويشكره عليها، ويستعمل هذه النعم في طاعة الله، ولا يستعملها في معاصي الله عز وجل، ومن استعمالها في معصية الله استعمالها في الأغاني، كون الإنسان يستعمل السمع في الأغاني يكون استعمالها في معصية الله.
    دفع ثمن الهدي إلى شركة تقوم بواجب النسك
    السؤال: ما حكم شراء الهدي من شركة الراجحي؟ الجواب: ما في بأس، كون الإنسان يعطي الشركة التي تتقبل قيم الهدي، وتنوب عنه في ذبح الهدي يوم العيد، وأيام التشريق، هذا عمل جليل، وخدمة كبيرة، وإراحة للناس من أن يذهبوا إلى مكان المجزرة، ويعانوا ما يعانوا من المشقة في الوصول إليها، وفي اختيار الذبيحة السمينة المجزئة، وكذلك البحث عمن يأكلها، وعمن يستفيد منها، كل هذه أمورٌ شاقة، لكن وجود هذه الجهة التي تقوم بهذا العمل، وتتبناه وتتحمله، وتنوب عن الحجاج فيه، هذا في الحقيقة عمل جيد وعمل عظيم، والإنسان يؤدي، أو يدفع القيمة إلى الشركة، ويكون بذلك وكل هذه الشركة لتنوب عنه في ذبح الهدي، وتوزيعه وإيصاله إلى من استحقه.
    حكم تكرار الجماعة في المسجد
    السؤال: ما حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد؟الجواب: تكرار الجماعة في المسجد الواحد إذا كانت مقصودة، بأن جماعة ينتظرون الجماعة تخلص حتى يصلوا مكانها، هذا لا يجوز، الجماعة واحدة في المسجد، ما في جماعة تنتظر جماعة تخلص ثم تجيء جماعة ثانية وراءها، فهم ينتظرون حتى هؤلاء يصلون، أو يتأخرون ينتظرونهم أن يفرغوا من الصلاة، هذا لا يجوز، لكن الجماعة واحدة في المسجد، الجماعة الأصلية واحدة، لكن من جاء متأخراً وفاتته الصلاة، وجاء اثنان أو ثلاثة، فإن لهم أن يصلوا جماعة؛ لأنهم ما جاءوا إلى الصلاة وقد فاتتهم الصلاة، فإذاً: يصلوا جماعة، لا بأس بذلك، أما كون الجماعة الأولى يعني: جماعة أخرى تنتظرها تخلص، ثم تأتي وتصلي مكانها، فهذا لا يجوز، بل المسجد فيه جماعة واحدة، فإذا فاتت الإنسان، يصلي جماعة ثانية لأنه ما أمكنه أن يصلي مع الجماعة الأولى، والدليل على هذا: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث: (صلاة الرجل مع الواحد خيرٌ من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة خيرٌ من اثنين..)، وهكذا، ولما جاء رجلٌ وقد فاتته الصلاة، قال لبعض الذين صلوا معه: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى إقامة الجماعة ولو عن طريق الصدقة، فإذاً إذا كان المصلي محتاج لصدقة تقام معه الجماعة، هذا الحديث يدل على أنه إذا جاء واحد فاتته الصلاة، يبحث عن واحد يتصدق عليه، لكن لو جاء اثنان فاتتهم الصلاة ماذا يعملون؟ يصلون جماعة، لأنهم ليسوا بحاجة إلى الصدقة، هم أنفسهم جماعة، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن توجد الجماعة ولو عن طريق الصدقة، فإذا كانت الجماعة موجودة، وليست بحاجة إلى صدقة، يدل هذا على أن الإنسان الذي أحرم بالعمرة ولم يتمكن من الاستمرار بها، فإنه يدخل الحج على العمرة ويصير قارنا، مثل ما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإنها أحرمت من الميقات بعمرة وحاضت في الطريق، وجاء الحج وهي على حيضها، ما يمكن تؤدي عمرتها وتفرغ منها؛ لأن الحيض عليها، والمرأة لا تدخل المسجد وتطوف فيه حتى تطهر، والحج وصل، الناس يذهبون إلى عرفة، تنوي الحج فتدخله على العمرة فتصير قارنة، هذا هو إدخال الحج على العمرة، أما من كان مفرداً أو قارناً، وليس معه هدي، فهذا يفسخ إحرامه إلى عمرة، يعني: يتحول من كونه مفرد إلى معتمر، محرم بالحج مفرداً إلى كونه معتمراً تمتعاً، ومن كونه قارناً إلى كونه محرماً بالعمرة، فيطوف ويسعى، ويقصر من شعر رأسه ويتحلل، ويوم الثامن يحرم بالحج.
    الإحرام لمن هو بالمدينة من غير ميقاتها
    السؤال: أنا طالب في المدينة ثم ذهبت إلى جدة وعند إرادتي إلى الرجوع أردت العمرة، يقول: هل علي أن أرجع إلى المدينة وأحرم من هنا أو أحرم من جدة؟الجواب: إذا كان عند ذهابه من المدينة ليس عنده نية عمرة، وإنما كان سيذهب إلى جدة ويرجع، هذا هو الذي كان عنده في المدينة، هذا إذا طرأ له في جدة أن يعتمر فإنه يحرم من جدة؛ لأنه ما كان عنده نية في المدينة أنه يعتمر، وإنما كان سيذهب إلى جدة ويرجع، لكن طرأ له يعني طارئ في جدة أنه يعتمر، وما كانت النية موجودة في المدينة، فهذا مثل أهل جدة يحرمون من جدة، لكن من كانت النية موجودة عنده وهو في المدينة، فلا يجوز له أن يتجاوز ميقات المدينة إلا وقد أحرم، وإن أحرم من جدة أو من داخل المواقيت، فإنه يكون ارتكب محظوراً، وفعل أمراً غير سائغ، ويجب عليه فدية وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم إن استطاع، وإلا صام عشرة أيام مكانها.
    المدة التي يقصر فيها المسافر الصلاة
    السؤال: متى يشرع للمسافر قصر الصلاة؟ وهل يجوز له التنفل؟الجواب: السؤال هذا يحتمل حالتين:
    إحداهما: المسافة التي يقصر فيها ويعتبر مسافراً، هذا إذا كان بحدود ثمانين كيلو وهي المسافة التي يقصر فيها فإنه يقصر من حين يتجاوز البلد الذي خرج منه، أما إذا كان في البلد، ونازلاً في البلد، ومقيماً في البلد، فإن كان ينوي إقامة أربعة أيام فأقل عند دخوله البلد، فإنه يقصر، وأما إن كان عند دخوله البلد يريد أن يبقى فيه أكثر من أربعة أيام، فإن هذا يتم ولا يقصر مدة إقامته في البلد الذي سافر إليه.
    رمي الجمار بغير الحصى كالنعال
    السؤال: هل يجوز رمي الجمار بغير الحصى كالنعال ونحوه؟الجواب: لا، ما يجوز، الجمار لا ترمى إلا بالحصى، وبالحصى المعين المحدد، وهو المقدار الذي فوق الحمص ودون البندق، يعني: ما هو كل حصى يرمى به، لا كبير ولا صغير جداً، وإنما فوق الحمصة ودون البندقة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #251
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (248)

    - (باب تسليم المأموم حين يسلم الإمام) إلى (باب الانحراف بعد التسليم)
    المأموم مطالب بمتابعة الإمام في جميع أفعاله، ومنها السلام، وإذا طرأ سهو في الصلاة فيجوز سجود السهو بعد السلام بل والكلام إذا لم يعلم أو يذكر سهو إلا متأخراً، ثم يسلم ثانية، ويستحب الجلوس قليلاً بعد الصلاة، وينحرف الإمام إلى جهة المأمومين.
    تسليم المأموم حين يسلم الإمام
    شرح حديث عتبان بن مالك في تسليم المأموم حين يسلم الإمام
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تسليم المأموم حين يسلم الإمام.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري أنه أخبره قال: أخبرني محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: سمعت عتبان بن مالك رضي الله عنه يقول: (كنت أصلي بقومي بني سالم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إني قد أنكرت بصري، وأن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكاناً أتخذه مسجداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله، فغدا عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه معه بعد ما اشتد النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففنا خلفه، ثم سلم وسلمنا حين سلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: تسليم المأموم حين يسلم الإمام. المراد من الترجمة هو: أن المأموم يتابع الإمام في جميع أفعاله، فيكبر إذا كبر، ويركع إذا ركع، ويرفع إذا رفع، ويسجد إذا سجد، ويسلم إذا سلم، معناه، أن المأموم يتابع إمامه فلا يسبقه، ولا يوافقه، وإنما يتابعه، بحيث إذا انتهى الإمام يأتي المأموم بما فعله الإمام، فيكون الإمام كبر في الدخول في الصلاة، ثم كبر وراءه المأموم، وعند نهاية الصلاة يسلم الإمام ويخرج من الصلاة، ثم يخرج المأموم بعده بأن يسلم بعد فراغه من التسليم، وهذا إنما هو في جميع الأفعال، المأموم لا يسابق الإمام ولا يوافقه، بل يأتي بالأفعال عقبه مباشرةً وبدون تأخير، هذا هو الذي يفعل من قبل المأموم تبعاً للإمام.
    وقد أورد النسائي حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إنه إمام قومه، وأنه قد أنكر بصره، يعني أنه قد ضعف بصره، أو أنه قد عمي، وأن السيول تأتي في وقت الأمطار، فلا يتمكن من الوصول إلى المسجد، فيضطر إلى أن يصلي في بيته، فطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي إليه في منزله ويصلي في مكان من منزله يتخذه مصلى، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (سأفعل إن شاء الله)، ثم جاء إليه هو وأبو بكر في يوم من الأيام بعدما اشتد النهار، ولم يجلس حتى صلى في المكان الذي يريد منه أن يصلي به، فطلب منه حين دخل أن يخبره بالمكان الذي يرغب أن يصلي فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأشار إليه قال: فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففنا وراءه، ثم قال: (سلم وسلمنا حين سلم). ثم سلم، أي: خرج من تلك الصلاة، وسلمنا حين سلم، وهذا هو المقصود من الترجمة، والمقصود من ذلك: أن المأموم يسلم عقب سلام الإمام، لا يسلم معه، ولا يوافقه، ولا يسبقه.
    قال: (كنت أصلي بقومي بني سالم)، وهم في الطريق إلى قباء، هم ليسوا من أهلها، ولكنهم في المنطقة التي بين مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قباء.
    قال: (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إني قد أنكرت بصري، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي).
    هذه المسوغات للطلب الذي يريده من رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أراد من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي ويصلي في مكان من منزله يتخذه عتبان مكاناً يصلي فيه، ومهد لذلك بأنه قد أنكر بصره، يعني أنه عمي أو قارب العمى، وأن السيول تأتي وتفصل بينه وبين الوصول إلى المسجد، فيضطر إلى أن يصلي في البيت، فطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي إليه ويصلي في مكان يتخذه مصلى، فقال عليه الصلاة والسلام: (سأفعل إن شاء الله)، وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يتحدث عن أمرٍ مستقبل يعلق ذلك بمشيئة الله، فيقول: سأفعل إن شاء الله، أو آتي إن شاء الله؛ لأن الله عز وجل يقول: ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الكهف:23-24]، فهو عندما يتحدث عن أمرٍ مستقبل، أو يعد في أمرٍ مستقبل، فإنه يعقب ذلك بقوله: إن شاء الله، كما قال عليه الصلاة والسلام هنا: (سأفعل إن شاء الله)، يعني: آتي إليك في يوم من الأيام القادمة، وأحقق رغبتك.

    ثم أيضاً كونه يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي، ويصلي في مكان يتخذه مصلى، يعني: يريد من ذلك التبرك بالمكان الذي يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من منزله، فيتخذه مكاناً يصلي فيه، ومعلومٌ أن التبرك بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما مسه جسده، حين حياته عليه الصلاة والسلام، هذا من خصائصه، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يفعلون ذلك معه، فكانوا يتبركون ببصاقه، وبعرقه، وبشعره، وفضل وضوئه كما ثبتت بذلك الأحاديث عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من خصائصه، ولم يكن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، يفعلون شيئاً من ذلك مع أصحابه الكرام، أو مع خيار أصحابه، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ما كانوا يأتون إلى أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ويتبركون بعرقهم، وببصاقهم، وما إلى ذلك من الأشياء التي تخرج من أجسادهم، وإنما كانوا يخصون ذلك برسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد حكى الشاطبي الإجماع على ذلك، وأن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام لما لم يفعلوا ذلك مع أحد من أصحابه، عرف أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، يعني التبرك بما يسقط من جسده أو بما مسه جسده صلى الله عليه وآله وسلم، هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يفعل مع أحدٍ من غيره من البشر، ما دام أنه لم يفعل مع خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فغيرهم من باب أولى؛ لأن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
    (فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكاناً أتخذه مسجداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله، فغدا عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه معه بعد ما اشتد النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له).
    يعني: استأذن في الدخول، وهذا فيه مشروعية الاستئذان، والرسول عليه الصلاة والسلام كان مدعواً ليحضر، ولكن الوقت غير محدد، ولما جاء استأذن للدخول فأذن له فدخل، ولم يجلس في المنزل قبل أن يؤدي المهمة التي جاء من أجلها، وهي الصلاة في المكان الذي يريده عتبان، فطلب منه أن يعين المكان الذي يرغب أن يصلي فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأشار إليه، فذهب إليه، قال: فصلى..
    (ثم سلم وسلمنا حين سلم)، أي: أنهم بعدما حصل منه السلام، حصل منهم التسليم، يعني عقبه مباشرةً وبدون فاصل.
    تراجم رجال إسناد حديث عتبان بن مالك في تسليم المأموم حين يسلم الإمام
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر المروزي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله بن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وهو إمام، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمود بن الربيع].
    الأنصاري، وهو صحابي صغير، أكثر روايته عن الصحابة؛ لأنه من صغارهم، فهو يروي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بواسطة، أي: أكثر رواياته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه].
    وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. ولم خرج له الترمذي، ولا خرج له أبو داود في السنن، أي: أنه ليس له شيء من الحديث في السنن، وكذلك الترمذي ليس عنده شيء من الحديث لـعتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه. السجود بعد الفراغ من الصلاة
    شرح حديث عائشة في سجود النبي سجدة طويلة في صلاة الوتر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود بعد الفراغ من الصلاة. أخبرنا سليمان بن داود بن حماد بن سعد عن ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد: أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، ويوتر بواحدة، ويسجد سجدةً قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه)، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث مختصر].
    أورد النسائي الترجمة: باب السجود بعد الفراغ من الصلاة، النسائي رحمه الله، عقد هذه الترجمة مستنبطاً إياها من الحديث الذي أورده، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، ويسجد سجدة قدر خمسين آية، ففهم النسائي من هذا الحديث أن هذه السجدة يأتي بها بعد الفراغ من قيام الليل ومن الوتر، فيأتي بسجدة مفردة يعني هذا مقدارها، لكن الذي يظهر أنها ليس المراد من الحديث هو ما فهمه النسائي رحمة الله عليه؛ لأنه لم يعهد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يتطوع بسجدة واحدة، بل ولا يتطوع بركعة واحدة؛ لأن أقل ما يتطوع به ركعتان، لا يتطوع بركعة واحدة، ولم يعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يأتي بسجدة واحدة إلا فيما جاء بالنسبة لسجود التلاوة، ولسجود الشكر، وأما تنفل وإتيان بسجدة واحدة ليست ضمن صلاة فليس هذا معروفاً، وهذا الحديث أو هذه السجدة التي جاءت في الحديث، الأظهر أنه ليس المقصود منها ما فهمه النسائي، بل الأظهر منها أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وكان يطيل القراءة، ويطيل السجود، وأن السجدة الواحدة في صلاته في الليل تصل إلى هذا الحد، وإلى هذا المقدار، هذا هو المقصود من ذلك، ولهذا الحديث نفسه يقول: (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة)، قال: ويوتر بركعة، يوتر بركعة هي واحدة من التي مضت، هي واحدة من قوله: يصلي إحدى عشرة ركعة ويوتر بركعة؛ لأن ما في ركعة بعد الحادية عشرة، بل هي واحدة من إحدى عشرة.
    إذاً هذه السجدة هي ضمن الإحدى عشرة، وضمن الصلاة، فليس المقصود منها سجود مستقل كما فهمه النسائي رحمة الله عليه، وبوب في سجود الإمام إذا فرغ من الصلاة، بل المراد من هذه السجدة هي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يطيل السجود، ويطيل القيام في قيام الليل، فتكون السجدة في صلاته مقدار قراءة خمسين آية؛ لأنه كان يطيل القيام، ويطيل الركوع، والسجود، والسجدة تصل إلى خمسين آية، أو إلى مقدار خمسين آية، بل قد تصل إلى ما هو أكثر من ذلك كما قد جاء في بعض الأحاديث التي سبق أن مرت، وعلى هذا فإن السجدة التي جاء ذكرها في الحديث هي ضمن صلاته عليه الصلاة والسلام، وذلك أن سجوده كان طويلاً، وأنه يبلغ إلى هذا المقدار الذي هو مقدار خمسين آية، والحديث رواه النسائي من طريق ثلاثة من الرواة يروي عنهم، أو بعض الثلاثة الذين هم: ابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد الأيلي، هؤلاء الثلاثة الذين رووا الحديث من طريقهم يزيد بعضهم على بعض، يعني ليس هذا لفظ، وإنما هو لفظ مختصر، هذا اللفظ مختصر، وبعضهم يزيد على بعض.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في سجود النبي سجدة طويلة في صلاة الوتر
    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود بن حماد].سليمان بن داود بن حماد بن سعد، وهو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب، المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة المدني، المشهور بـابن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [و عمرو بن الحارث].
    مصري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [و يونس بن يزيد الأيلي].
    وهو مصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن ابن شهاب].
    ابن شهاب، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، السادس، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: إن السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء سبعة اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، فإذا جاء مسألة من مسائل الفقه يقال فيها: قال بها الفقهاء السبعة ولا يسمون، فالمراد بهم هؤلاء الذين هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وواحد من الثلاثة الذين هم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [قالت عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من السبعة الأشخاص الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء هم أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، أكثر الصحابة حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم.
    سجدتي السهو بعد السلام والكلام
    شرح حديث: (أن النبي سلم ثم تكلم ثم سجد سجدتي السهو)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب سجدتي السهو بعد السلام والكلام.أخبرني محمد بن آدم عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم ثم تكلم، ثم سجد سجدتي السهو)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب سجدتي السهو بعد السلام والكلام، يعني: بعدما يسلم ويتكلم ويتحدث معه، ويقال: إن الصلاة يعني فيها زيادة وفيها نقصان، ثم يعني يسجد للسهو ويسلم، وهذا حصل في بعض الصلوات التي زاد فيها ركعة، وبعدما سلم قالوا: أنه حصل زيادة، فثنى رجله واتجه إلى القبلة، وسجد سجدتي السهو، ثم سلم، وكذلك أيضاً في حديث ذي اليدين؛ لأنه سلم ناسٍ والصلاة لم تتم، وحصل الكلام، وأتى بما نقص من صلاته، ثم سجد بعد السلام، لكن الذي فيه سجدتان بعد السلام والكلام فقط، هي التي تكون عن زيادة في الصلاة، يعني يكون زاد ركعة، ولما فرغ من الصلاة تحدثوا معه وقالوا: أن الصلاة فيها زيادة، أنك زدت ركعة، فكانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم زمن التشريع يعني: إذا صلى ركعة خامسة يقومون معه يظنون أن الصلاة زيد بها بدل ما تكون أربع صارت خمسا، لكن بعدما سلم يتحدثون معه ويقولون: إنك صليت خمساً، فعند ذلك اتجه إلى القبلة وسجد سجدتي السهو، فالحديث دال على ما ترجم له المصنف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي سلم ثم تكلم ثم سجد سجدتي السهو)
    قوله: [أخبرني محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن حفص].
    هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقبه، واسمه: سليمان بن مهران، وألقاب المحدثين لها أهمية، وفائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه وذكر بلقبه، من لا يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران، إذا رأى الأعمش جاء بإسناد، وإذا رأى سليمان بن مهران جاء بإسناد، يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص، لكن من عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران لا يلتبس عليه الأمر.
    [عن إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة].
    هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السابقين إلى الإسلام، وممن هاجر الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وهو من علماء الصحابة وفقهائهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    في أول الكلام قال: أخبرني هذه يؤتى بها إذا كان الراوي أخذ عنه وحده، لم يأخذ ومعه غيره، وإذا كان أخذ عنه ومعه غيره، فإنه يعبر بأخبرنا، فهذا هو الفرق بين أخبرني وأخبرنا، أخبرني إذا كان أخذ عنه وحده ليس معه أحد، وأخبرنا إذا أخذ هو ومعه غيره.
    السلام بعد سجدتي السهو
    شرح حديث: (أن رسول الله سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم سلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [السلام بعد سجدتي السهو. أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثنا ضمضم بن جوس عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم سلم)، قال: ذكره في حديث ذي اليدين].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السلام بعد سجدتي السهو، أو بعد سجدة السهو. المقصود من ذلك: أن سجود السهو إذا كان بعد السلام، فيسلم بعده أيضاً، ولكن بدون تشهد، يعني ما يتشهد للسلام الثاني الذي بعد سجدة السهو، هذا إذا كان بعد السلام، أما إذا كان قبل السلام، طبعاً كان قبل الخروج من الصلاة، لكن إذا كان سجود السهو بعد السلام، فإنه يسلم بعده، عندما يسجد الإمام للسهو بعد سلامه، يسلم بعد سجود السهو، وقد أورد فيه طرفاً من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين أو في حديث ذي اليدين، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: أنه صلى ركعتين قام وأتى بالركعتين، ثم سلم ثم سجد ثم سلم، معناه: أنه حصل السلام مرتين: مرة قبل سجود السهو، ومرة بعد سجود السهو، يسلم عن يمينه وعن شماله، ثم يسلم عن يمينه وعن شماله بعد سجود السهو.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم سلم)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك].وقد مر ذكرهما.
    [عن عكرمة بن عمار].
    صدوقٌ يغلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ضمضم بن جوس].
    ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (إن النبي صلى ثلاثاً ثم سلم... ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاثاً ثم سلم، فقال الخرباق: إنك صليت ثلاثاً، فصلى بهم الركعة الباقية، ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم)].أورد النسائي حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه، وهو دال على ما ترجم له المصنف، وذلك في قصة أيضاً ذي اليدين الذي هو الخرباق، وفيه أنه أتى بما بقي عليه من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم. فهو دال على ما ترجم له المصنف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى ثلاثاً ثم سلم... ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم)
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي]. وهو: بصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    هو حماد بن زيد بن درهم، وهو بصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحذاء لقب له، وقيل في سبب تلقيبه: أنه كان يجالس الحذائين فقيل له: الحذاء، وهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن؛ لأن المتبادر إلى الذهن إذا قيل: حذاء، أنه يعني إما يبيع الأحذية أو يصنعها، لكن كونه بس يجلس عند الحذائين فيقال له: الحذاء، هذا ليس متبادراً إلى الذهن.
    [عن أبي قلابة].
    هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، البصري، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة، وهو عبد الله بن زيد الجرمي.
    [عن أبي المهلب].
    هذا عم أبي قلابة هو الجرمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمران].
    هو عمران بن حصين صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكنيته أبو نجيد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    جلسة الإمام بين التسليم والانصراف
    شرح حديث البراء بن عازب في جلسة الإمام بين التسليم والانصراف
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [جلسة الإمام بين التسليم والانصراف. أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو عوانة عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، فوجدت قيامه وركعته واعتداله بعد الركعة، فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته بين التسليم والانصراف قريباً من السواء)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: جلسة الإمام بعد التسليم والانصراف، والمقصود من ذلك مقدارها، وأورد حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: (رمقت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته)، أي: ركوعه؛ لأن المقصود بالركعة هنا الركوع، (فركوعه فقيامه أو فاعتداله من الركوع، فسجدته فجلسته بين السجدتين، فجلسته بين التسليم والانصراف قريبٌ من السواء)، معناه: أنه يعني يحصل الإطالة فيها، والمقصود من ذلك إنها متقاربة، وليس مع ذلك أنها متساوية؛ لأن قوله: (قريباً من السواء)، يعني: بينها تفاوت، ليست متساوية، ولكنها قريبة من التساوي، يعني بعضها يزيد على بعض، مثل القيام، فإنه يزيد على الركوع، ومثل التشهد، فإنه يزيد على الجلوس بين السجدتين، وقد جاء في بعض الأحاديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلا القيام والقعود، أنها قريبة من السواء، ما خلا القيام والقعود، يعني: في حال القيام للقراءة، وفي حال القعود للتشهد، فإنه يكون أطول من حال الركوع، ومما يكون بعد الركوع، ومما يكون في السجود، ومما يكون بين السجدتين.
    تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في جلسة الإمام بين التسليم والانصراف
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان]. هوالرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عمرو بن عون].
    هو البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عوانة].
    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهورٌ بكنيته أبي عوانة، وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وممن اشتهر بكنية أبي عوانة شخص آخر هو صاحب المستخرج على صحيح مسلم الذي يقال لكتابه: المستخرج، ويقال له: المسند، ويقال له: الصحيح، يقال: صحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، وكل منها اسم صحيح؛ لأنه مسند حدثنا فلان قال: حدثنا فلان، هو مسند، وهو صحيح؛ لأنه مستخرج على صحيح مسلم ، وهو مستخرج؛ لأنه مستخرج على صحيح مسلم، وهو متأخر، هذا متقدم وذاك متأخر، ذاك بعد مسلم، وهذا من طبقة شيوخ شيوخ البخاري.
    [عن هلال].
    هو هلال بن أبي حميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    هو الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن النساء في عهد رسول الله كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله...)
    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس قال: ابن شهاب: أخبرتني هند بنت الحارث الفراسية: أن أم سلمة رضي الله عنها أخبرتها: (أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من الصلاة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال)].أورد النسائي حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، في باب جلسة الإمام بين التسليم والانصراف، والمقصود من الانصراف هو: الانصراف من الجلوس للصلاة؛ لأن الإمام له حالتان: حالة متجه إلى القبلة، وحالة منصرف إلى جهة المأمومين، والمقصود من هذا انصرافه من جلوسه في مصلاه في الحالتين، يعني كونه أولاً إلى جهة القبلة، ثم إلى جهة المأمومين، وإلى جهة القبلة يعني جلوسه قليلا، مقدار ما يقول: استغفر الله، استغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف، والطول إنما يكون في حال اتجاهه إلى المأمومين، هذا الذي يكون قريبا من الركوع، وقريبا من السجود، وقريبا مما يكون بعد الركوع، قريب من القيام، أي: جلوسه في مصلاه حتى ينصرف إلى بيته، الانصراف إلى البيت، ليس الانصراف عن جهة القبلة؛ لأن الانصراف عن جهة القبلة وقته يسير جداً.
    أورد حديث أم سلمة رضي الله عنها، وهو دال على مراد النسائي مما ترجم له، والمقصود: إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا صلى معه النساء يبقى رسول الله عليه الصلاة والسلام والناس معه، وتنصرف النساء بعد الصلاة، فإذا انصرفن ولم يكن هناك مجال للاختلاط بهن، بحيث يخرج الناس، ويكون هناك اختلاط، بل ينصرفن، ويذهبن فعند ذلك يخرج الرجال، هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحابه يفعلون، بمعنى أنهم يجلسون في مصلاهم في المسجد حتى ينصرف النساء، حتى لا يحصل الاختلاط بين النساء والرجال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النساء في عهد رسول الله كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب، وقد مر ذكره.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره.
    [قال ابن شهاب].
    وقد مر ذكره.
    [أخبرتني هند بنت الحارث الفراسية].
    ثقة، أخرج حديثها البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن أم سلمة].
    هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    الانحراف بعد التسليم
    شرح حديث يزيد بن الأسود: (أنه صلى مع رسول الله صلاة الصبح فلما صلى انحرف)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانحراف بعد التسليم. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن سفيان حدثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى انحرف)].
    ثم أورد هذه الترجمة وهي: الانحراف بعد التسليم، المقصود من ذلك الانحراف من جهة القبلة، انحراف الإمام من جهة القبلة إلى جهة المأمومين؛ لأن الترجمة السابقة الجلسة التي قبل قيامه من مكانه إلى منزله، أو مغادرته المكان الذي صلى فيه، وأما هذه الترجمة تتعلق بالانحراف من جهة القبلة إلى جهة المأمومين.
    أورد النسائي حديث يزيد بن الأسود: (صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى انحرف).
    (فلما صلى انحرف)، يعني: لما صلى بالناس وفرغ من الصلاة انحرف، يعني وليس الانحراف أنه بعد السلام مباشرةً، وإنما كما جاء أنه يقول: استغفر الله، استغفر الله ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يكون الانحراف إلى جهة المأمومين.
    تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن الأسود: (أنه صلى مع رسول الله صلاة الصبح فلما صلى انحرف)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، وكانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثنا يحيى].
    هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هوسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يعلى بن عطاء].
    ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن يزيد].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه].
    هو يزيد بن الأسود صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، يعني مثل الذين خرجوا لابنه.
    الأسئلة

    مدى ثبوت تبرك الصحابة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: هل ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتبركون ببدن النبي صلى الله عليه وسلم؟الجواب: نعم يتبركون بعرقه، ويتبركون بفضل وضوئه، يعني الذي مس جسده.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #252
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (249)


    - (باب التكبير بعد تسليم الإمام) إلى (باب الاستغفار بعد التسليم)
    سُن للمصلي بعد انتهاء صلاته أن يرفع صوته بالذكر مبتدأ بالتكبير والاستغفار كما قال ابن عباس رضي الله عنه: كنا نعرف انقضاء صلاته صلى الله عليه وسلم بالتكبير والاستغفار، ويسن أيضاً قراءة المعوذات بعد انقضاء الصلاة وهي من عموم الذكر الوارد في نهاية كل صلاة.
    التكبير بعد تسليم الإمام
    شرح حديث ابن عباس: (إنما كنت أعلم انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التكبير بعد تسليم الإمام.أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس، قال: (إنما كنت أعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير)].
    يقول النسائي رحمه الله: التكبير بعد سلام الإمام، والنسائي رحمه الله تعالى أورد هذه الترجمة بالتكبير بعد سلام الإمام وفيها التنصيص على لفظ التكبير، وقد جاء عنه في روايةٍ أخرى، أي: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدلنا على أن رفع الصوت بالذكر بعد السلام وردت به السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها ما جاء بلفظ التكبير كما هنا، وفيها ما جاء بلفظ الذكر مطلقاً، ومن المعلوم أن التكبير هو من الذكر، والحديث يدل على أن رفع الصوت بالذكر تكبيراً كان أو غيره بعد سلام الإمام من الصلاة، والمأمومين، كان على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو سنة، ورفع الأصوات بالذكر بعد السلام لا يكون بطريقةٍ جماعية، بأن يكون واحد يقول، والباقون يتبعونه، وإنما كلٌ يذكر الله بنفسه، ويرفع صوته، وقد تلتقي أصوات بعضهم وقد تفترق، فهذا هو الذي كان معروفاً على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما ما يفعل في بعض البلاد من كون الإمام يأتي بالذكر يرفع صوته به ثم المأمومون يتابعونه به ويأتون بصوت واحد بعد صوت الإمام فهذا محدث، وليس من السنة، وإنما السنة أن كل واحد يذكر الله بالذكر الوارد، والذكر المشروع، ويرفع صوته به، أي: رفعاً ليس بشديد، ولكن بحيث يسمع، ودون أن يكون هناك ترتيب التقاء أصوات بحيث لا يتقدم أحد ولا يتأخر أحد عن غيره، وإنما كلٌ يذكر الله في نفسه، فهذا يكبر، وهذا يسبح، وهذا يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دون أن يكونوا كلهم على نسق واحد وعلى وتيرة واحدة، هذا هو الذي جاءت به السنة.
    وذكر في الحديث الذكر بعد السلام فيه تكبير، وغير تكبير، ولفظ الذكر يشمل التكبير وغير التكبير، فهذا يدلنا على مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد سلام الإمام سواء من الإمام أو من المأمومين، وأن هذا هو السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحديثان كما ذكرت جاءا بلفظين: أحدهما: عام، والثاني: خاص، والعام يشمل الخاص، والخاص هو جزء من العام، أي: أن لفظ الذكر لفظ عام يشمل التكبير، والتسبيح، والتهليل، وغير ذلك من الثناء الذي ورد على الله عز وجل، والتكبير هو جزء منه، ورفع الصوت إنما هو في الجميع كما جاء في حديث ابن عباس: (إن رفع الصوت بالذكر)، أي: عموماً، وليس خاصاً بالتكبير، والتكبير هو جزء من الذكر، فيكون رفع الصوت به كرفعه بغيره في الحديث الآخر الذي ورد أو اللفظ الآخر الذي ورد وهو لفظ الذكر.
    ثم قيل: إن ابن عباس رضي الله عنه كان يحتمل أن يكون في ذلك الوقت صغيراً، يعني: من الصغار الذين قد يكون سمع هذا وهو خارج المسجد، ويحتمل أن يكون أيضاً حضر المسجد وصلى، ولكن صلى وراء الصفوف، أي: أن الصبيان يصفون في مؤخرة الصفوف، وفي الصفوف المؤخرة، فيكون سماعهم أو علمهم بالانصراف إنما هو بالذكر الذي يسمعونه من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن الذين حوله، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا، ولكن الحديث دال على مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد السلام.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (إنما كنت أعلم انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير)
    قوله: [أخبرنا بشر بن خالد].هو بشر بن خالد العسكري، بصري، ثقة، يغرب، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي، ثقة، ثبت، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو: مصنف من الأئمة المصنفين، وله كتاب الخراج المشهور.
    [سفيان بن عيينة].
    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، ثقة، ثبت، حجة، إمام، من الأئمة الكبار المعروفين بالحديث وبالفقه، وهو ممن أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يدلس، لكنه لا يدلس إلا عن الثقات، مشهور تدليسه أنه عن الثقات، لا يدلس عن غيرهم شيئاً، وهو من أتباع التابعين، وسفيان بن عيينة روى عن الزهري، والزهري من صغار التابعين، أي: أنه أدرك صغار التابعين، وعاش بعد الزهري مدةً طويلة؛ لأن الزهري توفي مائة وأربع وعشرين، وابن عيينة توفي مائة وسبع وتسعين، فهو في أواخر القرن الثاني، ولكنه أدرك صغار التابعين الذين لقوا صغار الصحابة، وحديثه كما ذكرت أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عمرو بن دينار].
    هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، ثبت، وسفيان بن عيينة مكي، وعمرو بن دينار مكي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معبد].
    اسمه نافذ، وهو مولى ابن عباس، وهو يروي عن ابن عباس، واسمه نافذ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد صغار الصحابة؛ لأنه في حجة الوداع كان ناهز الاحتلام كما جاء ذلك في الحديث عنه: أنه قال: (كنت ناهزت الاحتلام)، يعني في حجة الوداع، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه يقال له: الحبر، ويقال: البحر؛ وذلك لسعة علمه بكتاب الله عز وجل، وهو من أوعية السنة، فإنه من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين تحملوا عنه الحديث الكثير، والذين اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سبعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قد عرفوا بكثرة الحديث، واشتهروا بكثرة الحديث، وهو من أوعية العلم، وأوعية السنة، وأوعية الفقه في دين الله عز وجل، فقد جمع السيوطي هؤلاء السبعة في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي
    المراد بزوجة النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهؤلاء هم السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما أن ابن عباس من السبعة المعروفين بكثرة الحديث، فهو أحد العبادلة الأربعة المشهورين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الذين يسمون بعبد الله من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرون، منهم الأربعة الذي هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وهنالك غيرهم مثل: عبد الله بن قيس الأشعري أبو موسى الأشعري، وكذلك عبد الله أبو بكر الذي هو عبد الله بن عثمان، وكذلك عبد الله ابنه، عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن زيد، صحابة كثيرون يسمون بعبد الله، لكن الذين أطلق عليهم لقب العبادلة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم الذين ذكروا أولاً، وقد عاشوا، وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة الذين ماتوا قبل ذلك، ولهذا قال بعض العلماء: إن عبد الله بن مسعود هو أحد العبادلة الأربعة، لكن المشهور أن عبد الله بن مسعود ليس منهم؛ لأنه متقدم الوفاة، وأما العبادلة الأربعة فهم من صغار الصحابة الذين عاشوا، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، فـابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما ابن عباس توفي سنة اثنان وستين في الطائف، أي: بعد وفاة ابن مسعود بأكثر من ثلاثين سنة، فالذين اشتهروا باللقب ليس منهم عبد الله بن مسعود، وإنما العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة الذين عاشوا وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من المتقدمين، وأخذ عنهم العلم والحديث رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وابن عباس هو أحد العبادلة الأربعة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة
    شرح حديث عقبة بن عامر: (أمرني رسول الله أن اقرأ المعوذات دبر كل صلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن الليث عن حنين بن أبي حكيم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي قراءة المعوذات بعد التسليم، أي: أن من الأمور المشروعة بعد الصلاة وفي أدبار الصلوات: أن الإنسان يقرأ المعوذات وهي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )[الفلق:1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )[الناس:1]، وكذلك (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، هذه الثلاث السور جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مشروعيتها بعد الصلاة، لكنها تكون بعد الذكر المشروع: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع إلا الجد منك الجد)، فتأتي بعد هذه الأذكار قراءة هذه السور، وكذلك أيضاً جاء قراءة آية الكرسي مع هذه السور، أي: تقرأ في أدبار الصلوات الخمس، آية الكرسي، وهذه السور الثلاث: سورة الإخلاص، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )[الفلق:1]، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )[الناس:1]، جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بقراءتها في أدبار الصلوات، ومن المعلوم ما اشتملت عليه هذه السور العظيمة من الثناء على الله عز وجل ودعائه، والاستعانة به، والتعويذ على الله عز وجل، واللجوء إليه، وأنه هو الذي ينفع ويضر.
    الله تعالى هو النافع الضار، (لو أن الأمة اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك)، فالأمر كله بيد الله عز وجل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ومن أراد الله ضره فلا يستطيع أحد أن يرده، ومن أراد الله نفعه لا يستطيع أحدٌ أن يرده، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ )[فاطر:2]، فالأمر كله بيده سبحانه وتعالى، فقراءة هذه السور فيه الاستعاذة بالله عز وجل، والاعتصام به، واللجوء إليه، والتعويل عليه، والتوكل عليه سبحانه وتعالى؛ حتى يحصل العبد على ما ينفعه، وحتى يسلم من الوقوع فيما يضره.
    وكلمة (دبر الصلاة)، المقصود بالدبر هنا بعد الصلاة، وليس في داخلها، والدبر يطلق على ما كان في آخر الصلاة، وعلى ما كان بعد الصلاة، فالدبر يطلق على آخر الشيء، وعلى ما يلي آخر الشيء، كل ذلك يقال له: دبر، فما قبل السلام من الصلاة يقال له: دبر الصلاة، وما بعد السلام من الصلاة يقال له: دبر الصلاة، وقد جاءت الأحاديث في هذا، وفي هذا، لكن هنا المراد بذلك ما بعد الصلاة، وليس أنه قبل السلام؛ لأنه قبل السلام ليس فيه قراءة قرآن، وإنما فيه كون الإنسان يتخير من الدعاء ما شاء، وأما قراءة القرآن فتكون في القيام في الصلاة، فلا تكون في الركوع والسجود، ولا في الجلوس، وإنما تكون في القيام، وأما بعد السلام فالحديث الذي معنا دل على مشروعية قراءة هذه السور بعد الصلوات، وفي أدبار الصلوات، وبعد الذكر المشروع الذي جاء بيانه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي سيأتي عند النسائي في أحاديث قادمة في هذه الأبواب.
    وقول عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: (أمرني رسول الله عليه الصلاة والسلام)، أمر النبي عليه الصلاة والسلام لواحد هو أمرٌ للجميع، لا يختص الحكم به، بل هو له ولغيره، ولهذا لما نزلت: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وكان ذلك بسبب ما حصل لرجلٍ من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما جاء تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: (ألي هذا خاصة يا رسول الله؟ قال: بل لأمتي كلهم)، فخطاب النبي عليه الصلاة والسلام لواحد خطابٌ للجميع، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام لواحد أمرٌ للجميع، إلا إذا جاء شيءٌ يدل على اقتصار الحكم على الرجل بدليلٍ خاص يدل على أن هذا له وليس لغيره، فعند ذلك يقتصر الحكم عليه، أما إذا لم يأت دليلٌ خاص يدل على أن الحكم لهذا الشخص لا يتعداه إلى غيره، فإن الحكم هنا يكون عاماً للجميع، فقول عقبة: أمرني رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو أمرٌ للأمة كلها، وأمرٌ للناس جميعاً ولا يخصه، وإنما الحكم له ولغيره.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر: (أمرني رسول الله أن اقرأ المعوذتين دبر كل صلاة)
    قوله: [محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ولا الترمذي، وهناك شخص آخر يقال له: محمد بن سلمة أعلى منه طبقة يروي عنه النسائي بواسطة، فإذا جاء في الإسناد محمد بن سلمة من شيوخ النسائي، فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة، وهو من شيوخ شيوخه، فالمراد به الحراني، والذي معنا هو المصري.
    [عن ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن حنين بن أبي حكيم].
    لا أستطيع أن أجزم هل هو ثقة أو صدوق؟ ولكن أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن علي بن رباح].
    يقال له: عُلي بالتصغير، ومشهور بـعلي، واسمه علي، ومشهور بالتصغير علي، قالوا: وكان يغضب من أن يقال له: عُلي بالتصغير، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الاستغفار بعد التسليم
    شرح حديث: (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستغفار بعد التسليم.أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد عن أبي عمرو الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار: أن أبا أسماء الرحبي حدثه: أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاستغفار بعد التسليم، يعني: كون الإنسان يستغفر الله بعد أن يسلم، وقد جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بمشروعية الاستغفار بعد التسليم.
    فالإنسان عندما يسلم يستغفر الله أول شيء ثلاثاً: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، ويقول مع ذلك: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقولها الإمام وهو متجهٌ إلى القبلة، ثم ينحرف إلى جهة المأمومين بعد أن يأتي بهذا الذكر، ويكمل الذكر الباقي وهو إلى جهة المأمومين.
    وقوله: (إذا انصرف)، المراد هنا الانصراف التسليم، فمعنى إذا انصرف من صلاته، أي: سلم من صلاته، ثم يقول هذا الذكر الذي هو الاستغفار، والثناء على الله عز وجل بما بعده، (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، فيأتي به الإنسان أول شيء، والإمام يأتي به وهو متجه إلى القبلة، وإذا أتى به انصرف إلى جهة المأمومين، فالانصراف يكون من الصلاة، ويكون إلى المأمومين، والمراد هنا انصراف الإمام من الصلاة، أي: تسليمه منها، أي: كونه سلم منها، أي: أنه خرج منها؛ لأنه كما جاء في الحديث (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)؛ لأن التسليم هو نهاية الصلاة، فالإنسان إذا سلم حل له ما كان حراماً عليه قبل أن يدخل في الصلاة، ولهذا جاء في الحديث: (تحريمها التكبير، وتحليليها التسليم)، إذا قال الإنسان: الله أكبر تكبيرة الإحرام حرم عليه ما كان حلالاً قبله، لا يأكل، ولا يشرب، ولا يلتفت، ولا يتصرف التصرفات التي كان يباح له أن يتصرف فيها، ويستمر الأمر حتى يسلم، وإذا سلم حصل التحليل، معناه رجع الأمر إلى ما كان عليه قبل التكبير، المعنى أنه يحل له أن يتكلم، ويحل له أن يلتفت، ويحل له أن يفعل الأشياء التي له أن يفعلها قبل أن يدخل في الصلاة، فالمراد بالانصراف هنا التسليم، (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً).
    ثم ذكر الاستغفار بعد الصلاة، هذا فيه كون الإنسان يعترف بالتقصير، وأنه محل الخطأ، وأنه يستغفر الله عز وجل عما حصل من تقصير في صلاته التي صلاها؛ لأنه عرضة للخطأ، وعرضة للتقصير، ثم أيضاً فيه هذا كون الإنسان يعتبر نفسه مهما عمل أنه مقصر، فيحتاج إلى أن يدعو بهذا الدعاء الذي هو استغفار الله عز وجل، وأن يغفر الله له، وقد جاء الاستغفار بعد أداء الأعمال، مثل: الصلاة، ومثل: الحج؛ لأن الحج أيضاً جاء في القرآن الأمر بالاستغفار بعده، وذلك يدل على كون الإنسان مهما عمل من عمل فهو عرضةٌ للخطأ، وهو بحاجة إلى مغفرة الله عز وجل، فيلح على الله عز وجل ويستغفره، وإن حصل منه ما حصل من الأعمال فهو عرضةٌ للتقصير، ومحل للتقصير، فهو يلجأ إلى ربه ويستغفره، ويسأله أن يغفر له ما حصل من تقصير، هذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، الأعمال تختتم بالاستغفار، فالصلاة جاء فيها الأحاديث وغيرها من الأحاديث، الإنسان يستغفر بعد الصلاة، وكذلك الحج، الإنسان يستغفر، كما جاء في القرآن من سورة البقرة، يستغفر الله عز وجل؛ لأنه محل التطهير، فهو يلجأ إلى ربه ويستغفره، ويطلب منه أن يغفر له ما حصل من خلل، ففائدة الاستغفار الاعتراف بالخطأ، والتقصير، وكونه يعني يكون فيها تكميل وجبر لما حصل من خلل، وذلك بأن يستغفر الله عز وجل، وأن يتجاوز عنه ذلك الخلل الذي حصل منه، فيكون يعمل ما عمل وهو خائفٌ وجل، كما قال الله عز وجل عن عباده وأوليائه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60]، فهذا هو شأن المؤمن يجمع بين الإيمان، والخوف، وبين العمل، والمخافة بألا يقبل عمله، بخلاف المنافق، فإنه يجمع بين كونه لا يعمل، ومع ذلك يأمن أو يرجو أن يأمن، بخلاف أوليائه سبحانه وتعالى فإنهم يعملون ويخافون، (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[المؤمنون:60]، يعني: هم خائفون ألا يتقبل منهم، يعملون الأعمال الصالحة ومع ذلك يخشون ألا تكون مقبولةً عند الله، فهم خائفون وجلون.
    (استغفر ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، والله تعالى من أسمائه السلام، ومنه السلامة، ومن سلمه الله تعالى فهو المسلم، ومن ضره فهو الذي أصابه الضرر؛ لأن النفع بيد الله، والضر بيد الله عز وجل، فهو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع سبحانه وتعالى، ففي ذلك ثناءٌ على الله عز وجل، (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام). تراجم رجال إسناد حديث: (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً ...)
    قوله: [محمود بن خالد].هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الوليد]
    هو الوليد بن مسلم الدمشقي، ثقة، يدلس، ويرسل، يعني عنده تدليس التسوية، وتدليس الإسناد، فهو معروفٌ بالتدليس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [الأوزاعي].
    هو أبو عمرو الأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمرو، كنيته توافق اسم أبيه، فأبوه عمرو، وكنيته أبو عمرو، فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، وهو ثقة، ثبت، فقيه الشام، ومحدثها، وهو: إمام مشهور، وعالم كبير، وهو: مشهور بهذه النسبة الأوزاعي، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك ألا يظن التصحيف؛ لأنه من يعرفه بأنه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، لو جاء في إسناد عبد الرحمن أبو عمرو الأوزاعي، قد يظن أنه تصحيف، أن ابن صحفت إلى أبو، وكله صواب، فهو عبد الرحمن أبو عمرو، وهو عبد الرحمن بن عمرو، إن قيل فيه: أبو عمرو فهو صحيح؛ لأن أبو عمرو كنيته، وإن قيل فيه: ابن عمرو فهو صحيح لأن أبوه عمرو، ففائدة معرفة هذا النوع الأمن من التصحيف، أو ألا يظن التصحيف بأن ابن تحولت إلى أبو، فليس تصحيفاً بل هو صواب؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو، وهو عبد الرحمن أبو عمرو، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شداد أبو عمار].
    هو شداد بن عبد الله أبو عمار الدمشقي، صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن أبا أسماء الرحبي].
    هو عمرو بن مرثد الدمشقي، مشهور بكنيته أبي أسماء، واسمه عمرو بن مرثد الدمشقي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، مثل تلميذه شداد الذي قبله، شداد بن عبد الله أبو عمار، كلٌ منهما خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [يروي عن ثوبان].
    مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد لازم النبي عليه الصلاة والسلام وأخذ عنه، وبعد وفاته انتقل إلى الشام، ومات بحمص، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، مثل الذين قبله؛ لأنهم ثلاثة على التوالي كلهم خرج حديثهم البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وهذا الإسناد من أوله إلى آخره شاميون، مسلسل بالشاميين، الذي هو محمود بن خالد، وبعده الوليد بن مسلم، وبعده الأوزاعي، وبعده شداد أبو عمار، وبعده أبو أسماء الرحبي، وبعده ثوبان مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، كلهم شاميون، فهو مسلسلٌ بالشاميين، والمسلسل هو الذي يتفق الرواة فيه بوصفٍ من الأوصاف، بأن يكونوا شاميين، أو يكونوا أسماؤهم واحدة، أو يكونوا صيغتهم في الأداء واحدة وما إلى ذلك، فهذا هو المسلسل، وهو نوعٌ من أنواع علوم الحديث، والذي معنا في الإسناد مثالٌ لهذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو المسلسل بالشاميين؛ لأن الرواة فيه كلهم شاميون.
    الأسئلة

    رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة للتعليم
    السؤال: ما رأيك فيمن يقول: إن رفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته بالذكر بعد الصلاة كان للتعليم، ويؤيد هذا المعنى عموم الشريعة التي جاءت بالإكثار بالدعاء والذكر، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً )[الأعراف:55]؟الجواب: نعم، قال بهذا بعض أهل العلم، ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم برفع الصوت، وكان يعلم بأن يقول: قولوا كذا وكذا، وما دام أنه لم يأت شيءٍ يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم ثم ترك، أو أنه كان يفعل بعض الأحيان ثم يترك، وكان يداوم على ذلك عليه الصلاة والسلام، دلنا هذا على أن رفع الصوت بالذكر لتعليم، ولكن ليس الرفع المزعج، أو الصوت الشديد الذي فيه تشويش، لا، وإنما يسمع الإنسان من حوله، فترتفع الأصوات، يعني: بالذكر من غير شدةٍ في الرفع بحيث يكون فيه إزعاج ويكون فيه مشقة على الإنسان، الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه يرفعون أصواتهم بالذكر، ولو كان ذلك للتعليم لكفى أن يرفع صوته لهم مرة واحدة أو مرتين، وكان يكفيهم المرة الواحدة أن يقولوا هذا بأن يعلمهم بمرةٍ واحدة، لكن ابن عباس يخبر أن هذا كان معروفاً أنهم يعلمون انقضاء الصلاة بسماع الذكر بعد التسليم.
    حكم أكل شيء من شجر أُحد
    السؤال: شيخ جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (حرم ما بين لابتيها، لا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها)، وجاء أيضاً أنه من يذهب إلى أُحد فعليه أن يأكل ولو من شجره؟الجواب: لم يثبت أن على الإنسان أن يأكل من شجر أُحد، لم يثبت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام شيء، وأما كونه حرم ما بين لابتيها ثابت، وكونه حرم ما بين عير وثور ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأُحد داخل في الحرم؛ لأن ثور هو الجبل الذي هو حد الحرم وراء أُحد، لكن كون الإنسان يأكل من شجر أُحد لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، والشيء الذي ينبته الله ولا ينبته الناس ليس للإنسان أن يأخذ منه، وأن يختلي الخلاء، وأن يقطع الشجر الذي ينبته الله، ولكن الذي ينبته الناس يأخذونه، فإذا زرعوا يحصدون زروعهم ويستعملونها، وإنما الذي ينبته الله عز وجل من شجر ونبات لا يأخذ الإنسان منه في داخل الحرم، لا في مكة ولا في المدينة.
    حكم رفع الصوت بالذكر
    السؤال: هل رفع الصوت بالذكر عامٌ في الصلوات الخمس أو هو خاص بالمغرب والفجر؟الجواب: لا، عام، رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة في جميع الصلوات الخمس، ليس خاصاً بالمغرب والعشاء، الذي هو خاصٌ بالمغرب والعشاء قول: لا إله إلا الله وحده لا شرك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات.
    مداخلة: المغرب والفجر؟
    الشيخ: الفجر والمغرب، الذي في آخر الليل وأول الليل، هاتان الصلاتان جاء فيهما قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد الذكر المشروع، وأما الذكر العام الذي ذكرته آنفاً فهذا عام في جميع الصلوات.
    حكم الجهر بآية الكرسي والمعوذتين بعد الانتهاء من الصلاة
    السؤال: هل يجهر بقراءة المعوذات وآية الكرسي أيضاً؟الجواب: لا، لا يدخل؛ لأنه كما هو معلوم أن القرآن ذكر، ولكن لا يشرع للإنسان أنه يقرأ ويرفع الصوت، والناس يرفعون أصواتهم بقراءة المعوذات وآية الكرسي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #253
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (250)

    - (باب الذكر بعد الاستغفار) إلى (باب نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة)
    يستحب الذكر عقب الصلاة، وقد ورد في السنة عدة صيغ منها: الاستغفار، والتهليل، والتكبير، وغيرها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ بـ: (اللهم أنت السلام ومنك السلام ...).
    الذكر بعد الاستغفار
    شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الذكر بعد الاستغفار. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن إبراهيم بن صدران عن خالد حدثنا شعبة عن عاصم عن عبد الله بن الحارث عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)].
    يقول النسائي رحمه الله: الذكر بعد الاستغفار. وقد أورد النسائي قبل هذا: الاستغفار بعد السلام، وهو أن يستغفر ويقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله ثلاث مرات، ثم يأتي بهذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
    وقد مر الحديث مشتملاً على ذكر الاستغفار، وعلى هذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!)، وأورد النسائي هذه الترجمة ليستدل بها، أو ليورد تحتها الحديث الدال على هذا؛ لأن مقصوده هنا: الذكر عموماً، وقبل ذلك التنصيص على الاستغفار، والحديث الذي مر فيه الجمع بين الاستغفار وبين هذا الذكر، وهذا الحديث فيه ذكر الذكر فقط الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!)، والسنة جاءت بالاثنين، أي: يجمع بينهما، فيقول بعد ما يسلم مباشرة: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
    وقوله: (اللهم أنت السلام)، (السلام) اسم من أسماء الله عز وجل، وأسماء الله عز وجل توقيفية، يوقف فيها عند النصوص من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي تثبت به الأسماء، وتثبت به الصفات؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، لا يقال عن شيء منها إثباتاً أو نفياً إلا بدليل يدل على ذلك، مع اعتقاد أن الله متصف بكل كمال، وأنه منزه عن كل نقص.
    يقول: (اللهم أنت السلام)، أي: السلام اسم من أسمائك، (ومنك السلام)، أي: أنت الذي تمنح السلامة، وتتفضل بالسلامة، فيكون الإنسان أثنى على الله عز وجل من جهة ذكر اسم من أسمائه، ومن جهة ذكر أنه هو الذي يتفضل بالسلام، وهو الذي يجود بالسلامة ويتفضل بالسلامة.
    (تباركت يا ذا الجلال والإكرام!)، ثناء على الله عز وجل، وأنه المتصف بأنه ذو الجلال والإكرام، كما قال الله عز وجل في آخر سورة الرحمن: ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ )[الرحمن:78]، فهو سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام، وهذا الذكر بعد السلام فيه ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له وتمجيد، وبيان أنه هو الذي يجود بالسلامة، وهو المتصف بأنه ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
    وقوله: (كان رسول الله عليه الصلاة والسلام)، (كان) في الغالب أنها للتكرار والاستمرار والدوام، كان يفعل كذا، أي: أنه يداوم على ذلك، بعدما يسلم يأتي بهذا الذكر، فكلمة (كان) الغالب أنها تدل على الدوام والاستمرار، لكن ليس ذلك بلازم، فإنها تأتي أحياناً لا تدل على الاستمرار والتكرار، وإنما تدل على المرة الواحدة، كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، ومن المعلوم أنه في الحج عندما يرمي الجمرة، ويحلق رأسه، يتحلل ويتطيب، ثم يذهب إلى البيت، ويطوف به طواف الإفاضة، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام حج حجة واحدة، هي حجة الوداع، فقول عائشة: (كنت أطيب رسول الله عليه الصلاة والسلام)، هذا دليل على أن (كان) تأتي أحياناً لا تفيد الاستمرار؛ لأن ذلك حصل مرة واحدة.
    فإذاً: الغالب على (كان) أو الإتيان بـ(كان)، أنه يفيد الاستمرار، ويفيد الدوام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يداوم على ذلك، ولكن ذلك ليس بمطرد دائماً وأبداً، فقد تأتي (كان) لا تفيد الدوام والاستمرار، ودليله: هذا الحديث الذي يتعلق بصفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم في الصحيح، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [ومحمد بن إبراهيم بن صدران].
    هو محمد بن إبراهيم بن صدران، وهذا شيخ آخر للنسائي، أي أن النسائي روى عن الاثنين، ومحمد بن إبراهيم بن صدران صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي.
    [عن خالد بن الحارث].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهو من جملة أمراء المؤمنين في الحديث، وهم عدد قليل من المحدثين وصفوا بهذا الوصف، وهو وصف عال، ولقب رفيع، لم يظفر به إلا القليل من المحدثين، منهم: شعبة، ومنهم: سفيان الثوري، ومنهم: البخاري، ومنهم: الدارقطني، ومنهم: إسحاق بن راهويه، عدد قليل من المحدثين منهم هؤلاء، ومن أرفع صيغ التعديل أن يوصف الشخص بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديث شعبة بن الحجاج أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن الحارث].
    هو أبو الوليد البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة، اشتهرت بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم ترو امرأة من النساء الصحابيات مثل ما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهي مكثرة من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذكروا أن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    وهؤلاء السبعة هم: أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فهؤلاء سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    والمرد بزوجة النبي: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    التهليل بعد التسليم
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا سلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التهليل بعد التسليم.أخبرنا محمد بن شجاع المروذي حدثنا إسماعيل بن علية عن الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو الزبير سمعت عبد الله بن الزبير يحدث على هذا المنبر، وهو يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: التهليل بعد التسليم، وأتى بهذا الذكر، وهو يكون بعد الذكر الماضي الذي ورد في الأحاديث الماضية، وهو الاستغفار ثلاثاً، وقوله: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!)، فهي أول ما يبدأ به، والإمام يقولها وهو متجه إلى القبلة، ثم ينحرف إلى جهة المأمومين ويأتي ببقية الذكر.
    وهنا أورد النسائي الترجمة وهي: التهليل بعد التسليم، والتهليل: قول: لا إله إلا الله، وما يتصل به وما يرتبط به، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة السلام، كان إذا انصرف من صلاته قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن)، وقد جاء في بعض الروايات بغير هذا اللفظ، (له الحمد وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن)، وهنا قال: (أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)، هذا الذكر يؤتى به بعد الذكر الماضي الذي هو الاستغفار. وقوله: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!)، فيه التهليل، لأن فيه أولاً: لا إله إلا الله، وهذا هو التهليل، وجاءت كلمة: وحده لا شريك له، وهي بمعنى: لا إله إلا الله؛ لأن (وحده) تأكيد لـ(إلا الله)، و(لا شريك له) تأكيد لـ(لا إله)، فهي بمعنى: لا إله إلا الله، كأن لا إله إلا الله جاءت مرتين: مرة على سبيل الابتداء، ومرة على سبيل التأكيد، ولكن بلفظ آخر غير اللفظ الأول؛ لأن كلمة (وحده) هذه مؤكدة لـ(إلا الله)، ولا شريك له مؤكدة لـ(لا إله)، فهي بمعنى: لا إله إلا الله.
    (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)، فقد جاء فيه ذكر: لا إله إلا الله عدة مرات، مع إضافة ثناء على الله عز وجل بعد ذكر التهليل.
    فإذاً: الحديث دال على التهليل بعد الصلوات.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا سلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن شجاع].هو محمد بن شجاع المروذي، والمروذي نسبة إلى مرو الروذ؛ لأن هناك مروان، مرو الشاهجان، ومرو الروذ، ويفرقون بين مرو الشاهجان فينسبون إليها فيقولون: المروزي، بزيادة زاي، وأما مرو الروذ فيقال فيها: المروروذي، ويقال: المروذي باختصار كما هنا، أي: نسبة إلى مرو الروذ، وهي بلدة من بلاد خراسان قريبة من مرو الشاهجان التي ينسب إليها، فيقال: مروزي، ولهذا يأتي في النسب أحياناً مروزي، وأحياناً يأتي مروذي كما هنا، وهذا هو الفرق بين هاتين النسبتين، وهما بلدتان من بلاد خراسان بينهما أربعون فرسخاً.
    و محمد بن شجاع المروذي ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا أبو داود، ولا ابن ماجه.
    [حدثنا إسماعيل بن علية].
    علية هي أمه، واشتهر بالنسبة إليها، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ولكنه مشهور بـابن علية، ولهذا يأتي أحياناً يقال: إسماعيل بن إبراهيم بن علية، نسبة إلى أبيه وإلى أمه، يعني: تذكر أمه؛ لأنه اشتهر بذلك، وهو ثقة، ثبت، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وإسماعيل بن إبراهيم هذا إمام من أئمة أهل السنة، وله ابنان: ابن هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو من أهل السنة، وله ابن آخر من الجهمية هو إبراهيم بن إسماعيل، وإبراهيم بن إسماعيل هذا جهمي، وقال عنه الذهبي: جهمي هالك، هو الذي يأتي ذكره في الفقه في المسائل الشاذة عندما تأتي مسائل فيها شذوذ، يخالف فيها ابن علية، المراد به ابنه إبراهيم الجهمي المبتدع، وليس إسماعيل المشهور، ولا ابنه محمد بن إسماعيل، وإنما المراد به إبراهيم بن إسماعيل، ومن المسائل الشاذة التي خالف فيها: مسألة الإجارة، يقول: الإجارة غير جائزة، هي حرام، يعني: كون الإنسان يستأجر إنساناً، أو يستأجر داراً أو ما إلى ذلك، يقول: إن ذلك لا يجوز، وهو حرام، وهذا شذوذ، فمن من الناس يستغني عن الإجارة؟! وغالباً ما يكون في الحرف؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يكون محيطاً بأنواع الحرف بحيث يقوم بمصالحه، فلا بد أن يستأجر غيره ليقوم بالشيء الذي لا يتقنه، فهذا من المسائل التي شذ بها إبراهيم بن علية الجهمي.
    وإسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي بن علية هذا ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حجاج بن أبي عثمان].
    هو حجاج بن أبي عثمان البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو الزبير].
    هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق يدلس، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبد الله بن الزبير].
    هو عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي رضي الله تعالى عنه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة؛ لأنه رضي الله تعالى عنه لما هاجرت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق إلى المدينة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانوا نزلوا في قباء، قبل أن ينتقلوا إلى المدينة، فولد في قباء في الأيام القليلة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم مكث في قباء فيها، قبل أن يتحول إلى المدينة، وأتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وحنكه.
    فـعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم من صغار الصحابة، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، إذا قيل: العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالمراد بهم هؤلاء الأربعة.
    وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة رضي الله عنه وأرضاه.
    عدد التهليل والذكر بعد التسليم
    شرح حديث عبد الله بن الزبير في عدد التهليل بعد التسليم
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عدد التهليل والذكر بعد التسليم.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا هشام بن عروة عن أبي الزبير كان عبد الله بن الزبير يهلل في دبر الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يقول ابن الزبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن في دبر الصلاة].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: عدد التهليل والذكر بعد التسليم، وهنا لم يذكر مقداراً من حيث العدد، ولكنه ذكر التهليل عدة مرات، جاءت ثلاث مرات التهليل؛ لأنه جاء: لا إله إلا الله ثلاث مرات مضافاً إليها ثناء على الله عز وجل آخر، وهذا هو مقصود النسائي بهذه الترجمة وهي العدد، من حيث أن: (لا إله إلا الله) جاءت بهذا الذكر ثلاث مرات مضافاً إليها ثناء على الله عز وجل بما هو أهله، فهذا هو مقصود النسائي بقوله: بالعدد؛ لأن لا إله إلا الله الذي هو التهليل جاءت ثلاث مرات بهذا الذكر، وهو الذكر الذي مر في الحديث الذي قبل هذا، ولكنه أورده من طريق أخرى للاستدلال به على العدد، والعدد ليس من حيث التنصيص عليه، ولكن من حيث وجود التعدد، وهو الإتيان بلا إله إلا الله ثلاث مرات.
    (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)، فجاءت لا إله إلا الله ثلاث مرات، أي: أن الذي اشتمل عليه هذا الذكر من عدد التهليل إنما هو ثلاث مرات، هذا هو مقصود النسائي من ذكر العدد في هذه الترجمة.
    وابن الزبير رضي الله عنه كان يأتي بهذا الذكر، ولكن جاء في آخر الحديث ما يدل على أنه مرفوع؛ لأنه قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر الصلاة). فقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذا هو الدليل على رفع ذلك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أن ابن الزبير كان يفعل ذلك ويرفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الزبير في عدد التهليل بعد التسليم
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المشهور بـابن راهويه المروزي، وراهويه هذه من الألفاظ المركبة التي اللغويون لهم فيها نطق، والمحدثون لهم فيها نطق آخر، فالمحدثون يأتون بها الهاء مضمومة والواو ساكنة والياء مفتوحة، وبعدها هاء، راهويه، وأما اللغويون: فيجعلونها مختومه بـ(ويه)، راهويه، يعني: آخره ويه، الواو مفتوحة والياء ساكنة وبعدها هاه، فالمحدثون يقولون: راهُوْيَه، وأهل اللغة يقولون: راهَوَيْه.
    وإسحاق بن إبراهيم هذا ثقة، ثبت، مجتهد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهو من جملة الذين وصفوا بوصف أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع كما ذكرت عند ذكر شعبة بن الحجاج قريباً: أنه لم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين.
    أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فـابن ماجه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا عبدة].
    هو عبدة بن سليمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن عروة].
    هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة

    شرح حديث: (كان رسول الله إذا قضى صلاته قال: اللهم لا مانع لما أعطيت ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة.أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان سمعته من عبدة بن أبي لبابة وسمعته من عبد الملك بن أعين كلاهما سمعه من وراد كاتب المغيرة بن شعبة كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى الصلاة قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر بعد الصلاة، (نوع آخر)؛ لأنه ذكر قبل ذلك حديث عبد الله بن الزبير، وهنا أورد هذا الذكر الذي جاء عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، وذلك أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كتب إليه -أي: كتب إلى المغيرة بن شعبة- يطلب منه أن يخبره عن شيء سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة السنن، وعلى معرفة أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن بعضهم يتلقى عن بعض، وبعضهم يسأل عن بعض، بل يكاتبه ويطلب منه أن يكتب له بالشيء الذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وهنا أورد النسائي حديث: المغيرة عن وراد مولى المغيرة بن شعبة، ويخبر أن معاوية كتب إليه يطلب منه أن يخبره بشيء سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكتب له أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الصلاة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وهذا فيه ثناء على الله عز وجل؛ لأن قوله: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)، دال على إثبات القدر، وأن ما قدره الله عز وجل لا بد وأن يكون، وأن ما أراد الله حصوله لا يمكن لأحد أن يحول عنه، وما أراد الله منعه لا يمكن لأحد أن يأتي به، كما جاء في حديث آخر وهو حديث ابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فهذا فيه إثبات القدر، ويقول الله عز وجل: ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ )[فاطر:2]، فالذي يعطيه الله عز وجل، والذي يقدر الله عز وجل أن يكون، لا يحال دون حصوله، وما شاء الله أنه لا يكون، لا يمكن أن يكون، وهذا هو معنى قول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل ما شاءه الله لا بد أن يكون، وكل ما لم يشأه الله لا يمكن أن يكون، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
    (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، الجد هنا: المراد به الحظ والنصيب، والغنى، والمعنى: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، هذا هو الذي ينفع، فالمال والحظ والنصيب ومتاع الحياة الدنيا، وكون الإنسان يحصل من الدنيا ما يحصل، ليس هذا هو الذي ينفع الإنسان عند الله عز وجل، وإنما ينفع عنده العمل الصالح، لا ينفع ذا الجد منك الجد، ذا الجد مفعول مقدم، يعني: لا ينفع الحظ صاحبه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فالمراد بالجد هنا الحظ والنصيب.
    والجد يأتي بالفتح، يعني: يأتي لثلاثة معان، يأتي للحظ، والنصيب كما هنا، ويأتي بمعنى أبو الأب الذي هو الجد وأبو الأم، ويأتي بمعنى العظمة، ومنه قول الله عز وجل: ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً )[الجن:3]، يعني: تعالى عظمته.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا قضى صلاته قال: اللهم لا مانع لما أعطيت ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].للنسائي شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة، ولكن عندما يأتي مهملاً غير منسوب، يعني: ما قال: المكي، وما قال: الجواز، وما قال: الطوسي، فيحتمل هذا وهذا، لكن يحمل على أنه المكي؛ وذلك لأن ابن عيينة مكي، ومن المعلوم أنه إذا كان الشخص محتمل يراد به فلان، أو يراد به فلان، فمن يكون له ملازمة، أو اتصال بالشيخ، فإنه يكون محمولاً عليه، أو أقرب من حمله على غيره؛ لأن هذا هو الذي يراد به عند الإهمال، وهو من يكون له علاقة بالذي يروي عنه، ومحمد بن جواز المكي هو مكي، وسفيان بن عيينة مكي.
    إذاً: يحمل المهمل على المكي الجواز وليس على الطوسي، وإنما يحمل على المكي، وهذه هي الطريقة في المهمل.
    ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعته من عبدة بن أبي لبابة].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له في السنن ولكن خرج له في المسائل.
    [وسمعته من عبد الملك بن أعين].
    صدوق، ووصف بأنه شيعي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن ليس له في الصحيحين إلا حديث واحد مقرون بغيره، وهنا النسائي أورده مقروناً بغيره؛ لأنه ذكر عبدة بن أبي لبابة، وذكر عبد الملك بن أعين، فهو ذكر الاثنين معاً، فقد ذكره مقروناً.
    [كلاهما سمعه من وراد].
    هو وراد الثقفي مولى المغيرة بن شعبة وكاتب المغيرة بن شعبة، ولهذا يقال له: الثقفي نسبة إلى ثقيف الذين هم قبيلة المغيرة بن شعبة بالولاء، يعني: نسبة ولاء؛ لأن النسب تأتي أحياناً نسباً، وتأتي أحياناً ولاء، فـالمغيرة بن شعبة الثقفي نسباً، ووراد الثقفي ولاءً، ووراد مولى المغيرة بن شعبة وكاتبه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان أميراً على البصرة، ثم كان أميراً على الكوفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من الدهاة، ومن أهل القوة في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في صحيح البخاري أن جيشاً غزى ..(انقطاع)..
    يعني: طلب أن يأتي واحد منهم، فذهب المغيرة بن شعبة، وقال: ما أنتم؟ والمترجم يترجم فقال: نحن قوم من العرب كنا نمص النوى، ونلبس الشعر، وكنا متفرقين، وكنا كذا، وذكر صفات من صفاتهم في الجاهلية.. وأرسل الله إلينا رسولاً من أنفسنا، فأخبرنا بأننا نقاتل ونجاهد، وأن من مات منا فهو في الجنة، ومن مات منكم فهو في النار، فهذا هو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث: (أن رسول الله كان يقول دبر الصلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن منصور عن المسيب أبي العلاء عن وراد قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر الصلاة إذا سلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)].أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن لفظه: (له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن)، والأولى: (أهل النعمة والفضل والثناء الحسن)، فهو في المتن مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].
    هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المسيب أبي العلاء].
    هو المسيب بن رافع أبو العلاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن وراد قال: كتب المغيرة بن شعبة].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    أما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فليس من رجال الإسناد، ليس من الرواة هنا؛ وإنما ذكر لأن وراد كاتب المغيرة يخبر أن معاوية كتب إلى المغيرة يطلب منه أن يخبره بحديث، فكتب إليه بالحديث، فالراوي للحديث هو وراد يروي عن مولاه المغيرة بن شعبة، ومعاوية رضي الله عنه ليس من رواة الحديث هنا في هذا الإسناد.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #254
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (251)

    - (باب كم مرة يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...؟) إلى (باب نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة)
    سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أذكاراً بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة؛ ليكملوا بذلك ما نقص من صلاتهم، ومن ذلك التهليل، ودعاء كفارة المجلس، وغير ذلك من الأدعية.
    كم مرة يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...)
    شرح حديث المغيرة بن شعبة في قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له...) ثلاث مرات عقب الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم مرة يقول ذلك.أخبرنا الحسن بن إسماعيل المجالدي أنبأنا هشيم أخبرنا المغيرة وذكر آخر، ح، وأخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم حدثنا غير واحد منهم المغيرة عن الشعبي عن وراد كاتب المغيرة: أن معاوية كتب إلى المغيرة أن اكتب إلي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات)].
    يقول النسائي رحمه الله: كم مرة يقول ذلك؟ أي: التهليل الذي يكون بعد السلام، وهو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وقد مر في البابين السابقين، أو في الحديثين السابقين حديث وراد الذي يرويه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، والذي فيه هذا الذكر ومعه: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، ولم يذكر فيه العدد.
    والحديث رواه البخاري، ومسلم وغيرهما، وليس فيه ذكر العدد، وقد رواه النسائي من هذه الطريق وفيها ذكر العدد وأنه ثلاث مرات، أي: يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، بعد الصلوات أو بعد كل صلاة ثلاث مرات، والذي جاء بالطرق الكثيرة في الصحيحين وفي غيرهما ذكر هذا الذكر وليس فيه ذكر العدد، وإنما الذي جاء به ذكر العدد هذه الرواية عند النسائي، وقد ذكر الشيخ الألباني أن هذه الرواية شاذة؛ لأن الحديث إسناده ثقات، ولكن الرواة الآخرون الذين رووه من غير هذا الطريق لم يذكروا العدد، والشاذ تعريفه عند المحدثين هو: ما يرويه الثقة مخالفاً من هو أوثق منه، فالثقات رووه بدون ذكر الثلاث، وهم كثيرون في الصحيحين وفي غيرهما، وهنا فيه ذكر العدد، فتعتبر الرواية شاذة من جهة أن الثقة خالف من هو أوثق منه.
    إذاً: فالثابت هو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وقد جاء مرة واحدة خرجه أئمة كثيرون منهم البخاري، ومسلم، وليس فيه ذكر هذه الزيادة التي هي ثلاث مرات.
    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة في قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...) ثلاث مرات عقب الصلاة
    قوله: [أخبرنا الحسن بن إسماعيل المجالدي].هو الحسن بن إسماعيل المجالدي المصيصي، ثقة، أخرج حديثه النسائي .
    [أنبأنا هشيم].
    هو ابن بشير الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، قال عنه الحافظ في التقريب: كثير التدليس والإرسال الخفي.
    التدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمع منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، هذا هو تدليس الإسناد، والإرسال الخفي هو: أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه، بحيث يكون معاصراً له واللقي ممكن فيروي عنه ما لم يسمع منه، فهذا يقال له: إرسال خفي؛ لأن الإرسال هو إضافة الحديث إلى من لم يلقه، وقد يكون فيه انقطاع، أي: بأن يكون فيه مسافة طويلة، وقد يكون مدركاً له في زمنه، والذي مدركاً زمنه ومعاصراً له هو الذي يكون فيه خفاء؛ لأنه إذا نظر في تاريخ الولادة، وتاريخ الوفاة يقال: إنه قد أدركه، فالسماع ممكن، والرواية ممكنة، لكن إذا كان بين وفاة هذا وولادة هذا مدة عُرف أن فيه انقطاع، ويكون الانقطاع واضح، والإرسال واضح.
    فالفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاءه إياه، أي: يدلس عن شيخ من شيوخه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، ولكن الإرسال المعروف عند المحدثين هو أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المرسل عند المحدثين، ويطلق الإرسال عند الفقهاء على ما هو أعم، وهو: أن من روى عمن لم يدرك عصره أو عاصره ولم يسمع منه، يقال له: مرسل بهذا المعنى، لكونه يضيف الحديث إلى من لم يسمع منه، سواء عاصره أو لم يعاصره، فهو يقال له: مرسل بهذا المعنى، ويقال: إن هذا هو اصطلاح الفقهاء، وأما اصطلاح المحدثين والمشهور عندهم فإنهم يقولون: المرسل قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أي: يخصون ذلك بالتابعي، وأما المعنى العام الذي منه هذا الإرسال الخفي الذي عرف به هشيم بن بشير، وهو متأخر، فهذا من المرسل بالمعنى العام الذي هو اصطلاح الفقهاء.
    وهشيم بن بشير الواسطي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالتدليس، ولهذا العراقي عندما مثّل في ألفيته للمدلسين في الصحيح ذكر هشيم، قال:
    وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش
    أي: تجد كثيراً من رواة الصحيحين وصفوا بالتدليس، ومنهم هشيم بن بشير هذا الواسطي.
    [عن المغيرة].
    وهو: المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، متقن، يدلس، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وذكر آخر].
    قوله: وذكر آخر، يعني: أن هشيماً ذكر مع المغيرة بن مقسم شخص آخر، لكنه هنا أُبهم، هذا يسمى المبهم، أي: كون الرجل يذكر بأن يقال مثلاً: رجل أو قال شخص آخر، هذا يقال له المبهم، بخلاف المهمل، فالمهمل هو: أن يذكر اسمه أو اسمه واسم أبيه، ولكنه يلتبس بغيره ممن يوافقه في الاسم واسم الأب، فهذا يسمى المهمل، وأما إذا قيل: رجل أو امرأة، فهذا يسمى المبهم، قال: وذكر رجلاً آخر، أي: فلم يذكره في الإسناد هنا، وإنما أشار إليه إشارة، وأبهمه ولم يسمه، ومن المعلوم أن ذلك لا يؤثر؛ لأن العمدة على الشخص المذكور؛ لأن الإسناد لم يبن على شخص مبهم، بل ذكر شخص ثقة، وأضيف إليه شخص مبهم، فوجود المبهم مثل عدمه، لا يؤثر، وإنما يضر الإبهام لو كان الإسناد مبنياً عليه، بأن يكون هشيم روى عن شخص لم يسم، أو قال: عن رجل، فهذا يقال له: مبهم، ويؤثر، لكن هنا لا يؤثر.
    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة بعد تحويل السند
    [ح].ح، ثم ذكر تحويلاً وهو (ح)، وهي حاء مهملة يؤتى بها للإشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد يعني: المحدث يمضي في الإسناد، ثم يريد أن يستأنف إسناداً آخر من جديد يتلاقى مع الإسناد الأول، فبدل ما يمشي في الإسناد من أوله إلى آخره ثم يذكر إسناداً آخر تتكرر الأسماء في الآخر، فيريد أن لا يكرر، فيذكر الإسناد ويمضي فيه إلى مكان يكون فيه التلاقي بين الإسناد المذكور والإسناد الذي سيذكره، فيأتي بكلمة (حاء) الدالة على التحويل، أي: التحول من إسناد إلى إسناد، فالذي بعد (حاء)، يعتبر شيخ من شيوخ النسائي ؛ لأنه بدأ بإسناد آخر يمشي مع هذا الإسناد الأول، ويلتقيان عند شخص، ثم يتحد الإسناد بعد ذلك، فيكون طريقان يلتقيان عند شخص، ثم يتحد الطريقان بعد ذلك.
    فـ(حاء) هذه تدل على التحويل، والإمام مسلم رحمه الله يستعملها كثيراً جداً، والسبب في هذا، أنه يجمع الأحاديث في مكان واحد، لا يفرقها مثل البخاري، والنسائي يفرقها في أبواب ويعقد تراجم، ويأتي بحديث لعدة تراجم، فيذكر الحديث بإسناد في مكان، وبإسناد في مكان، فلا يحتاج إلى التحويل، لكن مسلم رحمه الله، يجمع الأحاديث في مكان واحد، فيحتاج إلى كثرة التحويل لجمعه الأحاديث في مكان واحد، والنسائي رحمه الله، ليس كثير التحويل، أي: بالنسبة لـمسلم، وإن كان يوجد عنده تحويل، لكنه ليس بالكثرة الكاثرة، وإنما هو قليل بالنسبة لمثل مسلم، والبخاري مثل النسائي، يحول، يعني: يستعمل التحويل، ولكنه ليس كثيراً كـمسلم، رحمة الله على الجميع.
    [أخبرني يعقوب بن إبراهيم الدورقي].
    وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وأصحاب الكتب الستة هم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي ويعتبر يعقوب بن إبراهيم شيخاً لهم جميعاً، كلهم يروون عنه مباشرة وبدون واسطة، فهو من صغار شيوخ البخاري، وقد مات قبل البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فالفرق بينهما أربع سنوات.
    ومثل يعقوب بن إبراهيم الدورقي في كونه توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكذلك بكونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة، شخصان آخران وهما: محمد بن المثنى الملقب الزمن العنزي، ومحمد بن بشار الملقب بندار، فهذان الشخصان كل منهما توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، فهؤلاء الثلاثة يعتبرون من صغار شيوخ البخاري، وماتوا قبل البخاري بأربع سنوات وكانت وفاتهما في سنة واحدة.
    [حدثنا هشيم].
    هو هشيم بن بشير الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [حدثني غير واحد].
    قوله: حدثني غير واحد؛ لأن لفظ يعقوب بن إبراهيم الدورقي في روايته عن هشيم، أن هشيماً قال: حدثني غير واحد، أو أخبرني غير واحد منهم المغيرة أي: ابن مقسم، فذاك الإسناد الأول يقول: وذكر آخر، يعني: أن هشيماً ذكر آخر في روايته عن يعقوب عن المغيرة بن مقسم، وأما في طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي فإنه في الرواية عن هشيم قال: حدثني غير واحد منهم المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن وراد].
    وراد هو مولى المغيرة بن شعبة، وقد مر ذكره في الإسنادين السابقين قبل هذا، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المغيرة بن شعبة الثقفي].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وذكرت في الدرس الماضي أن معاوية رضي الله عنه ليس من رواة الحديث أي: ليس من رجال الإسناد؛ لأن ذكر معاوية فيه ورد عرضاً؛ لأنه كتب إلى المغيرة يريد منه أن يحدثه بحديث عن رسول الله، فالذي يروي الحديث هو وراد عن المغيرة، لكن رسالة معاوية هي السبب في كون وراد سمع من المغيرة، أو كتب للمغيرة هذا الحديث الذي أرسل به إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    نوع آخر من الذكر بعد التسليم
    شرح حديث عائشة في كفارة المجلس
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر بعد التسليم.أخبرني محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة حدثنا خلاد بن سليمان قال أبو سلمة وكان من الخائفين، عن خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلساً أو صلى تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال: إن تكلم بخير كان طابعاً عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة له: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك)].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر بعد التسليم، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتكلم بكلمات، فسألته عن تلك الكلمات فذكرها، ولكنه ذكر قبلها ما يدل على أهميتها، وهي: أنه كان إذا جلس مجلساً وقال خيراً، فإنها تكون طابعاً عليه، يعني: كالخاتم عليه، أي: حصَّل خيراً وختم بخير، وإن كان غير ذلك -يعني: شراً- كان كفارة، ولهذا فهذا الحديث يقال عنه: أنه حديث كفارة المجلس، فالإنسان إذا جلس مجلساً ثم قام منه وقال هذه الكلمات فإنها تكون كفارة لما حصل في ذلك المجلس، وإن كان خيراً كان طابعاً على ذلك الخير وختماً على ذلك الخير، وهذا يدل على أهمية هذا الذكر وعلى الترغيب فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في كفارة المجلس
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسحاق الصاغاني].وهو ثقة، ثبت، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا أبو سلمة الخزاعي].
    واسمه: منصور بن سلمة، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، ولم يخرج له الترمذي، ولا ابن ماجه.
    وأبو سلمة منصور بن سلمة ممن وافقت كنيته اسم أبيه، لأنه منصور بن سلمة وهو أبو سلمة، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف؛ لأنه إذا كان معروفاً عند بعض الناس بالنسبة وذكر بالكنية قد يظن أنه تصحيف، فيظن أن (ابن) صحفت إلى (أبو)، لو جاء منصور أبو سلمة، يظن من لا يعرف أن كنيته أبا سلمة يقول: إن (أبو) مصحفة عن (ابن)، لكن من عرف أن كنيته اسم أبيه، يعرف ألا تصحيف، وأن الكل صواب، إن قيل: منصور أبو سلمة فهو صواب، وإن قيل: منصور بن سلمة فهو صواب.
    [عن خلاد بن سليمان].
    وهو ثقة، خرج له النسائي.
    [عن خالد بن أبي عمران].
    وهو فقيه، صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي.
    [عن عروة].
    وهو عروة بن الزبير بن العوام تابعي مشهور، ثقة وفقيه من فقهاء المدينة السبعة؛ لأنه اشتهر في عصر التابعين سبعة يقال لهم: الفقهاء السبعة، يطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، إذا جاء في كتب الفقه قال به الفقهاء السبعة، فالمراد بهم فقهاء المدينة السبعة، وعروة بن الزبير بن العوام أحد هؤلاء الفقهاء السبعة، وهم: ستة متفق عليهم والسابع مختلف فيه، فالستة المتفق عليهم: سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكر الفقهاء السبعة ابن القيم في أول كتابه إعلام الموقعين، وذكر سابعهم أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر البيت الثاني يشتمل على السبعة، فلا أدري من الذي قال ذلك الشعر هل هو ابن القيم أم غيره، يقول:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل هم: عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة رضي الله تعالى عنها].
    أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وهي الصحابية الوحيدة التي روت الكثير من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرتُ في الدرس الماضي أن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فالمراد بزوجة النبي: عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم
    شرح حديث عائشة: (... رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أعذني من حر النار وعذاب القبر)
    قال رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يعلى حدثنا قدامة عن جسرة قالت: حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت علي امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت، فقالت: بلى، إنا لنقرض منه الجلد والثوب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا فقال: ما هذا؟ فأخبرته بما قالت، فقال: صدقت، فما صلى بعد يومئذ صلاة إلا قال في دبر الصلاة: رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أعذني من حر النار، وعذاب القبر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم؛ لأنه ذكر: ذكر ودعاء؛ لأن فيه ذكر وهو الثناء على الله بكونه رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، وفيه دعاء وهو قوله: أعذني من حر النار، وعذاب القبر، ففيه ذكر، وفيه دعاء، أوله ذكر وثناء، وآخره دعاء، فقال: الذكر والدعاء بعد التسليم، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة اليهودية التي جاءت إليها وقالت: (إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت، فقالت: بلى، إنا لنقرض منه الجلد والثوب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا فقال: ما هذا؟ فأخبرته بما قالت، فقال: صدقت) صدقت فيما قالت، ثم قالت: (فما صلى بعد يومئذٍ صلاة إلا قال في دبر الصلاة: رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أعذني من حر النار، وعذاب القبر) المقصود من إيراد هذا الذكر والدعاء الذي في آخر الحديث، هذا هو الذكر والدعاء بعد الصلاة وبعد التسليم.
    والحديث يدل على إثبات عذاب القبر، وعذاب القبر تواترت فيه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من حيث إثباته وبيان أنه حق، ومن حيث ورود الأدعية الكثيرة في التعوذ بالله من عذاب القبر، وكذلك جاء في القرآن إثباته في قصة عذاب آل فرعون: ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46]، فإن هذا يدل على إثبات عذاب القبر؛ لأن الله تعالى قال: النار يعرضون عليها غدواً وعشياً، ثم قال: ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )[غافر:46] معناه: أنهم يعذبون قبل قيام الساعة، يعذبون بالنار في قبورهم قبل قيام الساعة وقبل البعث والنشور، فهذا يدل على إثبات عذاب القبر ولكنه فيما يتعلق بالكفار؛ لأن هذا عذاب الكفار.
    وعذاب القبر، جاء في حق الكفار، وفي حق المسلمين الذين هم أهل للعذاب، وقد مر في الحديث الذي في الصحيحين مرور النبي صلى الله عليه وسلم في القبرين، قال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فكان عذابهما بهذين السببين، فأحاديث عذاب القبر متواترة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وجاء في الحديث أنهم كانوا يقرضون منه الثوب والجلد، وهذا من الآصار التي كانت على من قبلنا، وأما هذه الأمة فإنهم يغسلون النجاسة ويغسلون الثياب فتطهر بالغسل.
    وقوله في الدعاء: (جبريل وميكائيل وإسرافيل) هذا توسل إلى الله عز وجل بربوبيته، لجبريل وميكائيل وإسرافيل، وتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، هذا هو التوسل المشروع، فخير التوسل: أن يتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى التوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل.
    والحديث ذكر الشيخ الألباني أنه ضعيف الإسناد.
    ترجمة رجال إسناد حديث: (... رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].وهو أحمد بن سليمان الرهاوي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
    [حدثنا يعلى].
    وهو: ابن عبيد بن أبي أمية الطنافسي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قدامة].
    وهو ابن عبد الله العامري الكوفي، مقبول، أخرج حديثه ابن ماجه، والنسائي.
    [عن جسرة بنت دجاجة العامرية].
    وهي مقبولة، خرج حديثها أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عائشة].
    وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا، والإسناد فيه قدامة وفيه جسرة بنت دجاجة، وقد قال عن كل منهما الحافظ في التقريب أنه مقبول، والمقبول هو الذي لا يعول على حديثه إلا إذا توبع. نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة
    شرح حديث: (... اللهم أصلح ديني الذي جعلته لي عصمة ...) قال رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء عند الانصراف من الصلاة.أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو حدثنا ابن وهب أخبرني حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعباً حلف له بالله الذي فلق البحر لموسى إنا لنجد في التوراة: أن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وحدثني كعب أن صهيباً حدثه أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند انصرافه من صلاته].
    ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر بعد التسليم، وأورد فيه هذا الحديث عن صهيب رضي الله تعالى عنه، والذي ذكر في أوله عن كعب الأحبار أنه قال: إنا نجد في التوراة أن داود عليه الصلاة والسلام كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمه، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخط، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد، منك الجد.
    هذا المعنى الذي جاء في هذا الحديث جاء في أحاديث ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)، فهاتان الجملتان في هذا الحديث جاءتا في صحيح مسلم، وحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك) أيضاً جاء في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديث: (لا مانع لما أعطيت ولما معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) جاء في أحاديث منها ما تقدم قريباً في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه.
    وهذا الإسناد قال عنه الألباني إنه ضعيف الإسناد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود].وهو ثقة، روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حفص بن ميسرة].
    وهو ثقة ربما وهم، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن موسى بن عقبة].
    وهو ثقة، إمام في المغازي، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن أبي مروان].
    وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.
    [عن أبيه].
    أبو مروان قيل: اسمه مغيث، وقيل: اسمه سعيد، وقيل غير ذلك، وقيل: إن له صحبة، وقال عنه النسائي إنه ليس بمعروف، ولعل الكلام في الحديث من جهة أبي مروان هذا، ثم أبو مروان يروي عن كعب الأحبار.
    [عن صهيب].
    وهو صهيب بن سنان الرومي صحابي مشهور حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وفي الحديث شيء يدل على نكارته في المتن، وذلك أنه قال: إنا نجد في التوراة أن داود، وداود إنما كان بعد موسى؛ لأن موسى أنزلت عليه التوراة وداود كان بعد زمن موسى، فهذا يدل على النكارة من حيث المتن، وإن كان يمكن أن يذكر أمر مستقبل في التوراة، لكن هنا فيه حكاية: أنه كان يقول إذا انصرف من صلاته قال: كذا وكذا، فهذا قد يظهر منه أنه فيه نكارة من حيث المتن، بالإضافة إلى ضعف الإسناد الذي قال الشيخ الألباني.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #255
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (252)

    - (باب التعوذ في دبر الصلاة) إلى (باب نوع آخر من عدد التسبيح)
    ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر كل صلاة من الكفر والفقر وعذاب القبر، ورغب الشارع في التسبيح عشراً، والحمد عشراً، والتكبير عشراً عقب الصلاة، كما ثبت الترغيب في زيادتها إلى ثلاث وثلاثين.
    التعوذ في دبر الصلاة
    شرح حديث أبي بكرة في قول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) دبر الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التعوذ في دبر الصلاة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن عثمان الشحام عن مسلم بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، فكنت أقولهن، فقال أبي: أي بني عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة].
    يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من التعوذ في الصلاة. سبق أن عرفنا فيما مضى أن الدبر تطلق على آخر الشيء وعلى ما يلي آخر الشيء، وقد جاء في الأحاديث إطلاق الدبر على ما كان في آخر الصلاة قبل التسليم وعلى ما كان بعد التسليم، كل ذلك يطلق عليه دبر الصلاة، ودبر الشيء هو آخره أو هو آخره وما يلي آخره، والنسائي أورد هذا الحديث فيما كان بعد السلام؛ لأنه ذكر ما يتعلق بما كان قبل التسليم في أبواب سابقة، ثم ذكر بعد ذلك -أي بعد التسليم- ما يتعلق بما كان بعد السلام من تسبيح، وتكبير، وتعوذ، وما إلى ذلك.
    وهذا ذهابٌ من النسائي إلى أن المراد بهذا التعوذ إنما هو بعد السلام، واللفظ يقتضيه، وإذا فعله الإنسان قبل السلام وبعد السلام فكل ذلك حق؛ لأن لفظ دبر يحتمل المعنيين، وقد جاء في الحديث فيما يتعلق بالصلاة أنه بعدما يأتي بالتشهد قال: (يتخير من الدعاء ما شاء)، فهو يأتي بما يناسب من الدعاء، ولا سيما الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، وعذاب القبر. يتعوذ من هذه الأمور الثلاثة: الكفر، والفقر، وعذاب القبر، وكان ابنه قد سمعه وهو يتعوذ بهذه التعوذات ويدعو بهذا الدعاء، ففعل مثلما كان يفعل والده، ثم إن الأب سأله: عمن أخذت هذا؟ قال: عنك، سمعتك تقول فقلت، فأخبر أبو بكرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقولها في دبر الصلاة، هذا هو الذي يدل على رفعه وأنه مضاف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    والتعوذ بالله من الكفر تعوذ من أخطر الأمور وأشدها وأعظمها، ألا وهو الكفر بالله عز وجل، والتعوذ من الفقر الذي يترتب عليه عند كثير من الناس الوقوع في محاذير بسبب ذلك، والتعوذ من عذاب القبر الذي يكون في البرزخ، لأن ما بين الموت والبعث هو في القبر إما معذب وإما منعم، وعذاب القبر حق لمن كان له عقل، والمراد من ذلك: ما كان بعد الموت وقبل البعث، فإن من كان مستحقاً لعذاب القبر عذب ولو لم يكن من المقبورين، أي لم يحفر له في التراب ويدفن، كأن أكلته السباع، أو أحرق وذر في الهواء، أو أكلته الحيتان في البحر، أو ما إلى ذلك، من كان مستحقاً لعذاب القبر -وهو عذاب البرزخ الذي يكون بعد الموت وقبل البعث- فإنه يصل إليه العذاب، ولا يقال: إن الناس إذا حفروا قبوراً ما يرون جنة ولا ناراً؛ لأن عذاب القبر من أمور الغيب التي علينا أن نصدق بها، وأن نؤمن بها، ولو لم ندرك ونشاهد، فالمستحق للعذاب يصل إليه العذاب، والمستحق للنعيم يصل إليه النعيم، ولو كانا في قبر واحد، فإن هذا في عذاب لا يدري عن نعيم ذاك، وهذا الآخر في نعيم لا يدري عن عذاب هذا، فالمنعم منعم والمعذب معذب، وهما متجاوران، وهذه أمور غيبية على المسلم أن يصدق بها، وإن لم يدرك الحقيقة؛ لأن هذا من الإيمان بالغيب.
    ثم إن في أمور الدنيا وفي أحوال الدنيا ما يوضح وما يرشد إلى هذه الحقيقة، وهي أن الاثنين يكونان في مكان واحد وفي غرفة واحدة، أو قد يكونان في لحاف واحد، مثل الزوج وزوجته، ثم ينامان ويستيقظان، ويكون أحدهما في نعيم وهو في هذه النومة، والثاني في عذاب وهو في تلك النومة، وهذا ما درى عن هذا وهذا ما درى عن هذا، واحد منهم ينام ثم يرى رؤى طيبة ويرى أموراً سارة ويأكل نعيماً ويحصل له أمور طيبة، والآخر بجواره وهو بضده، يرى أن الحيتان تلاحقه، وأن السباع تنهشه، وأن العقارب تلسعه، ثم يستيقظان هذا في نعيم ما درى عن الذي بجواره، وهذا في عذاب ما درى عنه الذي في جواره، وإذا كان هذا حاصل في أمور الدنيا المشاهدة المعاينة فإن أمور الآخرة أو أمور البرزخ يجب الإيمان بها والتصديق ولو لم يشاهد الإنسان تلك الحقيقة؛ لأن أمور الغيب ليست مثل أمور الدنيا، أمور القبر ليست مثل أمور الدنيا، الواجب على الإنسان التصديق والإيمان.
    فكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من هذه الأمور الثلاثة: الكفر الذي هو أعظم الذنوب وأخطر الذنوب وأشدها، والفقر الذي يفضي أو يؤدي إلى كثير من الخطايا والمحرمات، وعذاب القبر الذي يحصل للإنسان بعد الموت وقبل البعث.
    ثم أيضاً المحاورة التي جرت بين أبي بكرة وابنه تدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من تلقي العلم وأخذه عن أهله، وأن العالم يقتدى به؛ لأن ابن أبي بكرة لما سمع أباه يتعوذ تبعه وأخذ بما سمع من والده، وأبوه سأله عن المستند، فأخبره بأنه سمعه يقول فقال مثلما قال، فأخبره بالذي استند عليه في ذلك، وأنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وهو يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الملازمة والاتباع لهديه عليه الصلاة والسلام.
    وكذلك يدلنا على ما كان عليه التابعون من التلقي عن الصحابة ومن متابعة الصحابة فيما يسمعونهم يدعون به ويتلقون عنهم، وهذا يدلنا على فضل السابقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وحرصهم على تلقي العلم وعلى بذل العلم؛ لأن فعل أبي بكرة فيه بذل العلم، وفيه التنبيه إلى التمسك به، والابن بادر إلى التعوذ بهذه التعوذات العظيمة، التي هي التعوذ بالله من الكفر، والفقر، وعذاب القبر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة في قول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) دبر الصلاة
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، ثقة، ناقد، محدث، من أئمة الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير، وكثيراً ما يأتي بلفظ الفلاس، يعني: يأتي بلقبه، وهو الفلاس، قال الفلاس كذا، وثقه الفلاس، ضعفه الفلاس، قال فيه الفلاس، والمراد به عمرو بن علي هذا، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة؛ لأن بمعرفتها دفع توهم أن الشخص الواحد يكون شخصين فيما لو ذكر في مكان عمرو بن علي، وفي مكان آخر الفلاس، الذي ما يعرف أن عمرو بن علي هو الفلاس، يظن أن الفلاس شخص وأن عمرو بن علي شخص آخر، لكن من عرف أن هذا شخص واحد اسمه كذا ولقبه كذا إذا جاء في موضع بخلاف الموضع الآخر، هذا باللقب وهذا بالاسم لا يلتبس عليه الأمر، والذي لا يعرف ذلك يتلبس عليه الأمر، يظن أن الفلاس شخص غير عمرو بن علي، قد يأتي في الإسناد شخص مرة بلقبه ومرة باسمه في أسانيد في مكان واحد، فيظن من لا يعرف أن هذا شخص آخر غير هذا، ومن عرف أن هذا لقب لا يلتبس عليه الأمر، ولهذا اعتنى المحدثون بمعرفة الألقاب، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه أخرى، وعمرو بن علي كلامه في الرجال كثير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    وهو ابن سعيد القطان، وهو محدث، ناقد، ثقة، ثبت، وكلامه في الرجال كثير، ويأتي كثيراً بـالقطان -أي: يأتي بلقبه القطان- وأحياناً يحيى بن سعيد القطان، وكلامه في الرجال كثير، وقد ذكره الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، ذكره هو وعبد الرحمن بن مهدي وأثنى عليهما، وقال: إنهما إذا اتفقا على جرح شخص فلا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان الهدف وأنه يعول على كلامهما، وحديث يحيى بن سعيد القطان أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وفي طبقة يحيى بن سعيد القطان: يحيى بن سعيد الأموي، وقبلهما بطبقة أو بطبقتين: يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن سعيد التيمي، فهما من طبقة صغار التابعين، يعني: الإمام مالك يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو قبله، وممن بعده -أي: بعد الإمام مالك -يحيى بن سعيد القطان، فاثنان في طبقة واثنان في طبقة، وكل منهما يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأموي في طبقة واحدة متأخرة، وهي ما فوق شيوخ الشيخين البخاري، ومسلم، ومن طبقة صغار التابعين يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد التيمي، وكلهم ثقات.
    [عثمان الشحام].
    وهو الشحام العدوي، لا بأس به، وكلمة (لا بأس به): تعادل صدوق كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في المقدمة، بأنه الذي دون الثقة، ويقل عن الثقة الذي يعتبر حديثه صحيحاً، أي: من يقل عنه يقال له: صدوق، ويقال له: لا بأس به أو ليس به بأس، وحديث من يكون كذلك هو الحسن لذاته، فإذا جاء ما يعضده ارتفع إلى الصحيح لغيره، فكلمة: (لا بأس به) تعادل صدوق، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن مسلم بن أبي بكرة].
    وهو الثقفي، وهو صدوق، أخرج حديثه مثل الذي قبله مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي بكرة].
    وهو الثقفي نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    عدد التسبيح بعد التسليم

    شرح حديث: (يسبح أحدكم دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عدد التسبيح بعد التسليم.
    أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون ومائة في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده، وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه، سبح ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، فهي مائة على اللسان، وألف في الميزان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأيكم يعمل في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ قيل: يا رسول الله، وكيف لا نحصيهما؟ فقال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، ويأتيه عند منامه فينيمه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب عدد التسبيح بعد التسليم. وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل)، ثم ذكر الخلتين، وهما: أن يسبح بعد كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فتلك مائة وخمسون باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان؛ لأن الصلوات خمس وبعد كل صلاة ثلاثين، فتكون الجملة في اليوم والليلة مائة وخمسين، والحسنة بعشر أمثالها، فتكون في الميزان ألفاً وخمسمائة.
    ثم ذكر عليه الصلاة والسلام الخلة الثانية، يعني: كون الإنسان عندما يأوي إلى فراشه يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر أربعاً وثلاثين، فتكون مائة باللسان وألفاً في الميزان، فيكون المجموع ألفين وخمسمائة، ألف وخمسمائة فيما يتعلق بالتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات، وألف فيما يتعلق بالتسبيح والتحميد والتكبير عند النوم، هاتان هما الخلتان.
    ثم قالوا: (وكيف لا نحصيهما؟)، يعني: هاتين الخلتين، وهو أن يعملوا بهذا العمل، وأن يأتوا بهذا الذكر في هذين الموطنين، فقال عليه الصلاة والسلام: (أيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟)، يعني: هذا فيه ألفان وخمسمائة حسنة، فأيكم يعمل ألفين وخمسمائة سيئة؟ معناه: أن الحسنات تقضي على السيئات، فإذا كان الإنسان عمل سيئات في اليوم والليلة -ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله- فالحسنات تذهب السيئات، فألفان وخمسمائة حسنة تقضي على تلك السيئات التي تحصل من الإنسان، فيبقى بقية بعد ذلك، بعدما تقضي الحسنات على السيئات، معناه: أن السيئات لا تعادل الحسنات بل تكون أقل منها؛ لأن الحسنات تضاعف والسيئات لا تضاعف كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الإنسان إذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً)، كونه هم بها ولم يعمل، مجرد الهم تكتب له حسنة كاملة، وإذا هم بسيئة ينظر، إن عملها كتبت سيئة واحدة وإن لم يعملها ما كتب عليه شيء، فالحسنات تفوق السيئات، وهذا العدد الكبير من الحسنات يذهب السيئات التي تحصل من الإنسان في اليوم والليلة.
    قالوا: (وكيف لا نحصيهما؟) -أي: الخصلتين- وهذا يرجع إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة)، قالوا: وكيف لا نحصيهما؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام بين السبب الذي يحصل بسببه النقص على الإنسان، وهو أن الشيطان يأتي للإنسان في صلاته فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، فينشغل في صلاته عن صلاته، فيكون فيها نقص، فيكون هذا التسبيح فيه جبر لذلك النقص ولتلك السيئات التي حصلت بسبب كون الشيطان حال بين الإنسان وبين صلاته أو شغله في صلاته، فهو أتى بها، ولكن شغله عن أمور كثيرة فيها، وكذلك أيضاً يأتي عند النوم فينيمه دون أن يأتي بتلك التسبيحات، والتحميدات، والتكبيرات، يأتيه فينيمه ثم لا يكون أتى بتلك الأعمال التي تأتي بألف حسنة -التي هي مائة في اللسان وألف في الميزان- فبين عليه الصلاة والسلام المداخل التي يدخل الشيطان بها على الإنسان، فينقص عمله أو يفوت عليه العمل، ينقص العمل بالنسبة للصلاة، حيث يقول له: اذكر كذا، واذكر كذا فيشغله عنها، أو يذهبه كلية بحيث ينام وقد نسي، أو غفل عن أن يأتي بهذا الذكر الذي فيه هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى.
    ثم إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مقدمة الحديث: (خلتان -والمقصود بهما خصلتان- لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل)، هذا فيه تشويق وترغيب في سماع ما سيذكر؛ لأن هذا مما يرغب السامع، ويشوقه إلى الشيء الذي سيذكر؛ لأنه لو جاء الكلام على أن الصلوات الخمس هي كذا، وكذا، وكذا، ما يكون مثل ما لو مهد للكلام بشيء يشوق إليه ويجعل الإنسان يستعد له ويتهيأ، وهذا في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام كثير، كثيراً ما يأتي في الأحاديث: ثلاث كذا، ثلاث من فعلهن فله كذا، وكذا، سواء في الخير أو في الشر، (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)، ثم ذكر الثلاث، (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، فيأتي بشيء يمهد -أي فيه وصف الذي سيأتي- حتى يستعد له الإنسان، ومن أمثلة ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد مهد لهما بهذه الأوصاف التي تدل على عظم شأنهما وعلى عظم أجرهما مع خفتهما، مهد لذلك قبل أن يذكرها، فالسامع عندما يسمع: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، يسأل ما هي الكلمتان الذي هذا شأنهم؟ هما: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام وفصاحته وبلاغته ونصحه عليه الصلاة والسلام لأمته، وهذا من تمام إبلاغه لأمته، فقد بلغ البلاغ المبين وبين للناس ما يحتاجون إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً ...)
    قوله: [يحيى بن حبيب بن عربي].وهو بصري ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حماد].
    وحماد غير منسوب، وفي هذه الطبقة شخصان هما حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار، وهما بصريان، اتفقا في كثير من الشيوخ والتلاميذ، ولهذا يأتي في بعض التراجم: روى عنه الحمادان، أو روى عن الحمادين، المقصود بها: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، فهما في طبقة واحدة، وهنا ذكر حماد ولكنه غير منسوب، فيحتمل ابن زيد ويحتمل ابن سلمة، فأيهما؟
    في ترجمة يحيى بن حبيب بن عربي في تهذيب الكمال للمزي، ذكر أنه روى عن حماد بن زيد فقط، ولم يرو عن حماد بن سلمة، إذاً عرفنا أن هذا المهمل هو حماد بن زيد؛ لأن يحيى بن حبيب بن عربي روى عن حماد بن زيد فقط، وما روى عن حماد بن سلمة في الكتب الستة، أو عند رجال أصحاب الكتب الستة.
    إذاً: عرفنا المهمل وتعيينه، ومثل هذا يسمى المهمل، وهو أن يتفق الاثنان في الاسم، أو في الاسم واسم الأب، ثم لا يعرف من هو، فذلك يعرف بالشيوخ والتلاميذ، وإذاً فـيحيى بن حبيب بن عربي هو تلميذ لـحماد بن زيد، وليس تلميذاً لـحماد بن سلمة.
    وحماد بن زيد بن درهم البصري ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن السائب الثقفي، هو صدوق اختلط، والمختلط الطريقة في معرفة ما يقبل من روايته وما يرد: أن الذي حدث به قبل الاختلاط يعتبره ويؤخذ به، وما حدث به بعد الاختلاط هذا هو الذي لا يعول عليه، ويعرف ذلك عن طريق التلاميذ؛ لأن منهم من روى قبل الاختلاط ومنهم من روى بعد الاختلاط، وحماد بن زيد ممن روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط.
    إذاً: حديثه معتبر، أو ما جاء من رواية حماد بن زيد عن عطاء بن السائب -الذي اختلط أخيراً- فإنه يعتبر؛ لأنه ممن سمع قبل الاختلاط، فأمن المحذور الذي هو كونه بعد الاختلاط وكونه مما حصل بعد اختلاطه، بكون حماد بن زيد إنما روى قبل الاختلاط، والحافظ ابن حجر ذكر في ترجمة عطاء بن السائب في آخرها جملة الذين رووا عنه قبل الاختلاط، ومنهم حماد بن زيد.
    إذاً: رواية حماد بن زيد عن عطاء بن السائب هي مما يعتبر ويعول عليه؛ لأن المحذور زال، ومن روى عن المختلط قبل اختلاطه فروايته مقبولة معتبرة، وعطاء بن السائب أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    قيل هو السائب بن مالك الثقفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، وهو: مثل ابنه.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو ابن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس من السبعة الذين عرفوا بالكثرة وتميزوا على غيرهم، والذين مر ذكرهم في الدرس الماضي، ولكنه معروف بكثرة الحديث؛ لأنه كان يكتب كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إنه كان يكتب ولا أكتب)، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين مر ذكرهم في الدرس الماضي، وهم من صغار الصحابة: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، إذا قيل: العبادلة الأربعة من الصحابة، فالمراد بهم هؤلاء الأربعة.
    وعمرو بن العاص قيل: أنه تزوج وهو صغير، وولد له عبد الله بن عمرو وقيل: إن عمر عمرو بن العاص حين ولادة ابنه عبد الله ثلاث عشرة سنة، أي: احتلم مبكراً، وتزوج مبكراً، وولد له في سنة مبكرة، فـعمرو بن العاص يكبر ابنه بثلاثة عشرة سنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من عدد التسبيح بعد التسليم
    شرح حديث: (معقبات لا يخيب قائلهن: يسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نوع آخر من عدد التسبيح.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة عن أسباط حدثنا عمرو بن قيس عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (معقبات لا يخيب قائلهن: يسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمده ثلاثاً وثلاثين، ويكبره أربعاً وثلاثين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من عدد التسبيح بعد التسليم، وأورد فيه حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (معقبات لا يخيب قائلهن: يسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمده ثلاثاً وثلاثين، ويكبره أربعاً وثلاثين)، فيكون المجموع مائة، ونظير هذا من الأحاديث التي وردت (أنه يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، وهنا المائة تكون بتكبيرة تكمل عدد التكبير أربعاً وثلاثين، وبهذا تكمل المائة.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: (معقبات لا يخيب قائلهن)، المعقبات قيل إن معناها: أنها تتعاقب وتتوالى، وقيل: لأنها تعقب الصلاة وتأتي عقبها، فهي معقبات تأتي عقب الصلاة وتقال عقب الصلاة، لا يخيب قائلهن، وهي التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير أربعاً وثلاثين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (معقبات لا يخيب قائلهن: يسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سمرة].وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه -يعني ثلاثة من أصحاب السنن- ولم يخرج له الشيخان ولا أبو داود.
    [عن أسباط].
    وهو: ابن محمد القرشي مولاهم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن قيس].
    وهو الملائي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحكم].
    وهو الحكم بن عتيبة الكندي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي اسم أبيه في الكتب مصحفاً فيقال: الحكم بن عتبة مصحفاً بهذا اللفظ عتبة. والحكم بن عتيبة الكندي كوفي.
    يروي [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابنه محمد بن عبد الرحمن هذا المشهور عند الفقهاء في الفقه، فهو فقيه، وكلامه في الفقه كثير، لكنه في الحديث متكلم فيه، وأما عبد الرحمن بن أبي ليلى هذا الذي معنا فهو تابعي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي [عن كعب بن عجرة].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى هو الذي روى عن كعب بن عجرة حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الإبراهيمية، والذي قال فيه: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقلت: بلى، فأهدها إلي، فقال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)، هذه الهدية التي أهداها كعب بن عجرة وهو صحابي إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو من ثقات التابعين.
    الأسئلة
    الروح والجسد في الدنيا والبرزخ والآخرة
    السؤال: ما صحة القول إن في الحياة الدنيا تكون الروح تبعاً للجسد في العذاب والنعيم، وفي حياة البرزخ يكون الجسد تبعاً للروح في العذاب والنعيم، وفي الآخرة تكون الروح والجسد متساويين؟الجواب: هذا كلام مستقيم؛ لأن كما هو معلوم بالنسبة للدنيا المشاهد هو الجسد والروح غير مشاهدة، فالذي يشاهد والذي يحصل له ما يحصل من خير أو شر هو الجسد والروح تابعة له لا شك، وأما في القبر فإن الروح تنعم متصلة بالجسد ومنفصلة عنه، ولهذا جاء في الحديث: (أن أرواح الشهداء في أجواف طير)، ونسمة المؤمن في طير، ومع ذلك فإن الروح لها اتصال بالجسد، فهي في الجنة تنعم فيها ومع ذلك لها اتصال بالجسد، فالنعيم في القبر للروح والجسد، والعذاب للروح والجسد، وأما بالنسبة للآخرة كما هو معلوم، فإن الأرواح ترد إلى الأجساد ويحصل الجزاء للروح والجسد على وجه التمام والكمال؛ لأن الإحسان في الدنيا إنما حصل من مجموع الروح والجسد، والإساءة حصلت من مجموع الروح والجسد، هذا كلام مستقيم.
    الأفضلية في التسبيح بعد الصلاة

    السؤال: جاء في حديث عبد الله بن عمرو: التسبيح عشراً، وفي حديث كعب بن عجرة: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، فأيهما الأولى أو الأفضل المداومة عليه؟الجواب: لا شك أن الإتيان بالأكمل يدخل فيه الأقل، كون الإنسان يأتي بالأكمل بثلاث وثلاثين، ويأتي في بعض الأحيان تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا شك أن هذا هو الأولى والأفضل، وكله خير، لكن من أتى بالأكمل دخل فيه الأصغر.
    الجمع بين رواية العشر والثلاث والثلاثين في التسبيح بعد الصلاة
    السؤال: هذا سؤال مشابه: كيف نجمع بين التسبيح والتكبير، والتحميد عشراً الأحاديث الواردة بثلاث وثلاثين؟الجواب: الإنسان يمكن أن يأتي بهذا العدد الذي فيه العشر، لكن كونه يأتي بالأكمل أولى، معناه يحصل الزيادة في الأجر؛ لأن هذا الأقل يحصل له به أجر، والأكمل يحصل فيه زيادة؛ لأن هذا الأقل يحصل فيه ألفاً وخمسمائة، فذاك الأكمل سيحصل فيه أكثر.
    مداخلة: كيف نفعل بالنسبة للتسبيح بعد الصلاة، حيث ورد فيه عدة صفات، فهل يجمع بينها أم يكتفى بأحدها ويحصل له الأجر؟
    الشيخ: لا يكتفى بأحدهما، بل يأخذ بالأكمل، إلا إذا كان العدد متساوياً فيمكن أن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة، مثل ما سيأتي أن التسبيح يكون خمساً وعشرين، ويزاد التهليل، فيصير العدد مائة فيمكن أن يأتي بهذا أو بهذا، لكن الذي هو عشر هذا يدخل في الثلاث والثلاثين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #256
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (253)

    - تابع باب نوع آخر من عدد التسبيح

    يستحب الذكر عقب الصلاة، وقد ورد في السنة أنواع كثيرة منها: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد كذلك، والتكبير أربعاً وثلاثين، وفي رواية ثلاثاً وثلاثين، والتهليل عشراً، وغير ذلك.
    تابع نوع آخر من عدد التسبيح
    شرح حديث زيد بن ثابت في الأمر بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من عدد التسبيح.أخبرنا موسى بن حزام الترمذي حدثنا يحيى بن آدم عن ابن إدريس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال: (أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم. قال: فاجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: اجعلوها كذلك)].
    يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من عدد التسبيح بعد الصلاة، أو بعد الصلوات المفروضة، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه الذي فيه: [أن رجلاً من الأنصار أتي في منامه فقيل له: أمرك نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بأن تسبحوا ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم، قال: فاجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل]، فيكون المجموع مائة؛ بدل أن يكون ثلاثاً وثلاثين أربعاً وثلاثين، يكون خمسة وعشرين، خمسة وعشرين، خمسة وعشرين، خمسة وعشرين، فيكون العدد مطابق للعدد الذي هو مائة، وذلك بأن يكون كل من الأربعة يؤتى به بخمس وعشرين في العدد، فيكون المجموع مائة، وهذا نوع آخر من أنواع عدد التسبيح، وهو أن يكبر على النحو الذي مر، ويكبر على هذا النحو.
    ثم إن الذي جاء في هذا الحديث ليس من قبيل العمل برؤيا الناس، ولكنها من قبيل إقرار الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال: [اجعلوها كذلك]، فلما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن يجعلوها كذلك، عرف أنها سنة بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس معنى ذلك أن العدد السابق يترك، ولكن ذلك ثابت، وهذا ثابت، فيمكن أن يأتي الإنسان ببعض الأحيان بالعدد الأول الذي هو ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة، وكذلك أيضاً يأتي به في بعض الأحيان على ما جاء في هذا الحديث الذي هو خمس وعشرون تسبيحة، وخمس وعشرون تحميدة، وخمس وعشرون تكبيرة، وخمس وعشرون تهليلة، فيكون العدد مائة في كل من الروايتين؛ أي: رواية التثليث ورواية التربيع.
    وهذا من جنس ما جاء في الأذان في رؤيا عبد الله بن زيد الذي أري الأذان في منامه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقيه على المؤذن الذي يتولى الأذان، فإنما كان سنة بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام، وبتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك، وليس بمجرد رؤيا الرائي التي رآها في المنام، ولو لم يكن جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يفيد اعتبار هذا العدد، والأمر باعتباره، لكانت تلك الرؤيا لا عبرة لها ولا قيمة لها، ولكن المعتبر في ذلك إنما هو أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يجعلوا ذلك العدد، وأن يأتوا بذلك العدد.
    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في الأمر بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة
    قوله: [أخبرنا موسى بن حزام الترمذي].الترمذي ثقة، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي؛ يعني: ما خرج له مسلم ولا خرج له أبو داود ولا ابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو الكوفي، وهو ثقة، حافظ، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مصنف من مصنفاته كتاب الخراج لـيحيى بن آدم هذا.
    [عن ابن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن حسان].
    هو البصري، وهو ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين البصري].
    ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن كثير بن أفلح].
    هو المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن زيد بن ثابت].
    هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عمر في الأمر بالتسبيح والتحميد والتكبير خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثني علي بن الفضيل بن عياض عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر: (أن رجلاً رأى فيما يرى النائم، قيل له: بأي شيء أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم؟ قال: أمرنا أن نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين، فتلك مائة، قال: سبحوا خمساً وعشرين، واحمدوا خمساً وعشرين، وكبروا خمساً وعشرين، وهللوا خمساً وعشرين، فتلك مائة، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا كما قال الأنصاري)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو دال على ما دل عليه حديث زيد بن ثابت الذي قبله من جهة الرؤيا، وحصول الرؤيا من ذلك الأنصاري، ومجيئه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وإخباره إياه بما رآه، وأنه رأى في المنام أنه قيل له: أن التسبيح يكون خمساً وعشرين، والتحميد خمساً وعشرين، والتكبير خمساً وعشرين، والتهليل خمساً وعشرين، وذلك يكون مائة، وذلك مطابق للعدد الذي كان قد قيل لهم من قبل، أو كان قد بينه لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام من قبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: [افعلوا كما قال الأنصاري]، أي: في هذه الرؤيا التي رآها، فهو مثل الذي قبله تماماً من حيث الموضوع، ومن حيث النهاية، والكل هو حكاية رؤيا رجل من الأنصار، والنهاية أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: اجعلوها كذلك، أو افعلوا كما قال الأنصاري، أي: أنه يشرع لهم أن يفعلوا ذلك، لكن لا يعتبر هذا نسخاً وتركاً للسابق، بل هذا سنة، وهذا سنة، ويمكن أن يأتي الإنسان بما ورد في بعض الأحيان، وما ورد من الأنواع الأخرى في أحيان أخرى.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الأمر بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل خمساً وعشرين مرة دبر كل صلاة
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي].هو ثقة، إمام، ناقد، مشهور، وكلامه في الرجال كثير، وكثيراً ما ينقل ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن أبيه أبي حاتم، وأبي زرعة الكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً، فهو محدث، ناقد، وكلامه في الرجال كثير، ومشهور، يقال: وثقه أبو زرعة الرازي، أو قال فيه أبو زرعة الرازي كذا، فهو من النقاد الذين لهم كلام في الرجال جرحاً، وتعديلاً، وهو حافظ، مشهور، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    وله عند مسلم حديث واحد في الدعاء في كتاب الدعاء، في صحيح مسلم رواه عنه مباشرة، وهو مقارن له من حيث الزمن؛ لأن مسلماً رحمه الله ولد في سنة مائتين وأربع، وتوفي سنة مائتين وواحد وستين، وأما أبو زرعة الرازي فولد سنة مائتين، وتوفي سنة أربع وستين؛ يعني: بعد وفاة مسلم بثلاث سنوات، وولد قبله بأربع سنوات، وقد روى عنه مسلم في صحيحه حديث واحد في الدعاء، وروى عنه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    وأبو زرعة هذه كنية اشتهر بها عدد من المحدثين قديماً وحديثاً؛ من المتقدمين والمتأخرين، فأول من اشتهر بها: أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، وهو من التابعين، ويروي عن أبي هريرة وعن غير أبي هريرة، وهو الذي روى عنه آخر حديث في صحيح البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فإن هذا الحديث هو آخر حديث في صحيح البخاري، وقد رواه من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه، فهو أول من عرف بهذه التكنية التي هي أبو زرعة من المحدثين، وفيهم هذا الذي هو الرازي شيخ الإمام مسلم الذي روى عنه هذا الحديث، وكانت وفاته سنة مائتين وأربع وستين، وأبو زرعة الدمشقي بعد ذلك، وهو مؤلف تاريخ دمشق، وفي المتأخرين أبو زرعة العراقي بن عبد الرحيم العراقي، صاحب الألفية، صاحب الألفية هو الأب، وأبو زرعة العراقي هو الابن، وكانت وفاته سنة ثمانمائة وست وعشرين.
    الحاصل أن أبا زرعة يطلق على عدد من أهل الحديث المتقدمين والمتأخرين.
    [حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني علي بن الفضيل بن عياض].
    ثقة، عابد، أخرج حديثه النسائي وحده، وتوفي قبل أبيه الفضيل بن عياض، وهو ممن خرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبد العزيز بن أبي رواد].
    صدوق، عابد ربما وهم، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن نافع].
    نافع هو مولى ابن عمر هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو ابن الخطاب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو من صغار الصحابة، وقد مر ذكرهم مراراً، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    وزوجة النبي عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من عدد التسبيح
    شرح حديث جويرية بنت الحارث في عدد التسبيح
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من عدد التسبيح.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة سمعت كريباً عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في المسجد تدعو، ثم مر بها قريباً من نصف النهار، فقال لها: ما زلت على حالك؟ قالت: نعم. قال: ألا أعلمك كلمات تقولينهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته)].
    هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة؛ وهي: نوع آخر من عدد التسبيح، وأورد فيه حديث جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها التي كانت جالسة تذكر الله، وتسبحه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد مر عليها وهي جالسة، ثم جاء قريباً من نصف النهار وهي في مجلسها، فقال: [ما زلت كذلك؟ قالت: نعم، قال: ألا أعلمك كلمات تقولينهن؟ قالت: نعم، فأرشدها إلى أن تقول: سبحان الله عدد خلقه ثلاث مرات، سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات، سبحان الله زنة عرشه ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات]، كل جملة من هذه الجمل الأربع، أو هذه التسبيحات الأربع تكررها ثلاثاً؛ أي: أن تأتي بها كل واحدة مكررة، ثم تنتقل إلى الثانية: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، ثم تنتقل إلى الثانية، والثالثة، والرابعة بحيث يؤتى بكل تسبيحة ثلاث مرات.
    وهذا دعاء جامع، وهو من الأدعية الجامعة التي يكون أجرها عظيماً، والتي يمكن أن تقوم مقام الدعاء الكثير أو الذكر الكثير؛ وذلك لعمومها وشمولها؛ وما اشتملت عليه من العموم والشمول.
    وقد جاء في الحديث -في نفس الدعاء- في آخره: [مداد كلماته]، والمراد بالمداد: ما يكتب به الكلام، وقيل: إنه من المدد؛ وهو الكثرة، وكلمات الله عز وجل معلوم أنها لا تنحصر، وقد جاء في القرآن الكريم آيتان تدلان على عدم حصر كلام الله عز وجل، وأن البحور لو جعلت كلها مداداً، وضوعفت أضعافاً مضاعفة، فإن البحور تنتهي وكلمات الله تعالى لا تنتهي، كما قال الله عز وجل: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً )[الكهف:109]، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ )[لقمان:27]، فالمقصود من ذلك: أن تسبيح الله عز وجل تسبيحاً كثيراً لا ينحصر، وكلام الله عز وجل لا ينحصر، فلا يمكن أن يكون له نهاية، وذلك أن الله تعالى لا بداية له ولا نهاية له، فلا بداية لكلامه ولا نهاية لكلامه، فكلامه لا ينحصر، والمخلوقون كلامهم ينحصر؛ لأن لهم بداية ولهم نهاية، وأما الله عز وجل فإنه لا بداية له ولا نهاية له، فكلامه لا حصر له ولا نهاية له، ولهذا جاء في القرآن هاتان الآيتان الدالتان على عدم حصر كلام الله عز وجل، وأنه لو كانت البحور الزاخرة تضاعف أضعافاً مضاعفة، مثلها، وأضعافها، فإنه تنتهي البحور، وينتهي ذلك المداد، ولا ينتهي كلام الله عز وجل، أو لا تنتهي كلمات الله سبحانه وتعالى، وذلك فلا نهاية لكلامه، ولا حصر لكلامه سبحانه وتعالى، فهو لا ينحصر ولا ينتهي؛ لأنه لا بداية له ولا نهاية له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء سبحانه وتعالى.
    تراجم رجال إسناد حديث جويرية بنت الحارث في عدد التسبيح
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو محمد بن بشار البصري يلقب بندار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ لأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فـالبخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين، ومحمد بن بشار توفي سنة مائتين واثنين وخمسين. وقد وافقه في سنة الوفاة، وفي كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة جميعاً اثنان آخران: هما محمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، ويمتاز محمد بن المثنى مع محمد بن بشار أنهما اتفقا في أيضاً سنة الولادة وسنة الوفاة، واتفقا في الشيوخ والتلاميذ، وكونهما جميعاً من أهل البصرة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر لما ذكر محمد بن المثنى، قال: وكان هو وبندار كفرسي رهان وماتا في سنة واحدة، كانا كفرسي رهان، يعني: ما أحد يتقدم ولا يتأخر عن الثاني، متساويان في الولادة، ومتساويان في سنة الوفاة، ومتساويان في الشيوخ والتلاميذ، ومتساويان في كونهما من أهل البصرة، فهما متفقان في الشيوخ والتلاميذ، وليس بلازم أن يكون هذا ما روى عن شيخ آخر، لكن الغالب عليهم أنهم متفقون في الشيوخ، ومتفقون في التلاميذ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا -يعني: محمد بن المثنى وبندار- كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة.
    [حدثنا محمد].
    هو غير منسوب، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة، ويروي عنه محمد بن بشار فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، هو المقصود بـمحمد فيما إذا جاء يروي عن شعبة، ويروي عنه محمد بن بشار، ومحمد بن جعفر غندر ثقة، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بلقب من أعلى ألقاب التعديل، وأوصاف التعديل؛ لقب أمير المؤمنين في الحديث، فإن عدداً قليلاً من المحدثين وصفوا بهذا الوصف الذي هو أمير المؤمنين في الحديث؛ منهم شعبة، والثوري، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني، عدد قليل من المحدثين وصفوا بهذا الوصف، وهو لقب رفيع، ووصف عال، يعتبر من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وحديث شعبة بن الحجاج أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عبد الرحمنمولى آل طلحة].
    محمد مولى آل طلحة ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم والأربعة.
    يمكن أن يكون هذا هو الصحيح، لكن الشيء الذي يمكن أن يتحقق منه فيما إذا حصل إشكال في الرموز الرجوع إلى تهذيب الكمال، فإنه في آخر الترجمة عندما يترجم للشخص يذكر في آخر الترجمة أنه روى له فلان وفلان وفلان، ويسميهم بدون رمز، ويذكر الكتب التي خرج لهم فيها إذا كانت خارج الكتب الستة، فالذي يرجع إليه للفصل فيما إذا اختلفت الرموز، أو اشتبهت الرموز في الكتب التي هي متفرعة عن تهذيب الكمال، أنه يرجع إلى تهذيب الكمال، فإنه ينص في آخر كل ترجمة إلى من خرج له من أصحاب الكتب الستة ويسميهم، يقول: أخرج له الجماعة وأخرج له فلان وفلان، أو أخرج له الجماعة إلا فلان، أو أخرج له فلان في الكتاب الفلاني وهكذا، فهذا هو المرجع الذي يرجع إليه للفصل فيما إذا اختلفت الرموز في الكتب.
    [سمعت كريباً عن ابن عباس].
    هو كريب بن أبي مسلم مولى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    [عن جويرية].
    هي بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وابن عباس يروي عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من عدد التسبيح
    شرح حديث ابن عباس في التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين والتهليل عشراً دبر كل صلاة
    قال رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا علي بن حجر حدثنا عتاب هو ابن بشير عن خصيف عن عكرمة ومجاهد عن ابن عباس قال: (جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! إن الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم أموال يتصدقون وينفقون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم فقولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ولا إله إلا الله عشراً، فإنكم تدركون بذلك من سبقكم، وتسبقون من بعدكم)].
    هنا أورد النسائي نوعاً آخر من عدد التسبيح، وأورد فيه حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: [أن الفقراء جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا: إن الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بأموالهم]، بينما الفقراء لا يتصدقون؛ لأنهم ما عندهم شيء يتصدقون به -فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشدهم إلى أنهم يسبحون، ويهللون، ويكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويهللون عشراً، يقولون: لا إله إلا الله عشر مرات، قال: إنكم إذا فعلتم ذلك تدركون من سبقكم، وتسبقون من بعدكم- أي: في الفضل وليس من حيث الزمان، وإنما المراد بذلك الفضل، وهذا يدل على عظم شأن هذا الدعاء.
    لكن الحديث ثابت بغير ذكر التهليل عشر مرات، يعني جاء في أحاديث صحيحة أحاديث مجيء الفقراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن الأغنياء يتميزون عنهم بكذا، مع أنهم مساوون لهم في الصلاة، والصيام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى التكبير، والتحميد، والتسبيح دبر الصلاة، فالحديث ثابت، وما جاء في هذا الحديث صحيح إلا ما جاء في تعشير التهليل؛ لأنه عشر مرات، فهذا إنما جاء من هذه الطريق، وهذه الطريق فيها ضعف، وفيها من تكلم فيه، لكن الحديث ثابت من غير هذا الطريق، والذي تميزت به هذه الطريق هو تعشير التهليل، يعني: كونه عشر مرات، وهو غير ثابت، بل هو من قبيل المنكر؛ لأن فيه مخالفة الضعيف للثقة؛ لأن سبق أن عرفنا أن الشاذ: ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه، والمنكر: ما يخالف فيه الضعيف الثقة، وهنا خالف ضعيف ثقة، أو ثقات فيما يتعلق بذكر عدد التهليل، فإنه جاء هنا عشراً، ولم يأت بهذا العدد من غير هذا الطريق، فـالألباني لما ذكر الحديث في ضعيف سنن النسائي قال: إنه منكر بتعشير التهليل، أي: بتعشير التهليل؛ لأنه ما جاء إلا من هذا الطريق، وهذه الطريق فيها من تكلم فيه من حيث سوء الحفظ، ومن حيث الخطأ.
    والحديث الذي فيه ذكر مجيء الفقراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره إياهم بأن يسبحوا ويهللوا، هو موجود في الأربعين النووية، فهو من جملة أحاديث الأربعين النووية، أي: الذي فيه ذكر مجيء الفقراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقولهم ما قالوا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأن يسبحوا، ويكبروا، ويحمدوا دبر كل صلاة، جاء ذلك في أحاديث صحيحة، وقد أورده النووي في جملة الأربعين، ومن المعلوم أن الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه شرح كتاب النووي، وزاد عليه ثمانية أحاديث، فصار شرحه لخمسين حديثاً من جوامع الكلم، وشرحه شرحاً وافياً بتلك الأحاديث التي جاءت في الأربعين للنووي، وفيما زاده ابن رجب عليها، وهو كتاب نفيس، والمناسبة هي كون حديث مجيء الفقراء هو موجود في أحاديث الأربعين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين والتهليل عشراً دبر كل صلاة
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه.
    [حدثنا عتاب هو ابن بشير ].
    صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وقوله: (هو ابن بشير) هذه الجملة يؤتى بها حتى يميز، أو يعرف بالشخص الذي ذكر باسمه دون أن ينسب، ويكون الإتيان بهذه الجملة أو بمثل هذه الجملة ممن دون التلميذ، يعني: ممن دون علي بن حجر، فالذي قال: [هو ابن بشير] هو النسائي أو من دون النسائي، وأما علي بن حجر فهو لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان؛ لأنه شيخه ينسبه كما يريد، مثل النسائي أحياناً ينسب شيخه، ويأتي بسطر تقريباً ينسب فيه شيوخه، وفي بعض الأحيان يأتي النسائي بسطر كامل يذكر فيه نسب شيخ من شيوخه، أو قريباً من سطر، وقد حصل لـعمرو بن سواد الذي مر قريباً، فإنه ذكر أباه وجده وجد أبيه، وأحياناً يطيل، فالحاصل أن الراوي لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، كلمة (هو) يحتاج إليها من دون التلميذ، أما التلميذ فينسبه كما يريد، ويمدحه كما يريد، ويثني عليه كما يريد، أي: يقول أخبرنا الثقة، أو أخبرنا الصدوق، أو أخبرنا فلان بن فلان أبو فلان في المكان الفلاني في البلد الفلاني أو في الزمن الفلاني، يعني: يتكلم كما يريد، لكن من دون التلميذ عندما يريد أن يضيف شيئاً يوضح به ذلك الشخص، يأتي بكلمة (هو) أو (يعني ابن فلان)، حتى يعرف بأنها زيدت ممن دون التلميذ، وعندما أرادوا أن يزيدوا ما استغنوا عن كلمة (هو)، وقالوا: فلان ابن فلان؛ لأنه لو قيل: عتاب بن بشير لفهم أن الذي قال هذا هو تلميذه؛ يعني: لو ذكر في الإسناد عتاب بن بشير بدون (هو) لفهم أن الذي قاله هو التلميذ، لكن لما جاءت (هو)، عرف بأن هذا ليس من التلميذ وإنما هو ممن دون التلميذ، وهذا من دقة المحدثين وعنايتهم بتعيين الأشخاص، دون أن يكون هناك لبس، أو أن الكلام قد يضاف إلى غير قائله، أو يضاف إلى التلميذ ما لم يقله.
    [عن خصيف].
    هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري، وهو صدوق، سيء الحفظ، واختلط بآخره، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عكرمة ومجاهد].
    عكرمة هو ابن عبد الله، وهو مولى ابن عباس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد تكلم فيه بشيء من التضعيف، ولكن الحافظ ابن حجر ترجم له في مقدمة الفتح ترجمة مطولة، وذكر ما قيل فيه، وحصر ما قيل فيه، وبين سلامته مما نسب إليه من تلك الأوصاف التي أضيفت إليه من كونه قد رمي ببدعة، وبغير ذلك، وبين سلامته من ذلك، وأنه ثقة، ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وترجمة الحافظ ابن حجر له في مقدمة الفتح ترجمة واسعة وافية، حصر فيها ما قيل فيه، وأجاب عن كل قول قيل فيه، وانتهى إلى أنه حجة، وأنه لا يقدح فيه.
    [ومجاهد].
    هو ابن جبر المكي، وهو يروي عن عكرمة وهو ثقة، إمام في التفسير والعلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    قد مر ذكره قريباً.
    نوع آخر من عدد التسبيح
    شرح حديث: (من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة وهلل مائة تهليلة غفرت له ذنوبه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري حدثني أبي حدثني إبراهيم يعني: ابن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن أبي الزبير عن أبي علقمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)].
    هنا أورد النسائي رحمه الله نوع آخر من عدد التسبيح، وهو يتعلق بصلاة الفجر؛ يعني: خاص بصلاة الغداة التي هي صلاة الفجر، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)، أي: أنه يقول: سبحان الله، ولا إله إلا الله مائة مرة، وهذا عقب صلاة الغداة -أي: الفجر- غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، يعني: لكثرتها.
    ومن المعلوم بأن الذي يغفر في مثل هذا -أي: فيما جاء في هذه الأحاديث وأمثاله- إنما هي الصغائر، وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى التوبة، ومغفرتها لا بد فيها من التوبة، فالصغائر هي التي تغفر في الأعمال الصالحة، وأما الكبائر فتحتاج إلى توبة، أما إذا كان الإنسان مرتكب الكبائر، وهو مصر عليها، ومبق عليها، وكونه يأتي بهذه التسبيحات فلا يقال: إن هذه التسبيحات تقضي على تلك الكبائر التي هو مقترف إياها، ومصر عليها، وماكث عليها، وإنما المقصود من ذلك تلك الذنوب التي تغفر باجتناب الكبائر، ولهذا جاء في الأحاديث ما يقيد أن هذا باجتناب الكبائر، قال: (الجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له إلا الجنة)، جاء في بعضها: (ما اجتنبت الكبائر)، يعني: جاء في بعض الأحاديث ذكر المغفرة أنها ما اجتنبت الكبائر، وأيضاً جاء في القرآن الكريم: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )[النساء:31].
    تراجم رجال إسناد حديث: (من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة وهلل مائة قوله: [أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله].هو النيسابوري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    يروي [عن أبيه]
    هو حفص بن عبد الله النيسابوري].
    وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، فزيادة على ابنه روى له ابن ماجه.
    [حدثني إبراهيم يعني: ابن طهمان].
    ثقة، يغرب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقوله: يعني: ابن طهمان، هي مثل: هو ابن بشير التي مرت قريباً، فأحياناً يأتون بكلمة (هو)، وأحياناً يأتون بكلمة (يعني)، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها فاعل ولها قائل، ففاعلها ضمير يرجع إلى حفص بن عبد الله، وفاعلها ضمير مستتر، الذي هو حفص بن عبد الله النيسابوري، وقائلها هو من دون ذلك التلميذ الذي هو حفص، إما ابنه أحمد، أو النسائي، أو من دون النسائي، فالحاصل أن كلمة (يعني) هي مثل (هو)، و(يعني) كما قلت: فعل مضارع له فاعل وهو ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وله قائل وهو من دون التلميذ، فالمتكلم بكلمة (يعني) من دون التلميذ، والذي أريد بأنه (يعني) هو التلميذ.
    [عن حجاج بن حجاج].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي علقمة].
    هو الفارسي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً عنه، وقد مر مراراً وتكراراً أن المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه سبعة، وأكثر السبعة أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.
    الأسئلة
    حقيقة نسخ حديث زيد بن ثابت لحديث كعب بن عجرة في التسبيح
    السؤال: هل نستطيع أن نقول: إن حديث زيد بن ثابت ناسخ لحديث كعب بن عجرة، حيث قال: (اجعلوها خمساً وعشرين). فجعلت الثلاث والثلاثين خمساً وعشرين؟الجواب: لا، ما يقال: إنه ناسخ، ولكن يقال: إن هذا حق، وهذا حق، والإنسان يأتي بهذا ويأتي بهذا، يأتي بهذا أحياناً، ويأتي بهذا أحياناً.
    حكم المكث في المسجد من صلاة الفجر حتى صلاة الجمعة
    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل اغتسل للجمعة بعد الفجر، ثم أتى المسجد وصلى الصبح وانتظر الشروق، ثم بقي في المسجد إلى الجمعة لكي يحصل على أجر البقاء إلى الشروق، وكذلك الساعة الأولى من يوم الجمعة، فهل هذا مخالف للسنة أم ماذا مع ذكر الدليل؟الجواب: ما فيه مخالفة؛ يعني: كون الإنسان يطيل الجلوس في المسجد، وكونه يصلي، ويجلس في المسجد فكلما أكثر الإنسان من الجلوس في المسجد كلما كان خيراً له، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.
    صفة التهليل
    السؤال: يسأل سائل عن صفة التهليل، ما صفة التهليل في الخمسة والعشرين؟
    الجواب: يقول: لا إله إلا الله.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #257
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (254)

    - (باب عقد التسبيح) إلى (باب قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم)
    يسُن لنا بعد الانتهاء من الصلاة عقد التسبيح باليد جبراً لما حصل من نقص في الصلاة، ولا ينبغي مسح الجبهة بعد الانتهاء منها، ويسن للإمام قعوده في مصلاه بعد التسليم في صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.
    عقد التسبيح
    شرح حديث عبدالله بن عمرو: ( رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عقد التسبيح.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني والحسين بن محمد الذارع واللفظ له قالا: حدثنا عثام بن علي قال الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب عقد التسبيح؛ أي: عقد التسبيح بالأصابع، وذلك بأن يسبح بأصابع يمينه كما قد جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وأورد فيها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهذا يدلنا على أن السنة هو أن الإنسان يسبح بالأصابع، ولا يسبح بغير ذلك من المسابح أو غيرها، وإنما التسبيح بالأصابع.
    ثم إن التسبيح بالأصابع -بالإضافة إلى أنه قد جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام- فيه فائدة؛ وهي أن أجزاء الإنسان تشهد يوم القيامة بما حصل منها من خير وشر، فالأيدي تشهد، والأرجل تشهد، والجلود تشهد؛ لأنه يحصل الختم على الأفواه، وتشهد الأيدي، والأرجل بما كان يعمل الناس، كما جاء ذلك في كتاب الله عز وجل، فالتسبيح بالأصابع فيه شهادة الأصابع والأيدي بما حصل منها من ذلك الذكر، أو عقد التسبيح بها.
    تراجم رجال إسناد حديث عبدالله بن عمرو: ( رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وما خرج له البخاري ولم يخرج له أيضاً أبو داود في السنن، وإنما خرج له في كتابه القدر، والكتب التي أُلفت في هذا الباب التي هي الكمال، وتهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، وخلاصة التذهيب، والتذهيب، كل هذه مبنية على أن التراجم إنما هي لرجال أصحاب الكتب الستة، وليست لرجال الكتب الستة فقط، وإنما لرجال أصحابها، بمعنى: أنه يذكر رجاله في غير السنن، وإن كان أصل العمل إنما هو للكتب الستة، ولكن عندما ألفوا في تراجمها، وسعوا الأمر حتى جعلوا ذلك شاملاً لرجال أصحابها في كتبهم الأخرى، مثل أبي داود في كتاب القدر، كما هنا في محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، خرج له أبو داود في كتاب القدر وما خرج له في السنن، فالرمز له (ق.د)، أي: أبو داود في كتاب القدر.
    أما الكتاب الذي هو خاص برجال الكتب الستة، ولا يتعلق برجال الآخرين الذين خُرج لهم في غيرها، فذلك كتاب الكاشف للذهبي، فهو الذي اقتصر على رجال الكتب الستة، ليس رجال أصحاب الكتب الستة كما في تهذيب الكمال وفروعه، وإنما هو خاص بالكتب؛ مثل كتاب القدر لـأبي داود ، فـمحمد بن عبد الأعلى الصنعاني ما يأتي ذكره في الكاشف؛ لأنه إنما اقتصر على رجال الكتب الستة، وليس مراده رجال أصحاب الكتب، وكتاب الكاشف هو الذي اشتمل على تراجم الكتب الستة الذين جاء ذكرهم في الكتب الستة، وما جاء ذكرهم في الكتب الأخرى؛ مثل الأدب المفرد في البخاري ، والقراءة خلف الإمام وغيرها، وخلق أفعال العباد وغيرها، فالرجال الذين يأتون فيها لا يأتي لهم ذكر في الكاشف، وإنما الكاشف مختصر على رجال الكتب الستة، فهذا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني.
    [والحسين بن محمد الذارع].
    صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، قال النسائي: [واللفظ له]؛ لأنه لما ذكر الشيخين عين من له اللفظ منهم، وهو أن اللفظ للأخير، فقال: [واللفظ له]، أي: لـحسين بن محمد الذارع ، وليس اللفظ لـمحمد بن عبد الأعلى الصنعاني الأول، وإنما هو للثاني، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وهذه طريقة النسائي رحمه الله أنه يذكر من له اللفظ، أو ينص على من له اللفظ، يعني: غالباً، وكذلك الإمام مسلم كثيراً ما ينص على من له اللفظ؛ لأنه يذكر الحديث عن عدة مشايخ، ولكن يعين من له اللفظ منهم، أما البخاري رحمه الله فإنه لا يعين من له اللفظ، ولكنه إذا ذكر شيخين من شيوخه يروي عنهما، فإن اصطلاحه -والذي عرف بالاستقراء من صنيعه- أنه يكون للثاني منهما.
    وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد عرف بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى الحديث عن شيخين من مشايخه، فإن اللفظ يكون للثاني منهما، وذلك أنه يذكر حديث الأول في موضع آخر من الصحيح؛ يأتي به في باب من الأبواب ليستشهد به، أو ليستدل به، ويكون لفظه مغايراً للفظ المذكور الذي ذكر مع غيره، فاللفظ هو للثاني منهما. وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه الفائدة في شرح حديث جابر بن عبد الله في حديث: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر).. إلخ الحديث، فإنه عند الكلام على هذا الحديث ذكر ابن حجر هذه القاعدة للبخاري؛ وهو أنه عندما يروي عن شيخين، وهو ليس من عادته أن يبين من له اللفظ، لكن عرف بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ للثاني منهما؛ أي: للشيخ الثاني من الشيخين المذكورين.
    فإذاً: طريقة النسائي أنه غالباً يسمي، ولكنه أحياناً لا يسمي، لكن ليس مطرداً فهذه ليست له قاعدة بأنه يكون للأول أو يكون للثاني، فأحياناً يكون اللفظ الأول، وأحياناً يكون اللفظ للثاني، وإذا نص على من له اللفظ عرف الذي له اللفظ.
    [حدثنا عثام بن علي].
    صدوق، أخرج له النسائي، والأربعة.
    [قال الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب].
    هو أبو السائب ، كنيته أبو السائب وأبوه السائب، فهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فمن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية ولم يذكر في النسب، فإن ذلك صواب وليس بتصحيف؛ لأن من لا يعرف أن كنيته أبو السائب لو جاء عطاء أبو السائب لظن أن (أبو) مصفحة عن (ابن)، لكن ليست بتصحيف، ما دام أن الكنية موافقة لاسم الأب، فسواء جاء عطاء أبو السائب أو عطاء بن السائب ، كل ذلك صواب، ولا تصحيف في ذلك.
    فإذاً: فائدة معرفة هذا النوع الأمن من أن يظن التصحيف فيما لو اشتهر عند أحد بالنسب ولم يعرف الكنية، فجاء ذكره مكنى ليس منسوباً، بأن قيل: عطاء أبو السائب ، يظن أن (ابن) صحفت وتحولت إلى (أبو)، وهذا هو فائدة معرفة هذا النوع، وهو الثقفي الكوفي ، وهو صدوق اختلط كما عرفنا ذلك من قبل، والطريقة في المختلط أنه إذا عرف من حدث عنه قبل الاختلاط، فهذا تقبل روايته، ولا يضر كونه مختلطاً؛ لأنه ما دام روي عنه قبل الاختلاط، فهذا الأمر واضح، وإنما الإشكال فيما إذا عرف أنه حدث عنه بعد الاختلاط، أو جهل هل حدث قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط، فهذا لا يعول على روايته، ولكن إذا جاء ما يعضده، ويؤيده، ويساعده، فإنه يتقوى بذلك؛ إذا جاء شيء يعضده من الأحاديث، والأعمش لم أجد في ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب ذكر الأعمش في روايته قبل الاختلاط أو بعده، ولا أعلم الآن حالة رواية الأعمش عن عطاء بن السائب ، هل هي قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط، لكن بعض العلماء حسنوا حديثه وأثبتوه، ومنهم الألباني في كتابه صحيح السنن، فإنه ذكر من قبيل ما هو ثابت، وما هو مقبول، فيمكن أن يكون ذلك، إما أنه عرف بأنه روى عنه قبل الاختلاط، أو أنه لما يقويه ويساعده من الرواية الأخرى المتعلقة في عقد التسبيح بالأصابع، وعطاء بن السائب أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو السائب بن مالك الثقفي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الله بن عمرو].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو من الصحابة الذين رووا الكثير من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس من السبعة الذين اشتهروا بالكثرة وفاقوا غيرهم في كثرة الحديث، والذين سبق أن مر ذكرهم في الدروس الماضية، فــعبد الله بن عمرو كان مكثراً، ولكنه ليس من السبعة الذين عرفوا بالكثرة الكاثرة، وقد جاء عن أبي هريرة ما يدل على إكثاره من الرواية؛ أي: عبد الله بن عمرو ، وذلك أنه كان يكتب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما يسمع أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يكتبها، أما أبو هريرة رضي الله عنه فكان اعتماده على حفظه، وليس كاتباً رضي الله تعالى عن الجميع.
    وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت من اللطائف المتعلقة بــعبد الله بن عمرو مع أبيه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ولد له ابنه عبد الله هذا وعمره ثلاث عشرة سنة، أي: أنه احتلم مبكراً، وتزوج مبكراً، وولد له في سن مبكرة رضي الله تعالى عنه.
    ترك مسح الجبهة بعد التسليم
    شرح حديث أبي سعيد الخدري في ترك مسح الجبهة بعد التسليم
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر وهو ابن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الذي في وسط الشهر، فإذا كان من حين يمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين، يرجع إلى مسكنه، ويرجع من كان يجاور معه، ثم أنه أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين، قال أبو سعيد: مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طيناً وماء)].أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب ترك مسح الجبهة بعد التسليم. ومقصوده أنه لا تمسح الجبهة، أو أنه يترك مسحها، أي: ما علق بها من تراب بسبب أثر السجود فإنه يترك ذلك بعد السلام، والحديث ليس بواضح الدلالة على الترجمة، لكنه واضح الدلالة من حيث أنه لا يمسح في داخل الصلاة، لأنه سلم وعلى وجهه أثر الماء والطين عليه الصلاة والسلام، فمعنى ذلك أنه لو كان يمسحه ما بقي، لكن كونه انصرف، وعلى وجهه أثر الماء والطين وهم يرونه لا يدل على تركه المسح، وأنه تركه ولم يمسحه، وإنما عندما انصرف ولقيهم بوجهه عليه الصلاة والسلام بعدما استقبلهم، وانصرف إليهم وانحرف إليهم، كان أثر الماء والطين على وجهه عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يدل على ترك المسح، وإنما يدل على حصول ذلك في الصلاة، وأنه لم يسمح في الصلاة، ولكن بعد التسليم ما يدل على أنه لا يمسح، نعم يمكن أنه في الفترة التي كان متجهاً إلى القبلة، وهي مقدار ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. نعم ما مسحه، فبقي عليه، فإذا كان المقصود من ذلك هذه الفترة فهذا حاصل، أما إذا أريد به بعد ذلك، وأنه يتركه ولا يمسحه، فليس في ذلك دليل على الترك، إلا إذا كان في مدة مقيدة، مثل تلك المدة التي كان يبقى مستقبلاً القبلة، فالحديث ليس بواضح الدلالة على الترك مطلقاً، ولكنه واضح الدلالة على الترك في الجملة؛ من جهة أنه لما كان مستقبلاً القبلة ما مسح، والتفت إليهم وعلى وجهه أثر الماء والطين عليه الصلاة والسلام.
    هذه هي الترجمة، وهذا هو استدلال النسائي رحمه الله على تلك الترجمة بهذا الحديث الطويل الذي جاء في آخره ذكر أثر الماء والطين على وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    والحديث فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف العشر الوسط الوتر من رمضان، ثم إنه صار يعتكف العشر الأواخر، وكان عليه الصلاة والسلام اعتكف العشر الوسط، ثم بعد ذلك لما كنت الليلة التي يخرج فيها؛ وهي ليلة واحد وعشرين؛ لأن العشر آخرها ليلة عشرين؛ لأن واحد وعشرين من العشر الأواخر، فلما كان في ليلة واحد وعشرين بقي ولم يخرج عليه الصلاة والسلام، وخطب الناس وقال: [إنني كنت أجاور]؛ أي: أعتكف، [وأنه بدا لي أن أعتكف في العشر الأواخر، فمن اعتكف معي فليمكث]، يعني: فليبقى على اعتكافه في العشر الأواخر، ثم كان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأواخر فقط، وكان يلتمس ليلة القدر، ثم علم بأنها في العشر الأواخر، فكان اقتصاره في الاعتكاف على العشر الأواخر، وقال عليه الصلاة والسلام: [إنني كنت أُريت هذه الليلة]، أي: ليلة القدر، والمراد بالليلة، يعني العهد؛ لأنه ما قال: ليلة القدر، ولكن هنا المراد به العهد الذهني، الليلة؛ أي: ليلة القدر؛ لأن المقصود بها شيء معهود في الأذهان؛ لأن ما تقدم لليلة القدر ذكر، فالمراد به العهد الذهني، فالألف واللام للعهد الذهني، أي: الليلة المعهودة في الأذهان وهي ليلة القدر، ويأتي العهد يكون ذكرياً فيما إذا تقدم مذكور، ثم جاءت (أل) بعدها لترجع إلى المتقدم، مثل قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً )[المزمل:15-16]، فكلمة (الرسول) ترجع إلى رسولاً التي قبلها، فهذا يقال له: عهد ذكري، يعني: يرجع إلى مذكور في الكلام، ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً )[المزمل:15-16]، الرسول، الألف واللام هذه للعهد الذكري، ترجع إلى رسولاً المتقدمة، وأما إذا لم يتقدم شيء، مثل هذا الموضع الذي معنا (هذه الليلة)، أي: ليلة القدر، لأنها شيء معهود في الأذهان، ليلة القدر كان يتحراها، أو يأمل أن يحصلها عليه الصلاة والسلام.
    ثم قال: [وقد رأيت هذه الليلة، فأنسيتها]، يعني: أخبر عنها، ثم إنه أنسيها، ثم قال: [ورأيت أنني أسجد في صبيحتها في ماء وطين]، يعني: رأى في المنام عليه الصلاة والسلام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، فحصل مطر في تلك الليلة ليلة واحد وعشرين، فوكف المسجد على مصلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فابتل، وكان يسجد، وعندما يسجد عليه الصلاة والسلام يعلق الماء والطين في جبهته، فانصرف إلى الناس من مصلاه وعلى وجهه أثر الماء والطين عليه الصلاة والسلام، فكانت تلك الليلة أو تلك السنة ليلة القدر ليلة واحد وعشرين؛ لأنها مطابقة للرؤية التي رآها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على أن ليلة القدر تتنقل، وأنها ليست ثابتة في ليلة معينة لا تتقدم ولا تتأخر، هي في العشر الأواخر، وفي الأوتار أرجى، وفي ليلة سبعة وعشرين أرجى من غيرها، لكن لا يقطع بأنها هي هذه الليلة بعينها، ثم هذا الحديث مع الأحاديث الأخرى التي تدل على أنها ترجى في كل وتر، وما جاء من أن ليلة القدر أنها أرجاها التي هي سبع وعشرين، أرجى الليالي، وأنه حصل في تلك السنة أنها في ليلة واحد وعشرين، هذا يدل على أن ليلة القدر تتنقل، ولكنها في العشر فلا تخرج عنها، لا تخرج عن العشر، ولكنها لا تكون ثابتة دائماً وأبداً على ليلة واحدة لا تتقدم عنها ولا تتأخر عنها، بل تتنقل؛ لأن هذا الحديث الذي حصل، أو هذه السنة التي وقع فيها ليلة واحد وعشرين، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريها في العشر الأواخر، وفي أوتار العشر الأواخر، وكذلك جاء في ليلة سبع وعشرين آثار عليها بخصوصها، لا يقطع بشيء من الليالي، ولكن بعضها يكون أرجى من بعض، ولكنها كما ذكرت تتنقل لدلالة هذا الحديث الذي معنا، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي كان أريها، وأنه كان يسجد في صبيحتها في ماء وطين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في ترك مسح الجبهة بعد التسليم
    قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وبلخ هي من أكبر مدن خراسان، فبغلان التي ينتسب إليها قتيبة بن سعيد هي قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته سنة مائتين وأربعين، وولادته سنة مائة وخمسين، وعمره تسعون سنة، فعمر وأدرك المتقدمين؛ لأنه ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وولد فيها الشافعي، وهي سنة مائة وخمسين، والشافعي توفي سنة مائتين وأربع، وعاش قتيبة بعد الشافعي ستاً وثلاثين سنة، فعمره تسعون سنة، ولهذا أدرك المتقدمين، وهكذا يكون التفاوت بين الطبقات؛ يعني: وأنه أحياناً يكثر الإسناد بسبب كون الإنسان تطول حياته، فيدرك ما لم يدركه غيره، ويقل الإسناد، ويقل عدد رجاله، بسبب كونه يعمر بعضهم فيدرك المتقدمين، مثلما حصل للبخاري رحمة الله عليه توفي مائتين وست وخمسين، وقد حصل في صحيحه مقدار اثنين وعشرين حديثاً كلها ثلاثيات، بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، صحابي وتابعي وتابع تابعي، وهذا يحصل بمثل هذا؛ يعني: شخص يكون عمره طويل فيدرك المتقدمين، ثم يعمر ويدركه من بعده، فيقل رجال الإسناد، وأحياناً يطول؛ يعني: تكثر الرواة في الإسناد حتى يبلغ عند البخاري إلى ثمانية، وإلى تسعة في بعض الأحيان؛ يتضاعف ثلاث مرات من ثلاثة إلى تسعة، وهذا إما بتعاقب الرواة وتتابعهم، وقد يكونوا في طبقة واحدة ثلاثة؛ يعني: في طبقة التابعين يكون ثلاثة أشخاص، وطبقة الصحابة يكون شخصين وهكذا، فــقتيبة بن سعيد ولد سنة مائة وخمسين، وتوفي سنة مائتين وأربعين.
    [حدثنا بكر وهو ابن مضر].
    كلمة (هو ابن مضر)، هذه قالها من دون قتيبة بن سعيد ؛ إما النسائي أو من دون النسائي، ولا يقولها قتيبة؛ لأن قتيبة يذكر شيخه كما يريد، ولا يحتاج إلى أن يقول: (هو)، وإنما يحتاج إليها الذي دونه عندما يأتي الإسناد، ويرى فيه شخص ذكر باسمه فقط، فيريد أن يوضحه حتى لا يلتبس بغيره، فيأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)؛ حتى يعرف أنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وهذه من عناية المحدثين ودقتهم في الرواية وفي الأمانة، وأن الواحد لا يزيد على كلام غيره، بحيث إذا ذكر التلميذ شيخه بكلمة واحدة، الذي بعده إذا أراد أن يوضح يقول: (هو ابن فلان) أو (يعني: ابن فلان)، وبكر بن مضر ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن ابن الهاد].
    هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من أوساط التابعين، وهو الذي روى عنه البخاري أول حديث في صحيحه؛ لأن البخاري رحمه الله أول حديث في صحيحه حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وقد ذكر فيه ثلاثة من التابعين، واحد من كبارهم، وواحد من أوساطهم، وواحد من صغارهم؛ وهم: علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، ثلاثة من طبقة واحدة وهي طبقة التابعين، واحد من كبارهم، وواحد من أوساطهم، وواحد من صغارهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه سابع الفقهاء السبعة، والفقهاء السبعة في عصر التابعين ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، فالمتفق على عدهم في الفقهاء السبعة: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع فقيل فيه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، ثلاثة أقوال في السابع، وستة لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، فإذا جاء في بعض المسائل: وهذه المسألة قال بها الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة.
    وابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ذكر في أوله الذين عرفوا بالفتوى في مختلف الأقطار؛ في مكة، والمدينة، والبصرة، والكوفة، ومصر، والشام، ذكر الذين اشتهروا بالفتوى في زمن الصحابة وزمن التابعين، وذكر جملة، ولما جاء عند المدينة وذكر جملة من فقهائها، ذكر الفقهاء السبعة، وذكر بيتين من الشعر يشتمل الثاني منهما على هؤلاء السبعة، والسابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على أحد الأقوال، وهو قول الشاعر:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    هؤلاء السبعة في البيت الثاني هم الفقهاء السبعة، والسابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    هو أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، والذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم

    شرح حديث: (كان رسول الله إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس)].
    أورد النسائي قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم، وأورد فيه حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الغداة أو صلى الصبح قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس].
    فالرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا سلم من صلاته بقي مستقبلاً القبلة مقدار ما يستغفر ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى أصحابه، فإذاً: يكون المقصود من ذلك أنه ليس على الهيئة التي هو عليها وهو في الصلاة، يعني: ليس الهيئة أنه مستقبل القبلة؛ لأنه لا يقعد إلا مقدار ما يقول كذا وكذا، يعني: لا يقعد مستقبل القبلة، ثم يتجه إلى المأمومين ويستقبلهم ويستدبر القبلة؛ يستقبل المأمومين ويستدبر القبلة، فإذاً: ما جاء في الحديث من ذكر أنه لا يقعد في مصلاه إلا مقدار كذا، يعني: معناه أنه متجه إلى جهة القبلة، وهذا الحديث الذي معنا معناه أنه يكون في مصلاه، وإن كان ليس على الهيئة التي كان عليها وهو في الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [حدثنا أبي الأحوص].
    هو سلام بن سليم الكوفي ، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ومعرفة المشهورين بالكنى مع معرفة أسمائهم وأنسابهم هذه مهمة؛ لأن فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بكنيته أخرى، فقد يظن هذا غير هذا، ولكن إذا عرف أن هذه الكنية لفلان فسواء جاء باسمه أو جاء بكنيته لا يلتبس على من له علم ومعرفة بهذا الأمر، توفي سنة مائة وتسع وسبعين، وهي السنة التي مات فيها الإمام مالك، وقتيبة بن سعيد ولد سنة مائة وخمسين كما عرفنا، فمعناه أنه أدرك تسعاً وعشرين من حياة أبي الأحوص ، إذ أن قتيبة عمر فأدرك المتقدمين؛ يعني: أدرك الإمام مالك ، وأدرك من قبل الإمام مالك.
    [عن سماك].
    هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جابر بن سمرة].
    هو جابر بن سمرة بن جنادة ، وهو صحابي ابن صحابي، رضي الله تعالى عنه، وعن أبيه، وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث جابر بن سمرة في الجلوس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير وذكر آخر عن سماك بن حرب قلت لـجابر بن سمرة : كنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه يذكرون حديث الجاهلية، وينشدون الشعر ويضحكون، ويتبسم صلى الله عليه وسلم].هنا أورد النسائي حديث جابر بن سمرة من طريق أخرى، وهو أطول من الطريق الأولى، وذلك أن جابر بن سمرة رضي الله عنه قيل له: [أنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ويتحدث أصحابه وينشدون الشعر ويضحكون، ويتبسم رسول الله عليه الصلاة والسلام]، يعني: مما يحصل منهم.
    وهذا يدلنا على ما ترجم له النسائي من حيث الجلوس في المصلى حتى طلوع الشمس، ويدل أيضاً على أن التحدث في المسجد في الأمور الماضية التي فيها عبر وعظات، وتحدث الصحابة فيما كان في أمور الجاهلية، وما كانوا عليه من التفرق، وما كانوا عليه من الضلال، ثم بعث الله فيهم رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فيتذكرون ما هم فيه من الضلال، وما هم فيه من الانحراف، ثم ما من الله تعالى به عليهم من بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم؛ ليخرجهم به من الظلمات إلى النور بإذنه سبحانه وتعالى، فيتذكرون نعم الله عز وجل وفضله عليهم، وتلك النعمة العظمى التي هي أعظم النعم وهي نعمة الإسلام، وأن الله تعالى أنقذهم مما كانوا فيه من أمور الجاهلية، وهداهم الله عز وجل إلى الصراط المستقيم، الذي بعث الله به رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينشدون الشعر، والذي فيه النصائح، وفيه العبر والعظات، وفيه الفوائد، وليس فيه أمور لا تصلح ولا تنبغي، فهذا يدلنا على جواز مثل ذلك، وعلى جواز إنشاد الشعر في المسجد، ولكنه الشعر الذي يكون فيه خير، وفيه نصح، وتوجيه وإرشاد، وفيه عبر وعظات، وفيه إرشاد إلى الخير، وفيه حكم، وأمور ترغب، ومن المعلوم أن الاشتغال في المسجد بقراءة القرآن أفضل وأحسن، ولكن مثل ذلك هذا الحديث يدل على جوازه، وأنه لا بأس به، ولكن كما هو معلوم غيره أولى منه، يعني قراءة القرآن أولى من الاشتغال بالشعر، ومن إنشاد الشعر، ولكن الحديث يدل على جواز ذلك، والشعر إذا شغل عن غيره فهو مذموم، ولو كان شيئاً محموداَ وشيئاً حسناً، ولهذا جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم وغيره: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً)، لا شك أنه ليس المقصود بالشعر هنا الشعر المذموم، أو الشعر القبيح؛ لأن الشعر القبيح لو كان بيتاً واحداً فهو قبيح ومذموم، ما هو يمتلئ جوفه، ويكون كثيراً عنده شعر كثير من هذا القبيل، البيت الواحد نفسه هو سيئ إذا كان عند الإنسان، وإذا كان يعتني به الإنسان، ويتحدث به الإنسان، ويعجب الإنسان إذا كان قبيحاً، بيت واحد من الشعر هو سيء مذموم، لكن المقصود من ذلك الذي هو غير مذموم، إذا أدى إلى الشغل عما هو خير، أو الاشتغال عما هو خير، لكن إذا حصل في بعض الأحيان لا بأس بذلك، وحسان رضي الله عنه كان ينشد الشعر في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الشعر الذي كان يدافع فيه عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي كان فيه يهجو المشركين الذين كانوا يهجون رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ثم هذا الفعل الذي فعلوه وسكوت النبي عليه الصلاة والسلام عليه دل على جوازه، وهذا من قبيل الإقرار؛ لأن السنة قول، وفعل، وتقرير؛ قول رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله، وتقريره، وهذا مثال للتقرير؛ لأنهم كانوا يتحدثون وينشدون والرسول صلى الله عليه وسلم يراهم ويتبسم، ولم ينكر عليهم، وهو عليه الصلاة والسلام لا يسكت على باطل، ولا يقر على باطل، فهو لما أقرهم علم أنه جائز، وأنه سائغ، وأنه لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في الجلوس بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي ، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    هو يحيى بن آدم الكوفي وهو ثقة، فاضل، مصنف، من كتبه كتاب الخراج، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زهير].
    هو زهير بن معاوية الكوفي وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #258
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (255)

    - باب الانصراف من الصلاة - باب الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة
    كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته ينصرف يميناً تارة وشمالاً تارة أخرى، وعلى هذا فيسن للإمام أن ينصرف بعد الانتهاء من الصلاة يميناً أو شمالاً.
    الانصراف من الصلاة
    شرح حديث أنس: (أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانصراف من الصلاة.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن السدي قال: سألت أنس بن مالك: كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه].
    فيقول النسائي رحمه الله: باب كيفية الانصراف من الصلاة. أي: الانصراف عن جهة القبلة عندما يصلي الإنسان، ثم يريد أن ينصرف، هل ينصرف على يمينه أم على شماله؟ والانصراف يطلق على السلام، ويطلق على الانصراف بعد السلام، كل هذا يقال له: انصراف، يطلق على السلام أنه انصراف؛ لأنه انصراف من الصلاة أو عن الصلاة، بحيث يكون الإنسان أنهى الصلاة، وحل له كل شيء كان حرم عليه بدخوله في الصلاة، ويطلق على الانحراف عن الجهة التي كان عليها، فالإمام إذا أراد أن ينصرف إلى المأمومين، هل ينصرف على يمينه أو على شماله؟ هذا هو المقصود بالانصراف.
    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سئل: كيف ينصرف الإنسان من صلاته؟ أي: عن الهيئة التي كان عليها وهو في الصلاة مستقبل القبلة، عندما يريد أن يتحول أو ينصرف، هل يكون انصرافه إلى جهة يمينه أو إلى جهة شماله؟ فأجاب أنس بن مالك رضي الله عنه بقوله: [أما أنا فأكثر ما رأيت النبي عليه الصلاة والسلام ينصرف عن يمينه]، يعني: يتحول من جهة القبلة عن يمينه عليه الصلاة والسلام، وقد مر أن الإمام عندما يصلي ويسلم، يبقى في مكانه الذي صلى فيه مستقبل القبلة، مقدار ما يستغفر ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ولا يبقى إلى جهة القبلة أكثر من هذه المدة التي هي مقدار ما يقول هذا الدعاء، وهذا هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وجاء في الحديث أن السدي سأل أنس بن مالك رضي الله عنه: كيف ينصرف من صلاته؟ هل عن يمينه أم عن شماله؟ فأجاب أنس رضي الله عنه بما شاهده، وعاينه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على أمرين: الأمر الأول: ما كان عليه سلف هذه الأمة من معرفة السنة، وكيف يعمل الناس في صلواتهم وفي عباداتهم، وأنهم يبحثون عن السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ثم أيضاً جواب أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد أجاب بالدليل الذي هو فعله عليه الصلاة والسلام، هذا يدلنا أيضاً على أنهم كانوا يجيبون بالآثار، ويجيبون بالسنن، يعني: عندما يسأل الإنسان ما يقول: انصرف على يمينك، أو انصرف على شمالك، فأحياناً يكون جوابهم بذكر الدليل، ومن المعلوم أنه إذا أُتي بالدليل، هذا هو الغاية، وهذا هو المقصود، معناه: أنك تتبع هذا الهدي، وهذه السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان من طريقة أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، أنهم إذا سئلوا عن حكم أجابوا بالدليل، وكان جوابهم ذكر الدليل، ومن المعلوم أن هذا فيه الجواب والزيادة، يعني: معناه أنه قال: انحرف عن يمينك؛ لأنني أكثر ما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم ينحرف عن يمينه، أو ينصرف إلى جهة يمينه عليه الصلاة والسلام.
    ثم إن قوله: (أكثر ما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم)، يدل على أنه في بعض الأحيان التي هي أقل كان ينصرف عن يساره، يعني: معناه قوله: أكثر ما كان ينصرف عن يمينه، له منطوق، وله مفهوم، منطوقه أنه ينصرف عن يمينه أكثر، وينصرف عن يساره أقل، معناه: فيه انصراف من جهة اليمين وانصراف من جهة اليسار، الحديث يدل على الأمرين: الانصراف عن جهة اليمين، والانصراف عن جهة اليسار، إلا أن الأكثر الذي شاهده أنس بن مالك رضي الله عنه من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن الأكثر أنه كان ينصرف عن يمينه إلى جهة المأمومين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على جواز الأمرين، على أن كلا الأمرين سائغ، سواء انصرف عن يمينه أو انصرف عن يساره، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، وجاء في حديث أنس هذا أن الأكثر انصرافه إلى جهة اليمين.
    وفي الحديث الذي بعده عن عبد الله بن مسعود : أن أكثر ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يساره، وكل منهما دال على الأمرين، لكن يظهر التعارض بينهما من جهة الأكثرية، أنس يقول: إن الانصراف إلى جهة اليمين أكثر، وعبد الله بن مسعود يقول: الانصراف إلى جهة اليسار أكثر، والتوفيق بينهما أن كلاً منهما حكى ما شاهده وعاينه، وأن الذي ظهر له، أو الذي علمه مما شاهده وعاينه، أن هذا رأى أن هذا أكثر، وهذا رأى أن هذا أكثر، يعني: على حسب مشاهدته ومعاينته، وقيل في الجمع بينهما وجوه أخرى، يعني: وأن بعضهم أراد حالته الأولى، والثاني أراد الحالة الثانية، لكن القول الأول أو الجمع الأول هو الأظهر؛ لأن كل واحد منهما أخبر عن الذي شاهده، وعن الذي علمه من فعله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً، فهذا ظهر أن هذا أكثر، وهذا ظهر أن هذا أكثر، والأمر في ذلك واسع، انصرف إلى جهة اليمين، أو انصرف إلى جهة اليسار، كل ذلك فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو ابن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وقد ذكرت في درس مضى أنه من المعمرين، قد بلغ تسعين سنة، وكانت وفاته سنة مائتين وأربعين، أي: قبل وفاة الإمام أحمد بسنة واحدة، وولادته سنة مائة وخمسين، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وولد فيها الإمام الشافعي، فعمره تسعون سنة، ولهذا أدرك من لم يدركه غيره لطول حياته رحمة الله عليه.
    [حدثنا أبو عوانة].
    أبو عوانة هذه كنية اشتهر بها الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، فاشتهر بكنيته أبو عوانة، وكثيراً ما يأتي ذكره بالكنية، ويقل أو يندر أنه يأتي ذكره بالاسم، وإنما الكثير مجيئه بالكنية أبو عوانة، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عوانة من طبقة شيوخ النسائي ، وكذلك من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وهناك أبو عوانة متأخر، وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم المسمى صحيح أبي عوانة، أو مستخرج أبي عوانة، أو مسند أبي عوانة، له ثلاثة أسماء، يقال له: صحيح؛ لأنه مستخرج على الصحيح، ويقال له: مستخرج؛ لأنه مبني على صحيح مسلم، والمستخرج هو أن يروي أحاديث الكتاب بأسانيد لا يمر بها على صاحب الكتاب، وإنما يلتقي مع صاحب الكتاب بشيخه أو شيخ شيخه، يعني: معناه أنه لا يمر على مسلم في مستخرجه عندما يأتي للأسانيد، وإنما يلتقي مع مسلم بشيخه، أو شيخ شيخه، أو من فوق ذلك، وأحياناً إذا ضاق المخرج على المستخرج، لجأ إلى روايته عن صاحب الكتاب، ولهذا يأتي في الفتح كثيراً عندما يأتي الكلام على بعض الأحاديث، وأن أبا نعيم أو الإسماعيلي أو أبا عوانة ، قال: وقد ضاق مخرجه على فلان فرواه من طريق المصنف، يعني: ما وجد سبيل إلى أنه يرتفع عن المصنف، وأنه يلتقي به من فوق، فلم يجد بداً من أن يرويه عن طريق المؤلف.
    [عن السدي].
    هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي، وهو صدوق يهم، وقد أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهذا يقال له: السدي الكبير، وهناك شخص آخر يقال له السدي الصغير، وهو محمد بن مروان صاحب التفسير المعروف الذي يأتي ذكره في التفسير كثيراً، وذاك ضعيف متهم بالكذب، وأما هذا صدوق يهم، ولكنه يذكر في رجال أصحاب الكتب الستة، ويكتب أمامه تمييز، يعني: ذكر للتميز وإلا ليس له رواية، يعني: بدل الرموز يكتب تمييز، ومعناه أنه ذكر تمييزاً حتى لا يلتبس لمن يسمى محمد بن مروان، لأن محمد بن مروان يأتي عدة فيذكرهم، وذكر من له رواية بالرموز، ومن ليس له رواية، يذكر بدل الرموز تمييز، يعني: ليس له رواية في الكتب، ولكنه ذكر للتمييز عن غيره، ويعرف بهذا أنه ليس له رواية.
    وبالمناسبة جاء عطاء بن السائب الثقفي الكوفي ، وكان بعض النسخ التي ترمز رمزوا له بـالبخاري في الأدب المفرد، وبعضها رمزت له في البخاري في الصحيح مع أصحاب السنن الأربعة، وقلت فيما مضى: أن هذه الرموز أحياناً تلتبس، ويذكر شيء مكان شيء، ويظهر فيها الغلط، لكن الفيصل في هذا قلت: الرجوع إلى تهذيب الكمال للمزي، وقلت: إن المزي رحمة الله عليه في تهذيب الكمال عندما يختم الترجمة، ترجمة الشخص الذي يذكر ترجمته، يختمها بأن يذكر من خرج له بالأسماء ليس بالرموز، ففي آخر ترجمة عطاء بن السائب قال: أخرج له البخاري حديثاً واحداً متابعة، وروى له الباقون سوى مسلم، معناه: أخرج له البخاري في الصحيح، ولكن متابعة ومقروناً بغيره، وأخرج له أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج له مسلم، يعني: ذكر هذا بالكلام بالحروف وليس بالرموز، يعني: بالأسماء، قال: أخرج له البخاري حديثاً واحداً متابعة، وأخرج له الباقون سوى مسلم، فالإنسان إذا أراد أن يعرف من خرج لينظر آخر الترجمة، نهاية كل ترجمة يذكر هذه العبارة التي فيها: خرج له الجماعة، خرج له الترمذي ، خرج له مسلم ، خرج له أصحاب الكتب كذا.. إلخ، بالحروف وليس بالرموز، فهذا هو الفيصل، وعلى هذا فالرمز الصحيح (خ) وليس الباء والخاء، والجماعة الذين ذكروا في الصحيحين وفيهم كلام أو تكلم فيهم بشيء، الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري عمل لهم تراجم الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، ترجم لهم في مقدمة الفتح على حروف الهجاء، يعني: مرتبين على حروف الهجاء، الألف ثم الباء.. إلخ، ثم يذكر، يعني: ما قيل في الشخص، ويجيب عن إخراج البخاري عنه بالجواب الذي عنده فيه، ولما جاء عند عطاء بن السائب قال: إنه مختلط، صدوق اختلط، وما روي عنه قديماً هذا صحيح، وما روي عنه بعد الاختلاط هذا غير معول عليه، وذكر الذي تحصل له من الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، ومنهم محمد بن زيد، وسفيان الثوري وجماعة، ثم قال: إن البخاري روى له حديثاً واحداً مقروناً بغيره في تفسير: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )[الكوثر:1]، يعني: الموضع الذي ورد فيه ذكر عطاء بن السائب في صحيح البخاري في موضع واحد في الصحيح في تفسير: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )[الكوثر:1]، تفسير ابن عباس للكوثر، وأنه الخير الكثير، وقد أورده في كتاب الرقاق، باب قول الله عز وجل: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )[الكوثر:1]، وذكر جملة أحاديث، ومنها الحديث الذي ذكر بإسناده عطاء بن السائب مقروناً بشخص آخر، وهذا هو الموضع الوحيد الذي جاء فيه عطاء بن السائب، وقرنه بغيره؛ لأنه من رواية شخص سمع منه بعد الاختلاط، يعني: فالعمدة على غيره وليس عليه؛ لأنه المعتمد على غيره وليس عليه، فأنا أنبه كما قلت على أنها إذا التبست الرموز بين التقريب وتهذيب التهذيب، أو غيرها من النسخ الأخرى، مثل: خلاصة التذهيب أو غيرها، فالإنسان يرجع إلى نهاية الترجمة في تهذيب الكمال للمزي الذي يذكر الأسماء بدون رموز، وإذا كان الشخص متكلم فيه، وهو من رجال البخاري ، يمكن للإنسان أن يرجع إلى مقدمة فتح الباري، ويعرف اعتذار الحافظ ابن حجر عن البخاري في إخراجه للشخص المتكلم فيه.
    [سألت أنس بن مالك].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنين، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره عشر سنوات، فعمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، منذ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو يخدمه، فخدمته إياه عشر سنوات، وكان ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكثر حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع.
    وأنس بن مالك عمر وكان من المعمرين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا أدركه وأخذ عنه من لم يدرك الكثير من الصحابة؛ لأن أنس من صغار الصحابة، وعمر فأدركه ولقيه صغار التابعين، فكثر الآخذون عنه، وكثر الرواة عنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    الأسانيد الرباعية عند النسائي
    وهذا الإسناد رجاله أربعة أشخاص: قتيبة، وأبو عوانة، والسدي، وأنس، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي أربعة أشخاص، وأنزلها عشرة أشخاص، مر بنا حديث في فضل قل هو الله أحد يرويه النسائي بإسناده، وبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص، وقد قال النسائي عقبه: وهذا أطول إسناد علمته. ومثاله في حديث آخر من رواية قتيبة ، فهو رباعي أيضاً مثل هذا، الذي فيه قتيبة عن أبي الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة ، أربعة أشخاص، يعني: هذان الإسنادان من الأسانيد العالية عند النسائي ، وهي أعلى ما عنده، وأصحاب الكتب الستة ينقسمون إلى قسمين: قسم أعلى ما عندهم الثلاثيات، وقسم أعلى ما عندهم الرباعيات، فـالبخاري، والترمذي، وابن ماجه ، هؤلاء عندهم ثلاثيات، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي فليس عندهم ثلاثيات، وإنما عندهم الرباعيات، فالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، يعني: بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، صحابي، وتابعي، وتابع تابعي، اثنان وعشرون حديثاً في الصحيح كله، وهي أعلى ما يكون عند البخاري، وأنزل ما يكون عند البخاري تسعة أشخاص، وهذا في حديث: (ويل للعرب من شر قد اقترب)، فإن رجال إسناده تسعة أشخاص بين البخاري وبين رسول الله، يعني: مثل أنزل إسناد يعتبر رجاله ضعفي الإسناد العالي عنده.
    والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي فقط، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث كلها بإسناد واحد، وهو إسناد ضعيف، أما الثلاثة الباقون الذين هم: مسلم، وأبو داود، والنسائي ، فأعلى ما عندهم الرباعيات.
    شرح حديث ابن مسعود: (لقد رأيت رسول الله أكثر انصرافه عن يساره)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى قال: حدثنا الأعمش عن عمارة عن الأسود قال عبد الله : لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، يرى أن حتماً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر انصرافه عن يساره].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: [لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، يرى حتماً عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره].
    من المعلوم أن الانصراف عن جهة اليمين وعن جهة اليسار، كل ذلك حق، لكن الإنسان إذا رأى أن الشيء المندوب يكون واجباً، فيكون هذا مخالفة للسنة، والإتيان بشيء يخالف السنة، فكونه يرى وجوباً أن ينحرف عن يمينه، ما جاءت به السنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أوجب أن يكون انحراف الإنسان عن اليمين، ولا عن الشمال، فإذا رأى الإنسان أنه حتماً، ولازماً، وواجباً أن الإنسان ينصرف إلى جهة اليمين أو الشمال، معناه أتى بشيء ما جاءت به السنة، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه هذا يدلنا على الحث على التزام السنن، وعدم الزيادة والنقصان، لا يغلو الإنسان ولا يجفو، ما يغلو الإنسان بحيث يتجاوز الحد، والشيء الذي ليس بواجب يقول: هو واجب، ولا يجفو بحيث يتساهل ويتهاون في السنن، ويستهين بها، ولا يحسب حساب للمندوبات.
    فكلام ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من اتباع السنن، والحث على اتباع السنن، وأن الإنسان لا يتجاوز الحدود، ولا يأتي بشيء يخالف السنة، ولا يلزم نفسه بشيء ما جاءت به السنة بالإلزام به؛ لأنه رضي الله تعالى عنه، رأى أن كون الإنسان يرى أنه يلتزم شيئاً معيناً الرسول صلى الله عليه وسلم ما التزمه، ولا جاء عنه ما يدل على التزامه، معنى هذا أن هذا من عمل الشيطان، وأن هذا من كيد الشيطان، والشيطان له مداخل على الإنسان، إذا رأى الإنسان عنده تقصير، وعنده ضعف، أتاه من جهة الترغيب في الشهوات، وتحبيب المعاصي إليه؛ لأنه ما يرى عنده إقدام على العبادة، يرى عنده تقصير في العبادة، وخلل في العبادة، فيأتيه من الجهة التي هو متجه إليها، نفسه تميل إلى الشهوات يرغبه في الشهوات، ويجعله يترك الأمور المطلوبة منه، وإذا رأى الإنسان عنده إقبال على العبادة، أتاه من جهة اتجاهه، وأراد منه أن يزيد، وأن يتجاوز الحد، وأن يغلو، فالشيطان يأتي للإنسان من الجهة التي يميل إليها الإنسان، فإن كان عنده ميل إلى العبادة، وعنده رغبة في العبادة، ولا يستطيع أن يأتيه من جهة الشهوات، والوقوع في المعاصي، جاءه من جهة العبادة، يعني: يريد أن يزيد فيها حتى يبتدع، وحتى يخرج عن السنة، فيكون من جنوده، ويكون له نصيب منه، ولهذا قال رضي الله عنه: [لا يجعل أحدكم للشيطان جزءاً من نفسه، يرى حتماً عليه]، يعني: هذا هو معنى الذي أراد أن يبين كونه يجعل له جزء، يرى حتماً عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، يعني: واجب عليه أن ينصرف إلا عن يمينه، فالذي يفعل هذا من تلقاء نفسه، وليس عنده فيه سنة، هذا من عمل الشيطان، وهذا من إغواء الشيطان للإنسان، وكما ذكرت الشيطان يأتي للإنسان من جهة العبادة، بأن يغلو الإنسان فيها إذا رغب عن الشهوات، وإذا رغب عن العبادة، وأقبل على الشهوات، أتاه من جهة الشهوات ورغبه فيها حتى يبتعد عن العبادة، وحتى يبتعد عن الطاعة، وهذا من باب الغلو، ومن باب إيجاب ما ليس بواجب.
    وكما ذكرت في الحديث الماضي ابن مسعود يقول: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره، وأنس بن مالك يقول: رأيت أكثر ما ينصرف عن يمينه، وقد عرفنا الجواب فيما يظهر بينهما من التعارض.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (لقد رأيت رسول الله أكثر انصرافه عن يساره)
    قوله: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي].هو أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، والفلاس لقب، واشتهر به، وهو: محدث، ناقد، متكلم في الرجال، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    هو ابن سعيد القطان ، المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، كلامه في الرجال كثير جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ومعرفة الألقاب نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الإنسان الذي ما يعرف أن الأعمش لقب، وصاحب اللقب اسمه سليمان بن مهران ، لو رأى سليمان بن مهران في موضع، ثم رأى الأعمش في موضع آخر، ظن أن الأعمش شخص آخر غير سليمان بن مهران، لكن من عرف أن سليمان بن مهران شخص محدث لقبه الأعمش ، لا يلتبس عليه، كونه يأتي الأعمش أحياناً أو يأتي سليمان بن مهران أحياناً، أو سليمان بدون نسب أحياناً، لا يلتبس عليه الأمر يعرف أنه شخص واحد، سواء ذكر باسمه أو بلقبه.
    يروي [عن عمارة بن عمير التيمي الكوفي].
    وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، فقيه، مخضرم، والمخضرم هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي عليه الصلاة والسلام، أدرك زمن النبي ولكنه لم يظفر بصحبة النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء يقال لهم: المخضرمون، قد جمعهم مسلم فبلغوا أكثر من عشرين شخصاً، منهم هذا الذي هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وكذلك شخص سيأتي قريباً، وهو مسروق بن الأجدع، وكذلك سويد بن غفلة، وكذلك المعرور بن سويد ، وكذلك أبو وائل شقيق بن سلمة، يعني: مجموعة يزيدون على عشرين هؤلاء من كبار التابعين، أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام ولم يرو النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم الصنابحي اليماني عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي الذي قدم من اليمن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما كان بالجحفة بقرب رابغ في طريقه إلى المدينة، جاء ركب من المدينة فأخبروه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وهو في الطريق إليه، ولهذا قال بعض العلماء في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، كاد يعني: ما بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير، قرب من أن يكون صحابياً، ولكنه ما تم له ذلك، وما تيسر له ذلك، وما ظفر بذلك، هؤلاء هم المخضرمون، أدركوا الجاهلية، والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من المهاجرين، ومن علماء الصحابة، ومن متقدميهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة، والصحيح أنه ليس منهم، وأن العبادلة كلهم من صغار الصحابة، وأما هذا فهو من كبارهم، والعبادلة الأربعة من صغار الصحابة، وهم عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهم من صغار الصحابة.
    فالمسافة طويلة بينهم، وأما العبادلة فهم متقاربون، وعبد الله بن مسعود أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث عائشة: (رأيت رسول الله يشرب قائماً وقاعداً... وينصرف عن يمينه وعن شماله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا بقية حدثنا الزبيدي أن مكحولاً حدثه أن مسروق بن الأجدع حدثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً، ويصلي حافياً ومنتعلاً، وينصرف عن يمينه وعن شماله].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يشرب قائماً، وقاعداً، ولكن أكثر فعله أنه كان يشرب قاعداً، وقليلاً ما كان يشرب قائماً، وقد جاء عنه في الشرب من ماء زمزم، وجاء عن علي رضي الله عنه الإنكار على من ينكر على من يشرب قائماً، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعداً، وشرب قائماً، فالأفضل للإنسان أن يشرب قاعداً، لكنه إذا شرب في بعض الأحيان قائماً فإن ذلك جائز؛ لأنه جاء من فعله ما يدل على أن ما جاء في الإرشاد إلى الشرب جالساً، أنه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب؛ لأنه وجد ما يدل على جوازه من فعله عليه الصلاة والسلام، فدل على أن الشرب قاعداً أفضل وأولى، والشرب قائماً جائز ليس بحرام.
    [ويصلي حافياً، ومنتعلاً]، أي: يصلي وعليه النعال، ويصلي ليس عليه نعال، يعني: يصلي حافياً ليس عليه نعال، ولا خفاف، ويصلي منتعلاً عليه خفاف ونعال، فكان هذا هديه عليه الصلاة والسلام، لكن مما ينبغي أن يعلم أنه إذا كانت المساجد مفروشة، ونظيفة، والدخول فيها بالنعال يترتب عليه توسيخ لها، فلا ينبغي للإنسان أن يدخل بنعاله، ويلوث الفرش بما علق بها، وإنما يصلي أحياناً فيما إذا كان فيه تراب، أو المسجد فيه تراب، أو في بر، أو ما إلى ذلك، يصلي أحياناً الإنسان منتعلاً اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا وهذا، وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أخبرت عنه أنه كان يصلي حافياً، ومنتعلاً.
    [وينصرف عن يمينه وشماله]، يعني: من صلاته عن يمينه وشماله، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الباب، ينصرف عن يمينه، وعن شماله، كل ذلك سائغ، فحديث عائشة يدل على جواز هذا وهذا، والحديثان المرويان يدل على جواز الأمرين، إلا أن حديث أنس يقول: إن الانصراف عن اليمين أكثر، وحديث ابن مسعود يقول: الانصراف عن اليسار أكثر.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (رأيت رسول الله يشرب قائماً وقاعداً... وينصرف عن يمينه وعن شماله)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الأوصاف العالية، والألقاب الرفيعة، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وراهويه قلت في درس مضى قريباً أن المحدثين يعبرون عنها براهويه، واللغويين يعبرون عنها براهويه، فالمحدثون يأتون بالتعبير بها براهويه، بسكون الواو وضم ما قبله، وفتح الياء التي بعد الواو والهاء ساكنة، وأما اللغويون فيجعلونها مختومة بويه، الواو مفتوحة والياء ساكنة والهاء بعدها ساكنة.
    [حدثنا بقية].
    هو بقية بن الوليد الدمشقي وهو صدوق، يدلس، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا الزبيدي].
    وهذه نسبة صاحبها هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن مكحولاً].
    هو الشامي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن مسروق بن الأجدع].
    ثقة مخضرم، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين زوجة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابيات حديثاً عنه، وهي أحد السبعة أشخاص الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، ستة رجال، وامرأة واحدة.
    الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة
    شرح حديث عائشة: (كان النساء يصلين مع رسول الله الفجر، فكان إذا سلم انصرفن ... فلا يعرفن من الغلس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة.أخبرنا علي بن خشرم ، أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فكان إذا سلم انصرفن متلفعات بمروطهن، فلا يعرفن من الغلس].
    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة. المراد بذلك أنهن ينصرفن بعد السلام مباشرة، النساء تنصرف والرجال يبقون، ثم بعد ذلك ينصرف الرجال بعدهن.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #259
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب السهو)
    (256)

    - (باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف) إلى (باب إذا قيل للرجل: صليت؟ هل يقول: لا؟)
    نهى عليه الصلاة والسلام عن مسابقة الإمام في الصلاة، وقد رتب على ذلك الوعيد الشديد، ويستحب لمن صلى ألا ينصرف حتى ينصرف إمامه، ويجوز للإمام أن يتخطى رقاب الناس للحاجة، كما يجوز لمن سئل: هل صليت؟ أن يقول: ما صليت.
    النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة
    شرح حديث: (لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة.أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إني إمامكم، فلا تبادروني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف، فإني أراكم من أمامي، ومن خلفي، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، قلنا: ما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب النهي عن مبادرة الإمام في الانصراف من الصلاة. ومراد النسائي رحمه الله أن الإمام يجب الائتمام به، ومتابعته، وأنه لا يسابق في شيء من أعمال الصلاة من أولها إلى آخرها، ومن ذلك الخروج منها بالسلام، فإنه لا يسلم قبل سلام الإمام، وكما أنه لا يسابق الإمام في أي عمل من الأعمال فأيضاً لا يوافق، وإنما يتابع بعدما يفرغ الإمام من العمل الذي هو كونه يسلم، أو كونه يقول: الله أكبر، أو يقول: سمع الله لمن حمده، فإنه بعدما يفرغ من الشيء الذي عليه يتابعه المأموم، كما سبق أن مر في بعض الأحاديث، أنه قال: (إنني أسجد قبلكم وأرفع قبلكم، فهذه بتلك)، يعني: اللحظة التي سبقتكم فيها أنتم جئتم بعدي، وكذلك عند الانتهاء منها، فهم أيضاً يتأخرون تبعاً له، فتكون هذه بتلك، ومعناه: أن الفترة التي مكثوها تماثل الفترة التي مكثها الإمام، إلا أن الإمام يتقدمهم وهم يتأخرون بعده، فلا يسابقونه، ولا يوافقنه، ولا يتأخرون عنه كثيراً؛ لأن أحوال متابعة الإمام، أو الائتمام به له أربعة أحوال:
    مسابقة وهي: التقدم عليه وسبقه في الأعمال. وموافقة وهي: أنه مثله تماماً، لا يتقدم عليه ولا يتأخر. ومتابعة وهي: كونه يأتي بعده مباشرة. وتأخر: وهي: أن يتخلف عنه كثيراً، فهذه الأعمال التي يؤتم بالإمام فيها، فإذا حصلت المسابقة، أو الموافقة، أو التخلف الكثير، فإن هذا لا يسوغ، وإنما الذي هو مطلوب هو المتابعة بدون موافقة وبدون تأخر.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [إني إمامكم]، ومعنى كونه (إمامهم): أنهم يأتمون به، وإلا فلماذا يتقدم الإمام ليصلي بالناس، يعني: لو كان الإنسان يصلي كما يشاء، أو يتقدم على الإمام، إذاً ما فائدة الإمام، ثم أيضاً هذا الذي يسابق الإمام، ماذا يستفيد من هذه المسابقة، كما قال بعض السلف: إذا علم الإنسان أنه لا يسلم قبل الإمام، ولا يخرج من الصلاة قبل الإمام، إذاً ما فائدة المسابقة، ومعناه: أنه إخلال في الصلاة وكون الإنسان لم يؤد الصلاة، مع أنه بمسابقته لم يخرج من الصلاة قبل الإمام، فلم يخرج منها ولم ينته منها قبل انتهاء الإمام.
    إذاً: فلابد من المتابعة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [إني إمامكم، فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف]، والانصراف هو السلام والخروج من الصلاة، فهو يتابع في جميع أعمال الصلاة من بدايتها إلى نهايتها حتى الانصراف منها؛ الذي هو السلام الذي يكون به الانصراف، والذي يحصل به تحليل الصلاة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، يعني: يحل للإنسان بعد التسليم ما كان محرماً عليه بعد التحريم الذي هو قول: الله أكبر؛ تكبيرة الإحرام، ويحل له ما كان محرماً عليه بعد التكبير، فيرجع الأمر إلى الحالة التي كان عليها قبل التحريم؛ يعني: قبل أن يدخل في تكبيرة الإحرام، أما بعدما أن يسلم فيعود الأمر إلى ما كان عليه، معناه: يتكلم، يشرب، يتحدث؛ لأنه خرج من الصلاة، فالصلاة بداية تحريمها هي تكبيرة الإحرام، ونهاية تحريمها التسليم.
    قوله: [فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف، فإني أراكم من أمامي ومن وراء ظهري]، أي: ومن خلفي، وهذا يبين أنه يطلع على ما يحصل منهم من المسابقة، وأن الله تعالى أقدره على ذلك، وأطلعه على ذلك، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، يعني: كونه يراهم من وراء ظهره كما يراهم من أمامه عليه الصلاة والسلام.
    ثم قال: [لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قالوا: ما رأيت يا رسول الله؟ قال: الجنة والنار]، فالجنة يحصل البكاء شوقاً، ورغبة، وحذراً من فواتها، وخوفاً من فواتها، والنار خوفاً منها، فالخوف من النار، وما فيها من الأهوال والأفزاع إذا تذكرها الإنسان فإنه يقل ضحكه، ويكثر بكاؤه، أو يحصل بكاؤه، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: [لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً]، لكنهم ما رأوا هذا ولا شاهدوه، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على ما لم يطلعهم عليه، ولم يطلع الناس عليه؛ ليكون ذلك ابتلاء وامتحاناً لهم؛ ليتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأن النار والجنة لو حصلت في الدنيا ورأى ذلك الناس في الدنيا لم يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا في صلاة الكسوف لما عرضت عليه الجنة، وعرضت عليه النار وهو في الصلاة، وتقدم في صلاته، ومد يده كأنه يريد أن يأخذ شيئاً، وتأخر حتى رجع القهقرى، وسأله أصحابه: لماذا حصل؟ رأيناك تقدمت حتى كأنك تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، فأرت أن آخذ منها عنقوداً فمددت يدي، ثم تركت، فلو أخذت منها لأكلتم ما بقيت الدنيا). يعني: هذا العنقود لو أخذ منه لأكل الناس إلى نهاية الدنيا، وذلك لعظم شأن نعيم الآخرة، لكن الرسول ترك ولم يأخذ منه شيئاً؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ومن يصدق ومن لا يصدق، ومن يستعد ومن لا يستعد، ومن يتهيأ ومن لا يتهيأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بما شاهده وعاينه، وأنه لو حصل لهم ما حصل له لضحكوا قليلاً ولبكوا كثيراً؛ خوفاً من النار وخوفاً من العذاب.
    ولهذا عذاب القبر الله عز وجل أخفاه على الناس، وقد أطلع الله عليه نبيه عليه الصلاة والسلام، قال في الحديث الصحيح: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فأطلعه الله عز وجل على عذاب القبر، وأسمعه ما يجري في القبور، وأطلعه على الجنة والنار، ولم يطلع الناس، ولكنهم أخبروا بذلك؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب.
    ومحل الشاهد منه قوله: [ولا بالانصراف]، هذا هو محل الشاهد للترجمة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ...)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، ثقة حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد أكثر عنه مسلم في صحيحه.
    [حدثنا علي بن مسهر].
    ثقة يغرب، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المختار بن فلفل].
    صدوق له أوهام، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد رباعي من رباعيات كتاب النسائي التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ لأنه علي بن حجر عن علي بن مسهر عن المختار بن فلفل عن أنس؛ أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي أعلى الأسانيد عند النسائي، وأطول الأسانيد عند النسائي عشرة، وقد مر بنا الحديث الذي فيه عشرة أشخاص في فضل سورة قل هو الله أحد في ما مضى من الأبواب، وكان بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، وقال: إن هذا أطول إسناد؛ فأعلى الأسانيد عند النسائي أربعة، وأنزلها وأطولها عشرة.
    وفي الدرس الماضي جاء ذكر الزبيدي الذي هو محمد بن الوليد الحمصي، وحصل كلام حول من خرج له، والذين خرجوا له هم أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وليس الجماعة، الجماعة ما خرجوا له جميعاً، فـالترمذي لم يخرج له، وإنما خرج له الستة إلا الترمذي.
    ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف
    شرح حديث: (... من صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر وهو ابن المفضل حدثنا داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم كانت سادسة، فلم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل، قلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة، قال: ثم كانت الرابعة، فلم يقم بنا، فلما بقي ثلاث من الشهر أرسل إلى بناته ونسائه، وحشد الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، ثم لم يقم بنا شيئاً من الشهر، قال داود: قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب ثواب من قام مع الإمام حتى ينصرف، ومعناه: أنه له أجر قيام الليلة إذا قام مع الإمام حتى ينصرف، وهذا في صلاة الليل، أو في صلاة التراويح، أو في التهجد في رمضان.
    وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل بهم في رمضان، أي: التهجد، أو قيام الليل حتى بقي سبع من الشهر، أي: في العشر الأواخر من رمضان بقي سبع، ففي هذه الليلة التي هي أول السبع خرج وصلى بهم إلى نحو ثلث الليل، وفي الليلة التي تليها لم يخرج ولم يصل بهم، وفي الليلة التي بعدها وهي الخامسة صلى بهم نحواً من شطر الليل، يعني: نصفه، ثم إنهم قالوا: لو نفلتنا بقية ليلتنا، يعني: واصلنا الصلاة إلى آخر الليل، فقال: [من قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة]، معناه: أنه إذا صلى مع الإمام حتى ينتهي فإن الله تعالى يكتب له قيام ليلة إلى آخرها، يعني: يكتب له ثواب ذلك، ثم إنه لم يصل بعد ذلك في الليلة الرابعة، ولكن لما بقي ثلاث في الليلة الثالثة التي هي أولى الثلاث الباقية، قام وصلى، وحشد أهله، ودعا أهله، وصلى بهم، حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح، والفلاح هو السحو؛ فلا يتمكنون من أكل طعام السحور؛ لأنهم كانوا يصلون معه عليه الصلاة والسلام.
    ثم إنه لم يخرج بعد ذلك، ولما راجعوه أخبرهم، قال: (خشيت أن يفرض عليكم)، والذي جاء في هذا الحديث دليل على مشروعية قيام رمضان جماعة، وأن صلاة التراويح سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنها لم يكن وجودها ابتداء في عهد عمر، وإنما كان أصلها في زمنه عليه الصلاة والسلام، فصلى بهم بعض الليالي، ولكنه أفصح، وأخبر عن السبب الذي جعله لا يواصل، وأنه خشية أن يفترض عليهم؛ لأن الزمن زمن الوحي، وزمن التشريع، وهذا من نصحه، وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خشي أن يفرض عليها قيام الليل، وأن يفرض عليها قيام رمضان، فترك ذلك، ولكن لما جاء زمن الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه؛ أي: بعد زمن أبي بكر ؛ وكان سنتين وأشهراً، ومر رمضانات في خلافته، وكان مشغولاً بقتال المرتدين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإعادة الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبوة، لكن لما جاء عمر وزمن عمر رضي الله عنه أعاد الناس إلى ما فعله معهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه صلى بهم صلاة الليل، وقيام رمضان، وذلك أن الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم زال؛ لأن التشريع انتهى بوفاته عليه الصلاة والسلام فما بقي تشريع، فيكون مستحباً، ويكون مندوباً، ثابتاً من فعله عليه الصلاة والسلام، فـعمر رضي الله عنه جمع الناس، وجعلهم يصلون التراويح في رمضان، وليس هذا مما أحدث في زمن عمر.
    وما جاء عنه أنه قال: نعمت البدعة هي، ليس المراد بها البدعة التي ليس لها أساس من الدين، وإنما المراد بها أنها بدعة من حيث اللغة، يعني: معناه أنها وجدت بعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن من حيث الشرع مستندة إلى فعله صلى الله عليه وسلم الذي لم يستمر عليه؛ خشية أن يفرض على الناس، فالمحذور زال بوفاته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا تشريع بعد وفاته ولا وحي، بل توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله تعالى به الدين، فعلم بهذا أن قيام رمضان سنة، وأن الاجتماع عليه مستحب، وذلك بفعله، وإعادة عمر الناس إليه لما زال المحذور الذي كان خشيه النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الفرض، وذلك شفقة منه على أمته صلى الله عليه وسلم.
    والحديث دال على ما ترجم له المصنف من حيث أن من قام مع الإمام حتى ينصرف في رمضان، فإنه يكتب الله له قيام ليلة، وقيام رمضان، بل قيام الليل عموماً ما حد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حداً محدوداً لا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه، نعم كان من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي إحدى عشر في رمضان وفي غيره، ولا ينقص عن سبع عليه الصلاة والسلام، ولكن قوله في الحديث الآخر: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، يدل على أن الأمر في ذلك واسع، وأن الاقتصار على ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس متحكماً، وليس بلازم، والزيادة عليه جائزة، وسائغة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فإذا صلى الإنسان خلف إمام يصلي التراويح، إذا كان يصلي إحدى عشر يصلي معه إحدى عشر، وإذا كان يصلي عشرين يصلي عشرين، وإذا كان يصلي أربعين يصلي أربعين، ويستمر معه حتى ينصرف؛ لكي يدخل تحت هذا الثواب، أو حتى يحصل هذا الثواب الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بقوله: [من قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة].
    تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ...)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وقد ذكرت مراراً أن هذا من أنواع علوم الحديث، وأن فائدته ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية بدل النسبة، فإن الكل صواب، ولا تصحيف في ذلك؛ لأنه إسماعيل بن مسعود وإسماعيل أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا بشر وهو ابن المفضل].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (وهو ابن المفضل) هذه زادها النسائي، أو من دون النسائي، يعني: ما زادها إسماعيل بن مسعود ؛ لأن إسماعيل بن مسعود تلميذه، وهو يذكر شيخه كما يريد؛ ينسبه ويطول في نسبه، أو يقتصر في نسبه، وهو ذكره مختصراً؛ ذكر اسمه فقط، لكن من دونه النسائي أو من دون النسائي هو الذي أتى بهذه الزيادة، لكن لما أتى بها أتى بجملة تشعر بأنها ليست من التلميذ، بل هي ممن دون التلميذ، وهو ابن المفضل، فهذه قائلها من دون التلميذ، الذي قاله التلميذ بشر فقط، ومن دون التلميذ زاد هو ابن المفضل، وأتى بكلمة (وهو) حتى يعرف ذلك؛ لأنه لو أتى من دون التلميذ بقوله: بشر بن المفضل، فهم أن هذا الكلام من التلميذ، مع أن التلميذ ما قال إلا بشر فقط، فهم زادوها، ولم يأتوها بدون (هو)؛ حتى لا يضيفوا إلى التلميذ شيئاً ما قاله، واحتاجوا إلى أن يذكروها، فأتوا بشيء يميزها، وأن الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ، وهذا من دقة المحدثين في تلقيهم، وأدائهم، وتحريرهم، وتدوينهم، وأنهم يأتون بمثل هذه القيود التي تبين القائل، والتي يحصل بزيادتها الإيضاح، والبيان، مع السلامة من أن يقوَّل التلميذ ما لم يقله، أو يعبر عنه بعبارة ما عبر بها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
    [حدثنا داود بن أبي هند].
    ثقة أيضاً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الوليد بن عبد الرحمن].
    هو الوليد بن عبد الرحمن الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جبير بن نفير].
    ثقة، مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو من المخضرمين، وقد مر سابقاً ذكر اثنين من المخضرمين؛ وهم: مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وسويد بن غفلة، والمعرور بن سويد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، والصنابحي هؤلاء مخضرمون، زاد عددهم على العشرين، وقد ذكرهم الإمام مسلم، ويقال لهم: المخضرمون؛ لأنهم أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي عليه الصلاة والسلام، وهم معدودون في كبار التابعين.
    [عن أبي ذر].
    هو أبو ذر الغفاري هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الرخصة للإمام في تخطي رقاب الناس
    شرح حديث عقبة بن الحارث: (صليت مع النبي ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة للإمام في تخطي رقاب الناس.أخبرنا أحمد بن بكار الحراني حدثنا بشر بن السري عن عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر بالمدينة، ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً؛ حتى تعجب الناس لسرعته، فتبعه بعض أصحابه، فدخل على بعض أزواجه ثم خرج، فقال: إني ذكرت وأنا في العصر شيئاً من تبرٍ كان عندنا، فكرهت أن يبيت عندنا، فأمرت بقسمته)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تخطي الإمام رقاب الناس، يعني: عند الحاجة إلى ذلك، وذلك بأن يكون مثلاً سيذهب إلى مصلاه ولا يجد سبيلاً إليه إلا التخطي، أو اضطر إلى الخروج فإن له أن يتخطى رقاب الناس.
    وقد أورد النسائي حديث عقبة بن الحارث النوفلي رضي الله تعالى عنه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، ولما انصرف من الصلاة قام مسرعاً يتخطى رقاب الناس حتى دخل منزله، ففزع الناس، يعني: هذا شيء غريب، خلاف العادة، فخشوا أن يكون حصل أمر مخيف، أو يخشى منه، أو أنه نزل شيء فيهم، ففزعوا، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام خرج وأخبرهم بالشيء الذي دفعه إلى ذلك، وقال: [إني تذكرت، وأنا في الصلاة تبراً كان عندنا -والتبر هو الذهب الذي لم يسبك- قال: فأمرت بقسمته]، يعني: بادر إلى الأمر بقسمته، أي: التوكيل بقسمته؛ حتى لا يبقى عنده، وهذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه إذا حصل شيء من ذلك في الصلاة، يعني: وجود بعض الهواجس، كونه جاء في باله هذا الأمر، ولا علاقة له بالصلاة، وليس مما يتعلق بالصلاة، فذلك لا يؤثر على الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام حصل له هذا التفكير في الصلاة، وجاء على باله هذا الذهب الذي في البيت، ويريد ألا يتأخر، ويبقى دون أن يقسم، فبادر فيما ذكره وحتى لا ينساه، فبادر إلى منزله، وأمر بقسمته صلى الله عليه وسلم.
    فالحديث دال على ما ترجم له المصنف من التخطي عند الحاجة، ودال أيضاً على أن مثل ذلك التفكير في الصلاة لا يؤثر، ودال على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة إلى صرف ما يكون عنده في طرقه المشروعة، وفي سبيل الله عز وجل، فإن هذا الذي كان عنده أراد ألا يبقى وأن يبيت دون أن يقسم، وما دام على باله وعلى ذكره، أراد أن يأمر بقسمته، وأن يوكل بقسمته صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن الحارث: (صليت مع النبي ثم انصرف يتخطى رقاب الناس سريعاً ...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن بكار الحراني].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن السري].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن سعيد بن أبي حسين النوفلي].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن ابن أبي مليكة].
    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن الحارث].
    هو عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف.
    يقال له: النوفلي نسبة إلى جده نوفل بن عبد مناف، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مسلمة الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    إذا قيل لرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟
    شرح حديث جابر بن عبد الله في قول الرجل: لا، إذا سئل: هل صليت؟
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا قيل للرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا خالد وهو ابن الحارث عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله: (أن عمر بن الخطاب يوم الخندق بعدما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما صليتها، فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب إذا قيل للرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟ ومقصود النسائي من هذه الترجمة أن ذلك سائغ، وجاء عن بعض العلماء كراهيته، والبخاري نفسه أيضاً بوب بمثل هذا الباب، والمقصود من ذلك هو الإشارة إلى أن قول من قال: بأنه مكروه أنه ليس بصحيح، وأنه ليس على إطلاقه، والذي جاء عنه هو إبراهيم النخعي، وقيل: إن الذي كان كرهه إذا كان في انتظار الصلاة يقول: ما صلينا، معناه: تباطؤ أو استبطاء للصلاة؛ لأنه إذا كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فـالنسائي أراد أن يبين أن الكراهية مطلقاً ليست على بابها، وأنه يمكن للإنسان إذا سئل: هل صليت؟ أن يقول: لا، ما صليت، وأن مثل ذلك سائغ وجائز.
    وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعدما غربت الشمس، وكان ذلك يوم الخندق، ويسب كفار قريش، ويقول: ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، قال: وأنا ما صليتها، ثم نزلوا إلى بطحان وتوضئوا، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم العصر، ثم صلى بهم المغرب بعد الغروب، وقد جاء في بعض الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، يعني في الخندق، وهذا يدل على أن الوسطى هي العصر، وقد اختلف فيها العلماء، لكن جاء فيها النص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديث قصة الخندق، وهو الحديث الذي شغل فيه عن صلاة العصر، ولم يصلها حتى غربت الشمس، أو بعد الغروب.
    والحديث دال على ما ترجم له المصنف، وذلك من قوله: [ما صليتها]، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ما صليتها]، هذا هو محل الشاهد.
    والحديث دال على الترتيب بين الصلوات، وأن الصلاة الفائتة تقدم على الصلاة الحاضرة، اللهم إلا أن يخشى خروج وقت الحاضرة، فإنه يؤتى بالصلاة الحاضرة إذا خشي وقتها، ولم يتسع بقية الوقت إلا للحاضرة، فإنه عند ذلك يؤتى بها؛ لأنه لو لم يأت بها خرج وقتها وصارت مقضية، وأما ما دام أن الأمر فيه سعة لأن يؤتى بالفائتة، ثم يؤتى بالحاضرة، فلابد من الترتيب، لكن إذا خشي فوات وقت الحاضرة، فإنه يترك الترتيب، ويؤتى بالصلاة الحاضرة؛ حتى لا تكون مقضية، فتكون مؤداة غير مقضية، وبعد ذلك يأتي بالفوائت التي فاتت، وإذا كان الوقت واسعاً فإنه يأتي بالصلوات المقضية الفائتة قبل الصلاة التي حضر وقتها، ما دام أن الوقت فيه سعة، وأنه يمكن أن يأتي بالأشياء الفائتة قبلها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، وتوضئوا صلى بهم العصر، وهي التي قد فاتت وخرج وقتها، ثم صلى بهم المغرب التي وقتها حاضر.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن عبد الله في قول الرجل: لا، إذا سئل: هل صليت؟ قوله: [إسماعيل بن مسعود].قد مر ذكره قريباً.
    و[محمد بن عبد الأعلى] هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد وهو ابن الحارث].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن الحارث) مثل ما مضى في ذكر ابن المفضل والذي زادها هو من دون التلميذ.
    [عن هشام].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ويحيى بن أبي كثير هذا هو صاحب الكلمة المأثورة المشهورة التي تدل على شأن طلب العلم، والعناية به، وحفظ الوقت، وعدم الإخلاد إلى الراحة، والتي أوردها الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إليه، وذلك في أثناء الكلام على أوقات الصلوات، عندما ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طرق كثيرة أتى بهذا الإسناد، ثم إلى يحيى بن أبي كثير قال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، معناه: أن من أراد أن يحصل شيئاً من العلم، فإنه لا يحصله بالراحة، والإخلاد إلى الراحة، وإنما يحصله بالتعب، والنصب، والمشقة، فلابد من النصب لمن يريد أن يحصل شيئاً، وهي كلمة عظيمة: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)؛ ما يحصل العلم براحة الجسم، من أراد أن يريح جسمه فلن يحصل علماً، ومن أراد أن يحصل العلم فهو الذي يتعب جسمه، وهو الذي يشغل نفسه، وهو الذي يشغل ليله، ونهاره، وتفكيره، وبصره، وقدميه في المشي إلى مجالس العلم، وإلى أهل العلم، وإلى دور العلم؛ ليحصل العلم، فـ(لا يستطاع العلم براحة الجسم) كلمة عظيمة لها شأنها، ولا شك أن الأمر كما قال رحمة الله عليه، فمن أراد أن يحصل علماً، فليبذل ما به يحصل العلم؛ يشغل وقته، يبذل ماله في سبيل تحصيل الكتب النافعة في الوصول إلى الجهات التي يحصل فيها العلم إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من الثقات، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع، كما سبق أن مر في دروس مضت أن المدينة فيها سبعة أشخاص في عصر التابعين اشتهروا بلقب الفقهاء السبعة، ستة منهم متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه، وأحد الأقوال في السابع أنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله الأنصاري].
    هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وأبوه استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فـجابر رضي الله عنه أحد هؤلاء السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #260
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الجمعة)
    (257)

    - باب إيجاب الجمعة
    فضائل هذه الأمة عظيمة وخصائصها كثيرة، منها أنها أسبق الأمم إلى الجنة وأكثرها ثواباً، ومنها أيضاً هداية الله لهذه الأمة ليوم الجمعة، واختلاف اليهود والنصارى عنه، فصاروا تبعاً لهذه الأمة، فأضل الله اليهود والنصارى عن هذا اليوم وعظمته وخصائصه.
    كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة
    شرح حديث: (... وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجل عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله عز وجل له يعني: يوم الجمعة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجمعة. باب إيجاب الجمعة.أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ح وابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجل عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله عز وجل له، يعني: يوم الجمعة، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد)].
    يقول النسائي رحمه الله: كتاب الجمعة. لما أورد كتاب الصلاة والكتب المتعلقة به، وهي الفرائض التي أوجبها الله عز وجل في اليوم والليلة خمس مرات، وما يتعلق بها من جماعة، وإمامة وغير ذلك، انتقل إلى هذا الفرض الذي يأتي في الأسبوع مرة وهو الجمعة، فهذا هو وجه إيراد الجمعة بعد إيراد الكتب المتعلقة بالصلاة، وما يتعلق بها من جماعة، وإمامة وغير ذلك؛ لأن الصلوات الخمس تأتي في اليوم والليلة خمس مرات، والجمعة تأتي في الأسبوع مرة، وبعد ما فرغ مما يأتي، أو من الأحكام المتعلقة بالذي يأتي في اليوم والليلة خمس مرات، وهو الصلوات الخمس المفروضة، أتى بما يتعلق بيوم الجمعة، وهو أن الفرض في ذلك اليوم في وسط النهار الجمعة وليس الظهر، فتختلف عن بقية الأيام، فلهذا أورد كتاب الجمعة بعد الكتب المتعلقة بالصلاة.
    ثم قال: باب إيجاب الجمعة، يعني: كونها واجبة على هذه الأمة، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أن أهل الكتاب أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه بعدهم، كتب الله عليهم الجمعة فاختلفوا فيه، فهدانا الله عز وجل إليه، فالناس لنا فيه تبع، اليهود يوم غد، والنصارى بغد غد)]، اليهود يعني يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، هذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة.
    والمقصود منه قوله: (كتب الله عز وجل عليهم)، يعني: فيه التعبير بالكتب، والكتب فيها الإيجاب، والفرض، فاختلفوا فيه، وتحولوا إلى غيره، وأبدلوه بغيره، وهذه الأمة هداها الله عز وجل إليه فقبلته، وثبتت عليه، واستقرت عليه، فصار لهذه الأمة التي هي خير الأمم، وهو خير أيام الأسبوع، وأفضل أيام الأسبوع، فجعله الله لهذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
    فإن لهذا اليوم الذي هو يوم الجمعة خصائص كثيرة، أوصلها ابن القيم إلى ما يزيد عن أربعين خصيصة، وألف أيضاً فيه بعض المؤلفات التي تدل على فضله وعلى خصائصه، وما يتعلق بذلك اليوم الذي أكرم الله تعالى به هذه الأمة، وخص به هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: [(نحن الآخرون السابقون)]، أي: الآخرون من حيث الزمان والوجود، وغيرنا من الأمم تقدم علينا، فنحن آخر الأمم، ومع كوننا الآخرين، فنحن السابقون يوم القيامة، فيحشرون ويقضى بينهم قبل الناس، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو أول من ينشق عنه القبر كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)، فتحشر هذه الأمة ويقضى بينها، وتدخل الجنة، فتكون متأخرة من حيث الزمان، ولكنها سابقة في المنزلة والدرجة، والسبق إلى الخير، والتقديم إلى الخير، [(نحن الآخرون السابقون)].
    ثم إنه لما جاء ذكر السابقين قال: [(بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)]، يعني: اليهود، والنصارى، أهل الكتاب، والمراد بالكتاب الجنس، وهو التوراة، والإنجيل، كتابان وليس كتاباً واحداً، فالإفراد فيه ليس للوحدة وإنما هو للجنس، وكثيراً ما يأتي في القرآن ذكر الكتاب مراداً به الجنس، وليس مراداً به الوحدة أو الكتاب الواحد، كما في قول الله عز وجل: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )[البقرة:177]، فالكتاب المراد به: الكتب، يعني: والكتب والنبيين، فهو جنس، وكذلك قول الله عز وجل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ )[الحديد:25]، المراد بالكتاب: الكتب، لم ينزل الله على الأنبياء كتاباً واحداً، وعلى الرسل كتاباً واحداً، وإنما أرسل عليهم كتباً، وكذلك قول الله عز وجل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ )[المائدة:48]، أي: من الكتب، أي: مصدقاً لما بين يديه من الكتب، فيأتي لفظ (الكتاب) على لفظ الإفراد محلاً بالألف واللام، وكذلك يأتي مضافاً كما في قوله عز وجل عن مريم: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ )[التحريم:12]، فيأتي محلاً بالألف واللام، ويأتي مضافاً، وكل منهما يراد به الجنس، ولا يراد به الوحدة أو الكتاب الواحد، فأهل الكتاب، أي: التوراة والإنجيل، وهما كتابان، فالمراد من ذلك الجنس.
    (وأوتيناه)، أي: الكتاب، وهو غير الكتابين، وإنما هو القرآن الذي أنزله الله على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، يعني: أوتوا الكتاب الذي هو: التوراة والإنجيل، ونحن أوتينا القرآن، آتاه الله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فجعل نبينا خير الأنبياء، وجعل كتابه خير الكتب والمهيمن عليها، وجعل لهذه الأمة ذلك اليوم الذي هو الجمعة الذي هو خير الأيام، وأفضلها.
    قوله: [(نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)]، بيد أي: مع أنهم، متقدمون في الزمان، ونحن متأخرون من حيث الزمان والوجود، إلا أننا نسبقهم يوم القيامة، ونتقدم عليهم يوم القيامة؛ لأن الله تعالى أكرم هذه الأمة بخير رسول، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، فهي الآخرة السابقة، الآخرة في هذه الدنيا، السابقة يوم القيامة، المتقدمة على غيرها يوم القيامة.
    قوله: [(وهذا اليوم الذي كتبه الله عليهم)]، هذا اليوم الذي كتب الله عليهم، أي: على أهل الكتاب الذي هو الجمعة، فاختلفوا فيه، وتحولوا إلى غيره، فاليهود صار لهم السبت، والنصارى صار لهم الأحد، وهدى الله عز وجل هذه الأمة إليه.
    قوله: [(فهدانا الله عز وجل)[، أي: لهذا اليوم الذي هو يوم الجمعة، فصار اليوم الذي لهذه الأمة يوم الجمعة، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فأيامهم تابعة ليومنا، وهي بعد يومنا، ونحن متأخرون عليهم في الزمان، ولكننا متقدمون عليهم في الرتبة، والمنزلة في يوم القيامة.
    (فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد).
    (فالناس لنا فيه تبع)، يعني: في هذا اليوم، فنحن يوم الجمعة، واليهود والنصارى بعدنا، اليهود يوم السبت الذي يلي يومنا، والنصارى يوم الأحد الذي يلي يوم النصارى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجل عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله عز وجل له يعني: يوم الجمعة)
    قوله: [سعيد بن عبد الرحمن المخزومي].ثقة، أخرج حديثه النسائي، والترمذي.
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، حجة، إمام، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يدلس، ولكنه لا يدلس إلا عن الثقات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو هنا غير منسوب، ويسمى المهمل في علم المصطلح، يعني: عندما يذكر الاسم ولا يذكر النسب، ويكون محتمل لأشخاص، فهو مهمل، يعني: غير منسوب، ومعرفة تعيينه يكون بالرجوع إلى الطرق الأخرى للحديث عند الأئمة، ويكون أيضاً بالرجوع إلى التلاميذ، والشيوخ، ومن المعلوم أن سفيان بن عيينة متأخر عن سفيان الثوري مقدار سبع وثلاثين سنة تقريباً في الوفاة، فـسفيان الثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، فهو متقدم، وأما سفيان بن عيينة فهو قريب من المائتين، مائة وسبع وتسعين، فبينهما مسافة طويلة، لكن من يكون معمراً فإنه يدرك، يعني سفيان الثوري، أو ممن كان في أوائل القرن الثالث يدرك سفيان الثوري.
    وإذاً: فعلى هذا فالمسافة التي بين سفيان الثوري وبين سفيان بن عيينة، يكون في الغالب أنه إذا كان الشخص متأخر أنه ما أدرك سفيان الثوري، وهنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي توفي سنة مائتين وتسعة وأربعين، والثوري مائة وواحد وستين، أي: بين وفاة هذا وهذا تسع وثمانون سنة، فلا يدركه إلا إذا عمر فوق المائة، فهذا مما يعرف به كون الشخص مدرك أو ما يدرك، لكن قد نص على أنه سفيان بن عيينة في بعض الطرق، ومن حيث الزمان واضح أن سعيد بن عبد الرحمن لم يدرك زمن الثوري؛ لأن بين وفاتيهما تسع وثمانون سنة، يعني: مسافة طويلة جداً، وحديث سفيان بن عيينة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الزناد].
    هذا لقب بلفظ الكنية، واللقب يأتي أحياناً بلفظ الكنية، ويأتي والأصل فيه أنه كنية إذا قيل: أبو فلان، أم فلان، الغالب أن هذه كنية، لكن أحياناً تأتي لقباً وليست كنية، مثل: أبي الزناد، ومثل أم المساكين زينب بنت خزيمة، يقال لها: أم المساكين لعطفها على المساكين، فهذا لقب، وأبو الزناد لقب وكنيته أبو عبد الرحمن وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، وهو: مشهور بهذا اللقب الذي بلفظ الكنية أبو الزناد، اسمه عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هذا لقب، وصاحب اللقب هو عبد الرحمن بن هرمز المدني وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وألقاب المحدثين ومعرفتها لها أهمية، وهذه الأهمية يتضح بها أو يتبين بها أن الشخص الواحد قد يظن شخصين فيما إذا لم يعرف أن هذا اللقب لصاحب هذا الاسم، فمن لا يعرف أن عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج، يظن عبد الرحمن بن هرمز شخص والأعرج شخص، لو وجد لفظ الأعرج في إسناد، ووجد بعده في إسناد آخر عبد الرحمن بن هرمز، يظن أن عبد الرحمن بن هرمز شخص وأن الأعرج شخص آخر، لكن من عرف أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر، ولهذا فإن معرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، أكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر
    أي: ابن عباس.
    كالخدري وجابر وزوجة النبي
    ثم هذا الإسناد الذي هو أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، هذه نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وهي بإسناد واحد، ومشتملة على أحاديث كثيرة، أول الأحاديث هذا الحديث: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، وهناك نسخة أخرى يقال لها: نسخة همام بن منبه عن أبي هريرة، وأولها أيضاً حديث: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، ونسخة همام تبلغ مائة وأربعين حديثاً كلها بإسناد واحد يفصل بين كل حديث وحديث بجملة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر حديثاً، ثم يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر حديثاً، ويقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأتي: وقال رسول الله مائة وأربعين مرة، ونسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة متقاربة مع هذه النسخة، وبداية كل من النسختين هذا الحديث الذي هو: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة).
    وطريقة العلماء في الرواية من النسخ: أن جمهورهم أو أن الكثير منهم على أن المحدث يأتي بالإسناد، ثم يأتي بأي حديث من الأحاديث الكبيرة ويجعله وراء الإسناد، أي: بعد الإسناد مباشرة، وهذه طريقة البخاري وغيره، وبعض العلماء يأتي بالإسناد، ثم يأتي بأول حديث الذي هو: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) هذا، ثم يأتي بالحديث الآخر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتي بالحديث الذي يريد من النسخة، سواء كان من وسطها، أو من آخرها، المهم أنه يأتي بالحديث الأول يلي الإسناد، ثم يأتي بالحديث الذي يريد، ويقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
    أما الإمام مسلم رحمة الله عليه، فإنه في صحيحه سلك مسلكاً تميز به عن غيره في الأخذ من الصحيفة، فإنه روى أحاديث كثيرة من صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، وهي تتفق مع صحيفة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في كثير من الأحاديث، وفي البداية الذي هو حديث الجمعة: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، فكان من طريقته أن يسوق الإسناد، وإذا انتهى إلى آخره قال: فذكر أحاديث عن أبي هريرة، ثم يقول: فذكر أحاديث. هذه الجملة يأتي بها: فذكر أحاديث، منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتي بالحديث الذي رقمه مائة أو مائة وعشرين، ويركبه على هذا الإسناد، لكنه أتى بهذه الجملة التي تبين أن الإسناد ما هو على هذه الطريقة، وإنما فيه أحاديث سابقة لهذا الذي قاله عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: فذكر أحاديث، منها: وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يريد أن يأتي به.
    وصحيفة همام بن منبه، وصحيفة أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، هي صحيحة وبإسناد واحد، والإمام البخاري، ومسلم اختاروا من هذه الصحيفة أحاديث، واختار البخاري أحاديث انفرد بها عن مسلم، واختار مسلم أحاديث انفرد بها عن البخاري، وكلها من الصحيفة وهي بإسناد واحد، وكلها صحيحة، وهذا من أوضح ما يستدل به على أن البخاري، ومسلم ما قصدا استيعاب الصحيح، وجمع الأحاديث الصحيحة كلها؛ لأنهم لو كانوا أردوا ما تركوا شيئاً من الصحيفة، مع كونها بإسناد واحد، وهم يأخذون ويتركون، يأخذون منها ويتركون منها، مع أنها كلها بإسناد واحد، يعني: في الثبوت هي كلها ثابتة، إلا أن البخاري اختار منها أحاديث، ومسلم اختار أحاديث، واتفقوا على اختيار أحاديث تلاقوا عليها، وتركوا أحاديث منها، فلو كان البخاري، ومسلم قصدا استيعاب الأحاديث الصحيحة، ما تركا شيئاً من هذه الصحيفة، مع أنها بإسناد واحد، هذا من أوضح ما يستدل به على أن البخاري، ومسلم رحمة الله عليهما لم يقصدا استيعاب الأحاديث الصحيحة، لم يستوعباها، ولم يقصدا استيعابها، ولهذا فالاستدراك عليهما، أو كونه يقال: فاتهما كذا وهو صحيح، لا وجه له؛ لأنهم ما التزموا حتى يفوتهم، وأوضح دليل هذه الصحيفة، صحيفة همام بن منبه، وصحيفة أبي الزناد عن أبي هريرة، فإنها بإسناد واحد، وقد أخذوا وتركوا.
    [ح وابن طاوس].
    كلمة (ح) هذه للتحويل، والغالب أن الإتيان بالتحويل يؤتى به بالنسبة لأسانيد المصنف، مثلما يأتي كثيراً عند مسلم، وعند البخاري، وعند النسائي، يعني يتحول الإسناد إلى إسناد، والإسناد الثاني هو للمصنف، لكن أحياناً يأتي التحويل في أعلى الإسناد، ولا يرجع إلى المصنف، ولهذا قال: وابن طاوس، وابن طاوس يعني معطوف على أبي الزناد، يعني: سفيان بن عيينة يروي عن أبي الزناد، ويروي عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة، فالملتقى هو سفيان، أي: مبدأ الإسنادين من سفيان، وليس من أول الإسناد، وإنما هو من سفيان، وابن طاوس هو: عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي عن أبيه طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    عن أبي هريرة، وهو صحابي الحديث.
    شرح حديث: (أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة وعن ربعي بن حراش عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله عز وجل بنا، فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنه، وهو بمعنى الذي قبله: [(أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله عز وجل بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق)]، وهذا فيه توضيح السبق والتأخر، (فنحن الآخرون في الدنيا)، أي: وجودنا متأخر عن وجودهم، ونحن السابقون يوم القيامة، يعني: نسبقهم ونتقدم عليهم، ففيه توضيح للسبق والتأخر الذي أُجمل في الحديث المتقدم، قال: (نحن الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة).
    قوله: [(المقضي لهم قبل الخلائق)].
    وهذا أيضاً يوضح قضية السبق، وأن يوم القيامة أنه يقضى بينهم قبل الخلائق، فالخلائق يتأخرون عنهم في القضاء بينهم، وهذه الأمة هي التي تقدم على غيرها، وإذا قضي بينها فإنها تذهب إلى مكانها من الجنة أو النار، فتتقدم على غيرها، وتسبق غيرها إلى الجنة، من كان من أهل الجنة يسبق غيره من أهل الجنة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا...)
    قوله: [واصل بن عبد الأعلى].هو واصل بن عبد الأعلى الأسدي الكوفي، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
    [حدثنا ابن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، رمي بالتشيع، وتكلم فيه من أجل التشيع، لكن جاء عنه عبارة ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح تدل على سلامته من البلاء الذي وقع فيه من وقع من الشيعة أو المتشيعين، وتلك العبارة هي قوله: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. معلوم أن الشيعة لا يترحمون على عثمان، والرافضة لا يترحمون على عثمان، وإنما يسبونه، ويشتمونه، ويصفونه بالظلم، ويصفون بخلافته وخلافة أبي بكر، وعمر بأنها جائرة، وأنها اغتصاب، فكون محمد بن فضيل الذي وصف بالتشيع، ورمي بالتشيع، وقدح فيه من أجل التشيع، كونه يقول هذه الجملة، ويقول هذه العبارة في حق عثمان، هذا يدل على سلامته، وعلى أنه على طريقة أهل السنة، وعلى منهج أهل السنة، فيقول: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. يدعو لـعثمان ويدعو على من لا يدعو لـعثمان، فهذا يدل على سلامته مما أضيف إليه ومما رمي به.
    وممن رمي بالتشيع أيضاً الفضل بن دكين أبو نعيم شيخ البخاري؛ فإن الحافظ ابن حجر أيضاً نقل في ترجمته في مقدمة الفتح أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية. ومن المعلوم أن سب معاوية هذا من أسهل الأشياء عند الرافضة، مثل شرب الماء عندهم في السهولة، يسبونه ولا يترددون في سبه، ولهذا يعتبره بعض العلماء أنه هو المدخل إلى الصحابة، فالذي يسبه أو يجرؤ على سبه يجرؤ على سب الصحابة، وعلى سب غيره من الصحابة، فهو يقول: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية.
    الزيدية الذين هم أقل من الرافضة، وهم كلهم من أهل البدع، يتكلمون في معاوية، ويسبونه، ولا يسبون أبا بكر وعمر، لكن يسبون معاوية، وسب معاوية يكاد أن يكون قدر مشترك بين الذين حرموا أن يكونوا من أهل السنة، كل من لم يكون من أهل السنة ممن ابتلي بهذه المذاهب الخبيثة، سب معاوية هذا من أسهل الأشياء عندهم، يكاد يكون قدراً مشتركاً بينهم، يقول به أدناهم وأبعدهم، من يكون أسهل ومن يكون أشد، كلهم يلتقون عند سب معاوية، ولهذا يقول الفضل بن دكين رحمة الله عليه: ما كتبت علي الحفظة، أي: الملائكة الذين يكتبون أقوال الإنسان، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )[ق:18]، يقول: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية، وهذا يدل على سلامته مما رمي به ومما أضيف إليه، وهو من شيوخ البخاري، بل من كبار شيوخ البخاري.

    [عن أبي مالك الأشجعي].
    هو سعد بن طارق الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي حازم].
    هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة] رضي الله عنه.
    وقد تقدم.
    ثم قال: وعن ربعي بن حراش، يعني: أن هذا إسناد آخر معطوف على الذي قبله، لأن الذي قبله.. الذي يروي عن أبي حازم أبو مالك الأشجعي، فأبا مالك الأشجعي يروي من طريقين: من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، والطريق الآخر من طريق ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، هذا طريق آخر، لكنه ما جاء بلفظ التحويل مثل الذي قبله، وهو مثله، يعني: اثنان تحويل أو التقاء إنما هو في أعلى الإسناد وليس في أوله، أي: ليس التحويل يرجع إلى أول الإسناد، وإنما إلى أعلى الإسناد أو قريب من أعلى الإسناد، وعن ربعي، يعني: أن أبا مالك الأشجعي كما أنه يروي هذا الحديث عن أبي حازم عن أبي هريرة، فهو أيضاً يرويه عن ربعي بن حراش عن حذيفة، وربعي بن حراش ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    عن حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت مع رسول الله بمكة جمعة بجواثى ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار حدثنا المعافى عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، جمعة بجواثى بالبحرين قرية لعبد القيس].أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في مسجد جواثى في البحرين في قرية لعبد القيس]، يعني: هذا الحديث ذكر في بعض النسخ نسخ النسائي وفي بعضها لم يذكر، وهو موجود في السنن الكبرى، وفيه: [أن أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة].
    وقد اختلف العلماء في فرض الجمعة متى كان؟ هل كان في مكة أم كان في المدينة؟ فمنهم من قال: أنه في مكة، ومنهم من قال: أنه بالمدينة، وقال الحافظ ابن حجر: أنه مشهور أنه في المدينة، وهذا يدل على أنه بمكة، إن كان محفوظاً فهو واضح الدلالة على أنه بمكة. وعبد القيس، وهم ممن تقدم إسلامهم، وكانوا يسكنون البحرين، والبحرين هي جهة الأحساء وما حولها، يعني: في الاصطلاح المعروف سابقاً، وليس ما هو معروف في هذا الزمان، فإنها تشمل تلك الجهة كلها، يعني: كل ما كان قريباً من الساحل هناك يقال له: البحرين، الأحساء، وما حولها.
    وقرية لبني عبد القيس، يعني: أول جمعة جمعت بعد تجميع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في تلك القرية التي اسمها جواثى، وهي اسم لقرية لبني عبد القيس، وبني عبد القيس هم من ربيعة أخو مضر بن نزار، وقد جاء في الصحيحين: مجيئهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وإخبارهم بأن قولهم: بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتي إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نأخذ به، ونبلغه من وراءنا، فقال: (آمركم بالإيمان، أتردون ما الإيمان؟) ثم بين لهم تلك الأمور التي هي من الإيمان، ونهاهم عن أشياء، يعني تتعلق بآنية الخمر، والحديث في الصحيحين وفي غيرهما، وهو مشهور بحديث وفد عبد القيس، فإسلامهم متقدم، وسبقهم إلى الإسلام متقدم، وتجميعهم، أو صلاتهم الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت مع رسول الله بمكة جمعة بجواثى ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار].هو محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا المعافى].
    هو ابن عمران الموصلي، وهو ثقة.
    [عن إبراهيم بن طهمان].
    ثقة، يغرب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن زياد الجمحي].
    ثقة، ثبت، ربما أرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكره.
    والله تعالى أعلم.
    الأسئلة

    رواية البخاري عن الفضل بن دكين ومحمد بن الفضل مباشرة وأحدهما بواسطة
    السؤال: فضيلة الشيخ، ذكرتم من شيوخ البخاري الفضل بن دكين، وذكرت أنه من أكبر شيوخ البخاري، تقصدون الفضل بن دكين أم ابن فضيل أيضاً؟الجواب: الفضل بن دكين، هذا ابن فضيل ما أدركه البخاري، كلامنا في الشخص الثاني الذي هو: الفضل بن دكين، أما محمد بن فضيل، أنا ذكرت الثاني من أجل التشابه في الكلمتين الجميلتين التي تدل على البراءة من الرمي بالبدعة، لكن الذي هو من شيوخ البخاري هو: أبو نعيم الفضل بن دكين، وأما محمد بن فضيل فهذا ما أدركه البخاري، يعني: البخاري يروي عنه بواسطة، وهو الذي يروي عنه البخاري حديث آخر في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقليتان في الميزان) فإنه يرويه عنه عن محمد بن فضيل بواسطة أحمد بن إشكاب؛ لأن شيخ أحمد بن إشكاب يروي عن محمد بن الفضيل هذا، فـالبخاري يروي عنه بواسطة، وأما الفضل بن دكين أبو نعيم فهو من شيوخه الكبار.
    حكم قص الحواجب إذا طالت وليس فيها ضرر
    السؤال: ما حكم قص الحواجب إذا طالت وأصبحت ملفتة للنظر؟الجواب: الحواجب لا يتعرض لها الإنسان في شيء، يتركها ولا يتعرض لحاجبه. لكن إذا كان الهدب نزل على العين ويترتب عليها مضرة، يزال الضرر.
    كيفية معرفة اللقب إذ جاء بلفظ الكنية
    السؤال: فضيلة الشيخ، عرفنا أن اللقب قد يأتي بلفظ الكنية، فكيف يعرف ذلك؟الجواب: يعرف ذلك بالتنصيص عليه؛ لأنهم ذكروا أن هذا كنيته أبو عبد الرحمن وقالوا: يعرف بـأبي الزناد، يعني: أنه لقب له وليس كنية، لأن التكنية بالكبير من الأولاد، وقد يكنى الإنسان وهو ليس له ولد، لكن قد يكون مشهوراً بلقب على صيغة الكنية كهذا.
    مدى قبول الحديث الغريب
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يقبل الحديث الغريب الحسن؟الجواب: نعم، هو قد يجتمع في الحديث أن يكون صحيحاً، وأن يكون غريباً، والصحيح فيه غرائب، صحيح البخاري، ومن غرائب الصحيح التي جاءت بإسناد واحد أول حديث في البخاري، وآخر حديث البخاري، الفاتحة والخاتمة، أول حديث فيه، وآخر حديث فيه، هما حديثان غريبان، حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، يرويه عمر بن الخطاب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •