تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 11 من 26 الأولىالأولى ... 23456789101112131415161718192021 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 201 إلى 220 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #201
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (198)

    - (باب قوله: ربنا ولك الحمد) إلى (باب ما يقول في قيامه ذلك)
    جاءت السنة بجملة من الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الرفع من الركوع، وهي تدل على الثناء والحمد لله تبارك وتعالى، فهو أهل لكل ثناء، وأهل لكل حمد، فما من نعمة إلا وهي من الله، ولذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أن نحمد الله ملء السموات وملء الأرض.
    قوله: ربنا ولك الحمد
    شرح حديث: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قوله: ربنا ولك الحمد. أخبرنا قتيبة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب قوله: ربنا ولك الحمد، أي: قول المأموم: ربنا ولك الحمد، وقد عرفنا في الدرس الماضي، أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع؛ لأن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
    ومحل الشاهد منه قوله عليه الصلاة والسلام: (فقولوا: ربنا ولك الحمد). فهو يدل على أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع كما دلت على ذلك الأحاديث الماضية، وكذلك الأحاديث الآتية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة في مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سمي].
    وهو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي صالح].
    وهو ذكوان السمان، مشهور بكنيته أبي صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال له أيضاً: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مكثر من الرواية عن أبي هريرة.
    [عن أبي هريرة].
    وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، عبد الرحمن بن صخر، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا سعيد عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله: أنه حدثه أنه سمع أبا موسى رضي الله عنه قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطبنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين؛ يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا؛ فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك. وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم؛ فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا؛ فإن الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبع كلمات وهي تحية الصلاة)].وهنا أورد النسائي هذا الحديث وهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو دال على ما ترجم له النسائي من كون المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وأنه جاء فيه: [(فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم؛ لأن معنى (سمع الله لمن حمده): استجاب الله لمن حمده.
    وهذا الحديث دال على عدة أمور: منها: ما ترجم له النسائي وهو قول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وذلك عندما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: [(إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا)].
    فقول أبي موسى: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام بين لنا سنتنا)]، يعني: السنة هي: الطريقة والمنهج، والمراد بذلك ما يتعبد به الناس ربهم، وما يتعاملون به فيما بينهم، على محجة وعلى هدى وعلى صراط مستقيم، فإن السنة يراد بها الطريقة والمنهج، يعني الطريقة التي يسلكونها في عبادة الله عز وجل، وفي التقرب إلى الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه، وترك الناس على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
    والسنة تطلق ويراد بها ما يعم التكاليف كلها، وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة، ويراد بها أيضاً الوحي الذي هو غير القرآن، فيقال: الدليل: الكتاب والسنة، فالمراد بالسنة الدليل من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويراد بالسنة أيضاً ما يقابل البدعة، ولكن قوله هنا: (سنتنا)، يعني معناها عام شامل، يعني: طريقتنا ومنهجنا الذي نسلكه في تعبدنا، وفي تقربنا إلى الله عز وجل، ولهذا جاء عن بعض الكفار أنهم قالوا لـأبي هريرة: [ (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة)]، قال: نعم، بين لنا حتى آداب قضاء الحاجة، يعني: بين لهم كيف يقضون حاجتهم إذا ذهبوا إلى الخلاء، كيف يصنعون، وأنهم لا يستنجون باليمين، ويكون بثلاثة أحجار، ولا يستنجون بروث، ولا عظم، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم للناس حتى آداب قضاء الحاجة، معنى هذا: أن الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فهي شريعة كاملة شاملة لا نقص فيها، فبين للناس ما يحتاجون إليه، وليس لأحد أن يأتي بأمور ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليتعبد الله تعالى بها، ويقول: أنا ما أردت إلا الخير، فإنه إذا أراد أن يكون العمل مقبولاً عند الله فلا بد أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء به من الكتاب والسنة، التي هي الوحي المتلو، والوحي الغير متلو، فكله يقال له: سنة، بهذا المعنى العام.
    فقوله: [(من رغب عن سنتي فليس مني)]، أي: ما جاء في الكتاب والسنة، فهذه طريقة الرسول، وهذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام.
    قوله: [(وعلمنا صلاتنا)]، أي: علمهم كيف يصلون، ثم بين أن الرسول خطبهم، وفي هذا بيان الشرائع في الخطب، وبيان الأحكام والتعليم وأنه يكون على المنبر وفي الخطب، هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه، فكان يخطبهم ويبين لهم أمور دينهم، ويبين لهم كيف يعبدون ربهم، وكيف يسلكون إلى الله عز وجل الطريق الذي يفضي بهم إلى السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
    وكان مما علمهم إياه في الصلاة أن قال: [(إذا صليتم فأقيموا صفوفكم)].
    أي: إذا قمتم إلى الصلاة فأقيموا الصفوف؛ سووها؛ بحيث تكون الصفوف متقاربة، والصف الأول يملأ، ثم إذا امتلأ الصف الأول يبدأ بالصف الثاني، وإذا امتلأ الصف الثاني يبدأ بالصف الثالث، وإذا امتلأ الثالث يبدأ بالرابع، وهكذا، ولا يُنشأ صف إلا إذا امتلأ الذي قبله، فهذا هو إقامة الصفوف، وهذا هو تسوية الصفوف الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: [(فأقيموا صفوفكم)].
    قوله: [(ثم ليؤمكم أحدكم)].
    أي معناه: أن الجماعة عندما يصلون لا بد لهم من إمام يؤمهم، فإن كانوا اثنين فأكثر فيكون أمامهم، وإن كان المأموم واحداً فإنه يصف عن يمينه، إذا كان رجلاً، وإن كان امرأة فإنها تصف وراءه، وإن كان رجلاً وامرأة؛ الرجل عن يمينه والمرأة وراءه.
    قوله: [(فإذا كبر الإمام فكبروا)].
    لأن مهمة الإمام أنه يؤتم به، وإنما جعل ليؤتم به، [(فإذا كبر فكبروا)]، معناه: أن تكبيركم يكون بعد تكبيره، فتدخلون في الصلاة بعد دخوله، ولا تسبقونه في الدخول، ولا توافقونه في الأفعال، بل تتأخرون عنه قليلاً، وليس تأخراً طويلاً، وإنما متابعة، لا مسابقة، ولا موافقة. بمعنى أن تكون حركتكم تابعة لحركته، وكلامكم تابعاً لكلامه.
    قوله: [(وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين..)].
    أي: وإذا قرأ الفاتحة ووصل إلى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين.
    قوله: [(يجبكم الله)].
    لأن معنى آمين: اللهم استحب، ولهذا قال: (فقولوا: آمين يجبكم الله)، أي: على تأمينكم ودعائكم؛ لأن المؤمن داعٍ، والداعي والمؤمن وراءه مثل الداعي، فيجيب الله عز وجل على هذا التأمين الذي هو الدعاء، قال: [(فقولوا: آمين يجبكم الله)]، يعني: يجب دعاءكم في طلب الهداية للصراط المستقيم، والهداية للصراط المستقيم المراد بها أن يثبته على الهداية الموجودة، ويزيده هداية على هدايته، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ )[محمد:17]، و(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )[الفاتحة:6]، أي: ثبتنا وزدنا، ثبتنا على ما كنا عليه من الهدى، وزدنا توفيقاً وهدى، ولهذا قال: (يجبكم)، يعني: بأن يثبتكم على ما أنتم عليه من الهدى، وأن يزيدكم من الهدى والتوفيق.
    قوله: [(وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا)].
    يكون تكبيركم بعد تكبيره، وركوعكم بعد ركوعه.
    قوله: [(فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم)].
    يعني: يسبقكم بالركوع، ويسبقكم في الرفع من الركوع، وأنتم تلحقونه، وإذا قام من الركوع تتأخرون في القيام عنه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها وأنتم جئتم وراءه، ثم سبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه، فتكونون مماثلين له في مقدار الركوع؛ لأنه يركع قبلكم ويرفع قبلكم، وأنتم تركعون بعده وترفعون بعده، إذاً: ركوعكم مساو لركوعه، لا يزيد عليكم في الركوع؛ ولهذا قال: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها عوضكم عنها اللحظة التي تأخرتم عنه في حال رفعه من الركوع، (فتلك بتلك)، والنتيجة أنكم مساوون له في مقدار الركوع، وإن كان يسبقكم في الركوع ويسبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع، وتتأخرون عنه في الرفع، إذاً ساويتموه في مقدار الركوع.
    قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
    ثم قال في الحديث: [(فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده)]، يعني: أن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو عن الله عز وجل، يعني: أوحاه الله إلى نبيه وبلغه للناس، ولهذا فإن السنة -كما هو معلوم- وحي يوحى، كما قال الله عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )[النجم:3-4]، يعني: أنه من الله عز وجل، فهو من الله سبحانه وتعالى أوحاه الله إلى رسوله.
    ومن المعلوم أن الوحي وحيان: وحي تعبد بتلاوته وقراءته في الصلاة، وتعبد بالعمل به، وهو: القرآن، ووحي تعبد بالعمل به الذي هو: السنة، فإن الكتاب والسنة كل منهما يعمل به، وليس العمل بالكتاب دون السنة، بل بالسنة والكتاب، ومن لم يؤمن بالسنة وقال: إنه مؤمن بالكتاب فهو ليس بمؤمن بالكتاب، بل لا بد أن يجمع بين الكتاب والسنة، والسنة هي داخلة في كتاب الله عز وجل؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، فإن هذا أمر ونهي، يدخل فيه كل ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأوامر والنواهي.
    قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
    [(يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم، فإذا قالوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد قال الإمام: سمع الله لمن حمده، يعني: يجبكم الله ويستجب لكم، ويسمع لكم، يعني: يجبكم؛ لأن كل كلام مهما خفي ومهما دق فإن الله تعالى يسمعه، وقد قالت عائشة: (سبحان من وسع سمعه الأصوات)، وقد قالت: إن المرأة التي كانت تجادل الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يسمع تحاورهما، وكانت قريباً منها، وكانت لا تسمع بعض كلامها، والله تعالى يسمع كل شيء مهما خفي ومهما دق، لا يخفى عليه شيء، فإن المراد بالسمع هنا؛ يسمع الله لكم، يعني: يستجب لكم، هذا هو المراد بالسمع، وأما السمع الذي هو سماع الكلام، فكل كلام يسمعه سبحانه وتعالى، لا يخفى عليه ما دق وما جل، كل ذلك مسموع معلوم لله سبحانه وتعالى.
    ومحل الشاهد للترجمة قوله: اللهم ربنا ولك الحمد، يعني هذا ما يقوله المأموم عندما يرفع من الركوع، يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، بل يأتي بالتحميد دون التسميع.
    إذاً: هذا محل الشاهد من الحديث الطويل الذي أورده النسائي في هذه الترجمة، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
    قوله: [(فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا؛ فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم)].
    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(هذه بتلك)]، أي مثلما قال بالنسبة للركوع، أي: اللحظة التي سبقكم إياها في السجود، ثم سبقكم في القيام، أنتم تأخرتم عنه مقدار تلك اللحظة في الآخر، فتلك بتلك، اللحظة التي سبقكم إياها عند النزول للسجود، عوض عنها باللحظة التي تأخرتم عنه فيها عند القيام من السجود، فالذي قيل هنا مثل الذي قيل هناك بالنسبة للركوع، معناه أن مقدار سجودكم مساو لمقدار سجوده، كما أن مقدار ركوعكم في الكلام المتقدم مساو لمقدار ركوعه.
    قوله: [(فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات، الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سبع كلمات وهي تحية الصلاة)].
    ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [(فإذا كان عند القعدة)]، يعني: في التشهد، [(فليكن من أول قول أحدكم: التحيات والصلوات والطيبات، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)]، الذي هو التشهد.
    فقوله: [(من أول قول أحدكم)]، يدل على أنه يقال وراءه ومن المعلوم أنه يصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك في التشهد الأخير يدعو الإنسان ويكثر من الدعاء؛ لأنه جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أنه يكثر فيه من الدعاء، وأنه يتخير من الدعاء ما شاء، أو يتخير من الدعاء أعجبه إليه، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن قوله: (من أول قول أحدكم )، يعني: أن هذا هو أول ما يقال عندما يكون الإنسان جالساً للتشهد، وهذا هو التشهد الذي هو: التحيات لله.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد...)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].إسماعيل بن مسعود، هو أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    وهو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس بن جبير].
    هو يونس بن جبير البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن حطان بن عبد الله].
    هو حطان بن عبد الله الرقاشي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أنه سمع أبا موسى].
    وأبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس، رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود
    شرح حديث: (أن رسول الله كان ركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده ... قريباً من السواء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود.
    أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية أخبرنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده، وما بين السجدتين قريباً من السواء)].
    هنا أورد النسائي قدر ما بين أن يرفع رأسه من الركوع والسجود، أي: مقدار ما بين الرفع من الركوع إلى السجود، أي: مقدار القيام الذي يكون بعد الرفع من الركوع وقبل السجود؛ لأنه سبق أن مر في الحديث المتقدم الذي قال: [(اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)]، هذا القيام الذي يعتدل به بعد قيامه من ركوعه ما مقداره؟ أورد النسائي هذه الترجمة لبيان المقدار، ومدة الزمن الذي يقفه الإنسان بعد ما يرفع رأسه من الركوع، وأنه مثل الركوع والسجود، أي: مقداره مقدار الركوع والسجود.
    وقوله: [(وما بين السجدتين قريب من السواء)]، يعني: أنه متقارب، فهذا هو محل الشاهد في الحديث أن قيامه من الركوع، وركوعه وسجوده وجلوسه بين السجدتين قريب من السواء، يعني: قريب من التساوي في الزمن، ومدة المكث في حال القيام بعد الركوع، وفي حال الركوع، وفي حال السجود، وفي حال الجلوس بين السجدتين كلها متقاربة.
    قوله: [(كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: القيام الذي يكون بعد الرفع، و(إذا)، ليست شرطية، يعني: لها جواب شرط، وإنما المراد بها الزمن والوقت، أي: ركوعه وقيامه من الركوع وسجوده وجلوسه، هذا هو المقصود بها.
    [(وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: المدة التي يمكثها بعد رفعه من الركوع، وسجوده وجلوسه بين السجدتين متقاربة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان ركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده ... قريباً من السواء)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].وهو الدورقي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا ابن علية].
    وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم].
    وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
    هو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    صحابي ابن صحابي، صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وابن علية، وشعبة، والحكم بن عتيبة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب ستة كلهم أخرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.
    ما يقوله في قيامه ذلك

    شرح حديث: (أن النبي كان إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا لك الحمد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقوله في قيامه ذلك.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني حدثنا سعيد بن عامر حدثنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: أن القيام بعد الركوع، يعني: أن هذا القيام الذي مقداره مقدار السجود، والركوع، وما بين السجدتين، قريب من السواء معها، فماذا يقول في حال هذا القيام الذي يكون بعد الركوع؟ فهو عند الرفع من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ولكن ماذا يقول مع ذلك؟ أورد النسائي هذه الترجمة، وأورد حديث ابن عباس: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا لك الحمد...) قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني].وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا سعيد بن عامر].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام بن حسان].
    وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قيس بن سعد].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني لم يخرج له الترمذي، ولم يخرج له البخاري في الصحيح، يعني: في أصل الكتاب، وإن خرج له في الصحيح تعليقاً، وهو مكي.
    [عن عطاء].
    وهو عطاء بن أبي رباح، وهو مكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن نافع عن وهب بن ميناس العدني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، [(كان إذا أراد السجود بعد الرفع يقول: اللهم ربنا ولك الحمد)].
    قوله: [(كان إذا أراد السجود)]، يعني: بعد الركوع، يعني: معناه قبل أن يسجد يقول: وهو قائم هذه المقالة، وهي: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد السجود بعد الركعة يقول: اللهم ربنا ولك الحمد...)
    قوله: [أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو: ابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يحيى بن أبي بكير].
    هو الكرماني، يحيى بن أبي بكير الكرماني ،وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إبراهيم بن نافع].
    ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن وهب بن ميناس العدني].
    وهب بن مانوس أو ميناس، جاء في بعض النسخ مانوس، وفي بعضها ميناس، وهو مستور، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن سعيد بن جبير].
    ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (إن رسول الله كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن هشام أبو أمية الحراني حدثنا مخلد عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، خير ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)].هنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان [(حين يقول: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، هذا ثناء وذكر يؤتى به في هذا الموطن، الذي هو بعد القيام من الركوع وقبل السجود، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، يعني: أنه كثير، وتكبير وتعظيم لهذا الحمد والثناء، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، يعني: أنت أهل الثناء والمجد، أي: يا أهل الثناء والمجد، أنت المستحق لأن يثنى عليك، وأن تعظم وتمجد، [(أحق ما قال العبد)]، يعني: أنت المستحق له، وأنت المستحق للثناء، [(وكلنا لك عبد)]، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا )[مريم:93]، الكل عبيد الله عز وجل، فهو المستحق لأن يثنى عليه، وأن يعظم، وأن يمجد سبحانه وتعالى، فهو المستحق لذلك، وهو أهل ذلك سبحانه وتعالى.
    ثم قال: [(لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)].
    لا مانع لما أعطيت، هذا فيه إثبات القدر، وإثبات قدرة الله عز وجل، وأن ما أعطاه الله عز وجل فلا مانع له، وما قدره الله تعالى فإنه يكون، وإذا أراد الله نفع أحد فلا أحد يمنع ذلك النفع والعطاء، وقد جاء مثل ذلك موضحاً في حديث ابن عباس، في وصيته لـابن عباس حيث قال: [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)]، فمن أعطاه الله لا مانع له، وما منعه الله لا يعطيه أحد، بل الله تعالى هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر، وإثبات أن ما قدره الله تعالى لا بد أن يكون، فإذا قدر عطاءً فلا يمنعه مانع، وإذا قدر منعاً فلا يعطيه معطي، بل الأمر بيده سبحانه وتعالى، [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)]، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا )[فاطر:2]، فالعطاء والمنع هو من الله سبحانه وتعالى، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهذا ثناء من العبد على ربه في هذا الموطن في هذه الصلاة.
    ثم قال: [(ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، الجد بفتح الجيم المراد به الحظ والنصيب، فمن أعطي حظاً في الدنيا من مال، أو جاه، أو رئاسة، أو ما إلى ذلك من الحظوظ الدنيوية فتلك ليست هي التي تقدم وتؤخر عند الله، وإنما الذي يقدم ويؤخر عند الله هو العمل الذي يعمله الإنسان.
    والجد بالفتح يأتي بمعنى الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى العظمة، كما قال الله عز وجل: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا )[الجن:3]، وجاء في دعاء الاستفتاح: [(وتعالى جدك)]، يعني: عظمتك وجلالك، فالجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الحظ والنصيب، ويأتي مراداً به أبو الأب الذي هو الجد، وبالكسر الجِد هو الاجتهاد، وبذل الوسع، يقول الشاعر:
    الجَد بالجِد والحرمان بالكسل هل قد تصب عن قريب غاية الأمل
    الجَد بالجِد، من جد وجد، والحرمان بالكسل، فالحرمان يقابل الجَد الذي هو الحظ والنصيب، والكسل يقابل الجِد؛ لأنه عكسه وضده.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده: ربنا لك الحمد ...)
    قوله: [أخبرني عمرو بن هشام أبو أمية].عمرو بن هشام أبو أمية الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا مخلد].
    وهو مخلد بن يزيد الحراني، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي.
    [عن سعيد بن عبد العزيز].
    سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، قرنه الإمام أحمد بـالأوزاعي، وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عطية بن قيس].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن قزعة بن يحيى].
    وهو قزعة بن يحيى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    أبو سعيد، هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته وبنسبته؛ بكنيته أبي سعيد، وبنسبته الخدري، والسبعة هم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    ما يقوله في قيامه ذلك
    شرح حديث حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله... فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من بني عبس عن حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد لربي الحمد، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي، وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)].يقول النسائي رحمه الله: باب ما يقول في قيامه ذلك، يعني: القيام الذي بعد الركوع وقبل السجود، عندما يرفع من الركوع، القول الذي يقوله، يعني: في ذلك القيام، هذه هي الترجمة، وقد مر بعض الأحاديث الدالة على الترجمة.
    ثم أورد النسائي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه يقول حين أراد أن يكبر: [(الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، ثم بعد ذلك ركع، وكان يقول في ركوعه: [(سبحان ربي العظيم وإذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد لربي الحمد)].
    وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: بعد الركوع، أنه يقول: لربي الحمد، والمقصود من ذلك أنه بالإضافة إلى كونه يأتي بالتسميع يأتي كذلك بالتحميد، والتحميد جاء بألفاظ منها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ومنها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ومنها هذا اللفظ الذي جاء في حديث حذيفة: [(لربي الحمد لربي الحمد)].
    فالحاصل: أن مما يقوله المصلي فيما بعد الركوع وقبل السجود هو التحميد، يحمد الله عز وجل، ويثني عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى، ثم يسجد ويقول: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي.
    قوله: [(وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)]، يعني: أنه قريب.
    وفي هذا الحديث ذكر القيام، وأنه قريب من الركوع والسجود وما بينهما، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه كان يطيل القيام أكثر من الركوع، ومن السجود، ولكن يمكن أن يكون في بعض الأحيان بينهما شيء من التقارب، وإلا فإن الأصل أن القيام والتشهد الذي هو قبل السلام إطالتهما أكثر مما بين السجدتين، ومن الركوع والسجود، ومما بين الركوع والسجود.
    والمقصود من إيراد الحديث هو بيان ما يقوله عندما يرفع من الركوع، وأنه يقول هنا: لربي الحمد لربي الحمد، والمقصود منه الإتيان بالتحميد بالإضافة إلى التسميع، والتسميع هو: سمع الله لمن حمده، ومعنى ذلك: استجاب الله لمن حمده.
    فإذاً: يكون بعد التسميع التحميد بأن يقول: ربنا ولك الحمد، أو لربي الحمد، أو اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض.. إلى آخر ما ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (أنه صلى مع رسول الله... فسمعه حين كبر قال: الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].وحميد بن مسعدة، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أرفع صيغ التعديل، وأعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    وهو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حمزة].
    هو طلحة بن يزيد الأيلي مولى الأنصار، وقد وثقه النسائي، وأخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن رجل من بني عبس].
    وهذا رجل مبهم، وهذا يسمى المبهم؛ إذا قيل: عن رجل فهو المبهم، وإذا قيل: عن فلان وسمي ولكن لم ينسب يقال له: المهمل، فهذا مبهم، ولكن جاء في بعض الروايات، أو جاء عن بعض العلماء أنه صلة بن زفر العبسي، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء عن شعبة أنه قال: يشبه أن يكون صلة بن زفر، وكذلك أيضاً جاء في بعض أسانيد هذا الحديث عند ابن ماجه، ذكره في إسنادين وفي أحدهما ذكر رواية المستورد بن شداد عن صلة بن زفر عن حذيفة.
    فالأظهر أنه صلة بن زفر، وذلك أن صلة بن زفر عبسي، وقد جاء في بعض أسانيد الحديث عند ابن ماجه، بإسناد آخر ينتهي إلى صلة بن زفر، وصلة بن زفر يرويه عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه.
    [عن حذيفة بن اليمان].
    حذيفة صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #202
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (199)

    - باب القنوت بعد الركوع - باب القنوت في صلاة الصبح
    دلت السنة على مشروعية قنوت النازلة في الفريضة، ويكون القنوت بعد الركوع، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان، وذلك بعد الركوع، وقد ثبت أيضاً أنه قنت في صلاة الفجر بعد الركوع.
    القنوت بعد الركوع

    شرح حديث: (قنت رسول الله شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت بعد الركوع.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت بعد الركوع؛ يعني: قنوت النوازل، وهو الذي أورده النسائي هنا؛ لأنه يتعلق بصفة الصلاة، والصلاة المفروضة يشرع القنوت فيها في بعض الأحيان؛ عندما تنزل نازلة يلجأ المسلمون فيها إلى الله عز وجل أن يكشفها وأن يزيلها، فشرع ذلك في الصلوات المكتوبة، والترجمة هي: القنوت بعد الركوع.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)، وهي: قبائل من العرب اشتد أذاهم للمسلمين، فدعا عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في صلاته في القنوت، وكان ذلك بعد الركوع؛ يعني: بعد الرفع من الركوع، وكونه بعد أن يحمد الله عز وجل يأتي بهذا الدعاء الذي كان يدعو على أناس، ويدعو لأناس؛ يعني: في بعض الأحاديث يدعو لأناس من المسلمين المستضعفين، ويدعو على أناس من المستكبرين المعاندين المعارضين لدعوته، المؤذين لأتباعه صلى الله عليه وسلم، فرعل وذكوان من قبائل العرب، وعصية أيضاً كذلك.
    وقوله: [(عصت الله ورسوله)]، المراد به: أن هؤلاء الذين دعا عليهم، عصوا الله ورسوله، وقد جاء ذكر هذا الوصف بعد عصية؛ لأن هناك جناس وتناسب؛ لأنهم عصية، وكذلك وصفوا بأنهم عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
    والحاصل: أن فيه مشروعية القنوت في النوازل، وفيما إذا حصل على المسلمين ضرر عظيم؛ فإنه يشرع الدعاء في الصلاة بعد الركوع الذي يسمى القنوت.
    تراجم رجال إسناد حديث: (قنت رسول الله شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، فهو محدث، فقيه، وإمام مجتهد، وصف بهذا الوصف، ولقب بهذا اللقب الرفيع، الذي هو أمير المؤمنين في الحديث، والذين ظفروا بهذا اللقب من المحدثين قلة قليلة، وإسحاق بن راهويه من هؤلاء، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا جرير].
    هو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان التيمي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي مجلز].
    هو لاحق بن حميد الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو مجلز.
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة حتى توفاه الله وهو يخدمه، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    القنوت في صلاة الصبح
    شرح حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة الصبح.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن ابن سيرين: (أن أنس بن مالك سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت في صلاة الصبح، وهي شاهدة للترجمة التي قبلها أيضاً؛ من حيث أن فيه إثبات القنوت بعد الركوع، والترجمة السابقة: القنوت بعد الركوع، وهنا في صلاة الصبح، وأيضاً بعد الركوع، لكن عقد النسائي الترجمة لإثبات القنوت بعد الركوع، وعقد هذه لإثبات القنوت في صلاة الصبح.
    وأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن أنساً سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، قيل: أبعد الركوع أم قبله؟ قال: بعد الركوع)]، ففيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو: القنوت في صلاة الصبح، وإثباته في صلاة الصبح، وفيه أيضاً الدلالة على الترجمة السابقة لهذه الترجمة، وهي: أن القنوت يكون بعد الركوع.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا حماد].
    هنا حماد مهمل غير منسوب، والذي يتبادر إلى الذهن شخصان هما: ابن سلمة، وابن زيد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة هذان هما الحمادان اللذان في بلد واحد، وفي وقت واحد، واشتركا في الشيوخ والتلاميذ، ويأتي إهمالهما كثيراً، وعدم نسبة الراوي منهما، بل يكتفى بذكر حماد، ومن المعلوم: أن الطريقة التي يتوصل بها إلى معرفة المهمل: أن يعرف الشيوخ والتلاميذ، هل هذا التلميذ الذي روى عن حماد الذي هو غير منسوب، هل روى عن حماد بن زيد، وعن حماد بن سلمة جميعاً، أو روى عن واحد منهما؟ إذا كان لم يرو إلا عن واحد منهما، فإنه يكون الذي ما روى عنه ليس هو المقصود؛ لأنه ما روى عن أحدهما، وإنما روى عن واحد، وإن كان قد روى عنهما جميعاً، فينظر أيهما أكثر اتصالاً به، وأيهما أكثر أخذاً عنه، وأيهما يكون في بلده ليكون أكثر اتصالاً به، وكذلك أيضاً ينظر في طرق الأحاديث الأخرى، طرق الحديث نفسه التي جاءت في كتب أخرى؛ فإنه يتبين من بعض الطرق أنه ينسب في بعضها، وعلى هذا يتعين المهمل، ويتميز المهمل الذي لم ينسب؛ إما بكون الذي روى عنه لم يرو عن الآخر، أو بكون له خصيصة وميزة واتصال به؛ لكونه مكثر عنه، ولكونه من أهل بلده، أو كذلك في معرفة الطرق لهذا الحديث في الكتب المختلفة، فإنه يكون في بعضها التسمية للشخص المهمل.
    وهذا الذي معنا الآن هو حماد بن زيد وليس حماد بن سلمة؛ لأن قتيبة ما روى عن حماد بن سلمة، وإنما روى عن حماد بن زيد فقط، فإذا جاء حماد مهمل غير منسوب، والراوي عنه قتيبة فالمراد به حماد بن زيد. والمزي -في ترجمة قتيبة- ذكر أنه روى عن حماد بن زيد، فتعين هنا المهمل، وتميز المهمل بكونه حماد بن زيد.
    وكذلك أيضاً -كما سبق أن عرفنا- إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، فالمراد به ابن عيينة، وليس الثوري؛ لأنه لم يرو عنه الثوري، فهذه من الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل الذي لم ينسب.
    وحماد بن زيد بصري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب]
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، ثبت، حجة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سئل أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن سيرين في القنوت في صلاة الصبح
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن ابن سيرين قال: (حدثني بعض من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الثانية قام هنيهة)].هنا أورد النسائي حديث ابن سيرين عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: الصحابي مهمل لم ينسب، ومن المعلوم: أن جهالة الصحابة لا تؤثر، فيكفي أن يوصف الشخص بأنه صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو لم يسم، فهو وإن كان مهملاً فإنه يعول على ما جاء عنه ما دام أنه أضيف إلى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الذي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى وراءه صلاة الصبح، أنه بعدما رفع رأسه من الركوع وقف هنيهة، يعني: زمناً يسيراً. ومن المعلوم أن المصلي بعدما يرفع من الركوع يقف، ولكن لعل المراد به الزيادة على الوقوف المعتاد، يعني فيما يتعلق بالرفع من الركوع في الركعات المختلفة، وذلك إنما يكون للدعاء، وإنما يكون للقنوت؛ يعني: فوقوفه هنيهة؛ يعني بذلك: أنه للقنوت.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن سيرين في القنوت في صلاة الصبح
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بشر بن المفضل].
    هو البصري، وهو ثقة، ثبت، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن عبيد البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    قد تقدم ذكره.
    [عمن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    وقد عرفنا أن المجهول من الصحابة في حكم المعلوم؛ لأن الجهالة فيهم لا تؤثر؛ لأنه يكفيهم شرفاً وفضلاً أن يضافوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يكونوا من صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حفظناه من الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الصبح، وبعد أن رفع رأسه من الركوع دعا للمستضعفين المسلمين، وعلى الكفار الذين آذوا المسلمين، فسمى من سمى من المسلمين، الذي سأل الله عز وجل أن ينجيهم، وأن يخلصهم من الكفار الذين آذوهم، فخص وعم، فإنه ذكر ثلاثة أشخاص: الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، ثم عطف على ذلك فقال: [(والمستضعفين من المسلمين بمكة)]، فهو عطف عام على خاص، أي: خص وعم.
    ثم دعا على كفار مضر وقال: [(اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)]، بمعنى أنه دعا عليهم لأنهم آذوا المسلمين، واشتدت عداوتهم لهم، وآذوا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وعذبوهم، فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام في قنوته للمستضعفين من المسلمين، وعلى المستكبرين من الكفار الذين آذوا المسلمين، ودعا عليهم بأن يحصل لهم سنين كسني يوسف، يعني: من القحط، والجدب، الذي يشغلهم بالبحث عن القوت وعن الطعام، ويشغلهم عن إيذاء المسلمين من المستضعفين الذين لم يتمكنوا من الهجرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وقد عرفنا -سابقاً- أن ممن يسمى محمد بن منصور من شيوخ النسائي شخصان هما: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، وكل من محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور الجواز رويا عن سفيان، لكن كونه يحمل على أنه الجواز، وعلى أن سفيان هو ابن عيينة، هو الأظهر وهو الأقرب، وذلك أن محمد بن منصور مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وإذا كان الشخص من أهل البلد، يكون هو المعني عند الإهمال، وعند عدم التمييز، فيحمل على من يكون له ملازمة للشخص الذي روى عنه.
    ثم أيضاً: ابن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، وهو هنا يروي عن الزهري، فالمراد به ابن عيينة وليس الثوري؛ لأن سفيان بن عيينة هو الذي روى عن الزهري، وأما سفيان الثوري فلم يكن معروفاً بالرواية عنه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن روايته عن الزهري إنما هي بواسطة، وأنه لم يرو عنه مباشرة، وإنما روايته عنه بالواسطة.
    فإذاً: يحمل سفيان على أنه: ابن عيينة؛ لأنه هو المعروف بالرواية عن الزهري، ومحمد بن منصور يحمل على أنه الجواز المكي؛ لأنه هو الذي له اتصال وله خصوصية في سفيان بن عيينة، من حيث أنه ملازم له، ومن أهل بلده؛ لأن كلاً منهما مكي.
    وسفيان بن عيينة ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حفظناه من الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، محدث، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين رووا عن صغار الصحابة.
    [عن سعيد].
    هو ابن المسيب، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، الذين سبق أن مر ذكرهم مراراً وتكراراً، وسعيد منهم باتفاق؛ لأن الذين اختلف في عدهم من الفقهاء السبعة ليس منهم سعيد، وهم ثلاثة، والخلاف إنما هو في السابع، وستة متفق على عدهم، والسابع منهم فيه خلاف.
    [عن أبي هريرة].
    رضي الله تعالى عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن ابن أبي حمزة حدثني محمد حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: (أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة حين يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم قبل أن يسجد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، ثم يقول: الله أكبر، فيسجد، وضاحية مضر يومئذ مخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ الحديث المتقدم، يعني دعاء لأناس من المسلمين المستضعفين، منهم من سمي ومنهم من لم يسم، ودعاء على كفار غير مسمين، وهم كفار مضر، ثم قال في آخر: [(وضاحية مضر يومئذ مخالفون لرسول الله)]، والمراد بضاحية مضر؛ سكان البوادي، فالبادية يقال لها: الضاحية، والضاحية يقال لها: البادية، فهذا تفسير وبيان لوجه اختصاص مضر.

    ومن المعلوم: أن كفار مضر ممن عرفوا بكثرة محاربتهم للمسلمين؛ الذين دخلوا في الإسلام أولاً، ومن المعلوم: حديث وفد عبد القيس الذين جاءوا في أول الإسلام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما جاءوا إليه في المدينة، وطلبوا منه أن يوصيهم، وأن يبين لهم أمور دينهم ويعلمهم، وكان من جملة ما قالوه في تعليل طلبهم لأن يفقههم في الدين ويعلمهم؛ قالوا: (إنا لا نستطيع أن نصل إليك إلا في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر)، يعني: أن شدة عداوتهم ومخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وإيذائهم لأصحابه الذين دخلوا في دينه، فهذا تفسير وبيان لوجه الدعوة على مضر وعلى كفار مضر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الصبح يدعو لبعض أصحابه من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

    [حدثنا بقية].
    هو ابن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ابن أبي حمزة].
    هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني محمد].
    هو ابن سيرين، وقد تقدم ذكره.
    [حدثني سعيد بن المسيب].
    قد تقدم ذكره.
    [وأبو سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأنه ليس متفقاً على عده في الفقهاء؛ الذي هو أبو سلمة، ولكن سعيد بن المسيب اتفق على عده في الفقهاء السبعة؛ الذين هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال؛ قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبي هريرة].
    قد تقدم ذكره.
    الأسئلة

    نبذة عن الزيدية
    السؤال: يا شيخ! أكرمك الله، نريد أن نأخذ فكرة عن عقيدة الزيدية، وجزاك الله خيراً؟الجواب: عقيدة الزيدية -كما هو معلوم- هم من الشيعة، وهم من أخف الشيعة ضرراً وشراً، وأصل نسبتهم، هم والروافض، هم الذين لما قالوا لزيد: إن تبرأت من أبي بكر، وعمر توليناك، فقال: بل أتولاهما، وأبرأ ممن يبرأ منهما، فرفضته الروافض وكانت معه الزيدية، يعني: هم ينسبون إليه، وهم كما هو معلوم: ليسوا كالرافضة الذين يسبون الشيخين وغيرهم من الصحابة، وإنما يسبون بعض الصحابة مثل معاوية، وكلامهم في معاوية كثير، والكلام في معاوية من الشيعة على صفة العموم سهل ميسور عليهم، يعني: يتكلمون فيه ويقعون فيه، لكنهم كما ذكرت أنهم كانوا يتولون أبا بكر، وعمر، مثل ما كان عليه زيد ولهذا اتبعوه، ولكنهم يرون أولوية علي بالخلافة، ولا شك أن هذا ضلال مبين، لكن هذا شر، وبعض الشر أهون من بعض.
    حكم العزل
    السؤال: ما هو الراجح في العزل؟الجواب: العزل -كما هو معلوم- جاء في حديث أبي سعيد: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، وكانوا يعزلون مع الإماء؛ لأنهم يخشون من حملهن، ويكن بذلك أمهات أولاد لا يتمكنون من بيعهن، فكانوا يعزلون عنهن لئلا يحملن، لكن العزل إذا حصل لا يمنع الحمل، فإنه قد جاء في الحديث في صحيح مسلم: (ليس من كل المني يكون الولد)، فلو حصل عزل، يمكن أن تخرج قطرة وتذهب، يعني: فوات الحرص من غير إحساس الإنسان وشعوره، ومن غير إرادته، فيتكون منها الولد.
    والفقهاء يقولون: إنه لا يعزل عن الحرة إلا برضاها، وأما الأمة فله أن يعزل عنها؛ لأن المقصود من العزل هو عدم حصول الحمل؛ لأنها لو حملت وولدت صارت أم ولد، وعند ذلك الكلام في بيع أمهات الأولاد -هل تباع أو لا تباع؟- معروف ومشهور.
    الكتب التي تهتم بتراجم الرجال
    السؤال: ما هي الكتب التي تهتم في ذكر من يروى عنه ومن روى عنه، أي: حتى نعرف إن كان السند متصلاً أو لا؟الجواب: فيما يتعلق بالنسبة للكتب الستة، كتاب تهذيب الكمال هو أحسن كتاب، وخير كتاب يرجع إليه في معرفة الشيوخ والتلاميذ، بالنسبة لمن هم من رجال أصحاب الكتب الستة، فقد اعتنى بذلك عناية فائقة، وحصرهم ورتبهم ونظمهم على الحروف، على كثرة التراجم، في كل ترجمة يجمع الشيوخ والتلاميذ، ويرتبهم على حروف المعجم، فأنت إذا أردت أن تعرف شخصاً معين لا تحتاج إلى أن تقرأ الشيوخ كلهم، ولا أن تقرأ التلاميذ كلهم، إذا كنت تريد أن تعرف تلميذاً من تلاميذه، أو شيخاً من شيوخه، بل تعرف أول اسمه، ثم تبحث عنه في مكانه من الحروف، وهذا جهد مضني ليس بالهين، يعني معناه أن كل راو من الرواة يحصر شيوخه وتلاميذه، ويرتب الشيوخ على حروف المعجم، والتلاميذ على حروف المعجم في كل ترجمة، فخير ما يرجع إليه فيما يتعلق برجال أصحاب الكتب الستة هو هذا الكتاب النفيس، العظيم، الواسع، الوافي، الذي هو تهذيب الكمال للمزي، وهو مخطوط ومطبوع؛ مخطوط في ثلاثة مجلدات كبار، ومطبوع في مجلدات كثيرة.
    معنى: لا شخص أغير من الله
    السؤال: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شخص أغير من الله)؟الجواب: نعم، هذا في الصحيح، هذا في صحيح البخاري ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كلمة (شخص) هذه -كما هو معلوم- ليست مطلقة على الله عز وجل؛ لأنه مثل: لا أحد أغير من الله، ليس هناك أحد من الخلق أغير من الله عز وجل، (لا شخص أغير من الله)، يعني: هذا هو المقصود، ليس أن الله يوصف بهذا الوصف؛ لأن هذا ما أضيف إلى الله عز وجل، فهو بمعنى أحد، يعني: ليس هناك أحد أغير من الله.
    مدى اعتبار كلمة الشخص اسماً من أسماء الله
    السؤال: هل الشخص اسم من أسماء الله؟الجواب: لا، أنا أجبت على هذا، أنا قلت: المعنى كونه ذات قائمة بذاتها، يعني المعنى صحيح، لكن الشخص هنا أطلق على غير الله عز وجل، مثل كلمة: لا أحد أغير من الله، ليس هناك أحد أغير من الله، ليس هناك أحد من الخلق أغير من الله، لا شخص من الناس أغير من الله عز وجل، يعني يراد بها: أي واحد من الناس لا يكون أغير من الله عز وجل.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #203
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (200)


    - (باب القنوت في صلاة الظهر) إلى (باب ترك القنوت)
    جاءت السنة ببيان جواز القنوت في الصلاة السرية والجهرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الظهر والمغرب، وكان يلعن المنافقين في دعائه، وقنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه.
    القنوت في صلاة الظهر

    شرح حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الظهر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة الظهرأخبرنا سليمان بن سلم البلخي حدثنا النضر حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لأقربنّ لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفرة)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب القنوت في صلاة الظهر، وهو قنوت النوازل، وقنوت النوازل يكون في الصلوات كلها، وهذه الترجمة تتعلق بالقنوت في صلاة الظهر، وأن الإمام عندما يقنت في النوازل فله أن يقنت في هذه الصلاة وهي سرية، ويقنت فيها يدعو للمسلمين، ويدعو على الكافرين، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [(لأقربن لكم صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام)]، يعني: يبينها لهم، ويجعلهم كأنهم يرونها ويشاهدونها.
    قوله: [(فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر، ومن صلاة المغرب، ومن صلاة العشاء الآخرة، ومن صلاة الصبح)]، هذه الصلوات كان يقنت فيها، في الظهر وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الصبح، ومحل الشاهد منه: أنه كان يقنت في صلاة الظهر، والترجمة: باب القنوت في صلاة الظهر. يعني: أنه يقنت في السرية وفي الجهرية، والقنوت في صلاة الظهر دليل على القنوت في السرية، والقنوت في العشاء والصبح دليل على القنوت في الصلاة الجهرية، وكان في قنوته يدعو للمسلمين ويلعن الكفرة.
    قوله: [(بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، وأيضاً: وربك ولك الحمد)]؛ لأنه جاء في الأحاديث أنه يؤتى بسمع الله لمن حمده، وبعدها: ربنا ولك الحمد، كما سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا، يعني: يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يأتي بعد ذلك بالقنوت الذي هو الدعاء على الكافرين، والدعاء للمسلمين؛ لأن هذا هو القنوت في النوازل، يكون في الصلوات، ويكون في الركعة الأخيرة، وبعد الركوع في السرية وفي الجهرية، وموضوعه الدعاء للمسلمين، والدعاء على أعدائهم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في قنوت النبي في صلاة الظهر
    قوله: [أخبرنا سليمان بن سلم البلخي].وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا النضر].
    وهو ابن شميل، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام].
    وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    وهو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، من فقهاء التابعين، ومن الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع ، والأقوال في السابع منهم ثلاثة: أحدها هذا، والثاني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديثه -أي: حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف- أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    القنوت في صلاة المغرب


    شرح حديث: (أن النبي كان يقنت في الصبح والمغرب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في صلاة المغربأخبرنا عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن عمرو بن مرة (ح) وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان قالا: حدثنا عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب. وقال عبيد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القنوت في صلاة المغرب، وأورد تحتها حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في صلاة المغرب، وفي صلاة الصبح)]، وفيه الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو إثبات القنوت في صلاة المغرب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث البراء بن عازب قنت في صلاة المغرب وفي صلاة الصبح، وقال: إن عبيد الله بن سعيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: هذا إشارة إلى اختلاف اللفظ، لفظ عبيد الله بن سعيد الذي هو شيخه الأول، والثاني هو عمرو بن علي الفلاس، وهو شيخه في الإسناد الثاني، يعني: أن النسائي ساقه على لفظ عمرو بن علي الفلاس شيخه في الإسناد الثاني، ثم بين لفظ عبيد الله بن سعيد، وأنه عبر بالرسول عن النبي؛ لأن الأول قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أو إن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عبيد الله بن سعيد فتعبيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الفرق بين النبي والرسول، ومن المعلوم أن كل منهما مؤداه واحد؛ لأن النبي والرسول من أوصاف نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فيقال له: النبي، ويقال له: الرسول، وعند بعض العلماء أنه يجوز ذكر النبي بالرسول، وذكر الرسول بالنبي، وأنه إذا جاء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجوز للذي يحدث أنه يؤتي بدله بالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالعكس، والنسائي هنا أتى بتعبير كل منهما؛ لأن عمرو بن علي الفلاس عبر بالنبي صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما عبيد الله بن سعيد فكان تعبيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالفرق بين التعبيرين هو ذكر الرسول والنبي، فوصف محمد عليه الصلاة والسلام بأنه نبي ووصفه بأنه رسول؛ فهذا أتى بهذه العبارة في حديثه، وهذا أتى بهذه العبارة في حديثه.
    ويحصل من النسائي أحياناً أنه يأتي بمثل هذا الفرق، وهو إن لم يكن الفرق بينهما ليس هناك تباين، إلا أن هذا من العناية بإيراد ألفاظ الرواة كما جاءت عنهم، حيث عبر هذا بالرسول، وعبر هذا بالنبي، وكل منهما مؤداه واحد، ونتيجته واحدة، إلا أن في الإتيان بلفظ هذا، والإتيان بلفظ هذا، دلالة على المحافظة على الألفاظ التي تأتي عن الرواة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقنت في الصبح والمغرب)
    قوله: [عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي.
    [عن عبد الرحمن].
    وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، ثبت، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    [وشعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذان الشخصان اللذان جاءا بإسناد واحد يروي عنهما عبد الرحمن بن مهدي، كل منهما ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    [عن عمرو بن مرة].
    هو عمرو بن مرة الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) وأخبرنا عمرو بن علي].
    (ح) هي للتحويل والتحول من إسناد إلى إسناد؛ لأن ما بعدها ليس يلي ما قبلها؛ لأن الذي قبلها متقدم، وهو بعد ذكر عدد من الرواة من المصنف، ثم يأتي بـ (ح) ويأتي بإسناد جديد، ثم يأتي ذكر الرواة بعضهم حتى يحصل التلاقي عند شعبة وسفيان؛ لأن الإسنادين تلاقيا عندهما؛ لأن كلاً من الإسنادين فيه شعبة وسفيان، والإسناد الأول: رواية عن عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن عن شعبة وسفيان، وهنا عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان.
    وعمرو بن علي الفلاس المحدث الناقد، المتكلم في الرجال كثيرا، وكثيراً ما يأتي ذكره عندما يأتي الكلام في الرجال بلقب الفلاس، قال الفلاس كذا، ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، فهذه الكلمة هي التي تتكرر كثيراً في كتب الرجال عند ذكر الكلام في الرجال، فيأتي ذكره كثيراً بـالفلاس، ويأتي عمرو بن علي، إلا أن إطلاق الفلاس عليه أكثر عند الكلام على الرجال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد القطان].
    وهو ثقة، ثبت، محدث، ناقد، أخرج حديثه أيضاً أصحاب الكتب الستة .
    [عن شعبة وسفيان].
    وقد حصل تلاقي الإسنادين عندهما، وهما في طبقة واحدة الآن؛ لأن رواية كل من عبد الرحمن بن مهدي البصري ويحيى بن سعيد القطان البصري، كل منهما روى هذا الحديث عن هذين الشخصين وهما: سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج.
    [حدثنا عمرو بن مرة].
    عن سفيان وشعبة عن عمرو، وهنا قال: حدثنا عمرو، إذاً: هناك التعبير بعن، وهنا التعبير بحدثنا.
    [عن ابن أبي ليلى].
    وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اللعن في القنوت

    شرح حديث أنس في لعن رعل وذكوان ولحيان في القنوت
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اللعن في القنوتأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس، وهشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً. قال شعبة: لعن رجالاً. وقال هشام: يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه بعد الركوع، هذا قول هشام. وقال شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يلعن رعلاً وذكوان ولحيان)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي اللعن في القنوت، أي لعن الكفرة في القنوت، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يلعن...) الحديث .
    قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً)]، ثم اختلف لفظ شعبة، ولفظ هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، فقال شعبة: [(لعن رجالاً)]، وهذا هو محل الشاهد، يعني: تعبير شعبة ولفظ شعبة هو الذي مشتمل على محل الشاهد في الترجمة؛ لأن الترجمة هي اللعن في القنوت، واللعن في القنوت جاء بلفظ شعبة، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً لعن رجالاً)، وقال هشام الذي روى مع شعبة: [(يدعو على أحياء من أحياء العرب)].
    قوله: [(ثم تركه)]، أي: ترك القنوت، [(بعد الركوع)]، كان قنت شهراً بعد الركوع ثم تركه؛ لأن (تركه) ترجع إلى القنوت، فتكون: قنت شهراً ثم ترك القنوت، وبعد الركوع ترجع إلى القنوت، أي أن قنوته كان بعد الركوع، وليس الترك له بعد الركوع، وإنما بعد الركوع لا يرجع للترك، وإنما يرجع إلى القنوت، قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أناس أو يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه، أي: ترك القنوت، معناه: أن القنوت هذا ليس بدائم، وإنما يكون في النوازل، ويكون لمدة معينة، ولا يستمر عليه دائماً، وإنما القنوت في النوازل ويكون لمدة معينة، مثل: عندما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على أحياء من أحياء العرب من قبائل العرب.
    فهناك: يلعن رجالاً، وهنا: (أنه لعن قبائل من العرب)؛ لأنه في رواية هشام يدعو على قبائل من قبائل العرب، وهنا بين أنه يلعن، وسمى بعض هذه القبائل التي هي رعل وذكوان ولحيان، ففيه تسمية بعض هذه القبائل.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في لعن رعل وذكوان ولحيان في القنوت
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى]. وهو أبو موسى الملقب الزمن، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة؛ بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو مثل: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي؛ فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، روى عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة، أي: هؤلاء الثلاثة، وهم: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وكانت وفاتهم قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وهؤلاء الثلاثة -وهم من صغار شيوخه- ماتوا في سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثنا أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، توفي سنة مائتين وأربع، وهي السنة التي مات فيها الشافعي.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن قتادة].
    وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أنس وعن الصحابة أجمعين، وأنس خادمه، خدمه عشر سنوات، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ممن طال عمره، ولقيه الكثير من الصحابة والتابعين صغارهم وكبارهم ومتوسطوهم؛ لأن صغار التابعين أدركوه ورووا عنه، ومنهم: الزهري فإنه من صغار التابعين، وممن روى عن أنس بن مالك، فقد عمر وطالت حياته، ولقيه الكثير من التابعين، وتلقوا عنه كبارهم وصغارهم ومتوسطيهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    إذاً: أبو داود الطيالسي روى عن شعبة وروى عن هشام، وكل من شعبة وهشام يروي عن قتادة، معنى ذلك أن أبا داود له شيخان هما: هشام وشعبة، وكل منهما يروي عن قتادة، وهشام هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وقد مر ذكره قريباً.
    لعن المنافقين في القنوت

    شرح حديث عبد الله بن عمر في لعن المنافقين في القنوت
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لعن المنافقين في القنوتأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة، قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، يدعو على أناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)[آل عمران:128])].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب لعن المنافقين في القنوت.
    لأن هناك اللعن في القنوت، وهو لعن مطلق، وهو لعن الكفرة، وهنا اللعن للمنافقين، والمراد بالمنافقين هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر؛ لأن الإسلام لما أظهره الله عز وجل، وظهر أهله وظهرت قوتهم، وعلت كلمتهم، صار الذي في نفسه شيء يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وقبل ذلك في مكة ما كان هناك حاجة إلى إظهار النفاق؛ لأن الكافر كافر والمسلم مسلم، والذي يريد يظهر كفره أظهره؛ لأن المسلمين ما لهم قوة وهم في مكة؛ ولهذا النفاق حصل في المدينة، الذين قدم إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين وفقهم الله للدخول في هذا الدين دخلوا في هذا الدين ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين في نفوسهم شيء ولم شرح الله صدورهم للإسلام بقوا على كفرهم، إلا أنهم أظهروا الإسلام ظاهراً وهم يبطنون الكفر.
    والنفاق نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، والنفاق الاعتقادي هو: المخرج من الملة، وهو الذي صاحبه يكون في الدرك الأسفل من النار، ويكون كافراً، وهو كافر من الكفار إلا أنه يظهر الإيمان ويبطن الكفر، في قرارة نفسه هو كافر، ولا يظهر الإيمان إلا خوفاً من المسلمين ومن قوة الإسلام وغلبة أهله، وإلا فإنه يبطن الكفر، (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )[البقرة:14]، فهذا هو شأن المنافقين.
    والنفاق العملي هو: النفاق الذي جاء في الحديث: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف)، وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه نفاق، فكون الإنسان يكذب ويفجر ويخون فإن هذه من صفات المنافقين، ومن حصلت له مع الإيمان ظاهراً وباطناً، وكونه مؤمن في قلبه وفي عمله، فذلك من نفاق العمل الذي لا يخرج من الملة، وهو من كبائر الذنوب ولكنه ليس مثل النفاق الاعتقادي.
    فأنزل الله عز وجل عليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128]، وقد كان عليه الصلاة والسلام يسمي أناساً بأسمائهم من الكفار ومن المنافقين، وبعد ذلك لما نزل عليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128]، فترك ذلك.
    ومن المعلوم أن المعين حكم الإسلام فيه أنه لا يلعن، أي: لا يلعن المعين؛ لأن من لا تعرف نهايته قد ينتهي أمره إلى خير، وإن كان في حياته متمكناً في الشر، ولم يصدر منه إلا الشر؛ كما جاء في الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، والعكس (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل الجنة فيدخلها)، فمن الناس من يكون موفقاً للدخول في الإسلام فيمكث فيه ما شاء الله أن يمكث، وتطول مدته وهو من المسلمين، ثم يدركه الخذلان والعياذ بالله في آخر حياته فيرتد عن الإسلام، ويموت على الردة والعياذ بالله، وهذا مثل ما حصل من بعض الذين دخلوا في هذا الدين وأسلموا، ولما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام ارتدوا عن الإسلام، وقتل من قتل منهم على الردة، فكانوا مسلمين ثم ارتدوا والعياذ بالله، والذين حصل لهم ذلك عدد ممن كان مسلماً وارتد عن الإسلام ومات على الردة، وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم الذين ثبتهم الله على هذا الدين الحنيف هم الكثير، والذين حصل منهم الردة هم القليل، وقد تولى قتالهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، كان معروفاً برفقه ولينه، ولكن شدته في الله عز وجل غلبت عمر في هذا الجانب، مع أن عمر معروف بالشدة، وعمر كان يحاجه في قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وهو وقف تلك الوقفة، وبعد ذلك شرح الله صدر عمر لما شرح له صدر أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقتل على الردة من قتل، وهؤلاء هم المعنيون في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم لما يكون عند حوضه: (يذاد عنه أناس فأقول: أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، المراد به هؤلاء الذين ارتدوا عن الإسلام وقاتلهم الصديق وماتوا على ردتهم ممن دخل في الإسلام .
    وبعض الفرق الضالة المخذولة تقول: إن الصحابة ارتدوا عن الإسلام، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث الذي فيه: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فإنه يراد بهؤلاء الصحابة القليلون الذين ارتدوا عن الإسلام وقاتلهم الصديق رضي الله عنه حتى يرجعوا إلى الإسلام، ورجع من رجع منهم، ومات من مات منهم على الردة، فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء في الحديث قال: (أصحابي! أصحابي! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فالمراد بهم الذين ارتدوا وماتوا على الردة وقاتلهم الصديق، وقتلوا في حروب المسلمين التي حاربوا فيها المرتدين عن الإسلام، وأما المسلمون الذين قاتلوهم وجاهدوا في سبيل الله، فهؤلاء هم أهل الإسلام، وهم أهل الحق، وهم خير هذه الأمة، وهم الصفوة المختارة، وهم الذين ما كان مثلهم في الأمم الماضية، ولا يكون مثلهم في القرون اللاحقة التي جاءت؛ فهم خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، هؤلاء الصحابة الكرام هم خير الخليقة، هم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم؛ فهم الذين يلون الأنبياء والمرسلين، والذين ارتدوا هم الذين قاتلهم الصحابة.
    وقد ارتدت بعض القبائل أو أعداد ممن دخل في الإسلام، وكان أهل مكة قد فكر من فكر منهم في الردة، ولكن سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه قام وخطبهم وثبتهم على الإسلام، وكان كلامه معهم فيه تثبيت لهم، قال: يا أهل مكة! لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد، والله ليظهرن الله هذا الدين، وتكلم بالكلام البليغ الذي ثبت الله تعالى به من فكر بالخذلان وفكر في الردة، فصار في كلامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه تثبيتاً لهم على الحق والهدى.
    عن سالم، عن أبيه رضي الله عنهما: [(أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة، قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، يدعو على أناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران:128])].
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمر في لعن المنافقين في القنوت
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الألقاب العالية الرفيعة التي لم يظفر بها إلا القليل من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [أخبرنا عبد الرزاق].
    وهو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، فقيه، محدث، مصنف، وهو صاحب كتاب المصنف المليء بالأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة ومن بعدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].
    وهو ابن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، المحدث، الفقيه، المكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم كما أشرت إلى ذلك آنفاً عند ذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    ترك القنوت

    شرح حديث: (أن رسول الله قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك القنوت
    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك القنوت، يعني: ليس معنى ذلك النسخ وأنه نسخ، وأن الحكم انتهى، وأنه كان موجوداً في زمنه عليه الصلاة والسلام ثم ترك، وإنما المقصود من ذلك تركه، يعني: عدم الاستمرار به، أي أنه يفعل ويترك؛ يفعل عند الحاجة ويترك عندما يحصل الدعاء وعندما يحصل الالتجاء إلى الله عز وجل، ولا يداوم عليه، وهذا معناه أن القنوت لا يلازم، ولا يداوم عليه، ولا يستمر عليه، وإنما يفعل عند النوازل ثم يترك، وقد أورد تحت هذه الترجمة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)]، ومحل الشاهد قوله: [(ثم تركه)]، يعني بعد الشهر، يعني: فعل ذلك شهراً، ثم بعد أن انتهى الشهر ترك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [أخبرنا معاذ بن هشام].
    وهو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وقد مر ذكره في بعض الأسانيد الماضية.
    [عن قتادة].
    وكذلك مر ذكره أيضاً.
    [عن أنس].
    أنس بن مالك، وقد مر ذكره.
    شرح حديث أبي مالك الأشجعي: (صليت خلف النبي فلم يقنت ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن خلف وهو ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني، إنها بدعة)].أورد النسائي حديث طارق بن أشيم الأشجعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه صلى خلف رسول الله، وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، يعني صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف خلفائه الراشدين، فلم يحصل منهم القنوت، وقال: إنه بدعة، ومعنى هذا: أنه يحمل على أنه إما أن يراد أنه ما أدرك، أو أنه ما حضر معهم صلاة فيها قنوت، أو أنه يشير إلى أن البدعة هو المداومة والاستمرار على ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستمر، فهو يحتمل أن يكون أنه ما وافق أن صلى صلاة فيها قنوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع خلفائه الراشدين، أو أنه يريد بذلك التبديع إنما هو في الاستمرار والمداومة على القنوت في الصلوات، وأنه يكون بصفة دائمة، فهذا هو الذي هو خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه داوم على القنوت، وإنما كان يفعله في بعض الأحيان عندما يحصل أمر يقتضيه ويتركه، كما ذكرنا أنه قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب، أو أحياء من أحياء العرب، ثم ترك ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مالك الأشجعي: (صليت خلف النبي فلم يقنت ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خلف وهو: ابن خليفة].
    خلف وهو ابن خليفة، وهو صدوق اختلط في الآخر، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي مالك الأشجعي].
    وهو سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي، وهو ثقة، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    وهو طارق بن أشيم الأشجعي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #204
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (201)


    - (باب تبريد الحصى للسجود عليه) إلى (باب كيف يخر للسجود)
    لقد دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكبر المصلي مع كل خفض ورفع، ومن ذلك التكبير للسجود، كما بينت كيفية الهوي للسجود وأنه يكون عن قيام.
    تبريد الحصى للسجود عليه

    شرح حديث جابر: (كنا نصلي مع رسول الله الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده... فإذا سجدت وضعته لجبهتي)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تبريد الحصى للسجود عليه.أخبرنا قتيبة حدثنا عباد عن محمد بن عمرو عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب تبريد الحصى للسجود عليه، المقصود من هذه الترجمة واضح من اللفظ، أخذ الحصى من الأرض ثم وضعه في الكف، من كف إلى كف، ثم وضعه مكان السجود تحت مكان الجبهة؛ ليسجد عليه؛ وذلك في شدة الحر، وصلاتهم في الشمس، ومن المعلوم أن هذا عند عدم وجود ما يحول بين الإنسان وبين الأرض من فراش، أو مثله مما يحول بين وجه الإنسان وبين حرارة الرمضاء التي تحصل نتيجة لحرارة الشمس، فإذا كان هناك ما يفترش، ويوضع تحت الإنسان وهو يصلي عليه في الشمس، فإن هذا هو الأولى؛ لأنه لا يكون معه عمل في الصلاة، أو لا يحتاج إلى عمل في الصلاة، وهذه الحالة التي ترجم لها المصنف هي لا شك أنه عند عدم وجود ما يغني عنه من فراش، وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قال:
    [(كنا نصلي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فآخذ قبضةً من حصى في كفي فأحوله إلى الكف الآخر -أبرده- فإذا سجدت وضعته لجبهتي..)].
    قوله: [(فإذا سجدت)]، يعني: أردت السجود، [(وضعته لجبهتي)]، حتى يسجد الإنسان ويطمئن في السجود، ولا يتشاغل بالحرارة التي تكون على وجهه من شدة حرارة الرمضاء، فإذا كان المصلى بارداً، ولم يكن شديد الحرارة، فإنه يتمكن الإنسان من السجود، بخلاف ما إذا كان حاراً، فإن شدة الحرارة تلجئه لئلا يطيل السجود، وألا يتمكن كثيرا في السجود، وإن كان سيؤدي ما هو واجب عليه، إلا أن الاطمئنان وإطالة السجود لا تتأتى مع وجود الحرارة، وفي هذا الحديث دليل على أن مثل هذا العمل يعتبر من العمل اليسير الذي يحتاج إليه في الصلاة، أي: أن ذلك سائغ وجائز، وهو أخذ الكف من الحصى، ثم تحويله إلى الكف الأخرى ليبرد، ولتذهب حرارته، أو تخف حرارته ليسجد عليه الإنسان، ويضع جبهته عليه، فلا يكون هناك ما يشغله عن الاطمئنان في السجود وإطالته.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كنا نصلي مع رسول الله الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده... فإذا سجدت وضعته لجبهتي)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، وبغلان: قرية من قرى بلخ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عباد].
    وهو عباد بن عباد المهلبي، نسبة إلى جده المهلب بن أبي صفرة، وهو ثقة، ربما وهم، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عمرو].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، له أوهام، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن الحارث].
    هو سعيد بن الحارث المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، فهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فـجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أحد السبعة المعروفين بكثرة رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    التكبير للسجود


    شرح حديث مطرف بن عبد الله: (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير للسجود.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن مطرف قال: (صليت أنا وعمران بن حصين رضي الله عنه خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى صلاته أخذ عمران بيدي فقال: لقد ذكرني هذا، قال كلمة يعني: صلاة محمد صلى الله عليه وسلم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التكبير للسجود، أي: أن الكلمة أو الذكر الذي يقال عند الانتقال إلى السجود من القيام بعد الركوع إنما هو التكبير، فيقول: الله أكبر، عندما يخر الإنسان للسجود من قيامه بعد الركوع، أن يقول: الله أكبر، فالترجمة معقودة للتكبير عند السجود أو التكبير للسجود، يعني: إذا خر ساجداً يكبر، وقد أورد حديث عمران بن حصين أنه صلى خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكبر حين سجد، وكبر حين قام من سجوده، وكبر حين قام من الاثنتين، وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير صلى هو وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ولما فرغ أخذ عمران بيد مطرف وقال: [(لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم)].
    محل الشاهد من الحديث: أن عمران بن حصين لما صلى خلف علي رضي الله عنه، وكان يكبر عند الخفض والرفع قال: [(لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم)]، فالحديث مرفوع، الذي رفعه هو عمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب يصلي هذه الصلاة التي تشبه صلاة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكونه مرفوعاً هو من كلام عمران بن حصين، أو الذي رفعه هو عمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاته موافقة ومشابهة لصلاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالذي رفع الحديث هو عمران بن حصين، والذي رفعه تلك الصلاة التي صلاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فـمطرف يروي عن عمران بن حصين، أن الصلاة التي صلاها علي بن أبي طالب هذه تذكر بصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي أخبر بأن صلاته تشبه صلاة الرسول، أو تذكر بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو عمران بن حصين.
    إذاً: الحديث من رواية مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين يقول عن صلاة علي رضي الله عنه التي صفتها كذا وكذا: أنها تذكره بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو لم يأت ذكر ذلك من عمران لم يكن في الحديث شيء يضيف ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو فعل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومن المعلوم أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، يقتدون في صلواتهم وفي أفعالهم بالرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن رفع هذا الفعل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء بقول عمران بن حصين الذي يقول: إن هذا الفعل الذي فعله علي يذكر بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقصود من ذلك: أن الانتقالات يكون فيها التكبير، ما عدا القيام من الركوع فإنه يقال: سمع الله لمن حمده عند القيام من الركوع، وما عدا ذلك ففي كل انتقال من ركن إلى ركن، ومن هيئة إلى هيئة، ومن عمل إلى عمل في الصلاة، إنما يكون بلفظ التكبير عند كل خفض ورفع، ففي هذا إثبات التكبير في الانتقال من فعل إلى فعل في الصلاة، ولا يستثنى من ذلك إلا عند القيام من الركوع فيقال: سمع الله لمن حمده، ولا يقال: الله أكبر.
    تراجم رجال إسناد حديث مطرف بن عبد الله: (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر...)
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا حماد].
    وهو ابن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    و حماد هنا غير منسوب، لكنه جاء مبيناً في تحفة الأشراف عند المزي وقال: إنه حماد بن زيد، وحديثه كما ذكرت أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن غيلان بن جرير].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، عابد، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران].
    هو عمران بن حصين الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    أما علي بن أبي طالب الذي صلى الصلاة التي تشبه صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي قال عنها عمران بن حصين: لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفضائله جمة، ومناقبه كثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    هذا الحديث من مسند عمران، هو الذي قال: إن هذه الصلاة تشبه صلاة محمد عليه الصلاة والسلام.
    ثم ما فعله عمران مع مطرف حيث قال: (أخذ بيدي) هذا فيه الضبط، أو يدل على الضبط والإتقان لما يتحمله الراوي؛ لأن كون الراوي يتحمل الحديث من المحدث، ويتذكر الهيئة التي كان فعلها معه المحدث عند تحديثه بالحديث، هذه تدل على ضبطه وإتقانه، ثم أيضاً هذا الفعل من عمران بن حصين مع أخذه بيده، يريد من ذلك أن يتنبه، وأن يتقن ذلك الشيء الذي يحدثه به، فهو دال على ضبط الراوي الذي هو مطرف، وعلى فعل المروي عنه ما فيه تمكن الراوي من الأخذ عنه.
    شرح حديث: (كان رسول الله يكبر في كل خفض ورفع ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا معاذ ويحيى حدثنا زهير حدثني أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع، ويسلم عن يمينه وعن يساره، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلانه)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكبر عند كل خفض ورفع)]، وذلك في غالب الأفعال وليس كلها؛ لأن الرفع من الركوع مستثنى بلا شك؛ لأنه يقال عنده: سمع الله لمن حمده، وهو رفع، ومع ذلك لا يقول عنده: الله أكبر، وإنما يقول: سمع الله لمن حمده، فهذا مما استثني، إذاً: فقوله: [(كل خفض ورفع)]، المراد به الغالب، وهذا من جنس الحديث الذي يقول: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)، فإن هذا إنما هذا في الغالب، بدليل أنه جاء في التفصيل أن (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) يقال عندهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقال عندهما: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)، المراد من ذلك فيما عدا الحيعلتين: حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقال عندهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكذلك هنا عند كل خفض ورفع يكبر، ويستثنى من ذلك القيام من الركوع فإنه يقال: سمع الله لمن حمده، إذاً: فقوله: [(كل خفض ورفع)]، المراد به الغالب، وليس المراد به الإطلاق.
    وقال: [(وكان يسلم عن يمينه وعن شماله)]، يسلم تسليمتين للخروج من الصلاة عن يمينه وعن شماله، [وكان أبو بكر وعمر يفعلانه] أي: يفعلان مثل هذا الفعل الذي يحكيه عبد الله بن مسعود عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يفعلان هذا الفعل الذي هو التكبير عند كل خفض ورفع، وأنهما يسلمان عن اليمين تسليمة، وعن الشمال تسليمة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يكبر في كل خفض ورفع ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].وهو الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، وكما ذكرت كثيراً عندما يأتي ذكره في كتب الرجال في بيان الجرح والتعديل يقال: قال الفلاس كذا، وثقه الفلاس، وعابه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، المراد به عمرو بن علي هذا، وهو ثقة، محدث، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاذ ويحيى].
    هو معاذ بن معاذ العنبري البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [و يحيى].
    هو ابن سعيد القطان، الذي يروي عن زهير، الذي جاء هنا هو يحيى وغير منسوب، وقد روى عن زهير: يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن آدم، وقد جاء عند النسائي في بعض المواضع من هذا الحديث تسميته وأنه يحيى بن آدم، لكن المزي في تحفة الأشراف في هذا الموضع ذكر أنه من رواية معاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد، وفي الموضع الذي سيأتي فيما بعد ذكر أنه من رواية يحيى بن آدم، فكل من يحيى بن آدم ويحيى بن سعيد القطان قد روى عن زهير بن معاوية، وهنا جاء مهملاً غير منسوب، ويحتمل أنه يحيى بن آدم، ويحتمل أنه يحيى بن سعيد القطان، وقد قال المزي في تحفة الأشراف: إنه في هذا الموضع عن معاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد عن زهير، وذكر هناك أن الذي رواه يحيى بن آدم، وهنا يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، المعروف كلامه في الرجال، والذي كلامه في الرجال كثير، والذي وصفه الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل هو وعبد الرحمن بن مهدي، وهما بصريان: إذا اتفقا على جرح شخص، قال: فإنه لا يكاد يندمل جرحه، يعني بذلك أنهما أصابا الهدف، وأنهما أصابا في قولهما في وصفهما الرجل فيما وصفاه به من الجرح، وحديث يحيى بن سعيد القطان أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زهير].
    هو زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، إلا أن سماعه من أبي إسحاق السبيعي بآخره، يعني: أنه بعدما اختلط، أبو إسحاق ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي هنا عن أبي إسحاق، الذي في روايته عنه شيء؛ لكونه روى عنه بعد الاختلاط، لكن كما هو معلوم الحديث له شواهد من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف عنه في ركوعه وسجوده أنه يكبر عند كل خفض ورفع، إلا ما كان من القيام من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وأما كونه سمع منه بأخره الذي هو زهير بن معاوية لا يؤثر ذلك؛ لأن إثبات الإتيان بالتكبير عند الخفض والرفع ما جاء من طريقة فقط، بل جاء من طرق أخرى ومن وجوه مختلفة، فلا يؤثر سماعه عنه في الآخر.
    [حدثني أبو إسحاق السبيعي].
    هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، سبيع نسبة، وهي جزء من همدان، أو هم بعض من همدان، فهمدان نسب عامة، وسبيع نسبة خاصة، وكلها نسبة نسب، والكوفي هو من أهل الكوفة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علقمة والأسود].
    يروي عن أبيه الأسود، وعن علقمة بن قيس النخعي، وكل منهما ثقة، وكل منهما مخضرم، وهما صاحبا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثهما عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مسعود].
    رضي الله تعالى عنه، الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد علماء الصحابة وفقهائهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو ليس من العبادلة الأربعة المشهورين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين هم من صغار الصحابة، فهو ليس من صغارهم بل هو من كبارهم، وكانت وفاته قبلهم بمدة طويلة، حيث توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وفي الصحابة غيرهم ممن يسمى عبد الله كثير، منهم: عبد الله بن مسعود هذا، ومنهم: عبد الله بن أبي بكر، ومنهم: عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعدد كبير من الصحابة يسمون عبد الله، لكن اشتهر منهم أربعة بلقب العبادلة الأربعة، وهم من صغار الصحابة، وهم صحابة أبناء صحابة.
    كيف يخر للسجود

    شرح حديث حكيم بن حزام: (بايعت رسول الله أن لا أخر إلا قائماً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يخر للسجود.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة عن أبي بشر: سمعت يوسف وهو ابن ماهك يحدث عن حكيم رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائماً)].
    أورد النسائي هنا: كيف يخر للسجود، والمراد: من هذه الترجمة الهيئة التي يكون عليها عندما يسجد فأورد تحتها حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخر إلا قائماً)]، وليس فيه التنصيص على السجود، لكن اختلف العلماء في بيان المراد به، فمنهم من فهمه على أنه الخرور للسجود، يخر: يعني يهوي للسجود من قيام، والمراد من ذلك أنه عندما يرفع رأسه من الركوع ويطمئن في قيامه، ثم يخر من ذلك القيام، لا يخر من الركوع، أي: لا يخر بكونه لا يعتدل قائماً، بمعنى أن يرفع رأسه ثم يهوي، وإنما يستقيم ويعتدل ويستقر ويتمكن في قيامه، ثم بعد ذلك يخر للسجود، فهذا اللفظ دليل يدل على القيام بعد الركوع، وعلى أن المصلي يستوي قائماً ليخر من تلك الهيئة إلى السجود، لا يخر من الركوع، ولا يرفع رأسه ثم يرجع إلى السجود دون أن يستقيم قائماً، ودون أن يعتدل قائماً.
    ففسر بعض العلماء هذا الحديث الذي لم يذكر فيه لفظ السجود بأن المراد منه السجود، [(ألا أخر إلا قائماً)]، أي: ألا يخر إلى السجود إلا قائماً، من حال القيام، لا من حال ركوع ولا من حال هيئة تكون بعد الركوع لا يستقر فيها للقيام، مثل ما يفعله بعض المستعجلين في الصلاة الذين ينقرونها نقرا، بحيث يرفع رأسه من الركوع ثم يهوي قبل أن يعتدل قائماً، فإن هذا الحديث يدل على خلاف هذا الفعل، والأحاديث كثيرة تدل على لزوم الاعتدال في القيام، ومنها حديث المسيء في صلاته الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه: (اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)، وكذلك ما جاء عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع من الركوع فيطيل القيام حتى أقول في نفسي: قد نسي)، معناه: أنه يطيل القيام بعد الركوع، تلك الأحاديث صريحة وواضحة في الاعتدال، وهذا الحديث يدل أيضاً على الاعتدال؛ لأن قوله: [(ألا أخر إلا قائماً)]، يدل على أن المراد به السجود، معناه: أنه يكون قائماً منتصباً بعد الركوع، وهذا هو الذي فهمه المصنف، ولهذا أورده تحت هذه الترجمة: كيف يخر للسجود، أنه يخر من حالة القيام، لا يخر من حالة الركوع، ولا من هيئة بعد الركوع لا يكون فيها استقرار في القيام، كما يحصل من الذين ينقرون الصلاة، فإنه لا بد من الاعتدال، ولا بد للإنسان أن يستقر قائماً بعد الركوع.
    ومن العلماء من قال: إن المراد به ألا يموت إلا على الإسلام، [(ألا أخر إلا قائماً)]، يعني: أنه لا يموت إلا مسلماً، ويقول: إن هذا مثل قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )[آل عمران:102]، أن المراد بذلك أن الإنسان يداوم على الإسلام، ويثبت على الإسلام، حتى إذا وافاه الأجل يوافيه وهو على حالة طيبة، أي: يوافيه وهو مسلم، فيقول بعض العلماء: أن المراد منه ألا يموت إلا مسلماً، معناه: أنه يلتزم بالإسلام، ويثبت ويبقى عليه حتى يموت على الإسلام.
    وأيضاً: مثل قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم ضمن حديث طويل: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، يعني: فقوله: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)، معناه: أنه يثبت على الإيمان حتى يموت عليه، الإنسان لا يعلم متى يموت، لا يعلم نهاية حياته حتى يكون فيها على حالة طيبة، وأن يصلح وأن يغير ما كان عليه من حالة سيئة إلى حالة حسنة، الآجال أخفاها الله عز وجل، فلا يعلم الإنسان متى يموت، قد يموت الإنسان بعد لحظة، وقد يموت بعد ساعة، وقد يموت بعد يوم، وقد يموت بعد سنة، وقد يموت بعد عشر سنين، وقد يموت بعد أربعين سنة أو أكثر، الآجال الله تعالى أخفاها على الناس، ولكن من لازم التقوى، ولازم طاعة الله وطاعة رسوله، وداوم على ذلك، فإنه إذا مات يموت وهو على حالة حسنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، ويقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه؛ لأن المداومة على الشيء ولو كان قليلاً يكون كثيراً، ثم أيضاً فيه ملازمة الطاعة، بخلاف الإنسان الذي ينشط ويكسل، ينشط في بعض الأيام ويكسل في بعض الأيام، فإنه قد يوافيه الأجل وهو في حالة كسل وفي حالة خمول، لا يختم له بخاتمة طيبة على حالة حسنة، لكن الإنسان إذا داوم على الطاعة ولازمها، فإنه إذا جاءه الموت يأتيه وهو على حالة طيبة.
    إذاً: بعض العلماء قال: إن معنى قوله: [(بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخر إلا قائماً)]، أنه لا يموت إلا مسلماً، وألا يموت إلا على الإيمان، ومعنى ذلك أنه يلازم التقوى حتى يموت عليها، فيكون مثل قوله: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )[آل عمران:102]، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، يداوم على الطاعة حتى يموت عليها، ويخالق الناس بخلق حسن، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه هم به، فلا يكون شأنه أن يريد أن يعامل معاملة طيبة وهو لا يعامل الناس معاملة طيبة، فيكون مثل من قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم عن ثلاثة: عن وأد البنات، وعقوق الأمهات، ومنع وهات)، فمنع وهات، معناه أنه يريد لنفسه ولا يريد أن يعطي الغير حقه، ولا يحب أن يفوت عليه حقه، فيكون من جنس المطففين الذي قال الله عنهم: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )[المطففين:1-3]. فهم يريدون الحقوق التي لهم، ولا يؤدون الحقوق التي عليهم، لا يعاملون الناس بمثل ما يحبون أن يعاملوا به هم، بل الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه).
    تراجم رجال إسناد حديث حكيم بن حزام: (بايعت رسول الله أن لا أخر إلا قائماً)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فائدة معرفته: ألا يظن التصحيف فيما إذا ذكر بالكنية بدل النسبة؛ لأن النسبة مطابقة للكنية، والكنية مطابقة للنسبة، فإذا قيل: إسماعيل بن مسعود أو إسماعيل أبو مسعود كله صواب؛ لأنه هو إسماعيل بن مسعود، وهو إسماعيل أبو مسعود، إن جاء إسماعيل بن مسعود فهذا نسبه، وإن جاء إسماعيل أبو مسعود فهذه كنيته، لكن من لا يعرف أن أبا مسعود كنية لـإسماعيل بن مسعود، يظن أن (ابن) تصحفت إلى (أبو)، لكن من يعرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب يعلم أنه لا تصحيف، وأن الكل صواب.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الألقاب الرفيعة التي لم يظفر بها إلا النادر القليل من المحدثين، مثل شعبة هذا، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني، وعدد من المحدثين وصفوا بهذا الوصف. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بشر].
    وهو جعفر بن إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت يوسف وهو ابن ماهك يحدث].
    هو يوسف بن ماهك المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حكيم].
    وهو حكيم بن حزام بن خويلد الأسدي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين؛ لأنها خديجة بنت خويلد، وهذا حكيم بن حزام بن خويلد، وهو صحابي مشهور من مسلمة الفتح، وقيل: إن عمره مائة وعشرون سنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #205
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (202)

    - باب رفع اليدين للسجود - باب ترك رفع اليدين عند السجود
    جاءت السنة برفع اليدين في الصلاة، وأنها ترفع عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والاعتدال منه، وأحياناً عند السجود والرفع منه، وأنه يترك أحياناً عند السجود والرفع منه.
    رفع اليدين للسجود

    شرح حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للسجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين للسجود. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب رفع اليدين للسجود، ومراده بهذه الترجمة: أن الإنسان عندما يسجد فإنه يرفع يديه عند إرادة السجود، وعلى هذا فيكون عندما يكبر الإنسان للسجود يرفع يديه، فمثلما كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه وعند تكبيرة الإحرام، كذلك أيضاً عند السجود، وهذه الترجمة معقودة لهذا، وقد أورد فيه حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه: [أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه رفع يديه حين دخل في صلاته؛ أي: عند تكبيرة الإحرام- وفي بعض الروايات: (حين دخل في صلاته)- وعند الركوع، وعند الرفع منه، وكذلك عند السجود، وعند القيام من السجود].
    وأورد النسائي هذا الحديث عن قتادة عن نصر بن عاصم يرويه عن مالك بن الحويرث فثلاثة ذكر النسائي الأسانيد إليهم: عن شعبة، وعن سعيد بن أبي عروبة، وعن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وتلتقي أسانيدهم عند قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في هذه المواطن، ومنها ما ترجم له المصنف؛ وهو عند السجود فإنه يرفع يديه.
    وقد ذهب إلى هذا بعض العلماء وقالوا: أنه يرفع يديه أحياناً؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، بل كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه فقط، وكان لا يفعل ذلك في سجوده، قالوا: فيكون ما جاء عن مالك بن الحويرث محمولاً على بعض الأحوال، وعلى بعض الأحيان، وما جاء عن عبد الله بن عمر محمولاً على بعضها، وأنه لم يره يفعل ذلك الفعل الذي هو رفع اليدين عند التكبير للسجود، فمن العلماء من أخذ بما جاء في حديث مالك بن الحويرث، واعتبر ذلك حديثاً دالاً على صحة الرفع في هذا الموطن، ومن العلماء من قال: إن ما جاء في حديث مالك بن الحويرث من ذكر رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع منه، قال: إن هذا -وإن جاء بطريق صحيح- إلا أنه يعتبر شاذاً؛ لأنه جاء من طرق عمن روى عن قتادة، أنهم يروون ذلك من طريق قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث، وليس فيه ذكر رفع اليدين عند السجود، وعند الرفع منه، وإنما اقتصروا على المواطن الثلاثة؛ التي هي: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه.
    ومن العلماء من زاد على ذلك عند القيام من التشهد الأول؛ لأن هذا ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر، وكذلك جاء من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهما، أي: عند القيام من التشهد الأول، فتكون المواضع على هذا أربعة؛ عند تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، والقيام من التشهد الأول، والمواطن الثلاثة الأول ثابتة في الصحيحين، والقيام من التشهد الأول ثابت في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر، وأيضاً ثابت في غير الصحيح من حديث أبي حميد الساعدي، أنه كان يرفع يديه عند القيام من التشهد الأول، بالإضافة إلى المواطن الثلاثة التي في تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، ويقولون: إن الذين رووا هذا الحديث -مقتصرين على المواطن الثلاثة- أكثر من هؤلاء الذين رووا ذكر السجود والرفع منه، وأنهم أكثر وأحفظ، فيكون رواية ما جاء في سنن النسائي وفي غيره من هذا الحديث من رواية قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث، يكون من قبيل الشاذ.
    والذين يقولون بالأخذ بما جاء في الحديث، قالوا: إنها زيادة ثقة، وزيادة الثقة هي بمثابة الحديث المستقل، وروى حديثاً مستقلاً من هذه الطريق، فإنه يعتمد عليها، فكذلك ما جاء عنهم من الزيادة، أو عن الثقة من الزيادة على ما رواه غيره، فيكون من حفظ حجة على من لم يحفظ، ولو كان ذلك الحافظ وجد من هو أحفظ منه، أو من هو أكثر منه عدداً، فتعتبر تلك من زيادة الثقة، والأظهر أنه بناء على ما جاء في هذا الحديث، أنه ترفع الأيدي في بعض الأحيان وليس دائماً؛ لأن الإسناد صحيح، وفيه زيادة ثقة، فتعتبر ويعول عليها، لكن كما ذكرت: المواطن الثلاثة الأولى الموجودة في الصحيحين، والموطن الرابع الذي هو عند القيام من التشهد الأول ثابت في صحيح البخاري، وأما عند السجود وعند الرفع منه فهذا عند النسائي وعند أبي داود وعند غيرهما.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للسجود
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو الملقب بـالزمن البصري، وكنيته أبو موسى، مشهور بكنيته، ومشهور بلقبه، ومشهور بنسبته، فيأتي ذكره في الرجال فيقال: محمد بن المثنى، ويقال: أبو موسى، ويقال: الزمن، يعني: روى عنه الزمن، أو روى عنه أبو موسى، أو روى عنه محمد بن المثنى، فهو مشتهر بنسبته وكنيته ولقبه، ومحمد بن المثنى البصري أخرج له أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ويعتبر هو من صغار شيوخ البخاري، وقد كانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، ويشاركه في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكونه من صغار شيوخ البخاري: محمد بن بشار بندار ويعقوب بن إبراهيم الدورقي؛ لأن هؤلاء الثلاثة ماتوا قبل البخاري بأربع سنوات، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عن هؤلاء الثلاثة مباشرة وبدون واسطة.
    ومحمد بن المثنى العنزي هذا الملقب بالزمن، والمكنى بـأبي موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو شيخ لهم جميعاً.
    يتفق مع محمد بن بشار في أمور كثيرة، كما اتفق معه في سنة الوفاة، اتفق معه في سنة الولادة، واتفق معه أيضاً بكونهما من أهل البصرة، واتفقا أيضاً في الشيوخ والتلاميذ؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر عنهما: إنهما كانا كفرسي رهان، ما واحد يسبق الثاني من شدة تساويهما وتماثلهما.
    [حدثنا ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نصر بن عاصم الليثي].
    ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن مالك].
    هو مالك بن الحويرث الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للسجود من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فذكر مثله)].ذكر النسائي هنا حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى إلى قتادة، وهي من رواية شيخه أيضاً محمد بن المثنى، إلا أنها من طريق أخرى؛ عن محمد بن المثنى رواها من طريق آخر غير الطريق الأولى؛ لأنه هناك روى عن محمد بن أبي عدي، وهنا روى عن عبد الأعلى البصري، فشيخ النسائي في الطريقين واحد، إلا أن شيوخ شيخه اشترطوا، فلم يكن روايته عن شيخ واحد، وإنما هي عن أكثر من شيخ؛ لأن شيخه محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي في الطريق الأولى، وهنا شيخه عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، فـمحمد بن المثنى هو شيخه في الطريقين.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للسجود من طريق ثانية
    قوله: [حدثنا عبد الأعلى].هو ابن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، حافظ، كثير التدليس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وهو هنا يروي عن قتادة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة] إلى نهاية الإسناد.
    قتادة ونصر بن عاصم ومالك، هم الذين مر ذكرهم في الإسناد السابق.
    فذكر مثله، يعني: ذكر أوله ثم قال: فذكر مثله؛ يعني: لم يكرر المتن، ولم يأت بالمتن كاملاً، وإنما ذكر أوله ثم قال: فذكر مثله، يعني: أن المتن مثل المتن السابق تماماً؛ لأن قوله: (مثله) تعني المماثلة في اللفظ والمعنى، اللفظ والمعنى واحد، فهو بدل أن يأتي باللفظ مكرراً اقتصر على قوله: (فذكر مثله) يعني: معناه أن هذا المتن الذي لم يسقه مطابق ومماثل للمتن الذي ساقه قبله، إذاً: المتنان لفظهما واحد، والإسناد مختلف، ولكن الشيخ أيضاً واحد، وملتقى عند قتادة، وقتادة ومن فوقه أيضاً متفق، لكن الاختلاف في من دون قتادة، ويتحدان في النهاية عند محمد بن المثنى الذي هو شيخ النسائي في هذا الحديث من طريقيه.
    حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للسجود من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة، فذكر نحوه، وزاد فيه: وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك)].هنا أورد النسائي حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهي أيضاً تلتقي عند قتادة، ولما ذكر أوله أن نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة، فذكر نحوه، وهنا عبر إذا دخل في الصلاة، وهناك قال: إذا رفع يديه في صلاته، وهنا يقول: إذا دخل في الصلاة رفع يديه، قال: فذكر نحوه، وكلمة (نحوه) تختلف عن مثله؛ لأن (نحوه) تعني أن هناك فرق في الألفاظ، وإن كان المعنى متقارب وقريب منه، إلا أن اللفظ يختلف، فالفرق بين (مثله) و(نحوه): أن (مثله) يكون المتن الذي لم يذكر مماثلاً للمتن المذكور، وأما كلمة (نحوه) إذا جاءت فإن المتن يكون قريباً منه وليس مطابقاً له، وهذا هو الفرق بين مثل ونحو، مثل تعني المماثلة، ونحو تعني المقاربة والمشابهة، وليست المطابقة والمماثلة.
    وزاد فيه: [أنه إذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك]، فهذا فيه إثبات رفع اليدين عند الرفع من السجود، والذي تقدم أنه إذا سجد، فالرواية السابقة فيها ذكر الرفع عند السجود، وهذه فيها زيادة، وهي رفع اليدين عند الرفع من السجود.
    إذاً هو كما قال: [ذكر نحوه]، لكن فيه اختلاف في اللفظ؛ لأنه قال: [وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك، وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك]، ففيه اختلاف في الألفاظ، وإن كان المعنى يتفق.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو شيخه في الطريقين السابقين، وهو شيخه في هذه الطريق الثالثة، يعني كل الطرق الثلاث من طريق شيخه محمد بن المثنى الملقب بـالزمن المكنى بـأبي موسى، وقد مر ذكره.
    [حدثنا معاذ بن هشام].
    هو معاذ بن هشام الدستوائي، وهو صدوق، ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا النسائي يروي الحديث بطرقه الثلاث عن شيخه محمد بن المثنى، ثم يكون الاختلاف في الشيوخ، ثم تلتقي الطرق عند قتادة بن دعامة، وبين النسائي وبين قتادة في كل منهما اثنين، فالطريق الأولى ابن أبي عدي وشعبة، والطريق الثانية عبد الأعلى وسعيد بن أبي عروبة، والطريق الثالثة معاذ وأبيه، إذاً: الثلاث الطرق كلها متساوية من حيث العلو بين شيخ النسائي محمد بن المثنى وبين قتادة ففي كل من الطرق الثلاث شخصان.
    ترك رفع اليدين عند السجود


    شرح حديث: (كان رسول الله يرفع يديه ... وكان لا يفعل ذلك في السجود)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك رفع اليدين عند السجود. أخبرنا محمد بن عبيد الكوفي المحاربي حدثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع، وكان لا يفعل ذلك في السجود)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: ترك رفع اليدين في السجود، فبعدما أتى بالترجمة الدالة على الرفع أتى بعدها بالترجمة الدالة على الترك، وأن المقصود من ذلك: أنه أحياناً يترك ذلك، أو جاء الترك. ويحمل على ما جاء من الإثبات، وعلى ما جاء من الترك، على أن الفعل يكون أحياناً، والترك يكون أحياناً، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كبر افتتح الصلاة، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود].
    فقوله: [وكان لا يفعل ذلك في السجود] هذا هو الدال على الترك، أو هذا هو الدال على الترجمة، فيكون التوفيق بين ما جاء من الإثبات وما جاء من النفي: بأنه يفعل في بعض الأحيان.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يرفع يديه ... وكان لا يفعل ذلك في السجود)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد المحاربي الكوفي]. صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وما خرج له الشيخان، ولا ابن ماجه .
    [حدثنا ابن المبارك].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة، ثبت، فقيه، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، قال فيه ست كلمات؛ قال: ثقة، ثبت، فقيه، عالم، جواد، مجاهد، ثم قال عقب هذا: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته سنة مائة وإحدى وثمانين.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام الذي يروي عنه كثيراً، وروى من طريقه صحيفة همام بن المنبه المشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فهو من أهل البصرة، ونزل اليمن، وأخذ عنه عبد الرزاق بن همام، وأكثر من الرواية عنه.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي، وزهرة ابنا كلاب، فالتقاء نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب؛ لأن زهرة أخو قصي، وهما ابنا كلاب، والزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جد جده الذي هو شهاب؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، فينسب إلى جده شهاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وهو إمام ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وقد لقي صغار الصحابة مثل أنس بن مالك، وروى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسالم ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع؛ لأن الفقهاء في المدينة في عصر التابعين المذكورين بهذا اللقب سبعة، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالستة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله الذي معنا في الإسناد، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    وسالم يروي عن أبيه [عبد الله بن عمر بن الخطاب] رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، أُطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة؛ لأنهم من صغار الصحابة، وقد عاشوا وأدركهم الكثير من التابعين الذين لم يدركوا من تقدمت وفاته من العبادلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس منهم عبد الله بن مسعود الذي تقدم وفاته؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما الأربعة الذين اشتهروا بهذا اللقب فهم من صغار الصحابة، وعبد الله بن مسعود من كبار الصحابة، وأيضاً عبد الله بن عمر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    الأسئلة

    مدى دخول الجلوس بعد الفجر في النهي عن التحلق يوم الجمعة
    السؤال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التحلق قبل الجمعة، هل يدخل في النهي من يجعل له درساً بعد الفجر من يوم الجمعة؟ الجواب: ما أدري عن ثبوت الحديث، ولا علم لي به، لكن الذي يبدو أن درس يوم الجمعة بعد الفجر لو ثبت الحديث لا يدخل؛ لأن النهي في الوقت الذي يكون الناس فيه في انتظار الصلاة، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا جاءوا يوم الجمعة صلوا ما أمكنهم أن يصلوا، ثم جلسوا ولا يقومون إلا للصلاة، وما جاء أنهم يتحلقون، فيكون التحلق يوم الجمعة -إذا ثبت- ليس في هذا الوقت الذي هو بعيد عن وقت صلاة الجمعة.
    مدى حجية قول الصحابي في المسائل الاعتقادية
    السؤال: هل قول الصحابي في المسائل الاعتقادية حجة؟ وهل هناك دليل على اتباعهم في فهم الكتاب والسنة؟ الجواب: من المعلوم أن الصحابي إذا كان ليس معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، وأتى بأمر لا مجال للرأي فيه، ولا مجال للاجتهاد فيه، فإنه يعتبر مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويكون له حكم الرفع؛ لأن المرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام نوعان: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً؛ فالمرفوع تصريحاً أن يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو نهى رسول الله عن كذا، أو أمر رسول الله بكذا، فإن هذا مرفوعاً تصريحاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    أما المرفوع حكماً فهو أن يفعل الصحابي أو يقول قولاً لا مجال للرأي فيه، وليس معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، فإنه يكون على هذا له حكم الرفع، فإذا ثبت عن الصحابي شيء لم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يعتبر حجة، ويكون مرفوعاً حكماً، فليس من قول الصحابي يعتبر بل يعتبر مضافاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    الدليل على اتباع فهم الصحابة للكتاب والسنة
    السؤال: هل هناك دليل على اتباع الصحابة في فهم الكتاب والسنة؟الجواب: لا شك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هم أفهم من غيرهم فيما يتعلق بالتفسير، ولهذا أحسن التفسير وأفضل التفسير تفسير القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة، ثم تفسيره بأقوال الصحابة؛ لأنهم هم الذين حضروا التنزيل، وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم أعرف من غيرهم وأعلم من غيرهم.
    كتاب التسهيل في علوم التنزيل للكلبي
    السؤال: فضيلة الشيخ! حفظك الله، ما رأيكم في كتاب التسهيل في علوم التنزيل هذا التفسير لـأحمد بن عبد الله الكلبي، حيث أنه يرد على الجبرية، والقدرية، والمعتزلة، والأشاعرة، ولكن يقول: إن الإيمان ينافي العمل؟الجواب: لا أعرف شيئاً عن الكتاب.
    كيفية التسبيح بعد الفريضة
    السؤال: ما هي كيفية التسبيح بعد صلاة الفرض، هل يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى تبلغ كل واحدة ثلاثة وثلاثين، أو يقول: سبحان الله وحدها حتى تصل إلى ثلاثة وثلاثين؟ الجواب: الأمر في ذلك واسع، إن قال: سبحان الله حتى أكمل ثلاثاً وثلاثين، وقال: والحمد لله حتى أكمل ثلاثاً وثلاثين، وقال: الله أكبر حتى أكمل ثلاثاً وثلاثين، أو جمعها بأن قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فعد ثلاثاً وثلاثين، كل ذلك صحيح، وكله يدل عليه اللفظ، وكما قلت: الأمر في ذلك واسع، إن قال هذا أو قال هذا، كل ذلك صحيح، وكل ذلك تسبيح وتحميد وتكبير لهذا المقدار الذي هو ثلاث وثلاثون، أتى بها مجتمعة، أو أتى بها متفرقة لا بأس بذلك.
    حكم إسبال الثياب والسدل في الصلاة
    السؤال: ما هو حكم الإسبال للثوب وغيره؟ الجواب: الإسبال كما هو معلوم سواءً كان للثوب، أو للسراويل، أو للإزار، أو للمشلح، أو لأي شيء يلبسه الإنسان، فإنه لا يجوز له أن ينزل عن الكعبين، بل الحد هو الكعبان، يكون فوقهما بقليل، ولا ينزل عنهما؛ لأن نزول الثوب الذي يلبسه الإنسان عن الكعبين إسبال، (ما أسفل من الكعبين فهو في النار)، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ثم أيضاً بالإضافة إلى الوقوع في المحظور، فيه أيضاً تعريض للثياب للوسخ، وهذا هو الذي أرشد إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما كان في مرض موته، وكان الناس يزورونه بعدما طعنه المجوسي الطعنة التي نال الشهادة بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه شهيد، وسأل الله عز وجل أن يرزقه شهادةً في سبيله، وأن يجعل وفاته في بلاد رسوله صلى الله عليه وسلم، فتحقق له ذلك، فإنه لما حصل له هذا الذي حصل، كان الناس يعودونه، وكان ممن عاده شاب أثنى عليه وقال: هنيئاً لك يا أمير المؤمنين! صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم ذكر مؤازرته لـأبي بكر، ثم توليه الخلافة، وأنه قام فيها خير قيام، ثم أثنى عليه، ثم إنه قال له لما أدبر، قال: وددت أن يكون ذلك لا علي ولا لي، ولما أدبر وإذا ثوبه يمس الأرض، فقال: ردوا علي الغلام، فرجع، فقال له: يا ابن أخي! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوبك، فأرشده إلى فائدة يعني دنيوية، وهي كون ثوبه يبقى ولا يتعرض للتلف والوسخ، وأرشده إلى فائدة يحصل أجرها وثوابها في الدنيا والآخرة، وهي تقوى الله عز وجل، قال: إنه أتقى لربك، وأبقى لثوبك.
    ثم بعض الناس قد يقول بل من الناس من يقول عندما يكون ثوبه نازلاً عن الكعبين، يقول: أنا ما أجره خيلاء، يعتذر لإبقاء هذا الأمر المنكر على ما هو عليه، بأنه لا يفعله خيلاء، لا شك أن من يفعله خيلاء وقصده الخيلاء، هذا جمع بين خصلتين ذميمتين، جمع أمرين منكرين، لكن من أسبل إزاره، وهو لا يفعله خيلاء، لكنه في فعله مخالفة للسنة، فإنه ارتكب محظوراً، وعرض نفسه للعقوبة، ولا شك أن بعض الشر أهون من بعض، ولكن كلها شر، كل فيه شر، ولكن بعض الشر أهون من بعض، من جر خيلاء أسوأ ممن جره ولكن لم يقع في قلبه الكبر والخيلاء، فكل منهما شر، وكل منهما فيه مخالفة للسنة، وكل منهما فيه تعرض للعقوبة، ولكن بعض الشر أهون من بعض.
    وأما الإسبال بالنسبة لليدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم المعروف عنه أنه كمه إلى الرسغ، وهو الحد الفاصل بين الكف والذراع؛ المفصل الذي بين الكف والذراع، هذا هو الرسغ، وكان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، أنا لا أذكر شيئاً فيما يتعلق بالإسبال به، لكن الذي أعرفه هو ما يتعلق بالنسبة للثوب، وأما هذا ما أعرف فيه، لكن أعرف فيه أن كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ.
    لعل السائل يقصد السدل في الصلاة، سدل اليدين في الصلاة؟ وليس الإسبال.
    هذا خلاف السنة، السنة التي ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، هذه السنة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والسدل الذي هو إرسال اليدين، وعدم قبض اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، الذي هو قبل الركوع، هذا هو المعروف، وأما بعد الركوع ففيه خلاف بين أهل العلم، وكذلك أيضاً قبل الركوع، لكن السنة ثابتة في القبض وليس في الإرسال؛ لأن الإرسال ما نعلم شيئاً ثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الثابت هو القبض وليس الإرسال بالنسبة لليدين.
    اليد اليمنى على اليسرى توضع على الصدر، وتكون اليد اليمنى جمعت بين الكف والرسغ والساعد.
    وثبت عن عدد من الصحابة وضع اليد اليمنى على اليسرى.
    حكم شراء السلعة من الشخص الذي باعها إليه
    السؤال: هل يجوز شراء السلعة من الشخص الذي باعها إليه؟ الجواب: إذا كانت نقداً ما فيه بأس يشتريها، إذا كان باعها نقداً بأي ثمن ثم اشتراها ممن باعها عليه لا بأس، وأما إذا كان باعها نسيئة إلى أجل بثمن مؤجل، فإنه لا يشتريها بائعها بأقل من ثمنها؛ لأن هذه هي العينة؛ لأن السلعة عادت إلى صاحبها وبقيت ذمة المدين مشغولة، ولكن لو باعها بأكثر من ثمنها حاضراً، أو تغيرت، حصل فيها تغير يجعل قيمتها تنخفض، فإنه لا بأس بذلك، أو باعها على غيره، لا بأس بذلك، على غير من اشتراه منه، ولو بأقل قبل أن يمضي عليها، هذه يسمونها مسألة العينة.
    حكم أخذ العربون
    السؤال: ما حكم أخذ العربون على السلعة؟ وهل يرد العربون لصاحب السلعة إذا صرف الراغب فيها النظر عنها؟ الجواب: ما أدري، لا أدري، طبعاً هو وضع شيء يتوثق لا بأس، يمكن في التوثق، لكن ما مصير الذي يقال له: العربون، هل يملكه الإنسان أو ما يملكه؟ لا أدري.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #206
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (203)


    - باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده - باب وضع اليدين مع الوجه في السجود

    جاءت السنة المطهرة بالنهي عن التشبه بالحيوانات لا سيما في أفعال الصلاة، ومن ذلك كيفية الهوي إلى السجود، حيث ندبت إلى تقديم اليدين على الرجلين حتى يخالف المصلي في نزوله بروك البعير، كما أمرت المسلم أن يضع يديه مع وجهه في السجود على الأرض.
    أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده

    ‏ شرح حديث وائل بن حجر: (رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده.أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي البسطامي حدثنا يزيد وهو ابن هارون أخبرنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)].
    قال النسائي: باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده؛ أي: عندما يهوي إلى السجود من القيام بعد الركوع، فما الذي يصل إلى الأرض أولاً، هل تصل يداه قبل ركبتيه، أو ركبتاه قبل يديه؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وقد أطلق الترجمة، وهي محتملة وشاملة لتقدم اليدين على الرجلين، ولتقدم الرجلين على اليدين؛ لأنها مطلقة، لم يبوب لتقديم الرجلين على اليدين، ولا العكس الذي هو تقديم اليدين على الرجلين، وإنما أتى بترجمة واسعة تشمل ما ورد في ذلك من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والأحاديث التي وردت في هذا هي حديث وائل بن حجر، وفيه: أنه يقدم ركبتيه قبل يديه، وحديث أبي هريرة، وفيه: أنه يقدم يديه قبل ركبتيه.
    أما حديث وائل بن حجر فإنه قال: [رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه]. أي: أنه إذا كان قائماً فأول ما يصل إلى الأرض الأسفل الذي يليه، فتصل إلى الأرض الركبتان أولاً، ثم اليدان ثانياً، ثم الوجه ثالثاً، وإذا رفع يرفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه، فعند السجود تكون الأسافل تسبق الأعالي، وعند القيام تسبق الأعالي الأسافل، هذا هو الذي يقتضيه حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وقد تكلم فيه العلماء، فمنهم من أثبت حديثه، ومنهم من تكلم فيه، وسبب الكلام هو أحد الرواة الذي هو شريك بن عبد الله القاضي النخعي، الذي هو صدوق يخطئ، وقد اختلط لما ولي القضاء، فمن العلماء من حسن هذا الحديث، واعتبره ثابتاً، وعليه أكثر أهل العلم كما قال ذلك الترمذي: العمل عليه عند أكثر أهل العلم؛ يعني: أنهم يقدمون الركبتين ثم اليدين.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر: (رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ...)
    قوله: [أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي البسطامي]. صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يزيد وهو ابن هارون].
    هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقوله: [وهو ابن هارون]، هذه إضافة ممن دون تلميذه الحسين بن عيسى؛ أي: من النسائي أو ممن دونه، فهم الذين أتوا بهذه الإضافة، وأتوا بكلمة (هو) أو (وهو) للإشارة إلى أنها ليست من التلميذ، وأن التلميذ اقتصر على كلمة يزيد، ولم يضف إليها شيئاً، وقد عرفنا فيما مضى أن من دون النسائي يكون له إضافات من هذا القبيل، ويتضح ذلك بذكر الإضافة إلى شيوخ النسائي، مثل ما مر بنا قريباً: أخبرنا عمرو بن منصور، يعني: النسائي؛ لأن الذي قال: يعني النسائي هو من دون النسائي، ويزيد بن هارون حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شريك].
    هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء.
    تغير حفظه لما ولي القضاء، وكان شديداً على أهل البدع، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عاصم بن كليب].
    هو عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، يعني مثل شريك بن عبد الله القاضي.
    [عن أبيه].
    كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وائل بن حجر].
    هو وائل بن حجر الحضرمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    شرح حديث: (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يعمد]، والمراد به: أنه استفهام إنكار، ليس فيه الهمزة، وقد يأتي الاستفهام بدون الهمزة؛ لأنها تأتي وتحذف، فالمقصود هنا الإنكار.
    قوله: [(يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)] هذا لفظ مطلق، أي: لم يبين فيه بروك الجمل؛ ما قال: إنه يقدم يديه، ولا قال: إنه يقدم ركبتيه، والذين قالوا: بأنه يقدم ركبتيه -كما جاء في حديث وائل بن حجر- يقولون: إن هذا شأن الجمل أنه يقدم يديه ثم رجليه، وكونه يقدم ركبتيه ثم يديه هذا يخالف هيئة الجمل أو هيئة بروك الجمل؛ لأن كلامهم في بروك الجمل منهم من قال: إن بروك الجمل أنه يقدم اليدين قبل الرجلين؛ لأن البعير له يدان وله رجلان، فيقدم يديه أولاً، ثم بعد ذلك ينزل على رجليه، فقالوا: إن الحديث لا يدل على ما جاء في الحديث الآخر الذي هو حديث أبي هريرة الذي فيه: (وليضع يديه قبل ركبتيه)، وإنما هو مطلق، واستدلوا من كلام أهل اللغة على أن البعير أنه يقدم يديه قبل ركبتيه، ومخالفة البعير إنما هي بما جاء في حديث وائل بن حجر: أنه يقدم الركبتين قبل اليدين؛ أي: أنه يخالف هيئة البعير في النزول وفي القيام؛ لأن البعير عندما ينزل يقدم يديه ثم رجليه، وعندما يقوم يرفع رجليه ثم يديه، والذي جاء في حديث وائل بن حجر يخالف هذه الهيئة عند النزول وعند القيام، وهو عند النزول يقدم الركبتين ولا يقدم اليدين، بخلاف الجمل، وعند القيام يرفع المصلي اليدين ثم يرفع الركبتين، والجمل يرفع الرجلين أولاً ثم يرفع اليدين، وجاء حديث وائل بن حجر على خلاف هذه الهيئات، قالوا: فالحديث لا يدل على تقديم اليدين على الركبتين، وإنما هو مطلق وغير معين، وفيه التقديم والتأخير.
    وحديث أبي هريرة من الطريقة الثانية التي بها الدراوردي، فيها أنه أضاف إلى كونه (لا يبرك كما يبرك البعير، قال: وليضع يديه قبل ركبتيه)، وبعض العلماء صححوا هذا الحديث وقالوا: إن الإنسان أول ما يبدأ يقدم اليدين، ولا يقدم الركبتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)، معناه أنه يكون بذلك مخالفاً هيئة البعير إذا قدم يديه قبل ركبتيه، ويقولون: إن بعض أهل اللغة، يقولون: إن ركبة البعير في يديه، ومن المعلوم أن البعير يداه فيها ركبتان، ورجلاه كذلك فيها ركبتان، كل من يديه ورجليه فيها ركبتان، ومن المعلوم أن يدي البعير يقال أن فيها ركبتين، وقد جاء في الحديث: (ساخت يد فرسه في الأرض حتى بلغت الركبتين)، قصة سراقة بن جعشم في قصة الهجرة، وأنه لما قالت قريش: من يأتي بمحمد أو من يذهب إليه ويحضره لهم، أن له كذا وكذا، فتفرقوا يبحثون عنه ليحصلوا الجائزة، وكان سراقة بن جعشم هو الذي اتجه إلى جهة المدينة فأدركه، فلما أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قريباً منه، غاصت يدا فرسه بالأرض حتى بلغت الركبتين، فعلم بأن هذا من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: ادع الله أن يخلصني ولك علي ألا أخبر أحداً، فدعا له وخرجت يدا فرسه ورجع، فكان إذا لقيه أحد قال: هذه الطريق كفيتكم إياها، وما قال: ليس فيها أحد، قوله: أنا كفيتكم إياها، هو كلام مطلق فيه إجمال، لكن هم يفهمون منه أن ليس فيها أحد، وهو ما قال: أن ما فيها أحد، ولكن قال: أنا كفيتكم هذه الجهة.
    الحاصل أن الحديث فيه ذكر اليدين في الركبتين، لكن كما هو معلوم اليدان والرجلان، قالوا: إن اليدين والرجلين جاء في هذا الحديث أنه: (لا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)،والذين قالوا: بتقديم الركبتين على اليدين، قالوا: إن هذا غير مطابق لهيئة البعير التي جاءت عن أهل اللغة، والهيئة المعروفة المشاهدة المعاينة أن البعير يقدم يديه قبل رجليه، والمصلي يقدم رجليه قبل يديه، إذاً هذا فيه مخالفة لهيئة البعير، قالوا: فالحديث فيه قلب؛ لأن آخره يخالف أوله، وهو أن طريقة تقديم اليدين على الركبتين تخالف هيئة البعير التي يقدم فيها اليدين على الركبتين، وممن قال بهذا ابن القيم قال: إن هذا مما انقلب على بعض الرواة، وحصل فيه انقلاب، وفيه تقديم وتأخير، لكن من حيث اليدين والركبتين، لا شك أن البعير في يديه ركبتان، وفي رجليه ركبتان، لكن بالنسبة لتقديم اليدين على الرجلين، والرجلين على اليدين؛ لأنه فيه مقدم وفيه مؤخر، فالبعير فيه مقدم وهو اليدان، ومؤخر وهو الرجلان، والمصلي كما جاء في حديث وائل بن حجر، وكما يقول أصحاب هذا القول: من أنه لا يبرك كما يبرك البعير، أنه خلاف هذه التي جاءت في حديث وائل بن حجر، قالوا: فآخر حديث أبي هريرة يخالف أوله من حيث الهيئة، لكن الذين صححوه وقالوا: إن آخره لا يخالف أوله، قالوا: إن البعير يداه على الأرض، فهو عندما يبرك يقدم ركبتيه، لكن الركبتين اللذين في الرجلين أو الركبتين اللذين في اليدين هؤلاء يقولون: الركبتين اللذين في اليدين هي هيئة البعير، فتقديم المصلي ركبتيه على يديه معناه: أنه يوافق هيئة البعير الذي يقدم ركبتيه التي في يديه، فالخلاف بينهم فيما يقدمه المصلي وما يؤخره، والمطلوب مخالفة ما يفعله البعير في نزوله وقيامه، والحديث الذي ليس فيه تقديم اليدين على الركبتين مطلق، وهو محتمل لأن يكون كما جاء في حديث وائل بن حجر على أن حديث أبي هريرة الثاني فيه قلب، ومحتمل أن يكون موافقاً لما جاء في حديث أبي هريرة من أن البعير يقدم ركبتيه التي في يديه، لكن قوله: يقدم ركبتيه قبل يديه، يعني: إذا نظر إلى المعاكسة بين اليدين والركبتين ما يستقيم إلا إذا قيل: إن تقديم اليدين على الرجلين، أو تقديم الرجلين على اليدين، هذا هو الذي فيه تقديم وتأخير، أما على حديث أبي هريرة -الذي قيل: إن فيه قلب- فإنه لا يتضح فيه المقدم والمؤخر؛ يضع يديه قبل ركبتيه، البعير هيئته أنه يقدم ركبتيه التي في يديه، لكن ما فيه شيء مقدم ومؤخر على هذا المعنى؛ لأنه معناه فيه شيء مقدم وهو تقديم الركبتين التي في اليدين، فصار فيه إشكال من حيث فهم المعنى.
    وهل حديث أبي هريرة فيه قلب أو ليس فيه قلب؟ والذين صححوه قالوا: ليس فيه قلب، وأن هذه الهيئة هي الهيئة الصحيحة، وأن البعير يقدم ركبتيه التي في يديه، والحديث جاء فيه الأمر بتقديم اليدين على الركبتين، فيكون حديث أبي هريرة يقتضي أن المصلي يقدم يديه قبل ركبتيه. والذين تكلموا في حديث أبي هريرة أعلوه من حيث المتن بالاضطراب بالقلب أو احتمال القلب، ومن جهة السند بـعبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ خرج له أصحاب الكتب الستة، وفيه كلام من جهة روايته إذا روى من كتابه، وإذا روى من حفظه أو من كتب غيره، فقالوا: إن فيه تفصيل، ومنهم من ضعفه مطلقاً، ومنهم من وثقه مطلقاً، ومنهم من فصل، والقول بالتفصيل يتوقف على معرفة هل الحديث مما حدث فيه من كتابه، أو أنه من غير كتابه؟ فيكون الأمر محتملاً، وعلى هذا فيكون حديث أبي هريرة من حيث الإسناد فيه احتمال، وحديث وائل بن حجر أيضاً فيه احتمال، فمنهم من قدم حديث شريك، ومنهم من قدم حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحصل الخلاف بين العلماء على هذين القولين، وأكثر أهل العلم على القول الأول.
    وهناك قول ثالث: أنه يقدم اليدين أو يقدم الركبتين؛ إن قدم هذا أو قدم هذا، وممن قال بهذا السندي المعلق صاحب الحاشية، فقال: إن النهي محمول على التنزيه، وأن الفعل الذي هو تقديم الركبتين على اليدين يدل على أن ذلك سائغ، وما جاء من النهي فإنه يكون محمولاً على التنزيه.
    فإذاً: للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: منهم من يقول: تقدم عند النزول الركبتان ثم اليدان كما جاء في حديث وائل بن حجر، ومنهم يقول: تقدم اليدان ثم الركبتان كما جاء في حديث أبي هريرة، ومنهم من يقول: إنه يقدم هذا أو هذا، ويكون ما جاء في تقديم الركبتين على اليدين يدل على الجواز، وما جاء في النهي في أنه لا يبرك كما يبرك البعير يدل على أن النهي للتنزيه.
    وعلى كل فإن الأمر فيه عدم وضوح؛ لأن الأقوال تضاربت في تصحيح هذا، وفي تضعيف هذا، وفي الكلام في هذا، وفي الكلام في هذا، والكلام في حديث أبي وائل هو من جهة رواية شريك، وذاك من جهة رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وما يحتمله المتن من القلب، وأيضاً ما فيه المخالفة من حيث الرجلين واليدين، وأن البعير يقدم يديه قبل رجليه، والمصلي يقدم رجليه قبل يديه وهكذا، فالأمر في ذلك مشكل، ومن اتضح له ثبوت حديث أبي هريرة فعليه أن يعمل به، ومن اتضح له ثبوت حديث وائل بن حجر فعليه أن يعمل به، ومن توقف أو قال: إن النهي مبني على التنزيه فإنه يسوغ هذا، ويسوغ هذا، لكن الذي ينبغي أن يلاحظ أنه عندما ينزل الإنسان في صلاته، إذا قدم ركبتيه فإنه لا يماثل البعير في الهيئة التي هي كونه يصير لركبتيه صوت، بحيث ينزل إليها بقوة مثل ما يفعل البعير، والبعير إذا برك على ركبتيه يخرج له صوت من نزوله؛ لأنه يثني ركبته ثم ينزل عليها ويكون جسمه كله معتمد على الركبتين، ويخرج لها صوت، فتكون هذه الهيئة كون الإنسان ينزل على يديه أو ينزل على ركبتيه، ويكون له صوت، هذه الهيئة لا ينبغي أن تفعل، وإنما ينزل الإنسان شيئاً فشيئاً حتى إذا قرب من الأرض، إما أن يقدم ركبتيه، أو يقدم يديه، ولا يطلع لما يصل إلى الأرض منه صوت كما يحصل بالنسبة للبعير، وأنا في الحقيقة رأيت كلام أهل العلم المصححين والمضعفين والمجيبين عن هذا، والمجيبين عن هذا، وقد أُلف في ذلك بعض الرسائل الخاصة في تقديم اليدين أو تقديم الركبتين، وكلها ترجع إلى قضية عبد العزيز بن محمد الدراوردي وشريك بن عبد الله القاضي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الله بن نافع].
    هو الصائغ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد بن عبد الله بن الحسن].
    هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الملقب النفس الزكية، وقال عنه الحافظ: إنه ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    ومن العلماء من تكلم في محمد بن عبد الله بن الحسن، تكلم في روايته عن أبي الزناد. وتردد في سماعه منه، وقد ذكر هذا عن البخاري رحمة الله عليه، هل سمع منه أو لم يسمع؟
    [عن أبي الزناد].
    هو عبد الله بن ذكوان، كنيته أبو عبد الرحمن، واشتهر بلقب أبي الزناد، وهي لقب على لفظ الكنية، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، وهو ثقة، ثبت، عالم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو مدني مثل أبي الزناد، ومشهور بلقبه، يأتي ذكره باللقب كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم والنسبة أيضاً كثيراً.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    هو عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.
    حديث: (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال من كتابه حدثنا مروان بن محمد حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة: [(إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك كما يبرك البعير)]، وتقدم الكلام عليه في حديث أبي هريرة المتقدم، ومع حديث وائل بن حجر.
    قوله: [أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال من كتابه].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وقوله: [من كتابه]، يعني أنه حدثهم من كتابه، وليس من حفظه.
    [حدثنا مروان بن محمد].
    هو الطاطري الدمشقي، وهو ثقة، روى له الجماعة سوى البخاري.
    و هارون بن محمد شيخ النسائي دمشقي، وهذا أيضاً دمشقي.
    ومروان بن محمد الدمشقي روى له مسلم في الصحيح، ولم يرو له في المقدمة، والرمز بميم قاف هو للمقدمة، يعني: مقدمة الصحيح، ومن المعلوم أنه لا يعني أن الشخص إذا كان مسلم روى له في المقدمة أنه يكون فيه كلام، فقد يكون فيه كلام، وقد يكون من الثقات الأثبات، فإن الحميدي شيخ البخاري الذي روى عنه البخاري في أول صحيحه، فإن مسلماً روى له في المقدمة، ما روى له في الصحيح، فلا يؤثر ذلك، وكما أن بعض الثقات ما روى لهم أصحاب الكتب الستة؛ مثل أبي عبيد القاسم بن سلام، وذلك لا يؤثر فيهم، ومثل إسحاق بن راهويه ما روى له ابن ماجه ، روى له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، ليس معنى ذلك أن ما يراد في المقدمة يكون أنزل، لكن جرى الذين ألفوا في رجال الكتب الستة على أن يميزوا من ذكر في المقدمة، ومن ذكر في الصحيح، بأن يرمزوا لما جاء في الصحيح بميم، وما جاء في المقدمة بميم وقاف.
    [حدثنا عبد العزيز بن محمد].
    هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي تكلم فيه العلماء من حيث توثيقه وتجريحه والتوسط في ذلك، فمن العلماء من جرحه مطلقاً، ومنهم من وثقه مطلقاً، ومنهم فصل بأنه إذا حدث من كتابه فيعتبر، وإذا لم يحدث من كتابه فإنه يتوقف فيه، وهذا الراوي في هذا الإسناد هو الذي تكلم في حديث أبي هريرة من أجله، وكذلك أيضاً تكلم في محمد بن عبد الله بن الحسن البخاري، فالكلام فيه إنما هو من أجل هذا، ومن أجل عبد العزيز بن محمد، ولكن عبد العزيز بن محمد هو الذي في الحقيقة محل الكلام في هذا الحديث، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة.
    يقول عنه ابن حجر: صدوق، وفي تهذيب الكمال يقول المزي : روى له البخاري مقروناً بغيره، أي: أنه ما روى له استقلالاً.
    وكما هو معلوم جرت العادة أن الراوي إذا روي له في الصحيح ولو كان مقروناً، فإنه غالباً لا يذكرون كونه مقروناً، وإنما يكتفون بذكر أنه روى له في الأصول، وإن كان روى له مقروناً، لكن كما هو معلوم الذي فيه كلام إما يتجنب ما تكلم فيه، أو يكون مقروناً بغيره، والعمدة قد يكون على ذلك الغير، لكن في التقريب قال: صدوق، أخرج له الجماعة، صحيح الكتاب إذا حدث من كتابه.
    وعبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاه المدني صدوق، محدث لغيره، فيتقن، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله أنه يخطئ إذا حدث من كتب غيره، لكن إذا حدث من كتبه يعتمد، فالكلام فيه من هذه الناحية.
    [حدثنا محمد بن عبد الله] إلى آخر الإسناد.
    هو: محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية، وأبو الزناد والأعرج، وأبو هريرة تقدم ذكرهم.
    وضع اليدين مع الوجه في السجود


    شرح حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وضع اليدين مع الوجه في السجود.أخبرنا زياد بن أيوب دلويه حدثنا ابن علية حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رفعه، قال: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما)].
    هنا أورد النسائي: وضع اليدين مع الوجه في السجود، ويريد من هذه الترجمة: أن السجود يكون على الوجه وعلى اليدين، وأنه عند السجود تقدم اليدان.
    قوله: [فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه].
    يعني بذلك: أن السجود لا يكون على الوجه فقط، وأن تعفير الوجه بالتراب هو السجود، بل أيضاً اليدان كذلك، فلا يرفع يديه، وإنما عليه أن يبسطهما ويضعهما على الأرض، والسجود يكون على سبعة أعضاء؛ وهي: الوجه، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فليست مهمة الساجد عندما يسجد أن يسجد بوجهه فقط، بل يسجد بيديه مع وجهه.
    والذين قالوا في حديث وائل بن حجر -كما ذكرت سابقاً-: إن الأسافل أولاً، ثم تنتهي بالأعالي، وعند الرفع يرتفع الأعالي وينتهى بالأسافل، فعلى هذا تقدم الركبتان، ثم اليدان، ثم الوجه، وعلى الرفع، يرفع الوجه ثم اليدان، ثم الركبتان، فإذا وضع وجهه فليضع يديه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ...)
    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].
    هو زياد بن أيوب دلويه، هذا لقب لقب به، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج له مسلم، ولا ابن ماجه ، وكان أحمد يلقبه شعبة الصغير؛ لحفظه؛ لأن شعبة معروف بالحفظ.
    [حدثنا ابن علية].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    هو ابن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهم الذين جمعهم السيوطي بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    الأسئلة

    فضل الصلاة في روضة النبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: هل ورد في فضل الصلاة في الروضة شيء من الأحاديث؟الجواب: ورد في فضل الروضة في هذا المسجد المبارك ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، فهذا يدل على فضلها، وعلى تميزها على غيرها، لكن هذا التميز لا يكون في الفرائض؛ لأنها تكون في الصفوف الأول التي أمامها، وكذلك في الصفوف التي في ميامن الصفوف بحذائها، فإن ذلك أفضل منها، وأما بالنسبة للنوافل، فإن لها ميزة وفضل؛ لهذا الحديث: (ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة).
    وقت صلاة الضحى
    السؤال: ما هو وقت صلاة الضحى؟ الجواب: صلاة الضحى من انتهاء وقت الكراهة -الذي هو ارتفاع الشمس قيد رمح- إلى الزوال، هذا كله وقت لصلاة الضحى.
    من سبق السندي بالقول بالتخيير في تقديم اليدين على الركبتين أو العكس عند الهوي للسجود السؤال: هل سبق السندي أحد من السلف في قوله: إن المصلي مخير في تقديم اليدين على الركبتين أو العكس؟ الجواب: أي نعم. السندي قال: بأن النهي محمول على كراهة التنزيه، وأن حديث وائل بن حجر بتقديم الركبتين يدل على الجواز، والمسألة فيها خلاف، ما أتذكر الذي قال، لكنه قبل السندي أظن أن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر الأقوال الثلاثة، ومعلوم أن السندي من القرن الثاني عشر، والخلاف قديم.
    درجة الأحاديث والآثار الواردة في مقدمة صحيح مسلم
    السؤال: ما هي درجة الأحاديث والآثار التي ذكرها مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه؟ وهل هي بمنزلة ما أخرجه في صحيحه؟الجواب: لا، ليس كل ما في المقدمة هو مثل ما في الصحيح، المقدمة فيها آثار عن العلماء في التصحيح والتضعيف، والتجريح والكلام في الرجال وما إلى ذلك؛ لأن المشهور عن العلماء أنهم يقولون: إن أول من ألف في نصائح الحديث هو ابن خلاد الرامهرمزي صاحب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الذي توفي سنة ثلاثمائة وستين من الهجرة، ومن العلماء من يقول: إنه مسبوق على الكتابة في المصطلح، وممن سبقه إلى ذلك مسلم في المقدمة، وكذلك الترمذي في آخر السنن، وجماعة من العلماء كتبوا، لكن كونه على سبيل الاستقلال، وتأليف كتاب مستقل خاص بالمصطلح، المشهور أنه ابن خلاد، لكن التأليف ضمناً ليس استقلالاً، سبق إليه ابن خلاد، وهي مشتملة على كلام كثير في علم المصطلح، وفي التجريح والتضعيف، وفي بعض الكلام في بعض المسائل في المصطلح؛ مثل الإرسال والمرسل والاحتجاج في المرسل وما إلى ذلك، وليست هي أحاديث، لكن فيها أحاديث صحيحة، لكن لا أدري هل كل الأحاديث التي فيها كذلك أو لا؟ لا أقول: أن كل ما يكون فيها صحيحة، لا أدري.
    حكم من نسي البسملة عند الذبح
    السؤال: كنت مع أحد الإخوة في البرية، وصاد لنا صيداً، ولكنه لم يذكر التسمية عند الذبح، هل تسقط التسمية سهواً؟ الجواب: نعم، إذا سها عن الإتيان بالتسمية فإن الذبيحة تحل ولا تحرم.
    حكم لعب الورق
    السؤال: ما هو حكم لعب الورق الذي يسمى بالباصرة؟الجواب : لعب الورق هو من اللهو، ومن شغل الوقت في غير طائل، واشتغالاً عما لا ينفع، ومن المعلوم أن الإنسان عليه أن يشغل وقته فيما يعود عليه بالخير، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، فهل هذا الذي يشتغل في الورق، هو مغبون في وقته أو أنه رابح في وقته؟ أبداً ليس برابح، هو مغبون بلا شك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #207
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (204)


    - (باب على كم السجود) إلى (باب السجود على الركبتين)
    أوضحت الشريعة أن السجود لا بد أن يكون على سبعة أعضاء وهي: الوجه مع الأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان، وأن هذا القدر هو الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في سجوده، كما نهي عن كف الثوب والشعر في الصلاة.
    على كم يسجد

    شرح حديث: (أمر النبي أن يسجد على سبعة أعضاء...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب على كم السجود.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعره ولا ثيابه)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب على كم السجود، يعني: على كم عضو من الأعضاء، هذا هو المقصود بهذه الترجمة، يعني: بيان الأعضاء التي يكون عليها السجود، عندما يسجد المصلي، والمراد من ذلك: أنه يسجد على سبعة أعضاء، هي الوجه، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين.
    والمقصود من الترجمة: بيان أعضاء السجود كم عددها، والجواب: أنها سبعة كما جاء في الأحاديث التي أوردها المصنف.
    وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: [(أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)].
    قوله: [(ولا يكف شعره ولا ثيابه)]. يعني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد على سبعة أعضاء، وإذا جاء: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الآمر له هو الله عز وجل، إذا قيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر بكذا، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرنا بكذا، أو أمرت بكذا، فإن المراد بذلك أن الآمر له هو الله عز وجل، وأما الصحابي إذا قال: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، فالذي أمر ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، مبلغ عن الله، كما قال عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) [النجم:3-4]، فالسنة هي وحي أوحاه الله عز وجل على رسوله، ولكن ذلك الوحي يختلف عن الوحي المقروء الذي هو القرآن المتعبد بتلاوته، والذي يقرأ به في الصلاة، فالكل من الله عز وجل، إلا أن الوحي وحيان: وحي متلو متعبد بتلاوته وقراءته في الصلاة، ومتعبد بالعمل به، ووحي متعبد بالعمل به، والقيام بما جاء فيه، وما اشتمل عليه من الأمر والنهي، وفي امتثال الأوامر، وفي اجتناب النواهي، وتصدق الأخبار، وتكون عبادة الله عز وجل طبقاً لما في القرآن، وما في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [(أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)]، ولا يكف شعره ولا ثيابه، يعني: أنه لا يكف شعر رأسه، بأن يرفعه، وإنما يتركه ويرسله حتى يحصل نصيبه من السجود؛ لأن الشعر إذا بقي غير مدفوع إلى الآخر، فإنه يسجد منه ما كان في المقدمة، ويكون له نصيب من السجود، بخلاف ما إذا كان مدفوعاً، وقد أخر عن وضعه الطبيعي، فإنه لا يحصل له ذلك السجود.
    وأما كف الثياب، فالمقصود منها: أنه لا يرفع ثيابه عندما يريد أن يسجد، يعني لا يرفع ثوبه في الصلاة، وإنما يتركها كما هي، وينزل ويصلي على ثيابه دون أن يرفعها، فتكون ركبتاه إما على الأرض، أو رفعها حتى لو لم تصل إلى حد الركبة، وإنما يترك ثيابه كما هي، فلا يرفعها في صلاته ويكفها، وإنما يتركها.
    ومن المعلوم أنه قد قيل: أن من حكمة ذلك: أنه قد يكون المقصود بكفها ألا تباشر الأرض فيحصل لها توسخ، إذا كانت الأرض فيها شيء مما قد يؤثر في الثياب، فجاء الأمر بإبقائها وعدم كفها، فالشعر لا يكف، وإنما يترك كما هو، والثياب أيضاً لا تكف، لا يرفعها الإنسان في صلاته، وعند سجوده أو ركوعه، وإنما يتركها كما هي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمر النبي أن يسجد على سبعة أعضاء...)
    قوله: [قتيبة]. وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد].
    وهو ابن زيد، فإنه قد سبق أنه إذا جاء مهملاً غير منسوب حماد، فإنه يحمل على أنه ابن زيد وليس ابن سلمة؛ لأن حماد بن زيد هو الذي روى عنه قتيبة، ولم يرو قتيبة عن حماد بن سلمة كما جاء ذلك في تهذيب الكمال للمزي، فإنه ما ذكر من شيوخ قتيبة: حماد بن سلمة، وإنما ذكر حماد بن زيد فقط، فالمراد به حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو].
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    وهو طاوس بن كيسان اليماني، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تفسير ذلك


    شرح حديث: (إذا سجد العبد سجد منه سبعة آراب ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفسير ذلك.أخبرنا قتيبة حدثنا بكر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سجد العبد سجد منه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه)].
    أورد النسائي تفسير ذلك، أي: الأعضاء؛ لأن الباب الذي مضى باب على كم السجود، يعني: على كم عضو. وذكر أنه على سبعة أعضاء، قوله: [(أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء)]، لكن ما ذكر هذه السبعة الأعضاء في ذلك الحديث، فأورد بعدها هذا الباب تفسير ذلك، أي: تفسير الأعضاء السبعة، ما هي الأعضاء السبعة التي يكون عليها السجود. تفسير ذلك، يعني: توضيح هذه الأعضاء التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد عليها، فأتى بحديث العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد العبد سجد منه سبعة آراب).
    قوله: [(وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه)].
    هذا بيان للسبعة الآراب التي هي الأعضاء: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه، أي: الأعضاء السبعة المجملة في الحديث المتقدم، والمفسرة في هذا الحديث، والمراد بالوجه الجبهة والأنف، ليس الأنف فقط، ولا الجبهة فقط، وإنما مجموع الاثنين الذي هو الجبهة والأنف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سجد العبد سجد منه سبعة آراب ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. وقد مر ذكره.
    [حدثنا بكر].
    وهو ابن مضر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
    [عن ابن الهاد].
    وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وهو ثقة، مكثر من رواية الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن سعد].
    هو عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن العباس بن عبد المطلب].
    عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد أعمامه الأربعة الذين أدركوا الإسلام، واثنان منهم وفقا للدخول في الإسلام، واثنان خذلا فلم يدخلا في الإسلام، والموفقان هما العباس، وحمزة، والمخذولان هما أبو لهب، وأبو طالب، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح، قال: ومن عجيب الاتفاق أن أسماء، الذين وفقوا للإسلام تناسب أسماء المسلمين، والذين خذلوا أسماؤهم ليست من أسماء المسلمين؛ لأن فيهم واحد اسمه عبد العزى، والثاني أظنه عبد مناف، كل منهما عبد لغير الله، وهما مشهوران بكنيتيهما.
    فـحمزة استشهد يوم أحد، وأما العباس فقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أظهر فضله ومنزلته الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه لما حصل في الناس جدب، وكان الناس من عادتهم إذا حصل جدب جاءوا للرسول صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه أن يدعو لهم بأن ينزل الله عليهم الغيث، فيتوسلون بدعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما حصل في زمن عمر الجدب، جمعهم وأمر بهم للاستسقاء، وطلب من العباس أن يدعو، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله، اختار عمر رضي الله عنه العباس؛ لإظهار فضله لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: نتوسل إليك بعم نبينا، يعني: بدعائه، ما قال: نتوسل إليك بـالعباس، وإنما قال: قم يا عباس فادع الله، وليس ذلك لأنه أفضل من غيره، بل إن من أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم، من هو أفضل منه، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أفضل من العباس؛ لأن الخلفاء الراشدين أفضل من سائر الصحابة ومنهم العباس، وإنما قدمه وطلب منه أن يقوم ويدعو، ولكنه توسل بدعائه، لكبر سنه، لكونه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس حديثه عند أصحاب الكتب الستة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    السجود على الجبين

    شرح حديث أبي سعيد الخدري: (بصرت عيناي رسول الله على جبينه وأنفه أثر الماء والطين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السجود على الجبين.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على جبينه وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين. ) مختصر].
    أورد النسائي السجود على الجبين، والمراد به الجبهة، يعني: ما قرب من العينين، يقال له: الجبين، وأورد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومن المعلوم أن سجود الوجه يكون على شيئين: على الجبهة، وعلى الأنف معاً، لا يقتصر على واحد منهما، بل يجمع بينهما الإنسان في سجوده، جبهته وأنفه.
    قوله[(من صبيحة ليلة إحدى وعشرين ) مختصر].
    يعني: من رمضان، ثم قال: مختصر، يعني: الحديث مختصر، الحديث هو طويل، وهو من أحاديث ليلة القدر، والرسول صلى الله عليه وسلم، أري ليلة القدر، وأنه يسجد في صبيحتها بماء وطين، فلما أصبحوا ليلة إحدى وعشرين، وهي أول ليلة من العشر، نزل المطر من السماء، وخر السقف حتى صار الماء في مصلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما صلى وإذا أصحابه يرون على وجهه، وعلى جبينه وأنفه أثر الماء والطين، فعلموا أنها ليلة القدر، يعني: ليلة إحدى وعشرين، وقد جاء أحاديث ليلة القدر وأنها أخفيت، فلم يعلم تعيينها، وهي في داخل العشر لا تخرج عنها، وإنما أخفيت ليجتهد الناس في العبادة في هذه الأيام كلها؛ ليحصلوا وليوافوا ليلة القدر، وقد جاءت أحاديث: (التمسوا ليلة القدر لسابعة تبقى أو خامسة تبقى)، ومن المعلوم أن ليلة واحد وعشرين ليست من السبع الباقيات، ولا من الخمس الباقيات، وقد جاء في هذا الحديث أنها وقعت في تلك السنة في ليلة إحدى وعشرين، وهذا يفهم منه أنها متنقلة، وأنها لا تكون مستقرة في ليلة واحدة دائماً من العشر، بل تتنقل؛ لأن الأحاديث جاءت في التماسها في السبع الأواخر، في الخمس الأواخر، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، وإن كان لا يقطع بها في ليلة معينة.
    والمقصود من الحديث: كونه رؤي على جبينه وأنفه أثر الماء والطين، معناه أنه سجد على ذلك، فعلق الماء والطين في وجهه، أو في جبينه وأنفه؛ لأن ذلك حصل في حال سجوده.
    إذاً: السجود يكون على الجبين والأنف جميعاً، وليس على واحد منهما دون الآخر، والحديث مختصر، وقد أشار إليه في الآخر أنه قال: مختصر؛ لأن المقصود منه ذكر كون على جبينه وأنفه أثر الماء والطين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري: (بصرت عيناي رسول الله على جبينه وأنفه أثر الماء والطين ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
    [والحارث بن مسكين].
    المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، وهذه طريقة النسائي أنه إذا كان في شيوخه الحارث بن مسكين، يذكره في الآخر ويقول: قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، يعني: أن اللفظ لفظ شيخه الثاني الذي هو الحارث بن مسكين الذي يجعله في الآخر، ثم يرجع الضمير إليه فيقول: واللفظ له، يعني: اللفظ ليس لـمحمد بن سلمة المرادي، وإنما هو للحارث بن مسكين، وقد ذكرت أن من رجال النسائي محمد بن سلمة اثنان: واحد في طبقة شيوخ النسائي، وواحد في طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء النسائي يروي عنه بواسطة، فالمراد به محمد بن سلمة الباهلي البصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به المرادي المصري، وهو شيخه الأول هنا، والشيخ الثاني الحارث بن مسكين.
    [عن ابن القاسم].
    وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن عبد الله].
    وهو ابن الهاد، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو محمد بن إبراهيم بن الحارث، أيضاً وقد مر ذكره.
    [عن أبي سلمة].
    وهو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن السابع من الفقهاء السبعة اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري، مشهور بنسبته وكنيته، كنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري، وهو أنصاري من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    السجود


    شرح حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة ...) وذكر الأنف منها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السجود على الأنف.أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة، لا أكف الشعر ولا الثياب: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين)].
    أورد النسائي السجود على الأنف، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المتقدم من طريق أخرى، عن طاوس، عن ابن عباس، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، ولا أكف شعراً ولا ثوباً)].
    الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين، والمقصود بالجبهة والأنف، إنهما شيء واحد؛ لأنه يراد بهما الوجه، لكن هنا المقصود من الحديث: ذكر الأنف، وأن الأنف يسجد عليه، لكن ليس هو عضواً مستقلاً؛ لأنه لو كان مستقلاً، كانت ثمانية وهي سبعة، إذاً: المعتبر في ذلك أن الذي يسجد عليه من الوجه شيئان، وهما: الجبهة والأنف، وهما شيء واحد، إلا أن السجود يكون عليهما جميعاً، لا يكون على واحد منهما.
    أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، ثم جاء بين المجمل والتفسير بهذه الجملة الاعتراضية التي هي: لا أكف شعراً ولا ثوباً، ثم قال: الجبهة والأنف، يعني: ترجع إلى سبعة، لكن توسط بين التفسير والمفسر هذه الجملة التي هي: لا يكف شعراً ولا ثوباً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة ...) وذكر الأنف منها
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].هو أحمد بن عمرو بن السرح أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    والشيخ الثاني [يونس بن عبد الأعلى].
    المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه .
    و[الحارث بن مسكين].
    وقد مر ذكره، قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، يعني ذكر ثلاثة من شيوخه، وأخر الحارث بن مسكين وقال: قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له.
    [عن ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.
    السجود على اليدين

    شرح حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ...) وذكر اليدين منها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السجود على اليدين.
    أخبرنا عمرو بن منصور النسائي حدثنا المعلى بن أسد حدثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على الأنف، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي السجود على اليدين، وهما من أعضاء السجود السبعة، وأورد فيه حديث ابن عباس من طريق أخرى، من طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)].
    قوله: [(على الجبهة وأشار بيده على الأنف)]. أي: أن الجبهة والأنف شيء واحد؛ لأنه سجود على الوجه.
    قوله: [(واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)]. والمقصود منه ذكر اليدين؛ لأن الترجمة لليدين. وأطراف القدمين تكون أصابعها متوجهة إلى القبلة كما جاء في حديث أبي حميد الساعدي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ...) وذكر اليدين منها قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور النسائي].ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا المعلى بن أسد].
    المعلى بن أسد العمي، وهو أخو بهز بن أسد، وهو ثقة، أخرج حديثه الجماعة إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر.
    [حدثنا وهيب].
    هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    السجود على الركبتين

    شرح حديث: (أمر النبي أن يسجد على سبع ...) وذكر الركبتين منها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود على الركبتين. أخبرنا محمد بن منصور المكي وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري قالا: حدثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسجد على سبع، ونهي أن يكفت الشعر والثياب، على يديه وركبتيه وأطراف أصابعه، قال سفيان: قال لنا ابن طاوس: ووضع يديه على جبهته وأمرها على أنفه)، قال: هذا واحد واللفظ لـمحمد].
    ترجم النسائي السجود على الركبتين، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر أن يسجد على سبع، ونهي أن يكفت شعراً وثوباً، والمراد به الكف، يعني: كونه يكفه، ثم قال: على الجبهة، أي: فسر السبعة، فقال فيها: أمر أن يسجد على سبع على كذا وكذا، يعني: تفسير قوله: [(على يديه، وركبتيه، وأطراف أصابعه)].
    قوله: [(قال سفيان: قال لنا ابن طاوس: ووضع يديه على جبهته وأمرها على أنفه وقال: هذه واحد)]، يعني: أنها عضو واحد الجبهة والأنف، ليس اثنين؛ لأن الحديث سبعة، وذكر الجبهة والأنف، لكنه أشار إلى أنها شيء واحد؛ لأنها كلها تتعلق بالوجه؛ ولهذا وضع يده على جبهته وأمرها على أنفه، وقال: هذه واحد، إذاً: العدد سبعة، وليس ثمانية، فلا ينافي المعدود العدد؛ لأن الجبهة والأنف هما شيء واحد وليس شيئين؛ ولهذا قال: هما واحد، ثم قال: وهذا لفظ محمد، يعني: شيخه الأول؛ لأنه ذكر الحديث عن شيخيه وهما:
    محمد بن منصور المكي، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري، قال: واللفظ لـمحمد، يعني: لشيخه الأول منهما.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمر النبي أن يسجد على سبع ...) وذكر الركبتين منها
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي]. هو الجواز الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. وهو يروي عن سفيان، وهو ابن عيينة،
    [وعبد الله بن محمد].
    هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم في الأسانيد الماضية.
    الأسئلة

    أرجى الليالي في حصول ليلة القدر
    السؤال: ذكرتم أنه وردت أحاديث كثيرة في ليلة القدر، وذكرتم أن أرجحها ليلة سبع وعشرين، فما وجه هذا الترجيح؟الشيخ: أنا ما قلت: أرجحها، أقول: أرجاها قالوا: أرجاها، يعني: أرجى ما تطلب في تلك الليلة، لكن ما يجزم بأنها في تلك الليلة؛ لأن الليالي عشر كلها يبحث عن ليلة القدر فيها، لكن ليلة سبع وعشرين هي الأرجى، وليس الأرجح.
    حكم كم الثوب وتشميره في الصلاة
    السؤال: هل كم الثوب أو تشميره، وكذلك السروال يعتبر من كف الثوب؟الجواب: هو الذي يبدو؛ لأنه كون الإنسان يرفعه عن أن يمس الأرض، سواءً كان سراويل أو غيره، المهم أن الإنسان لا يشتغل برفع شيء عندما يريد أن يركع أو يسجد، وإنما يترك ثيابه كما هي.
    هل الغترة في السدل مثل الشعر؟
    السؤال: هل تقاس الغترة على الشعر في عدم جعلها على الرأس أو الظهر حتى تسجد مع المصلين؟ الجواب: أما مسألة الغترة فليست مثل الشعر، لأن الشعر من أجزاء الإنسان، وأما الغترة والعمامة وكونها تصير مثلاً مطوية على الرأس، أو متروكة على وضعها، الأمر فيها واسع.
    الفرق بين ما رواه مسلم في صحيحه وبين ما رواه في مقدمة الصحيح
    السؤال: ما هي الثمرة العلمية المقتطفة من خلال تفريق أئمة الجرح والتعديل لما رواه مسلم في صحيحه، ولما رواه في مقدمة الصحيح؟ الجواب: ما أعرف شيئاً في هذا، إلا أن مقدمة الصحيح لم يعتبرها العلماء مثل الصحيح، ولهذا رمزوا لرجالها برموز تخصهم، وهي أيضاً تتعلق بعلم مصطلح الحديث، ويتعلق بالرجال ومناقشة ما يتعلق بشرط اللقاء وعدم اللقاء، فلا يقال: إنها كلها مثل الصحيح، وأما الصحيح فهو أحاديث متصلة، يعني: على شرطه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #208
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (205)

    - (باب السجود على القدمين) إلى (باب النهي عن بسط الذراعين في السجود)
    جاء الشرع الحكيم ببيان صفة السجود في الصلاة، وأنه يكون على سبعة أعضاء، وتكون اليدان في وضعهما على سمت الأذنين عند الوجه، كما أن الرجلين تكونان متجهتين للقبلة مفتوحة الأصابع، وأن السنة في السجود المجافاة بين الذراعين حتى لا يتشبه المصلي بالكلب في بسط ذراعيه.
    السجود على القدمين

    حديث: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود على القدمين. أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث أخبرنا ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب السجود على القدمين، وقد مر في الأحاديث الماضية الأبواب المتعددة المتعلقة بالسجود على الأنف، والجبهة، وعلى الركبتين، وعلى اليدين، وهذه الترجمة تتعلق بالسجود على القدمين، فقد أورد فيه حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد، سجد منه وجهه ويداه وركبتاه وقدماه)، ومحل الشاهد من ذلك الكلمة الأخيرة وهي قوله: (وقدماه)؛ لأنها هي الدالة على ما ترجم له المصنف من السجود على القدمين.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].
    ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [عن شعيب].
    وهو ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن الهاد].
    وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وهو ثقة، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم بن الحارث].
    هو محمد بن إبراهيم بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن سعد بن أبي وقاص].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن العباس بن عبد المطلب].
    عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نصب القدمين في السجود

    شرح حديث عائشة: (فانتهيت إليه وهو ساجد وقدماه منصوبتان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نصب القدمين في السجود.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبيدة حدثنا عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فانتهيت إليه وهو ساجد، وقدماه منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: نصب القدمين في السجود، يعني عندما يسجد الإنسان ينصب قدميه، وطريقة ذلك أنه يجعل أصابعها متجهة إلى القبلة، ويسجد عليها، فهو ينصبها، لا يضعها وضعاً، ولا يجعلها على ظهورها، وإنما يجعلها منتصبة قائمة، ويجعل بطون أصابعها متجهة إلى القبلة كما جاء في حديث أبي حميد الساعدي، لكن هذه الترجمة معقودة لنصب القدمين في السجود، وأنه ينصبهما بحيث تكونان قائمتين، ولا يضعهما معترضتين، ولا على ظهورهما، وإنما ينصبهما نصباً.
    وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [(فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهيت إليه، وإذا هو ساجد، وقدماه منصوبتان -وهذا هو محل الشاهد هو قولها قدماه منصوبتان، وهو يقول في سجوده: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)]، وهذا حديث عظيم، دعاء من جوامع الأدعية، وقد مر الحديث فيما مضى، ومن أحسن من شرح هذا الحديث ابن القيم في كتابه شفاء العليل، فإنه عقد فيه ثلاثين باباً تتعلق بالقضاء والقدر، وهو الباب السادس والعشرون ، وهذا الحديث من أدلة القضاء والقدر؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره، الذي يطلبه وهو المعافاة، والذي يخشاه وهو العقوبة، فكل شيء مقدر، كل شيء بقضاء الله وقدره. شرحه وبين ما اشتمل عليه من إثبات القدر، والحكم والأسرار التي اشتمل عليها هذا الحديث، وأنه يستعاذ بصفات الله من صفات الله، وبأفعاله من أفعاله، وقد مر ذكر الحديث فيما مضى في أبواب سابقة من هذا الكتاب.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... فانتهيت إليه وهو ساجد وقدماه منصوبتان ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو ابن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    قوله: [أخبرنا عبيدة].
    في بعض النسخ عندنا عبيدة بدل عبدة، وهو خطأ ، والصواب هو: عبدة بن سليمان الكوفي، وهذا هو الموجود في تحفة الأشراف وهو عبدة بن سليمان الكوفي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله بن عمر].
    وهو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المصغر، أي: الذي يقال له: عبيد الله، ويقال: المصغر تمييزاً له عن أخيه المكبر الذي هو عبد الله؛ لأن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المصغر ثقة ثبت، والمكبر ضعيف، وعبيد الله بن عمر هو أخو هذا الذي يقال له: المكبر، وأما المصغر الذي معنا وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب، فهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن يحيى بن حبان].
    هو المدني، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز، والأعرج لقبه، وهو مشهور بلقبه، ومشهور باسمه، يأتي ذكره كثيراً باللقب، ويأتي ذكره كثيراً بالاسم والنسب، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عنه عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهي التي حفظت الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية العلم وأوعية السنة، ولا سيما الأحاديث التي تتعلق بأعمال الرجل مع أهل بيته، فإنها حفظت السنن الكثيرة في ذلك وفي غيره، وهي الصحابية الوحيدة التي كثر حديثها كثرة لا يدانيها امرأة من النساء الصحابيات، ولا يقاربها، بل هي مكثرة جداً، وهي واحدة من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المعروفين بالكثرة في الحديث سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، والمرأة الواحدة هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.
    فتح أصابع الرجلين في السجود

    شرح حديث: (كان النبي إذا هوى إلى الأرض ساجداً ... وفتح أصابع رجليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فتح أصابع الرجلين في السجود.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا
    يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عطاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهوى إلى الأرض ساجداً جافى عضديه عن إبطيه، وفتح أصابع رجليه) مختصر].
    أورد النسائي فتح أصابع القدمين في السجود، يعني: تليينها لتنتمي وتتجه أطراف أصابعها إلى القبلة، وقد جاء مبيناً ذلك في حديث أبي حميد عند البخاري: (أنه إذا سجد استقبل بأصابع رجليه القبلة)، فالترجمة معقودة لبيان الهيئة التي تكون عليها الأصابع، وهي أنها تلين وتثنى حتى تتجه أطراف الأصابع إلى القبلة في السجود، وإذاً فالسنة هي هذه الهيئة، ليست الهيئة أن توضع الأصابع على الأرض، ووجوهها متجهة إلى الخلف، ولا أن توضع ظهور القدمين على الأرض، ولا أن توضع القدمان معترضتين، سواء كان يميناً أو شمالاً، وإنما تكون منصوبتين كما جاء في الحديث المتقدم، وأصابعها على هذه الهيئة، التي هي كون الأصابع مستقبلاً بها القبلة، وهذا الحديث حديث أبي حميد مختصر، يعني: جاء به مختصراً، وإلا فإنه مطول عند البخاري وعند غيره في مواضع، يعني أنه مطول يشتمل على عدة أعمال من أعمال الصلاة، فيما يتعلق بالركوع، وبالسجود، وبأعمال أخرى في الصلاة، لكنه أتى ببعضه، أو بطرف منه في هذا الموضع؛ للاستدلال به على ما ترجم له.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي إذا هوى إلى الأرض ساجداً... وفتح أصابع رجليه)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وقد شاركه في الوفاة بهذه السنة، وكونهم من صغار شيوخ البخاري : محمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، المحدث، الناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    صدوق، ربما وهم، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن عطاء].
    وهو محمد بن عمرو بن عطاء، منسوب إلى جده، واسم أبيه عمرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حميد الساعدي].
    هو أبو حميد الساعدي، وهو صحابي مشهور، اسمه المنذر بن سعد بن المنذر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    مكان اليدين من السجود
    شرح حديث: (... فكانت يداه من أذنيه على الموضع الذي استقبل بهما الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مكان اليدين من السجود.أخبرنا أحمد بن ناصح حدثنا ابن إدريس سمعت عاصم بن كليب يذكر عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (قدمت المدينة فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر ورفع يديه حتى رأيت إبهاميه قريباً من أذنيه، فلما أراد أن يركع كبر ورفع يديه، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم كبر وسجد، فكانت يداه من أذنيه على الموضع الذي استقبل بهما الصلاة)].
    أورد النسائي رحمه الله: موضع اليدين في السجود، يعني موضع وضع اليدين في الأرض في حال السجود، أين توضع، يعني على الهيئة التي تكون فيها عند التكبير، أنها عند المناكب والأذنين، فتكون مماثلة للهيئة التي تكون عند رفع اليدين عند التكبير.
    وقد أورد النسائي في هذا حديث وائل بن حجر الحضرمي رضي الله تعالى عنه: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه رفع يديه حين دخل في الصلاة حتى قربت إبهاماه من أذنيه، ثم إنه كبر وركع، ورفع وقال: سمع الله لمن حمده، ولما سجد وضع يديه مثل هيئتهما عند الرفع في الصلاة، يعني: عندما يدخل في الصلاة ويقول: الله أكبر، موضعهما من الأرض في السجود، مثل هذه الهيئة التي تكون عند رفع اليدين في التكبير، فهذا هو موضعها، عند منكبيه قريبة من أذنيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فكانت يداه من أذنيه على الموضع الذي استقبل بهما الصلاة)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن ناصح ]. صدوق، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا ابن إدريس].
    وهو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عاصم بن كليب].
    هو عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    وهو كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وائل بن حجر].
    وهو وائل بن حجر الحضرمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    على كل فقضية الرفع لأنه ليس بلازم أنه يذكر في الكتب الأخرى غير الكتب الستة التي هي الصحيحين والسنن الأربعة، وإنما إذا كان له غيرها يمكن أن يكتفى بواحد، يمكن أن يكتفى هنا مرموزاً بالقراءة.
    فالمهم أنه ما خرج له في الصحيح، وإنما خرج له في غيره، فلا يذكر غالباً الكتب الأخرى، وإنما غالباً الرموز تأتي لواحد من الكتب، لا تستوعب الكتب الأخرى، ولكن المهم أن يعرف أنه ما خرج له في الصحيح، ولكن خرج له في غيره.
    النهي عن بسط الذراعين في السجود
    شرح حديث: (لا يفترش أحدكم ذراعيه في السجود افتراش الكلاب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن بسط الذراعين في السجودأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يزيد وهو ابن هارون، حدثنا أبو العلاء واسمه أيوب بن أبي مسكين، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يفترش أحدكم ذراعيه في السجود افتراش الكلب)].
    أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة وهي: باب النهي عن بسط الذراعين في السجود، والمقصود من هذه الترجمة أن الإنسان عندما يسجد يضع يديه على الأرض، ويعتمد عليهما، ويجافي عضديه عن جنبيه، ولا يفرشهما في الأرض، أي: الذراعين، فإن هذه الهيئة تشبه هيئة الكلب، عندما يفرش ذراعيه على الأرض، فكون الإنسان يضع ذراعيه على الأرض ويفرشهما، هذا جاء النهي عنه؛ لأن هذه تدل على الكسل، وعلى الخمول، وعلى كون الإنسان لا يمكن أعضاءه من السجود، والأعضاء هي سبعة، كل منهما يمكن من السجود، فإذا كان بسطهما يكون بذلك اعتمد على ساعديه، ولم يعتمد على يديه اللتين هما عضوان من أعضاء السجود، فيكن الاعتماد عليهما وليس على الذراعين عندما يحصل الافتراش، ذلك الافتراش الذي يشبه افتراش الكلب، فقد نهى عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي أرشد إليه وفعله أنه يضع يديه على الأرض، ويجافي بين عضديه عن جنبيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يفترش أحدكم ذراعيه في السجود افتراش الكلاب)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا يزيد وهو ابن هارون].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة [هو ابن هارون]، هذه ليست من إسحاق بن راهويه، وإنما هي من النسائي أو من دون النسائي.
    [حدثنا أبو العلاء واسمه أيوب بن أبي مسكين].
    صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس رضي الله عنه].
    وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    عندما كنا في حديث وائل بن حجر، وحديث أبي هريرة في قضية تقديم اليدين على الركبتين، أو الركبتين على اليدين عند السجود، وذكر السندي أن كلاً منهما جائز، وأن النهي يكون محمولاً على التنزيه، والفعل يدل على الجواز، وسأل أحد الطلبة: هل قبل السندي أحد قال بهذا القول؟ وقلت: أنه ذكره بعض العلماء وأظن أن شيخ الإسلام ابن تيمية قاله، وقد اتضح بأن شيخ الإسلام ابن تيمية قال ذلك في مجموع الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين صفحة أربعمائة وتسع وأربعين قال: لا خلاف بين العلماء في جواز الفعلين، وإنما الخلاف بينهما في أيهما أفضل، فمن العلماء من قال: بتقديم اليدين، ومنهم من قال: بتقديم الركبتين؛ لأنه قال: إنه باتفاق العلماء أن ذلك جائز.
    الأسئلة

    الفرق بين الحديث المستفيض والمشهور
    السؤال: ما هي صيغة الحديث المستفيض؟ وما الفرق بينه وبين المشهور؟الجواب: المستفيض قيل: إنه مرادف للمشهور، وقيل: بينهما فرق، لكن لا أذكر ذلك الفرق، لكن الأحاديث هي أربعة: غريب، وعزيز، ومشهور، ومتواتر، فما لم يتواتر وزاد عن الاثنين يقال له: مشهور.
    الفرق بين قول: (أخرج له البخاري ومسلم والأربعة)، وقول: (أخرج له الستة)
    السؤال: ما الفرق بين قولك: أخرج له البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وبين قولك: أخرج له أصحاب الكتب الستة؟الجواب: لا فرق، فقول: أخرج له البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة، سواء. لا فرق بين الكلامين، مؤداهما واحد.
    توضيح معنى قول: (أخرج له البخاري تعليقاً)
    السؤال: ما معنى قولك: أخرج له البخاري تعليقاً؟الجواب: يعني أخرج له تعليقاً، يعني في الصحيح؛ لأن البخاري في صحيحه يذكر فيه أحاديث مسندة، وأحاديث يذكرها معلقة، والمعلق: هو الذي ما كان الحذف فيه من أوله ولو إلى آخر الإسناد، وقد يكون المحذوف شيخه، وقد يكون المحذوف شيخه وشيخ شيخه، وقد يكون المحذوف ثلاثة، وقد يكون الإسناد كله محذوف، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المعلق، وقيل له: معلق؛ لأنه نازل من فوق وأسفله قد فقد أو نزع، فصار كالمعلق لم يصل إلى الأرض، يعني متدلياً، ولهذا ألف الحافظ ابن حجر كتاباً سماه (تغليق التعليق)، يعني هذا الفضاء الذي هو موجود من تحت، أغلقه بذكر الأسانيد التي تصل إلى هذا التعليق، أو التي تتصل بالإسناد الموجود الذي ذكره البخاري معلقاً، أتى بالأسانيد التي يكون بها موصولاً، ويغلق بها ذلك الفراغ الذي كان موجوداً من الأسفل في الإسناد، وذلك بالأسانيد التي يريدها.
    أسماء الله الحسنى وحصرها في عدد معين
    السؤال: هل أسماء الله محصورة في عدد معين؟ الجواب: ليست أسماء الله محصورة في عدد معين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث:(اللهم إني أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فإن قوله: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، هذا يدل على أن من الأسماء ما لا سبيل إلى الوصول إليه، وهذا يدل على أنها غير محصورة، وأن ما وصل إلينا، أو ما جاءنا، أو دل عليه النصوص من الكتاب والسنة، لا نستطيع أن نقول: أنها هي كل أسماء الله؛ لأن هذا الحديث يدل أن من الأسماء ما استأثر الله تعالى به عنده، وأما ما جاء في حديث: (إن لله تسعة وتسعون اسماً، مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، فليس دليلاً على الحصر، وإنما يدل على أن من أسماء الله عز وجل هذه الأسماء، من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وليس دليلاً على الحصر؛ لأنه لو جاء اللفظ: إن أسماء الله تسعة وتسعون، كان ذلك حصراً، لكن هنا قال عليه السلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، يعني: لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة، يعني: وله غيرها، فهو مثل لو قال إنسان: عندي مبلغ ألف ريال، أعددته لهذا العمل، فلا يقتضي ألا يكون عنده ريالات أخرى يعني غير هذه الأشياء التي ذكرها، فهذا الحديث هو من هذا القبيل.
    الحكمة من تهديد الله لبني إسرائيل بالجبل مع قدرته على هدايتهم
    السؤال: قال الله تعالى: ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ )[الأعراف:171]، لماذا هدد الله بني إسرائيل بالجبل مع أنه قادر على هدايتهم بدون تهديدهم بالجبل؟الجواب: كما هو معلوم أن الله تعالى قادر على كل شيء، حتى الكفار الذين شرع الجهاد لجهادهم، ودعوتهم، والعمل على إخراجهم من الظلمات إلى النور، الله قادر على أن يهديهم، والله عز وجل لو شاء هداية الخلق كلهم لهداهم، لكنه شاء أن يكون الناس فريقين، فهذا هو الذي شاء الله تعالى أن يكون وكان، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن والله تعالى قادر على غير الذي كان لو أراده، فكونه يحصل أمور يحصل بها تهديد، أو يحصل كذا، فهذه أمور قدرها الله تعالى وشاءها وحصلت، والله تعالى إذا قدر شيئاً وشاءه كان، وكما ذكرت: الله تعالى سبق قضاؤه وقدره أن يكون الناس فريقين، ولو شاء الله أن يكون الناس كلهم مهتدين لفعل، كما قال: ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )[السجدة:13]،
    هذا هو الذي قدر، ولو شاء الله تعالى خلاف ذلك لوقع ذلك الذي شاءه خلافه، لكن الأمر كما هو موجود في عقيدة المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    كيفية الجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله تعالى
    السؤال: كيف نجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن هناك من يرى أن طلب العلم بهذا الشكل تعطيل للدعوة إلى الله؟الجواب: أبداً، يمكن للإنسان أن يجمع بين العلم والدعوة. وطلب العلم لا يعطل الدعوة، بل الدعوة تحتاج إلى علم؛ لأن الدعوة إذا لم تكن مبنية على علم، غالباً يترتب عليها مضرة؛ لأنه قد يدعو إلى ما ينهى عنه، فإذا كان جاهلاً لا يعرف قد يدعو إلى ما لا يدعى له، إلى ما يحذر منه، يعني هذا شأن الجاهل، فالدعوة تحتاج إلى علم، والإنسان يتعلم ثم يدعو، ويمكن أن يجمع بين الدعوة والعلم، بمعنى أنه في المكان الذي يتعلم فيه، أيضاً يدعو فيه، يعني يحرص على الدعوة والتوجيه والإرشاد، وإن لم يترك طلب العلم ويذهب للدعوة، وإنما يجمع بينهما.
    حكم كفت الثياب وتشميرها قبل الصلاة
    السؤال: هل يجوز أن يثني الرجل أو يشمر كم ثوبه، أو سراويله قبل الدخول في الصلاة، ثم يدخل بهيئته هذه في الصلاة؟ الجواب: لا، المطلوب أنه في الصلاة تكون ثيابه مرسلة على هيئة كاملة، هذه هي الهيئة المطلوبة؛ لأن المقصود من ذلك أن يسجد شعره وتسجد ثيابه، ولا يرفعها ويكفها حتى لا تنال الأرض، فيصير لها شيء من التوسخ، ولا يكون ذلك قبل الصلاة، ولا في أثناء الصلاة.
    حكم الصلاة على النبي عليه السلام في صلاة الجنازة وكيفيتها
    السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، هل يقول: اللهم صل على سيدنا؟الجواب: الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، التي علمها أصحابه وهي: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، وغيرها من الألفاظ التي علم أصحابه إياها، يأتي بها الناس كما علمهم رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لو كان يريد منهم أن يأتوا بهذه الهيئة، وبهذه الصفة، على لفظ أزيد من هذا لبينه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو قد قال عن نفسه: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)، فإذاً: الألفاظ التي علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها يتقيدون بها.
    كيفية قضاء تكبيرات الجنازة لمن فاته بعضها
    السؤال: من فاتته تكبيرات صلاة الجنازة كيف يقضيها؟ الجواب: يقضيها كما يقضي الصلاة، (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، وفي صلاة الجنازة كذلك، يعني هذا الحديث يدل على صلاة الجنازة، لكن إذا سلم الإمام، فإنه يأتي بالتكبيرات، ويدعو بينها دعاء قصيراً، كأن يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ويسلم؛ لأن الجنازة ترفع ولا يبقى أمامه أحد يصلي عليه حتى يطيل، وإنما يأتي بأعداد التكبيرات التي فاتته، ويدعو دعاءً قصيراً بينها، كـ(اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
    وجه الإنكار على ملقي السلام على رسول الله من خارج المسجد النبوي
    السؤال: ما وجه الإنكار على من يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره، ولكن من خارج المسجد؟الجواب: من المعلوم أن سلام الزيارة إنما يكون عند أقرب مكان يمكن أن يحصل من الإنسان وهو زائر للقبر، وذلك في مكان المواجهة، سلام الزيارة يكون عند المواجهة، وأما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي في كل مكان، والملائكة تبلغ ذلك، وهذه الهيئة ما كانت معروفة، لا في حياته ولا بعد وفاته، يعني كون الواحد يسلم على الرسول ولو من مكان واحد، لما كان صلى الله عليه وسلم حياً بين أصحابه، لما كان موجوداً بين أصحابه قبل أن يتوفاه الله، كأن يكون في حجرته أو يكون في المسجد، ما كان أحد يقف من خارج المسجد ويستقبل المسجد، أو يستقبل حجرة الرسول التي هو فيها، ويسلم عليه، ما كانوا يفعلون هذا، وإنما كان الواحد يمشي حتى يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: السلام عليك يا رسول الله، يسلم على الرسول إذا وصل إليه، أما بعد وفاته فكذلك، سلام الزيارة يكون عند قبره، وفي مكان المواجهة يعني يستقبل القبر ويستدبر القبلة، وأما الصلاة والسلام عليه، فيكون في حياته وبعد وفاته، والإنسان يصلي ويسلم عليه في كل مكان، والملائكة تبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    حكم دعاء الله بلغة العجم
    السؤال: هل يجوز للأعجمي أن يدعو الله بأسمائه بالأعجمية؟ الجواب: الأعجمي يدعو الله عز وجل بلسانه أو بلغته، لكن إذا عرف أسماء الله عز وجل باللغة العربية، وعرف معانيها، فإنه يدعو بها، ولكن إذا لم يستطع، فإنه يدعو بلغته الدعاء الذي لا يكون فيه محظور.
    الفرق بين صفتي المجيء والإتيان
    السؤال: ما الفرق بين صفتي المجيء والإتيان؟ الجواب: لا أعلم بينهما فرقاً، يعني: يأتي الله، يجيء الله، ما بينهما فرق، أتى الله يعني الإتيان الذي هو المجيء، لكن الإتيان الذي يأتي أحياناً، مثل قوله تعالى: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ )[النحل:26]، يعني: الله تعالى قضى عليها، وليس معنى ذلك أنه جاء مثل كونه يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وينزل إلى السماء الدنيا، والإتيان غير الإتيان، فالمجيء والإتيان يعني يأتي الله لفصل القضاء، يجيء الله لفصل القضاء، ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا )[الفجر:22]، يعني: كلها بمعنى واحد.
    الفرق بين صفتي القعود والجلوس
    السؤال: ما الفرق بين صفتي القعود والجلوس؟ الجواب: الجلوس والقعود في فعل الناس، فإنهما مترادفتان، الجالس والقاعد بمعنى واحد، جلس وقعد مثل قام ووقف، فهما مترادفتان، وأما في حق الله عز وجل فلم يثبت وصفه بالقعود ولا بالجلوس، أي: أنه ما يقال: أن من صفاته كذا؛ لأنها ما وردت، ولا يقال: أنه ليس من صفاته كذا؛ لأنها ما جاء نفيها، فالذي جاء إثباته يثبت، والذي جاء نفيه ينفى، والذي لم يذكر يسكت عنه، مع الإقرار بأن الله متصف بكل كمال، ومنزه عن كل نقص.
    موقف الإمام عند صلاته على الجنازة
    السؤال: أين يقف الإمام في صلاة الجنازة عند صلاته على الرجل والمرأة؟الجواب: إذا كانت الجنازة رجلاً مفرداً ليس معه امرأة، فإن الإمام يقف عند رأسه، وإذا كانت امرأة وحدها يقف عند صدرها، وإذا كان رجل وامرأة مع بعض، فإنه يجعل رأس الرجل محاذياً لوسط المرأة، ويقف الإمام محاذياً لرأس الرجل ووسط المرأة، يعني لا يكونا متساويين في الصف في وضعهما أمام الإمام، وإنما يكون الإمام محاذياً ومسامتاً لرأس الرجل ووسط المرأة، بحيث تكون المرأة متقدمة على الرجل، فيكون رأس الرجل محاذياً لوسطها، والرجل يكون أقرب إلى الإمام، والمرأة تكون وراءه، ويكون كهيئته لو كان كل واحد منهما على حدة، عند وسط المرأة ورأس الرجل.
    حكم الدعاء بعد صلاة الفريضة
    السؤال: ما حكم الدعاء بعد صلاة الفريضة؟ الجواب: بعد صلاة الفريضة الذي ورد هو الذكر، ولكنه ورد الدعاء أيضاً، ومن الدعاء: أستغفر الله، أستغفر الله، التي أول ما يحصل بعد السلام؛ لأن (أستغفر الله) دعاء، يعني: أطلب من الله المغفرة، وأما الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وغير ذلك مما ورد فهذا ذكر، وكذلك جاء في حديث: (أن يقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وهذه تقال قبل السلام وبعده؛ لأن دبر الصلاة يكون قبل السلام، ويكون بعد السلام، ودبر الشيء آخره، أو ما يلي آخره، أي: يطلق على الاثنين، يطلق الدبر على آخر الشيء، وعلى ما يلي آخر الشيء، وآخر الشيء في الصلاة هو التشهد الذي قبل السلام، وما يلي السلام الذي هو آخر الصلاة ما يكون بعده، وقد جاء في بعض الأحاديث لفظ (الدبر) يراد به ما بعد الصلاة، وحديث: (تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتقولون تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، فإن هذا بعد السلام ليس قبل السلام، وقد أطلق عليه أنه دبر الصلاة.
    الحوالة عن طريق البنوك الربوية
    السؤال: أريد تحويل مبلغ ما إضافة إلى رصيدي في مصرف إسلامي بمصر عن طريق بنك ربوي، حيث التحويل إلى هذا المصرف مباشرة من هنا عن طريق ذلك البنك، فما هو الحكم؟الجواب: إذا كان ما وجد بنك لا يتعامل بالربا، فيتعامل مع البنك الذي يتعامل بالربا بأن يرسل عن طريقه الشيء، ما في بأس، التعامل معه إذا لم يوجد غيره، لكن لا يتعامل بالربا، يعني هو يتعامل بغير الربا، والتحويل مثل ما يحول مع غيره يحول عنده، إذا لم يجد غيره، أما إذا وجد غيره مما لا يتعامل بالربا، فالتعامل معه أولى، وإذا لم يوجد السليم من الربا يمكن أن يتعامل مع البنك الربوي، لكن على وجه لا ربا فيه.
    التساوي في الأحكام في الفريضة والنافلة
    السؤال: هل كل ما جاز في الفريضة جاز في النافلة في الصلاة من التسبيح بالآيات إلى آخره؟الجواب: الأصل أن الفرائض والنوافل سواء، إلا إذا جاء شيء يميز بعضهما عن الآخر، وفيما يتعلق بالتسبيح والتعوذ هو جاء بالنسبة للنوافل، ما جاء بالنسبة للفرائض؛ لأنه مع كثرة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الفرائض، ما نقلوا عنه ذلك، وإنما نقلوا عنه هذا في النافلة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #209
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (206)


    - باب صفة السجود - باب التجافي في السجود
    ورد في السنة المطهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان صفة سجوده أنه كان يعتمد فيه على اليدين ويفرج بينهما تفريجاً حتى يرى بياض إبطيه، حتى أن البهمة بإمكانها أن تمر بينهما من شدة المجافاة، وهذا إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، أما إذا كان مأموماً فلا؛ لئلا يؤذي من بجواره، وإنما يجافي ما استطاع.
    صفة السجود

    شرح حديث: (... فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته ...) في صفة السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر المروزي حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال: (وصف لنا البراء رضي الله عنه السجود، فوضع يديه بالأرض، ورفع عجيزته وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)].يقول النسائي رحمه الله: باب صفة السجود، هذه الترجمة يراد بها بيان كيفية السجود، وقد سبق أن مر في الأبواب الماضية ذكر شيء مما يدل على ذلك، وذلك في السجود على الأعضاء السبعة التي هي الوجه، الذي هو الجبهة والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، هذه من صفة السجود، وكذلك مما يتعلق بصفة السجود المجافاة بين العضدين عن الجنبين، والجنبين عن الفخذين، والفخذين عن الرجلين، بحيث لا يكون الإنسان تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض، وإنما تسجد الأعضاء، ويكون الاعتماد عليها.
    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا سجد وضع يديه على الأرض، ورفع عجيزته، أي: مؤخره، يريد بذلك أنه يعتمد على يديه، وأنه يرفع عجزه، وأنه لا تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض، بأن يكون الجنب يعتمد على الفخذ، والفخذ يعتمد على الرجل، والرجل تعتمد على الأرض، بمعنى أنه يمد رجليه ويبسطهما، وإنما ينصب القدمين، ويرفع البطن عن الفخذين، لا يعتمد عليها، وكذلك الفخذان يرفعان عن الرجلين، ويكون الاعتماد على اليدين، وعلى الوجه، والركبتين، وأطراف القدمين، فهذا هو الذي أورده المصنفون مما اشتمل عليه الحديث.
    ثم إن الكيفية هي وسط بين طرفين: طرف هو الذي يدل على الكسل والخمول، وهو كون الإنسان تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض، بأن يضم العضدين، والبطن يعتمد على الفخذ، والفخذ يعتمد على الرجلين.. وهكذا، ويدخل في هذا كونه يبسط ذراعيه مثل بسط الكلب ذراعيه، كل هذه هيئة تدل على الكسل، والخمول ، ويقابل ذلك هيئة، وهي كون الإنسان يبالغ، فيمتد ويمد نفسه، فيكون فيه زيادة، وفيه تكلف، وهذا لا يصلح، ، والحق وسط بين الإفراط والتفريط.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته) في صفة السجود
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا شريك].
    وهو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق].
    وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وسبيع هم جزء من همدان، فينسبوا إلى همدان نسبة عامة، وينسبوا إلى سبيع نسبة خاصة، وكل منهما الهمداني، والسبيعي نسبة نسب، وأما بلده فهي الكوفة، أبو إسحاق مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وصف لنا البراء بن عازب].
    صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث هذا من رباعيات النسائي؛ لأن فيه علي بن حجر المروزي، وشريك بن عبد الله القاضي، وأبو إسحاق السبيعي، والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما.
    شرح حديث: (أن رسول الله كان إذ صلى جخى)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي حدثنا ابن شميل هو النضر أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى جخى)].ثم أورد النسائي حديث البراء بن عازب: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى جخى)]، والمراد بالتجخية هي كونه يفتح يديه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن الأرض، بمعنى أنه لا تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض، ويكون بطنه على الأرض، وإنما يعتمد على يديه، وعلى ركبتيه، وعلى أطراف قدميه، لكن دون أن يبالغ في ذلك، فهذه هي التجخية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها في سجوده، وهي تشبه ما جاء في الرواية السابقة عن البراء بن عازب، كونه يعني وضع يديه على الأرض ورفع عجزه، بمعنى أنه لم يكن معتمداً على الأرض، ولم يكن تعتمد الأعضاء بعضها على بعض، وإنما هو توسط بين الإفراط، والتفريط.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول لله كان إذا صلى جخى)
    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي].صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [حدثنا النضر بن شميل].
    ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وإنما قال: (هو النضر) ؛ لأن عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال في الإسناد: أخبرنا ابن شميل، ما قال: النضر، وهو النضر بن شميل، لكن من دونه وهو النسائي، أو من دون النسائي هو الذي أتى بكلمة (هو النضر)؛ ليوضح أن هذا المنسوب الذي لم يذكر اسمه، ذكر اسمه بقوله: هو، وكلمة (هو) كما عرفنا مراراً وتكراراً تشعر بأن هذه الزيادة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، أي: أن الذي قالها من دون عبدة بن عبد الرحيم المروزي الذي هو تلميذ النضر بن شميل، وهو إما النسائي أو ممن دون النسائي.
    [أخبرنا يونس بن أبي إسحاق].
    يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو: أبو إسرائيل، وهو صدوق يهم قليلاً، وقد أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي إسحاق عن البراء].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا صلى فرج بين يديه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا بكر عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه، الذي يصف به صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال سجوده، وأنه قال: [(فرج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه)]، يعني: من تفريجه بينهما، أي: لا يلصق اليدين الذي هما العضدين بالإبط أو بالجنب، وإنما يفرج بينهما حتى يتباعد، يعني ما بين العضد، والجنب، لكن هذا يكون حيث لا يضر على أحد من جيرانه إذا كان مأموماً، يفرج ويجافي ما استطاع، لكن لا يلحق الضرر بجيرانه، أو يؤذيهم، أما إذا كان إماماً أو كان وحده، فإنه يفعل المشروع الذي يمكنه فعله، وهو مجافاة العضدين عن الجنبين، والنبي صلى الله عليه وسلم كما وصف عبد الله بن مالك بن بحينة سجوده: أنه كان يجافي عضديه حتى يرى بياض إبطيه، يعني: من شدة المجافاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا صلى فرج بين يديه ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا بكر].
    وهو ابن مضر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن جعفر بن ربيعة].
    هو جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعرج].
    وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، وقد اشتهر بهذا اللقب، ويأتي ذكره في الأسانيد كثيراً يقال: عن الأعرج أو حدثنا الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مالك بن بحينة].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي هريرة: (لو كنت بين يدي رسول الله لأبصرت إبطيه) يعني في سجوده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا معتمر بن سليمان عن عمران عن أبي مجلز عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو كنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبصرت إبطيه، قال أبو مجلز: كأنه قال ذلك لأنه في صلاة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(لو كنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبصرت إبطيه، قال أبو مجلز وهو أحد الرواة: كأنه قال ذلك لأنه في الصلاة)]، ولو كان بين يديه لأبصر إبطيه، يعني وهذا إشارة إلى مجافاته العضدين عن الجنبين، يمكن إظهار الإبطين، يعني لو كان تمكن من ذلك، لو كان بين يديه، لكنه قال ذلك لأنه كان في صلاة، فلم يتمكن من أن ينظر إلى ذلك، ولو كان في غير الصلاة، وهو ينظر، لأبصر ذلك، أي: إبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من ذلك المجافاة، أي: مجافاة العضدين عن الجنبين بحيث يرى الإبطان.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لو كنت بين يدي رسول الله لأبصرت إبطيه) يعني في سجوده
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا معتمر بن سليمان].
    هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمران].
    وهو ابن الحدير، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن أبي مجلز].
    وهو لاحق بن حميد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو مجلز.
    [عن بشير بن نهيك].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث عبيد الله بن عبد الله بن أقرم: (صليت مع رسول الله فكنت أرى عفرة إبطيه إذا سجد)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل حدثنا داود بن قيس عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكنت أرى عفرة إبطيه إذا سجد)].أورد النسائي حديث عبد الله بن أقرم رضي الله تعالى عنه: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يرى عفرة إبطيه إذا سجد، والمراد بالعفرة يعني صفة لونها، أي: الإبط؛ لأنه لون الجسد لون الوجه، إلا أن فيه منابت الشعر الذي يجعل لونه يختلف قليلاً عن هيئة البشرة، فهي تشبه يعني العفرة الذي هو لون الأرض أو التراب؛ لأنه بياض خالطه سواد منابت الشعر، هذا هو المجافاة، والمراد به أنه كان يجافي عضديه عن جنبيه حتى يرى إبطاه صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث عبيد الله بن عبد الله بن أقرم: (صليت مع رسول الله فكنت أرى عفرة إبطيه إذا سجد)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. وقد مر ذكره قريباً.
    [أخبرنا إسماعيل].
    هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا داود بن قيس].
    ثقة، فاضل، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم].
    ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه].
    وهو عبد الله بن أقرم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: صحابي مقل، وقد أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، أي:كابنه.
    التجافي في السجود


    شرح حديث: (أن النبي كان إذا سجد جافى يديه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التجافي في السجود.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبيد الله وهو ابن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد وهو ابن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى يديه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت)].
    أورد النسائي: التجافي في السجود، والمراد به ما تقدمت الإشارة إليه في الباب السابق في صفة السجود، وهو مجافاة العضدين عن الجنبين، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا سجد جافى يديه، حتى لو أرادت بهمة، وهي: الصغيرة من أولاد الغنم أن تمر من تحت يده لمرت، وذلك لكونه يباعد عضديه عن جنبيه،، وهذا فيه إشارة إلى المجافاة، وتحققها.
    وكما قلت: هذا فيما إذا لم يكن هناك إلحاق مضرة بالجيران في السجود، من يكون على يمينه وشماله، إذا كان كذلك، أي: كون الصفوف متلاصقة، فلا يعمل هذا العمل بحيث يؤذي الناس، وإنما يجافي ما استطاع، أما إذا كان إماماً أو منفرداً فإنه يجافي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا سجد جافى يديه ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. وقد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    وهو ابن عيينة، وقد عرفنا أن قتيبة إنما يروي عن سفيان بن عيينة، فليس له رواية عن الثوري، فإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، فالمراد به ابن عيينة، كما أنه إذا جاء قتيبة يروي عن حماد، فالمراد به ابن زيد، وليس ابن سلمة، وسفيان بن عيينة ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله وهو ابن عبد الله بن الأصم]،
    مقبول، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عمه يزيد وهو ابن الأصم].
    وهو عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي أبو عوف، كوفي نزل الرق، وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، فهو ثقة، يقال: له رؤية، ولا يثبت. أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ميمونة].
    هي ميمونة بنت الحارث الهلالية، أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    الخروج من الصلاة بتسليمة واحدة
    السؤال: هل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة؟ الجواب: نعم جاء في بعض الأحاديث، ومن العلماء من صححها، ومنهم من تكلم فيها، وممن تكلم فيها ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين، فإنه أطال الكلام في هذه المسألة، وقال: إن الثابت عنه أنه كان يسلم تسليمتين.
    درجة حديث صاحب الشجة
    السؤال: ما درجة هذا الحديث: (قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا..)؟الجواب: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال)، فالحديث ثابت، وهو في قصة الشجة، يعني الحديث ثابت، بس ما أذكر أين تخريجه.
    اشتراط النية في الصلاة
    السؤال: شخص دخل في الصلاة، وفي الركعة الثانية ذكر أنه لم ينو الصلاة، فما حكم الصلاة، هل باطلة أم يكملها؟الجواب: إذا كان لم ينو الصلاة والمقصود بالنية التلفظ، فذلك لا يجوز، وإن كان يعني أنه ما دخل في الصلاة، يعني ناوياً الدخول فيها، وناوياً أداء ذلك الفرض، فإنما الأعمال بالنيات، ولا عمل إلا بنية، وتكبيرة الإحرام هي التي يكون بها الدخول في الصلاة، فإذا كان ما كبر تكبيرة الإحرام، ولا حصل منه نية، فإنه لا عمل إلا بنية، يعني لا بد أن يكون العمل منوياً، بمعنى أنه نواه بقلبه، وكبر تكبيرة الإحرام التي بها يدخل في الصلاة، وإذا كان ما حصل منه هذا الشيء، وإنما دخل في الصلاة بدون تكبير، فإن صلاته لا تصح؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، والنية أيضاً شرط يعني: النية التي محلها القلب، وليست النية الذي يتلفظ بها، فإن تلك بدعة، لا يجوز التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، ما يقول: نويت أن أصلي كذا.
    التكبير والتسليم في سجود التلاوة
    السؤال: ما هو القول الراجح في صفة سجود التلاوة، هل فيه تكبير وتسليم أم لا؟ الجواب: هو لا تسليم فيه، وإذا كان في داخل الصلاة ففيه التكبير، يعني عند الخفض، والرفع؛ لأنه يدخل تحت عموم: كان يكبر في كل خفض ورفع، إذا كان في الصلاة، وإذا كان خارج الصلاة فإنه ليس فيه تسليم؛ ولهذا قال بعض العلماء: إنه يصح من غير المتوضئ؛ لأنه ليس صلاة، يعني سجود التلاوة، وكذا سجود الشكر لا يشترط له ما يشترط في الصلاة، وقضية التكبير فيه تكبير فقط.
    معنى قول المحدثين: فلان مقبول، صدوق يهم، رواته ثقات
    السؤال: ما معنى قولكم: (فلان مقبول)، هل تعني أن حديثه من قبيل الحسن وكذا قولهم: (صدوق يهم) و(ورجاله ثقات)؟الجواب: المقبول: هو الذي إذا اعتضد بغيره، ووجد ما يساعده، احتج به، أي: أنه يتوقف فيه حتى يأتي ما يساعده ويؤيده من متابعات أو شواهد.
    وأما قولهم: صدوق، معناه: هو الذي خف ضبطه، وحديثه من قبيل الحسن، و(يهم)، يعني: يحصل منه شيء من الأوهام.
    وأما قولهم رواته ثقات، يعني: الرجال الذين بني عليهم الإسناد هم ثقات، لكن هذا لا يعني أن يكون الحديث صحيحاً، فقد يكونوا ثقات، ولكن في انقطاع، ومن المعلوم أن الانقطاع يؤثر؛ لأنه لا بد أن يكونوا ثقات، وأن يكون كل واحد روى عن الذي قبله.
    تخطي رقاب الناس في الجمعة وغيرها
    السؤال: هل النهي عن تخطي الرقاب قاصر في صلاة الجمعة أو يثبت في كل الصلوات؟ الجواب: تخطي الرقاب فيه إيذاء للناس، ولا يجوز لا في الجمعة، ولا في غيرها، إلا إذا كان هناك فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، فإن له ذلك؛ لأن الذين تأخروا عن وصل الصفوف هم الذين قصروا، وهم الذين عرضوا أنفسهم لأن تتخطى رقابهم من أجل أن يوصل الصف، ومن أجل أن تسد الفرجة، وإن وصل إليها بغير التخطي، فهو أولى من التخطي؛ لأن التخطي فيه إيذاء للناس.
    درجة حديث: (لا تنسنا من دعائك يا أخي)
    السؤال: ما درجة حديث: (لا تنسانا من دعائك يا أخي)؟الجواب: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا لـعمر، والحديث فيه كلام لأهل العلم، ولا أذكره الآن.
    حكم مقولة (فلان شؤم علينا بقدر الله)
    السؤال: هل يجوز أن يقال: فلان شؤم علينا بقدر الله؟الجواب: ما يصلح أن يقال مثل هذا الكلام، ومن المعلوم أن التشاؤم والتطير جاءت الشريعة بخلافه، فالإنسان لا يتطير، ولا يتشاءم بأمور وأحوال، وإنما يرضى بقضاء الله وقدره، ويحرص على ما ينفعه، ويبتعد عما يضره، والابتعاد عن التعبيرات التي لا تنبغي، فهذا هو الذي ينبغي للإنسان الحريص على سلامته وسعادته.
    الفرق بين الطيرة والخوف من ركوب الطائرات والسيارات
    السؤال: هل من الطيرة الخوف من الركوب في الطائرة خوف السقوط أو السيارة خوف الحوادث؟الجواب: هذا ما يعتبر من التطير، لكنه يعتبر من الخوف الشديد، وإلا فإن الشيء إذا غلب عليه السلامة، مثل ركوب الطائرات، والسيارات؛ لأن السلامة هي الغالب، والهلاك نادر جداً، فحوادث السيارات، وحوادث الطائرات، هي نادرة، ما دام أن الغالب هو السلامة، ليس للإنسان أن يكون حريصاً على حياته هذا الحرص الشديد الذي يخالف غيره من الناس، وإنما يرضى بقضاء الله وقدره، وسيصل إليه الأجل ولو ما ركب في الطائرة، أو السيارة، يمكن أن يأتيه القدر في أي لحظة من اللحظات، وركوب الطائرة، وركوب السيارة ما هو سبب الهلاك في الغالب؛ لأن الغالب السلامة في ركوبها، والهلاك هو القليل النادر بالنسبة لسعة السلامة، وكثرة السلامة، لكن هذا فيه حرص زائد على الحياة، وفيه خوف شديد من الإنسان، حتى لو ركب السيارة يمكن أن يحصل له شيئاً يعني من شدة خوفه. وكذا أنه يبتلى بأن يحصل له هذا الشيء، مثل ما يذكرون أن أحداً من الناس ما كان يركب الطائرة، وحتى السيارات الصغيرة ما كان يركبها، يركب السيارات الكبار التي تحمل الأثقال؛ لأنها تضر غيرها، ولا يضرها غيرها، فكان مرة من المرات ركب طائرة، والله سبحانه وتعالى قدر لتلك الطائرة الذي ركبها يصير فيه عجاج في المكان هذا، وتروح إلى مكان آخر، وتنتقل من بلد إلى بلد، فقد ابتلي بهذا الشيء.
    الفرق بين من أخرج لهم البخاري تعليقاً، ومن أخرج لهم في الأصول
    السؤال: خرج البخاري لبعض الرجال تعليقاً، فهل هم كالرجال الذين خرج لهم في الأصول من حيث العدالة والضبط؟الجواب: ما يقال: إنهم عنده كالذين خرج لهم، لكن قد يكون فيمن خرج له البخاري تعليقاً من هو يعني في غاية الثقة؛ لأنه لا يدل على أن من خرج له تعليقاً أن يقال: أنه خرج له في الأصول؛ لأنه فيه تمييز بين من يورد له تعليقاً، ومن يورد له أصولاً، لكن لا يعني أن من يورد له تعليقاً، أنه يكون فيه ضعف أو كذا.
    كيفية قضاء الركعة الفائتة من صلاة الاستسقاء
    السؤال: إذا فاتتني ركعة من صلاة الاستسقاء فكيف أقضيها؟ الجواب: تقضى كما تقضى صلاة الاستسقاء، كما تؤدى صلاة الاستسقاء، يعني: عندما يفوته ركعة يأتي بها، مثل ما يأتي بها لو أدركها من أولها، يعني يكبر تكبيرات، ويأتي بالقضاء كهيئة الأداء.
    تقبيل رأس الوالدين وأيديهم
    السؤال: ما حكم تقبيل يد الوالد أو رأسه؟ الجواب: تقبيل اليد جاء ما يدل عليه، لكن ما ينبغي امتهانه وابتذاله؛ لأنه أصبح ديدناً للصوفية، وللذين يغلون في الأشخاص ويقدسون الأشخاص، ويعملون مع بعض الأشخاص أموراً منكرة، وإلا فإنه في الأصل جائز، يعني حصول تقبيل اليد جائز، جاء ما يدل عليه.
    وأما فعل بعضهم: من حط الجبين على اليد، هذا والله أسوأ، وهو يشبه السجود.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #210
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (207)


    - (باب الاعتدال في السجود) إلى (باب النهي عن كف الثياب في السجود)
    السجود عبادة عظيمة أمرنا أن نقيمها على أتم وجه، فينبغي للساجد أن يعتمد على السبعة الأعضاء: الأنف مع الجبهة واليدين والركبتين والقدمين، وقد نهينا أن نتمثل في سجودنا بالكلب في انبساطه، والسبع في افتراشه، والغراب في نقره.
    الاعتدال في السجود

    ‏ شرح حديث: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاعتدال في السجود. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس، (ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود عن خالد عن شعبة عن قتادة سمعت أنساً رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)، اللفظ لـإسحاق].
    يقول النسائي رحمه الله: الاعتدال في السجود. المراد بالاعتدال في السجود: كون الإنسان يأتي بالسجود كما هو مطلوب منه من غير تكاسل، ومن غير تجاوز، والتكاسل بأن تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض، فتعتمد بطنه على فخذيه، وفخذيه على ساقيه، ويكون عجزه قريباً من الأرض، صفة الكسول الخامل الذي لا يعتمد على أعضائه التي هي يداه، وكفاه، وقدماه، فالاعتدال في السجود هو تمكين اليدين، والركبتين، والجبهة، والأنف، وأطراف القدمين من الأرض، والمجافاة للعضدين عن الجنبين، بحيث لا يكون الاعتماد على فخذه، أو الفخذ على الساق، وإنما يكون الاعتماد على هذه الأعضاء السبعة، كلها تأخذ نصيبها من السجود، وذلك بالاعتماد عليها، وعدم اعتماد أعضاء الإنسان بعضها على بعض، هذا هو الاعتدال في السجود.
    وقد أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه بساط الكلب)]، وقد أشار في الجملة الأخيرة إلى أن مما يخالف الاعتدال في السجود هذه الهيئة التي تدل على الكسل، والخمول، بحيث تكون ذراعيه مبسوطة وموضوعة على الأرض، واعتماده على ذراعه وليس على كفيه، وهذه هيئة الكسول الخامل، فالاعتماد لا يكون على اليدين، وإنما على الذراعين، وهذا في مقدم الجسد، وأما المؤخر فيكون البطن أو الجنبين قد اعتمدا على الفخذين، وكذلك الفخذين على الساقين، فيكون خاملاً كسولاً، لا يعطي مواضع السجود أو أعضاء السجود ما تستحقه من الاعتماد عليها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. وهو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا عبدة].
    وهو عبدة بن سليمان البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد].
    هو سعيد بن أبي عروبة البصري، وهو ثقة، فقيه، كثير التدليس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وهو هنا يروي عن قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    أنس بن مالك، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    (ح) هذه يؤتى بها علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، والانتقال من إسناد إلى إسناد؛ لأنه ذكر إسناد شيخه إسحاق بن راهويه، ومضى فيه إلى آخره الذي هو أنس بن مالك راوي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (ح)، أي: إشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد.
    ثم قال: [وأخبرنا]، الواو عاطفة، يعني: تعطف الإسناد الذي بعد (ح) على الإسناد الذي قبلها؛ لأن النسائي قال: [أخبرنا إسحاق]، ثم قال: [وأخبرنا إسماعيل بن مسعود]، فالواو في (وأخبرنا) معطوفة على (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم)، وشيخه الثاني إسماعيل بن مسعود هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وهو: ابن الحجاج الواسطي الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو واسطي ثم بصري، يعني كان في واسط ثم انتقل منها إلى البصرة، فيؤتى مع الذي تعددت بلدانه -بأن كان أولاً في بلد، ثم تحول إلى بلد-: تذكر بـ (ثم)، يعني لبيان أنه كان أولاً كذا، ثم كان آخراً كذا.
    [عن قتادة].
    قتادة مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [سمعت أنس بن مالك].
    مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، ولم يوحد الإسنادين عند قتادة ؛ لأن قتادة هو ملتقى الإسنادين؛ لأن الإسناد الأول ينتهي إلى سعيد بن أبي عروبة يروي عن قتادة، والإسناد الثاني يروي عن شعبة عن قتادة، فكان ملتقى الإسنادين هو قتادة، لكنه مضى به إلى آخره، والسبب في هذا: أن الإسناد الثاني فيه تصريح قتادة بالسماع من أنس، حيث قال: سمعت أنساً يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الأول ففيه الرواية بالعنعنة، يعني فمضى في الإسناد إلى آخره؛ لأنه مشتمل على فائدة، وهي التصريح بالسماع من قتادة؛ لأن قتادة مدلس.
    ثم قال في الآخر: [واللفظ لـإسحاق].
    يعني: أن اللفظ الذي ساقه -وهو المتن- لشيخه الأول، وهو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وهذا يبين لنا ما سبق أن أشرت إليه فيما مضى: أن طريقة النسائي ليست الالتزام بطريقة معينة، وهي أن المتن يكون للثاني كما هو صنيع البخاري، بل إنه أحياناً يكون للثاني، وأحياناً يكون للأول، وهذا مما فيه بيان أن المتن للشيخ الأول، والبخاري من طريقته أنه إذا روى الحديث من شيخين بإسناد واحد، فإنه يكون للشيخ الثاني لا للأول، هذا هو الذي عرف بالاستقراء من صنيع البخاري في صحيحه، وأما النسائي فإنه ليس له طريقة ثابتة، بل أحياناً يكون المتن للشيخ للثاني، وأحياناً يكون للشيخ الأول، وهذا مما فيه إضافة المتن إلى الشيخ الأول الذي هو إسحاق.
    إقامة الصلب في السجود


    شرح حديث: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إقامة الصلب في السجود.أخبرنا علي بن خشرم المروزي أخبرنا عيسى وهو ابن يونس عن الأعمش عن عمارة عن أبي معمر عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي إقامة الصلب في السجود، وقد سبق أن مر مثل هذه الترجمة، وهي إقامة الصلب في الركوع، وهنا إقامة الصلب في السجود؛ لأن الحديث مشتمل على ذكر الركوع والسجود، يقيم صلبه في ركوعه، وسجوده، يعني بصلبه: ظهره، أي: بأن يسجد متمكناً، فلا يكون عنده إخلال بذلك على هيئة الكسول، ولا هيئة المتجاوز للحد الذي يمتد ويتقدم، وتطول حالة سجوده، فهذا فيه مجاوزة، وهو ضد الكسل والخمول الذي تكون أعضاؤه في حالة يركب بعضها على بعض، أما هذا الثاني لا شيء من ذلك، فيكاد أن يكون متقوساً ما بين ركبته وما بين مقدمه، بحيث تكون الركبتان ذاهبةً إلى الوراء؛ لشدة تقدمه وامتداده في السجود، وإنما يكون في التوسط بأن، يعتمد على أعضائه السبعة التي جاء ذكرها في الحديث، فهذا هو إقامة الصلب في السجود، والاعتدال في السجود، ولا يكون كسولاً، ولا يكون أيضاً متجاوزاً.
    ثم أورد حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: [(لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)].
    وكلمة (الرجل) هنا لا مفهوم لها وإنما ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الحديث معهم ، وإلا فالمرأة مثل الرجل، وهي تماثل الرجل في الأحكام إلا إذا جاء شيء دليل يدل على اختصاصها بهيئة معينة تخالف الرجال، وهذا الحديث مثل ما جاء في الحديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصم)، فكلمة (رجل) تشمل المرأة، وكذلك: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، وكذلك لو وجد متاعه عند امرأة إذا كان قد باع لامرأة وأفلست، فذكر الرجال لا لأن الأحكام تخصهم، ولكن لأن الغالب أن الكلام والحديث معهم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع
    والسجود) قوله: [أخبرنا علي بن خشرم]. هو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وهو معمر؛ لأنه عاش قريباً من مائة سنة، وهو الذي جاء عنه أنه قال: صمت رمضان ثمان وثمانين سنة، أو ست وثمانين سنة، أو ست وسبعين، فمعناه أنه بلغ، وصام هذه الرمضانات الكثيرة بعد بلوغه، فهو من المعمرين.
    [أخبرنا عيسى وهو ابن يونس].
    وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، مأمون، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن يونس، هذه ليست من التلميذ الذي هو علي بن خشرم، وإنما هي من النسائي أو من دون النسائي؛ لأن التلميذ كما ذكرت مراراً وتكراراً لا يحتاج إلى أن يقول: (هو)، بل ينسب شيخه كما يريد، يمكن أن يأتي بسطر كامل لشيخه، مثل ما فعل النسائي في إسناد سيأتي، بمقدار سطر كامل وزيادة، كله يتعلق بشيخه؛ لأن التلميذ يذكر الشيخ كما يريد، ولكن من دون التلميذ لا يزيد على ما ذكر التلميذ، بل يأتي به كما أتى به التلميذ، وإذا أراد أن يوضح فإنه يأتي بكلمة (هو) أو (يعني)، ويأتي بعدها بما يوضح.
    [عن الأعمش].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمارة].
    هو عمارة بن عمير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معمر].
    وهو عبد الله بن سخبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مسعود].
    هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    النهي عن نقرة الغراب


    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن نقرة الغراب.
    أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن جعفر بن عبد الله: أن تميم بن محمود أخبره: أن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير)].
    يقول النسائي النهي عن نقرة الغراب. والمقصود بذلك أنه أوردها في باب السجود، وإن كان نقر الغراب يكون في جميع الصلاة، فهو ينقر الصلاة، يعني: كما ينقر الغراب، معناه: أنه يسرع، ويبادر بها بإسراع شديد، ولكنه ذكره في السجود؛ لأن هذا هو الذي يناسبه أكثر، من جهة أن الغراب إذا أراد أن يأخذ شيئاً من الأرض، فإنه ينزل رأسه ومنقاره عليه بسرعة ثم يرفعه، فكذلك الذي يسجد فإنه يضع رأسه على الأرض بسرعة ثم يرفعه، فهذا مثل نقر الغراب، فذكره في حال السجود مناسب؛ لأنه يشبهه، وإلا فإن الاستعجال في الصلاة، يقال عنه: إنه ينقر الصلاة كما ينقر الغراب، ولكن الشبه أكثر فيما يتعلق بالأرض؛ لأنه عندما يريد أن يأخذ شيئاً ليأكله فإنه ينزل رأسه ثم يرفعه بسرعة بدون تمهل وبدون تؤدة، بل بسرعة شديدة، فشبه به من ينقر الصلاة، ومن إذا وصل وجهه إلى الأرض يرفعه دون أن يستقر، ودون أن يطمئن في سجوده.
    وأورد تحت الترجمة حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ثلاث: نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن..)، المشتمل على هذه الأمور الثلاثة، ومحل الشاهد منها الأول، وهو قوله: [(نهى عن نقرة الغراب)]؛ لأن هذا هو محل الشاهد، لكونه مثل الذي عندما يلقط الأكل بسرعة.
    (وافتراش السبع)، قد مر؛ الذي هو افتراش الكلب، وانبساطه، فإنه يبسط يديه في الأرض، ويعتمد على ذراعيه، ولا يعتمد على كفيه، وهي هيئة تدل على الكسل والخمول.
    فافتراش السبع والكلب كلها بمعنى واحد.
    قوله: [(أن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير)]، يعني: معناه: أنه يتخذ مكاناً في المسجد لا يصلي إلا فيه، كما يوطن البعير الذي ألف، واعتاد أنه ما يتمرغ إلا في المكان الدمث الذي يكون عند العطن، عندما يشرب، وتبرك الإبل في معاطنها، يختار البعير ذلك المكان الدمث الذي يتمرغ فيه، ويبقى فيه، فيكون الرجل هيئته تلك، ولعل السبب في هذا لأجل الإكثار من المواضع، ومن المعلوم أن الأرض تشهد لصاحبها يوم القيامة، والمواضع المتعددة تشهد لصاحبها، وأنه حصل عليها كذا من فعل الخير، يعني بخلاف المكان المعين الواحد فإنه لا يكون فيه تعدد البقع التي تشهد لصاحبها، أو للذي صلى عليها يعني يوم القيامة، كما جاء في القرآن الكريم: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا )[الزلزلة:4]، وتشهد على ما فعل على ظهرها من خير وشر، ويخرج بذلك الإمام، وذلك لأن مكانه واحد وهو المكان المعين أمام المصلين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم]. محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له النسائي وحده.
    [عن شعيب].
    هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب. أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، محدث، فقيه مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا خالد].
    وهو خالد بن يزيد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي هلال].
    وهو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر بن عبد الله].
    هو جعفر بن عبد الله بن الحكم، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [أن تميم بن محمود].
    قال فيه الحافظ في التقريب: فيه لين، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [أن عبد الرحمن بن شبل أخبره].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    والحديث في سنده تميم بن محمود، والذي قد قال فيه الحافظ: فيه لين، وقد وثقه ابن حبان، وتكلم فيه بعض العلماء، والشيخ الألباني حسن إسناد هذا الحديث، وأنا ما أدري وجه تحسينه له، هل بمتابع أو وجود شيء يعضده في هذا.
    النهي عن كف الشعر في السجود


    شرح حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة، ولا أكف شعراً ولا ثوباً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن كف الشعر في السجود.أخبرنا حميد بن مسعدة البصري عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا شعبة وروح يعني ابن القاسم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة، ولا أكف شعراً ولا ثوباً)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي النهي عن كف الشعر في السجود، أي: كون الإنسان عندما يسجد يكون شعره مكفوفاً، بمعنى أنه يرد شعره بأن يجمعه وراء ظهره ويشده، أو يرفعه بطاقية أو بغيرها، بحيث يأخذ الشعر ويجعله تحتها ويرده إلى الخلف؛ وذلك لأنه لا يمكن للشعر أن يسجد كما يسجد الوجه، وإرساله أو تركه دون أن يدفعه، ودون أن يرده إلى الآخر، فإنه يحصل مشاركته في السجود، أي: يكون له نصيب في السجود، هذا هو وجه النهي عن ذلك.
    والنسائي أورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(أمرت أن أسجد على سبعة)]، والسبعة جاءت مفسرة في بعض الروايات، وقد مر ذكرها، وهي: الأنف، والجبهة، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فهذه هي الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد عليها.
    وقوله: [(أمرت)]، الآمر للنبي صلى الله عليه وسلم هو الله عز وجل؛ وأما الصحابي إذا قال: أمرت أو أمرنا، فإنه يقصد بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، والآمر في الحقيقة هو الله عز وجل، ولكن يمكن أن يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما جاء في حديث علي المتقدم: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا أقول: نهاكم، ومن المعلوم أن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو تبليغ عن الله عز وجل، ويضاف إليه النهي والأمر؛ لأنه هو الذي بلغ عن الله عز وجل، وإلا فإن الآمر الناهي في الحقيقة هو الله عز وجل، والله عز وجل يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، يعني: السنة هي وحي من الله عز وجل، إلا أنه وحي غير متعبد بتلاوته كالقرآن، وإلا فإن القرآن، والسنة متعبد بالعمل بهما، بتصديق أخبارهما، وامتثال أوامرهما، واجتناب نواهيهما.
    قوله: [(ولا أكف شعراً )].
    يكفه يعني في مقدمة رأسه بحيث يرجعه إلى الوراء، سواء كان بشده أو بوضع شيء عليه يرده إلى الآخر مثل الطاقية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة ولا أكف شعراً ولا ثوباً)
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو حميد بن مسعدة البصري، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن يزيد وهو ابن زريع].
    ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وكلمة [هو ابن زريع]، هذه أضافها من دون حميد بن مسعدة الذي هو النسائي أو من دون النسائي.
    [حدثنا شعبة وروح يعني ابن القاسم].
    شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
    وروح هو ابن القاسم، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    وكلمة: [يعني ابن القاسم]، قالها من دون يزيد بن زريع، إما حميد بن مسعدة أو النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) هي مثل كلمة (هو)، فمؤداهما واحد؛ ويؤتى بهما للتوضيح، والمقصود بها أن الذي قالها غير التلميذ؛ وفاعل (يعني) ضمير مستتر يرجع للتلميذ، وهو ابن زريع، قال: من دون يزيد بن زريع يعني به يزيد بن زريع.
    روح بن القاسم، فكلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل، قائلها من دون يزيد بن زريع، وفاعلها ضمير مستتر يعود إلى يزيد بن زريع؛ لأنه فعل مضارع له فاعل، والفاعل ضمير مستتر يرجع إلى يزيد بن زريع، أي: قال من دون يزيد بن زريع: ابن القاسم.
    وهذا الإسناد جمع فيه بين اللفظين اللذين يوضح بهما وهما كلمة (هو) عند ابن زريع، وكلمة (يعني) عند روح بن القاسم.
    [عن عمرو بن دينار]
    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو طاوس بن كيسان اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم جميعاً من صغار الصحابة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، إذا قيل: العبادلة الأربعة فهم هؤلاء الأربعة، وأيضاً ابن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    مثل الذي يصلي ورأسه معقوص


    شرح حديث ابن عباس في مثل من يصلي ورأسه معقوص
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مثل الذي يصلي ورأسه معقوص.أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو السرحي من ولد عبد الله بن سعد بن أبي السرح أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث: أن بكيراً حدثه: أن كريباً مولى ابن عباس حدثه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف)].
    يقول النسائي: باب مثل الذي يصلي ورأسه معقوص، يعني: أنه مثل المكتوف الذي يسجد وهو مكتوف اليدين، يديه قد شدت وراء ظهره، فلا يتمكن أن يستجديهما؛ لأن يديه قد شدت وراءه، فالذي يسجد أو يصلي ورأسه معقوص، يعني: معناه أن شعره قد ذهب به إلى الوراء، مثل الذي يصلي وهو مكتوف، يعني: يداه مكتوفتان، لا تصل إلى الأرض، ولا يتمكن من السجود عليهما، والنسائي عقد الترجمة ببعض الحديث؛ لأن الحديث فيه ضرب المثل، ولكنه قال: باب مثل الذي يصلي ورأسه معقوص.
    ثم أورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص، فجاء وجعل يحله وهو في الصلاة، يعني: ذاك يصلي كأنه في نافلة، فجاء وجعل يحله، ولما فرغ من صلاته قال: [(ما لك ولرأسي؟)]، يقولها عبد الله بن الحارث، فقال ابن عباس: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مثل هذا -أي الذي يصلي ورأسه معقوص- مثل الذي يصلي وهو مكتوف)، الحديث أورده ابن عباس رضي الله تعالى عنه، واستدل به على الفعل الذي فعله مع عبد الله بن الحارث، وهو: كونه جعل يحل رأسه المشدود، أو المعقوص إلى ورائه، جعل يحله وذاك في الصلاة، والمحصل، أنه لم يمكن شعره من السجود على الأرض كهيئة الذي يصلي وهو مكتوف.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في مثل من يصلي ورأسه معقوص
    قوله: [عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو السرحي].من ولد عبد الله بن سعد بن أبي السرح، هذا الكلام كله من النسائي ينسب شيخه، وكما قلت: التلميذ لا يحتاج إلى أنه يقول: هو، بل يأتي بالكلام الذي يريد ولو كان طويلاً، مثل ما فعله هنا، سطر كامل كله يتعلق بشيخ النسائي، عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو السرحي، من ولد عبد الله بن سعد بن أبي السرح.
    أي: كل هذا الكلام من النسائي يعرف ويوضح به شيخه، فالتلميذ لا يحتاج إلى أن يقال: (هو)، وإنما يأتي بالكلام مباشرة؛ لأن الكلام كلامه، وإنما الذي يحتاج إلى كلمة (هو) أو كلمة (يعني) من دون التلميذ.
    فعمرو بن سواد ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه .
    [أخبرنا ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عمرو بن الحارث].
    وهو المصري، وهو: ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن بكيراً].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أن كريباً مولى ابن عباس].
    هو كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    وأما عبد الله بن الحارث فهو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحنكه الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عن كبار الصحابة، وممن روى عنه ابن عباس، لكنه هنا ليس من رواة الحديث.
    النهي عن كف الثياب في السجود

    شرح حديث ابن عباس في النهي عن كف الثياب في السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن كف الثياب في السجود. أخبرنا محمد بن منصور المكي عن سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم، ونهي أن يكف الشعر والثياب)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن كف الثياب في السجود، وأورد فيها حديث ابن عباس الذي مر ذكره قريباً عند النهي عن كف الشعر في السجود من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله من الدلالة على النهي عن كف الشعر، والثياب في السجود، وقد مر بنا الحديث من طرق متعددة الذي هو حديث ابن عباس، وفيه النهي عن كف الشعر، والثياب، والنهي عن كف الثياب، يعني كونه يرفعها عند السجود، ويكفها ويجمعها، يعني: ينحيها عن الأرض، وإنما يجعلها على هيئتها وتصل إلى الأرض، ويسجد عليها، أي: على ثيابه تحت ركبتيه وتحت ساقه، ولا يكفها، وإنما يتركها، فلا يكف الشعر ولا الثياب.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النهي عن كف الثياب في السجود
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي]. نسبه المكي، والنسائي في مواضع نسبه بالمكي، وقد سبق أن عرفنا أنه يراد به الجواز الذي هو المكي؛ لأن من شيوخ النسائي من يسمى محمد بن منصور الطوسي والمكي، والذي يروي عن سفيان بن عيينة كثيراً هو المكي؛ لأنه من بلده، وإن كان الطوسي روى عنه، إلا أنه يحمل عند الإهمال إذا لم ينسب على من يكون أكثر اتصالاً، وهو من أهل بلده، وهنا نص على أنه المكي، فهذا يرشد ويشعر بأنه إذا حصل الإهمال فإن المقصود به المكي؛ يحمل على من له به اتصال، ومن له به علاقة أكثر، وكل منهما من مكة، سفيان بن عيينة من مكة، ومحمد بن منصور المكي من مكة، فالارتباط بينها، والاتصال وثيق دائماً وأبداً، بخلاف الذي لا يكون من بلده.
    وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.
    الأسئلة

    إعطاء الزكاة لمن تجب على المزكي نفقته
    السؤال: هل يجوز إيتاء الزكاة إلى من يجب على المزكي نفقته، كإيتاء الوالد زكاته إلى ولده؟ وكيف يكون العكس؟ وكالزوج إلى زوجته، وكيف يكون العكس؟ الجواب: لا يجوز لأحد أن يعطي الزكاة لمن تجب نفقته عليه؛ لأن هذا يعتبر حماية ووقاية للمال؛ لأنه يقي ماله بأن يترك أداء الشيء الواجب عليه، ويتخلص منه بالزكاة، فلا يجوز أن يعطي زكاته من تجب نفقته عليه، بل يعطيه من ماله، فالشيء الواجب عليه يخرجه من ماله، والزكاة يعطيها للفقراء، والمساكين، فلا يدفع الوالد الزكاة لولده، ولا الولد زكاته لوالده، فالزكاة لا تعطى للأصول ولا للفروع، وكذلك الزوجة، لا يجوز أن يعطيها زكاته.
    مجافاة المرأة في الصلاة
    السؤال: هل المجافاة في الصلاة حكمها تشمل المرأة؟ الجواب: الأصل في الأحكام أن النساء والرجال سواء، ولا أعلم دليلاً يدل على تميز المرأة بعدم المجافاة.
    المقصود بالكفاءة في الزواج
    السؤال: ما المراد بالكفء في الزواج؟ نرجو توضيح هذا الحكم. الجواب: الكفء في الزواج هو الذي يرضى دينه، ويكون مكافئاً للزوجة، بحيث يكون من جنسها، ولا يترتب مفاسد على الزواج، ولا يكون هناك حساسيات.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #211
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (208)


    - (باب السجود على الثياب) إلى (باب النهي عن القراءة في السجود)
    لقد دلت السنة النبوية على جواز السجود على الثياب في شدة الحر، ما يدل على سماحة ويسر هذا الدين العظيم، إن السجود معناه أن تضع أشرف عضو فيك -وهو الوجه- على الأرض خضوعاً لله تبارك وتعالى، ولذا كان العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد فعليه أن يكثر من الدعاء والتضرع لله رب العالمين.
    السجود على الثياب

    ‏ شرح حديث أنس: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله بالظهائر سجدنا على ثيابنا...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن خالد بن عبد الرحمن هو السلمي حدثني غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر)].يقول النسائي رحمه الله: باب السجود على الثياب. ومقصود النسائي من هذه هو: أنه في شدة الحر يسجد على الثياب؛ أي: على أطرافها وأجزائها؛ حتى يتقي بها الإنسان شدة الحرارة عن وجهه ويديه عند السجود، وقد سبق أن مر بنا باب في تبريد الحصى عند السجود، وهذه الترجمة تتعلق بالسجود على الثياب، والمراد بها الثياب التي تكون على الإنسان؛ بمعنى: أنه يكون عليه إزار ورداء، فيرخي طرف ردائه ويجعله أمامه، فيضع يديه ووجهه عليه اتقاء الحرارة.
    وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهائر -يعني: في شدة حرارة الشمس- يسجدون على ثيابهم اتقاء الحر والرمضاء، وحرارة الشمس التي تكون على الأرض، فيتقونها بتلك الثياب، وهذا فيه دليل على جواز مثل هذا العمل، ويمكن أن يكون المراد به: أنه شيء يضعونه من الثياب، لكنه شيء متصل بهم، وعليهم من ملبوساتهم، كالرداء الذي يكون على الإنسان، ويكون له طرفان، فيبسط أحد طرفيه، ويسجد عليه، والرداء على كتفيه، هذا هو الأظهر والأقرب، وفيه دليل أيضاً على جواز السجود على الفرش، وعلى شيء يقي الأرض، وقد جاءت السنة بالسجود على الحصير، وهذا يدل على ما دل عليه ذلك، من جهة أنه يسجد على شيء، ويكون الإنسان بينه وبين الأرض شيء؛ يتقي به الأرض إذا كانت حارة، فالحديث دال على هذا.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله بالظهائر سجدنا على ثيابنا...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله بن المبارك].
    هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، عالم، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعدما ذكر جملة من صفاته في التقريب: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد بن عبد الرحمن هو السلمي].
    صدوق يخطئ، وقد أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي.
    وقوله: [هو السلمي]، هذه زيادة زادها من دون تلميذ خالد بن عبد الرحمن، وهو سويد بن نصر، أو من دون سويد بن نصر؛ الذي هو النسائي، أو من دونه زادها؛ لأنها ليست من لفظ عبد الله بن المبارك، ولكن أراد من دون عبد الله بن المبارك أن يبين هذا الرجل، فقال: [هو السلمي]، ولم يقل: السلمي بدون (هو)؛ لأنها لو قيلت بدون (هو) لفهم أنها من كلام ابن المبارك، وابن المبارك ما قال في الإسناد: أخبرنا خالد بن عبد الرحمن السلمي، وإنما قال: خالد بن عبد الرحمن فقط، فالذي دون سويد بن نصر هو الذي أضاف هذه الزيادة الموضحة المبينة، وأتى بكلمة (هو)، حتى يتبين أنها ليست من التلميذ؛ الذي هو عبد الله بن المبارك، وإنما هي ممن دون التلميذ.
    [حدثني غالب القطان].
    هو غالب بن خطاف القطان، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكر بن عبد الله].
    هو بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة، ثبت، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، قد خدمه عشر سنوات؛ منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل، وهو متشرف بخدمته رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    الأمر بإتمام السجود


    شرح حديث: (أتموا الركوع والسجود ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإتمام السجود.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من خلف ظهري في ركوعكم وسجودكم)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إتمام السجود، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أتموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من خلف ظهري في ركوعكم وسجودكم)].
    قوله: [(أتموا الركوع والسجود)].
    يعني: كون المصلي يأتي بهما على الهيئة المشروعة، ويطمئن فيهما، ويأتي بالركوع على الهيئة المشروعة، وبالسجود على الهيئة المشروعة، مع الاطمئنان في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إني لأراكم من خلف ظهري في ركوعكم وسجودكم)]، ومعنى هذا: أن فيه تنبيه إلى الهيئة التي ينبغي أن يكونوا عليها، وأن الله تعالى يري نبيه إياهم، وإن كانوا من ورائه، فإن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، والحديث سبق أن مر فيما مضى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أتموا الركوع والسجود ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الصفات العالية، والألقاب الرفيعة، التي لم يظفر بها إلا النادر القليل من المحدثين، وحديث إسحاق بن راهويه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، وسبق أن ذكرت: أن لفظ ابن راهويه للمحدثين، وللغويين لهم إطلاقان، فالمحدثون يقولون: ابن راهويه بسكون الواو وضم ما قبلها، وفتح الياء بعدها، وأما اللغويون فيقولون: راهويه، يعني بفتح الواو وسكون الياء، يعني يكون مختوماً بويه، يكون عند اللغويين مختوماً بويه، عند اللغويين مختوم بالواو والساكنة التي بعدها ياء مفتوحة وهاء، وما قبل الواو يكون مضموماً؛ راهويه، وكما قلت: أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [أخبرنا عبدة].
    هو عبدة بن سليمان البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد].
    هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، كثير التدليس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وهو يروي عن قتادة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    النهي عن القراءة في السجود

    شرح حديث علي: (نهاني حبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث ... ولا أقرأ ساجداً ولا راكعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن القراءة في السجود.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا أبو علي الحنفي وعثمان بن عمر قال أبو علي: حدثنا، وقال عثمان: أخبرنا داود بن قيس عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (نهاني حبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: لا أقول: نهى الناس، نهاني عن تختم الذهب، وعن لبس القسي، وعن المعصفر المفدمة، ولا أقرأ ساجداً ولا راكعاً)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: النهي عن القراءة في السجود، وقد سبق أن مر في الترجمة: النهي عن القراءة في الركوع، وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(نهاني حبي صلى الله عليه وسلم)]، و(حبي) بمعنى حبيبي؛ لأن الحب هو بمعنى الحبيب؛ ولهذا يقال عن أسامة بن زيد: الحب ابن الحب؛ حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، يعني: حبيبه أو محبوبه وابن محبوبه، فالحب بمعنى الحبيب، وكما أنه يأتي ذكر الحبيب أيضاً في كلام بعض الصحابة في كلام أبي الدرداء رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، وقال أبو هريرة: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وهنا يقول علي رضي الله عنه: [نهاني حبي صلى الله عليه وسلم، ولا أقول: نهى الناس]، يقصد بذلك: أن تحديث الرسول صلى الله عليه وسلم إياه بهذا كان وحده ليس معه أحد، ولهذا قال: [نهاني]؛ لأنه كان وحده عندما حدثه صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ولم يكن معه أحد، وليس معنى ذلك أن الحكم يخصه، وأن الناس لا يشاركونه في هذا الحكم، فإن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، وخطابه للواحد خطابه للأمة، لكن هذا هو معنى كلام علي رضي الله عنه: [نهاني ولا أقول: نهى الناس]؛ لأنه ما قال: لا تفعلوا كذا، أو افعلوا كذا، بخطاب الجمع للناس، وإنما كان يخاطبه وحده ليس معه أحد؛ فمن أجل ذلك أتى بالصيغة على الهيئة التي حصل بها التحمل، هذا هو معنى كلام علي رضي الله عنه، وليس معنى ذلك أن هذا حكم يخصه، فإن الأحكام عامة، ولا تكون خاصة إلا إذا جاء نص يدل على الخصوص؛ مثل قصة الرجل الذي ضحى قبل الصلاة، ثم قال: إن لنا عناقاً داجناً، والعناق: هي التي لم تبلغ، السنة التي تجزئ فيها الأضحية، فقال: فهل تجزئ عني؟ قال: (تجزئ عنك ولن تجزئ عن أحد بعدك)، فقوله: [(لن تجزئ عن أحد بعدك)]، يعني: أن هذا حكم يخصه؛ لأنه جاء نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخصوص. ومثل ما جاء في قصة خزيمة بن ثابت الذي اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم شهادته عن اثنين، فهذا يخصه، فلا يقال: إن هذا حكم عام.
    وكلام علي رضي الله عنه الذي قاله ليس المراد منه أن هذا من خصائصه، وأن هذا حكم يخصه، وأن النهي يتعلق به، ولا يتعلق بغيره، وإنما مراده أنه حين التحمل كان وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: لا تلبس كذا، أو أنهاك عن لبس كذا وكذا، فعندما ذهب يحدث عن تحديث الرسول إياه، قال: [نهاني]؛ لأنه قال: لا تفعل كذا، لا تلبس كذا، فالخطاب موجه إليه، فصار عند الأداء يماثل التحمل؛ لأنه كان عند التحمل بالإفراد، وعند الأداء أتى به على صيغة الإفراد، قال: [نهاني الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهى الناس عن تختم الذهب].
    يعني: كون الرجل لا يتختم بالذهب، ولا يجوز للمسلم أن يتختم بخاتم الذهب، إنما استعمال الذهب للنساء، والرجال لا يستعملون الذهب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذهباً وحريراً وأشار بهما والناس يرون، قال: (هذان -أي: الذهب والحرير- حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها)، والنساء لهن أن يتختمن، ولهن أن يلبسن الذهب والفضة كما شئن، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء النساء وخطبهن يوم العيد، بعدما خطب الناس وجاء وتكلم معهن، وقال: (تصدقن يا معشر النساء! فإني رأيتكن أكثر حطب جهنم)، فجعلن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن، يعني: تنزع الخواتم؛ لأنها تبادر إلى الصدقة، يعني: ما كان معها إلا الخواتم، أو ما معها إلا الحلي، فجعلن يلقين من خواتمهن وأقراطهن؛ يعني: ينزعن مما على الأذنين، ومما في أصابع اليدين من الخواتم، يلقين بأقراطهن وخواتيمهن، فالتختم بالذهب والفضة للنساء سائغ وجائز، والرجال لا يجوز لهم استعمال الذهب.
    قوله: [(وعن لبس القسي)].
    هي ثياب مضلعة بالحرير، وتنسب إلى بلد تصنع فيه، فنهى عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأنها من الحرير أو مخلوطة بالحرير، والرجال منهيون عن استعمال الحرير وعن لبس الحرير.
    قوله: [(وعن المعصفر المفدمة)].
    قد سبق أن مر الحديث عن لبس المعصفر والمفدم، والمعصفر غير المفدم، المفدم هو: المصبوغ أو الذي لونه لون أحمر قان شديد الحمرة متناهي في الحمرة، يعني نهى عن المعصفر، وهو: الذي صبغ بذلك النبات الذي يصبغ به ويقال له: المعصفر، وهو لونه أصفر، وعن المفدم، وهو الذي صبغ باللون الأحمر، والمراد به المتناهي في الحمرة الذي لا يقبل الزيادة، لا يقبل أن يزاد عليه في هذا اللون؛ لأنه بلغ نهايته وغايته في الحمرة.
    قوله: [(ولا أقرأ ساجداً ولا راكعاً)].
    هذا هو محل الشاهد، يعني: لا أقرأ في الركوع والسجود؛ لأن القراءة إنما هي في حال القيام قبل الركوع، هذه محل القراءة، وهي التي يطول فيها القيام، وتكون فيها القراءة، وأما الركوع والسجود فليس محلاً للقراءة، فالركوع محل تعظيم الرب، وكثرة الثناء عليه وتعظيمه، والسجود محل كثرة الدعاء. ويجوز تعظيم الرب في السجود مثل: سبحان ربي الأعلى، وسبوح قدوس، ويجوز أيضاً الدعاء في الركوع كما دل عليه قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)؛ لأن اللهم اغفر لي يؤتى بها في الركوع وهي دعاء، وهي لفظ مشتمل على ثناء ودعاء، (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، فيؤتى بها في الركوع والسجود، وهي مشتملة على: ثناء ودعاء، والثناء الغالب عليه أن محله الركوع، والدعاء الغالب عليه أن محله السجود، لكن يجوز الدعاء في حال الركوع، والثناء في حال السجود.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (نهاني حبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث .. ولا أقرأ ساجداً ولا راكعاً) قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف]. هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو علي الحنفي وعثمان بن عمر].
    أبو علي الحنفي هو عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأما عثمان بن عمر فهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو علي: حدثنا، وقال عثمان: أخبرنا].
    يعني: معنى أن الصيغة التي حصلت من كل منهما تختلف، فأشار النسائي إلى صيغة كل منهما، وهذه الطريقة قليلة عند النسائي، وأما عند مسلم فهي كثيرة جداً، فما أكثرها في صحيح مسلم، يقول: إذا ذكر شيوخه ذكر من قال: حدثنا، ومن قال: أخبرنا؛ قال فلان: حدثنا، وقال فلان: أخبرنا، هذه موجودة بكثرة في صحيح مسلم، وأما النسائي، فهي عنده قليلة، والسبب في هذا أن ذكر عدد من الشيوخ في إسناد واحد قليل، الكثير هو أنه يروي عن شيخ واحد، لا يذكر شيخين، وذكر الشيخين معاً هذا قليل جداً بالنسبة لكثرة الرواة عن شيخ واحد، وبإسناد واحد، بخلاف مسلم، فإنه يجمع الأسانيد، ويجمع الأحاديث في مكان واحد، فيحتاج إلى أن يجمعهم في إسناد واحد، ويذكر عدد من شيوخه، ويبين من قال كذا ومن قال كذا، وكذلك من له اللفظ منهم.
    [داود بن قيس].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه عبد الله بن حنين، وهو كذلك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [عن علي بن أبي طالب].
    هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين، وصهر رسول الله عليه الصلاة والسلام على ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وهو ذو المناقب الجمة، والخصال الحسنة، والمناقب العظيمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث علي: (نهاني رسول الله أن أقرأ راكعاً أو ساجداً) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس (ح) والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب حدثني إبراهيم بن عبد الله: أن أباه حدثه أنه سمع علياً رضي الله عنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)].هنا أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه أنه قال: [(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً وساجداً)]، وهو طريق آخر، ولكنه مختصر من الحديث الأول، وهي طريق أخرى من حديث علي مختصرة، اقتصر فيها على ذكر النهي عن القراءة في الركوع والسجود، الذي هو محل الشاهد للترجمة.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو].
    هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ما خرج له البخاري، ولا الترمذي.
    [أخبرنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس].
    هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) والحارث بن مسكين].
    (ح) التحول من إسناد إلى إسناد، والحارث بن مسكين معطوف على أحمد بن عمرو بن السرح، الذي هو شيخه؛ لأن هذا شيخ آخر له؛ وهو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    هو الذي مر ذكره.
    [عن يونس].
    يونس بن يزيد هو الذي تقدم ذكره في الطريق الأولى.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو ينسب إلى جده شهاب، وإلى جده زهرة بن كلاب، فيقال: الزهري، ويقال: ابن شهاب، وهو ثقة، فقيه، محدث، إمام جليل، معروف بكثرة الرواية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وهو ممن يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأنس من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين.
    [حدثني إبراهيم بن عبد الله].
    هو إبراهيم بن عبد الله بن حنين.
    [عن أبيه عن علي].
    قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا، وأبوه يروي عن علي مباشرة وبدون واسطة، يعني يروي بواسطة ابن عباس، ويروي عن علي مباشرة وبدون واسطة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #212
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (209)


    - (باب الأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود) إلى (باب نوع آخر من الدعاء في السجود)
    أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لذا يستحب أن يكثر المصلي من الدعاء، ويلح على الله عز وجل فيه وهو ساجد؛ لأن السجود من المواطن التي هي مظنة الإجابة.
    الأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود

    شرح حديث: (... وإذا سجدتهم فاجتهدوا في الدعاء ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود.أخبرنا علي بن حجر المروزي أخبرنا إسماعيل هو ابن جعفر حدثنا سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال: اللهم قد بلغت، ثلاث مرات، أنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له، ألا وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا ربكم، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاجتهاد في الدعاء في السجود، يعني: كون الإنسان يجتهد في الدعاء، ويكثر منه، ويلح على الله عز وجل في الدعاء وهو ساجد؛ لأن هيئة السجود وحالة السجود، من المواطن التي هي حرية بالإجابة، وقريب أن يستجاب للداعي فيها، وقد جاء في الحديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وهو حديث سيأتي.
    وأورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر)، يعني الذي كان على حجرته، أو على باب حجرته، [(ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه)]، يعني: في أواخر أيامه عليه الصلاة والسلام، [(ورأسه معصوب)]، يعني: من شدة المرض، وهذا فيه دليل: على أنه إذا مرض الرأس وصار فيه وجع أنه يجوز شده، وكونه يعصب بعصابة تشده حتى يهون المرض، وهذا من الأسباب السائغة، والجائزة؛ لأن شد الرأس مع وجود المرض والصداع فيه، ينفع ويفيد بإذن الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وهو القدوة، والأسوة عليه الصلاة والسلام، فقال: [(اللهم قد بلغت، ثلاث مرات، ثم قال: إنه لم يبق من مبشرات النبوة، إلا الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو ترى له)]، والحديث سبق أن مر، وقد عرفنا معناه، وأن الوحي ومعرفة الأمور المغيبة والطرق المشروعة، إنما كان يعرف عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي ينزل عليه الوحي ويخبر بالأمر المغيب المستقبل، والأمر الذي هو غائب يخبر عنه عليه الصلاة والسلام بإيحاء الله عز وجل إليه، وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هناك وحي، وليس هناك طريق مشروع لمعرفة أمر مغيب، أو أمر مستقبل، لكن الرؤيا الصالحة هي من هذا القبيل؛ لأنها تكون إشارة إلى شيء يحصل في المستقبل، فتكون بشارةً يراها مؤمن أو ترى له، يعني بأن يكون مؤمن هو يراها في منامه، أو يراها لغيره، أقول: أو هو يراها لغيره، يراها لنفسه، أو يراها لغيره، [(يراها المؤمن أو ترى له)].
    ومن المعلوم، أن المنام يأتي الإنسان فيه رؤى، ويأتي فيه أحلام، أحلام تأتي على هواجس، وعلى أمور يعني قد تكون نتيجةً عن تفكيرات، وعن انشغال بال بشيء، فيأتيه في المنام كما جاءه في اليقظة، وكما كان مشغولاً به في اليقظة يأتيه في المنام، لكن الرؤيا الصالحة هي التي تأتي للإنسان، وتكون بشارةً له، إما لرائيها، أو لشخص آخر مؤمن يراها له مؤمن، فهذه من المبشرات. معناه: أنه إذا رآها فيكون فيها بشارة له إذا كانت حسنة وكانت طيبة، ولهذا جاء في الحديث أن الإنسان لا يخبر بها إلا من يحب، يعني: إذا كان رأى أمراً حسناً، فإنه يحدث به من يحب، لا يحدث به كل أحد، وإذا كانت سيئة، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليتحول عن جنبه الذي رأى فيه، ويستعيذ بالله، ولا تضره بإذن الله.
    قوله: [(ألا وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود)]، وهذا يدل على ما دل عليه الذي تقدم عن علي رضي الله تعالى عنه.
    قوله: [(فإذا ركعتم فعظموا ربكم، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء؛ فإنه قمن أن يستجاب لكم)].
    وهذا هو المقصود من الترجمة، أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم.
    معناه: أنه يجتهد في الدعاء، ويحرص على الدعاء، ويكثر من الدعاء في ذلك الموطن، وذلك الموضع من مواضع الصلاة؛ لأنه قمن، أي: حري، وجدير بأن يحصل لصاحبه الإجابة، وهذا هو محل الشاهد؛ لأن فيه الاجتهاد في الدعاء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء ...)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر المروزي]. وهوعلي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا إسماعيل هو ابن جعفر]، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: [هو: ابن جعفر]، هذه الزيادة ممن دون علي بن حجر، إما النسائي، أو من دون النسائي.
    [حدثنا سليمان بن سحيم].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد].
    وهو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، وهو صدوق، أخرج له مثل الذين أخرجوا لـسليمان بن سحيم، مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن أبيه].
    وهو ثقة، أخرج له نفس الذين أخرجوا لابنه ولـسليمان بن سحيم، وهم: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ثلاثة متوالون الإخراج لهم واحد.
    [عن عبد الله بن عباس].
    وقد مر ذكره.
    الدعاء في السجود

    شرح حديث ابن عباس في الدعاء في السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء في السجود.أخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل عن أبي رشدين وهو كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فرأيته قام لحاجته، فأتى القربة فحل شناقها، ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين، ثم أتى فراشه فنام، ثم قام قومةً أخرى، فأتى القربة فحل شناقها، ثم توضأ وضوءًا هو الوضوء، ثم قام يصلي، وكان يقول في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من تحتي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، واجعل أمامي نورًا، واجعل خلفي نورًا، وأعظم لي نورًا، ثم نام حتى نفخ، فأتاه بلال، فأيقظه للصلاة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الدعاء في السجود، وهنا قال: الدعاء، ولم يقل: الذكر، وسبق في الركوع، أن الأبواب ذكرها بلفظ الذكر، الذكر في الركوع، ما قال: الدعاء في الركوع، وإنما قال: الذكر في الركوع، وهنا قال: الدعاء في الركوع؛ وذلك أن الركوع هو موطن يكثر فيه تعظيم الرب كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب)، وأما السجود فإنه يكثر فيه الدعاء؛ ولهذا قال الرسول: (فاجتهدوا فيه من الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم)، فهناك عبر بالذكر؛ لأن الغالب عليه الذكر، الذي هو الركوع، والتعظيم لله عز وجل، وهنا عبر بالدعاء؛ لأن الغالب على السجود الدعاء، وإن كان كما قلت: أنه يجوز أن يدعى في الركوع، ويجوز أن يعظم الله في السجود، وحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوع وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، يدل على هذا وهذا، فالإتيان به في الركوع يدل على الدعاء في الركوع، والإتيان به في السجود يدل على الثناء في السجود، ثم سبحان ربي الأعلى هو ثناء، وهو يؤتى به في السجود، وكذلك يؤتى بغيره من الثناء على الله عز وجل.
    ثم أورد النسائي حديث ابن عباس، وأنه بات عند خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام نام وقام وحل شناق القربة، وهو الوكاء، فأفرغ ماءً وتوضأ وضوءاً بين وضوئين، يعني: خفيف، توضأ وضوءاً خفيفاً، ثم إنه رجع فنام، ثم إنه قام وحل شناق القربة وتوضأ الوضوء، أي: الوضوء المعروف، الوضوء الذي يسبغه، ولهذا قال: (الوضوء)، يعني: الوضوء المعروف ما قال مثل ما قال في الأول: وضوءاً بين وضوءين، يعني: خفيف، ليس فيه تقليل الماء جداً، وليس فيه إكثاره جداً، وإنما هو بين هذا وهذا؛ ولهذا قال: (هو الوضوء)، أي: المعتاد الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الوضوء لا يزاد فيه على ثلاث مرات، غسل الأعضاء لا يزاد فيها على ثلاث مرات، يعني لا بد من مرة مستوعبة، وهذا هو المجزئ والواجب الذي لا بد منه، مرة واحدة مستوعبة، وبعد ذلك الغسلة الثانية والثالثة، ولا يزاد على الثالثة في الوضوء.
    قوله: [(ثم قام يصلي، فكان يقول في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل تحتي نوراً، ومن فوقي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، اللهم أعظم لي نوراً، ثم نام حتى نفخ)]، يعني معنى أنه نفخ من تمكنه في النوم عليه الصلاة والسلام، حتى جاءه بلال يؤاذنه في الصلاة، يخبره بالخروج إلى الصلاة.
    والمقصود من ذلك: أن هذا الدعاء، كان يدعو به الرسول صلى الله عليه وسلم في سجوده، وهو دعاء عظيم، يعني كون الإنسان يسأل ربه أن يعطيه النور في جميع أحواله، وفي جميع جهاته، وفي أعضائه، في سمعه، وبصره، وقلبه، ومن جهاته الست، يعني عن يمينه، وشماله، وأمامه، وخلفه، وفوقه، وتحته، وأن يعظم له النور.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الدعاء في السجود
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري]. وهو هناد بن السري أبو السري الكوفي، أبو السري، والسري هذا اسم أي: يسمى به، وهو بمعنى السيد، ويقول الشاعر:
    لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
    لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، يعني: ليس لهم رؤساء، يعني يسوسونهم ويصيرون متبوعين لهم، ولا سراة، يعني: ولا ولاية ولا تقدم على الغير، إذا كان الجهال هم الذين يسودون، فالسري هذا هو المراد به، يعني في الأصل هذا معناه، ويسمى به، ولهذا هناد بن السري هو أبو السري، وهو ابن السري، وقد ذكرت مراراً وتكراراً، أن فائدة معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بالكنية بدل النسبة، لو قيل: هناد أبو السري، الذي ما يعرف أن هناد بن السري هو أبو السري، يظن أن (أب) صحفت من (ابن)، وأبدلت وجاءت مكانها (أبو)، لكن من عرف أن هناد كنيته وافقت اسم أبيه، فسواءً قيل: هناد بن السري أو قيل: هناد أبو السري، كلها صحيحة، ولا تصحيف ولا تعرية.
    [عن أبي الأحوص].
    وهو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن مسروق].
    الكوفي، وهو والد سفيان الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، سعيد بن مسروق هذا هو والد سفيان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلمة بن كهيل]، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي رشدين وهو كريب].
    هذه إضافة ممن دون تلميذ كريب أبو رشدين؛ لأنه ذكره تلميذه بالكنية فقط، لكن أتى به من دونه فقال: [وهو كريب]، يعني: مولى ابن عباس؛ لأن كريب مولى ابن عباس، كنيته أبو رشدين، وهنا ذكر بالكنية لكن من دون سلمة بن كهيل قال: [هو كريب]، يعني: يبين من هو أبو رشدين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.
    نوع آخر من الدعاء


    شرح حديث عائشة في الدعاء في السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن سفيان عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الدعاء. أورد فيه عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، فقوله: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، فيه دعاء وثناء، دعاء في قوله: (اللهم اغفر لي)، وثناء في قوله: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)، فهو جمع بين الثناء والدعاء، وهنا أورده من أجل اشتماله على الدعاء وهو (اللهم اغفر لي)، فإن هذا هو المقصود به نوع آخر من الدعاء، يعني: كون (اللهم اغفر لي)، موجودة فيه وهو دعاء، وأتى به هناك في الركوع، نوع آخر من الذكر؛ لأن اعتبار أوله وهو (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)؛ لأن هذا ثناء وذكر لله عز وجل، فهو هناك عبر له بالذكر، وعبر له هنا بالدعاء، وهو مشتمل على ذكر ودعاء، ذكر في أوله، ودعاء في آخره، وقولها: (يتأول القرآن)، تعني: أنه يمتثل القرآن، ويطبق ما أمر به في القرآن، وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:1-3]، فكان يقول في ركوعه )وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن)، يعني: ينفذ ما أمر به في القرآن؛ لأنه أمر بالتسبيح، وأمر بالاستغفار، فكان يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)، وهذا فيه امتثال لقوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)، ويقول: (اللهم اغفر لي)، وهذا امتثال لقوله: (وَاسْتَغْفِرْه )، فمعنى: (يتأول القرآن)، يعني: يمتثل القرآن، ويطبق ما جاء في القرآن.
    والتأويل يأتي ويراد به التفسير، وهذا هو الذي يستعمله ابن جرير بكثرة، يقول: تأويل قول الله عز وجل كذا، ويفسر القرآن، ويأتي بمعنى التنفيذ والتطبيق، وما يئول إليه الأمر من الحقيقة، وهذا منه، (يتأول القرآن)، يعني: يطبق ما أمر به في القرآن، ويمتثل ما أمر به في القرآن، وهذا هو معنى ما جاء في الحديث الآخر عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن)، يعني: معناه أنه يتخلق بأخلاق القرآن، الأخلاق التي جاءت في القرآن، ويتأدب بالآداب التي جاءت في القرآن، ويمتثل ما جاء في القرآن، وينتهي عما نهي عنه في القرآن، وهنا (يتأول القرآن)، يعني: ينفذ ويمتثل الشيء الذي أمر به في القرآن في قوله: )فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا )[النصر:3].
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الدعاء في السجود
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك].وقد مر ذكرهما.
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، فقيه، إمام مشهور، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    وهو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الضحى].
    وهو مسلم بن صبيح الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    وهو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية المكثرة من رواية حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وهي من السبعة المعروفين بكثرة الحديث، ستة رجال وامرأة واحدة، وتلك المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    نوع آخر من الدعاء

    شرح حديث عائشة في الدعاء في السجود من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر، وهي في الحقيقة ليس نوع آخر، وإنما هي نفس النوع الأول؛ لأن الحديث الذي قبله وهذا الحديث بلفظ واحد، وهي بإسناد واحد، إلا أن شيخ النسائي ومن فوقه، يختلف عن الإسناد الذي قبله، وإلا فإن بقية الإسناد واحد والمتن واحد، فليس نوعاً جديداً من أنواع الدعاء، بل هو نفس النوع الأول الذي قبله، ولهذا فالتعبير بالنوع بعده، يعني ليس بواضح، وإنما هما تحت موضوع واحد، وهما نوع واحد وليس نوعين، فذكر نوع آخر بينهما، يعني: بين حديثي عائشة، وهما بلفظ واحد ومؤداهما واحد، ليس بواضح، يعني ذكر العنوان وهو نوع آخر؛ لأنه نفس النوع الذي قبله؛ لأن اللفظ واحد، (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، فهو إما من النسائي، أو من دون النسائي، يعني ذكر هذه الترجمة التي هي: نوع آخر، وهو في الحقيقة ليس بنوع آخر.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الدعاء في السجود من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].وهو المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن وكيع].
    وهو ابن الجراح الرؤاسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #213
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (210)

    - (تابع باب نوع آخر من الدعاء في السجود)
    أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لذا يستحب أن يكثر المصلي من الدعاء، ويلح على الله عز وجل، تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
    تابع نوع آخر من الدعاء في السجود

    ‏ شرح حديث عائشة في دعاء النبي في السجود: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء في السجود، وقال: نوع آخر.أخبرنا محمد بن قدامة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن هلال بن يساف قالت عائشة رضي الله عنها: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فجعلت ألتمسه، وظننت أنه أتى بعض جواريه، فوقعت يدي عليه وهو ساجد، وهو يقول: اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)].
    فالتراجم هذه تتعلق بالدعاء في السجود، وقد مر بعض الأحاديث المشتملة على الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في السجود، وقد عرفنا من قبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن السجود يكثر فيه من الدعاء، وأن الركوع يعظم فيه الرب، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم).
    وقد وردت أدعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السجود، وقد عقد النسائي عدة تراجم بهذه الأنواع من الأدعية، وقد مر بعضها وهو الدعاء الذي فيه: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً..)، إلى آخره، والدعاء الذي فيه -أيضاً- التعظيم لله عز وجل وهو حديث عائشة، أنه ( كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي )، وهو مشتمل على دعاء، وعلى ثناء على الله عز وجل، ثم بعد ذلك جملة من التراجم المشتملة على أنواع من الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السجود، ومن هذه الأنواع هذا الحديث، أو ما اشتمل عليه هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها: أنها سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء، وكان ذلك في مناسبة حصلت لها، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وكان في مضجعه، فتنبهت وإذا هو ليس في مضجعه، فظنت أنه ذهب إلى بعض جواريه، وهذا فيه بيان ما كانت عليه النساء من الغيرة على الأزواج، فبحثت عنه عليه الصلاة والسلام، فوجدته ساجداً، وهو يدعو في سجوده ويقول هذا الدعاء: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)، يعني أنه قام من مضجعه يصلي عليه الصلاة والسلام، وكان يدعو في سجوده بهذا الدعاء: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) وهذا من الجوامع، أن العبد يسأل الله عز وجل أن يغفر له سره وعلانيته، ما حصل له في السر، وما حصل له في العلانية، ومن المعلوم أن أحواله تنقسم إلى قسمين: سر وعلانية، فالمصلي عندما يدعو ربه بهذا الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل الله عز وجل أن يغفر له ما أسره وما أعلنه، وهذا من جوامع الأدعية التي كان يدعو بها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في دعاء النبي في السجود: (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وهو محمد بن قدامة المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    وهو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن هلال بن يساف].
    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [قالت عائشة...].
    وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها في آيات من سورة النور، وهي من أوعية السنة، وممن حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها روت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الأحاديث المتعلقة بأحوال البيوت، والتي تجري بين الرجل وبين أهله، فإنها حفظت الشيء الكثير في ذلك وفي غيره، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم الذين حفظوا السنن وتلقوها وأدوها إلى من بعدهم، فمن أخذ وعمل بتلك السنن التي جاءت عن طريق الصحابي، أو عن طريق الصحابية، كالذي جاء عن طريق عائشة رضي الله عنها وأرضاها من السنن، فإن أي عامل يعمل بتلك السنن، فإنه مأجور على عمله الذي جاء عن طريقه ذلك، والذي استفاد عن طريقه ذلك، يكون مأجوراً مثل أجور ذلك العامل، ولهذا فإن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم مأجورون على أعمالهم، ومأجورون على ما يعمله العاملون من السنن التي جاءت عن طريقهم، فإن الأحاديث التي يروونها هم الواسطة وهم السبب فيها، فكل من عمل بتلك السنة، فإنه يكون مأجوراً على عمله بها، ويكتب الله عز وجل لمن كان هو الدليل، ولمن كان واسطةً في ذلك، وهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل أجور العاملين، وكذلك يكتب لمن بعدهم والذين كانوا سبباً في حفظها، أي: حفظ السنن، مثل أجور من عمل بها؛ لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وكذلك: (من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله)، ومعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، هم الذين دلوا على هذا الخير، الذي تلقوه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا صاروا أفضل الناس، وصاروا خير الناس، ولهم مثل أجور من جاء بعدهم ممن أخذوا عنهم السنن، وممن عملوا بتلك السنن التي جاءت عن طريقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ولهذا فإن محبتهم علامة الإيمان، وبغضهم أو بغض أحد منهم علامة النفاق، وعلامة الخذلان، وليس هناك أعظم خذلاناً ممن يبتلى بأن يكون في قلبه غل على أصحاب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، والله عز وجل أخبر في سورة الحشر أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: المهاجرين، والأنصار، والذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار، سائلين الله عز وجل ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، فهذه هي علامة الإيمان، وعلامة الهداية، والناس ثلاثة أصناف لا رابع لها، الناجون، والذين هم على الحق والهدى، هم هؤلاء الأصناف الثلاثة: المهاجرون، والأنصار، والذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار مستغفرين لهم، سائلين الله عز وجل ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وحقداً عليهم، ومن كان في قلبه حقد وغل على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن هذه هي العلامة الواضحة على أنه مخذول، وعلى أنه جنى على نفسه، وعلى أنه جر البلاء إلى نفسه؛ لأن هؤلاء الأخيار، وهؤلاء الصفوة المختارة، لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، وقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في حق الأنصار: (أن آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار)؛ وذلك لأنهم نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أظهر الله على أيديهم دينه، وكذلك المهاجرون مثلهم؛ لأنهم تركوا بلادهم، وجاءوا لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وللجهاد معه، فمن يحب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام سعى إلى جلب الخير إلى نفسه، ومن كان في قلبه بغض لهم، أو لأحد منهم، فإنه جنى على نفسه، وجلب المصائب على نفسه، ونادى على نفسه بأنه مخذول ممن خذله الله.
    فـعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، ممن حفظ الله تعالى بها سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك غيرها من الصحابة، الذين حفظ الله تعالى بهم السنة، وكانوا هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلمون لا يربطهم بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا الصحابة، ولا يعرفون شيئاً جاء عن رسول الله، إلا عن طريق الصحابة، فإذا قطعت الصلة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بالقدح في الصحابة، وبالنيل من الصحابة، فإن هذا علامة الخذلان، وأن الإنسان لا صلة له بالرسول صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا علاقة له بالرسول، ولا تربطه به أي علاقة؛ لأن فيه رد للشريعة، ورد للكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، وقد قال أبو زرعة الرازي رحمة الله عليه، وهو من علماء القرن الثالث الهجري، ومن أئمة الجرح والتعديل، ومعروف بكلامه في ذلك، كان يقول كلمة رواها عنه الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية بإسناده إليه، أنه قال: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، ثم بين ذلك فقال: وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة، أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -يعني يشير إلى الذين يقدحون فيهم- يجرحون شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، وذلك أن القدح في الناقل قدح في المنقول، القدح في الصحابة قدح للكتاب والسنة؛ لأن الكتاب والسنة ما جاء إلا عن طريق الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة، وإذا كان من خذله الله عز وجل لا يقدر الصحابة، ولا يعرف فضل الصحابة، بل يذمهم، ويعيبهم، ولا يقبل ما جاء عن طريقهم، فما هو الحق الذي في يده؟! إنه ليس في يده إلا الخذلان، وليس في يده إلا الحرمان، وليس في يده إلا الوقوع في حبائل الشيطان.
    شرح حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (رب اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظننت أنه أتى بعض جواريه، فطلبته، فإذا هو ساجد يقول: رب! اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)].ثم ذكر الحديث من طريق آخر، وهو مثل الذي قبله إلا أنه بلفظ: (رب! اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)، بدل: (اللهم اغفر لي) فهو رب، يعني: يا رب، و(اللهم)، يعني: يا ألله؛ لأن (اللهم) معناها يا ألله، يعني حذفت ياء النداء وعوض عنها ميم في الآخر، والروايتان جاءتا بلفظ واحد إلا في هذا اللفظ، ولا فرق بين اللفظين؛ لأن (اللهم) هي بمعنى يا رب، أو بمعنى رب.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (رب اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].وهو أبو موسى الملقب بـالزمن، كنيته أبو موسى، وهو العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، إذ كانت وفاته قبل البخاري بأربع سنوات، فـالبخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقد ذكرت فيما مضى أن هناك شيخين للبخاري، هما مثل محمد بن المثنى في كونهم من صغار الشيوخ، وكونهم ماتوا في سنة واحدة، وهما: محمد بن بشار بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة: محمد بن المثنى الذي معنا، ومحمد بن بشار بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة روى لهم أصحاب الكتب الستة مباشرةً وبدون واسطة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثنا محمد].
    غير منسوب، والمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، إذا جاء محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى يرويان عن محمد غير منسوب، فالمراد به ابن جعفر الذي هو: غندر، وكذلك إذا جاء محمد يروي عن شعبة غير منسوب، فالمراد به محمد بن جعفر غندر، فمحمد هذا غير منسوب وهو ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وما بعد شعبة قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا منصور بن المعتمر، وهلال بن يساف، وعائشة.
    نوع آخر من الدعاء


    شرح حديث علي: (أن رسول الله كان إذا سجد يقول: اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا عمرو بن علي ، أخبرنا عبد الرحمن هو: ابن مهدي ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، حدثني عمي الماجشون بن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقول: اللهم لك سجدت، ولك أسلمت، وبك آمنت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)].

    أورد النسائي نوعاً آخر من الدعاء في السجود، وهو عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: [(أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سجوده يقول: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وعليك توكلت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)].
    فهذا دعاء من الأدعية الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في السجود، وقد جاء عن علي رضي الله تعالى عنه، بهذا اللفظ وبألفاظ أخرى، وفيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له، وأن وجهه سجد له، ثم يثني على ربه الذي خلقه فأحسن خلقه، وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، فجعل في وجهه السمع والبصر، ويسمع بسمعه الأصوات، ويبصر ببصره المرئيات، وهي من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، فالعبد يثني على ربه، ويعظمه، ويذكر آلاءه عليه، ونعمه عليه، وأنه ما من نعمة إلا وهي منه سبحانه وتعالى، ثم بعدما ذكر هذه الهيئة التي خلقه الله تعالى عليها، وهي أنه خلقه وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، قال: (فتبارك الله أحسن الخالقين)، والمراد بالخالق هنا بمعنى المقدر، الخالقين بمعنى: المقدرين؛ لأن الخالق يأتي بمعنى الموجد من العدم، وهذا لا يوصف به إلا الله عز وجل، فهو الذي يوجد الشيء من العدم، ويأتي بمعنى التقدير، وهذا يضاف إلى الله عز وجل، ويضاف إلى غيره، ولكن إنما يضاف إلى الله عز وجل من التقدير ما يناسبه ويليق بكماله وجلاله، وما يضاف إلى العباد يليق بنقصهم وافتقارهم؛ ولهذا جاء: (فتبارك الله أحسن الخالقين) والمراد بذلك: المقدرين؛ لأن الله تعالى يقدر، وغيره يقدر، ولكن تقدير الله عز وجل يليق بكماله وجلاله، وتقدير المخلوقين يليق بضعفهم وافتقارهم، وكل تقديره يناسبه، ولكن ليس أحد يقدر كتقدير الله، بل الله عز وجل يعلم الشيء كيف يكون، ثم يوجده على الوجه الذي كان عليه، وأما الناس فقد يقدر الإنسان، ولكنه لا يقدر على أن ينفذ الشيء الذي قدره، وعلى هذا فإن الخلق يفسر بمعنى الإيجاد من العدم، وهذا لا يضاف إلا إلى الله عز وجل، ويفسر بمعنى التقدير، وهذا هو الذي يضاف إلى الله عز وجل ويضاف إلى غيره، مع الفرق بين ما يضاف إلى الله عز وجل وما يضاف إلى المخلوقين.
    وقوله: (فتبارك الله أحسن الخالقين) هو من هذا القبيل، الذي هو من قبيل التقدير، وأن الله تعالى يقدر وغيره يقدر، ولكن ليس تقدير غيره يشبه تقديره، بل تقديره وفعله هو الذي في غاية الكمال، وأما غيره فهو يليق بضعفه وافتقاره، وقد ذكر هذا ابن القيم رحمه الله، في كتابه شفاء العليل، بين أن هذا المعنى، أو أن هذه الآية الذي يناسب في تفسيرها، ما دام أنه ذكر فيها من هو خالق مع الله، أنه بمعنى التقدير، (تبارك الله أحسن الخالقين)، الله تعالى يخلق وغيره يخلق، بمعنى يقدر، لكن لا أحد يوجد من العدم، بل هو وحده الذي يوجد من العدم، ولهذا يأتي في كلام العرب ذكر الخلق مضافاً إلى العباد ويراد به التقدير، ومن ذلك قول الشاعر يمدح ممدوحه:
    ولا أنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
    يعني: أنت تقدر وترسم لنفسك خطة ثم تنفذ، يعني: تقول وتفعل، لست ممن يقول ثم لا يتمكن من الفعل، بل أنت ترسم الخطة وترسم الشيء الذي تريده، وتنفذ ما أردت وما قدرت، ولا أنت تفري ما خلقت، وأصل الفري هو أن الحذاء عندما يريد أن يعمل النعال، يكون عنده الجلد، فيعمل بالقلم، يعني رسمة لمقدار الرجل، يعني على هيئة الرجل في الجلد، ثم يأتي بالمقص ويقص على مكان التقدير، فإذا كان حاذقاً في القص، يأتي به بسرعة على نفس الرسم، وإذا كان ليس بحاذق، فإنه يميل شمالاً ويكون معروجاً ولا يكون مستقيماً، فهذا هو معنى قوله: ولا أنت تفري ما خلقت، يعني: تقدر ثم تشك طبقاً لتقديرك، وطبقاً لما رسمته لنفسك.
    ومنه قول الحجاج في خطبته في العراق:
    إنني لا أقول إلا أمضيت ولا أخلق إلا فريت
    ولا أخلق إلا فريت، يعني: ما أقدر إلا وأنفذ، معناه: لست من الناس الذين يتكلمون، ثم تخالف أفعالهم، أقوالهم، أقول القول ثم لا أنفذه، بل أنا أقول القول وأنفذه، وأنا لا أقول إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، يعني: ما أقدر إلا وفريت وفقاً لتقديري، فهذا هو معنى الخلق في هذه الآية الذي يناسبه ذكر الخالقين، وأما الخلق بمعنى الإيجاد من العدم، فهذا مما اختص به الله سبحانه وتعالى، ولهذا من الأسماء التي لا يصلح أن يسمى بها غير الله: الرحمن، والخالق، والصمد. هذه من الأسماء التي لا تضاف إلا إليه سبحانه وتعالى، ولا تطلق إلا عليه، ولا تطلق على غيره، يعني هذا الإطلاق، الصمد أو الخالق أو الرحمن، وإنما هذه من الأسماء التي يختص بها، وقد ذكر هذا ابن كثير رحمه الله في أول تفسيره لسورة الفاتحة، في تفسير القرآن العظيم عند تفسير سورة الفاتحة، وذكر الرحمن الرحيم، إما في البسملة وإما في الرحمن الرحيم، ذكر أن الرحمن من الأسماء التي لا تضاف إلا إلى الله عز وجل، بخلاف الرحيم، فإنه يطلق على غير الله، وقد جاء في القرآن وصف الرسول أنه رحيم، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )[التوبة:128]، فهذا وصف الله تعالى به رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه رءوف رحيم، لكن (رحمن) ما تطلق إلا على الله، و(خالق) ما يطلق إلا على الله، و(الصمد) ما يطلق إلا على الله، وقد ذكر هذا ابن كثير رحمه الله كما قلت في أول تفسيره للقرآن الكريم عند تفسير سورة الفاتحة؛ ولهذا لما تطاول مسيلمة الكذاب وقال عن نفسه: إنه رحمان اليمامة، وأطلق عليه ذلك، ظفر بهذا اللقب الذي يلازم اسمه فصار يقال له: الكذاب، بحيث لا يذكر اسمه إلا ويقرن به كلمة: (الكذاب).
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (أن رسول الله كان إذا سجد يقول: اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت...) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، المحدث، الناقد، ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من النقاد، وكثيراً ما يأتي ذكره عند تراجم الرجال يقال: قال فيه الفلاس كذا، ويقال: عمرو بن علي، وهو الفلاس، والنسائي كثيراً ما يذكره بهذا اللفظ عمرو بن علي.
    [أخبرنا عبد الرحمن هو ابن مهدي].
    وهو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة ثبت، ممن كلامه في الرجال كثير، وهو محدث، ناقد، وعمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن، ولم يقل: ابن مهدي، لكن من دون عمرو بن علي، أي: النسائي أو من دون النسائي، هو الذي قال: هو ابن مهدي، أراد أن يوضح من هو عبد الرحمن؛ لأن عمرو بن علي لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما يقول: عبد الرحمن بن مهدي رأساً، ينسبه كما يريد؛ لأن التلميذ ينسب شيخه كما يريد، لكن من دون التلميذ هو الذي يحتاج إلى أن يضيف هذه الإضافة، حتى يعلم أنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وعبد الرحمن بن مهدي حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة].
    وهو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عمي الماجشون بن أبي سلمة].
    وهو يعقوب، ولقبه الماجشون، واسمه يعقوب بن أبي سلمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الملقب بـالأعرج، ذكر باسمه ولقبه، وهو مشهور باللقب، ومشهور أيضاً بالاسم، يأتي ذكره عبد الرحمن بن هرمز، ويأتي ذكره الأعرج، ويجمع بين الاسم واللقب فيقال: عبد الرحمن الأعرج، وهو: المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن أبي رافع].
    أبوه هو أبو رافع مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعبيد الله بن أبي رافع هذا ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو كاتب علي رضي الله عنه، كان كاتباً لـعلي رضي الله عنه، وهو هنا يروي عن علي، وكان كاتب علي، ومعناه الارتباط بينه وبينه حاصل وموجود، من جهة أنه ملازم له؛ لأنه كان كاتباً له.
    [عن علي].
    وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وصهره على ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها، وهو أبو الحسنين: الحسن، والحسين رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله تعالى عن الجميع، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء


    حديث جابر: (أن النبي كان يقول في سجوده: اللهم لك سجدت...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا يحيى بن عثمان ، أخبرنا أبو حيوة ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يقول في سجوده: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)].
    أورد النسائي: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو قريب من لفظ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه المتقدم.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].
    وهو يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [أخبرنا أبو حيوة].
    وهو شريح بن يزيد الحمصي، وقد وثقه ابن حبان، وأخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا شعيب بن أبي حمزة].
    وهو شعيب بن أبي حمزة الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن المنكدر].
    وهو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، أبوه استشهد يوم أحد، وهو عبد الله بن حرام، وهو الذي جاء عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـجابر: (إن الله لم يكلم أحداً إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحاً)، وجابر بن عبد الله أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وعائشة أم المؤمنين، وقد قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    نوع آخر من الدعاء

    حديث محمد بن سلمة: (أن النبي كان إذا قام من الليل يصلي تطوعاً قال إذا سجد: اللهم لك سجدت...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا يحيى بن عثمان ، أخبرنا ابن حمير ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر وذكر آخر قبله، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي تطوعاً قال إذا سجد: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، اللهم أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)].
    أورد النسائي حديث محمد بن مسلمة، وهو مثل أو قريب من حديث علي وجابر المتقدمين.
    قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].
    وهو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [أخبرنا ابن حمير].
    وهو محمد بن حمير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا شعيب بن أبي حمزة].
    وقد مر ذكره.
    [عن محمد بن المنكدر وذكر آخر قبله].
    يعني شعيب بن أبي حمزة روى عن شخصين، لكن لم يصرح من هو دون شعيب بهذا الثاني، ومن المعلوم أن عدم التصريح به لا يؤثر على الإسناد؛ لأن الإسناد عن محمد بن المنكدر، ومحمد بن المنكدر ثقة فاضل، ما يتفرد به يعول عليه، فسواءً عرف أن أحداً شاركه أو لم يعرف، فالرجل ثقة، ويعول على ما يأتي من طريقه، ولم يسم ذلك الشخص الذي ذكره شعيب، لم يسمه من دون شعيب، وإنما اكتفى بذكر محمد بن المنكدر وقال: إنه ذكر، أي شعيب آخر قبله، يعني: قبله في الذكر.
    [عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج].
    وقد مر ذكره.
    [عن محمد بن مسلمة]
    ومحمد بن مسلمة هو الأنصاري، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويقال: هو أكبر من يسمى محمداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم.
    والحديث سبق أن مر بنا في ذكر الركوع، وفيه الثناء في الركوع، وفيه ذكر محمد بن المنكدر، ورجل آخر قبله.
    نوع آخر من الدعاء في السجود


    شرح حديث عائشة: (أن النبي كان يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار القاضي ومحمد بن بشار، عن عبد الوهاب، حدثنا خالد، عن أبي العالية، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)].

    أورد النسائي حديث آخر، يتعلق بدعاء من أدعية السجود، وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن)، وسجود القرآن يحتمل أن يكون سجود تلاوة، أو يكون سجود صلاة الليل التي يقرأ فيها القرآن، وتطول فيها القراءة، ويمر المصلي بالسور التي فيها السجدة فيسجد، فيمكن أن يكون المراد بسجود القرآن سجود التلاوة، ويمكن أن يراد به غيره، ومن المعلوم أنه في سجود التلاوة يقال ما يقال في سجود الصلاة، وهذا اللفظ ثبت في الصلاة من طرق أخرى عن غير عائشة رضي الله تعالى عنها، فيصلح أن يؤتى به في سجود التلاوة، وأن يؤتى به في سجود الصلاة، أنه كان يقول: (سجد وجهي لله الذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته) يعني هذا الفعل الذي فعله الله عز وجل هو بحوله وقوته؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهو الذي أوجد الإنسان على هذه الهيئة، وهو الذي شاء ذلك وفعل، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي كان يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه...)
    قوله: [أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار القاضي].
    وهو سوار بن عبد الله بن سوار القاضي البصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [ومحمد بن بشار].
    ومحمد بن بشار -أيضاً- شيخ ثان له، وهو بندار الذي سبق الإشارة إليه قريباً مع محمد بن المثنى، وهو رفيق محمد بن المثنى، وزميله الذي شاركه في الشيوخ والتلاميذ، وشاركه في سنة الولادة وسنة الوفاة، وقد قال عنهما الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان؛ لأنهما ولدا في سنة واحدة، وماتا في سنة واحدة، وهما من أهل البصرة، واتفقا في الشيوخ، واتفقا في التلاميذ، فهما كفرسي رهان، ما كل واحد يسابق الثاني؛ لتباريهما وتقاربهما، فهما متماثلان في هذه الأمور، فأطلق عليهما أنهما كفرسي رهان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة.
    [عن عبد الوهاب].
    وهو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا خالد].
    وهو خالد بن مهران البصري الحذاء، وهو مشتهر بلقب الحذاء، وقيل: السبب في ذلك أنه كان يجالس الحذائين فنسب إليهم، وهي من النسب التي إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن إذا قيل: الحذاء، أنه يصنع الأحذية أو يبيعها، فيقال: الحذاء، لكن كونه يقال له: الحذاء؛ فقط لكونه يجلس عند الحذائين، فهذا لا يسبق إلى الذهن، ولا يتبادر للذهن أنه ينسب حذاء بسبب جلوسه عند الحذائين، وإنما الذي يتبادر للذهن أنه يبيع الأحذية، أو يصنعها، إما يعملها ويصنعها، أو أنه يبيعها فيقال له: حذاء.
    نوع آخر من الدعاء في السجود


    شرح حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (أعوذ برضاك من سخطك...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوجدته وهو ساجد وصدور قدميه نحو القبلة، فسمعته يقول: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
    أورد النسائي رحمه الله نوعاً آخر، وهو حديث عائشة رضي الله عنها: أنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبحثت عنه ووجدته ساجداً ناصباً قدميه، وصدور قدميه نحو القبلة، بمعنى أنه يجعل أصابعه متجهةً إلى القبلة، وهذا مثل ما جاء في حديث أبي حميد الساعدي: أنه يستقبل بأصابعه القبلة، أصابع قدميه، بحيث ينصب القدمين وتكون الأصابع متجهةً إلى القبلة، فهو في حديث أبي حميد الساعدي، وفي حديث عائشة هذا؛ لأن كونها صدورها إلى القبلة، معناه: أن الأصابع متجهةً إلى القبلة، وقد نصبها، فلم يضعها وضعاً، ولم يعرضها على يمينها وشمالها، وإنما جعلها منصوبة، وصدورها إلى القبلة، أطراف الأصابع متجهةً إلى القبلة، (وكان يقول في سجوده: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، وهذا الحديث سبق أن مر بنا في مواضع من سنن النسائي، وذكرت أن من أحسن من تكلم عليه وشرحه ابن القيم في كتابه شفاء العليل، فإنه عقد له باباً خاصاً من أبواب شفاء العليل، تكلم فيه على هذا الحديث وما اشتمل عليه من الحكم والأسرار، وما اشتمل عليه من الإيمان بالقضاء والقدر، وما اشتمل عليه من صفات الله عز وجل، والاستعاذة بصفاته وبأفعاله، والباب الذي عقده ابن القيم له من كتابه شفاء العليل، هو الباب السادس والعشرون من أبواب شفاء العليل؛ لأن شفاء العليل مشتمل على ثلاثين باباً تتعلق بالقضاء والقدر، والباب السادس والعشرون من هذا الكتاب هو شرح لهذا الحديث.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (أعوذ برضاك من سخطك...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة ثبت، إمام مجتهد، محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أنبأنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو الأنصاري المدني، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    هو التيمي، وهو ثقة، له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
    ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم جاءا في إسناد أول حديث في صحيح البخاري، وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، يعني: يرويه من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن شيخه محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن إبراهيم التيمي يروي عن علقمة بن وقاص الليثي، وعلقمة بن وقاص الليثي يروي عن عمر بن الخطاب.
    محمد بن إبراهيم التيمي هنا يروي عن عائشة، وهو من أوساط التابعين؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري من صغارهم، ومحمد بن إبراهيم التيمي من أوساطهم.
    ويحيى بن سعيد يطلق على أربعة أشخاص: اثنان في طبقة، واثنان في طبقة.
    يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأموي، هذان في طبقة واحدة، من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، يحيى بن سعيد القطان الذي يمر ذكره كثيراً في شيوخ شيوخ النسائي، ويحيى بن سعيد الأموي، أما الآخران فهما: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد، ولعله التيمي أبو حيان، وهما في طبقة واحدة من طبقة صغار التابعين، والأربعة من رجال أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء في السجود

    شرح حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.

    أخبرني إبراهيم بن الحسن المصيصي المقسمي، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء، أخبرنا ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسسته فإذا هو راكع أو ساجد يقول: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت. فقالت: بأبي أنت وأمي إني لفي شأنٍ، وإنك لفي آخر)].

    أورد النسائي حديث عائشة: وهو أنها فقدت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وظنته ذهب إلى بعض نسائه، فبحثت عنه فوجدته راكعاً أو ساجداً، ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فقالت: بأبي أنت وأمي إنك لفي شأن، وأنا في شأن آخر). قولها: (بأبي أنت وأمي) يعني: ليس قسم وليس حلف، وإنما هو تفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، هذا هو المقصود بهذا الكلام، قولها: (أنت في شأن وأنا في شأن آخر) يعني: هي تظن أنه ذهب إلى بعض نسائه، وهو في شأن آخر وهو الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قول النبي في سجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت...)
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن المصيصي المقسمي].ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجاج].
    وهو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن جريج].
    وهو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، مشهور بـابن جريج، وهو ثقة، فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن أبي مليكة].
    وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #214
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (211)


    - (تابع باب نوع آخر من الدعاء في السجود) إلى (باب الرخصة في ترك الذكر في السجود)
    لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الدعاء في السجود، وفيها ما هو ثناء، وفيها ما هو دعاء، والغالب على السجود أن يكون فيه الدعاء، والغالب على الركوع أن يكون فيه التعظيم والثناء.
    تابع نوع آخر من الدعاء في السجود

    ‏ شرح حديث عوف بن مالك في قول النبي في سجوده: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء في السجود، نوع آخر.أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا الحسن بن سوار حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس الكندي: أنه سمع عاصم بن حميد يقول: سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: (قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ، ثم قام فصلى، فبدأ فاستفتح من البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ، ثم ركع فمكث راكعاً بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم قرأ آل عمران، ثم سورةً ثم سورةً فعل مثل ذلك)].
    الترجمة المتقدمة قريباً، وكذلك في بعض التراجم اللاحقة تتعلق بالدعاء في السجود، وقد ذكر النسائي أنواعاً من الدعاء، وفيها ما هو ثناء، وفيها ما هو دعاء، وقد عرفنا فيما مضى: أن الغالب على السجود أن يكون فيه الدعاء، والغالب على الركوع أن يكون فيه التعظيم، وأنه أيضاً يكون في السجود التعظيم، ويكون في الركوع الدعاء، وعرفنا أن حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوع وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، يدل على الاثنين؛ لأن (سبحانك اللهم وبحمدك)، ثناء، و(اللهم اغفر لي)، دعاء، فهي تأتي في الركوع، وهي مشتملة على دعاء، وتأتي في السجود، وهي مشتملة على ثناء، إذاً الغالب على السجود أن يكون فيه دعاء، وأيضاً يثنى على الله عز وجل فيه، والغالب على الركوع أن يكون فيه ذكر وثناء، وأنه يجوز أن يدعى الله عز وجل فيه.
    وقد أورد النسائي في حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، فقام واستاك وتوضأ، ثم صلى فقرأ البقرة، فكان لا يمر بآية فيها رحمة إلا وقف يسأل، ولا يمر بآية فيها وعيد إلا وقف يتعوذ، ثم ركع فأطال الركوع، ويقول في ركوعه: [(سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)]، وكذلك في سجوده كان يقول ذلك، ومحل الشاهد منه كان يقول في سجوده: [(سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، فهو ثناء على الله عز وجل، وهو ذكر لله سبحانه وتعالى، وهو مما يدل على أن السجود يذكر الله عز وجل فيه، وإن كان الغالب فيه الدعاء، ثم قرأ آل عمران، ثم سورة، يعني أنه يقرأ في كل ركعة سورة، وهذا في صلاة الليل؛ لأنه كان يطيل القراءة، ويطيل الركوع، ويطيل السجود، ويطيل ما بعد الركوع، ويطيل ما بين السجدتين، فكان يطيل صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل، ويقرأ بالسور الطوال.
    تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك في قول النبي في سجوده: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
    قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].وكلمة أخبرني وأخبرنا، يأتي أحياناً ذكر أخبرني، وأحياناً ذكر أخبرنا، والغالب أن أخبرني تأتي إذا أخذ عن الشيخ وحده وليس معه أحد، وأما أخبرنا فإنه إذا أخذ ومعه غيره، وقد يأتي ذكر أخبرنا إذا كان أخذ وحده؛ لأن المفرد يحصل منه أن يأتي بصيغة الجمع وإن كان شخصاً واحداً مثل نحن ، لكن الغالب أنهم يفرقون بين ما إذا كان أخذ وحده، وإذا كان أخذ ومعه غيره، إذا كان أخذ وحده يقول: أخبرني، وإذا كان أخذ ومعه غيره يقول: أخبرنا.
    وهارون بن عبد الله، هو الحمال البغدادي، لقبه الحمال، وهو بغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الحسن بن سوار].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن الليث بن سعد].
    هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، إمام، مشهور، هو فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحافظ ابن حجر له ترجمة خاصة بـالليث في مؤلف اسمه: الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية، وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وذكر فيها جملة من أخباره، وكذلك اصطلاحاته، يعني أنه كان إذا روى عن مدلس لا يروي إلا ما أمن تدليسه فيه، وقال: إنه لا يعلم مسألة خالف فيها، وكان يعني خلافه في تلك المسألة وهي أكل الجراد الميت، قال: الجراد إذا كان ميتاً فإنه لا يؤكل، ومن المعلوم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أحلت لنا ميتتان ودمان، الكبد والطحال، والجراد والحوت)، الميتتان: الجراد والحوت، الميتة الجراد، ككونه حياً، لا فرق بين كونه حياً وكونه ميتاً في الحل، كله حلال، ما كان ميتاً وما كان حياً، إذا أدركه وهو ميت فهو حلال، قال: إن هذه مسألة خالف فيها الليث بن سعد، وهي التي في الخلاف فيها نظر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن صالح].
    هو معاوية بن صالح بن حدير الحمصي، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمرو بن قيس الكندي].
    ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عاصم بن حميد].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .
    [سمعت عوف بن مالك الأشجعي].
    صحابي معروف، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء في السجود


    شرح حديث حذيفة بن اليمان في قول النبي في سجوده: (سبحان ربي الأعلى...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاستفتح بسورة البقرة، فقرأ بمائة آية لم يركع فمضى، قلت: يختمها في الركعتين فمضى، قلت: يختمها ثم يركع فمضى، حتى قرأ سورة النساء، ثم قرأ سورة آل عمران، ثم ركع نحواً من قيامه يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، وأطال القيام، ثم سجد فأطال السجود، يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، لا يمر بآية تخويف أو تعظيم لله عز وجل إلا ذكره)].
    أورد النسائي نوعاً آخر من الذكر في السجود، وقد أورد فيه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وعن أبيه، فهو صحابي ابن صحابي، وذكر فيه حذيفة: أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقال: يقف عند المائة، ثم تجاوز المائة، ثم قال: إنه يختمها في ركعتين، معناه أنه يقسم السورة إلى ركعتين، ثم تجاوز ، ثم قال: يختمها في ركعة، فلما فرغ منها بدأ بسورة النساء، ثم بدأ بسورة آل عمران، يعني أنه قرأ ثلاث سور في ركعة واحدة، بدأ بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران، وهذا يدل على إطالته الصلاة في قيام الليل، وأنه يقرأ هذا المقدار الكبير في ركعة واحدة، الذي هو مقدار خمسة أجزاء وزيادة، يعني سدس القرآن وزيادة؛ لأنه يبقى بعد الزيادة على الخمسة الأجزاء يعني ربع جزء، وهذا يدل على إطالته القراءة في صلاة الليل، ثم أيضاً يدل على قراءة سورة قبل سورة، وذلك أن آل عمران مقدمة -كما هو موجود في المصحف- على النساء، ومع ذلك قرأ النساء قبل آل عمران، وبعض العلماء يقول: إن ترتيب السور بالاجتهاد، وبعضهم يقول: إنه بالنص، بعض العلماء يقول: إنه بالنص، معناه كون كل سورة بعد التي قبلها، هذا بالنص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجمهور العلماء يقولون: على أنه بالاجتهاد لا بالنص، قالوا: ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابة السور، فتجد هذه السورة قبل هذه السورة، وأما ترتيب الآيات، فبالاتفاق أنه بالنص، لا خلاف فيه، وأما ترتيب السور فهو بالاجتهاد في قول جمهور العلماء، وفي قول بعضهم: أنه بالنص، وهذا الحديث يدل على قراءة سورة قبل سورة، ويدل عليه الحديث الذي سبق أن مر بنا، وهو حديث الرجل الذي يختم بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، يؤم أصحابه، ثم يختم قراءته بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، فإنه إذا كان يختم قراءته بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، ومن المعلوم أنه ليس بعد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، في المصحف إلا سورتان، وهما سورة الفلق والناس، وباقي سور القرآن كلها قبل (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]؛ لأن سور القرآن مائة وأربعة عشر سورة، ليس بعد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )[الإخلاص:1]، من سور القرآن إلا سورتان، وهذا لا يتأتى إلا إذا قرأ يعني سورة متقدمة بعد سورة متأخرة.
    وكان لا يمر بآية فيها تخويف أو تعظيم إلا ذكره، يعني يعظم الله عز وجل، إذا كان شيئاً فيه تعظيم، وإذا كان فيه تخويف يتعوذ، ثم ركع فأطال الركوع، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم)، ثلاث مرات، ثم رفع وأطال القيام، بعد الركوع، ثم سجد وأطال السجود، وكان يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، ثلاث مرات، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في السجود، والذكر في السجود، أو الدعاء في السجود؛ لأنه كان يقول: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، ثلاث مرات.
    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة بن اليمان في قول النبي في سجوده: (سبحان ربي الأعلى...) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا جرير].
    وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعمش، ويأتي ذكره باللقب وذكره بالاسم، ومعرفة ألقاب المحدثين من أنواع علوم الحديث التي معرفتها لها أهمية، وذلك لكي لا يظن الشخص الواحد شخصين، لكي لا يظن التعدد فيما إذا جاء ذكره باسمه وذكره بلقبه، فإن من لا يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران، يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر، لكن من يعلم أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش لا يلتبس عليه الأمر، ويندفع عنه توهم هذا الخطأ.
    وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن عبيدة].
    هو سعد بن عبيدة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المستورد].
    هو المستورد بن الأحنف، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن صلة بن زفر العبسي].
    ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة بن اليمان].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وابن صاحبه، فهو صحابي ابن صحابي، ووالده استشهد يوم أحد، وحديثه -حديث حذيفة - عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الدعاء في السجود


    شرح حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.
    أخبرنا بندار محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي قالا: عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)].
    أورد النسائي نوعاً آخر من الذكر والدعاء في السجود، وأتى بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، وهذا قد مر فيما يتعلق بالركوع، وأن هذا من الذكر الذي يؤتى به في الركوع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله في الركوع والسجود، ولهذا أورده هنا في أبواب السجود، وقد أورده من قبل في أبواب الركوع، [(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)]، وكل هذا ثناء على الله عز وجل وتعظيم، وهو يدل على ما ذكرت من قبل أن السجود الغالب أنه يكون فيه الدعاء، وأنه يثنى فيه على الله عز وجل، وهذا من الثناء على الله عز وجل، والدليل على أن الركوع يعظم فيه الرب والسجود يكثر فيه من الدعاء، الحديث الذي سبق أن مر، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، وهذا مما فيه الذكر في السجود، [(سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)]، والحديث سبق أن مر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
    قوله: [أخبرنا بندار محمد بن بشار]. ذكره بلقبه واسمه، وذكر اللقب أولاً، قال: حدثنا بندار وهو لقب محمد بن بشار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد القطان].
    المحدث، الناقد، المعروف بالكلام في الجرح والتعديل، البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وابن أبي عدي].
    ابن أبي عدي، يروي أيضاً معه، أي: مع يحيى بن سعيد القطان ابن أبي عدي، وهو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قالا: عن شعبة].
    يعني: الاثنان يرويان عن شعبة، وهما: يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، يرويان عن شعبة، وهو: ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها.
    وذكر في نسخة بين قوسين [قالا: عن سعيد]، وسعيد هو: ابن أبي عروبة، ممن روى الحديث عن قتادة، لكن الذي ورد عند النسائي هو عن شعبة، وليس عن سعيد، وكذلك هو موجود في تحفة الأشراف، وتحفة الأشراف ذكر رواية يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي وقال: كلاهما عن شعبة، وشعبة وسعيد بن أبي عروبة يرويان عن قتادة، وقد روى هذا الحديث عن قتادة لكن عند غير النسائي، يعني ليس في هذا الإسناد ذكر سعيد، ولكن فيه ذكر شعبة، وهذا هو الذي موجود في تحفة الأشراف، وعلى هذا فيكون قوله: قالا، هذا زائد يعني ليس من الإسناد، الإسناد هو بدون قالا: حدثنا سعيد؛ لأنهم روايتهم أي: يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي إنما هي عن شعبة، وشعبة يروي عن قتادة، وعلى هذا فالإسناد يكون بدون ما بين القوسين، وهذا هو الموجود في تحفة الأشراف، وأما سعيد بن أبي عروبة فهو قد روى هذا الحديث عن قتادة، لكن ليس عند النسائي في هذا الإسناد.
    [عن قتادة].
    وهو ابن دعامة السدوسي البصري. وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير البصري، وهو ثقة، عابد، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، هي المرأة الوحيدة من النساء الصحابيات التي حفظت الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي عائشة، وهؤلاء السبعة المكثرون من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، والسابع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وفيهم يقول السيوطي في ألفيته:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    وزوجة النبي المراد بها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد أنزل الله تعالى براءتها فيما رميت فيه من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهذا من فضلها ومن مناقبها كونه نزل فيها قرآن، ومع هذا الفضل وهذه المنقبة العظيمة، كانت تهضم نفسها، وتتواضع لله عز وجل، وكانت تقول كما جاء في الصحيح: وكنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله تعالى بها، ورؤيا الأنبياء وحي، فهي تريد أن يأتيه وحي لكن يكون في المنام، لكن كونه ينزل فيها قرآن يتلى، كانت تستكثر هذا على نفسها وهذا من تواضعها، ولهذا قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى، ولشأني في نفسي أهون، يعني: أنا ما أستحق أن ينزل في قرآن، وهذا هو كلام المتواضعين لله عز وجل، أهل الكمال، ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل كما قال الله عنهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، فرضي الله عنها وأرضاها، هذا كلامها عن نفسها، وهذا من تواضعها لله عز وجل، وكما قلت: هي من أوعية السنة، وحفظت الشيء الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما الأمور التي تتعلق في البيوت، والتي هي تحصل بين الرجل وأهله، فإنها حفظت الشيء الكثير في ذلك رضي الله عنها وأرضاها.
    بيان مناقب الصحابة وفضلهم في إيصال هذا الدين
    وسبق أن ذكرت: أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام معلوم باتفاق العلماء أنهم خير الناس، وأنهم أفضل الناس، وخير الأمم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وخير هذه الأمة هم أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا الفضل الذي حصلوه أولاً كونهم تشرفوا بصحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فرأوه بأبصارهم، وسمعوا كلامه بأسماعهم، فهذا شرف حصل لهم ما حصل لأحد سواهم، ما أكرم برؤية النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة إلا أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هم الذي رأوه، وهم الذين شاهدوه وعاينوه، وجاهدوا معه ونصروه، ثم أيضاً تلقوا الكتاب والسنة عنه، فصاروا الواسطة بينه وبين الناس، ولا صلة للناس بالرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة، وإذا لم يوصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عن طريق الصحابة، فإنه لا صلة بالرسول صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، لا صلة لأحد بالرسول إلا عن طريق الصحابة؛ لأن الكتاب والسنة جاء عن طريق الصحابة، فإذا لم يؤخذ الحق والهدى منهم، فليس بأيدي من نفض أيديه منهم، ليس بيده حق، وإنما بيده الضياع، وبيده الخسارة، وبيده الخذلان، وليس له نصيب من الحق والهدى. ثم من فضلهم ومناقبهم: أن هذه السنن التي تلقوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحفظوها وأدوها إلى من بعدهم، كل من عمل بها من زمانهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا هذه السنن وحفظوها وأدوها، مثل أجور كل من عمل بها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، وعلى العكس من ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين تلقوا هذه السنن وأحيوها، وحفظوها، وأدوها إلى الناس، لهم مثل أجور الناس إلى يوم القيامة، وهذا فضل وشرف لهم رضي الله عنهم، وعلى العكس من ذلك، الذين ابتدعوا بدع، وأحدثوا مذاهب منحرفة عن دين الحق والهدى، لأولئك الذين أحدثوها آثام إحداثهم، مثل أعمال الذين ضلوا وتبعوهم في الضلال، ولهذا جاء في الحديث: (ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم سلف أهل الهداية، وهم سلف أهل السنة والجماعة، وهم سلف الذين هم على الحق والهدى، وأما من انحرف عن طريق الصحابة، وحاد عن طريق الصحابة، فهذا ليس بيده إلا الخذلان، وليس بيده إلا الوقوع في حبائل الشيطان والعياذ بالله.



    عدد التسبيح في السجود

    شرح حديث أنس في عدد التسبيح في السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [عدد التسبيح في السجود.
    أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان حدثني أبي عن وهب بن مانوس سمعت سعيد بن جبير سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني عمر بن عبد العزيز - فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات)].
    أورد النسائي عدد تسبيح في الركوع والسجود، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى)، يريد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعمر بن عبد العزيز هو خليفة راشد، وهو من خيار خلفاء بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان؛ لأن معاوية بن أبي سفيان أفضل من عمر بن عبد العزيز ومن غيره؛ لأنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكاتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، فـمعاوية خير ملوك المسلمين، وهو أفضل ملوك المسلمين، هو أول ملوكهم وخير ملوكهم؛ لأنه صحابي، لأنه من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين حصل لهم شرف الصحبة، وعمر بن عبد العزيز خليفة راشد، لكنه لا يكون أفضل من معاوية؛ لأن معاوية صحابي وهو تابعي، والصحابة خير من التابعين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، فهناك عبارة مشهورة عند كثير من الناس يقولون عن عمر: خامس الخلفاء الراشدين، وهذا ليس بمستقيم؛ لأن معاوية أفضل منه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه خليفة راشد، وأنه ممن قام بالخلافة خير قيام، وسيرته مرضية، وأخباره حميدة، وثناء الناس عليه معروف ومشهور، وهو من أكثر الخلفاء ثناء وذكراً، إذا ذكر لا يذكر إلا بالخير رحمة الله عليه، وقد توفي وعمره أربعون سنة، رحمة الله عليه، وكان قبل أميراً على المدينة، ثم تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنتين، سنة تسع وتسعين، ومات في سنة مائة وواحد، ومدة خلافته سنتان رحمة الله عليه.
    وقال أنس يعني يشير إلى عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، قال الراوي: فحزرنا يعني ركوعه وسجوده عشر تسبيحات، في الركوع وفي السجود، حزرنا، يعني: قدرنا، كونه يقول: سبحان ربي الأعلى عشر مرات، أو سبحان ربي العظيم عشر مرات، والحديث الذي مر حديث حذيفة: (أنه كان يقول في الركوع: سبحان رب العظيم ثلاث مرات، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات)، وهنا يقول: إننا حزرنا صلاته، ولهذا يقول بعض الفقهاء: أن سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم الحد الأدنى من حيث الذكر مرة واحدة، هذا هو الذي يحصل به الوجوب على القول: بأنه واجب، أو القول بالسنة على أنه سنة، وأدنى الكمال ثلاث، قالوا: وأعلاه في حق الإمام عشر، ولا يطيل أكثر من ذلك؛ لأنه يشق على المأمومين إذا طول في سجوده وفي ركوعه.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في عدد التسبيح في السجود
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو القشيري النيسابوري، هو مثل مسلم قبيلة وبلدا؛ لأن مسلماً قشيري وهذا قشيري، ومسلم نيسابوري وهذا نيسابوري، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر عنهم الرواية، لأنه روى عن عدة مشايخ أكثر عنهم، وممن أكثر عنهم محمد بن رافع هذا، وهو من بلده ومن قبيلته، ولهذا إذا ذكروا البخاري ومسلم يقولون: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي مولاهم، ويقولون عن مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، حتى يميز عن المولى، من أنفسهم يعني أنه ينتسب إليهم أصلاً ونسباً، ولا ينتسب إليهم ولاءً، فـالبخاري ينتسب إلى الجعفيين ولاءً، ومسلم ينتسب إلى القشيرين نسباً، ولهذا يقولون عند مسلم: القشيري من أنفسهم، ويقولون عن البخاري: الجعفي مولاهم.
    ومحمد بن رافع، ثقة، عابد، خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه ، هذا مثل إسحاق بن راهويه، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    و محمد بن رافع هذا هو الذي روى عنه مسلم صحيفة همام بن منبه الطويلة، يعني الأحاديث التي انتقاها من صحيفة همام بن منبه هي من طريق، محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فالأحاديث التي ينتقيها من صحيفة همام بن منبه هي من طريق شيخه محمد بن رافع هذا.
    [حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان].
    صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أبي].
    وهو إبراهيم بن عمر بن كيسان، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي أيضاً.
    [عن وهب بن مانوس].
    وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مشهور، وروى عنه أبو داود، والنسائي أيضاً.
    [سمعت سعيد بن جبير].
    ثقة، فقيه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن توفاه الله، وأنس بن مالك يخدمه رضي الله عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم قريباً، وهذا الحديث الشيخ الألباني ذكر أنه ضعيف، ولعل السبب في ذلك هو وهب بن مانوس، وفي بعض كتاباته قال عنه: إنه حسن إن شاء الله.
    الرخصة في ترك الذكر في السجود

    شرح حديث رفاعة بن رافع في الرخصة في ترك الذكر في السجود
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك الذكر في السجود.أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ أبو يحيى بمكة وهو بصري حدثنا أبي حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك حدثه عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله، إذ دخل رجل فأتى القبلة فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك، اذهب فصل فإنك لم تصل، فذهب فصلى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق صلاته ولا يدري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك، اذهب فصل فإنك لم تصل، فأعادها مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: يا رسول الله ما عبت من صلاتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله عز وجل ويحمده ويمجده. قال همام: وسمعته يقول: ويحمد الله ويمجده ويكبره، قال: فكلاهما قد سمعته يقول، قال: ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله وأذن له فيه، ثم يكبر ويركع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يستوي قائماً حتى يقيم صلبه، ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه، وقد سمعته يقول: جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ويكبر فيرفع حتى يستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته)].
    أورد النسائي: باب الرخصة في ترك الذكر في السجود، لما ذكر الأبواب المتعلقة بالسجود والذكر فيه، وأنها متنوعة وكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بين أن ذلك ليس بلازم، وأنه إنما يكون سنة، وفي ذلك خلاف بين العلماء، منهم من قال: إن سبحان ربي الأعلى واجبة، يعني مرة واحدة، ومنهم من قال: إن كل الذكر في السجود هو سنة وليس بواجب، وقد أورد النسائي حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه، وذلك في قصة الرجل المسيء في صلاته، حيث جاء ودخل وأتى القبلة يعني لعله يريد بذلك مقدم المسجد، وأنه صلى والرسول صلى الله عليه وسلم يرمقه، فلما جاء وسلم عليه وعلى الحاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رد عليه السلام، وقال: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)]، فكرر ذلك مرتين أو ثلاثاً، ثم إنه جاء وقال: [(ما الذي عبته علي في صلاتي؟)]، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام الكيفية التي يفعلها في الصلاة، وهي غالبها تتعلق بالأفعال، وفيها ذكر شيء من الأقوال، وهو الدخول في الصلاة، وذكر بقراءة ما تيسر من القرآن، والحديث سبق أن مر بنا، ولكنه أورده هنا من أجل أنه قال: أنه يسجد حتى تسترخي مفاصله، وما قال: إنه يقول في سجوده كذا وكذا، يعني سكت عنه، قالوا: فدل هذا على أنه ليس بواجب، وأنه ليس بلازم، وأن الإنسان إذا تركه لا يكون عليه شيء، وكما قلت: بعض العلماء قال: بوجوب سبحان ربي الأعلى في السجود، وسبحان ربي العظيم في الركوع، وبعضهم قال: إن ذلك مستحب، وأنه لو لم يحصل منه شيء من ذلك أصلاً، فإنه لا يلزمه شيء، وصلاته تامة وصحيحة.
    والمقصود من إيراد هذا الحديث الطويل في قصة المسيء صلاته: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يسجد حتى يطمئن في سجوده، وتسترخي مفاصله، ولم يذكر أنه يقول في سجوده كذا، فهذا هو وجه الاستدلال بالحديث على الترجمة التي هي الرخصة في ترك الذكر في السجود، وقد سبق أيضاً أن مر أنه استدل بحديث المسيء في صلاته على ترك الذكر أو الرخصة في ترك الذكر في الركوع، والحديث واحد وليس فيه التعرض لذكر الدعاء، قالوا: فهو دال على أنه ليس بواجب، وأنه يرخص للإنسان أن يتركه.
    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة بن رافع في الرخصة في ترك الذكر في السجود
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ]. أبو يحيى بمكة وهو بصري، يعني أخبر المكان الذي أخذ منه هذا الحديث، وأخبر أنه بصري؛ لأنه لو قال: بمكة قد يفهم أنه بمكة وإن كان قالوا عنه: أنه من مكة، ووصفوه بأنه مكي، لكن أصله بصري، قال: وهو بصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه ، يروي عن أبيه عبد الله بن يزيد.
    [عبد الله بن يزيد].
    هو عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، فاضل، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان أقرأ القرآن مدة طويلة تزيد على سبعين سنة.
    [حدثنا همام].
    وهو همام بن يحيى، وهو ثقة، ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
    ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو حفيد أبي طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة هذا أخو أنس بن مالك لأمه، عبد الله بن أبي طلحة، وأبو طلحة هو زوج أم أنس بن مالك، وهذا يعني الذي هو يحيى عمه لأمه أنس بن مالك؛ لأنه أخو عبد الله بن أبي طلحة.
    [أن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع].
    الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن أبيه].
    هو يحيى بن خلاد بن رافع، وهو ثقة، وقد قيل: له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمه رفاعة بن رافع].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، كابن أخيه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #215
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (212)

    - باب أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل - باب فضل السجود
    إن أشرف المواطن في الصلاة هي السجود؛ لأن العبد في حال سجوده يكون خاضعاً لله عز وجل مخبتاً إليه، قد وضع أشرف شيء فيه -وهو وجهه- على التراب وعلى الأرض خضوعاً لله عز وجل، واستكانة إليه سبحانه وتعالى؛ لذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار فيه من الدعاء.
    أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل

    شرح حديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل.أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو يعني ابن الحارث عن عمارة بن غزية عن سمي: أنه سمع أبا صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)].
    يقول النسائي: أقرب ما يكون العبد من ربه؛ أي: الحالة التي يكون عليها الإنسان أقرب ما يكون إلى ربه سبحانه وتعالى، والمراد من ذلك حالة السجود؛ لأنه في حال سجوده يكون خاضعاً لله عز وجل مخبتاً إليه، قد وضع أشرف شيء فيه -وهو وجهه- على التراب وعلى الأرض خضوعاً لله عز وجل، واستكانة إليه سبحانه وتعالى، وفي هذه الحالة شرع الإكثار من الدعاء، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (فإنه قمن أن يستجاب لكم)، فهو من مواطن الدعاء، ومن مواضع قبول الدعاء، والمواضع التي حري أن يجاب بها الدعاء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [فأكثروا الدعاء]، يعني: فأكثروا الدعاء في هذا السجود؛ لأن هذه الحالة هي هيئة خضوع وذل لله سبحانه وتعالى، أي: في حال السجود يكثر الإنسان فيها من الدعاء، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في هذا الحديث، وأمر به في حديث آخر، وبين أن هذا من أسباب قبول الدعاء، حيث قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، فقوله: (فقمن أن يستجاب لكم)، يعني: أنه حري أن يستجاب لكم، فهي من الأحوال التي يكون فيها قبول الدعاء، ولهذا شرع للإنسان أن يكثر من الدعاء في هذه الحال التي هي حالة خضوع وذل لله سبحانه وتعالى.
    ومن المعلوم أن الإنسان تتفاوت أحواله في القرب من الله عز وجل، واتجاهه إليه سبحانه وتعالى، فإن الإنسان يكون في بعض الأحوال في حال غفلة وسهو ولهو، فلا يكون له ذلك الذي يربطه بالله عز وجل، ويجعله متعلقاً به سبحانه وتعالى، وفي بعض الحالات -مثل حالة السجود- يكون الإنسان مقبلاً على ربه، خاضعاً له في سجوده، يكثر من دعائه، ويبتهل إليه، ويعفر أشرف شيء فيه -وهو وجهه- بالأرض والتراب خضوعاً لله عز وجل واستكانة إليه، ولهذا شرع الإكثار من الدعاء.
    ثم إن هذا القرب هو بالنسبة للعبد، ومن المعلوم أن هذا يختلف عن إضافة قرب الله عز وجل؛ لأن قرب الله صفة من صفاته، وصفاته مثل ذاته لا يعرف كنهها، وأما بالنسبة للإنسان فهو معلوم، يعني هيئته وصفته، وإذاً: فالمراد منها هو كون هذه الحالة -التي هي حالة سجوده- حالة إقبال على الله عز وجل وخضوع، وذل، واستكانة، وهي من مواطن قبول الدعاء، والإنسان يكثر من الدعاء فيها.
    وبعض المتكلمين تكلم عند شرح هذا الحديث: بأن هذا فيه ذكر الجهة، وأن الجهة لا تضاف إلى الله عز وجل، وليس الكلام في الجهة عند هذا الحديث له وجه، ثم أيضاً الكلام في الجهة ليست من الألفاظ التي وردت في الكتاب والسنة، وهي تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً، فالحق أن الجهة هل تضاف إلى الله عز وجل أو لا تضاف إلى الله عز وجل؟ فيها تفصيل، إذا أريد بالجهة الجهة الوجودية؛ أن يراد بها داخل المخلوقات، فالله عز وجل ليس في جهة بهذا الاعتبار؛ لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن يحويه شيء مخلوق، وأن يكون حواه شيء مخلوق، فالسموات والأرض وما فيهما هي كالخردلة في كف أحد منا كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: (السموات والأرضين وما فيهن كالخردلة بيد أحدنا هي في كف الرحمن كالخردلة في يد واحد منا)؛ معناه: أنها حقيرة أمام عظمة الله عز وجل، وأمام جلاله سبحانه وتعالى، فإذا أريد بالجهة أمر وجودي وهو داخل السموات، فالله تعالى لا يحويه شيء مخلوق، وإن أريد بالجهة ما وراء العالم وما وراء العرش، وما فوق العرش، فإن ذلك عدم، وليس شيئاً موجوداً، والله عز وجل موجود فوق العرش، وهو بجهة في هذا الاعتبار، لكن إطلاق الجهة لكونه يحتمل حقاً وباطلاً لا ينبغي إضافته إلى الله عز وجل، ولكن إذا فسر فإنه يثبت المعنى، وهو أن الله عز وجل فوق العرش، وأنه فوق عباده، وأنه فوق المخلوقات سبحانه وتعالى، وهو مستو على عرشه سبحانه وتعالى، فإطلاق الجهة عليه بهذا الاعتبار حق، وإطلاق الجهة باعتبار أن الجهة يراد بها الموجودات، وما هو داخل الموجودات، فإن هذا لا يجوز إطلاقه على الله عز وجل؛ لأن الله أكبر وأعظم من أن يحويه شيء مخلوق حقير أمام عظمة الباري سبحانه وتعالى.
    إذاً: فالحديث فيه إضافة القرب إلى العبد، وأنه يكون قريباً من الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان معروف ذاته وصفاته، وأما الله عز وجل لا تعلم ذاته ولا صفاته، فالقرب الذي يضاف إليه يليق به، والقرب المضاف للمخلوقين -كما هو معلوم- معروف هيئاتهم وصفاتهم، وإذاً: فمعنى هذا أن هذا فيه قرب العبد من ربه في خضوعه، واستكانته، والاتجاه إليه والالتجاء إليه، وهو من مواطن قبول الدعاء، ولهذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [(فأكثروا الدعاء)]، وأما القرب المضاف إلى الله عز وجل، فالله تعالى هو فوق عرشه، وهو قريب من عباده، والقرب يكون عاماً، ويكون خاصاً، فهو قريب من المخلوقات كلها؛ بمعنى أنه سبحانه وتعالى كما جاء في القرآن الكريم: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ )[المجادلة:7]، فهو عال في دنوه، وقريب في علوه، هو عال في دنوه إذا دنى ونزل النزول الذي يليق به، الذي لا يعرف كنهه، فهو عالٍ، ما يقال: إنه لا يكون عالياً في حالة دنوه، ولا يقال: إنه لا يكون قريباً في حالة علوه، فهو في حالة علوه قريب، وفي حالة دنوه عالٍ، ولهذا من العبارات المشهورة عن السلف: أنه عال في دنوه قريب في علوه، لا يقال: إنه إذا نزل إلى السماء الدنيا كما يليق به، تحويه المخلوقات، وأنه لا يكون عالياً، بل هو عال، والعلو وصف من أوصافه سبحانه وتعالى، وهو عال مطلقاً، لا يكون له خلاف ذلك الوصف، ولكنه كما جاء عن بعض السلف: عال في دنوه قريب في علوه، هذا هو القرب العام؛ الذي يعني (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ )[المجادلة:7]، وقرب خاص، وهو ما يكون لأوليائه سبحانه وتعالى، (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )[الأعراف:56]، فهناك قرب عام وقرب خاص، والقرب كما يليق بالله عز وجل، وأما قرب المخلوق كما هو معلوم، فإنه يكون بخضوعه والتجائه إليه سبحانه وتعالى في تلك الحال التي يكون فيها مخبتاً مستكيناً إلى الله عز وجل، يعفر أشرف شيء فيه على الأرض؛ خضوعاً لله عز وجل واستكانةً له. هذا هو معنى الحديث، ولهذا جاء: [(فأكثروا الدعاء)]، والمراد من إكثار الدعاء أنه موطن من مواطن الإجابة كما جاء في الحديث الآخر: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، يعني: حري أن يستجاب لكم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وقد سبق أن ذكرت: أن ممن خرج لهم النسائي غير محمد بن سلمة هذا شخص آخر، ولكنه أعلى منه بطبقة، فهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهو محمد بن سلمة الباهلي، وأما محمد بن سلمة المرادي المصري فهذا من طبقة شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة فهو المرادي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة فهو الباهلي، والذي معنا هو محمد بن سلمة المرادي .
    [حدثنا ابن وهب].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو يعني: ابن الحارث].
    هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقوله: (يعني ابن الحارث)، المراد أن عبد الله بن وهب الذي هو الراوي عن عمرو بن الحارث ما زاد في ذكر شيخه على قوله: عمرو، قال: عن عمرو، والمراد به عمرو بن الحارث المصري، فمن دون عبد الله بن وهب وهو محمد بن سلمة أو النسائي أو من دون النسائي، أضافوا كلمة: ابن الحارث للتعريف والتمييز، وبيان أن هذا هو المقصود، وأتى بكلمة (يعني) -وأحياناً يؤتى بكلمة (هو)- التي تبين بأن هذا اللفظ ليس من التلميذ، بل هو ممن دون التلميذ، وكلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل، فقائلها من دون عبد الله بن وهب، وفاعلها عبد الله بن وهب؛ لأن (يعني) فعل مضارع فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى عبد الله بن وهب، (يعني) قال من دون عبد الله بن وهب، لما ذكر عمرو بدون نسبة قال: (يعني)، أي: يعني ابن وهب ، فلها قائل ولها فاعل، قائلها من دون عبد الله بن وهب، وفاعلها ضمير مستتر يرجع إلى عبد الله بن وهب.
    [عن عمارة بن غزية].
    لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سمي].
    هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمع أبا صالح].
    هو ذكوان السمان، مشهور بكنيته أبي صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان أو الزيات، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على أشهر الأقوال في اسمه واسم أبيه، الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عنه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لكثرة ملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكونه بقي في المدينة والناس يفدون فيها حتى توفي، وكان الناس عندما يفدون إلى المدينة ويصدرون عنها يلقونه ويحدثونه بما عندهم ويحدثهم بما عنده، وأيضاً دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالحفظ، وكانت هذه من الأسباب التي صار بها أبو هريرة أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وإن كان إسلامه إنما حصل في السنة السابعة من الهجرة، ولكن ملازمته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له، وكذلك أيضاً سكناه في المدينة وبقاؤه بها، وهي المكان الذي يرد إليه الناس ويصدرون، فيلتقون به ويحدثونه بما عندهم ويحدثهم بما عنده، فكثر حديثه رضي الله عنه عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    فضل السجود

    شرح حديث ربيعة بن كعب الأسلمي: (... فأعني على نفسك بكثرة السجود)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل السجود.
    أخبرنا هشام بن عمار عن هقل بن زياد الدمشقي حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: (كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني، قلت: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي فضل السجود. والمقصود من ذلك: أنه يؤدي إلى الجنة، وأن ثوابه الجنة، والحديث الذي مر أيضاً يدل على فضل السجود؛ وهو قوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، أيضاً هو دال على فضل السجود؛ لأنه موطن من مواطن الإجابة، وهو دال على فضله، وفضل هذه الهيئة التي يكون عليها الإنسان في إخباته إلى الله سبحانه وتعالى، والنسائي عقد الترجمة لهذا الحديث الذي أورده عن ربيعة بن كعب رضي الله تعالى عنه أنه قال: [كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وحاجته].
    قوله: [فقال: سلني، قال: أسألك مرافقتك في الجنة]، يعني أن يكون معه في الجنة، [قال: أو غير ذلك؟]؛ أو تريد شيئاً آخر غير هذا، [قال: هو ذاك]؛ يعني: هذا الذي أريد، يعني أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم، [قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود]، يعني أرشده عليه الصلاة والسلام إلى سبب من الأسباب العظيمة التي توصل الإنسان إلى الجنة.
    والمراد من ذلك كثرة الصلاة؛ لأن السجود وحده لا يفعل وحده، ولا يتقرب إلى الله عز وجل بالسجدة الواحدة، وإنما السجود المراد به الصلاة، ويطلق على مواضع الصلاة أنها مساجد؛ لأن الأرض يلامسها في حالات المصلي هذه الأعضاء السبعة: وهي الوجه، والأنف، والجبهة، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فأطلق على مواضع الصلاة مساجد، مع أن أحوال المصلي جلوس وقيام وركوع، ما قيل: لها مجالس، ولا مراكع، ولا مواقف، وإنما قيل لها: مساجد، أخذاً من السجود، ومن مواضع السجود، وذلك أن حالة السجود يكون فيها هذه الهيئة التي هي تعفير الوجه الذي هو أشرف شيء في الإنسان على الأرض خضوعاً لله سبحانه وتعالى، ووضعه على الأرض خضوعاً لله سبحانه وتعالى، فالمراد بالسجود هنا الصلاة، وليس المقصود من ذلك أن الإنسان يسجد فقط ولا يصلي، وإنما يكون ساجداً يصلي، هذا هو المقصود بالسجود؛ كثرة السجود من كثرة الصلاة، الصلاة فيها قيام، وركوع، وسجود، وجلوس، لكن أطلق على السجود؛ لأنها هي الهيئة التي فيها الخضوع لله عز وجل، وفيها قرب العبد من ربه، وهي من مواطن الإجابة، هذا هو المقصود بقوله: [أعني على نفسك بكثرة السجود].
    ومعنى هذا: أن الإنسان ما يكون مهمته أن يكون سائلاً لغيره دون أن يعمل، بل الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى العمل الذي يؤدي إلى هذه الغاية، والذي يكون معه في الجنة، ويكون رفيقاً له في الجنة؛ أن يكثر من الصلاة، يأتي بالصلاة المفروضة على أكمل هيئة، ويأتي بالنوافل التي يتقرب إلى الله عز وجل بها، وذلك في الصلاة التي هي فيها تعفير الوجه الله عز وجل بالتراب، فتكون الصلاة والإقبال على الله عز وجل في الصلاة من أسباب دخول الجنة، وقد جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فإذا كان التقرب إلى الله تعالى بالصلاة التي هي شأنها عظيم، وصلة العبد بربه وثيقة بها دائماً وأبداً في الصلوات الخمس، وفي النوافل يكون على صلة بالله سبحانه وتعالى، هذا يدل على عظم شأن الصلاة، وأنها من أسباب الوصول إلى الجنة؛ لأن كثرة النوافل، والمحافظة عليها، والمداومة عليها من أسباب دخول الجنة، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشده إلى فعل يحصل منه ما يكون مهمته أن يكون سائلاً دون أن يكون فاعلاً، بل أرشده إلى العمل وإلى الفعل الذي يؤدي به إلى تلك الغاية، ويوصله إلى ذلك الثواب؛ الذي هو كونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
    قوله: (آتي بوضوئه)، المراد بالوضوء -بفتح الواو- هو الماء الذي يتوضأ به؛ لأنه بالفتح اسم للماء المستعمل، وأما الوضوء بالضم فهو اسم للفعل؛ فالهيئة التي بها فعل الوضوء يقال لها: وضوء، وأما الماء الذي يتوضأ به فيقال له: وضوء، يعني فهذا اللفظ واحد، ولكنه بفتح الواو يكون للشيء المستعمل، وبضمها للفعل، ولهذا ألفاظ كثيرة تشابه هذا اللفظ، مثل: سحور وسحور، السحور -بالفتح- الذي يؤكل في السحر لمن يريد أن يصوم، والسحور -بالضم- هي عملية الأكل؛ كون الإنسان يأكل، هذا يقال له: سحور، وأما السحور فهو الطعام، وكذلك السعوط -بفتح السين- الشيء الذي يستطعم، والسعوط بالضم هو الجذب، يعني كون الإنسان يجذب بأنفه ذلك الشيء الذي يستطعم، وكذلك الوجور والوجور، الوجور هو ما يوضع في الفم، والوجور هو وضع الشيء في الحلق، ومثله الطهور والطهور؛ لأن كلمة (الوضوء) هذا هو معناها، والمراد بها الماء، وسبق أن مر بنا حديث عثمان بن عفان أنه دعا بوضوء ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا)، يعني الأولى وضوء والثانية وضوء، (نحو وضوئه)، يعني: العمل الذي فعله، فهو بالفتح اسم للماء، وبالضم اسم للفعل الذي هو التوضؤ والتطهر.
    قال ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه: [(كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني، قلت: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)].
    ربيعة بن كعب رضي الله تعالى عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسألة، وهذا يدل على حرص الصحابة على الخير، وتسابقهم إلى الخيرات، فهنا حرص ربيعة بن كعب، كما أنه ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا يخدمه، ويقرب له وضوءه، وحاجته، أراد أن يكون ملازماً له بالجنة، مثل ما كان ملازماً له في الدنيا، يريد أن يكون معه في الجنة؛ لأنه كان معه في الدنيا ملازماً له يقرب له حاجاته ووضوءه، وأراد أن تمتد هذه المرافقة، وأن تكون في الآخرة كما كانت في الدنيا؛ بأن يكون معه يخدمه ويقرب له وضوءه وحاجته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على حرص الصحابة على الخير، وعلى تعلقهم بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وملازمته وخدمته، وفدائه بالنفس والنفيس، وأحب ما يكون عندهم أن يكونوا معه في الجنة كما كانوا معه في الدنيا.
    والله عز وجل وعد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الحسنى، فقال تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )[الحديد:10]، يعني: الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا والذين أنفقوا من قبله وقاتلوا، الكل وعدهم الله الحسنى، فهم خير الناس، وهم أفضل الناس، وكانوا أحرص الناس على الخير، وأسبق الناس إلى كل خير، وهم القدوة في الخيرات بعد رسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم هم المقتدون به، والمؤتسون به، فالذي يسير على منوالهم ويسير على نهجهم سائر على درب الخير وعلى طريق الخير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    ثم أيضاً يدلنا -كما ذكرت- على أن الإنسان لا يكون مهمته أن يعتمد على غيره، وأن يعول على غيره، وعلى دعاء غيره، وإنما مهمته أن يعمل، ومن المعلوم أن الشفاعة تكون بأمرين: الشافع والمشفوع، أو تكون عند توفر أمرين: الرضا عن المشفوع، والإذن للشافع أن يشفع، وإذاً فالإنسان عليه أن يعول على المبادرة إلى الخيرات وفعلها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )[الشعراء:214]، دعا أقرباءه وقال: (يا فلان، يا فلان، لا أغني عنكم من الله شيء)، معناه: اعملوا، ما تقولون: نحن أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم يكفينا أننا أقرباءه، ولا نعمل، لا، اعملوا؛ لأنه جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في صحيح مسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، أي: من أخره عمله عن دخول الجنة ليس نسبه هو الذي يقربه إليها، وإنما الإنسان يحرص على الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
    قال: [(فأعني على نفسك بكثرة السجود)]، يعني: بكثرة الصلاة، ولهذا يقال للصلاة: سجود، ويقال: لها ركوع، ويقال: لها قيام، يطلق عليها هذا وهذا، إطلاق الجزء من الشيء على كله، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ )[ق:40]، (وأدبار السجود)، يعني: أدبار الصلوات، فالسجود يطلق على الصلاة أنها سجود، [(أعني على نفسك بكثرة السجود)]، بكثرة الصلاة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يروح يسجد وهو ما يركع ولا يقوم ولا يقرأ القرآن، المقصود أن يصلي، وإذا صلى الإنسان فهذا هو السجود، وإنما نص على السجود؛ لأنه الهيئة التي يكون الإنسان فيها في الصلاة، وهو أقرب ما يكون إلى الله عز وجل، وهو من مواطن الإجابة.
    تراجم رجال إسناد حديث ربيعة بن كعب الأسلمي: (... فأعني على نفسك بكثرة السجود)
    قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن هقل بن زياد].
    هو هقل بن زياد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا الأوزاعي].
    هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الدمشقي، وهو فقيه، محدث، فقيه مشهور، ومحدث الشام وفقيهها، هو في الشام مثل الليث بن سعد في مصر، مشهور بالفقه والحديث، وهذا مشهور بالفقه والحديث، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأن أبوه عمرو وكنيته أبو عمرو، وقد عرفنا فيما مضى أن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه من أنواع علوم الحديث؛ وفائدتها ألا يظن التصحيف لما لو ذكر بالكنية ولم يذكر بالنسب، فإن من لا يعرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب يظن أن فيه تصحيف، وأن (ابن) صحفت وجاء مكانها (أبو). لكن من يعرف الأمر لا يلتبس عليه الأمر فيكون الكل صواب، إن جاء أبو عمرو وإن جاء ابن عمرو، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن أبي كثير].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، وهو مدني، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني ربيعة بن كعب].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #216
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (213)
    - (باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة) إلى (باب التكبير عند الرفع من السجود)
    ورد في السنة ما يدل على فضل السجود، وأنه ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، كما ورد بيان كيفية صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبيان أن التكبير يكون في القيام والركوع والسجود إلا في الرفع من الركوع.
    ثواب من سجد لله عز وجل سجدة
    شرح حديث: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة.أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثنا الوليد بن هشام المعيطي حدثني معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: (لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: دلني على عمل ينفعني أو يدخلني الجنة، فسكت عني ملياً، ثم التفت إلي فقال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله عز وجل بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء رضي الله عنه فسألته عما سألت عنه ثوبان، فقال لي: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة)].
    أورد النسائي حديث ثوبان، وحديث أبي الدرداء الذي هو دال على فضل السجود، وأنه ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنها بها خطيئة، وهو دال على ما كان عليه التابعون من الحرص على معرفة طرق الخير، وأنهم يسألون الصحابة عن طرق الخير وتفاضلها؛ حتى يعملوا تلك الأعمال التي تقربهم إلى الله عز وجل، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحرصون على معرفة ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعون يحرصون على معرفة ذلك عن طريق الصحابة، ولهذا جاء معدان بن أبي طلحة إلى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: [دلني على عمل ينفعني أو يدخلني الجنة؟] فسكت ملياً، ولعله كان يفكر، ويتذكر الشيء الذي يجيبه به عن هذا السؤال؛ لأن وجوه الخير كثيرة، وطرق الخير كثيرة، فهو لعله سكت ملياً، أي: زمناً يسيراً، يفكر ما يدله عليه، ثم إنه قال: [عليك بالسجود]، أي: الصلاة، [فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة)]، ثم ذهب إلى أبي الدرداء وقال له مثل ما قال لـثوبان، وأجابه بما أجابه به ثوبان، وعلى هذا فالحديث جاء عن طريق صحابيين يرويه عنهما معدان بن أبي طلحة التابعي، وهما، أي: الحديثان، عن أبي الدرداء وثوبان يدلان على فضل الصلاة، وعلى فضل التقرب إلى الله عز وجل بالصلاة، وعلى فضل السجود الذي هو من أجزاء الصلاة.
    أورد النسائي حديث ثوبان وحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة)]، والمقصود من ذلك كما عرفنا الصلاة، وليس المقصود مجرد السجدة، وسبق أن مر بنا في أبواب النسائي أن الركعة يطلق عليها سجدة، ليس المقصود أن وضع الجبهة والأنف على الأرض هو المراد، بل المراد الركعة، والركعة يطلق عليها سجدة، والتقرب إلى الله عز وجل لا يكون بالركعة الواحدة، إلا في حال الوتر، الوتر يكون ركعة، لكن الإنسان لا يصلي بأقل من ركعة أو ركعتين، (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ما يصلي ركعة واحدة، يعني أقل ما يصلى ركعتين إلا في حال الوتر، وفي حالة صلاة الخوف، جاء صلاة الخوف ركعة، أما أن يتقرب إلى الله عز وجل بركعات تقل عن اثنتين، فهذا ما جاء في السنة إلا في حال الوتر فإنه يؤتى بركعة بعد الركعات التي يصليها الإنسان، وكذلك في الخوف جاء في بعض الأحاديث أن (صلاة الخوف ركعة)، وأيضاً فالمراد بالسجدة هنا الصلاة، وليس المراد بها كون الإنسان جالس يسجد، وإنما المقصود بذلك يصلي، وكما ذكرت لكم أنه يطلق على الصلاة أنها سجود، ويطلق على أنها ركوع، (ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )[آل عمران:43]، (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ )[الحجر:98]، يعني: المصلين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة)
    قوله: [أخبرنا أبو عمار الحسين بن حريث].أبو عمار الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، وهو مثل إسحاق بن راهويه الذي يمر ذكره علينا كثيراً، وكذلك مثل محمد بن رافع أيضاً؛ لأن هؤلاء الثلاثة من شيوخ النسائي، يروي عنهم النسائي ويأتي ذكرهم، وكلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
    [أخبرنا الوليد بن مسلم].
    الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس، والتسوية، والتدليس عرفنا فيما مضى أنه: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع، وأما التسوية فهو أسوأ أنواع التدليس، وذلك أنه: يأتي الإسناد فيكون فيه ضعيف بين ثقتين فيحذف الضعيف، ويكون الحديث متصل ثقة عن ثقة، وهذا هو أعظم أنواع التدليس؛ لأنه ليس الأمر يتعلق به، بل أساء إلى غيره ممن هو فوقه، حيث حذف شيخه، وجعل الإسناد مسوىً بثقات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، الذي هو الوليد بن مسلم الدمشقي.
    [حدثني الأوزاعي].
    أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا الوليد بن هشام المعيطي حدثني معدان بن أبي طلحة].
    ثقة أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن ثوبان].
    مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، الصحابيان ثوبان، وربيعة بن كعب، كل منهما حديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [وأبو الدرداء].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.
    موضع السجود


    شرح حديث: (إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع السجود.
    أخبرنا محمد بن سليمان لوين بالمصيصة عن حماد بن زيد عن معمر والنعمان بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال: كنت جالساً إلى أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل، وذكر الصراط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيعرفون بعلاماتهم، إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل)].
    أورد النسائي: موضع السجود من الإنسان؛ لأن الحديث الذي أورده يتعلق بموضع السجود في جسم الإنسان ومن الإنسان، وأن النار لا تأكل مواضع السجود، وهو دال على فضل أو على عظم شأن الصلاة، وعلى المواضع التي لامست الأرض سجوداً لله عز وجل، وخضوعاً لله سبحانه وتعالى، هذا هو المقصود من الترجمة، وهي مواضع السجود، أي من جسم الإنسان، وليست مواضع السجود في الأرض، وإنما مواضعها من جسم الإنسان، وأنها لا تأكلها النار، والمراد من ذلك العصاة الذين يدخلون النار، ويؤاخذون، ويحاسبون، أو يعاقبون على ما اقترفوه من معاصي، فإن النار لا تأكل مواضع السجود، ومن عفا الله عنه وتجاوز وأدخله الجنة من أول وهلة، هذا لا يصل النار، ومن دخل النار وهو من الموحدين، لا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهل النار، والذين لا يخرجون منها أبد الآباد، والحديث دال على عظم شأن هذه الأعضاء التي تباشر الأرض في السجود لله سبحانه وتعالى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود)
    قوله: [أخبرنا محمد بن سليمان].
    هو: محمد بن سليمان لوين، ولوين لقب بالمصيصة، المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن حماد بن زيد].
    هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر والنعمان بن راشد].
    هو معمر بن راشد الأسدي البصري نزيل، اليمن، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والنعمان بن راشد وهو صدوق، سيئ الحفظ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومن المعلوم أن الرواية، رواية حماد بن زيد يروي عن اثنين، يروي عن معمر بن راشد الذي خرج له أصحاب الكتب الستة، ويروي عن النعمان بن راشد هذا الذي هو صدوق سيئ الحفظ، ما وصف به من سوء الحفظ لا يؤثر؛ لأنه ليس مستقلاً بالرواية، بل معه من هو أرفع منه الذي هو معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق بن همام الذي يروي عبد الرزاق من طريقه صحيفة همام بن منبه، وهي في الصحيحين، وفي غيرهما من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، وهو محدث، فقيه، وإمام، مشهور، وتابعي من صغار التابعين، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن يزيد].
    هو عطاء بن يزيد الليثي، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة وأبي سعيد].
    أبو هريرة مر ذكره، وأبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أن الصحابيين اللذين في هذا الإسناد هما من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    مشروعية أن تكون سجدة أطول من سجدة
    شرح حديث شداد بن الهاد: (... فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدةأخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا يزيد بن هارون حدثنا جرير بن حازم حدثنا محمد بن أبي يعقوب البصري حامل عن عبد الله بن شداد عن أبيه رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)].
    أورد النسائي: هل تكون سجدة أطول من سجدة؟ ومن المعلوم أن السجود أو أن السجدات ليس هناك ما يدل على أن هذه السجدة تطول، أو أن هذه تقصر، مثل ما يفعل بعض الناس، تكون آخر سجدة من الصلاة يطولها، وليس هناك أساس يعتمد عليه بتطويل بعض السجدات، وهذه السجدة التي سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك لأمر عارض، ولم تميز تلك السجدة بتطويلها، يعني: لأن سجدة من سجدات الصلاة تميز على غيرها، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم سجد وأحد أولاده الحسن، أو الحسين أولاد ابنته فاطمة (ارتحله)، أي: ركب على ظهره، فالرسول صلى الله عليه وسلم استمر يعني: حتى ينزل، بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضهم، أو الصحابة كلهم لاحظوا هذا الشيء، وفيهم هذا الرجل الذي هو راوي الحديث وهو شداد بن الهاد رفع رأسه، ينظر ماذا حصل؟ وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم ساجد وعلى ظهره الغلام، فرجع إلى مكان سجوده، أي: رجع على حالته، والصحابة سألوه بعد ذلك قالوا: إن سجدة من السجدات طولت فيها، قوله: [(ولكن ابني ارتحلني فأردت ألا أعجله)]، وهذا دال على شفقته عليه الصلاة والسلام ورحمته بالصغار، وعلى أن هذا التطويل هو من جنس ما جاء في بعض الأحاديث التي سبقت أن مرت والرسول صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة يريد التطويل فيسمع بكاء الصبي، فيقصر في صلاته شفقة على أمه، أي: تقصير عارض، وهذا تطويل عارض، هذا تطويل للسجدة عارض، وذاك تقصير عارض، فلا يعني أن سجدة تطول على غيرها، وتميز على غيرها، أو بعض السجدات تطول على غيرها، وإنما السجدات تكون متقاربة، ومعلوم أن الركعات الأولى تكون أطول من الركعات الأخيرة.
    تراجم رجال إسناد حديث شداد بن الهاد: (... فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها ...)
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام]. أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يزيد بن هارون].
    ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا جرير بن حازم].
    ثقة له أوهام فيما حدث به من حفظه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد بن أبي يعقوب البصري].
    هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حامل عن عبد الله بن شداد].
    هو عبد الله بن شداد بن الهاد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه شداد بن الهاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند النسائي وحده.
    على كل، هو إن وجد في كتب الألقاب أنه يلقب (بحامل) فجعل هذا لقب له فالأمر واضح، وإلا فإنه ما يبعد أن تكون تصحيف أي فيه نظر؛ لأنه وهو حامل وراءها، في السطر الذي وراءها، وهو حامل يعني: في قصة الغلام جاء وهو حامل، يعني قد يكون يعني مثلاً عند الطباعة يعني: حصل فيها تصحيف أن تقال: نظر كما يقولون، انتقال ذهن وانتقال نظر، لكن إن وجد بأن هذا الشخص يلقب بحامل، الأمر واضح، وإلا فإن المسألة كما قلت فيها: انتقال نظر؛ لأنه قد يكون عند الطباعة وإلا كذا تأتي كلمة من الكلام الذي وراءها، وفي الحديث نفسه: [(وهو حامل حسناً أو حسيناً)]، وهو حامل يعني بالسطر الذي بعدها مباشرة.
    أنا ما رأيت لا في تحفة الأشراف ولا في غيرها ذكر كلمة حامل، ولا في ترجمته أنه يقال له: حامل، أو أنه يلقب بحامل، إن لم يوجد شيء من هذا، أي: أنه يطلق لقب عليه، فما يبعد أن يكون انتقال نظر.
    التكبير عند الرفع من السجود


    شرح حديث ابن مسعود: (رأيت رسول الله يكبر في كل خفض ورفع ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [التكبير عند الرفع من السجود. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الفضل بن دكين ويحيى بن آدم، قالا: حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، ويسلم عن يمينه، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، قال: ورأيت أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك)].
    باب: التكبير عند الرفع من السجود، أي: أنه عند الرفع من السجود يكبر المصلي، وقد سبق أن مر أن التكبير عند الركوع يكبر، وعند السجود يكبر، والانتقالات كلها يكبر عندها إلا عند القيام من الركوع فإنه يقال: سمع الله لمن حمده، ولا يقال: الله أكبر، وعند الخروج من الصلاة يقال: السلام عليكم ورحمة الله، ما يقال: الله أكبر، وإلا فجميع أحوال الصلاة عند الانتقال قياماً أو قعوداً رفعاً أو خفضاً، كل ذلك يقال: الله أكبر، وإذاً فقوله: [(يكبر عند كل خفض ورفع)]، ما عدا الرفع من الركوع، فإنه مستثنى ويقال فيه: سمع الله لمن حمده، ولا يقال فيه: الله أكبر، وإنما هذا إشارة إلى غالب أفعال الصلاة؛ لأنها كلها كذلك عند الخفض والرفع.
    ولهذا استدل بعض العلماء على أن السجود تلاوة في الصلاة إذا كان الإنسان في صلاة ثم سجد، فإنه يكبر عند السجود وعند الرفع من السجود؛ لأنه داخل تحت كل خفض ورفع، يكبر تكبيراً عند كل خفض ورفع، هذا خفض ورفع في الصلاة، فيكبر عنده، وقد أورد النسائي في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر عند كل خفض ورفع.
    وقيامٍ وقعودٍ، ويسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك).
    قوله: [(حتى يرى بياض خده)].
    معناه: أنه يلتفت يعني حتى يرى بياض خده، وكان أبو بكر، وعمر يفعلان ذلك، يعني يفعلان مثل هذا الذي رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (رأيت رسول الله يكبر في كل خفض ورفع ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [أخبرنا الفضل بن دكين].
    وهو أبو نعيم الفضل بن دكين، وهو حد شيوخ البخاري، من كبار شيوخ البخاري، النسائي ما أدركه يروي عنه بواسطة، وأما البخاري فإنه يروي عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من كبار شيوخه الذين لقيهم في أواخر حياتهم، وهو في أول حياته، وكانت وفاته سنة مائتين وثمانية عشر، والنسائي قيل: إنه ولد مائتين وخمسة عشر، معناه عمر النسائي لما مات الفضل بن دكين ثلاث سنوات، وهو يروي عنه بواسطة، وأما البخاري فإنه يروي عنه مباشرة، وهو من كبار شيوخه، الذي هو البخاري؛ لأنه أدرك ما لم يدركه النسائي.
    وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي سبق أن ذكرت أنه يقال عنه: إن فيه تشيعاً، ولكن كان يقول كلمة وهي: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان وهذا يدل على أن التشيع الذي فيه لا يؤثر.
    [و يحيى بن آدم].
    يحيى بن آدم، وهو ثقة، حافظ، فاضل أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب الخراج المطبوع لـيحيى بن آدم هذا.
    [حدثنا زهير].
    هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهنا يروي عن أبي إسحاق، وقيل: إنه روايته عن أبي إسحاق بآخره، معناه أنه بعد التغير، وعلى هذا يكون في روايته عنه شيء، لكن كما هو معلوم الذي جاء في حديث ابن مسعود من كونه يكبر عند كل خفض ورفع، ويسلم عن يمينه وعن شماله، هذا جاء في الأحاديث الكثيرة، وهذه هيئة الصلاة المعروفة عنها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس، وهو تابعي، مخضرم، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وعلقمة].
    هو ابن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    اعتكاف النساء في المسجد وتعلق ذلك بالفتنة أو المضرة
    السؤال: هل المرأة تعتكف في المساجد؟ الجواب: نعم لها أن تعتكف في المساجد إذا أمنت الفتنة، ولم يترتب على ذلك مضرة، ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن في المسجد كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    علاقة طلب الدعاء من الغير بالسؤال المذموم من الناس
    السؤال: بعض الناس اعتاد أن يقول: لا تنساني بصالح الدعاء ونحو ذلك، هل ثبت شيء؟ الجواب: جاء في حديث عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه لما أراد أن يعتمر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، لكن الحديث فيه كلام، ولكن كما ذكرت الإنسان يحرص على أن يكون سائلاً، وأن يكون متوجهاً إلى الله عز وجل ملتجئاً إليه، ويسأل الله عز وجل مباشرة، ولا يعول على أن يسأل الناس الدعاء، بل هو يدعو الله عز وجل، والله تعالى قريب ممن دعاه، ويتجه إليه سبحانه وتعالى، وما نقول: إن ذلك غير سائغ، يمكن الإنسان يسأل من غيره الدعاء، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعول على أن يكون سائلاً، وأن يكون غافلاً عن أن يكون داعياً، بل يكون داعياً.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #217
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (214)
    - (باب رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى) إلى (باب كيف الجلوس بين السجدتين)
    ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى، كما ثبت عنه ترك ذلك ، مما يدل على جواز الأمرين.
    رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى
    شرح حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك كله)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى. ومقصوده من هذه الترجمة أنه عند الرفع من السجدة الأولى من السجدتين يرفع يديه عندما يكبر، وقد أورد فيه حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه: [أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حين يدخل في الصلاة، وحين يركع، وحين يرفع، وعند الرفع من السجود، في ذلك كله رفع اليدين]، فمحل الشاهد منه قوله: [عند الرفع من السجود]، أي: أنه يرفع يديه، وهذا إنما يحصل في بعض الأحيان؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ترك ذلك كما سيأتي.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي، كنيته أبو موسى، ولقبه الزمن، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ إذ توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، قبل البخاري بأربع سنوات، وهو من صغار شيوخ البخاري الذين أدركهم من بعد البخاري، وأما كبار شيوخ البخاري فهؤلاء لم يدركهم بعض أصحاب الكتب الستة، ومنهم من مر بنا بالأمس الفضل بن دكين أبو نعيم، فإنه من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم، ولم يرو عنهم مثل النسائي؛ لأن النسائي لم يدرك من حياة أبي نعيم إلا ثلاث سنوات؛ لأن أبا نعيم توفي وعمر النسائي ثلاث سنوات، وأما البخاري فقد أدركه في حال صغره وعمره قريب من العشرين، وروى عنه، وأما محمد بن المثنى فهو من صغار شيوخه الذين عاشوا في حياة البخاري زمناً طويلاً، ولم يكن بينه وبين البخاري في الوفاة إلا أربع سنوات، وسبق أن ذكرت أن محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار الملقب بندار، وكذلك يعقوب بن إبراهيم الدورقي ماتوا في سنة واحدة؛ وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهم جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاذ بن هشام].
    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق، ربما وهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبي].
    هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نصر بن عاصم].
    هو نصر بن عاصم الليثي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن مالك بن الحويرث].
    هو مالك بن الحويرث الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    ترك ذلك بين السجدتين
    شرح حديث عبد الله بن عمر: (كان النبي إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه ... ولا يرفع بين السجدتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك ذلك بين السجدتين.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع، وبعد الركوع، ولا يرفع بين السجدتين)].
    هنا أورد النسائي: ترك ذلك بين السجدتين؛ أي: رفع اليدين، والذي ورد في الحديث الذي قبله، وهو أنه كان يرفع، ورد في هذا الحديث أنه ما كان يرفع، ومعنى هذا أنه كان يرفع في بعض الأحيان ويترك، يفعل ويترك، ولم يكن مداوماً عليه، وإنما كان يحصل منه الفعل، ويحصل منه الترك، يحصل منه الفعل كما في حديث مالك بن الحويرث، ويحصل منه الترك كما حصل في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر الذي فيه أنه كان لا يفعل ذلك بين السجدتين، وهو الرفع، وهذا هو محل الشاهد من الحديث للترجمة، وهي ترك رفع اليدين بين السجدتين.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمر: (كان النبي إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه ... ولا يرفع بين السجدتين)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو ابن مخلد بن راهويه المروزي الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، محدث، فقيه، ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع لم يظفر به إلا القليل من المحدثين مثل: البخاري، ومثل: سفيان الثوري، ومثل: شعبة، وغيرهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو غير منسوب، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فإنه يحمل على ابن عيينة، ولا يحمل على الثوري؛ لأن سفيان بن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، وإن كان الزهري أقدم منه، وهو متقدم عليه، وكان الثوري توفي قبل وفاة الزهري بأكثر من ثلاثين سنة، إلا أن سفيان بن عيينة هو الذي كان يروي عن الزهري، وهو معروف بالرواية عنه، وأما الثوري فإنه لا يعرف بالرواية عنه مباشرة، بل ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح: أنه إنما يروي عنه بواسطة، وعلى هذا فإذا جاء سفيان غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، ولا يحمل على سفيان الثوري.
    [عن الزهري].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، وهو محدث، فقيه، وإمام مشهور، وهو من صغار التابعين، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بأن يجمع السنة ويدونها، وكانت قبل ذلك يجمعها العلماء من الصحابة ومن بعدهم يكتبون لأنفسهم، لكن كونها تكتب بتبني من الدولة، وبتكليف من الخليفة، هذا حصل في زمن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وكان الزهري هو الذي أسند إليه ذلك، ولهذا يقول السيوطي في الألفية:
    أول جامع للحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
    أي: أنه قام بجمعه بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو محدث، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في زمن التابعين على أحد الأقوال في الثالث؛ لأن الفقهاء السبعة ستة اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة؛ وهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر هذا الذي معنا في الإسناد، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [عن أبيه].
    أبوه هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي ابن الصحابي، صحابي جليل، وهو من صغار الصحابة، وقد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مجاهداً مع المجاهدين في سبيل الله عز وجل وذلك يوم أحد فاستصغر، ولم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، وأذن له بعد ذلك، أي: أنه من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة في -الصحابة إذا قيل: العبادلة الأربعة- وهم: عبد الله بن عمر هذا، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام؛ وهم أبو هريرة، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فهؤلاء قد عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم: عبد الله بن عمر، وهم الذين يقول فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    الدعاء بين السجدتين

    شرح حديث: (... وكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بين السجدتين.
    أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة سمعه يحدث عن رجل من عبس، عن حذيفة رضي الله عنهما: (أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام إلى جنبه، فقال: الله أكبر ذو الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة، ثم قرأ بالبقرة، ثم ركع، فكان ركوعه نحواً من قيامه، فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، وقال حين رفع رأسه: لربي الحمد، لربي الحمد، وكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، وكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: الدعاء بين السجدتين، وأورد فيه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره فيما مضى، وفيه ذكر جملة من ذكره ودعائه في صلاته صلى الله عليه وسلم، وقد ختم الحديث بمحل الشاهد من الترجمة، وهو أنه يقول بين السجدتين: [(رب اغفر لي، رب اغفر لي)]، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا، وقد سبق ورد الحديث فيما مضى، ولكنه أورده هنا من أجل اشتماله على ما ترجم له، وهو الدعاء بين السجدتين، وكون المصلي يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (وكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى]
    هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا خالد].
    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن مرة].
    عمرو بن مرة الكوفي ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حمزة].
    هو طلحة بن يزيد الأيلي، وقد وثقه النسائي، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن رجل من بني عبس].
    سبق أن مر الحديث فيما مضى، وذكرت أن الأظهر فيه أنه صلة بن زفر العبسي، وذلك أن صلة بن زفر عبسي، وقد جاء الحديث عن حذيفة عند ابن ماجه ، وفي طرقه أو في بعض طرقه ذكر صلة بن زفر يروي عن حذيفة بن اليمان، فيكون هو هذا المبهم، أي: كونه صلة بن زفر؛ من جهة أن هذا الذي هو صلة عبسي، ومن جهة أن الحديث جاء في سنن ابن ماجه في بعض طرقه: صلة يرويه عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، والحديث سبق أن مر، ولعله برقم ألف وثمانية وستين، وصلة بن زفر ثقة، جليل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة بن اليمان].
    صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه

    حديث ابن عباس في رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه.
    أخبرنا موسى بن عبد الله بن موسى البصري حدثنا النضر بن كثير أبو سهل الأزدي (صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس بمنى في مسجد الخيف، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرت أنا ذلك، فقلت لـوهيب بن خالد: إن هذا يصنع شيئاً لم أر أحداً يصنعه، فقال له وهيب: تصنع شيئاً لم نر أحداً يصنعه، فقال عبد الله بن طاوس: رأيت أبي يصنعه. وقال أبي: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يصنعه، وقال عبد الله بن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: رفع اليدين تلقاء الوجه بين السجدتين، وأورد فيه حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وإضافته ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعله.
    قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الله بن موسى البصري].
    موسى بن عبد الله بن موسى البصري مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا النضر بن كثير أبو سهل الأزدي].
    قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ضعيف، عابد، وفي ترجمته في تهذيب التهذيب لم يذكر توثيقه عن أحد، ولهذا اكتفى الحافظ بالتقريب بأن قال: ضعيف، ووصفه بأنه عابد مع ضعفه، ومن المعلوم أنه تكون العبادة مع الضعف؛ لأن الضعف يرجع إلى الحفظ، ويرجع إلى أمور أخرى، وأما العبادة قد لا تكون من الشخص الضعيف، ولا تنافي، بين هذا وهذا، فيكون ضعيفاً يعني في روايته، وفي حفظه، وفي تحمله، ويكون عابداً، مكثراً من العبادة لله عز وجل، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
    [عبد الله بن طاوس].
    ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة،
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم قريباً.
    والشيخ الألباني صحح الحديث، ولعل ذلك لكونه جاء من طرق أخرى، وإلا فإن النضر بن كثير لم يوثقه أحد، بل كل الذين ذكرهم الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب مما كان عند المزي، وما كان أضافه على المزي، كلهم ضعفوه، وتكلموا فيه بالضعف، ولم يوثقه أحد، وإنما الذي أشار إليه الفلاس، أشار إلى عبادته فقط، قال: حدثنا النضر بن كثير وكان يعد من الأبدال، يقصد بذلك أنه عابد، ولهذا الحافظ ابن حجر جمع بين اللفظين فقال: ضعيف، عابد.
    كيف الجلوس بين السجدتين

    شرح حديث: (كان رسول الله إذا سجد خوى بيديه ... وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الجلوس بين السجدتين. أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم حدثني يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى بيديه حتى يرى وضح إبطيه من ورائه، وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة: كيف الجلوس بين السجدتين، والمراد من ذلك أنه يجلس مفترشاً رجله اليسرى كما جاء في هذا الحديث، [وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى]، ومعناه: أنه يجلس على رجله اليسرى، لا يتورك كما يحصل في التشهد الأخير، وإنما يفترش، وأورد النسائي فيه حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها أم المؤمنين: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد خوى بيديه حتى يرى وضح إبطيه)]، ومعنى (خوى): أنه يرفع بطنه عن الأرض، ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يكون ما بينهما خاوياً؛ أي: خالياً؛ حتى يكون هناك خلو وفراغ بين الجنبين والعضدين، وبين البطن والأرض، وذلك بأن يسجد على أعضائه التي هي الركبتان، واليدان، وأطراف القدمين، ولا يعتمد بيديه على فخذيه أو على جنبه، وإنما يضعهما على الأرض، ويجافي عضديه عن جنبيه، فيكون الاعتماد على أعضاء السجود، ولا يكون السجود كهيئة الكسلان الذي تسجد أعضاؤه بعضها على بعض، فتكون يديه على فخذيه وعلى جنبه، وبطنه على فخذيه والأرض، وفخذيه على ساقيه، فيكون راكباً بعضه فوق بعض، لم يكن معتمداً على أعضاء سجوده، [(وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى)].
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا سجد خوى بيديه ... وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى)
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم].لقبه دحيم، جمع فيه بين الاسم والنسب واللقب، وكلمة دحيم مأخوذة من عبد الرحمن، وأحياناً تؤخذ الألقاب من الأسماء، وكثيراً ما تكون الألقاب مأخوذة من الأسماء، ويأتي ذكر ألقاب لا علاقة لها بالأسماء، لكن هذا مما كان اللقب مأخوذاً من الاسم، يعني دحيم مأخوذ من عبد الرحمن، ومثل عبدان مأخوذة من عبد الله بن عثمان المروزي لقبه عبدان، وهو من شيوخ البخاري، ويأتي ذكره كثيراً باللقب عبدان، وهكذا تأتي الألقاب أحياناً مأخوذة من الأسماء، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي ثقة، حافظ، متقن، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا مروان بن معاوية].
    هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، حافظ، كان يدلس أسماء الشيوخ، أي: أنه يذكر شيوخه عندما يروي عنهم بغير ما يشتهرون به، فيكون في ذلك تعمية وتوعير للطريق التي توصل إلى معرفة الشخص، وقد يبحث عن الترجمة بهذا الاسم الذي دلس فيقال: إنه لم يعثر له على ترجمة، مع أنه معروف، ولكنه ذكر بغير ما اشتهر به، ومروان بن معاوية الفزاري كان يدلس أسماء الشيوخ.
    والتدليس ينقسم إلى تدليس إسناد، وتدليس شيوخ؛ وتدليس الإسناد أن يروي الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، وأما تدليس الشيوخ فهو أن يذكر شيوخه أو بعض شيوخه بغير ما اشتهر به، فيعمي ذلك على الناس عندما يبحثون في أسماء الشيوخ لا يجدون، كأن يذكر كنيته مع نسبته إلى جده، أو يذكر كنيته مع نسبته إلى بلده، ويذكره بغير ما اشتهر به، فإن هذا هو تدليس الشيوخ، ومروان بن معاوية هذا معروف بهذا، وقد سبق أن مر بنا في المصطلح أنه كان يدلس في روايته محمد بن سعيد المصلوب، وكان يذكره بصيغ مختلفة، وذكرت أن منهم الخطيب البغدادي، وكان يفعل ذلك في ذكر شيوخه، يأتي بهم على صيغ مختلفة منها ما يشتهرون به، ومنها ما لا يشتهرون به، وحديث مروان بن معاوية الفزاري خرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم].
    مقبول، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثني يزيد بن الأصم].
    يقال: له رؤية ولا يثبت، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    قالوا: هو ابن أخت ميمونة، أي: فيه صلة بينه وبين ميمونة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    [عن ميمونة].
    أم المؤمنين هي بنت الحارث الهلالية، حديثها عند أصحاب الكتب الستة.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #218
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (215)

    - باب قدر الجلوس بين السجدتين - باب التكبير للسجود
    كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسوي بين فترة ركوعه وسجوده وقيامه من الركوع وجلوسه بين السجدتين، كما أنه كان يكبر في كل خفض ورفع إلا في موضع واحد، وهو عند رفعه من الركوع؛ فإنه كان يقول: سمع الله لمن حمده.

    قدر الجلوس بين السجدتين
    شرح حديث: (كانت صلاة رسول الله ركوعه وسجوده ... وبين السجدتين قريباً من السواء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر الجلوس بين السجدتين. أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء أنه قال: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوعه، وسجوده، وقيامه بعد ما يرفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين قريباً من السواء)].
    وهنا أورد النسائي قدر الجلوس بين السجدتين، وأنه يماثل الركوع، ويماثل السجود، ويماثل القيام بعد الركوع، أي: أن الذي يختلف في الطول هو القيام في القراءة التي هي قبل الركوع، وكذلك في التشهد، فهذا الذي يتميز، وأما الباقي فإنه على السواء، الركوع والسجود والرفع بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين قريب من السواء، فهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا؛ لبيان أن الجلوس بين السجدتين يماثل الركوع والسجود، ويماثل ما بعد الركوع، وفيه دليل على الاطمئنان بين السجدتين، كذلك الاطمئنان بعد الركوع، وأنه يطمئن قاعداً بين السجدتين، ويعتدل قائماً بعد الركوع، وهذه الأفعال الأربعة من أفعال الصلاة؛ التي هي الركوع والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين متقاربة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كانت صلاة رسول الله ركوعه وسجوده .... وبين السجدتين قريباً من السواء)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة].وهو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى].
    وهو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثني الحكم].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي ليلى].
    وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب].
    صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    قيل له: سني -الذي هو عبيد الله بن سعيد- لأنه أظهر السنة في بلده سرخس.
    التكبير للسجود

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع ووضع ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير للسجود.أخبرنا
    قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع ووضع وقيام وقعود، وأبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم)].

    يقول النسائي: باب التكبير للسجود، المقصود من الترجمة أن اللفظ الذي يقوله عند السجود هو اللفظ الذي يقوله عند كل خفض، ورفع ما عدا القيام من الركوع، فإنه يقال: سمع الله لمن حمده، وقد أورد فيه النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل رفع ووضع، وقيام وقعود).
    وكان أبو بكر، وعمر، وعثمان يفعلون هذا الفعل الذي يفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو التكبير عند كل رفع ووضع، وقيام وقعود.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يكبر في كل رفع ووضع ..)
    قوله: [أخبرنا
    قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا أبو الأحوص].
    وهو سلام بن سليم الكوفي، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    ثقة، وهو كوفي أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة، مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    علقمة بن قيس النخعي].
    ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد علماء الصحابة وفقهائهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ليس من العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأن العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وعبد الله بن مسعود متقدم عليهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة الذين هم من صغار الصحابة فقد تأخرت وفاتهم، وأدركهم الكثير من التابعين الذين لم يدركوا عصر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وبعض العلماء عد عبد الله بن مسعود منهم، ولكن الصحيح خلافه، وأن الأربعة متقاربون في السن، وهم من صغار الصحابة.
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يكبر... ثم يكبر حين يهوي ساجداً...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا
    محمد بن رافع حدثنا حجين وهو ابن المثنى حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو فيه التفصيل في التكبيرات عند الرفع، والخفض، والقيام، والقعود؛ لأن حديث عبد الله بن مسعود كان مجملاً، وهذا فيه التفصيل، كان يكبر عند الركوع، وعند السجود، وعند القيام من السجود، في المواضع المختلفة، وكل التنقلات في الصلاة، والانتقال من هيئة إلى هيئة الذكر عندها هو التكبير، إلا عند القيام من الركوع فيقال: سمع الله لمن حمده، وما عدا ذلك فإنه يكبر عند كل خفض، ورفع، وقيام، وركوع.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يكبر ... ثم يكبر حين يهوي ساجداً)
    قوله: [أخبرنا
    محمد بن رافع].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

    [حدثنا حجين].
    وحجين هو ابن المثنى، وحجين بن المثنى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه مثل محمد بن رافع، وكلمة (وهو ابن المثنى) هذه زادها أو أتى بها من دون محمد بن رافع، وهو النسائي أو من دون النسائي كما عرفنا ذلك من قبل.
    [حدثنا الليث].
    وهو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، فقيه مصر، ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل].
    هو عقيل بن خالد بن عقيل، وهو بالتصغير، وجده بفتح العين، وكسر القاف، وهذا يسمونه المؤتلف والمختلف، أي: تتفق الحروف ولكن يختلف الشكل؛ لأن عقيل وعقيل رسمها واحد، إلا أن الابن ينطق بضم العين وفتح القاف، والجد ينطق بفتح العين وكسر القاف، فالرسم واحد، والشكل واحد، والفرق بينهما إنما هو بالشكل، هذا هو الفرق بينهما عقيل بن خالد بن عقيل، يعني: رسم وصورة اسمه تختلف عن صورة ورسم جده الذي هو عقيل.
    وهو مدني، ثم شامي، ثم مصري، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    وقد مر ذكره قريباً.
    [أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
    وهو ثقة، فقيه، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في الثالث منهم الذين مر ذكرهم قريباً، فإن أحد الأقوال في السابع منهم أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
    [أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً.
    الأسئلة
    مسح العينين بالإبهام عند سماع اسم رسول الله في الأذان
    السؤال: بعض الإخوة إذا سمع اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في الأذان مسح عينيه بإبهاميه، فهل ورد حديث في هذا؟ الجواب: أبداً، ما ثبت في هذا شيء، كونه عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الأذان يمسح عينيه بأصابعه ليس لهذا دليل ولا نعلم شيئاً يدل على هذا، إلى أن يثبت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام شيء.
    زيارة النبي عليه الصلاة والسلام يومياً

    السؤال: هل يجوز الذهاب إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام يومياً والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأني رأيت من يفعل هذا يومياً.
    الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان يصلي ويسلم عليه في أي مكان، والملائكة تبلغه السلام كما جاء في الحديث: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)، وجاء عن علي بن الحسين زين العابدين رحمة الله عليه أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقف عندها، فقال له: ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، ثم قال: ما أنت والذي في المشرق إلا سواء، إن الكل يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الملائكة، وعلى هذا فتكرار الترداد على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم داخل تحت هذا النهي الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (ولا تتخذوا قبري عيداً)، وأتى بعده بقوله: (وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، معناه: أنه يحصل المقصود من يكون قريباً، وممن يكون بعيداً؛ لأن الكل يبلغ بواسطة الملائكة.
    مدى صحة ثبوت عبادة مخصوصة برجب عن النبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: هل ورد شيء أو ثبت شيء في هذا الشهر يعمل، مثل الرجبية؟ الجواب: لم يثبت شيء يخص شهر رجب، إلا أنه من الأشهر الحرم، مثل: ذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم، هذه الأربعة الأشهر الحرم، واحد فرد وثلاثة سرد، واحد فرد الذي هو رجب وحده، وليس بجواره شيء من الشهور الحرم، وثلاثة متتالية، وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فلم يثبت في شهر رجب إلا أنه شهر حرام، وأما أنه يخص بعبادة، أو يعمل فيه عمل يخصه فإنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    حكم تكرير السلام على النبي لمن يعمل جانب القبر
    السؤال: هل تكرير السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يومياً لمن يعمل بالقرب من القبر كرجال الهيئة منهي عنه؟الجواب: من المعلوم أن الإنسان عندما يمر عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقف يسلم سلام الزيارة، ولكنه إذا رأى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي ويسلم عليه، مثل إذا سمع اسمه فإنه يصلي ويسلم عليه، فكذلك إذا رأى قبره، أو مر عند قبره فيصلي ويسلم عليه، وأما تكرار سلام الزيارة؛ بأن يقف ويسلم سلام الزيارة فإن هذا داخل تحت قوله: (ولا تتخذوا قبري عيداً)، والإنسان قد يفعل هذا وإن كان عمله، إلا أن هذا يجعله يتعود هذا الأمر الذي لا يسوغ له أن يفعله، والذي هو داخل تحت قوله: (ولا تتخذوا قبري عيداً).
    سبب تدليس الرواة
    السؤال: لماذا يدلس بعض الرواة؟ هل يقصدون من ذلك المشقة على الناس في البحث، أم أنهم يدلسون لعلة أخرى؟ الجواب: التدليس كما هو معلوم تعمية، وبعض الناس قد يفعل ذلك لهذا، وقد يفعله لأمور أخر تبعثه على ذلك، ليس الأمر مقصوراً على التعمية، وتوعير الطريق، بل له أسباب، بأن يكون الشخص المروي عنه صغيراً، فهو لا يريد أنه يذكره بلفظه، وباسمه فيدلس، فهذا من الأسباب؛ لأن هناك بواعث تبعث على التدليس.
    فائدة التدليس ومدى قبوله
    السؤال: ما هي الفائدة من التدليس؟ وهل يقبل حديث المدلسين؟ الجواب: التدليس -كما هو معلوم- ما فيه فائدة، بل فيه مضرة، وذلك أنه يحتاج إلى عناء، ويحتاج إلى بحث، ويحتاج إلى تفتيش؛ هل صرح بالسماع أو لم يصرح بالسماع؟ فيترتب عليه مضرة، والطريقة في تدليس المدلسين المعروفين بالتدليس فيما يتعلق بتدليس الإسناد هو: أنه إذا كان الحديث في الصحيحين فإنه يحمل على الاتصال، وذلك لأنهم شرطوا الاتصال، والتزموا الصحة، وأما إذا كان في غير الصحيحين فإنه يحتاج إلى أن يوجد التصريح بالسماع في موضع آخر، أو يوجد ما يشهد له، وما يكون فيه متابعة له.
    الأدلة على تحريم الذهب المحلق وصحة القول به
    السؤال: ما هي الأحاديث الواردة في تحريم الذهب المحلق؟ وما صحة هذا القول؟ الجواب: وردت أحاديث في تحريم الذهب المحلق، والشيخ الألباني ذكرها في كتابه آداب الزفاف، ولكن جاء في مقابلها أحاديث تدل على إباحة الذهب المحلق، وغير المحلق، جاءت أحاديث عامة تبيح الذهب مطلقاً، وأحاديث خاصة تدل على حل الذهب المحلق، فبعض العلماء أخذ بأحاديث المنع، وهو الذي اعتنى به الشيخ الألباني رحمه الله، وغيره، والعلماء قديماً وحديثاً يرون إباحة ذلك للنساء مطلقاً، المحلق وغير المحلق، ويستدلون على ذلك بعموم حل الذهب للنساء، وبخصوص الأحاديث التي جاءت في المحلق خاصة، وهو أن النساء تستعمل المحلق، ومن ذلك حديث المسكتين الذي قال: (تؤدين زكاة هذا؟)، وحديث النساء حينما ألقين من خواتمهن وأقراطهن في خطبة العيد لما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إليهن ومعه بلال، وابن عباس، فوعظهن وقال: (تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم)، فجعلن يلقين من أقراطهن، وخواتيمهن، تفسخ المرأة خاتمها من إصبعها وترميه في ثوب بلال، تتصدق به مبادرة إلى الصدقة، وحرصاً على العمل الذي يخلص من النار، والصدقة هي من أسباب الوقاية من النار؛ لهذا الحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، والصحيح هو القول بالحل مطلقاً، ويحمل ما جاء من الأحاديث بالتحليق على أنها شاذة، أو مرجوحة.
    حكم تارك الصلاة
    السؤال: ما هو حكم تارك الصلاة؟الجواب: تارك الصلاة إذا كان تركه جحوداً فإنه كافر بإجماع المسلمين، بل إذا جحد ما هو دون الصلاة، فإنه يكون كافراً بذلك، وأما إذا كان تركها تهاوناً وكسلاً فهذا فيه للعلماء قولان مشهوران: أحدهما: القول بأنه كفر مخرج من الملة، والقول الثاني: بأنه كفر دون كفر.
    والأحاديث واضحة الدلالة على أنه كفر مخرج من الملة، أي: لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، ولا يصلى عليه، وهذا هو القول الأصح من القولين، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها الحديث الذي: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)، والحديث الذي في الأئمة الذي فيه: (وشرار أئمتكم الذين تلعنونهم ويلعنونكم، وتبغضونهم ويبغضونكم، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما صلوا، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة). فدل هذا على أن ترك الصلاة كفر.
    اشتراط الاعتضاد في الحديث الذي في سنده راوٍ له أوهام
    السؤال: الحديث الذي في أحد رجال إسناده يقال له: ثقة له أوهام، هل يحتاج إلى معتضد أو لا؟ الجواب: مثل هذا الذي هو ثقة له أوهام، تكون أوهامه محصورة، فإنهم يعدون أوهامه ويعدون أغلاطه، فهذا يمكن أن يرجع إلى ترجمته في الكتب المختلفة، ويكون فيه تنصيص على أوهامه، إذا كانت الأوهام معدودة، والأوهام محصورة، فإنها تكون معروفة، فما كان منها هو الذي يجتنب، وما كان ليس منها هذا هو الذي يبقى على الأصل، وهو السلامة.
    الأخذ بالأحاديث الضعيفة في الأحكام الفقهية
    السؤال: هل تؤخذ من الأحاديث الضعيفة أحكام فقهية إذا لم توجد غيرها؟ الجواب: لا يؤخذ الحكم من حديث ضعيف، ولا يعول على حديث ضعيف، وإنما الأحكام تؤخذ من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله، سواءً كانت صحيحة أو حسنة، وأما الضعيف فإنه لا يعول عليه، ولا يثبت به الحكم، لكن يمكن أن يقال: يذكر الحديث الضعيف ويقول: هو يدل على كذا، ولكن الحديث لم يثبت.
    وقد يكون الحديث ضعيفاً، ولكن أجمع على معناه، مثل حديث: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، هذا حديث قال عنه الحافظ في البلوغ: إسناده واهن، ولكن أجمع العلماء على معناه، وهو أن (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، فالحكم ليس مأخوذاً من الحديث الضعيف، وإنما مأخوذ من الإجماع، ولكن هذا الحديث الضعيف مطابق لما جاء في الإجماع، ولكن ليس التعويل على الحديث الضعيف وإنما التعويل على الإجماع، وكذلك مثل حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)، فكلمة (ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه) هذه زيادة فيها ضعف، أي: في رواتها من هو ضعيف، لكن معناها مجمع عليه بين العلماء، فالنجاسة إذا غيرت الماء، بلون أو طعم أو ريح فإنه يكون نجساً.
    ترتيب الإثم على التدليس
    السؤال: هل يأثم المدلس بالتدليس على الناس؟ الجواب: على كل أمره إلى الله عز وجل.
    المراد بقوله: (يفعل ذلك حتى يقضيها)
    السؤال: ما معنى ما جاء في الحديث: (يفعل ذلك حتى يقضيها)؟الجواب: يعني يفعل ذلك حتى يقضي الصلاة، حتى ينتهي من الصلاة، يعني يكبر عند كل خفض ورفع حتى يقضيها، ويصل إلى السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #219
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (216)


    - (باب الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين) إلى (باب التكبير للنهوض)
    ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقوم إلى الركعة الثانية أو الركعة الرابعة في الصلاة الرباعية حتى يستوي جالساً، وهي ما تسمى بجلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة بمقدار ما يستقر الإنسان جالساً، ثم ينهض ويقوم.
    الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين

    شرح حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين. أخبرنا زياد بن أيوب، حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب، عن أبي قلابة: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه إلى مسجدنا، فقال: (أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. قال: فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة)]. يقول النسائي رحمه الله: باب الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين. المراد بهذه الترجمة هو: الجلوس المسمى جلسة الاستراحة، وهي التي تكون بعد الركعة الأولى بالنسبة للصلوات الثنائية، وكذلك الثلاثية، التي هي الفجر والمغرب، وكذلك السنن التي هي من ركعتين، وكذلك عند القيام من الركعة الثالثة في الصلوات الرباعية: الظهر، والعصر، والعشاء. وعلى هذا: فإن الجلوس للاستراحة في الصلوات المفروضة، يكون بعد الركعة الأولى، وقبل أن ينهض إلى الثانية في الثنائية والثلاثية، ويكون -أيضاً- بالصلوات الرباعية بعد الركعة الثالثة، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة، يعني بمقدار ما يستقر الإنسان جالساً، ينهض ويقوم، فيكون قيامه إلى الركعة الثانية أو الرابعة عن جلوس لا عن سجود، يعني: يقوم من جلوس لا من سجود. وقد أورد النسائي حديث مالك بن الحويرث، وهذه سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد رواها مالك بن الحويرث بهذا الحديث من طرق متعددة، وهو موجود في الصحيحين وفي غيرهما، ويدل على مشروعية هذا الجلوس الذي هو الجلوس الخفيف، وأورد فيه النسائي هذا الحديث. قوله: (عن أبي قلابة قال: (جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة) ). يقول أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري (جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، وقال: إنه يريد أن يريهم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي)، وجاء في بعض الأحاديث، أن هذا لم يكن في وقت صلاة، ولكنه صلى صلاةً نافلة ليبين لهم الهيئة والطريقة التي كان يفعلها، والتي يرويها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يبين لنا ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم من بيان السنن، والحرص على تبليغ الحق والهدى للناس، وأنهم يعرضون على الناس أن يبينوا لهم ما كان يفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يقف الأمر عندهم إلى أنهم يجيبوا عند السؤال إن سئلوا، بل هم يعرضون أنفسهم على الناس بأن يبينوا لهم ما كان يفعله رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو دال على فضلهم ونبلهم، وحرصهم على تبليغ السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن لهم مثل أجور كل من عمل بسنة جاءت عن طريق صحابي منهم، ذلك الصحابي الذي روى تلك السنة، وحفظ تلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دل الناس إليها، فإن له مثل أجور من عمل بها؛ لأنه هو الدال على الخير، [(ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله)]، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ولما قام من السجدة الثانية، في الركعة الأولى جلس، أي: جلس جلسة الاستراحة، وهي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخذ بها هو الذي يقتضيه الحديث، وبعض العلماء يقول: إنه لا يؤخذ بها، ويعللون ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في آخر أمره لما كبر، فكان يجلس هذه الجلسة للاستراحة، لكونه كبر وثقل، وإنما فعل ذلك من أجل العارض، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(صلوا كما رأيتموني أصلي)]، ومالك بن الحويرث تعلم هذه الصلاة، وعرف هذه الكيفية، ورواها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. فإذاً الأخذ بها سنة، والقول بأن ذلك إنما كان في حال الكبر، فلا يفعل، هذا خلاف الصحيح الذي يقتضيه فعل مالك بن الحويرث، والذي في بعض رواياته: أنه أرشدهم إلى أن يصلوا كما كان يصلي رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة
    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب]. وهو زياد بن أيوب البغدادي، لقبه دلويه، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وهو حافظ، وكان أحمد بن حنبل يلقبه شعبة الصغير؛ لأن شعبة معروف بالحفظ ومشهور بالحفظ، فهو يلقبه بهذا اللقب الذي هو شعبة الصغير؛ لحفظه، واللقب الذي لقب به دلويه.
    [حدثنا إسماعيل].
    وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب].
    وهو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة ثبت حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة].
    وهو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، كثير الإرسال، ومشهور بكنيته أبي قلابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك بن الحويرث].
    هو مالك بن الحويرث الليثي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالساً)].أورد النسائي حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهو دال على شمول ما بعد الأولى وما بعد الثالثة، ولعله في الرواية الأولى ما ذكر إلا الركعة الأولى؛ لأنه صلى صلاة تطوع، يعني: من ركعتين، وجلس بعد الأولى؛ لأنه يريهم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وفعل ذلك بعد الركعة الأولى، أما هنا فقد حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان في وتر..، ومن المعلوم أن الوتر بالنسبة للنافلة التي هي ركعتين بعد الأولى هي الوتر؛ لأن الثانية تكون شفع، وبالنسبة للفريضة، فالثنائية والثلاثية ما فيه إلا بعد الأولى، الثنائية الفجر والثلاثية المغرب، ما فيه إلا بعد الأولى، وأما الرباعية فإنه يكون فيها وتر آخر، وهي الثالثة بالإضافة إلى الأولى، يعني بعد الثالثة يجلس للاستراحة، معناه: أن نهوضه يكون عن جلوس وليس من سجود، ما يقوم من سجوده رأساً ينهض، وإنما يجلس ثم ينهض من جلوس، فالحديث دال على أن جلسة الاستراحة تكون بعد الركعة التي هي وتر، سواءً كانت هي الأولى أو الثالثة.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة حافظ، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا هشيم].
    وهو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة كثير التدليس والإرسال الخفي، والتدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كـ(عن) أو (قال)، ويكون هناك واسطة بينه وبين شيخه الذي روى عنه بلفظ موهم للسماع، هذا هو التدليس، وأما الإرسال الخفي فهو أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، هذا يسمى إرسالاً خفياً؛ لأن الإرسال إرسال خفي، وإرسال جلي، الإرسال الجلي بأن يروي عمن لم يدرك عصره، هذا يعرف أنه فيه ساقط، وهو إرسال جلي؛ لأنه ما دام أنه لم يدرك عصره، فإن كونه يقول: (عن فلان) أو (قال فلان)، معناه أنه أرسل عنه، لكن إذا كان مدركاً لعصره، ولكنه لم يعرف بلقائه، فهذا هو الإرسال الخفي، وهشيم بن بشير الواسطي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد].
    وهو ابن مهران البصري، الملقب بـالحذاء، ولقبه الحذاء المتبادر إلى الذهن أنه يبيع الأحذية أو يصنعها، هذا هو المتبادر للذهن، لكن ليس الأمر كذلك، وإنما كان يجلس عند الحذائين، فنسب هذه النسبة، وهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، وقيل: إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، يعني على هذا المنوال، وعلى هذا المقياس، يشق الجلد على قدر النعل، فقيل له: الحذاء لهذا، وهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    الاعتماد على الأرض عند النهوض

    شرح حديث مالك بن الحويرث في الاعتماد على الأرض عند النهوض في الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاعتماد على الأرض عند النهوض.أخبرنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد، عن أبي قلابة، قال: كان مالك بن الحويرث رضي الله عنه يأتينا فيقول: (ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلي في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول الركعة استوى قاعداً، ثم قام فاعتمد على الأرض)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الاعتماد على الأرض عند النهوض، وأورد فيه حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه، وهو أنه لما جاء إلى المسجد الذي فيه أبو قلابة، وقال: (ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلي في غير وقت الصلاة)، أي: يصلي أمامهم في غير وقت الصلاة، مقصوده من ذلك أن يريهم الكيفية، أي لم يكن يصلي بهم إماماً؛ لأنه ما كان في وقت صلاة، وإنما هو في غير وقت الصلاة، فيصلي نافلة، وهم يشاهدونه وينظرون إلى حركاته وإلى هيئته، فكان يقعد بعد السجود الأخير من الركعة الأولى، وهذه كما هو معلوم وكما عرفنا في الحديث الأول أنها نافلة، وجلسة الاستراحة تكون بعد الركعة الأولى؛ لأن الركعة الثانية تكون شفعاً، فيجلس ثم ينهض معتمداً على الأرض، ما فيه ذكر اليدين.
    وقد اختلف في كيفية النهوض، يعني: هل ينهض الإنسان معتمداً على ركبتيه، أو ينهض معتمداً على يديه؟ من العلماء من قال: بأنه ينهض معتمداً على ركبتيه، وهم الذين قالوا: إنه يقدم ركبتيه عند النزول، والذين قالوا: إنه يقدم ركبتيه عند النزول، يقولون: إنه يكون آخر ما ينهض من الأرض منه ركبتاه؛ لأنه يرفع يديه قبل ذلك، والذين قالوا: بأنه يقدم يديه عند النزول، قالوا: إنه يعتمد على يديه عند القيام، وحديث مالك بن الحويرث، ليس فيه التنصيص على ما يعتمد عليه، هل هو على الركبتين أو على اليدين؟ وبكل من الحالتين قال جماعة من أهل العلم، والخلاف هنا كالخلاف في تقديم اليدين أو تقديم الركبتين، فالذين قالوا: بتقديم الركبتين قالوا: الركبتان هما آخر ما ينهض من الأرض، أو يرتفع من الأرض، والذين قالوا: بتقديم اليدين قالوا: إن اليدين هي آخر ما يرفع من الأرض.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في الاعتماد على الأرض عند النهوض في الصلاة
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. وهو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة.
    [حدثنا عبد الوهاب].
    وهو ابن عبد المجيد الثقفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا خالد، عن أبي قلابة قال: كان مالك].
    خالد هو الحذاء عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن مالك بن الحويرث، وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين

    شرح حديث وائل بن حجر في رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين. أخبرنا إسحاق بن منصور، أخبرنا يزيد بن هارون، حدثنا شريك عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)، قال أبو عبد الرحمن: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون، والله تعالى أعلم].
    أورد النسائي رحمه الله باب تقديم رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين. وأورد فيه حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، والحديث الذي سبق أن مر فيما يتعلق بالنزول إلى الأرض عند السجود، وأنه يقدم ركبتيه ثم يديه، وعند النهوض يرفع يديه قبل ركبتيه، فيكون على حديث وائل بن حجر، أنه عندما ينزل يكون النزول بالأسافل ثم الذي يليها، أول ما يصل الأرض الركبتان، وهي أسفل شيء من الإنسان، ثم اليدان، وهي التي تليهما، ثم الوجه يصل إلى الأرض بالترتيب، وعندما ينهض يرفع رأسه ثم يرفع يديه، ثم يرفع ركبتيه، يعني فيكون عند النزول للأسافل، فالذي يليها، وعند النهوض الأعالي، ثم الذي يليها الوجه ثم اليدان ثم الركبتان.
    وحديث وائل بن حجر، سبق أن مر بنا، أن بعض العلماء أثبته واحتج به، والكلام فيه باعتبار شريك بن عبد الله القاضي، الذي هو أحد رجال الإسناد، وفيه كلام، والقول الذي دل عليه حديث وائل بن حجر، هو ما جاء في حديث أبي هريرة في قضية تقديم اليدين على الركبتين، وقالوا: أن الركبتين ترفعان قبل اليدين، وأن اليدين هي آخر ما يرفع، وقد سبق أن ذكرت عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه أنه قال: لا خلاف بين العلماء في جواز تقديم اليدين أو الركبتين، وإنما الخلاف بينهم في الأفضل منهما، هل الأفضل هذا أو الأفضل هذا.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور]. وهو الملقب بـالكوسج المروزي، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود.
    [أخبرنا يزيد بن هارون].
    ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك].
    وهو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عاصم بن كليب].
    هو عاصم بن كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    وهو كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وائل بن حجر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    وقول النسائي: في آخر الإسناد: [قال أبو عبد الرحمن: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون].
    أي هذا الإسناد أو هذه الرواية، لم يقلها عن شريك غير يزيد بن هارون ويزيد بن هارون كما هو معلوم ثقة، حافظ.
    التكبير للنهوض

    شرح حديث أبي هريرة في التكبير للنهوض
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير للنهوض. أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة: (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    أورد النسائي: التكبير للنهوض، أي: للقيام، وأنه يكبر، ومن المعلوم أن جميع أحوال الصلاة الانتقال من هيئة إلى هيئة، واللفظ هو التكبير، إلا عند القيام من الركوع، فيقال: سمع الله لمن حمده، وعند الخروج من الصلاة يقال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. وما عدا ذلك، عند جميع الانتقال من هيئة إلى هيئة، فاللفظ الذي يقال هو: (الله أكبر)، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة، وأنه كان يصلي بهم، ويكبر عند كل خفض ورفع، ويقول: (إني أشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومحل الشاهد منه (عند كل خفض ورفع) لأن هذا يدخل تحت الرفع، لأنه عندما يقوم من الركعة ينهض ويرفع، معناه: أنه يكبر عند كل خفض ورفع، يعني عند الركوع وعند السجود، وكل رفع للقيام من السجود، وعند القيام إلى الركعة الثانية.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التكبير للنهوض
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، من مذاهب أهل السنة، التي حصل لأصحابها أصحاب عنوا بجمع أقوالهم، وتدوينها، وتنظيمها، والعناية بها، وهذا هو الذي جعل هذه المذاهب تشتهر، وليس معنى ذلك أنه ليس هناك من الأئمة المجتهدين إلا هؤلاء، فالأئمة المجتهدون كثيرون، قبلهم وبعدهم وفي زمنهم، فممن كان في زمنهم: الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وغيرهم، فهؤلاء أئمة ومحدثون، فقهاء، مجتهدون، ومعروفون بالفقه والحديث، وقبلهم من فقهاء المدينة السبعة وغيرهم، وقبلهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وبعدهم الأئمة الكثيرون المعروفون بالاجتهاد والعلم والفقه في دين الله عز وجل، ولكن هؤلاء الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم حصل لهم أتباع، عنوا بجمع أقوالهم وتدوينها، فاشتهرت، ثم أيضاً حصل الانتساب من كثير من الناس إليها، فصار لها الشهرة، وصار لها الذيوع والانتشار، وهي من مذاهب أهل السنة.
    ومن المعلوم: أن هؤلاء الأئمة الأربعة، كغيرهم من علماء أهل السنة، يحثون على اتباع الدليل، ويوصون من وجد لهم قولاً يخالف الحديث، بأن يتركوا أقوالهم، وأن يأخذوا بالأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كل واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة نقل عنه ذلك، ولا شك أن الطريقة المثلى هي: كون طالب العلم يحرص على الحديث، ويحرص على الفقه، ويحرص على كلام الفقهاء، ويحرص على أن يقرأ في كتب الحديث، وكتب الفقه، ولا يترك هذا ويعول على هذا، وإنما يعنى بالحديث ويعنى بالفقه؛ لأن مسائل الفقه فيها أشياء ما يجد الإنسان عليها حديثاً يدل عليها، وإنما تكون قاعدة من قواعد الشريعة، أو يكون في قياس على نص من النصوص، وما إلى ذلك من الاستنباط، ومن المعلوم أن الناس يتفاوتون بالفهم والإدراك، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نظر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، ومن المعلوم أن الحديث الواحد، يأخذه العالم فيستنبط منه كذا مسألة، ثم يأتي آخر، ويستنبط من الحديث أكثر مما استنبطه منه هذا، وتأتي -أحياناً- مسائل دقيقة ما كل أحد يتنبه لها، وهذا فهم يعطيه الله عز وجل من شاء من عباده، فلا يستغنى عن كتب الفقه، ولكن لا يقال: إن كتب الفقه هي العمدة، وأنه يعرض عن كتب الحديث. فإن من اشتغل بكتب الحديث، ولم يلتفت إلى كتب الفقه يفوته خير كثير، وذلك أن فيه مسائل ما يجد الكلام عليها إلا في كتب الفقه؛ لأن هؤلاء عنوا بحصر المسائل وتجميعها، والاستنباط والاستدلال عليها، ومعرفة أحكامها؛ لأن مهمتهم تجميع المسائل، وأما كتب الحديث فإنها تجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتشرح تلك الأحاديث التي جمعوها أو التي جمعت، لكن كتب الفقه فيها الوقوف على أحكام دقيقة، قد لا يجدها الإنسان في بعض كتب الحديث.
    إذاً فلا يستغني طالب العلم عن كتب الحديث، ولا عن كتب الفقه، لكن لا يتعصب لأحد من الفقهاء، ولا يقول: إن الحق مع فلان، وإن التعويل على قول فلان، وإن فلاناً هو المحق، ولا يقال: إن كل أقوال الأئمة هي صواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) وخطؤه مغفور، معنى هذا: أن المجتهد يجتهد في معرفة الوصول إلى الحق، فقد يصيبه، وقد يخطئه، وقد يكون الحق مع الإمام الشافعي، وقد يكون الحق مع الإمام مالك، والحق مع أبي حنيفة، والحق مع الإمام أحمد، وقد يكون الحق مع غيرهم، يعني ليست القضية موقوفة عليهم، ومحصورة عليهم، لكن أكثر المسائل، أو غالب المسائل التي يجتمعون عليها يكون عليها الدليل، وقد يكون الدليل بخلاف المسائل التي يتفقون عليها، وكل مجتهد غير معصوم، ليست العصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما غيره فإنه يخطئ ويصيب، ولكنه لا يعدم الأجر أو الأجرين، إن اجتهد وأصاب فله أجران: أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور، إذاً فالحق هو الاعتدال في الأمور والتوسط، وعدم الإفراط والتفريط، لا يغلى في الأئمة ولا يجفى في الأئمة، وإنما يتوسط، ويذكرون بالجميل اللائق بهم، ويثنى عليهم، ويستفاد من علمهم، ويكون الأمر كما قال ابن القيم رحمة الله عليه في آخر كتاب الروح: إن طالب العلم يرجع إلى كتبهم، ليتوصل بها إلى الدليل، وليستعين بهم على فهم الدليل، وإلى الوصول إلى الدليل، وقال: إن هذا مثله مثل الذي يهتدي إلى القبلة بالنجوم، إذا كان في الفلاة، يعني يتعرف إلى جهة القبلة عن طريق النجوم، لكن إذا وصل إلى القبلة وصار عند الكعبة، ما يحتاج إلى النظر في النجوم يبحث عن القبلة، القبلة أمامه يشاهدها، لكنه يحتاج إلى النجوم حيث لا تكون القبلة أمامه، فكذلك الإنسان عندما يستفيد من كتب العلماء، وينتهي إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وصل إلى النهاية، فيستعان بهم على معرفة الحق والوصول إليه، ولكن إذا عرف الحق، وعرف أن قول الواحد منهم يخالف الدليل، فإنه يؤخذ بالدليل، وهذا هو الذي فيه الأخذ بوصاياهم، التي أوصوا بها رحمة الله عليهم، وهذا هو الذي يليق بالإنسان، أما كون الإنسان يتعصب لأحد منهم، فهذا لا يرضاه الأئمة أنفسهم، وهو مخالف للوصايا التي أوصوا بها؛ لأن الذي يأخذ بالدليل، هذا هو الممتثل لوصايا الأئمة، والذي يتعصب لهم، هذا هو المخالف للأئمة، ولإرشاد الأئمة وتوجيه الأئمة رحمة الله عليهم. وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [عن ابن شهاب].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو ثقة، معروف بالفقه والحديث، وتابعي من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، وهو من أهل المدينة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    حديث أبي هريرة في التكبير للنهوض من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نصر بن علي وسوار بن عبد الله بن سوار، قالا: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما (صليا خلف أبي هريرة رضي الله عنه، فلما ركع كبر، فلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم سجد وكبر، ورفع رأسه وكبر، ثم كبر حين قام من الركعة، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأقربكم شبهاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما زالت هذه صلاته حتى فارق الدنيا)، واللفظ لـسوار].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ولكن فيها التفصيل؛ لأن الطريق الأولى فيها إجمال عند كل خفض ورفع، وأما هنا فذكر التفصيل، ومحل الشاهد منه (عندما يقوم من الركعة)؛ لأن محل الشاهد للتكبير عند النهوض، عند قوله: عندما يقوم من الركعة، فالحديث هذا فيه تفصيل التكبير عن كل خفض ورفع، يكبر تفصيلاً، وأما ذاك يكبر عند كل خفض ورفع إجمالاً، ما ذكر التفصيل، هذا هو الفرق بين الحديثين.
    قوله: [أخبرنا نصر بن علي].
    وهو ابن نصر بن علي، يعني: اسمه واسم أبيه وافق اسم جده وجد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وسوار بن عبد الله بن سوار].
    وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [قالا: حدثنا عبد الأعلى].
    وهو ابن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن معمر].
    وهو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وقد مر ذكره قريباً.
    [عن أبي بكر بن عبد الرحمن].
    وهو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، فقيه، فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن الأقوال في السابع ثلاثة، قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فقد جاء معه أيضاً في هذا الإسناد وفي الإسناد الذي قبل هذا، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    قوله في آخر الحديث: [واللفظ لـسوار].
    قوله: واللفظ لـسوار؛ لأنه لما ذكر شيخين هما: نصر بن علي، وسوار بن عبد الله بن سوار، يعني: أشار بعد المتن إلى أن اللفظ لـسوار، يعني هذا المتن وهذا السياق هو لفظ سوار، وليس لفظ نصر بن علي، وسبق أن مر بنا أن النسائي يقول ذلك، وأحياناً يكون للثاني، وأحياناً يكون للأول، وهذا فيه أن اللفظ للثاني، وسبق أن مر بنا في بعض الأحاديث أن اللفظ للأول منهما، وقال: واللفظ لفلان، أي: والمراد به الأول، وليس للنسائي طريقة معينة، يعني إذا ذكر شيخين، أن اللفظ يكون لواحد منهما، بل قد يكون للأول، وقد يكون للثاني، وهذا بخلاف طريقة البخاري، البخاري له طريقة معينة ثابتة، وهي أنه إذا ذكر شيخين فاللفظ يكون للثاني منهما وليس للأول، وأما النسائي فإنه على حسب تنصيصه في المواضع المتعددة، أحياناً يكون للأول، وأحياناً يكون للثاني.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #220
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (217)
    - (باب كيف الجلوس للتشهد الأول) إلى (باب الإشارة بالإصبع في التشهد الأول)
    من السنة في التشهد أن يفرش المصلي رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام ويرمي ببصره إليها.
    كيف الجلوس للتشهد الأول

    شرح حديث: (إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الجلوس للتشهد الأول.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يحيى عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيف الجلوس للتشهد الأول، والمقصود من ذلك: الجلوس بالنسبة للرجلين، فأورد فيه حديث ابن عمر، وهو (إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى)، تضجعها يعني: يفرشها ويجلس عليها، واليمنى ينصبها لا يجعلها معترضة، وإنما يجعلها منتصبة مثل هيئتها في حال السجود، تكون منتصبة، وأطراف أصابعها، -أي: اليمنى،- متجهةً إلى القبلة، هذه كيفية الجلوس في التشهد الأول.
    والصحابي إذا قال: من السنة، فإن هذا له حكم الرفع؛ لأن هذه الصيغة إذا قال الصحابي: من السنة، فالمراد بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فله حكم الرفع، يعني مرفوع حكماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وقد مر ذكره قريباً.
    [حدثنا الليث].
    وهو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى].
    وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم بن محمد].
    وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة المعروفين في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عبد الله بن عمر].
    يعني اسمه يوافق اسم أبيه، وقيل: إنه وصي أبيه، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
    [عن أبيه].
    عن أبيه عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد

    شرح حديث: (من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد.أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر حدثني أبي عن عمرو بن الحارث عن يحيى: أن القاسم حدثه عن عبد الله، وهو ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: (من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: استقبال القبلة بأصابع الرجل اليمنى عند الجلوس للتشهد، وأورد فيه حديث ابن عمر المتقدم، إلا أن فيه زيادة كونه ينصب اليمنى ويستقبل بأصابعه القبلة، فهي تكون مثل هيئة السجود، تكون أصابع الرجل اليمنى عند الجلوس للتشهد كهيئتها عند السجود، أي: أنه ينصبها ويجعل أصابعها متجهةً إلى القبلة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة..)
    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وهناك شخص آخر اسمه: الربيع بن سليمان بن عبد الجبار، وهذا صاحب الشافعي، إذا قيل: الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، فالمراد به الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المصري، والذي معنا هو الربيع بن سليمان بن داود، هذه تميزه عن الثاني الذي هو ابن عبد الجبار، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر].
    وهو إسحاق بن بكر بن مضر المصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
    [عن أبيه].
    وهو بكر بن مضر المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
    [عن عمرو بن الحارث].
    وهو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن يحيى] عن القاسم]
    وهوابن سعيد.
    [عن القاسم] هو ابن محمد.
    [عن عبد الله] هو ابن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر، هؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا، يحيى بن سعيد الأنصاري والقاسم بن محمد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر، هم الذين مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    وقوله: وصي أبيه، يعني أوصى إليه بالأشياء التي يريد تمثيلها، مثل ما يعني الإنسان يوصي بعد موته، يعني أن واحداً من أولاده يقوم بمهمة كذا وكذا، يعني يسدد الديون، ويكون مسئولاً عن الأموال، يعطيها لمن يستحقها، هذا هو الوصي.
    موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول

    شرح حديث وائل بن حجر في موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سفيان حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ونصب أصبعه للدعاء، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، قال: ثم أتيتهم من قابل فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول، المراد من ذلك أنه عندما يجلس المصلي للتشهد الأول، فكيف يكون وضع يديه؟ ووضعهما في التشهد الأول وهو في الأخير، أن اليسرى توضع على الفخذ اليسرى، واليمنى على اليمنى، وتقبض الخنصر والبنصر، فتحلق الإبهام مع الوسطى، وينصب السبابة يشير بها يدعو بها، وقد مر بعض الأحاديث في ذلك، وكذلك سيأتي بعض الأحاديث المتعلقة في هذا، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه الذي وصف فيه كيفية أو شيء من كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يرفع يديه إذا كبر وافتتح الصلاة، وإذا ركع، وكذلك كان إذا جلس أضجع اليسرى، ونصب اليمنى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى.
    ونصب إصبعه للدعاء، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، والمقصود من ذلك هو ما جاء في آخره مما يتعلق بوضع اليد اليمنى ووضع اليد اليسرى، وأن هذه على الفخذ اليمنى، وتكون على هذه الهيئة، وهذه على الفخذ اليسرى، الأصابع ممدودة عليها ومبسوطة على الفخذ اليسرى، وأما اليمنى فإنها ليست كاليسرى، بل تقبض الخنصر والبنصر، وتحلق الوسطى مع الإبهام، ويدعو المصلي بإصبعه السبابة يحركها كما سبق أن مر التصريح بذلك، وكما سيأتي في الأحاديث التي ستأتي بعد ذلك، يعني في الجزء الثاني في كتاب السهو.
    وقد أورد النسائي حديث وائل بن حجر المشتمل على هذه الأمور فيما يتعلق بالتكبير، ورفع اليدين، وفيما يتعلق بكيفية الجلوس بالنسبة للرجل اليسرى واليمنى، وفيما يتعلق باليدين اليمنى واليسرى.
    قال في آخر الحديث: [ثم أتيتهم ..].
    ثم أتيتهم، يعني: أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يعني فيما بعد؛ يعني أنه حضر في هذا الوقت الذي رأى فيه هذه الكيفية، ثم إنه غاب عنهم، ولما رجع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه وجدهم يرفعون أيديهم بالبرانس، يعني من شدة البرد، يعني كانوا يدخلون أيديهم في داخل ثيابهم من شدة البرد.
    تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].وهو المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه .
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم].
    وهو عاصم بن كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن وائل بن حجر].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    موضع البصر في التشهد

    شرح حديث عبد الله بن عمر في موضع البصر في التشهد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [موضع البصر في التشهد.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه رأى رجلاً يحرك الحصى بيده وهو في الصلاة، فلما انصرف قال له عبد الله: لا تحرك الحصى وأنت في الصلاة، فإن ذلك من الشيطان، ولكن اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، قال: وكيف كان يصنع؟ قال: فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ورمى ببصره إليها أو نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)].
    أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى إلى جواره رجل، وكان يعبث بالحصى وهو جالس، فعلمه ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه نهاه عن هذا الفعل الذي فعله، وأرشده إلى أن يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [(لا تحرك الحصى فإن هذا من الشيطان)]، يعني: كون الإنسان يعبث في صلاته ويعبث بالحصى ويحركه، فإن هذا من العبث، وهو من الشيطان الذي يريد أن يفسد على الإنسان صلاته، ويريد أن ينقص أجر صلاته إذا لم تفسد عليه، فالشيطان حريص على أن يخسر المسلم، وأنه إذا لم يحصل له أن يضيع صلاته ويسعى في إبطالها، فعلى الأقل يسعى فيما ينقصها، وفيما يقلل أجرها، وهذا هو شأن الشيطان والعياذ بالله، حريص على إضلال الإنسان، وعلى إغوائه، وعلى حرمانه الخير، إما الحرمان الكلي، وإما الحرمان الجزئي، إذا لم يحصل الحرمان الكلي، فإنه يريد ويحب أن يحصل الحرمان الجزئي، وقال له: [(ولكن اصنع كما صنع رسول الله، قال: وكيف كان يصنع؟ قال: فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ورمى ببصره إليها أو نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)].
    وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام التي هي السبابة، يعني: يشير بها في الدعاء، ورمى ببصره إليها أو نحوها، يعني أنه كان ينظر إلى مكان سجوده، ولكنه عند الإشارة للتوحيد وعند الدعاء، فإنه ينظر إليها ويرمي ببصره إليها، وفي الحديث أنه رمى ببصره إليها أو نحوها، يعني: إما أن العبارة إليها، أو نحوها، أي: رمى ببصره إليها أو رمى ببصره نحوها، هذا شك من الراوي، هل قال: إليها، أو قال: نحوها؟
    والمقصود منه أنه عندما يشير بأصبعه ويتشهد، فإنه ينظر إلى إصبعه، والأصل، أن المصلي ينظر إلى مكان سجوده في جميع أحواله، يعني حيث يكون قائماً أو راكعاً أو جالساً، فإنه ينظر إلى مكان سجوده، وعندما يشير بإصبعه إلى التشهد شهادة أن لا إله إلا الله، فإنه يرمي ببصره إلى إصبعه.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمر في موضع البصر في التشهد
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو: علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر]، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن جعفر، الذي قالها هو النسائي أو من دونه؛ لأن علي بن حجر الذي هو تلميذ إسماعيل بن جعفر، لا يحتاج إلى أن يقول: هو، بل ينسبه كما يريد، ولكنه اقتصر على أن قال: إسماعيل، فـالنسائي أو من دون النسائي، هم الذين أضافوا جعفراً وأتوا قبلها بهذه الكلمة وهو ابن جعفر؛ ليعلم أو ليعرف هذا المهمل الذي أهمله تلميذه علي بن حجر.
    [عن مسلم بن أبي مريم].
    وهو مسلم بن أبي مريم المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن علي بن عبد الرحمن].
    هو المعاوي، نسبة إلى بني معاوية من الأنصار، وفي بعض النسخ المعافري، والصحيح أنه المعاوي، وهو نسبة إلى بني معاوية من الأنصار، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن عبد الله بن عمر].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الإشارة بالإصبع في التشهد الأول

    شرح حديث عبد الله بن الزبير في الإشارة بالإصبع في التشهد الأول
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإشارة بالإصبع في التشهد الأول. أخبرنا زكريا بن يحيى السجزي يعرف بـخياط السنة، نزل بدمشق أحد الثقات حدثنا الحسن بن عيسى أخبرنا ابن المبارك حدثنا مخرمة بن بكير أخبرنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الثنتين أو في الأربع يضع يديه على ركبتيه، ثم أشار بأصبعه)].
    أورد النسائي الترجمة وهي: باب الإشارة بالإصبع في التشهد الأول، وأورد فيه حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا جلس في الثنتين أو الأربع، يعني: إذا جلس في التشهد الأول أو في التشهد الأخير، أي: سواءً كانت الصلاة ثنائية، أو رباعية، فإنه في التشهدين الأول والثاني، ولكن الترجمة المعقودة في التشهد الأول، والمراد به أنه بعد الثنتين يعني في الرباعية، يعني يشير بإصبعه تلك الإشارة التي قال عنها عبد الله بن الزبير: [(يضع يديه على ركبتيه، ثم أشار بإصبعه)].
    أي: أنه يشير بها في الدعاء، يعني في التشهد الأول وفي التشهد الثاني؛ لأن قوله: [(في الاثنتين والأربع)]، في الاثنتين يقصد بذلك التشهد الأول، وفي الأربع في التشهد الثاني، ومثله الصلاة الثلاثية التي تكون بعد الثالثة، وهذا لا يعني أن حكمها يختلف، بل الحكم واحد في الثنائية والثلاثية والرباعية، ولكنه ذكر الذي هو الغالب، الذي هو الثنائية والرباعية، التي هي تشهد أول وتشهد ثاني في ثلاث صلوات من الصلوات الخمس: الظهر، والعصر، والعشاء، وأما المغرب فهي مثلها.
    وقوله: [(على ركبتيه)]، وقد جاء في بعض الروايات المتقدمة: أنه على فخذه اليسرى، وهذا لا ينافي، يمكن أن يكون الجمع بينهما، يعني أن تكون اليد على الركبة، وتكون أيضاً على الفخذ، فيكون جمع بينهما.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن الزبير في الإشارة بالإصبع في التشهد الأول
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].وهو زكريا بن يحيى السجزي المعروف بـخياط السنة، أحد الثقات، والنسائي ذكر شيخه بهذا التوضيح وهذا البيان الذي هو مقدار سطر، وذلك أن الراوي يذكر شيخه كما يريد، لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان أو ما إلى ذلك، مثل ما يفعله من دون التلميذ، ولكنه ينسبه كما يريد، ويصفه كما يريد، ويعدله إذا أراد، كل ذلك يفعله التلميذ، لا يحتاج إلى أن يأتي بكلمة هو، مثل ما يحتاج إليها من دونه، ولهذا قال: زكريا بن يحيى السجزي نسبة إلى سجستان، وهي نسبة على غير القياس، ويقال له: خياط السنة، قيل: لأنه كان يخيط أكفان أهل السنة، فقيل له: خياط السنة، وقال عنه النسائي: أحد الثقات، وثقه النسائي في هذا الإسناد عندما روى عنه، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحسن بن عيسى].
    هو الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا ابن المبارك].
    وهو عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن المبارك مر ذكره كثيراً، وكان في الغالب يروي عنه سويد بن نصر المروزي، وكان بينه وبين النسائي واسطة واحدة، وهو سويد بن نصر، وهنا جاء بينهما واسطتان؛ لأن شيخه زكريا بن يحيى السجزي متأخر، هو من صغار شيوخه الذين أدرك النسائي الكثير من زمنه ومن زمن حياته، وكانت وفاته سنة مائتين وتسع وثمانين، بعد أصحاب الكتب الستة كلهم، إلا النسائي؛ لأن أصحاب الكتب الستة آخرهم توفي سنة مائتين وتسع وسبعين، من غير النسائي، كلهم مائتين وتسع وسبعين فما قبل، أولهم البخاري مائتين وست وخمسين، ومسلم مائتين وواحد وستين، ثم اثنين مائتين وتسع وسبعين، وواحد مائتين وثلاث وسبعين، والنسائي ثلاثمائة وثلاثة، وهذا عاش بعد أولئك كلهم، عاش بعد آخرهم وهو النسائي بعشر سنوات، ولهذا يعني الإسناد عن ابن المبارك بواسطتين بواسطة رجلين، وعبد الله بن المبارك قال عنه الحافظ: أنه ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عالم، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مخرمة بن بكير].
    وهو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [أخبرنا عامر بن عبد الله].
    وهو عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، وهو أول مولود ولد في الإسلام في المدينة من المهاجرين، يعني لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من المهاجرات، وكان نزول الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في قباء، وكان معهم أبو بكر، وابنته أسماء، وولدت أسماء بنت أبي بكر عبد الله بن الزبير في قباء، يعني أول ما وصلوا إلى المدينة، فحنكه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا هو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من المهاجرين؛ لأنه ولد في قباء من حين ما وصل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه المهاجرون.
    وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن الزبير هذا، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين، وعبد الله بن عمر، وكانت وفاته ثلاث وسبعين أيضاً مثله، وعبد الله بن عباس، وكانت وفاته ثمان وستين، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكانت وفاته في ليالي الحرة، وعبد الله بن الزبير كما قلت: هو أحد العبادلة، لكن ابن عمر، وابن عباس بالإضافة إلى كونهم من العبادلة الأربعة، هم من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. وكنيته أبو بكر، ويكنى أيضاً بـأبي خبيب.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •