تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 10 من 26 الأولىالأولى 1234567891011121314151617181920 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 181 إلى 200 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #181
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (178)



    - باب جامع ما جاء في القرآن [3]

    جاءت السنة ببيان أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن الكريم على سبعة أحرف، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده إذ لم يقصرهم على حرف واحد. والرسم العثماني في المصحف يحتمل هذه الأوجه في القراءات، ولا ينبغي للرجل أن يقول: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيت آية كذا.
    تابع جامع ما جاء في القرآن

    شرح حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [جامع ما جاء في القرآن. أخبرني عمرو بن منصور حدثني أبو جعفر بن نفيل قرأت على معقل بن عبيد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة، فبينا أنا في المسجد جالس، إذ سمعت رجلاً يقرؤها يخالف قراءتي، فقلت له: من علمك هذه السورة؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا تفارقني حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته فقلت: يا رسول الله! إن هذا خالف قراءتي في السورة التي علمتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا أبي! فقرأتها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنت، ثم قال للرجل: اقرأ، فقرأ فخالف قراءتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبي! إنه أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلهن شاف كاف). قال أبو عبد الرحمن: معقل بن عبيد الله ليس بذلك القوي].لا زلنا في الترجمة: جامع ما جاء في القرآن، وقد مضى منها أحاديث متعلقة بكيفية الوحي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعض الأحاديث المتعلقة بإنزال القرآن على سبعة أحرف، وبقي بعض تلك الأحاديث الدالة على إنزال القرآن على سبعة أحرف، وكذلك الأحاديث التي فيها المحافظة على حفظ القرآن وتعاهده؛ حتى لا يضيع حفظه ممن حفظه.وهذا الحديث الذي معنا -حديث أبي بن كعب رضي الله عنه- هو من الأحاديث الدالة على إنزال القرآن على سبعة أحرف، وقد أخبر أبي بن كعب رضي الله عنه أنه حصل له -مثلما سبق في الأحاديث الماضية، أنه حصل لـعمر- ( أنه سمع رجلاً يقرأ سورة من القرآن على خلاف ما كان أقرأه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: من علمك هذا؟ -أي: هذه القراءة من الذي علمك إياها؟- فقال الرجل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم، أقرأني إياها على خلاف ما قرأت، ولكن لا تفارقني حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم )، يعني: أنهما يذهبان إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعرضان عليه ما حصل لهما، من أن كلاً منهما أخذ القراءة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي تخالف قراءة الرجل الآخر.وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من المبادرة إلى معرفة الحق، والوقوف عليه؛ لأن أبياً رضي الله عنه قال: (لا تفارقني حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم).فلما وصل إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما جرى، قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـأبي: بـ( اقرأ، فقرأ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحسنت، ثم قال للرجل: اقرأ، فقرأ على وفق ما كان قرأه -مما خالف فيه قراءة أبي بن كعب- قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحسنت، ثم قال: يا أبي، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلهن كاف شاف )، يعني: أي واحد منهما قرئ به، فإنه حصل به المقصود، وحصل قراءة القرآن على وفق ما أنزل الله عز وجل؛ لأن هذه القراءة التي أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم إياها أبياً هي من الأحرف التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك القراءة التي قرأها ذلك الرجل -وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم إياها- هي من الأحرف التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.وقد عرفنا أن إنزال القرآن على سبعة أحرف في أول الأمر كان من أجل دفع المشقة، وأنه بعدما حصل اختلاط الناس، والتقاؤهم بسبب الإسلام، ومعرفة بعضهم ما عند بعض، ومعرفة هؤلاء لغة هؤلاء، عند ذلك تذللت الألسنة، وقام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه على كتابة المصاحف على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ لأن إنزاله على سبعة أحرف إنما كان رخصة، ولما زالت الحاجة، أو حصل قيام العرب بعضهم مع بعض في معرفة كل ما عند الآخر، وتذللت الألسن وسهلت، وعرف هؤلاء لغة هؤلاء، وخاف أيضاً عثمان رضي الله عنه وقوع الاختلاف بين الناس جمع الناس على حرف واحد.وقد ذكرت سابقاً أن الإمام ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين ذكر تسعة وتسعين دليلاً على سد الذرائع، أو وجهاً من أوجه سد الذرائع، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع، فأورد تسعة وتسعين وقال: إن هذا العدد يطابق أسماء الله الحسنى التي جاء الحديث فيها: (إن الله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، وقد ختم ابن القيم الأوجه التسعة والتسعين بهذا الوجه، فهذا الوجه هو التاسع والتسعون؛ وهو كون عثمان بن عفان قصر الناس على حرف واحد حتى لا يحصل الاختلاف بينهم؛ يعني: أنه فعل ذلك درءاً لهذه المضرة؛ التي هي حصول الاختلاف بين الناس، وكان في أول الأمر رخصة، وقد حصل للناس أن تذللت ألسنتهم، وعرف بعضهم ما عند بعض، فعند ذلك قصرهم على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ولم تكن القراءة بالأحرف السبعة واجبة ومتحتمة؛ لأنها نزلت رخصة، ولما لم يكن هناك حاجة إلى تلك الرخصة -لكون المقصود قد حصل بمعرفة بعض العرب ما عند البعض الآخر- جمعهم على حرف واحد، وهذا الحرف مشتمل على القراءات، لا يقال: إن الأحرف السبعة هي القراءات السبع؛ لأن القراءات السبع موجودة، ولهذا رسم المصحف يتحمل القراءات. ولا يجوز أن يكتب بالإملاء، أو بطرق الإملاء الحديثة، بل رسم المصحف يبقى على ما هو عليه؛ لأن رسمه من أجل أن يتحمل، وأن يتسع للقراءات المختلفة، ولهذا نجد أن الرسم يحتمل القراءتين والأكثر، فمثلاً: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ [الزخرف:24]، في قراءة: (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)، لو كان الرسم قاف وألف ولام، هذا الرسم لا يحتمل (قل)، وإنما يحتمل (قال) فقط، لكن جاء الرسم القاف متصلة باللام، فعند قراءة (قال) تكون القاف مفتوحة وفيه ألف قصيرة بعد الفتحة، يعني: إشارة إلى أنها (قال)، كما هي القراءة الموجودة في المصحف في رواية حفص عن عاصم الموجود في أيدينا، والقراءة الثانية: (قل أولو جئتكم)، فكلمة (قل) إذا كانت القاف مشبوكة باللام، اتسعت لقال ولقل، لكن لو جاءت بحروف الإملاء الحديثة التي عندنا -أن الألف متصلة بالقاف- ما تتحمل (قل). وكذلك: قراءة في آخر سورة التحريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا [التحريم:12] (وكتابه)، وهي قراءة الجمهور. أما (وكتبه)، الموجودة في المصحف عندنا فهي قراءة حفص، وقراءة الجمهور: كتابه، ورسم (كتبه) التاء متصلة بالباء، ما فيه ألف بعد التاء؛ لأنه لو كان فيه ألف ما احتملت (كتبه)، لكن لما جاءت كتب يعني: الكاف والتاء والباء متصل بعضها ببعض، عند قراءة (كتابه) تكون التاء مفتوحة وفيه ألف صغيرة بعدها، وعند قراءة (كتبه) ما فيه ألف ولكن فيه ضمة على التاء، فالأحرف السبعة هي لغات على ما هو مشهور؛ يعني: عند هؤلاء ينطقون بهذه الكلمة، وهؤلاء بهذه الكلمة، وهؤلاء بهذه الكلمة، والجمع للقرآن، كان على حرف واحد مشتمل على القراءات، ورسم المصحف يحتملها.وهذا الحديث قال بعده النسائي: والحديث ثابت صحيح، وقال النسائي في أحد رواته -وهو معقل بن عبيد الله-: ليس بذاك القوي، وقال عنه في التقريب: إنه صدوق يخطئ، لكن الحديث -كما هو معلوم- له شواهد، وحديث عمر بن الخطاب هو بمعناه تماماً، وحديث أبي أيضاً -الذي فيه الاستزادة حتى بلغ سبعة أحرف- يشهد له.فإذاً: هذا الحديث يعتبر ثابتاً، ولو كان معقل بن عبيد الله فيه كلام، وهو ليس بذاك القوي كما يقول النسائي، إلا أن حديث أبي نفسه يعتبر شاهد له أو متابع، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتقدم في قصته مع هشام بن حكيم بن حزام هو بمعناه، ويدل على ما دل عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور هو: النسائي، وعمرو بن منصور النسائي هو من بلد النسائي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند النسائي وحده.[أخبرني أبو جعفر بن نفيل].أبو جعفر بن نفيل هو: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي الحراني، ثقة، حافظ، خرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.[قرأت على معقل بن عبيد الله].معقل بن عبيد الله قال عنه الحافظ: إنه صدوق يخطئ، وأخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن عكرمة بن خالد].عكرمة بن خالد ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً. [عن سعيد بن جبير].هو سعيد بن جبير، المحدث، الفقيه، المفسر، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة؛ وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.[عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه].هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أقرأ الصحابة، وهو سيد القراء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.والحديث من رواية صحابي عن صحابي؛ ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما.
    شرح حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يعقوب بن إبراهيم حدثني يحيى عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن أبي رضي الله عنه قال: (ما حاك في صدري منذ أسلمت إلا أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا نبي الله! أقرأتني آية كذا وكذا، قال: نعم، وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: نعم، إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني، فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل عليه السلام: اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف)].هنا أورد النسائي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، إلا أن هذا قال فيه: أنه بعد أن قال: إنك أقرأتني آية كذا وكذا، على كذا وكذا، وغيري قرأها على كذا وكذا، وقد أقرأتها إياه، فقرأ كل منهما، وقال: ( إن جبريل وميكائيل أتياني، وجلس جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، وقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، وقال ميكائيل: استزده استزده، حتى بلغ سبعة أحرف ).وهو دال على ما دل عليه المتقدم، والمقصود من ذلك: أنه يستزيده، يعني: يطلب من الله عز وجل أن يزيده؛ لأن جبريل إنما ينزل بأمر الله، وبوحي الله، وإنما ذلك لكونه يطلب من الله عز وجل أن يزيده على الحرف الأول، ثم الحرف الثاني، حتى بلغ سبعاً، وميكائيل يقول: استزده، يعني: اطلب منه الزيادة، أي: أنه يطلب من جبريل، وجبريل يطلب من الله عز وجل، والأمر انتهى عند سبعة، أي: واحد منها كاف شاف.والحديث الأول -الذي مضى- فيه أنه يقال للذي أجاد الشيء وأتى به، يقال: أحسنت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل منهما: أحسنت، يعني: أنك أتيت بما أُعطيت، وبما ألقي إليك على ما هو عليه، وقد أحسنت فيما صنعت، وكذلك الثاني قال له: أحسنت، وهذا فيه دليل على أنه يقال للذي وفق، أو أتى بالشيء على وجهه، يقال له: أحسنت، وهي كلمة فيها إجابة حسنة، ورد حسن على من حصل منه الإحسان في الإتيان بالشيء الذي طلب منه أن يأتي به، وجاء به على وجه حسن، وعلى الوجه المطلوب، فإنه يقال له: أحسنت، وقد جاء هذا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة غير هذا الحديث.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف من طريق أخرى
    قوله: [أخبرني يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ لأنه مات قبل البخاري بأربع سنوات، حيث كانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهي نفس السنة التي مات فيها محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وهؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة؛ يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن وكنيته أبو موسى. [حدثني يحيى]. يحيى هو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن حميد].حميد هو: ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.[عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه].قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. وهذا الحديث إسناده خماسي، لكن يقال عنه: إنه في حكم الرباعي؛ لأن أنساً وأبياً صحابة، وهما في طبقة واحدة من حيث الصحبة، كلهم يأخذون عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكلهم يتلقون عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فما كان من هذا النوع يقال له: إنه خماسي في حكم الرباعي.وهؤلاء حديثهم جميعاً عند أصحاب الكتب الستة، وهؤلاء الخمسة: اثنين من الصحابة، والثلاثة بعدهم.
    شرح حديث: (مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إذا عاهد عليها أمسكها...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إذا عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)].هنا أورد النسائي هذا الحديث -والحديث الذي بعده- فيما يتعلق بالمحافظة على حفظ القرآن وتعاهده؛ لئلا يضيع، ولئلا يتفلت من الإنسان. وقد ضرب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام صاحب القرآن بصاحب الإبل المعقلة، التي ربطها بالعقل حتى لا تنفلت، فالعقال يعقل به البعير مع يده، ويشد عليه العقال؛ حتى لا يتمكن من القيام والانفلات، فعندما يريد مثلاً أن ينام الإنسان، إذا كانت الإبل في فلاة يمكن أن تنفلت، بخلاف ما إذا كانت في مكان محوط، لا يمكن أن تخرج منه، فهذا أمره واضح، لكن إذا كانت على وجه يمكن أن تنفلت؛ كأن تكون في خلاء أو في فلاة، فإن حفظها والمحافظة عليها بكون الإنسان يعقلها بالحبال التي يشد بها على يديها، فكذلك صاحب القرآن الذي يحفظه، إذا لم يعاهده بالحفظ، والمذاكرة، والاستذكار، وكثرة التكرار، فإنه ينفلت، كالذي لا يحافظ على أن يعقل الإبل، فإنها تنفلت، وإذا حافظ على عقلها فإنه يبقي عليها، ويأمن من انفلاتها، وكذلك الذي يتعاهد القرآن، ويكثر من تلاوته واستذكاره وقراءته، فإن هذا يبقى القرآن في صدره، ويبقى معه القرآن ولا يتفلت، بخلاف ما إذا أهمله أو غفل عنه فإنه يتفلت منه شيئاً فشيئاً، كشأن صاحب الإبل عندما يتهاون في كونه يعقلها، ويتركها بدون أن يعقلها في بعض الأحيان، فإنها تتفلت منه، وتذهب منه.وهذا مثل ضربه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، والأمثال فيها تقريب للأشياء، وكون الإنسان يقيس هذا الشيء بهذا الشيء، ويجعل الشيء المعقول يقاس بالمحسوس؛ لأنه يقربه، ويجعل الإنسان على استذكار له، وعلى تصور تام له.
    تراجم رجل إسناد حديث: (مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إذا عاهد عليها أمسكها...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك بن أنس].إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن نافع].هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر].ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي، وأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، يعني: ليس عنده ثلاثيات، وإنما عنده رباعيات، وهذا من أمثلتها. وقد ذكرت فيما مضى: أن أصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات: البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد، وأما الثلاثة الباقون وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي، فهؤلاء ليس عندهم ثلاثيات، وإنما أعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا هو من أمثلة الأسانيد العالية عند النسائي، التي هي أعلى ما يكون عنده؛ وهي الرباعيات.ثم هذا الإسناد الذي فيه: مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا يعتبر أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، فأصح الأسانيد على الإطلاق عند البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا الإسناد الذي معنا هو من أمثلة هذه السلسلة التي يقال عنها: السلسلة الذهبية، والتي هي أصح الأسانيد عند الإمام البخاري رحمة الله عليه.وهؤلاء الأربعة أيضاً حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... استذكروا القرآن فإنه أسرع تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن موسى حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي، استذكروا القرآن فإنه أسرع تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقله)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، الذي يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي)، يعني يقول: نُسِّيت، ولا يقول: نَسِيت.وقيل في وجه ذم كونه يقول: نَسِيت، وأن الأولى له أن يقول: نُسِّيت: أن نسبة النسيان إليه؛ يعني: قد يكون ذلك لكونه مبنياً على إهماله، أو على تفريطه، فيكون بذلك قال: نَسيت، وأطلق على نفسه أنه قد نسي، وكان المتسبب في ذلك بإهماله وتفريطه.وقيل: إن المقصود من ذلك: أنه كان في أول الأمر في زمنه عليه الصلاة والسلام عندما تنسخ الآية، إما أن يؤتى ببدل منها، أو ينسيها الله عز وجل وتذهب، ولا تأتي على بال الإنسان، فقيل: إن المقصود بالذم في ذلك: هو لما فيه من مشابهة الذين يحصل منهم النسيان؛ لأن المحافظة عليه في غاية الأهمية، فيكون التعبير ليس حسناً، وهو من حيث إطلاق اللفظ، وأن الأولى أن يقال: نُسِّيت، وأن يضاف الفعل إلى غيره وليس إليه، وأنه لا يكون مفرطاً، وإنما حصل منه مع اجتهاده، ومع عدم تفريطه، هذا مما قيل في وجه التعليل، وتوجيه أن يقول: نُسِّيت، ولا يقول: نَسِيت.ثم أيضاً ما جاء في آخره، وهذا هو محل الشاهد المطابق لما تقدم في الحديث الذي قبل هذا، وليس هو في الحقيقة بشاهد؛ لأن الباب واسع؛ وهو جامع ما جاء في القرآن، فلا يقال: إن هذا يطابق الترجمة، فالترجمة واسعة؛ لأنه يدخل فيها لا أقول: نَسِيت، ويدخل فيها المحافظة على القرآن، وأنه أشد تفلتاً من صدور الرجال من تفلت النعم من عقلها.قال: (بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي، استذكروا القرآن فإنه أسرع تفصياً من صدور الرجال).استذكروا القرآن، يعني: أكثروا مذاكرته ومراجعته وتلاوته، فإنه إذا لم يحصل ذلك، فإن ذلك يؤدي إلى انفلاته، وإلى خروجه من الصدور، فإنه أسرع تفصياً، أي: خروجاً من صدور الرجال، من النعم من عقلها عندما لم تتعاهد العقل؛ لأن الدابة إذا عقلت بحركتها شيئاً فشيئاً يرتخي العقال، فقد ينطلق وتقوم، لكن إذا كان يتعاهدها ويأتي لينظر العقال هل حصل فيه استرخاء، فيشده أو يعيد شده، فيكون في ذلك محافظة عليها، وأما إذا لم يتعاهد العقل أصلاً، أو بمعاهدة العقال، وأنه لم يحصل فيه استرخاء، ويحصل معه الانطلاق بالبعير، فشبه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خروجه وتفلته من صدور الرجال بتفلته من الإبل من عقلها، إذا لم تتعاهد، بل إن ذلك يكون أشد، كما جاء ذلك في كلام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي معنا.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... استذكروا القرآن فإنه أسرع تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقله)
    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].عمران بن موسى صدوق، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.[حدثنا يزيد بن زريع].يزيد بن زريع ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].شعبة هو: ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن منصور].منصور هو: ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي وائل].أبو وائل هو: شقيق بن سلمة، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بالكنية أحياناً -كما هنا- ويأتي أحياناً ذكره بالاسم، وقد ذكرت فيما مضى: أن معرفة كنى المحدثين أنها لها أهمية؛ لئلا يظن الشخص الواحد شخصين؛ فيما إذا ذكر باسمه مرة وذكر بكنيته مرة أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، لكن إذا عرف أن هذه الكنية لفلان، عرف أنه شخص واحد، ذكر في بعض الأحيان باسمه، وفي بعضها بكنيته، وأبو وائل شقيق بن سلمة مخضرم، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله].هو: عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، من المهاجرين ومن فقهاء الصحابة وعلمائهم، وقال بعض العلماء: إنه أحد العبادلة الأربعة، لكن الصحيح أن العبادلة الأربعة هم صغار الصحابة، وهم في سن متقارب، وقد عاشوا بعد ابن مسعود، وأدركهم الكثير من التابعين الذين لم يدركوا ابن مسعود، ورووا عنهم، وأما ابن مسعود فهو متقدم الوفاة، وبين وفاته ووفاتهم ما يقرب من ثلاثين سنة تقريباً، قد تزيد وقد تنقص، ووفاة ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    حكم بيع التقسيط
    السؤال: ما هو الراجح في بيع التقسيط، هل هو جائز أم حرام؟الجواب: بيع التقسيط لا بأس به؛ لأن البيع إلى أجل سائغ، ويجوز بالثمن المساوي لبيع النقد، ويجوز بأكثر من ذلك، وليس هناك دليل يدل على منعه، بل هو سائغ وجائز، وجمهور العلماء قد قالوا بذلك، والشوكاني في كتابه (نيل الأوطار)، عند الكلام على حديث بيعتين في بيعة، من باع بيعتين فقد أتى باباً من أبواب الربا، قال: إن البيع لأجل وبالتقسيط ليس من هذا القبيل، وقال: إن العلماء على ذلك، وإنني لا أعلم أحداً قال بخلافه إلا فلان وفلان، ذكر اسماً أو اسمين، وأن العلماء على القول بالجواز، قال: وقد ألفت في ذلك رسالة سميتها: (شفاء العليل فيما جاء في جواز زيادة الثمن من أجل التأجيل)، ذكر هذا في كتابه نيل الأوطار عند شرحه لحديث البيعتين في بيعة.
    حكم الدخول على زوجة الأخ
    السؤال: هل يجوز للرجل أن يدخل على أمه وزوجة أخيه؟الجواب: يعني كونهما معاً في مكان واحد، إذا كان المقصود أنهما مجتمعتان فيجوز إذا كان هناك حاجة، مع كون زوجة أخيه متسترة، ومحتجبة عنه، لكن كونه يدخل على زوجة أخيه على حدة هذا لا يجوز؛ لأن هذه خلوة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الحمو الموت).
    المقصود بالسبعة الأحرف في القرآن
    السؤال: ما المقصود بالسبعة الأحرف، هل هي القرآن الموجودة الآن؟الجواب: أنا أجبت على هذا السؤال وقلت: إن القرآن والمصحف الموجود هو بالرسم العثماني، وهو محتمل للقراءات، وهو حرف واحد من الأحرف السبعة، فالموجود في المصحف بأيدي الناس حرف واحد، والأحرف السبعة كانت رخصة، وليست حتماً ولازمة، وعثمان رضي الله عنه كتب المصحف على حرف واحد، لكنه مشتمل على القراءات المختلفة.
    حد الخلوة
    السؤال: إذا كان الرجل في غرفة، وتكون زوجة أخيه في غرفة أخرى من نفس الشقة، فهل هذه خلوة؟الجواب: لا، ليست خلوة، يعني: إذا كان مثلاً البيت مكون من مكان جلوس خاص بالرجال، وأهل البيت مكانهم منعزل، وهذا موجود في غرفة المجلس الذي قريب من باب الخروج، وأولئك في المحل الخاص بسكنهم، هذه ليست خلوة، الخلوة فيما إذا كان هي وإياهم في مكان واحد.
    سبب ظهور القراءات السبع
    السؤال: ما سبب ظهور القراءات السبع المعروفة الآن رغم أن عثمان جمعهم على رواية واحدة؟الجواب: جمعهم على حرف واحد، والقراءات السبع موجودة في الرسم، والرسم يتحملها.
    حكم دخول أعمام وأخوال الزوج على زوجته
    السؤال: عندنا في بلادنا عادة محتمة؛ وهي: أنه إذا تزوج الرجل يأتي أعمامه وأخواله بعد الزفاف بأيام حتى يروا العروسة، فهل يجوز لهم أن يروها بحضرة الزوج؟الجواب: لا يجوز لهم أن يروها، وهذه عادة سيئة، العروسة للعريس فقط.
    مدى اعتبار سكوت الصحابة على ابن عمر عندما أخذ من لحيته إجماعاً سكوتياً
    السؤال: ما مدى صحة قول القائل: إن ابن عمر رضي الله عنه قد أخذ من لحيته بعدما فرغ من النسك، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فأصبح عمله هذا إجماعاً سكوتياً؟الجواب: ليس هذا إجماعاً سكوتياً، والرسول صلى الله عليه وسلم ثابت عنه أنه ما كان يتعرض للحيته، وكون ابن عمر رضي الله عنه فعل هذا عندما فرغ من النسك فأولاً: كونه لم ينكر عليه هذا، ما أدري هو أنكر عليه وإلا ما أنكر عليه، لكن سواءً أنكر عليه أو لم ينكر عليه الحجة ليست في فعل ابن عمر، وإنما في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون ما فعلوا شيئاً مما فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه.والعبرة والعمدة على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ابن عمر رضي الله عنه فالذي حصل منه حصل منه باجتهاد منه، ولا يقال: إنه حجة يعول عليها، لكن حتى هؤلاء الذين يقولون: إنهم يأخذون بقول ابن عمر، ما اقتصروا على الأخذ من اللحية بعد النسك، وأيضاً ما اقتصروا على أخذ ما زاد على القبضة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #182
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (179)

    - (باب القراءة في ركعتي الفجر) إلى (باب القراءة في الصبح بالروم)

    بيّن الشرع الحكيم أن ركعتي سنة الفجر فيها التخفيف، وثبت عن النبي أنه كان يقرأ فيها بـ(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، وكذا جاء أنه كان يقرأ: بـ(قولوا آمنا بالله)، و(آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون)، وهذ هو السنة ومن قرأ بغيرها صح.
    القراءة في ركعتي الفجر

    شرح حديث ابن عباس في القراءة في ركعتي الفجر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في ركعتي الفجرأخبرني عمران بن يزيد حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا عثمان بن حكيم أخبرني سعيد بن يسار: أن ابن عباس رضي الله عنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] إلى آخر الآية، وفي الأخرى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52])].يقول النسائي رحمه الله: باب: القراءة في ركعتي الفجر، أي: ما الذي يسن للمصلي أن يقرأ به في الركعتين اللتين تسبقان صلاة الفجر، وهما ركعتا الفجر الراتبة التي هي آكد الرواتب هي والوتر، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه كان لا يحافظ على شيء في الحضر والسفر كمحافظته على ركعتي الفجر، والوتر، ومعنى ذلك: أنه كان يلازمهما في حضره وسفره، فهما آكد النوافل، وآكد الرواتب، وهي السنن التي تتعلق بالصلوات الخمس، فإن آكد تلك السنن المتعلقة بالصلوات الخمس هي ركعتا الفجر. وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الركعتين، أو ركعتي الفجر، أي: بعد الفاتحة، بالآية التي في سورة البقرة: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136]، وفي الركعة الثانية: الآية التي في سورة آل عمران: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، فهذا الحديث يدل على قراءة هاتين الآيتين في ركعتي الفجر، وهو يدل على أنه يجوز أن يقرأ في الركعة الواحدة آية واحدة؛ لأن هذا الحديث يدل على قراءة آية مع الفاتحة في الركعة الأولى، وعلى قراءة آيتين مع الركعة الثانية بعد الفاتحة، فهو دليل على جواز قراءة آية واحدة في الركعة.ثم أيضاً فيه دليل على جواز القراءة من أوساط السور؛ لأن هاتين الآيتين في الآية الأولى في وسط سورة البقرة، والثانية في وسط سورة آل عمران، فهو دال على جواز الاقتصار على آية واحدة، وعلى جواز القراءة من أوساط السور، آية، أو آيات. يدل عليه هذا الحديث الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد جاء هذا الحديث في صحيح مسلم بمثل ما هنا، أي: أنه يقرأ في الآيات: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، وقد جاء عن ابن عباس نفسه، وبنفس الإسناد عن عثمان بن حكيم الأنصاري عن سعيد بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه أنه يقرأ في الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64]، الآية، فحديث ابن عباس هنا يدل على أن الآية الثانية التي تُقرأ في الركعة الثانية الآية التي فيها: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، وهي: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ [آل عمران:52]، الآية، وجاء من طريق أخرى عن ابن عباس في صحيح مسلم أنه يقرأ في الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، الآية.إنما شرع الإتيان بهاتين الآيتين لما فيهما من الاعتراف بالإيمان لله وحده، والتصديق به سبحانه وتعالى، والإيمان به سبحانه وتعالى؛ لأن كلاً من الآيتين اشتملتا على الإيمان، اشتملتا على الإقرار بالله عز وجل والإيمان به، وبما أنزل على رسله، قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ [البقرة:136]، فإن هذه الآية، وكذلك الآية الثانية أيضاً فيها ذكر الإيمان بالله عز وجل، فلعل هذا هو الوجه في اختيار هاتين الآيتين، وكذلك الآية الثانية التي هي: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ [آل عمران:64]، فإن في آخرها: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في القراءة في ركعتي الفجر
    قوله: [أخبرني عمران بن يزيد].قوله: أخبرني، ولم يقل: أخبرنا، الفرق بين (أخبرني) و(أخبرنا)، وحدثني وحدثنا، أن أخبرني يؤتى بها فيما إذا كان التلميذ سمع من الشيخ وحده ليس معه غيره، وأما إذا كان أخذ عنه هو وغيره، فإنه يعبر عن ذلك بأخبرنا، فهذا هو الفرق بين أخبرني وأخبرنا، وحدثني وحدثنا، أن ضمير الإفراد أخبرني وحدثني فيما إذا كان أخذ التلميذ عن الشيخ وحده ليس معه أحد، وأخبرنا وحدثنا فيما إذا كان أخذ التلميذ عن الشيخ ليس وحده، وإنما معه غيره.وعمران بن يزيد هو: عمران بن خالد، ينسب إلى جده كما هنا، وهو: عمران بن خالد بن يزيد الطائي الدمشقي، فهو صدوق، خرج حديثه النسائي.[عن مروان بن معاوية الفزاري].ومروان بن معاوية الفزاري، ثقة، حافظ، كان يدلس أسماء الشيوخ، وتدليس أسماء الشيوخ هذا نوع من أنواع التدليس؛ لأن التدليس قسمان: تدليس إسناد، وتدليس متن، فتدليس الإسناد: هو أن يروي عن شيخه ما لم يسمع منه، يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع، كعن، أو قال، هذا هو تدليس الإسناد.وأما تدليس الشيوخ: فهو أن يذكر شيخه من غير ما هو مشهور به، فيكون في ذلك تعمية، ويعني: إخفاء لشيخه بما حصل من تدليسه، وذلك بكونه يذكره بما هو فيه حقيقة، ولكنه ليس مشتهراً بذلك، كأن يذكره بكنيته، يعني: باسمه وبكنيته، أو بكنية أبيه، أو يأتي بجد من أجداده، ويحذف ما هو مشهور به من نسبه، هذا هو الذي يقولون عنه: تدليس الشيوخ.وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة مروان بن معاوية الفزاري: كان يدلس أسماء الشيوخ، يعني: شيوخه، أي أنه يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، هذا هو معنى تدليس الشيوخ، ويترتب على ذلك التعمية، والإخفاء للشيخ، وأنه يصعب معرفته، وأنه يحتاج إلى بحث، وتحقق من معرفة الشيخ، وقد ينسب أحياناً مثل هذا إلى أنه مجهول، يعني: بأنه ما وجد له ترجمة، مع أنه شخص معروف، ولكنه ذكر بغير ما اشتهر به، فأحياناً عندما لا يعرف، وهو مدلس يقال: أنه لم يوقف له على ترجمة، وهو ذكر بغير ما هو مشتهر به، وممن عرف بتدليس الشيوخ الخطيب البغدادي، أنه ذكر عنه أنه كان يدلس أسماء الشيوخ، الخطيب البغدادي يدلس أسماء شيوخه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، الذي هو مروان بن معاوية الفزاري.[حدثنا عثمان بن حكيم].هو عثمان بن حكيم الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[أخبرني سعيد بن يسار].وسعيد بن يسار، هو المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أن ابن عباس أخبره].هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا قيل: العبادلة الأربعة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم، وهو أيضاً أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    القراءة في ركعتي الفجر بـ(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)

    شرح حديث: (أن رسول الله قرأ في ركعتي الفجر (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد))
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في ركعتي الفجر بـ(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد).أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم حدثنا مروان حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر (قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد))].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب القراءة في ركعتي الفجر بـ(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، أي: بعد الفاتحة، المقصود من ذلك أن هذا هو ما يقرأ به بعد الفاتحة، كالذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا، قراءة الآيتين، أي: بعد الفاتحة، وهنا قراءة السورتين، سورتي الإخلاص، أي: بعد الفاتحة، وقد أورد النسائي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بركعتي الفجر بـ(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)؛ وذلك لما اشتملتا عليه من إخلاص العبادة لله عز وجل، وإثبات أسمائه، وصفاته، وتنزيهه عن مشابهة خلقه، وأنه الذي غني عن كل من سواه، وغيره فقير إليه لا يستغني عنه طرفة عين، فالآية الأولى وهي (قل يا أيها الكافرون)، فيها إثبات توحيد العبادة لله عز وجل، والثانية وهي سورة (قل هو الله أحد)، فيها إثبات توحيد الأسماء والصفات؛ لأن (قل هو الله أحد، الله الصمد) فيها إثبات هذه الأسماء لله عز وجل، ونفي الأشباه والنظراء، نفي الأصول، والفروع، والأشباه، والنظراء، (لم يلد ولم يولد)، يعني: ليس له أصول، ولا فروع، (ولم يكن له كفواً أحد)، ليس له مشابه، وليس له نظير، فلما اشتملت عليه هاتان السورتان من إخلاص العبادة لله عز وجل، وإخلاص العمل له سبحانه وتعالى، وإثبات أسمائه وصفاته، ونفي الأصول والفروع، والأشباه، والنظراء عنه، كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في هاتين الركعتين، أي: ركعتي الفجر بهاتين السورتين العظيمتين اللتين يقال لهما: سورة الإخلاص.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ في ركعتي الفجر (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد))
    قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم].دحيم هو لقب له، وهذا فيه جمع بين الاسم واللقب، مثل ما مر بنا قريباً محمد بن جعفر غندر، جمع بين الاسم واللقب، وهنا جمع بين الاسم واللقب، عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، دحيم لقب له، وهو مأخوذ من عبد الرحمن، وأحياناً تكون الألقاب مختصرة، أو منحوتة من الأسماء، مثل هنا دحيم مأخوذ من عبد الرحمن، وكذلك عبد الله بن عثمان المروزي لقبه عبدان، مأخوذة من عبد الله، يكون اللقب أحياناً منحوت، أو مشتق من الاسم، وأحياناً يكون بعيداً عنه، لا ارتباط بين اللقب والاسم، وهنا دحيم لقبه مأخوذ من اسمه، وهو عبد الرحمن، وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا مروان].وهو مروان بن معاوية الفزاري الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[حدثنا يزيد بن كيسان].وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حازم].وهو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، مشهور بكنيته أبو حازم.[عن أبي هريرة].هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والسبعة الذين هم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة، والمكثرون في قول السيوطي في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّفـأبو هريرة هو أكثر هؤلاء السبعة الذين هم أكثر الصحابة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تخفيف ركعتي الفجر

    شرح حديث عائشة: (إن كنت لأرى رسول الله يصلي ركعتي الفجر فيخففهما ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تخفيف ركعتي الفجر.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كنت لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخففهما حتى أقول: أقرأ فيهما بأم الكتاب؟)].أورد النسائي تخفيف ركعتي الفجر، المقصود من ذلك أن الركعتين للفجر تخففان، وذلك أنه كما هو معلوم يقرأ فيهما بآيتين، أو بسورتين قصيرتين، بآيتين كما مر بنا في الباب الأول من هذه الأبواب، أو بسورتين قصيرتين، وهما سورة الإخلاص كما مر في الباب الذي قبل هذا، فالمقصود من الترجمة تخفيفهما.وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: (إن كنت لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخففهما حتى أقول: أقرأ فيهما بأم الكتاب؟!).أي: لخفة الركعتين، وليس ذلك شك، وأنه قرأ بالفاتحة، أو ما قرأ، وإنما المقصود من ذلك التخفيف، وأنها من أخف صلواته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو إشارة إلى المبالغة في تخفيفها، وليس المقصود من ذلك الشك هل قرأ فيها بالفاتحة؟ لأن الفاتحة كما هو معلوم لا أقل منها، كما جاء في الحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وإنما المقصود من ذلك المبالغة في التخفيف، والإشارة إلى تخفيفها جداً بحيث تصف هذه الخفة بأن تقول: أقرأ فيها بأم الكتاب؟، وكما هو معلوم كان يقرأ الفاتحة، ويقرأ معها آيتين، أو سورتين قصيرتين كما جاء في البابين المتقدمين قبل هذه الترجمة.والمقصو من الحديث هو المبالغة في التخفيف، وأنه يبالغ في تخفيفهما، بحيث تكون أخف صلواته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن كنت لأرى رسول الله يصلي ركعتي الفجر فيخففهما ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن مخلد المعروف بـابن راهويه، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، والتوثيق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، أخبرنا.[أخبرنا جرير بن عبد الحميد].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى].هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن عبد الرحمن].هو محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري الذي اشتهر بكنية أبو الرجال، وهي لقب له، وكنيته أبو عبد الرحمن، لكنه اشتهر بهذه الكنية التي هي لقب، حيث يقال له: أبو الرجال، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.[عن عمرة].وهي أمه، يروي عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، هي: أم محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، هي ثقة، أكثرت من الرواية عن عائشة، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، ورواية محمد بن عبد الرحمن عن أمه من رواية الأبناء عن الأمهات.[عن عائشة].أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي هي أكثر الصحابيات على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    القراءة في الصبح بالروم

    شرح حديث: (عن النبي أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الصبح بالروم.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم، فالتبس عليه، فلما صلى قال: ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور، فإنما يلبس علينا القرآن أولئك)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الصبح بالروم. أي: بسورة الروم في صلاة الصبح، وقد أورد النسائي فيه حديث رجل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام غير مسمى، ومن المعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر، فيكفي أن يوصف الرجل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعرف اسمه، فيكفي أن يقال: عن رجل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الجهالة في الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام، صلى الصبح فقرأ بالروم فالتبست عليه القراءة، فلما صلى قال: (ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور، إنما يلبس علينا القرآن أولئك).أي: هؤلاء الذين لا يحسنون الطهور، والمقصود من الترجمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بالروم في صلاة الصبح، وفي هذا الحديث أنه لما فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (ما بال أناس يصلون معنا لا يحسنون الطهور، إنما يلبس علينا القرآن أولئك)، أي: الذين يصلون معنا وهم لا يحسنون الطهور.والحديث ذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي، وأشار إلى أن سبب تضعيفه كون عبد الملك بن عمير، وهو من رواته أنه تغير، فتكلم بالحديث، أو عن الحديث بسببه، أو من أجله، من أجل عبد الملك بن عمير، وعبد الملك بن عمير هو من رجال الكتب الستة، لكن كونه جاء أو انفرد برواية هذا الحديث الذي فيه القراءة بالروم في صلاة الصبح، وأنه حصل عليه التباس في القراءة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن سبب ذلك كون أناس يصلون معه لا يحسنون الطهور، أن هذا هو سبب ذلك، أي: ليس له شواهد؛ لأنه أولاً ذكر القراءة بالروم، وليس له ما يشهد له، وأيضاً ما جاء في آخره من التباس القراءة، وأن سبب ذلك كون أناس لا يحسنون الطهور، فأورد الحديث في ضعيف سنن النسائي، وأحال إلى المشكاة، أو التعليق على المشكاة، وذكر في تعليقه على المشكاة أن الكلام هو من أجل عبد الملك بن عمير مما وصف به من أنه تغير حفظه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (عن النبي أنه صلى صلاة الصبح فقرأ الروم...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، وهو ملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه جميعاً مباشرة، وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، فإنه توفي قبل البخاري بأربع سنوات، أي: أن وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، ووفاة محمد بن بشار سنة اثنتين وخمسين ومائتين.[حدثنا عبد الرحمن].وهو ابن مهدي، المحدث، الناقد، والخبير بالرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الثقة، الإمام، الحجة، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الملك بن عمير].وهو ثقة، تغير حفظه، وقال عنه الحافظ ابن حجر: ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن شبيب أبي روح].هو شبيب بن نعيم أبي روح، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، قال عنه الحافظ ابن حجر: وأخطأ من عده في الصحابة، وهذا المثال لما مر بنا في الدرس الماضي في المصطلح أن من التابعين من عُدَّ في الصحابة خطأً، ومن الصحابة من عد في التابعين خطأً، ومن الأتباع من عد في أتباع الأتباع، وهذا مثال من أمثلة عد تابعي بأنه صحابي، وذلك على سبيل الخطأ، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في التقريب: ثقة، أخطأ من عده في الصحابة.[عن رجل من أصحاب النبي].عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام غير مسمى، وقد ذكرنا أن الجهالة في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام لا تؤثر، وإنما تؤثر في من دون الصحابة، كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي في الكفاية، وقال: إنهم أجمعوا، أو اتفقوا، أو أن العمل على أن أي واحد لا بد من معرفة حاله إلا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه لا يحتاج إلى معرفة أسمائهم ولا أحوالهم؛ لأنهم جميعاً عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، فهم لا يحتاجون مع ذلك إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين بعد تعديل رب العالمين، وتعديل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة

    الفتوى بالرأي
    السؤال: فضيلة الشيخ، ورد في التقريب في ترجمة ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنهم كانوا يستفتونه من موضع الرأي، فما معنى هذا؟الجواب: الرأي معروف, وهو يعني: الكلام في الرأي، ولكتاب الرأي، وأهل الرأي، وهم الذين يعولون على الرأي، وهذا مما يعاب عليه الإنسان، مثل ما قالوا في ترجمة عثمان البتي: عابوا عليه للإفتاء بالرأي، في ترجمته في التقريب، عيب عليه الإفتاء بالرأي.
    المراجع في معرفة من رمي بالتشيع من المحدثين
    السؤال: ما هي المراجع في معرفة من رمي بالتشيع من المحدثين؟الجواب : المراجع طبعاً هي تراجم الرجال مثل التقريب وغيره، فالإنسان عندما يستعرض، هذه التراجم يجد فيها التنصيف على أنه رمي بتشيع، أو رمي بالإرجاء، أو رمي برأي الخوارج، أو رمي بالقدر، أو رمي بكذا، أو رمي بالنصب، أو رمي بأي بدعة من البدع، والحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح حصر الذين تكلم فيهم ببدعة، فذكر كل الذين تكلم فيهم ثم أفرد، أو أفرد إجمالاً الذين تكلم فيهم ببدعة، فمقدمة الفتح اشتملت على المتكلم فيهم ببدعة في صحيح البخاري، والتقريب مشتمل في تلك التراجم على الإشارة إلى رمي الشخص بأنه متشيع، أو أنه رمي بالقدر، أو رمي بالإرجاء، أو رمي برأي أو ما إلى ذلك.وتقديم علي على عثمان من التشيع الذي لا يؤثر؛ لأنهم جماعة وصفوا بالتشيع، ولكن تشيعهم أنهم كانوا يقدمون علياً على عثمان في الفضل، لا في الخلافة.ما أعرف حصر في مكان واحد، ولكن يوجد في التراجم، في ترجمة مثلاً عبد الرحمن بن أبي حاتم، وترجمة عبد الرزاق، وترجمة الأعمش، وترجمة ابن جرير، يعني: هؤلاء كلهم جاء عنهم أنهم كانوا يقدمون علياً على عثمان، وقد ذكر بعضهم الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن أبي حاتم.
    تبديع من فضل علياً على عثمان
    السؤال: هل ثبت عن الإمام أحمد تبديع من فضل علياً على عثمان رضي الله عنهم؟الجواب: لا أدري، لكن المعروف عند أهل السنة أنه لا يبدع بتفضيل علي على عثمان، وإنما يبدع القائل بأنه أحق منه بالخلافة؛ لأن هذا يصادم الأدلة وما هو معلوم عند أهل العلم من أهل السنة في ذلك.
    حاجة الأمة إلى الفقه في الدين
    السؤال: ما رأيكم فيمن قال: إن العالم الإسلامي اليوم لا يحتاج إلى العلم والتفقه فيه، بل يحتاج إلى الحركة والعمل، وقال: إن التفقه في الدين يعتبر تضييع للمسلمين ولا يبالى بهم؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يريد الله به خيراً يفقه في الدين)، فالتفقه في دين الله عز وجل هو علامة إرادة الله خيراً للعبد، وأي عمل لم يكن مبنياً على الفقه في الدين، ومبنياً على المنهج القويم، فإن صاحبه لا يحصل من ورائه إلا الخسار، ولا يحصل من روائه فائدة، فالناس أحوج ما يكونون إلى الفقه في الدين، وعبادة الله عز وجل، والتزام شرعه، والاهتداء بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا يكون بالفقه في الدين، بل إن العبادة لا بد أن تكون مبنية على علم، وإذا كانت مبنية على جهل صار ذلك ضلال، وقد قال بعض السلف: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، فإذا لم يوجد الفقه في الدين وجد الجهل، ووجدت العبادة على جهل وضلال، فالناس بحاجة إلى العلم، وبحاجة إلى معرفة أحكام الشرع، وبحاجة إلى تدبر القرآن، وكذلك معرفة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والتفقه في دين الله عز وجل، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).
    استعمال طريقة تقلل من استهلاك الكهرباء
    السؤال: الحكومة في بلادنا تفرض ضرائب على المؤسسات الخاصة، وعلى التجار إلى آخره، وبعض أصحاب هذه المؤسسات يستعمل طريقة تقنية في حصر الكهرباء، حتى لا يحسب عليه كل ما استهلكه من الكهرباء، وإنما يحصر عليه الشيء القليل، ويستدرك بهذه الطريقة بعض ما تأخذه الدولة منه، فما حكم هذا العمل؟الجواب: ليس للإنسان أن يعمل هذا، يؤدي الذي عليه ويسأل الله الذي له، هذا هو الذي على الإنسان، (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).
    الكذب من أجل تخفيض الضرائب
    السؤال: يقول: إن الضرائب تختلف باختلاف رأس المال، فإذا كان رأس المال كبير كانت الضريبة كبيرة، وهكذا، هل يجوز للرجل أن يكذب وأن يخبر الدولة بأن رأس ماله كذا حتى تكون الضريبة...؟الجوا : إذا كان الإخبار عن طريق تورية، يوري بذلك فالمعاريض فيها مندوحة عن الكذب، أي: التورية فيها معاريض، والمعاريض هي مندوحة عن الكذب.
    قراءة القرآن في الصلاة على ترتيب المصحف
    السؤال: ما حكم القراءة في الصلاة على ترتيب المصحف؟ كأن يقرأ في الأولى بعبس، وفي الثانية بالنبأ مع الليل؟الجواب: الأولى أن تكون القراءة على وفق الترتيب، بحيث تكون القراءة في الركعة الأولى في سورة متقدمة في المصحف، وتكون في الركعة الثانية في سورة بعدها في المصحف، وإن قدم وحصل العكس فإن ذلك جائز، والدليل على هذا ما جاء في الحديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران )، ثم أيضاً جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له عن رجل يختم بـ(قل هو الله أحد)، أي: يأتي يقرأ ما يقرأ ثم يقرأ معها قل هو الله أحد، فإن قل هو الله أحد ليس بعدها في المصحف إلا سورتان، سورة الفلق، والناس، والباقي كله قبلها، ومن المعلوم أنه إذا قرأها وقرأ معها شيء، معناه: أنه لا بد أن يكون قبلها؛ لأنه ليس بعدها في المصحف إلا سورتان، فهذا هو الدليل على جواز القراءة، بأن تقرأ سورة متقدمة في المصحف بعد سورة متأخرة عنها، ولكن الأولى هو أن يكون وفقاً لترتيب المصحف.
    لبس النظارات المطلية بالذهب للرجال
    السؤال: ما الحكم في لبس النظارات المطلية بالذهب للرجال؟الجواب: استعمال الذهب لا يجوز للرجال، لا في نظارات، ولا في خواتم، ولا في غيرها إلا في ما هو ضرورة مثل الأسنان، إذا كان المقصود من ذلك تعويضاً ليس تجميلاً -بأن يلبس من أجل الجمال-، هذا لا يجوز، فإن كان بدلاً عن سن انقلع، أو اختل وأصلحه بالذهب فلا بأس بذلك، أما أن يكون الباعث على ذلك التجمل، وليس الإصلاح، فإن ذلك لا يجوز.

    ذكر من خرج لمروان بن معاوية

    السؤال: من خرج لـمـروان بن معاوية؟الجواب: مروان بن معاوية خرج له أصحاب الكتب الستة.
    العقيقة والتسمية للجنين إن سقط أو مات عقب ولادته
    السؤال: إذا سقط الجنين ميتاً أو مات بعد ولادته بدم يسيل هل يسمى ويعق عنه أم لا؟الجواب: إذا سقط ميتاً لا يسمى، لكن يسمى في أول الأمر، يسمى في أول يوم ولد فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم سمى ابنه إبراهيم، يعني: في اليوم الذي ولد فيه، قال عليه الصلاة والسلام: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم )، فإذا سماه عند ولادته فتسمية سائغة، ولا يلزم أن تكون أنها تؤخر إلى يوم سابع، بل يمكن أن تكون، لكن إذا كان مات وانتهى، فلا حاجة إلى التسمية.
    حكم العقيقة والتسمية للجنين الميت بعد ولادته بزمن يسير
    السؤال: من مات بعد ولادته بزمن يسير، هل يسمى ويعق عنه أم لا؟الجواب: أنا قلت: أن التسمية أنه لا يسمى ما دام مات ولم يسم، لكن التسمية كما قلت: أنها جاءت السنة بأنها تكون في أول يوم كما في الحديث الذي أشرت إليه: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم )، وأما بالنسبة للعقيقة فالذي يبدو أنه يعق عنه.
    الجنين قبل أربعة اشهر لا يصلى عليه
    السؤال: إذا فقد الجنين قبل أربعة أشهر، هل يصلى عليه أم لا؟الجواب: لا، إذا كان لم يخلق فلا يصلى عليه، وليس له حكم المولود.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #183
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (180)


    - (باب القراءة في الصبح بالستين إلى المائة) إلى (باب القراءة في الصبح بـ(إذا الشمس كورت) )

    كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يطيل القراءة في صلاة الفجر؛ حيث ورد عنه أنه كان يقرأ بالستين إلى المائة آية، وربما قرأ أحياناً بقصار السور كسورة التكوير.
    القراءة بالصبح بالستين إلى المئة

    شرح حديث: (أن رسول الله كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة بالصبح بالستين إلى المئة.أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا سليمان التيمي عن سيار يعني: ابن سلامة عن أبي برزة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة)].يقول النسائي رحمه الله: القراءة في الصبح بالستين إلى المئة، أي: بالستين آية إلى المئة آية، والفجر أو صلاة الفجر تطال فيها القراءة، وهي أطول الصلوات قراءة، وقد جاء تنصيص على قراءة الفجر في قول الله عز وجل: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، والمراد بذلك القراءة في الصلاة، ولهذا فإنها تطول فيها القراءة، وهي أقل الصلوات ركعات، وهي أطولهن في القراءة، وهذا الحديث حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالغداة بالستين إلى المئة، في صلاة الغداة أي: صلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر يقال لها: صلاة الصبح، وصلاة الفجر، وصلاة الغداة، كلها أسماء لهذه الصلاة التي هي أول صلاة النهار بعد طلوع الفجر، فهذه الصلاة تسمى بهذه الأسماء: الفجر، والصبح، والغداة، وكان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المئة، أي: بالستين آية إلى المائة آية، والمقصود من ذلك الآيات المتوسطة؛ لأن من الآيات ما هي قصيرة، ومنها ما هي طويلة، ومنها ما هي متوسطة، وهي بالستين إلى المائة، أي: بالنسبة للآيات المتوسطة، ومن المعلوم أن بعض سور القرآن تتفق عدد آياتها، ولكنها تتفاوت من حيث مقدارها، وذلك بالتفاوت بالنسبة للآيات، فمثلاً سورة الصافات هذه من سور القرآن التي آياتها كثيرة، ولكن مقدارها ليس بالكبير، ولكنها من حيث الآيات كثيرة، وهناك بعض السور تكون آياتها طويلة، ويكون مقدارها كبيراً وعدد آياتها قليلاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، أبوه مشهور بـابن علية، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.وأما أبوه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بابن علية، ولـمحمد بن إسماعيل هذا أخ اسمه إبراهيم بن إسماعيل، وهو والعياذ بالله من الضُلال؛ لأنه أورده الذهبي في كتابه الميزان، وقال عنه: جهمي هالك، وهو أخو محمد هذا، وهو أيضاً معروف بالمسائل الشاذة في الفقه، فإنه يأتي في بعض مسائل الفقه مسائل شاذة تنسب إلى ابن علية، والأصم، وابن علية المراد به إبراهيم الذي هو ابن إسماعيل، والأصم هو ابن كيسان من المعتزلة.ومن أشهر المسائل الشاذة التي نسب القول فيها إلى ابن علية، أي: إبراهيم، مسألة الإجارة، يقول: الإجارة لا تجوز حرام. ومعلوم أن الإجارة لا يستغني الناس عنها؛ لأنه ليس بإمكان كل أحد أن يكون عارفاً بكل مهنة، ولا يلزم كل أحد أن يبذل ما يعرف بالمجان، فإذاً هناك شيء وسط بين هذا، وبين هذا، وهو الإجارة، وهذا الرجل -الذي هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية- قال: بأنها لا تجوز، ومثله الأصم، فإنه يأتي ذكرهما في مسائل متعددة شذوذاً، أي: بأقوال شاذة، الحاصل أن إسماعيل بن إبراهيم إمام من أئمة أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وابنه محمد بن إسماعيل، هذا ثقة، خرج حديثه النسائي، وابنه إبراهيم هذا قال عنه الذهبي: إنه جهمي هالك، ويأتي ذكره في المسائل الفقهية التي يحصل فيها شذوذ، وينسب الشذوذ فيها إليه، إذا قيل: ابن علية فهو المقصود، وهو المعني.[حدثنا يزيد].وهو يزيد بن زريع، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا سليمان التيمي].وهو سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سيار يعني: ابن سلامة].وهو ابن سلامة، وسيار بن سلامة الرياحي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقوله: (يعني)، الذي قال هذا هو الذي دون تلميذه، وليس تلميذه، وتلميذه هو سليمان بن طرخان، والذي دونه يزيد بن زريع، ومحمد بن إسماعيل، والنسائي، فمن دون التلميذ هو الذي قال: (يعني). إذاً فكلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل، الفاعل ضمير مستتر يرجع إلى سليمان بن طرخان، بقوله: [سيار يعني: ابن سلامة]، فـ(يعني) هي فعل مضارع فيه فاعله ضمير مستتر يرجع إلى سليمان بن طرخان، وقائلها هو من دون سليمان بن طرخان؛ لأن سيار يطلق على أشخاص، فهنا ميزه -أي: الذي دون تلميذه- وقال: يعني: ابن سلامة، وهو سيار بن سلامة الرياحي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وفي طبقته سيار أبو الحكم، فهذا في طبقته من التابعين، وهذا سيار بن سلامة الرياحي.[عن أبي برزة].أبو برزة الأسلمي، وهو نضله بن عبيد، هو نضله اسمه نضله بن عبيد، وهو صحابي مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    القراءة في الصبح بـ(ق)

    شرح حديث أم هشام بنت حارثة: (ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من وراء رسول الله كان يصلي بها في الصبح)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الصبح بـ ق.أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا ابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان أنها قالت: (ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يصلي بها في الصبح)].هنا أورد النسائي القراءة في الصبح بـ(ق)، أي: بسورة ق، وقد أورد فيها حديث أم هشام بنت حارثة الأنصارية، وأنها قالت: ما أخذت ق إلا من في رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في الصبح.وقد جاء هذا الحديث من طرق مختلفة عند الإمام مسلم، وغيره، وأنها أخذت ذلك منه وهو يخطب يوم الجمعة؛ لأنه جاء من طرق عند مسلم، وغيره، وعند النسائي أيضاً، ولكن ذلك في خطبة الجمعة، قالت: ما أخذت سورة ق إلا من في رسول صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب يوم الجمعة، فذكر هنا أن ذلك بالقراءة بالصبح، وأكثر الروايات التي جاءت عنها هي أنها في خطبة الجمعة، والشيخ الألباني قال: إن هذا يكون شاذاً، والمحفوظ أنه بخطبة الجمعة، كما جاء عند مسلم، وعند غيره؛ لأن الرواة الذين رووا هذا الحديث لا يذكرون ذلك إلا في خطبة الجمعة؛ وأنها ما أخذت سورة ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب يوم الجمعة، وقد جاء عند النسائي أن ذلك في قراءة الصبح، أو في صلاة الصبح، فالشيخ الألباني قال: إن هذا من قبيل الشاذ، يعني: مما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، وذلك أن الثقات الذي رووا هذا الحديث عن أم هشام -وهي مقلة من الحديث، فليست أحاديثها كثيرة، وهذا الحديث مما جاء عنها- كلهم رووا أن ذلك في خطبة الجمعة.
    تراجم رجال إسناد حديث أم هشام بنت حارثة: (ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من وراء رسول الله كان يصلي بها في الصبح)
    قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد].وهو عمران بن خالد بن يزيد، ينسب إلى جده كما هنا؛ لأن يزيد جده، وأبوه خالد، فهو عمران بن خالد بن يزيد الطائي الدمشقي، وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا ابن أبي الرجال].وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن، وأبوه مشهور بـأبي الرجال، وقد مر ذكره قريباً، وهو محمد بن عبد الرحمن الذي يروي عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وهنا عبد الرحمن بن محمد.[عن يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد الأنصاري، يروي عن جدته عمرة؛ لأن محمد بن عبد الرحمن أمه عمرة، وهنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن جدته عمرة بنت عبد الرحمن، وابن أبي الرجال هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن، فـمحمد بن عبد الرحمن هو أبو الرجال الذي مر ذكره قريباً، وهذا ابنه عبد الرحمن، وهو صدوق ربما أخطأ، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.ويحيى هو الأنصاري؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرة].هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، حديثها عند أصحاب الكتب الستة، وقد أكثرت من الرواية عن عائشة، وهنا تروي عن أم هشام، وقيل: إن أم هشام هي أخت عمرة لأمها.[عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان].وهي بنت حارثة بن النعمان الأنصارية وهي صحابية، خرج حديثها البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    شرح حديث قطبة بن مالك في قراءة النبي بـ(ق) في صلاة الصبح
    [أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى واللفظ له، حدثنا خالد عن شعبة عن زياد بن علاقة سمعت عمي يقول: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فقرأ في إحدى الركعتين: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10]، قال شعبة: فلقيته في السوق في الزحام فقال: ق]. وهنا أورد النسائي هذا الحديث الدال على قراءة ق بصلاة الصبح، وهو حديث عن زياد بن علاقة، وهو قطبة بن مالك الثعلبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بالصبح: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ[ق:10]]، يعني: السورة التي فيها هذه الآية، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ[ق:10]، [قال شعبة: فلقيته بالسوق في الزحام فقال: ق]، يعني: لقي زياد بن علاقة، فقال: (ق)، أي: بدل: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ[ق:10]، أي: قرأ سورة (ق) في الصبح، والحديث دال على قراءة هذه السورة في صلاة الصبح، وهو مطابق، أو شاهد للترجمة التي عقدها النسائي، وهي القراءة بالصبح بـ(ق).
    تراجم رجال إسناد حديث قطبة بن مالك في قراءة النبي بـ(ق) في صلاة الصبح
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. وهو أبو مسعود البصري، ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وقد وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه إسماعيل بن مسعود أبو مسعود، وقد ذكرتُ مراراً أن فائدة معرفة هذا النوع -وهو موافقة معرفة موافقة كنيته اسم أبيه- هو دفع توهم التصحيف فيما لو ذكر بالكنية أحياناً مع اسمه، فإن من لا يعرف يظن أن فيه تصحيفاً بدل ابن أبو، ولكن من يعرف أن أباه مسعود، وكنيته أبو مسعود فسواءً قيل: إسماعيل أبو مسعود، أو إسماعيل بن مسعود النتيجة واحدة، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[ومحمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.[حدثنا خالد].وهو ابن الحارث، خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن زياد بن علاقة].هو زياد بن علاقة بن مالك الثعلبي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [سمعت عمي].يروي عن عمه، وهو قطبة بن مالك، وزياد أبوه علاقة، وعمه قطبة، وقطبة هو ابن مالك الثعلبي، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، أي: خرج له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري فإنه ما خرج له في الصحيح، وإنما خرج له في خلق أفعال العباد.ولكن أبو داود في ظني أنه موجود في نسخة التقريب، ولكن الفيصل في هذا هو تهذيب الكمال؛ لأنه هو الذي ينص على الأسماء.
    القراءة في الصبح بـ (إذا الشمس كورت)

    شرح حديث عمرو بن حريث: (سمعت النبي يقرأ في الفجر: (إذا الشمس كورت))
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الصبح بـ (إذا الشمس كورت).أخبرنا محمد بن أبان البلخي حدثنا وكيع بن الجراح عن مسعر والمسعودي عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر: إذا الشمس كورت].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي القراءة بالصبح بـ(إذا الشمس كورت)، وقد أورد فيه حديث عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالصبح بـإذا الشمس كورت، وهو دال على القراءة بهذه السورة؛ إذا الشمس كورت، ولعل ذلك في إحدى الركعتين، ويمكن أن يكون بهما جميعاً، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي، أو يقرأ فيها أحياناً ببعض السور القصار، وفي بعضها بالسور الطوال، وكثيراً ما كان يقرأ: من الستين إلى المائة آية، كما سبق أن مر قريباً.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن حريث: (سمعت النبي يقرأ في الفجر: (إذا الشمس كورت))
    قوله: [أخبرنا محمد بن أبان البلخي].وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وهو مستملي وكيع، والمستملي: هو الذي يساعد المحدث بأن يبلغ صوته، بأن يبلغ صوته إذا كثر الجمع، فإنه يتخذ معه من يساعده في إبلاغ الصوت، وقد جاء في حديث وفد عبد القيس عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي أنه قال: ألا أجعل لك من مالي حتى تبلغ عني؟ فكان يجلس معه على سريره، ويبلغ الناس، أي: معه، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: وهو حجة في اتخاذ المحدث المستملي؛ لأن ابن عباس رضي الله عنه اتخذ نصر بن عمران الضبعي الذي كنيته أبو جمرة ليبلغ عنه، قال: وهو حجة في اتخاذ المحدث المستملي الذي يبلغ الناس ويساعده على إبلاغ صوته عندما يكثر الجمع، ومحمد بن أبان هذا يقال له: المستملي، وهو مستملي وكيع، الذي يروي عنه في الإسناد الذي معنا، وهو يروي عن وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف صاحب المصنف، وغيره، ومصنفه الزهد، والتفسير؛ لأنه كثيراً ما ينقل عنه في الفتح، وفي تفسير ابن كثير، فهما يعزوان إلى تفسير وكيع بن الجراح، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن مسعر].هو ابن كدام، وهو ثقة، ثبت، فاضل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[والمسعودي].هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، يقال له: المسعودي، وهو صدوق تغير حفظه قبل موته، قال الحافظ والحد الفاصل في هذا أن من سمع منه ببغداد فحديثه بعد الاختلاط، والمختلط ما سمع منه قبل الاختلاط حجة، وما سمع منه بعد الاختلاط لا يعول عليه، وإنما يحتاج إلى ما يساعده ويؤيده، والحديث الذي معنا عن المسعودي وهو ليس منفرداً، بل معه مسعر الذي هو ثقة، ثبت، إمام، فوجود المسعودي وعدم وجوده لا يؤثر على الحديث.وخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.[عن الوليد بن سريع].وهو صدوق خرج حديثه مسلم، والنسائي.[عن عمرو بن حريث].صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي صغير، وهنا يقول: [سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقرأ في الصبح بـإذا الشمس كورت].ومعلوم أن صغار الصحابة مراسيلهم حجة، ولكن ما صرح فيه بالسماع عرف بأنه ليس من المراسيل، بل أخذه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقرأ بالصبح بـإذا الشمس كورت].وعمرو بن حريث خرج له أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    حكم صلاة المأمومين خلف إمام قرأ بغير القرآن بعد الفاتحة

    السؤال: قد حدث وأن قدم جماعة شيخاً كبيراً ليؤمهم إحساناً بالظن به، وتوقيراً له، وهم لا يعرفونه، فلما أمهم قرأ في الركعة الأولى بالفاتحة، ثم قال بعدها: طلع البدر علينا، فهل صلاتهم باطلة بذلك؟الجواب: أقول: مثل هذا لا يصلى ورائه؛ لكونه يأتي بشيء غير القرآن، لا سيما يأتي بالشعر بدل القرآن، فهذا جاهل لا تصح صلاته ولا صلاة من يصلي ورائه.
    المقصود بالنسخة المصرية تقريب التهذيب
    السؤال: تذكر دائماً عند ذكر التقريب تقول: النسخة المصرية، فما المراد بذلك؟الجواب: أقول: النسخة المكونة من مجلدين والتي طبعها النمنكاني، وهي طبعة قديمة بتعليق عبد الوهاب عبد اللطيف، هذه هي المصرية، التي كانت موجودة من زمان، وهي التي تستعمل كثيراً.
    وضع اليد على عاتق المعزى عند التعزية
    السؤال: بعض الناس عند التعزية يضع صفحة كفه على عاتق المعزى، فما حكم ذلك؟الجواب: هذا العمل ليس من السنة، وإنما السنة أن الإنسان إذا جاء يعزي يصافح ويدعو، وأما وضع اليد على الصدر فهو من محدثات الأمور.
    حكم بيع الهدية
    السؤال: هل يجوز بيع الهدية؟الجواب: إذا أهدي للإنسان هدية ملكها، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء؛ يبيعها أو يهديها، يعمل فيها ما يريد.
    الواجب على من أفطرت في شهر رمضان جاهلة بوجوب الصيام عليها
    السؤال: امرأة علمت أن عليها صيام سنة لم تصمه، وذلك بأنها بلغت وهي جاهلة، لا تعلم أنه بالبلوغ يجب عليها الصوم، ولم تصم ذلك الشهر، وهي قد علمت أنه قد كان عليها صيام شهر، فماذا يجب عليها؟الجواب: تقضي ذلك الشهر الذي عليها ما دام أنها قد بلغت قبل أن يدخل الشهر، فالشهر فرض عليها، وعليها أن تقضيه وتطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأنه ما دام قد مضى عليه سنين فتطعم عن كل يوم مسكيناً.
    صيغة التأدية لمن سمع المستملي ولم يسمع الشيخ
    السؤال: نحن نعرف دقة المحدثين في الراوية، فهل من يسمع المستملي يقول: حدثنا المستملي عن الشيخ أم يقول: حدثنا الشيخ؟الجواب: ليس مهمته أن يعطي الناس ويأخذون عنه، وإنما هو يبلغ، أي: إذا وجدت مثلاً كلمة لم تتضح أو نحو ذلك فهو يبلغها، والمحدث هو الذي يحدث، ولكن هذا يساعده بأن يبلغ صوته، فأحياناً، أي: في الشيء الذي يخفى فهذا هو المقصود منه، وإذا كان ما سمع إلا من المستملي، وما سمع صوتاً المحدث فلا يقل: حدثنا فلان أي: المستملي يبلغه المستملي، بمجرد أن ذاك قال هذا الكلام، وإنما الأصل أن التحديث هو من المحدث، إلا أن المستملي يساعد في تبيين شيء، أو إيضاح كلمة خفيت.
    الجمع بين قوله تعالى: (قالوا ما أنزل الله...) وقوله: (قالوا نؤمن بما أنزل...)
    السؤال: ما وجه الجمع بين آية: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91]، الآية، وآية: نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91]، الآية، فكيف في الآية الأولى قالوا: مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91]، وفي الثانية: قالوا: نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا [البقرة:91]، فكيف الجمع بين الآيتين؟الجواب: هذا يحتاج إلى معرفة الذين قالوا هذا، والذين قالوا هذا، يعني: هم جماعة واحدة أو متعددة، لا أستطيع أن أذكر الآن شيئاً.
    الكلام على مسعر الوارد في سند حديث عمرو بن حريث في قراءة النبي: (إذا الشمس كورت) في الفجر
    السؤال: جاء في إسناد حديث عمرو بن حريث في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، في الفجر عن مسعر ؟الجواب: لأنه جاء مسعود المسعودي، وليس هناك في رجال الكتب الستة مسعود المسعودي، وإنما في تحفة الأشراف لما هذا قال: عن وكيع عن مسعر والمسعودي كلاهما عنه، أي: زياد بن علاقة، هو نص على ذلك في تحفة الأشراف، ثم أيضاً مسعر، والمسعودي رووا عن زياد بن علاقة، وكل منهما روى عنه وكيع، فالذي فصل هذا وأوضحه صاحب تحفة الأشراف، حيث قال: عن مسعر والمسعودي كلاهما، عن زياد بن علاقة، فهو الذي بين أن الذي حصلت عنه الرواية عن الوليد بن سريع، هو: مسعر والمسعودي، مسعر بن كدام، والمسعودي الذي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
    صحة حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
    السؤال: ما صحة حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)؟الجواب: الحديث ضعيف.
    المقصود بحديث الرسول: (من كان يؤمن بالله فلا يدخل حليلته الحمام)
    السؤال: ما المقصود بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام)؟الجواب: الحمام -كما هو معلوم- الأماكن التي كانت تخصص للاستحمام، ويكون فيها شيء من التكشف وما إلى ذلك، والكلام في دخول الحمام كثير، والأحاديث التي وردت فيه متعددة، فهذا هو المقصود بإدخاله الحمام.
    قبول الحديث الموصوف بالحسن الغريب
    السؤال: الحسن الغريب هل يقبل؟الجواب: إذا كان المقصود بالغرابة كونه جاء من طريق واحد فإن ذلك لا يؤثر إذا كان الرجال رجال الحسن الذين يصدق عليهم أن حديثهم حسن، بل قد يقال عن الحديث الصحيح: إنه غريب؛ لأنه جاء من طريق واحد، ويقال عنه: صحيح، يعني: الترمذي يقول عن الحديث: إنه حديث حسن صحيح غريب، مثل آخر حديث في البخاري: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن)، رواه البخاري، ومسلم، وقال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، يعني: غريب لأنه جاء من طريق واحد، وأما رجاله فهم ثقات، فقد خرج لهم أصحاب الصحيح، البخاري، ومسلم، فإذا كان المقصود بالغرابة مجيئة من طريق واحد، والرجال ممن حديثهم حسن فإن ذلك لا يؤثر على الحديث شيئاً.
    قبول الحديث المنكر الصحيح السند
    السؤال: المنكر الصحيح السند هل يقبل؟الجواب: المنكر لا يكون صحيح السند، بل المنكر ضعيف السند؛ لأن المنكر ما يرويه الضعيف مخالفاً الثقة، وإنما صحيح السند هو الشاذ، فالشاذ هو الذي يكون صحيح السند، ولكن الضعف فيه من جهة مخالفة الثقات، الذين هم أوثق منه، فالشاذ هو الذي يكون الإسناد فيه صحيح، ورجاله ثقات، ولكن يصير فيه غلط، ويكون فيه وهم.وأما المنكر فمخالفة الضعيف للثقة، ولكن من العلماء من يطلق على الأحاديث المفردة أنها مناكير، وهذا اصطلاح آخر غير الاصطلاح المشهور، فهو اصطلاح خاص لبعض العلماء، وهذا ذكرته في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى عن البرديجي أنه يطلق المناكير على هذا، وكذلك الإمام أحمد كما ذكره عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح عند ترجمة بريد بن عبد الله بن أبي بردة، وقال: إنه يأتي بأحاديث مناكير، وقال: منهم الإمام أحمد فاصطلاحه: إن المناكير أفراد، ولا يكون تضعيفاً، ولا يكون قدحاً في الراوي، ولكن المشهور أن المنكر يقابل المعروف، والشاذ يقابل المحفوظ؛ لأنه عندنا محفوظ، وشاذ، ومعروف، ومنكر، فالمعروف ما خالف فيه الثقة الضعيف، والمنكر ما خالف فيه الضعيف الثقة، عكسه.
    التسبيح في الصلاة عند سماع آية تسبيح
    السؤال: إذا سمع القارئ يقرأ: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الحشر:1]، فهل المصلي يسبح في الصلاة؟الجواب: الإنسان في صلاة الفرض لا يذكر شيئاً، ولا يحصل منه شيء إلا التأمين وراء الإمام، فإذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم، يقول: آمين، وأما بالنسبة للنوافل فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مرت به آية رحمة سأل، وإذا مر به آية عذاب تعوذ بالله من النار، أو استعاذ، فبالنسبة للنفل يعني: الإنسان عندما يسمع: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الحشر:1]، لا يقل شيئاً، ولكن إذا مرت به آية فيها رحمة سأل، وإذا مر في آية إعاذة استعاذ بالله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #184
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (181)


    - (باب القراءة في الصبح بالمعوذتين) إلى (باب سجود القرآن، السجود في ص)شرح حديث عقبة بن عامر في القراءة في الصبح بالمعوذتين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الصبح بالمعوذتين.أخبرنا موسى بن حزام الترمذي وهارون بن عبد الله واللفظ له، قالا: حدثنا أبو أسامة أخبرني سفيان عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عقبة بن عامر: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين؟ قال عقبة: فأمنا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر)].
    يقول النسائي رحمه الله في هذه الترجمة: القراءة في الصبح بالمعوذتين، سبق أن مر في التراجم السابقة: القراءة في الفجر بقاف، وبالستين إلى المائة آية، وفي هذه الترجمة والحديث الذي جاء تحتها، أن الرسول عليه الصلاة والسلام أم الناس في الفجر وقرأ بالمعوذتين، وهما من أقصر سور القرآن، وهذا يدل على أن ذلك سائغاً، أي: أنه يقرأ أحياناً في السور القصار، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث الذي جاء عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وذلك يدل على أنه سائغ، ولكن الأصل، والغالب على صلاة الفجر، أنها تطول فيها القراءة، والغالب على هديه عليه الصلاة والسلام، أنه كان يطيل القراءة، وكان يقرأ بالستين إلى المائة، لكن فعله هنا يدل على الجواز، يدل على أن ذلك جائز، يعني: القراءة بقصار السور، مثل: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس في صلاة الصبح ،كما دل عليه هذا الحديث الذي جاء عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في القراءة في الصبح بالمعوذتين

    قوله: [أخبرنا موسى بن حزام الترمذي].موسى بن حزام الترمذي ثقة، خرج له البخاري، والترمذي، والنسائي.
    [و هارون بن عبد الله].
    وهو البغدادي الحمال، لقبه الحمال، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    قال: (واللفظ له)، يريد النسائي، أن المتن الموجود هنا لفظ هارون بن عبد الله، وليس لفظ موسى بن حزام الترمذي ؛ لأن قوله: (واللفظ له)، يعني: لـهارون بن عبد الله، يعني: لفظ الحديث وسياقه إنما هو من هارون بن عبد الله، وليس من موسى بن حزام الترمذي.
    [حدثنا أبو أسامة].
    وأبو أسامة، هو: حماد بن أسامة، مشهور بكنيته، وأيضاً كنيته توافق اسم أبيه؛ لأن أباه أسامة وهو مشهور بكنيته، وكنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سفيان].
    سفيان، وهو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن صالح].
    هو معاوية بن صالح بن حدير الحمصي، وهو صدوق له أوهام، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير].
    وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه جبير بن نفير].
    وهو ثقة، جليل، خرج حديثه أيضاً البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، الذين خرجوا لـجبير بن نفير هم الذين خرجوا لابنه عبد الرحمن بن جبير.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عقبة بن عامر في الفضل في قراءة المعوذتين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في قراءة المعوذتين.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران أسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني -يا رسول الله!- سورة هود وسورة يوسف، فقال: لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وأورد حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي يقول: (اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، ووضعت يدي على قدمه، وقلت: يا رسول الله! أقرئني سورة هود وسورة يوسف، فقال: لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس).
    وقيل: إن المراد من ذلك: أبلغ في الاستعاذة، أي: أنه ليس هناك أبلغ في الاستعاذة، مما اشتملت عليه هاتان السورتان من الاستعاذة بالله عز وجل، وهذا يدل على الفضل لهاتين السورتين، وهما من أقصر سور القرآن، ولكن ورد فيهما هذا الفضل وغيره.


    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في الفضل في قراءة المعوذتين


    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    هو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    وهو المصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي عمران أسلم].
    وهو أبو عمران أسلم بن يزيد التجيبي المصري، وقد خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عقبة بن عامر].
    هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن بيان عن قيس عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس)].أورد الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، يقول فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس)، وهذا أيضاً يدل على عظم شأن هاتين السورتين العظيمتين، وبيان فضلهما، وقيل: إنه لم ير مثلهن في الاستعاذة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].
    وهو محمد بن قدامة المصيصي، ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن بيان].
    هو بيان بن بشر الأحمسي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قيس].
    هو قيس بن أبي حازم البجلي الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يقال عنه: إنه لم يتفق لأحد أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة إلا قيس، وقد سبق أن مر بنا قريباً، في أبيات السيوطي في التابعين أنه قال: (ليس له نظيرُ)، أي: في كونه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه].
    وقد مر ذكره.

    شرح حديث أبي هريرة في القراءة في الصبح يوم الجمعة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الصبح يوم الجمعة.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان ح، وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان واللفظ له عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: ألم تنزيل، وهل أتى على الإنسان)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الصبح يوم الجمعة، أي: أنه يقرأ فيهما، بألم السجدة، وهل أتى على الإنسان، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بألم تنزيل، وهل أتى على الإنسان، يقرأ بهما في فجر يوم الجمعة.
    وقيل: إن الحكمة في ذلك: ما اشتملتا عليه من ذكر بدء خلق البشر، وخلق آدم، وكذلك أيضاً ذكر المعاد، وما يجري يوم القيامة، وذلك أن يوم الجمعة هو اليوم الذي خلق فيه آدم، وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة، فبدء خلق البشر كان يوم الجمعة، ونهاية الدنيا تكون يوم الجمعة، تقوم الساعة يوم الجمعة، لا تقوم الساعة في يوم من الأيام الأخرى، وإنما قيامها في يوم الجمعة، ويكون قراءة هاتين السورتين، فيهما تذكير بالمبدأ والمعاد، مبدأ خلق الإنسان، وخلق آدم، وخلق ذريته، ونهايتهم، وأن البداية كانت يوم الجمعة، والنهاية تكون يوم الجمعة، ففي ذلك تذكير بالمبدأ والمعاد، ومبدأ خلق الإنسان، ونهاية هذه الحياة الدنيا، حيث تقوم الساعة يوم الجمعة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا هو الحكمة في قراءة هاتين السورتين، في ذلك اليوم الذي هو يوم الجمعة.
    وبعض العلماء يقول: إن المداومة عليهما دائماً لا تنبغي؛ لأنه قد يظن أن ذلك لازم وواجب إذا حصلت المداومة عليهما كثيراً، ولكن يحصل الترك في بعض الأحيان؛ حتى يعلم بأن ذلك ليس بلازم، وأنه ليس بمتحتم، فإن ذلك حسن كما قال ذلك بعض العلماء.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في القراءة في الصبح يوم الجمعة

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، هو: الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد، هو: القطان، المحدث، الناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان، هو: الثوري، وقد مر ذكره قريباً.
    [ح، وأخبرنا عمرو بن علي].
    (ح) هذه تحويل، تحول من إسناد إلى إسناد، يؤتى بها، ثم يؤتى بإسناد جديد، وهي تشعر بالتحول من إسناد إلى إسناد.
    وعمرو بن علي، هو: الفلاس، وهو محدث، ناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، كثيراً ما يأتي في التراجم يقال: وثقه الفلاس، أو ضعفه الفلاس، والمراد به عمرو بن علي هذا.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    عبد الرحمن، هو: ابن مهدي البصري، المحدث، الناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان، وهو: الثوري، وهنا يحصل تلاقي الإسنادين عند سفيان، (واللفظ له) يعني: اللفظ لـعبد الرحمن ؛ لأن سفيان هو في الإسنادين، وهو ملتقاهما، لكن اللفظ لـعبد الرحمن بن مهدي.
    [عن سعد بن إبراهيم].
    هو: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    عبد الرحمن الأعرج، هو: عبد الرحمن بن هرمز، لقبه الأعرج، وهو مكثر من الرواية عن أبي هريرة، وهو مدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه.

    شرح حديث ابن عباس في القراءة في الصبح يوم الجمعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة ح، وأخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك واللفظ له عن المخول بن راشد عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان)].أورد النسائي حديث ابن عباس، وهو بمعنى حديث أبي هريرة، ومؤداهما واحد، وهما جميعاً يدلان على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بألم السجدة، وهل أتى على الإنسان.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في القراءة في الصبح يوم الجمعة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا أبو عوانة].
    أبو عوانة، وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ح، وأخبرنا علي بن حجر].
    ح وأخبرنا علي بن حجر، فيه تحويل وانتقال إلى إسناد جديد، وعلي بن حجر، هو: ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا شريك].
    هو: شريك بن عبد الله النخعي القاضي الكوفي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    واللفظ له، يعني: لـشريك.
    [عن المخول بن راشد].
    المخول بن راشد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسلم].
    مسلم، هو: ابن عمران البطين، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    سعيد بن جبير، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس رضي الله عنه].
    ابن عباس، هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (أن النبي سجد في ص وقال: سجدها داود توبة ونسجدها شكراً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب سجود القرآن، السجود في ص.

    أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال: سجدها داود توبة ونسجدها شكراً)].
    أورد النسائي: باب سجود القرآن، أي: سجود التلاوة عند قراءة القرآن، ثم أورد التراجم المتعلقة ببعض السور، التي اشتملت على سجدة من السجدات، سجدات التلاوة، وسجود التلاوة في القرآن ورد خمس عشرة سجدة، أجمع العلماء على أنه ليس هناك أكثر من خمس عشرة سجدة، يعني: هي الحد الأقصى، وليس وراءها شيء من السجدات، وهذه الخمس عشرة سجدة، عشر متفق عليها -أُجمع على السجود فيها- وخمس مختلف فيها، والصحيح ثبوت السجود فيها كلها، فتكون خمس عشرة سجدة في القرآن.
    وهذه السجدات التي اختلف فيها، هي: سجدات المفصل الثلاث، التي هي: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ، والسجدة الثانية من الحج، وسجدة ص، هذه خمس مختلف فيها، والعشر الباقية متفق عليها، التي هي في الأعراف، ثم الرعد، ثم النحل، ثم الإسراء، ثم مريم، ثم الحج الأولى -التي هي السجدة الأولى-؛ لأن الثانية مختلف فيها، ثم النمل، وبعد ذلك ألم السجدة، والفرقان، ثم بعد ذلك حم السجدة فصلت، هذه عشر متفق عليها.
    ثم أورد النسائي ترجمة وهي: السجود في ، وأورد تحتها حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال: سجدها داود توبة ونسجدها شكراً)، والحديث يدل على سجود الرسول عليه الصلاة والسلام بها، فيدل على أن السجود بها، ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن السنة أن يسجد عند تلاوة سورة ص، حين يمر بالسجدة؛ لأن ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي سجد في ص وقال: سجدها داود توبة ونسجدها شكراً)

    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المقسمي، وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حجاج بن محمد].
    هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن ذر].
    هو عمر بن ذر بن عبد الله المرهبي، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، يعني: خرج له الخمسة، أما ابن ماجه فلم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في التفسير.
    [عن أبيه].
    وهو ذر بن عبد الله ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما في إسناد قبل هذا.

    علاقة المشالح بلباس الشهرة

    السؤال: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة، فما وجه لبس المشايخ لباساً وهو المشلح يتميزون به عن سائر الناس؟ وما دليل هذا العمل؟الجواب: أولاً: ليس هذا مما يختص به المشايخ، ما أكثر الناس الذين يلبسون المشالح، المشالح والبشوت ليست خاصة بالمشايخ، وليست ميزة لهم، بل ما أكثر من يلبسها، فهي ليست من خصائصهم، وليست لباس شهرة، وإنما هذا لباس معتاد عند كثير من الناس.

    حكم جمع الحيوانات في الحديقة وأخذ مقابل نظر الناس إليها

    السؤال: ما حكم جمع الحيوانات المختلفة في حديقة، ومجيء الناس للنظر إليها مقابل مبلغ من المال يدفع للقائمين على الحديقة؟الجواب: لا بأس بذلك.

    حكم الأكل من النذر

    السؤال: هل يجوز لمن نذر بعيراً لله أن يأكل منه هو وأهل منزله؟الجواب: النذر يكون للفقراء والمساكين، إذا نذر الإنسان شيء لله عز وجل فيطعمه الفقراء والمساكين.
    أولوية الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس من غيره

    السؤال: هناك رجل يسكن في بادية، ويؤدي هو وابنه الصلاة في مسجدهم الخاص، المنصوب من حجر ليس مبني ولا مسور، كما هو معروف من مساجد أهل البادية، ويوجد بجوارهم مسجدين، وهما في البعد سواء، حيث يسمعون الأذان بدون مكبر صوت، أحدهما تقام فيه جميع الصلوات، والمسجد الآخر تقام فيه بعض الصلوات دون البعض، السؤال: أيهما أفضل للصلاة في المسجد الذي تقام فيه جميع الصلوات أم في الآخر؟ وما حكم صلاة هذا الرجل وابنيه في مسجدهم المذكور؟الجواب: هو ما دام أنهم قريبين من المسجد الذي تقام فيه الصلوات، فعليهم أن يذهبوا إليه، ولا ينبغي لهم أن يتخلفوا والمكان قريب، ويسمعون الأذان بدون مكبر صوت، يعني عليهم أن يذهبوا إلى هذا المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس.

    حقيقة نسبة التجيبي

    السؤال: التجيبي نسبة إلى ماذا؟

    الجواب: ما أدري هي نسبة إلى قبيلة، أو إلى بلد، لا أدري، هو في مصر، ولا أدري هل هي بلد وإلا قبيلة.



    حد إطالة وقصر الثوب للرجال

    السؤال: هناك من يقصر ثوبه حتى قريباً من ركبتيه، فهل هذا خلاف السنة أو هذا من السنة؟ وما الدليل على هذا الأمر؟الجواب: السنة أنه من نصف الساق وما دون، لكن لا يصل إلى الكعبين؛ لأن ما نزل من الكعبين حرام، وقد جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في التحذير منه.


    مدى صحة القول بتفاضل بعض كلام الله على بعض

    السؤال: ما حكم المفاضلة بين آيات القرآن الكريم؟ وهل يجوز أن يقال: إن بعض كلام الله أفضل من بعض؟الجواب: نعم جاءت الأحاديث في هذا، أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية في القرآن، أعظم سورة في القرآن قل هو الله أحد، وأعظم آية في القرآن آية الكرسي، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.

    توجيه القول بأن الواقدي يلقب بأمير المؤمنين في الحديث

    السؤال: التلقيب بأمير المؤمنين في الحديث من أرفع ألفاظ التعديل، فكيف يقال في الواقدي: أمير المؤمنين في الحديث؟الجواب: من قال هذا؟! أقول: من قال إن الواقدي أمير المؤمنين في الحديث وهو متروك؟!



    السؤال: هل يصح أن يقال لمن أتى محرماً: أصل الإيمان معه كما يقال: انخرم كمال إيمانه الواجب أم لا؟الجواب: الذي أتى محرماً يعتبر مؤمناً ناقص الإيمان، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، لا يعطى الإيمان المطلق، ولا يسلب مطلق اسم الإيمان، وإنما هو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.


    محل نظر المصلي في الركوع

    السؤال: إلى أين يكون نظر المصلي أثناء الركوع؟الجواب: إلى مكان سجوده في حال الركوع، وفي حال القيام إلى موضع السجود، ولو كان بجانب الكعبة فإنه ينظر إلى موضع سجوده.

    كيفية قضاء الفائت من صلاة الجنازة

    السؤال: كيف يقضي المصلي ما فاته من صلاة الجنازة، وخاصة أن الجنائز في المسجد النبوي ترفع بعد الصلاة مباشرة؟الجواب: يقضي الإنسان ما فاته بالتكبيرات ولا يطيل؛ لأن الجنازة لا تبقى، وإذا كبر يدعو دعاءً قصيراً: الله أكبر، اللهم اغفر له وارحمه، الله أكبر، اللهم اغفر له وارحمه.

    حكم قول: أنا مؤمن إن شاء الله

    السؤال: ما حكم من يقول: أنا مؤمن، وكذلك أنا مؤمن إن شاء الله، وأيهما أفضل؟الجواب: قول: أنا مؤمن إن شاء الله، هذا هو المعروف عن السلف، والمقصود من ذلك: عدم التزكية، وليس الشك في الإيمان، وإنما هو البعد عن التزكية، ولهذا أحياناً يقول: مؤمن إن شاء الله، وأحياناً يقول: أرجو، معناه: أن يكون من أهل الكمال، يعني يرجو أن يكون من أهل الكمال، وأنا مؤمن إن شاء الله، يعني أنه من أهل الكمال، ومن أطلقها من السلف، فيريدون من ذلك ما يوافق مسلم الذي هو أصل الإسلام، وليس التزكية؛ لأنه جاء عن بعض السلف إطلاقها، لكنه محمول على معنى الإسلام، الذي هو أصل الإيمان، وهو أساسه، ومن المعلوم أن المسلم أنزل درجة من المؤمن، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء جماعة وأعطاهم النبي عليه الصلاة والسلام، وفيهم رجل كان أعجب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ولم يعطه الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء وقال: (يا رسول الله! إنك أعطيت القوم وفيهم فلان وإنه مؤمن؟ فقال: أو مسلم، فأعاد عليه فقال: أو مسلم)، وكذلك في سورة الحجرات: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قولوا أسلمنا )[الحجرات:14]، الإسلام لا يحتاج إلى استثناء، فلا يقول: أنا مسلم إن شاء الله، هو مسلم أصلاً بدون استثناء؛ لأن هذه أقل درجة وليس فيها تزكية، ولكن كلمة (مؤمن) فيها زيادة عن مسلم، وفيها تزكية، فيقول عندها: إن شاء الله، أو يقول: أرجو، أو يقول: أنا مؤمن بالله وملائكته؛ لأن بعض السلف إذا سئل: أنت مؤمن؟ قال: مؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله.


    حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية

    السؤال: هل يصح الاحتجاج ممن يعصي الله بقضائه وقدره سبحانه وتعالى، بدليل قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )[الصافات:96]، وقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الإنسان:30]؟الجواب: يعني إذا كان السؤال كون العاصي يحتج بالقضاء والقدر، أي: يفعل أمراً منكراً، فإذا عوتب عليه قال: قضاء وقدر؛ هذا لا يجوز، لا يجوز الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والأمور المنكرة، ويقول: إن هذا قدر؛ لأن القدر لا يعلمه إلا الله عز وجل، والإنسان قيل له: هذا ينفعك وهذا ضرك، وهذا إن سلكته نفعك، وإن سلكت هذا ضرك، وعنده عقل، وعنده إدراك وإحساس فيما ينفع ويضر، فهذا الذي يحتج بالقدر، لو أن إنساناً ضربه ثم سأله وقال: قضاء وقدر، فإنه لا يرضى ولا يسكت ويقول: قضاء وقدر، وإنما يضربه، فإذا كان هو نفسه لا يوافق على أن هذا يحصل، وهذا الذي ضربه يقول: قضاء وقدر، ولا يكفيه، ولا يسلم له بهذا الكلام، وإنما يضربه، فالاحتجاج بالقدر لا يجوز على المعاصي.
    ويستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )[الصافات:96].

    نعم، الله خالق العباد، وخالق أعمال العباد، لكن ليسوا مجبورين؛ لأنه فرق بين إنسان عنده عقل وتمييز، وقيل له: هذا الطريق يؤديك للخير، وهذا الطريق يؤديك للشر، وبين إنسان ليس عنده عقل ولا عنده تمييز، يعني: مثل حركة المرتعش وحركة الفعل المختار، الذي يدخل، ويخرج، ويبيع، ويشتري، ويأكل، ويشرب، باختياره ومشيئته وإرادته، فالمرتعش حركته هذه اضطرارية، ليست اختيارية، وليس له دخل فيها، وأما الإنسان الذي يضرب الناس، يضرب باختياره، والمرتعش ما أحد يضربه يقول: أوقف يدك؛ لأنه لا يملك هذا ولا يستطيع هذا، لكن من يؤذي الناس يضرب حتى يمتنع، ولأنه عنده مشيئة وعنده إرادة، فنعم، الله خالق كل شيء، وخالق العباد، وخالق أفعال العباد، لكن العباد ليسوا مجبورين، عندهم مشيئة وإرادة، ولكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته، وإذا وجد شيء في الوجود، فهو بخلق الله وإيجاده، لا يوجد في ملك الله إلا ما قدره الله وقضاه.
    وقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )[الإنسان:30].

    هذا هو الدليل على أن مشيئة الإنسان تابعة لمشيئة الله، وأنه ليس بمجبور.

    بيان المقصود بسور المفصل

    السؤال: ما هي سور المفصل؟

    الجواب: المفصل القول المشهور، بأنه يبدأ من (ق)، وقيل: يبدأ بالحجرات، والأصل في هذا الأثر الذي جاء عن الصحابة: (كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثاً وخمساً وسبعاً وتسعاً وإحدى عشرة وثلاث عشرة)، وحزب المفصل واحد أوله (ق)، أو أوله الحجرات، هذا على الاختلاف في عد الفاتحة، هل تحسب في الثلاث أو أنه يبدأ الحساب من البقرة؟ فإذا بدأ الحساب من الفاتحة، صار أول المفصل: الحجرات، وإن كان أول الثلاث من البقرة يصير أول المفصل (ق)، والمشهور أنه (ق)، هي أن الثلاث إذا حسبت الفاتحة فلا يصير العدد مقدار متقارب، مع هذه السجدة التي هي سبعة أجزاء أو سبعة أحزاب، لكن البقرة، والنساء، وآل عمران تصير حزب، الذي هو -يعني- يعادل السبع؛ لأنها ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد وهو السابع، وأوله (ق)، ثلاث سور: البقرة، والنساء، وآل عمران، هذه ثلاث، هذا حزب، الحزب الثاني كم؟ المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، هذه خمس، الحزب الثالث سبع تبدأ من يونس، وهكذا، وإذا عد الإنسان ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، يعني يكون السابع يبدأ من (ق) الذي هو حزب المفصل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #185
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (182)


    - (باب السجود في (والنجم) ) إلى (باب السجود في (اقرأ باسم ربك) )

    شرح حديث: (قرأ رسول الله بمكة سورة النجم فسجد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السجود في: والنجم.أخبرنا عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران حدثنا ابن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح عن معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه أنه قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم، فسجد وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد، ولم يكن يومئذ أسلم المطلب)].
    سبق معنا البدء بسجود القرآن، وذكرت أن السجدات التي في القرآن، أجمع العلماء على أنه لا يوجد في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، وأجمعوا على عشر منها، وخمس اختلف فيها، وهي سجدات المفصل الثلاث، والسجدة الأخيرة من سجدتي الحج وسجدة ص، والأحاديث التي أوردها النسائي تتعلق بسجدة ص، وسجدات المفصل، وقد مر بنا الحديث المتعلق بالسجود في ص، وهنا تأتي الأحاديث التي تتعلق بسجدات المفصل الثلاث؛ وهي: سجدة النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ. وقلت: إن الخمس المختلف فيها، الصحيح ثبوتها، وأنه يسجد بها كما يسجد بالعشر المتفق عليها، وعلى هذا: فالخمس عشرة كلها ثابتة، عشر بالاتفاق، وخمس منها على القول الراجح من أقوال أهل العلم فيها.
    والنسائي أورد الأحاديث في هذه الأبواب التي تتعلق بسجدة ص، وسجدات المفصل، وقد مر ما يتعلق بسورة ص، وأن السجدة فيها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا بدأ بما يتعلق بالسجود في سجدة النجم، وأورد فيه حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه، وأنه كان قبل أن يسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سجد، فسجد الناس معه، وكان المطلب بن أبي وداعة إذ ذاك لم يسلم فلم يسجد، وقد جاء في صحيح البخاري، أنه سجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس.
    والحديث يدل على سجود الرسول صلى الله عليه وسلم بسجدة النجم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بها، وإذاً: فهي من سجدات التلاوة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    والحديث يدل على أن الكافر إذا تحمل في حال كفره، ثم أدى في حال إسلامه، فإن ذلك معتبر؛ لأن المطلب بن أبي وداعة، أخبر عما حصل في زمن كفره، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام سجد بالنجم، فتحمل في حال كفره، وأدى في حال إسلامه، وهذا سائغ؛ أي: كون الكافر يتحمل في حال كفره، ثم بعدما يسلم يؤدي في حال إسلامه، فالعبرة بحال أدائه. ومن أمثلة ذلك: حديث هرقل، وقصة أبي سفيان معه، فإن ذلك الذي أخبر به وتحدث به، وجرى بينه وبينه، وما أخبر به عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك في حال كفره، ولكن التأدية والتحديث إنما كان في حال إسلامه رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث (قرأ رسول الله بمكة سورة النجم فسجد ...)


    قوله: [أخبرنا عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران].هو ثقة، لازم الإمام أحمد بن حنبل أكثر من عشرين سنة، وقد أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا ابن حنبل].
    هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهو آخر أصحاب المذاهب الأربعة؛ لأن أولهم أبو حنيفة، وكانت ولادته سنة ثمانين، ووفاته سنة خمسين، وبعده الإمام مالك، وكانت وفاته سنة مائة وتسع وسبعين، وبعده الشافعي، وكانت وفاته سنة مائتين وأربع، وآخرهم الإمام أحمد بن حنبل، وكانت وفاته سنة مائتين وإحدى وأربعين.
    والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تلميذ للشافعي، والشافعي تلميذ للإمام مالك، وكل منهم يكنى بأبي عبد الله، مالك كنيته: أبو عبد الله، والشافعي كنيته: أبو عبد الله، والإمام أحمد كنيته: أبو عبد الله، وقد سبق أن ذكرت أن في مسند الإمام أحمد حديثاً يرويه عن الشافعي، والشافعي يرويه عن مالك، وهو حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، وقد ذكره ابن كثير عند تفسير قول الله عز وجل: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران:169]، فقال: إن هذا إسناد عزيز، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة.
    وهو ثقة، حجة، فقيه، إمام، أحد الأئمة المشهورين رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إبراهيم بن خالد].
    هو إبراهيم بن خالد الصنعاني المؤذن، وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا رباح].
    هو ابن رباح الصنعاني، وهو أيضاً ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، مثل تلميذه إبراهيم بن خالد، كل منهما خرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس].
    ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عكرمة بن خالد].
    هو: عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة].
    جعفر بن المطلب بن أبي وداعة مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن أبيه].
    هو: المطلب بن أبي وداعة، وهو صحابي أسلم يوم الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    حديث: (أن رسول الله قرأ النجم فسجد فيها) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فسجد فيها)].هنا أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم وسجد فيها)، فدل ذلك على الترجمة؛ وهي السجود في سجدة النجم، وهو دال على ما دل عليه حديث المطلب بن أبي وداعة ؛ لأن كلاً منهما يدل على سجود الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءته هذه السورة وعند نهايتها.
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
    هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، الثقة، الثبت، أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق].
    هو أبو إسحاق السبيعي، وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    هو ابن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ترك السجود في النجم


    شرح حديث زيد بن ثابت: (أنه قرأ على رسول الله والنجم إذا هوى فلم يسجد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك السجود في النجم.أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن يزيد بن خصيفة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار أنه أخبره: (أنه سأل زيد بن ثابت رضي الله عنه عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم: والنجم إذا هوى فلم يسجد)].
    هنا أورد النسائي ترك السجود في النجم، وأورد فيه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: [أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم، فلم يسجد]. وهذا يدل على ترك السجود، لا على أنه غير سائغ، ولكن على أنه ليس بلازم، يعني: من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه، أن سجود التلاوة ليس بلازم، وليس بواجب، فالإنسان لو مر ولم يسجد ليس عليه شيء، ولكنه إذا سجد فهو أحسن، وهو أفضل، لكنه ليس بلازم، فترك الرسول صلى الله عليه وسلم السجود يدل على أن الترك سائغ، وفعله يدل على مشروعيته، وعلى أنه مستحب، وأنه ليس بلازم، هذا هو الذي يدل عليه حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، وهو أنه قرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة والنجم فلم يسجد.
    وقال فيه: (وزعم)، والمراد به: زيد بن ثابت، وكلمة (زعم)، تأتي أحياناً يراد بها الخبر المحقق، وهنا هذا هو المراد به، وأحياناً يأتي يراد به معان أخر، يعني يراد به معاني باطلة، ومعنىً باطل وهو الكذب، لكن هنا المراد به الخبر المحقق، (زعم) يعني: أخبر خبراً محققاً، أنه قرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (أنه قرأ على رسول الله والنجم إذا هوى فلم يسجد)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [أنبأنا إسماعيل وهو ابن جعفر].
    وهو: إسماعيل بن جعفر، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكلمة: (هو ابن جعفر ) هذه قالها من دون علي بن حجر، إما النسائي؛ أو من دون النسائي، وأتي بها للإيضاح والبيان، وأتي بكلمة (هو) حتى يعلم أنها ليست من علي بن حجر الذي هو التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: (هو)، بل ينسبه كما يريد، مثلما فعل النسائي في الحديث الذي قبل هذا، حيث نسب شيخه عبد الملك، قال: أخبرنا عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران، ينسبه كما يريد، لكن التلميذ إذا ما نسب شيخه، وأتى باسمه فقط، وأراد من دون التلميذ أن يوضح، فإنه يأتي بكلمة (هو)، أو يأتي بكلمة (يعني)، وهذا من هذا القبيل: إسماعيل (هو ابن جعفر)، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن خصيفة].
    يزيد بن خصيفة هو: يزيد بن عبد الله بن خصيفة المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن عبد الله بن قسيط].
    هو أيضاً ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن يسار].
    عطاء بن يسار ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت].
    زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



    السجود في: (إذا السماء انشقت)



    شرح حديث أبي هريرة في سجود النبي عند القراءة بـ (إذا السماء انشقت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود في: إذا السماء انشقت.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أن أبا هريرة رضي الله عنه قرأ بهم إذا السماء انشقت فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها)].
    هنا أورد النسائي السجود في إذا السماء انشقت، يعني: في سجدتها، وأورد في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [أنه صلى بجماعة، وقرأ إذا السماء انشقت وسجد بها]، ولما انصرف من صلاته قال: [إن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بها]، يعني: هو فعل كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على ثبوت السجود في سورة إذا السماء انشقت، فحديث أبي هريرة يدل على ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك، وأبو هريرة اقتدى برسول الله عليه الصلاة والسلام فسجد كما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهو يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، من اتباع سنته، والاقتداء به، والاهتداء بهديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في سجود النبي عند القراءة بـ (إذا السماء انشقت)


    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن يزيد].
    هو المخزومي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من ثقات التابعين، وعده بعض العلماء من الفقهاء السبعة في المدينة، فهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، الذي فيه ثلاثة أقوال؛ قيل: أبو سلمة هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الذي سيأتي بعد هذا، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة،.
    [أن أبا هريرة رضي الله عنه].
    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديثه، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث أبي هريرة في السجود في (إذا السماء انشقت) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا ابن أبي ذئب عن عبد العزيز بن عياش عن ابن قيس وهو محمد عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في: إذا السماء انشقت)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، والذي هو بمعنى حديثه المتقدم، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد في إذا السماء انشقت؛ (سجد)، أي: سجدة التلاوة، في سورة إذا السماء انشقت، فهو بمعنى الحديث المتقدم عنه رضي الله عنه.
    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].
    هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، والإمام مسلم يروي صحيفة همام بن منبه من طريقه، صحيفة همام بن منبه في صحيح مسلم هي من طريق محمد بن رافع؛ محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فـمحمد بن رافع أكثر عنه الإمام مسلم، وهو مثله في النسب، ومثله في البلد؛ لأن مسلماً قشيري نسباً، وهو نيسابوري بلداً، وهذا مثله، فهو القشيري النيسابوري محمد بن رافع.
    [حدثنا ابن أبي فديك].
    ابن أبي فديك هو: محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن أبي ذئب].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، وهو ثقة، فقيه، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد العزيز بن عياش].
    عبد العزيز بن عياش مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن ابن قيس].
    هو محمد بن قيس المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن عمر بن عبد العزيز].
    هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين رحمة الله عليه، هو خليفة راشد، الخلفاء الراشدون الذين خلافتهم خلافة نبوة، الأربعة الذين خلافتهم ثلاثين سنة، لكن عمر بن عبد العزيز من الخلفاء الراشدين، وهناك عبارة تأتي كثيراً على ألسنة بعض الناس يقولون: خامس الخلفاء الراشدين، وفي هذا تجاوز لـمعاوية رضي الله عنه، ومعاوية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من عمر بن عبد العزيز، ومن غيره، ممن ليس من الصحابة، فكونه يقال: إنه خليفة راشد، وإنه من الخلفاء الراشدين، هذا صحيح، لكن كونه يقال: خامس الخلفاء الراشدين، هذا فيه نظر؛ من جهة أن معاوية رضي الله عنه قبله، وهو أفضل منه رضي الله تعالى عنه، وحديث عمر بن عبد العزيز أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث أبي هريرة في السجود في (إذا السماء انشقت) من طريق ثالثة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة، وفيه أنه قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك)، يعني: في سورتين من سور المفصل؛ وهما: سورة إذا السماء انشقت، وسورة اقرأ باسم ربك، فهو يدل على ثبوت السجود فيهما جميعاً؛ في سجدة إذا السماء انشقت، وسجدة اقرأ باسم ربك الذي خلق.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في السجود في (إذا السماء انشقت) من طريق ثالثة


    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].محمد بن منصور هو الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سفيان].
    هو ابن عيينة، وهو ثقة، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم].
    أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم اسمه كنيته، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر بن عبد العزيز].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
    هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأنه مر بنا أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء اختلف في عد الواحد منهم سابع الفقهاء السبعة، فمن العلماء من قال: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من قال: أبو سلمة بن عبد الرحمن الذي مر ذكره قريباً، ومنهم من قال: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    وقد تقدم ذكره.

    طريق رابعة لحديث أبي هريرة في السجود في (إذا السماء انشقت) وتراجم رجال إسنادها


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة مثله].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ولم يسق المتن، بل قال: مثله، و(مثله) إذا جاءت يراد بها مطابقة المتن، أي: مطابقة المتن الذي لم يذكر، بالمتن المذكور الذي قبله، يعني: يكون نفس الثاني الذي لم يذكر: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجد بإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك الذي خلق)، يعني: أن المتن مثل المتن، إذا قيل: مثله، أما إذا قيل (نحوه)، فهو ليس مثله، ولكنه بمعناه، نحوه يعني بمعناه، وأما (مثله) معناه المطابقة.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد مر ذكره.
    [عن أبي بكر بن محمد].
    هو أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكذلك مر ذكره.
    [عن عمر بن عبد العزيز].
    عمر بن عبد العزيز كذلك مر ذكره.
    [عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة].
    مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (سجد أبو بكر وعمر (في إذا السماء انشقت) ومن هو خير منهما)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في إذا السماء انشقت، ومن هو خير منهما)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يقول فيه: (سجد أبو بكر وعمر في إذا السماء انشقت، ومن هو خير منهما)، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم سجد، وذلك يدل على ثبوت السجود، حيث فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعله الخليفتان الراشدان من بعده: أبو بكر، وعمر، رضي الله تعالى عنهما.


    تراجم رجال إسناد حديث: (سجد أبو بكر وعمر في (إذا السماء انشقت) ومن هو خير منهما)


    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي هو الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى].
    يحيى هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ثبت، محدث، ناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قرة بن خالد].
    قرة بن خالد ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، قال عنه الحافظ: ثقة، ضابط، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين].
    محمد بن سيرين ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن أبي هريرة رضي الله عنه].
    قد تقدم ذكره.



    السجود في اقرأ باسم ربك



    شرح حديث: (سجد أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما في (إذا السماء انشقت))


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [السجود في اقرأ باسم ربك.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر عن قرة عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومن هو خير منهما في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك)].
    هنا أورد النسائي السجود باقرأ باسم ربك الذي خلق، وأورد فيه حديث أبي هريرة، وهو بمعنى الحديث المتقدم قبله قال: (سجد أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما -يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم- في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك)؛ لأن الحديث يدل على الاثنتين، وقد أورده هناك، من طريق دال على الاثنتين، وأورده في هذه الترجمة دال على الاثنتين اللتين هما سورة: إذا السماء انشقت، وسورة اقرأ باسم ربك الذي خلق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سجد أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما في (إذا السماء انشقت)


    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [أخبرنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان التيمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قرة].
    هو قرة بن خالد، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن ابن سيرين عن أبي هريرة].
    قد مر ذكرهما.


    حديث أبي هريرة: (سجدت مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ باسم ربك)) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخبرنا وكيع عن سفيان عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريقين أخريين، وهما دالتان على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، من سجود الرسول عليه الصلاة والسلام، وسجود أبي بكر، وعمر، بسورة اقرأ وبسورة إذا السماء انشقت.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. وذكر بعده إسنادين، يعني من إسحاق بن إبراهيم إسنادان: أحدهما..
    [أخبرنا سفيان].
    سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب بن موسى].
    أيوب بن موسى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن ميناء].
    عطاء بن ميناء صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    قد مر ذكره.
    والإسناد الثاني: يقول فيه: أن إسحاق بن راهويه قال:
    [أخبرنا وكيع].
    يعني شيخه في الإسناد الذي قبل هذا هو سفيان، وهنا يقول: أخبرنا وكيع، الذي هو إسحاق بن راهويه، ووكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وهو صاحب التفسير، وصاحب الزهد، وصاحب الكتب العديدة، وهو من المصنفين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    سفيان هو الثوري، وقد عرفنا فيما مضى أنه إذا جاء وكيع عن سفيان، فالمراد به الثوري؛ لأنه مكثر عنه، وليس ابن عيينة؛ لأنه مقل عنه، وهما من بلد واحد؛ سفيان الثوري كوفي، ووكيع بن الجراح كوفي.
    و إسحاق بن إبراهيم متأخر، وأما وكيع متقدم؛ وكيع مات قبل المائتين، وإسحاق بن راهويه متأخر بعد ذلك، يعني إسحاق بن إبراهيم من شيوخ النسائي، والنسائي متأخر، وأما وكيع فإنه متقدم الوفاة، فلا يروي عنه النسائي إلا بواسطة.
    يعني أن إسحاق يروي عن سفيان، ويروي عن وكيع عن سفيان؛ يعني الأولى عالية والثانية نازلة.
    ووكيع وفاته قبل المائتين، وهو الذي يقول فيه الشافعي:
    شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
    وقال: اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
    [عن أيوب بن موسى].
    أيوب بن موسى قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة].
    كذلك عطاء بن ميناء وأبو هريرة مر ذكرهما.



    الأسئلة


    بيان حد التقليد


    السؤال: هل هناك مرتبة بين الاجتهاد والتقليد؟ وما هو حد التقليد؟الجواب: الاجتهاد -كما هو معلوم- هو الأخذ بالنصوص، والتعويل على ما تدل عليه النصوص، لمن تمكن من ذلك، وأما التقليد فهو الذي يقلد غيره، ويعول على قول غيره، ولا تمكن عنده في الاجتهاد، بل هو مقلد، والمقلد تابع، ولهذا يقولون: إن المقلد لا يعد من أهل العلم، يعني: هو تابع لغيره، وإنما أهل العلم هم الذين يعنون بمعرفة الحق بدليله، وأما المقلد فهو لا يعرف الحق بدليله، وإنما يعرف كلام الرجل الذي يقلده.

    حكم قول: أقامها الله وأدامها عند إقامة الصلاة


    السؤال: ما رأيكم في قول من يقول عند قد قامت الصلاة: أقامها الله وأدامها، وخاصة والحديث ضعيف، وكأنه يقول: إن بعض العلماء جوز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال؟الجواب: سامع المؤذن يقول مثل ما يقول في الأذان وفي الإقامة إلا في حي على الصلاة، حي على الفلاح، في الأذان، هذا هو المشروع، وأما أقامها الله وأدامها فرواه ابن ماجه، وهو حديث ضعيف لا يعول عليه، وإنما التعويل على: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)، وهذا يشمل الأذان والإقامة.
    رفع الصوت على الوالدين حال الغضب وبدون قصد


    السؤال: الذي يصرخ أحياناً إذا غضب على وجه أمه، وهذا طبعه ويصدر منه من دون قصد، فهل يأثم في ذلك؟الجواب: الإنسان وإن كان هذا طبعه سيء، إلا أنه لا يحصل مع الوالدة هذا الطبع السيئ؛ الله يقول: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ )[الإسراء:23]، فكيف يعني وهو يصرخ؟

    معنى الخذف الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام


    السؤال: نريد شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف)؟الجواب: الخذف هو الرمي بالحصا، يعني: الحصاة بين أصبعين ثم يطلقها، هذا هو الخذف، هذا هو الذي جاء في حديث ابن المغفل.

    ما يلزم من فاتته الظهر حتى أذان العصر


    السؤال: فقد فاتتني صلاة الظهر في يوم من الأيام، ولم أتمكن من أدائها لعمل طارئ، حتى أذن لصلاة العصر، فدخلت المسجد وصليت الظهر قبل قيام الصلاة لوحدي، ثم صليت العصر مع الإمام، فهل هذا صحيح؟الجواب: نعم العمل صحيح، يعني يصلي الظهر أولاً ثم يصلي العصر، لكن الواجب هو الحرص على المحافظة على الصلوات؛ بأن تؤدى في أوقاتها، ولا يؤخر الإنسان الصلاة عن وقتها، إلا إذا كان مسافر، أو له حق الجمع، ويؤخر بنية الجمع، أو يكون نائماً أو ناسياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك).

    مدى ثبوت قصة الغرانيق


    السؤال: بمناسبة حديث سورة النجم، فما رأيكم في ثبوت قصة الغرانيق؟الجواب: قصة الغرانيق غير ثابتة، وسجود الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين والجن والإنس ثابت.

    حكم طلاق الرجل في السفر


    السؤال: ما حكم طلاق الرجل زوجته وهو في السفر؟الجواب: يطلقها في الحضر والسفر.

    مدى لزوم من أراد الزواج على زوجته انقضاء العدة


    السؤال: رجل طلق زوجته، وأراد أن يتزوج هل ينتظر حتى تكمل العدة؟الجواب: ما يحتاج، تخرج من العدة أو ما تخرج، وإنما الذي يحتاج إليها الرابعة، إذا كانت رابعة وطلقها وأراد أن يتزوج مكانها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #186
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (183)


    - (باب السجود في الفريضة) إلى (باب القراءة في الظهر)

    بينت الشريعة مشروعية سجود التلاوة في صلاة الفريضة، وكذلك مشروعية أن يُسمع الإمام الآية أحياناً في الصلاة السرية؛ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمعهم الآية في الظهر، وفيه دلالة على استحباب الجهر بما يسن الإسرار به للتعليم.

    السجود في الفريضة



    شرح حديث أبي هريرة في سجود التلاوة في الفريضة


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود في الفريضة.أخبرنا حميد بن مسعدة عن سليم وهو ابن أخضر عن التيمي حدثني بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع (صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء -يعني العتمة- فقرأ سورة: ( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ )[الانشقاق:1]، فسجد فيها، فلما فرغ قلت: يا أبا هريرة! هذه -يعني سجدة- ما كنا نسجدها، قال: سجد بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه، فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)].

    يقول النسائي رحمه الله السجود في الفريضة، يعني: سجود التلاوة، وأن سجود التلاوة يكون عند قراءة القرآن، سواءً كان في الفريضة، أو في غيرها، لكنه ليس بلازم، وإنما هو مستحب، ولو لم يفعل الإنسان لا بأس بذلك، لكن الأولى هو السجود عند تلاوة القرآن، سواءً كان في الفريضة، أو في النافلة، إلا أنه إذا كان في صلاة الفريضة وهي سرية فالأولى عدم السجود؛ لأنه يحصل به التشويش، بخلاف الجهرية، فإن القراءة ومعرفة الوصول إلى آية فيها سجدة، ثم السجود عندها، يكون ذلك واضحاً جلياً لا إشكال فيها، ولا تشويش فيه، بخلاف السرية، وهذه الترجمة هي آخر التراجم المتعلقة بسجود التلاوة، وقد سبق أن مر بنا عدة أبواب، فيها سجود التلاوة في بعض السور؛ وهي سورة ص، وسورة إذا السماء انشقت، وسورة النجم، وسورة اقرأ، وهذه من المواضع الأربعة التي اختلف في السجود فيها، وهناك موضع خامس اختلف فيه؛ وهو السجود في السجدة الأخيرة من سجدتي الحج.
    وأما العشر الأخرى فمتفق على السجود بها، ولا خلاف بين العلماء فيها، وقد سبق أن ذكرت أن السجود في هذه السجدات الخمس المختلف فيها ثابت، وأن الأولى والراجح في ذلك هو ثبوت السجود فيها، وأن الخمس عشرة سجدة التي هي في القرآن -ولا زيادة على خمسة عشر- يسجد بها، منها عشر متفق عليها، وخمس مختلف فيها، والراجح: هو ثبوت السجود فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الترجمة تتعلق بالسجود في الفريضة، ومعنى هذا: أن سجود التلاوة يكون عند قراءة القرآن، سواءً كان ذلك في صلاة أو في غيرها، وسواءً كان ذلك في فريضة أو نافلة، إلا أن الأولى في السرية ألا يسجد بها الإمام؛ لأن ذلك يحصل به التشويش على المأمومين.
    ثم أورد النسائي تحت هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (وهو أن أبا رافع صلى خلف أبي هريرة، صلاة العشاء يعني: العتمة، فسجد، ولما انصرف قال: هذه، أي: سجدة ما كنا نسجدها، فقال: سجد بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه، فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).
    وهذا فعل أبو هريرة رضي الله عنه، حيث سجد لصلاة العشاء بهذه السجدة، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بها، فأنا أسجد اقتداءً به حتى ألقاه، أو لا أزال أسجد بها حتى ألقاه، فيدلنا على ثبوت السجود في الفرائض، وأن ذلك فعله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأيضاً يدلنا على ما كان عليه الصحابة الكرام، رضي الله عنهم وأرضاهم، من الإتساء والاقتداء بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم سجدها، وأنا لا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).
    وأبو القاسم هي كنية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرها أبو هريرة هنا مرتين، حيث قال: [سجدت بها خلف أبي القاسم، ولا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم]، حتى الموت، وذكر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بكنيته حسن، ولكن ذكره بوصف الرسالة أحسن، قال هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: إن ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بكنيته أنه حسن، ولكن ذكره بوصف الرسالة أحسن؛ بأن يقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ذكره يذكر وصفه بالرسالة، قال: هذا أحسن، وذكره بالكنية حسن. ثم أيضاً في الحديث ذكر العشاء، وقال: العتمة، أي: فسر بها العشاء؛ لأن العشاء قد تطلق على صلاة المغرب، ويقال لها: عشاء، ويقال لصلاة العشاء: العشاء، إلا أن المغرب يقال لها: العشاء الأولى، والعشاء يقال لها: العشاء الآخرة، ويطلق على العشاء الآخرة العتمة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في سجود التلاوة في الفريضة


    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة بصري صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سليم وهو ابن أخضر].
    سليم بن أخضر ثقة، ضابط، قال عنه الحافظ ابن حجر: ثقة، ضابط، خرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ما خرج له البخاري، ولا ابن ماجه، وكلمة: (وهو ابن أخضر)، هذه قالها من دون حميد بن مسعدة الذي هو تلميذه الراوي عنه، وقالها إيضاحاً، وبياناً لهذا الذي قال عنه حميد بن مسعدة سليم، ولن يزيد على ذلك؛ لأن حميد بن مسعدة ما زاد على قوله: حدثنا سليم، والذي دونه، إما النسائي، أو من دون النسائي، هم الذين أتوا بكلمة (هو: ابن أخضر)، ولكنه قال: هو ابن أخضر، أي: حتى يعرف بأن هذه الزيادة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وذلك أن التلميذ لا يحتاج إلى أن يذكر هو ابن فلان، بل ينسبه كما يريد فلان بن فلان بن فلان، ويطيل في نسبه كما يشاء؛ لأن الكلام كلامه، لكن من دون التلميذ، لا يزيد على ما ذكره التلميذ، وإذا أراد أن يوضح هذا الذي أهمله التلميذ، فإنه يأتي بلفظ يشعر بذلك، مثل ما هنا هو ابن فلان، أو مثل يعني: ابن فلان.
    [عن التيمي].
    هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني بكر بن عبد الله المزني].
    هو بكر بن عبد الله المزني البصري، وهو ثقة، ثبت، جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وبكر بن عبد الله المزني هذا، ذكروا في ترجمته كلمة عظيمة ينسبونها إليه، وأنها من كلامه، وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب؛ وهي قوله: (إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو إساءتك الظن بأخيك)؛ لأن هذا إن أصبت فيه، ما تحصل أجر، وإن أخطأت أثمت، وإذاً فابتعاد الإنسان عن هذا الأمر، وعن هذا الشيء، فيه سلامته ونجاته؛ لأنه إن أصاب في إساءته الظن لا يحصل أجراً على هذه الإصابة، وإن أخطأ في إساءته الظن، فإنه يأثم، فهي كلمة عظيمة، وكلمة بليغة، وكلمة معناها جليل وعظيم، وهي لها أهمية كبرى، وفيها بيان خطورة إساءة الظن بالمسلم، وعدم إحسان الظن به، وهذه الكلمة هي من جملة الكلمات التي أنا أودعتها الكتاب الذي صدر أخيراً؛ وهو الفوائد المنتقاه من فتح الباري ومن كتب أخرى، فإن من جملة مباحث هذا الكتاب كلمات ذات عبر وعظات، وهذه من هذه الكلمات، التي هي ذات عبر وعظات، قالها بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة، ثبت، جليل، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي رافع].
    أبو رافع هو الصائغ المدني، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وإسناد هذا الحديث كلهم يوصفون بأنهم بصريون إلا أبا هريرة، فإن حميد بن مسعدة بصري، وسليم بن أخضر بصري، وسليمان بن طرخان التيمي بصري، وبكر بن عبد الله المزني بصري، وأبو رافع هذا نزل البصرة.
    إذاً: خمسة من إسناده بصريون إلا الصحابي وهو أبو هريرة، فهو مدني رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وبالمناسبة كان في الحديث الذي هو آخر ما مر بنا، وهو الذي جاء من طريقين عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن سفيان، وعن وكيع عن سفيان، سفيان الأول هو سفيان بن عيينة، وليس سفيان الثوري، وأما الثاني فهو سفيان الثوري الذي يروي عن وكيع، والذي يروي عنه إسحاق بن راهويه مباشرة، هذا هو ابن عيينة وليس الثوري، وابن عيينة، وإسحاق بن راهويه، توفي سنة ثماني وثلاثين، وعمره اثنان وسبعون سنة، فولادته سنة ست وستين ومائة، والثوري مات قبل ولادته بأربع سنوات، الثوري مات قبل ولادة إسحاق بن راهويه بأربع سنوات؛ لأنه توفي سنة واحد وستين ومائة؛ فعلى هذا هو ابن عيينة وليس الثوري ؛ لأن إسحاق بن راهويه لم يدرك الثوري، وعلى هذا فـسفيان الذي أُهمل في الإسناد الأول، وسفيان الذي أهمل في الإسناد الثاني، شخصان، وليس شخصاً واحداً، في الأول سفيان هو ابن عيينة، الذي يروي عنه إسحاق بن راهويه مباشرة، والثاني الذي يروي عنه بواسطة هو سفيان الثوري، الذي يروي عنه بواسطة وكيع بن الجراح.



    قراءة النهار



    شرح حديث: (كل صلاة يقرأ فيها ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قراءة النهار.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن رقبة عن عطاء قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: (كل صلاة يقرأ فيها فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفاها أخفينا منكم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب القراءة في النهار، في الصلوات السرية؛ لأن صلوات النهار سرية التي هي: الظهر والعصر، والصلوات الأخرى جهرية، التي هي: المغرب والعشاء والفجر، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: (فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفاها أخفينا منكم).
    أي: نجهر بما جهر به، ونسر بما أسر به، وصلاة النهار سرية لا يجهر فيها بالقراءة، والعمدة في ذلك هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يسر في صلوات النهار: الظهر، والعصر، ويجهر في الصلوات الأخرى، التي هي: المغرب، والعشاء، والفجر.
    وقول أبي هريرة رضي الله عنه: (كل صلاة فيها قراءة)، أي: أن الصلوات الخمس كلها يقرأ فيها، إلا أن هناك قراءة سرية، وهناك قراءة جهرية؛ قراءة سرية بالنسبة للنهار، وقراءة جهرية بالنسبة لليل، وأن المعتمد عليه بذلك هو فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقوله: (كل صلاة)، أي: كل صلاة من الصلوات الخمس، والمراد بذلك أنه في كل ركعة من الركعات فيها قراءة، وأقل شيء في ذلك قراءة سورة الفاتحة، وهذا مما يستدل به على القراءة في الصلاة السرية.
    ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا يعرفون قراءته في الصلاة السرية بتحرك لحيته، أي: عوارضه؛ لأنهم كانوا يصلون وراءه، فيرون العوارض تتحرك بسبب القراءة؛ لأن حركة فمه عليه الصلاة والسلام بالقراءة تجعلهم يرون عوارضه، أو شعر لحيته يتحرك بسبب القراءة، فكانوا يستدلون على قراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحرك لحيته في الصلاة السرية؛ لأنهم وراءه يصلون، ويرون عوارضه من جهة اليمين والشمال؛ أي: شعر لحيته العوارض تتحرك بسبب القراءة، وهذا مما يستدلون به على قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة السرية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كل صلاة يقرأ فيها ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة المصيصي وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    جرير هو: جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن رقبة].
    هو رقبة بن مصقلة، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له في السنن، ولكنه خرج له في التفسير.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح المكي.
    وهو ثقة، فقيه، فاضل، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو هريرة].
    أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.


    شرح حديث: (في كل صلاة قراءة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثنا ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنها أنه قال: (في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفاها أخفينا منكم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ الحديث المتقدم ومعناه، ودال على ما دل عليه من حصول القراءة في الصلوات كلها، سريها أو جهريها، وأن المعتمد عليه في ذلك هو فعل الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (في كل صلاة قراءة ...)


    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [أخبرنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء، عن أبي هريرة].
    قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.



    القراءة في الظهر



    شرح حديث البراء: (كنا نصلي الظهر خلف النبي فنسمع منه الآية بعد الآيات من لقمان والذرايات)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الظهر.أخبرنا محمد بن إبراهيم بن صدران حدثنا سلم بن قتيبة حدثنا هاشم بن البريد عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات)].
    لما أورد النسائي الترجمة السابقة، وهي عامة، وهي القراءة في صلاة النهار، وأورد تحتها حديث أبي هريرة من طريقين: (كل صلاة فيها قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا منكم)، أورد بعد ذلك القراءة في الظهر، يعني: في صلاة الظهر، وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية بعد الآيات في صلاة الظهر من سورة لقمان والذاريات)، والمقصود من ذلك أنه يسر بالقراءة، ولكنه يسمعهم صوته أحياناً في بعض الآيات حتى يفهموا السورة التي يقرأ بها، يعني: إذا كان يقرأ في لقمان ثم رفع صوته قليلاً ببعض الآيات، فهم منه السورة التي يقرأ بها، فيعلمون من الآية الواحدة أنه يقرأ في هذه السورة التي هي سورة لقمان، وكذلك في الذاريات، والمقصود من ذلك: الاستدلال على القراءة في الظهر، وهي إحدى الصلوات السرية التي يسر فيها بالقراءة، والقراءة لا بد منها، ولكنه يسر بها، وفيه أيضاً: أنه كان يقرأ في صلاة الظهر بهاتين السورتين؛ وهي لقمان والذاريات.

    تراجم رجال إسناد حديث البراء: (كنا نصلي الظهر خلف النبي فنسمع منه الآية بعد الآيات من لقمان والذاريات)


    قوله: [أخبرنا محمد بن إبراهيم].هو محمد بن إبراهيم بن صدران، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا سلم بن قتيبة].
    سلم بن قتيبة صدوق، خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    وقد ذُكِرَ في ترجمته عبارة مستعلمة في هذا الزمان، يعني: عندما يتكلم عن الشخص في قوته وصلابته وتحمله، يقال: فلان جمل محامل، يعني: معناها إنه يحمل، أنه عمدة، وأنه يحمل الأشياء الثقيلة، فكما أن الجمل يحمل أشياء ثقيلة فهو مثله في قوته وصلابته، وهذا مشهور، ويستعمل في هذا الزمان، يقال: فلان جمل محامل، هذه الكلمة مستعملة من قديم الزمان، فقد ذكروا في ترجمة سلم بن قتيبة هذا، أن يحيى بن سعيد القطان قال: ليس من جمال المحامل، يعني: سلم بن قتيبة، يعني: غض من شأنه، أو يعني: أو قدح خفيف، يعني: فهذه الجملة ذكرت في ترجمة هذا الرجل، والذي قالها عنه هو يحيى بن سعيد القطان.
    [حدثنا هاشم بن البريد].
    هاشم بن البريد ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي إسحاق].
    أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ينسب إلى همدان نسبة عامة، وإلى سبيع نسبة خاصة، وسبيع هم جزء من همدان، وهو كوفي ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    هو البراء بن عازب، صحابي ابن صحابي، رضي الله تعالى عنه، وهو مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الحديث مما ذكره الألباني في الضعيفة من سنن النسائي، وأحال في ذلك إلى السلسلة الضعيفة، لكنه بعد الأربعة آلاف في الأجزاء التي لم تخرج، ولا أدري وجه التضعيف؛ لأن رجاله: ابن صدران، وسلم بن قتيبة، وهاشم بن البريد، وأبا إسحاق، بين صدوق وثقة، وما أدري ما هو وجه تضعيفه؟


    شرح حديث أنس في القراءة في الظهر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن شجاع المروذي حدثنا أبو عبيدة عن عبد الله بن عبيد سمعت أبا بكر بن النضر كنا بالطف عند أنس رضي الله عنه فصلى بهم الظهر، فلما فرغ قال: (إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين: بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى )[الأعلى:1]، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ )[الغاشية:1])].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأنه صلى بهم، يقول: أبو بكر بن النضر، أنه قال: صلى بهم، كانوا معه في الطف، يعني: مع أنس بن مالك، وصلى بهم الظهر، وقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقرأ بهاتين السورتين: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى )[الأعلى:1]، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ )[الغاشية:1])، وهو دال على ما ترجم له النسائي وهو القراءة في الظهر.


    تراجم رجال إسناد حديث أنس في القراءة في الظهر


    قوله: [أخبرنا محمد بن شجاع المروذي].محمد بن شجاع المروذي ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي.
    والمروذي سبق أن ذكرت، أنها نسبة إلى مرو الشاهجان، ويقال: المروذي، ويقال: المروزي، يعني: بالزاي، نسبة إلى مروا الروذ، يعني: هذه مروا الروذ المروذي، وتلك لمروا الشاهجان، اللي هي المروزي، أي: الزاي، يأتون بالزاي، ويأتون بالذال، فالذال لمروا الروذ، والزاي لمروا الشاهجان، وهي ما لها علاقة في اللفظ؛ لأن مرو، والشاهجان ما فيه فرق، وإنما أتوا بها للتمييز، مثل ما أتوا بواو عمرو مع عمر، أي: يتميز عمرو من عمر في الرسم، وكذلك المروزي والمروذي، المروذي نسبة إلى مر الروذ، والمروزي نسبة إلى مروا الشاهجان، وهما مدينتان، متقاربتان، وهو ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا أبو عبيدة].
    هو عبد الواحد بن واصل الحداد أبو عبيدة، وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله بن عبيد].
    هو عبد الله بن عبيد الحميري المؤذن والبصري، وهو ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [سمعت أبا بكر بن النضر].
    هو مستور، وخرج له النسائي وحده.
    [عن أنس].
    أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خادمه، وأحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته، حيث قال:
    والمكثرون من رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبيِّ
    وهذا الحديث قال عنه الألباني: إنه ضعيف الإسناد، وفي إسناده كما ترون أبو بكر بن النضر، وهو مستور، والمراد به: أنه مجهول الحال، يعني: هو الذي ضعف به الحديث، وأما بقية الرجال فهم بين صدوق وثقة.



    الأسئلة



    مدى وجوب الإنصات إذا بدأت خطبة الجمعة والشخص خارج المسجد


    السؤال: إذا كان الرجل في بيته أو في طريقه إلى المسجد وسمع من خلال مكبرات الصوت الخارجية أن خطبة الجمعة قد بدأت، فهل يلزم بالسكوت والإنصات أم لا؟الجواب: الإنسان الذي في الطريق وماشي وما دخل المسجد، ليس ملزماً بالسكوت والإنصات، بل يمكنه أن يتحدث، ويمكن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإنما الكلام في الذي هو جالس في المسجد، أما الإنسان الذي يمشي في الطريق فلا يظهر أنه ملزم بالسكوت والإنصات وهو يمشي في الطريق.

    حكم سجود التلاوة إذا كان الشخص يصلي منفرداً في الصلاة السرية


    السؤال: إذا كان الرجل يصلي صلاة سرية، وهو منفرد، فهل يستحب له السجود عند سجدة التلاوة؟الجواب: نعم، إذا كان الشخص منفرداً وهو يقرأ في صلاة سرية يسجد، ما في بأس؛ لأن ما في محذور، ولا في تشويش على أحد، فهو مثل قراءته في غير الصلاة، كذلك إذا قرأ في الصلاة السرية، سواءً كانت نافلة أو فريضة فإنه يسجد.

    حكم إهداء ثواب الصدقة للميت


    السؤال: إذا تصدق الرجل بمال أو طعام ونوى أن يكون ثوابه ذلك لوالده المتوفى، أو لأخيه المتوفى أو نحوه، فهل فعله صحيح أم لا؟الجواب: نعم، فعله صحيح؛ لأن الصدقة على الأموات ثابتة وسائغة لا بأس بها، وهي من أحسن ما يفيد فيه الأحياء الأموات، وهي الصدقة عنهم، فالتصدق عن الميت ثابت، وسائغ، وينفع الميت.

    حكم الجهر في السنن الرواتب


    السؤال: هل يجوز للرجل أن يجهر في تحية المسجد إذا كان وحده ولا يؤذي أحداً؟ ويقول: وكذلك هل يجوز له أن يجهر في رواتب الظهر؟الجواب: لا، لا يجهر، فالرواتب الإنسان يسر بها، ولا يجهر بها.

    الجمع بين (لا عدوى) وحديث (فر من المجذوم)


    السؤال: كيف نجمع بين حديث: (لا عدوى ولا طيره)، وحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؟الجواب: من المعلوم أن الله عز وجل، إذا شاء أن ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح، فإنه ينتقل، ولكن ليس ذلك بمجرد الطبع، وعدم مشيئة الله عز وجل وإرادته، بل كل شيء بمشيئته وإرادته، قالوا: فالنفي في قوله: (لا عدوى)، يعني: بطبعها، وأنه بمجرد ما يخالط المريض الصحيح يحصل العدوى، فقد يوجد الاختلاط ولا توجد العدوى؛ لأن ذلك يرجع إلى مشيئة الله عز وجل وإرادته، فإذا شاء أن المرض ينتقل انتقل، وإذا شاء أن المرض لا ينتقل، فإنه لا يحصل عدوى، ولا يحصل انتقال المرض، ولهذا جاء في بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ليوضح قال: (فمن أعدى الأول)، يعني: الذي أصابه المرض أول مرة، من الذي أعداه؟ الله تعالى هو الذي أنزل به المرض، وجاءه من غير عدوى، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا عدوى ولا طيرة)، وقال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، يعني: معناه أن الإنسان يأخذ بالأسباب، التي جعل الله عز وجل أنها سبب في انتقال المرض، لكن لا يعتقد الإنسان أن مخالطة المريض للصحيح بمجرده ينتقل به العدوى، فقد يوجد الاختلاط ولا توجد العدوى، وإنما ذلك يرجع إلى الله عز وجل.
    وقد يكون بعض الإبل أو الإبل التي ما خالطها، يعني: بعير أجرب، الله تعالى ينزل فيه المرض، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول)، فالتوفيق بينها: أن الأمر بالفرار، يعني: أمر بأخذ الأسباب، وقوله: (لا عدوى ولا طيرة)، يعني: أنه لا عدوى في طبعها.

    سبب تضعيف الألباني لحديث البراء


    السؤال: الحديث الذي أورده الألباني الأول يقول: يعني: هل يمكن أن يقال: إن تضعيف الشيخ الألباني لحديث البراء إنما هو بالنظر لـأبي إسحاق السبيعي وهو مختلط؟الجواب: ما أدري، يمكن، إذا كان هذا الذي روى عنه روى عنه بعد الاختلاط، إذا كان ثابت أنه راو عنه بعد الاختلاط، فيمكن أن يكون هذا وجه التضعيف.

    مدى دخول بيع سيارة بسيارتين في الربا


    السؤال: إذا باع رجل ثلاث سيارات مستعملة بسيارة واحدة جديدة، أو اشترى سيارة بسيارة وزاد نقوداً، هل يعتبر هذا من الربا؟الجواب: أبداً، ليس هذا من الربا، ولا علاقة له بالربا، يمكن يبيع ثلاث سيارات بسيارة، ويمكن يبيع سيارة بسيارة والثانية فيها زيادة نقود، ليس هذا من الربا في شيء.
    وكذلك بيع البعير بالبعير، والشاة بالشاة، لا بأس بذلك، وهو ليس من قبيل الربا.

    معنى القاعدة التي ذكرها ابن تيمية في معرفة الخبر المفيد للعلم


    السؤال: هناك قاعدة ذكرها ابن تيمية في رفع الملام: أن الخبر المفيد للعلم يفيده من كثرة المخبرين تارة، ومن صفات المخبرين أخرى، ومن نفس الإخبار به أخرى، ومن نفس إدراك المخبر له أخرى، ومن الأمر المخبر به أخرى، ما معنى ذلك؟الجواب: أي نعم، كثرة المخبرين يعني كونه جاء من طرق متعددة، فيفيد العلم بكثرة المخبرين. نعم.
    (ومن صفاتهم)، يعني ثقة وعدالة وما إلى ذلك، نعم. (ومن نفس الإخبار به).
    كذلك أيضاً من ناحية حكايتهم عند الكلام، يعني شيء يفيد الضبط، ويفيد الإتقان، ككونه يقول عند حديثه فيه إمارة أو فيه شيء يدل على ضبطه وإتقانه، مثل كونه حدثه وهو يعمل هذا العمل، أو أنه في ذلك المكان، أو في ذلك الزمان، وجود شيء زائد على مجرد الإخبار يدل على الضبط والإتقان.
    ومن نفس إدراك المخبِر له؛ يعني: الإدراك طبعاً هو المعرفة والإحاطة والتمكن.
    ومن الأمر المخبر به، يعني: الذي هو موضوع الخبر، كونه لا يخفى، وكونه من الأشياء التي تعلم، مثل أن يكون مثلاً على المنبر، أو خبر على المنبر، أو ما إلى ذلك.


    مدى دخول الركبة في العورة


    السؤال: الركبة هل هي عورة أو لا؟الجواب: الركبة كما هو معلوم هي حد العورة، وكما هو معلوم الاحتياط أن الغاية داخلة في المغي، فيكون حكمها حكم الفخذ.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #187
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (184)


    (باب تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر) إلى (باب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر)

    كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أن يطيل القيام في الركعة الأولى ليتمكن المأمومون من إدراك الصلاة من أولها، ويقصر في الركعة الثانية بالنسبة للأولى، كما كان أحياناً يسمعهم الآية في الظهر والعصر، فكان الصحابة يستدلون بذلك الإسماع على مشروعية القراءة، ويعرفون السورة التي قرأها.


    تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر



    شرح حديث أبي سعيد في تطويل الركعة الأولى في صلاة الظهر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر.أخبرنا عمرو بن عثمان أخبرنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يجيء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى يطولها)].
    يقول النسائي رحمه الله: تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر. هذه الترجمة المقصود منها: أن السنة تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر، وكذلك أيضاً الصلوات الأخرى تطول الركعة الأولى على الركعة الثانية، وتطويل الركعة الأولى فيه فوائد، منها: إدراك الصلاة من أولها، فإن من جاء والإمام في الركعة الأولى قبل أن يركع فإنه يكون مدركاً للركعة ويكون مدركاً للصلاة من أولها، أي: بعدد ركعاتها، وإن كان قد فاته الدخول فيها عند بدايتها، وهي تكبيرة الإحرام، إلا أن إدراك الركعات يكون قد حصل له، وذلك بسبب تطويل الركعة الأولى، ثم أيضاً تطويل الركعة الأولى على غيرها؛ لأن المصلي في نشاط في أول صلاته، فتطويل الركعة الأولى يناسب نشاطه وقدرته، بالإضافة إلى الفائدة التي أشرت إليها، وهي إدراك المأمومين الصلاة، أي: الركعة الأولى من ركعات الصلاة، وذلك بسبب تطويل القراءة فيها، وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أن الصلاة كانت تقام في زمنه عليه الصلاة والسلام، ويصلي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويذهب الذاهب إلى البقيع ويقضي حاجته ثم يتوضأ ويدرك الركعة الأولى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يطولها؛ لأنه ذكر هذا العمل الذي يحصل، وهو الذهاب للبقيع وقضاء الحاجة ثم التوضؤ والإتيان وإدراك الركعة الأولى، ذكر في آخرها قال: يطولها، يعني هذا هو السبب الذي جعل الإنسان عندما تقام الصلاة يذهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى إلى البقيع ويقضي حاجته ويتوضأ ويدرك الركعة الأولى؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يطولها، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث في الترجمة؛ لأن الركعة الأولى يحصل بها هذه الأعمال، وقد نص في آخر الحديث على أن السبب في ذلك هو تطويل تلك الركعة الأولى، وهذا يدلنا على أن هذه هي السنة، وهي تطويل الركعة الأولى من الصلاة أكثر من غيرها مع ما في ذلك من الفوائد التي أشرت إلى بعضها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في تطويل الركعة الأولى من صلاة الظهر


    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا الوليد].
    الوليد، وهو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، التدليس الذي هو تدليس الإسناد، والتسوية التي هي تسوية الإسناد بأن يكون فيه ضعفاء وثقات، فيحذف الضعيف الذي بين الثقتين، وتكون صورة الإسناد كأنه عن ثقات، فيسويه حتى يظن برجاله أنهم ثقات، وقد حذف منهم واحد ضعيف، وهذا من أسوأ أنواع التدليس؛ لأن هذا التدليس إنما هو حذف في الإسناد، بخلاف كون الإنسان يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع أو يدلس أسماء شيوخه؛ لأن هذا يتعلق بشيوخه، لكن كونه يعمد إلى الإسناد ويحذف ضعيفاً بين ثقتين ويسوي الإسناد فهذا من أقبح أنواع التدليس، والوليد بن مسلم الدمشقي خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن عبد العزيز].
    سعيد بن عبد العزيز، وهو شامي أيضاً.
    وهو دمشقي أيضاً، وهو ثقة، إمام، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وكلهم يقال لهم: شاميون.
    [عن عطية بن قيس].
    وهو شامي أيضاً، وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فهذا الإسناد والرجال الذين مضوا كلهم شاميون، فيهم الحمصي وفيهم الدمشقي.
    [عن قزعة].
    قزعة بن يحيى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    وهوسعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته فكنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري، واسمه سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر فالخدري وجابر وزوجة النبي

    شرح حديث أبي قتادة في تطويل الركعة الأولى من صلاة الظهر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يحيى بن درست حدثنا أبو إسماعيل وهو القناد حدثنا خالد حدثنا يحيى بن أبي كثير: أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان يصلي بنا الظهر فيقرأ في الركعتين الأوليين يسمعنا الآية كذلك، وكان يطيل الركعة في صلاة الظهر، والركعة الأولى يعني: في صلاة الصبح)].أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بهم فيقرأ في الظهر، ويسمعهم الآية كذلك، يعني: أنه كما كان يقرأ فإنه أيضاً كان يسمعهم الآية أحياناً، يعني: فيه الإشارة إلى القراءة وإثباتها، وإثبات إسماع الآية أحياناً، يعني من القراءة مما يقرأه، فقوله: (كذلك)، المراد به: أنه كما كان يقرأ كان يسمعهم، ففيه إثبات القراءة وكذلك فيه إثبات إسماعه إياهم الآية التي يستدلون بها على السورة التي يقرأها ويفهمون منها ما كان يقرأ؛ لأنه إذا أسمعهم آيةً من سورة عرفوا أنه يقرأ هذه السورة في هذه الركعة؛ لأن الصلاة سرية، وكانوا يعلمون قراءته بكونه يسمعهم الآية أحياناً، وكذلك أيضاً كما ذكرت في الدرس الماضي كانوا يعلمون قراءته بتحرك لحيته، وهو أمامهم يصلي ينظرون إلى لحيته من يمينه وشماله، أي: ما نبت على العارضين، هذا التحرك الذي يحصل للحيته بسبب القراءة يستدلون به على قراءته في الصلاة السرية، فكان يقرأ في الظهر ويسمعهم الآية أحياناً كذلك، فيكون فيه إثبات القراءة وإثبات إسماعهم الآية التي يستدلون بها على السورة التي كان يقرأها عليه الصلاة والسلام.
    [(وكان يطيل الركعة في صلاة الظهر)].
    يعني: الأولى، وكذلك في صلاة الفجر، يعني: أنه يطيل الأولى في صلاة الفجر، وكذلك أيضاً الصلوات الأخرى، وقد ذكرت أن السبب في هذا هو التمكن من إدراك الصلاة من أولها، وأن الذي فاته الدخول في الصلاة عند تكبيرة الإحرام عندما تطول القراءة فإنه يتمكن من يتخلف عن بداية الصلاة بأن يدركها، ولا يفوته شيء من ركعاتها.
    [(وكان يطيل الركعة في صلاة الظهر، والركعة الأولى يعني: في صلاة الصبح)].
    يعني: أنه يطيل الأولى من صلاة الظهر، ويطيل أيضاً الأولى من صلاة الصبح، وهاتان الصلاتان وهما صلاة الظهر وصلاة الفجر هما أطول الصلوات من حيث القيام، فصلاة الفجر تطول فيها القراءة، وقد جاء النص في القرآن على ذلك: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا )[الإسراء:78]، أي: قراءة الفجر، وصلاة الظهر كما مر بنا أن الذاهب يذهب إلى البقيع بعدما يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فيقضي حاجته، ويتوضأ ويأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى؛ لأنه كان يطولها، فهاتان الصلاتان: صلاة الفجر، وصلاة الظهر، يطال فيهما القيام.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في تطويل الركعة الأولى من صلاة الظهر


    قوله: [أخبرني يحيى بن درست]. أخبرني يحيى بن درست، هذه الصيغة وهي صيغة الإفراد تستعمل فيما إذا كان الراوي أخذ عن شيخه وحده وليس معه أحد، فإذا كان معه غيره يعبر بأخبرنا، وهذا هو الفرق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا، فإن صيغة الإفراد يأتي بها الراوي فيما إذا سمع من شيخه وحده ليس معه أحد، أما إذا سمع ومعه غيره فإنه يعبر بأخبرنا التي تفيد روايته ورواية غيره عنه وأنهم أخذوا جميعاً سوياً في وقت واحد من الشيخ الذي أخبرهم، وعبر عنه الراوي أو أحد الرواة بقوله: أخبرنا، ويحيى بن درست هو البصري، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وما خرج له أبو داود ولا الشيخان.
    [عن أبي إسماعيل وهو القناد].
    أبو إسماعيل هو إبراهيم بن عبد الملك البصري، مشهور بكنيته أبي إسماعيل، وكذلك نسبته القناد أو لقبه القناد.
    [وهو]، هذه قالها من دون يحيى بن درست، إما النسائي، أو من دون النسائي، هم الذين قالوا: هو القناد، وأبو إسماعيل صدوق في حفظه شيء، وقد خرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن خالد].
    و خالد هكذا جاء ذكره في الإسناد، وليس في تهذيب الكمال في شيوخ أبي إسماعيل القناد من اسمه خالد، ولا في تلاميذ يحيى بن أبي كثير من اسمه خالد، وفي نسخة تحفة الأشراف ذكر الحافظ ابن حجر في تعليقه عليها أنه في نسخة ابن السني: عن خالد، يعني الذي هو بين أبي إسماعيل القناد، وبين يحيى بن أبي كثير، وفي نسخة ابن الأحمر لا وجود له، يعني: لا ذكر لـخالد في الإسناد، وقد ذكر في تحفة الأشراف: أن أبا إسماعيل القناد يروي عن يحيى بن أبي كثير، وكذلك يحيى بن أبي كثير، في ترجمته يروي عن أبي إسماعيل القناد، فهذا يشعر بأن ذكر خالد هنا مقحم؛ لأنه لم يذكر المزي في شيوخ يحيى بن أبي كثير من اسمه خالد، ولا في شيوخ أبي إسماعيل القناد من اسمه خالد، وابن حجر في النكت الظراف، التي علق فيها على تحفة الأشراف قال: إنه في نسخة ابن السني: عن أبي إسماعيل عن خالد، وفي نسخة ابن الأحمر: عن أبي إسماعيل عن يحيى بن أبي كثير مباشرةً وبدون واسطة، ويحيى بن أبي كثير هو اليمامي، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وهو قائل الكلمة المشهورة في عظم شأن طلب العلم والصبر عليه، وهي قوله: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
    والتي ذكرها مسلم في صحيحه بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير أنه قال هذه المقالة، وقد ذكرها عندما أورد الطرق المتعددة في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أوقات الصلوات، ذكر بعد حديث عبد الله بن عمرو، من طرقه المختلفة لإسناده إلى يحيى بن أبي كثير فقال: لا يستطاع العلم براحة الجسم، وهي كلمة عظيمة تدل على أن العلم السبيل إليه شاق وطويل، وأن الذي يوفقه الله عز وجل للصبر والاحتساب هو الذي يتمكن من تحصيل ما يمكنه تحصيله من العلم، وأما مع الرغبة في الإخلاد إلى الراحة فإن الإنسان لا يحصل طائلاً، ويقولون في الكلمة المشهورة: ملء الراحة لا يدرك بالراحة، يعني: ملء الراحة التي هي راحة اليد، وهي كناية عن الشيء القليل التافه، لا يدرك بالراحة، يعني بعدم الجد والاجتهاد والسعي في التحصيل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، ثبت، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه].
    وهذا فيه التصريح بالسماع، وكذلك ورد من طرق متعددة، وفيها التصريح بالسماع، وعبد الله بن أبي قتادة هو المدني الأنصاري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه أبي قتادة الأنصاري].
    وهو الحارث بن ربعي الأنصاري، وهو صحابي مشهور، من الفرسان فهو فارس له بلاء عظيم في الجهاد في سبيل الله، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



    إسماع الإمام الآية في الظهر



    شرح حديث أبي قتادة في إسماع الإمام المأمومين الآية في الظهر أحياناً


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إسماع الإمام الآية في الظهر.أخبرنا عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم يعرف بـابن أبي جميل الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة حدثنا أبي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم القرآن وسورتين في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطيل في الركعة الأولى)].
    أورد النسائي إسماع الآية في صلاة الظهر، أي: إسماع الإمام المأمومين الآية في صلاة الظهر، وأورد فيه حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه من طريق أخرى غير الطريق السابقة، وفيه الدلالة على ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم القرآن وسورتين في صلاة الظهر، ويسمعهم الآية أحياناً، يعني: في بعض الأحيان يسمعهم الآية، فكانوا يستدلون به على السورة التي كان يقرؤها، ويدل ذلك على شيئين: على حصول القراءة، وعلى تعيين السورة التي حصلت قراءتها، أي: على إثبات القراءة، وأنه كان يقرأ في صلاة الظهر، وأيضاً يدل إسماع الآية على تعيين السورة التي حصلت قراءتها في تلك الصلاة وهي صلاة الظهر، فهذه فائدة الإسماع.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في إسماع الإمام المأمومين الآية في الظهر أحياناً


    قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد بن خالد بن مسلم]. عمران بن يزيد بن خالد بن مسلم يعرف بـابن أبي جميل الدمشقي، وهذا كما ذكرت أن الراوي عندما يذكر شيخه ينسبه كما يريد، يطيل في نسبه أو يختصر، ولا يحتاج إلى أن يقال: (هو)، أو (يعني)؛ لأن هذا كلامه، فيستطيع أن يطيل كما يشاء، وأن يختصر كما يشاء، لكن من دونه إذا ذكره مختصراً، لا ينسبه دون أن يأتي بما يدل على أن الإضافة ليست من التلميذ، فيقول: هو، أو يعني ابن فلان، وهنا النسائي نسب شيخه وأطال في نسبه؛ لأن هذا كلامه، ينسبه كما يريد.
    وعمران بن يزيد بن خالد بن مسلم، يعرف بـابن أبي جميل الدمشقي، وأيضاً يأتي ذكره عمران بن خالد بن يزيد، والحافظ ابن حجر في التقريب ذكره: عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم، وقال: وقد يقلب، فيصير فيه تقديم وتأخير، يعني كما هنا عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم وهو صدوق، خرج له النسائي وحده.
    [حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة].
    إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، وهو ثقة خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا الأوزاعي].
    وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو مشهور بهذه النسبة، وكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو، وأبوه اسمه عمرو، وهو ثقة، فقيه، محدث الشام، وفقيهها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير] إلى آخره.
    عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.



    تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر



    شرح حديث أبي قتادة في تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه رضي الله عنه أخبره، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بنا في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، ويسمعنا الآية أحياناً، ويطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يفعل ذلك في صلاة الصبح، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وكان يقرأ بنا في الركعتين الأوليين من صلاة العصر، يطول الأولى ويقصر الثانية)].
    تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر، أي: بالنسبة للأولى، وإلا فإنها أطول من الثالثة والرابعة، يعني الركعتان الأوليان أطول من الركعتين الأخيرتين، ولكن الأولى تطول بالنسبة للثانية، فالتقصير هو نسبي بالنسبة للأولى، وإلا فإنها بالنسبة للثالثة والرابعة أطول، فالأولى تطول فيها القراءة ويطول فيها القيام؛ لأن في ذلك إدراك الصلاة من أولها وعدم فوات شيء منها، وأيضاً فإنها تكون في وقت النشاط؛ لأنها تكون في بدايتها، وأما الركعة الثانية فإنها تكون أقل منها، والحديث شاهد أو دال على ما ترجم له من تقصير القراءة في الركعة الثانية، أي: بالنسبة للأولى، وأيضاً كذلك صلاة الصبح وصلاة العصر، فالركعة الأولى تطول والركعة الثانية تخفف فتكون أقصر منها.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر


    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد]. عبيد الله بن سعيد، هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، وقيل عنه: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، وقد خرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا معاذ بن هشام].
    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي].
    وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن أبي كثير] إلى آخره.
    عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، وقد مر ذكرهم؛ لأن الإسناد يدور على يحيى بن أبي كثير، هذه الطرق كلها تنتهي إلى يحيى بن أبي كثير.



    القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر



    شرح حديث أبي قتادة في القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر. أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين، وفي الأخريين بأم القرآن، وكان يسمعنا الآية أحياناً، وكان يطيل أول ركعة من صلاة الظهر)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في صلاة الظهر، والمقصود من هذه الترجمة إثبات القراءة وحصولها، وقد أورد النسائي حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وفيه أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بالفاتحة وسورتين، ويسمعهم الآية أحياناً، ويقرأ الفاتحة في الركعتين الأخيرتين.
    (وفي الأخريين بأم القرآن، وكان يسمعنا الآية).
    وهذا كان أحياناً، وإلا فإنه كان في بعض الأحيان يقرأ في الركعتين الأخيرتين شيئاً من القرآن، وقد سبق أن مر بنا الحديث الدال على ذلك، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، ومن المعلوم أنها لا تكون على النصف من ذلك إلا إذا كان فيها شيء غير الفاتحة، فما دام أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين مقدار ثلاثين آية أو أكثر من ذلك، وأن الركعتين الأخيرتين على النصف، فمعناه أن فيه قراءة غير الفاتحة، وهذا هو الدليل على أنه يقرأ أحياناً في الركعتين الأخيرتين من الصلوات الرباعية، مع الفاتحة شيئاً من القرآن، وهنا قال: يقرأ بأم القرآن وما ذكر الزيادة، ولكن الحديث الذي أشرت إليه وقد سبق أن مر بنا في سنن النسائي يدل على ذلك، ويدل على أنه يمكن الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، ويمكن أن يضاف إليها شيء من القرآن، وكل منهما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [(وكان يطيل أول ركعة من صلاة الظهر)].
    هذا دال على الترجمة السابقة الأولى التي أورد الحديث من طريق أخرى من أجلها، لكن المقصود هنا إثبات القراءة.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر


    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى، وهو العنزي، الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، ومن صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه مات قبله بأربع سنوات، إذ وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقد سبق أن ذكرت أن هناك شيخين من شيوخ أصحاب الكتب الستة، ماتوا في تلك السنة وهي سنة اثنين وخمسين ومائتين، وهما: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [عن عبد الرحمن بن مهدي].
    عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، ناقد، عالم بالرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مع يحيى بن سعيد القطان هما اللذان قال فيهما الذهبي في كتابه، وهو من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، قال: إذا اتفقا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: أنهما يصيبان في كلامهما وفي تجريحهما.
    [حدثنا أبان بن يزيد].
    أبان بن يزيد، وهو أبان بن يزيد العطار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    ثم بعد ذلك يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وقد مر ذكرهم، وهذه الطرق كلها تدور على يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.



    الأسئلة



    ألفية السيوطي أوفى وأشمل من ألفية العراقي


    السؤال: أيهما أفضل ألفية السيوطي أو ألفية العراقي؟ الجواب: ألفية السيوطي أوفى وأشمل من ألفية العراقي، والسيوطي قد أشار إلى هذا في المقدمة؛ لأنها في سياقها وفي اختصارها وفي شمولها تشتمل على ألفية العراقي وزيادة، فهي أوفى وأشمل؛ ولهذا فيها أشياء لا توجد في ألفية العراقي، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله عندما علق على النسخة عمل أقواساً على الزيادات التي عند السيوطي، وهي ليست عند العراقي، وسيأتي في الأبواب في مباحث الألفية أن هناك عشرة أنواع من أنواع علوم الحديث ليست عند ابن الصلاح وليست في ألفية العراقي.

    لا بأس بالسفر للتعزية وإن كان بعيداً


    السؤال: هل يجوز للإنسان أن يسافر للعزاء مسافة مقدارها سبعين كيلو متر؟الجواب: نعم. لا بأس بذلك، فكون الإنسان يسافر من أجل أن يزور أخاه ويعزيه ويواسيه في مصابه لا بأس في ذلك ولا مانع منه، سواء كان سبعين كيلو متر أو أكثر، فله أن يسافر.

    في أمور الدنيا من نسي شيئاً يقول نَسِيت ولا يقول نُسِّيت


    السؤال: هل يقول من نسي شيئاً من أمور الدنيا: نُسِّيت أو نَسِيت؟ الجواب: لا يقول: نُسِّيت؛ لأن أمور الدنيا ليست مثل القرآن، الذي ينبغي أن لا يؤتى له بهذا اللفظ الذي قد يفهم منه عدم الاهتمام، أما أمور الدنيا فأمرها سهل نسيها أو ذكرها.

    الكفارة لابد أن تكون طعاماً


    السؤال: هل يجوز للإنسان دفع الكفارة نقوداً بدل الإطعام؟ الجواب: لا، ليس للإنسان أن يدفع الكفارة نقوداً؛ لأن الشيء الذي ورد مقيداً بكونه طعاماً فإنه يؤتى به كما جاء، والسبب في هذا: أن الطعام قد يقل وتشح النفوس به، وتتوفر النقود، والنقود إذا ما وجد الشيء الذي يشترى بها ليؤكل فما تفيد الإنسان شيئاً، لكن الشيء الذي وصف بأنه طعام وهو كفارة يصير هو الواجب، فلو قل الطعام بأيدي الناس والأمر واجب عليهم، فإنهم يخرجون ذلك الواجب، فيستفيد من يعطى إياه بخلاف إعطاء النقود، فقد توجد النقود ولكن ما يوجد الطعام، فما يستفيد الإنسان من النقود شيئاً.

    قولهم: كل شيوخ فلان ثقات


    السؤال: إذا قال حافظ من الحفاظ: كل شيوخ فلان ثقات، فهل يعتبر هذا نصاً في توثيق كل من يثبت أنه من شيوخ هذا الرجل؟ الجواب: إذا كان هذا في حصر للشيوخ وأنهم استوعبوا وهذا الذي استوعبهم حافظ وأحصاهم، وتبين أنهم كلهم ثقات، فيصير ذلك توثيقاً.
    لكن هل حصل أن أحد الحفاظ قال هذا؟
    ما أدري، وما أذكر مثالاً لهذا، لكن إذا نص أحد على أنهم كلهم ثقات، وحصروا وأحصوا وعرفت حالهم فإنهم يعتبرون ثقات.

    الجمع بين حديث: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) وحديث: (إذا مرض العبد أو سافر...)


    السؤال: كيف نجمع بين حديث: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد)، وحديث: (إذا مرض ابن آدم أو سافر كتب له عمله كاملاً كما كان صحيحاً مقيماًالجواب: صلاة المضطجع هذه ما أعرف عنها شيئاً، أما كون صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فالحديث ثابت عن رسول عليه الصلاة والسلام، والمقصود من ذلك: أنه مع القدرة، يعني كون الإنسان قادراً على القيام، وهذا طبعاً في النافلة لا في الفريضة، أما الفريضة فلا يجوز للإنسان أن يصلي فيها جالساً مع القدرة على القيام، وإنما هذا بالنسبة للنوافل فيجوز للإنسان إذا كان قادراً على القيام أن يصلي وهو جالس، ويكون أجره على النصف من أجر القائم، أما إذا كان الإنسان مريضاً وصلى جالساً لكونه مريضاً فهذا هو الذي يشمله الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)، والحديث ذاك إنما هو في حق القادر على القيام، وهو يصلي جالساً مع قدرته على القيام.
    إذاً ذاك في حق من هو قادر، وهذا في حق من هو مريض، فيكون حصل الأجر كاملاً.
    أما قضية المضطجع هذه وأنه على النصف من القاعد فلا أعرف عنها شيئاً، هل هي واردة أو غير واردة؟ هل هي ثابتة أو غير ثابتة؟ لا أدري.

    الجماعات المعاصرة وميزان المنهج الحق


    السؤال: ما حكم الجماعات الإسلامية المعاصرة، مثل الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ؟ هل هم على منهج السنة والجماعة أو هم من أهل البدع؟الجواب: الجماعات تعرف بمناهجها وبطرقها، فقد يكون عندها حق وباطل، وما عندها من الباطل يحذر منه، والمقياس والمعيار والميزان هو: الالتزام بما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الحد الفاصل الذي توزن به أحوال الرجال والجماعات، ومن كان على هذا المنوال وعلى هذا المنهاج فهذا هو الذي يعتبر محسناً ويحمد ويرشد إلى الاستفادة منه، ومن كان بخلاف ذلك فمنهم من يكون قريباً ومنهم من يكون بعيداً، ومن المعلوم أن هذه الجماعات، التي هي جماعة الإخوان وجماعة التبليغ عندهم أمور طيبة وأمور سيئة، وكون الإنسان لا يسلك مسالكهم وإنما يسير على الطريقة المستقيمة التي لا محظور فيها وهي ما كان عليه سلف هذه الأمة، فهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان؛ لأن في ذلك السلامة، وفي ذلك الالتزام بمنهج الكتاب والسنة، أما هاتان الفرقتان وغيرهما من الفرق أو هاتان الجماعتان أو غيرها من الجماعات فعندهم ما عندهم من الحق والباطل.

    حجز مكان في الصف الأول


    السؤال: ما حكم حجز مكان في الصف الأول قبل الأذان؟ الجواب: الإنسان ليس له أن يحجز مكاناً في الصف الأول إلا إذا جاء مبكراً واضطر إلى أن يذهب ليعود، وهذا الاضطرار مثل كونه احتاج إلى أن يتوضأ، فيخرج إلى الوضوء ويرجع، ويجعل في مكانه شيئاً من أجل أن يرجع إليه لأنه مبكر ولكن اضطر للخروج.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #188
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (185)

    - باب القراءة في المغرب بـ(سبح اسم ربك الذي خلق) - باب القراءة في المغرب بالمراسلات

    من سماحة الإسلام ويسره أن أمر الإمام بالتخفيف على المأمومين، ومن ذلك أمر النبي معاذاً رضي الله عنه بذلك، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب بقصار المفصّل، وأوساطه، وطواله.

    القراءة في المغرب بـ(سبح اسم ربك الأعلى)



    شرح حديث: (أفتان يا معاذ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في المغرب بسبح اسم ربك الأعلى.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (مر رجل من الأنصار بناضحين على معاذ وهو يصلي المغرب، ففتح بسورة البقرة فصلى الرجل ثم ذهب، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ، ألا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما)].
    يقول النسائي رحمه الله: القراءة في المغرب بسبح اسم ربك الأعلى، هذه الترجمة فيها القراءة بسبح اسم ربك الأعلى، وهي من أوساط المفصل على ما قاله بعض أهل العلم؛ لأن الذي جاء في بعض الأحاديث والذي مرت: أنه كان يقرأ في المغرب من قصار المفصل، وقصار المفصل قيل: إنها تبدأ من الضحى، وما بعدها، وما قبل ذلك إلى عم هذه من أوساط المفصل، وهذه الترجمة هذا موضوعها، وأورد تحتها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: أن رجلاً جاء بناضحين وإذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي، فدخل وصلى معه، فبدأ بالبقرة أو النساء، فانصرف ذلك الرجل، وأكمل صلاته، وصلى وحده، ثم ذهب إلى ناضحيه، وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاذ: (أفتان أنت يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ، ألا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها)، فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يقرأ بهذه السورة، وهي سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها.
    والمقصود من ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشده إلى أن يقرأ بهذه السورة، وكان ذلك في صلاة المغرب، أي: تلك الصلاة التي حضرها ذلك الرجل الذي معه ناضحان، وهما البعيران اللذان ينضح عليهما، أي: يستخرج الماء من البئر بواسطتهما، وجاء بهما ووجد معاذاً يصلي، فصلى معه فطول، فانفصل عنه ذلك الرجل وصلى وحده، وبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فأنكر على معاذ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ صنيعه هذا، وهو التطويل، وقال له: (أفتان أنت يا معاذ)، ثم أرشده إلى أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، فدل هذا على أن الإمام يراعي المأمومين، وأنه لا يطيل بهم طولاً يلحق بهم مضرة، وإذا عرف منهم النشاط والقدرة أو التمكن، وليس فيهم أحدٌ يتضرر فإنه يطيل، وإذا كان فيهم من هو كبير أو نحو ذلك، فإنه يقرأ بالسور التي لا يترتب على القراءة بها مشقة، ومضرة على المصلين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أفتان يا معاذ...)

    قوله: [محمد بن بشار].محمد بن بشار، وهو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري الذين عاشوا مدة حياة البخاري، بل إنه توفي قبل البخاري بأربع سنوات، إذ كانت وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، ووفاة محمد بن بشار سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومحمد بن بشار هذا الذي هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، هناك شيخان لأصحاب الكتب الستة ماتوا في السنة التي مات فيها محمد بن بشار، وهما: محمد بن المثنى الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [عن عبد الرحمن].
    وهو ابن مهدي، المحدث، الناقد، الخبير بالرجال والعلل، والبصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان هنا غير منسوب، وهو يحتمل ابن عيينة، ويحتمل الثوري؛ لأن في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي: أنه روى عن السفيانين، وفي ترجمة محارب بن دثار: روى عنه السفيانان، سفيان هنا مهمل، وهو يحتمل هذا وهذا، لكن سبق أن ذكرت: أن هناك طريقة يستدل بها على تمييز المهمل، وهي أن يكون بين الراوي وشيخه رابطة تربط بينهم، أو خصوصية بالتلميذ مع الشيخ، وذلك بأن يكون من بلد واحد، فإن هذا يرجح جانب أحد الاثنين، ومن المعلوم أن سفيان الثوري كوفي، ومحارب بن دثار كوفي، وعبد الرحمن بن مهدي بصري، وسفيان بن عيينة مكي، وعلى هذا فالأقرب أن يكون سفيان الثوري؛ لأنه من بلد محارب بن دثار، فإذاً له به ارتباط، واتصاله به دائماً، بخلاف سفيان بن عيينة، فإنه لا يلقاه إلا في رحلة في طلب العلم، أو لحج أو عمرة؛ لأنه في مكة، فلا يلقاه إلا عن طريق السفر.
    وأما هذا الذي هو سفيان الثوري، فهو مع محارب بن دثار في بلده وفي موطنه، وبلدهما واحد وهي الكوفة، والراوي عنه وهو عبد الرحمن بن مهدي من البصرة، والبصرة قريبة من الكوفة.
    وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الثقة، الحجة، الفقيه، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الأوصاف الرفيعة، والصفات العالية التي لم يظفر بها إلا النادر من المحدثين، ومنهم سفيان الثوري، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن محارب بن دثار الكوفي].
    وهو ثقة، زاهد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وعلى هذا فرجال هذا الإسناد: محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان الثوري، ومحارب بن دثار، وجابر، هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، والأول والثاني وهما: محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدي بصريان، وسفيان الثوري، ومحارب بن دثار كوفيان، وأما جابر بن عبد الله فهو مدني.



    القراءة في المغرب بالمرسلات



    شرح حديث أم الفضل: (صلى بنا رسول الله في بيته المغرب فقرأ المرسلات)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا موسى بن داود حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أنها قالت: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته المغرب فقرأ المرسلات، ما صلى بعدها صلاة حتى قبض صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي القراءة في المغرب بالمرسلات: بسورة المرسلات، وأورد تحتها حديث أم الفضل بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في بيته المغرب فقرأ بالمرسلات، ثم قالت: [ما صلى بعدها صلاة حتى قبض]، أي: أنه ما صلى صلاة بجماعة، وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام توفي ضحى يوم الاثنين، ومعلوم أن بعد المغرب العشاء، والفجر، وقد يكون ذلك أيضاً في يوم سابق، يعني: بأيام، لكن المقصود أنه ما صلى جماعة، وأنها ما سمعته يقرأ بعد أن سمعت قراءته بهذه السورة، وهي سورة المرسلات، حيث كان يصلى بهم المغرب عليه الصلاة والسلام.
    والحديث دال على قراءة المرسلات في المغرب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقصار المفصل، ومن أوساطه ومن طواله، والمرسلات تعتبر من طواله على ما قاله بعض أهل العلم: أن أوساطه تبدأ من عم، وما فوقها يكون من طوال المفصل.

    تراجم رجال إسناد حديث أم الفضل: (صلى بنا رسول الله في بيته المغرب فقرأ المرسلات...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].وهو النسائي، من بلد النسائي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا موسى بن داود].
    موسى بن داود، وهو صدوق، فقيه، زاهد، له أوهام، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا عبد العزيز].
    هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وهو ثقة، فقيه، مصنف، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد].
    هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    [عن أم الفضل].
    هي أم الفضل بنت الحارث الهلالية، وهي لبابة الكبرى بنت الحارث؛ لأن الحارث الهلالي له لبابة الكبرى، وهي أم الفضل، ولبابة الصغرى، وهي: أم خالد بن الوليد، فأما لبابة الكبرى فهي امرأة العباس، وأم أولاده، وأكبر أولاده الفضل، والعباس يقال له: أبو الفضل، وهي صحابية مشهورة، وهي أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهي صاحبة الموقف الذي يدل على ذكائها وفطنتها، لما اختلف أو تمارى بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، هل كان مفطراً أو صائماً، فبعضهم يقول: صائم، وبعضهم يقول: مفطر، قالت: أنا أبين لكم، هل هو صائم أو مفطر؟ فأخذت قدحاً من لبن وناولته إياه، أو أعطت من يناوله وهو راكب، فأخذه، وشرب والناس يرون، فعلموا بأنه مفطر، فهي صاحبة هذا الموقف، حيث قالت: أنا أبين لكم، هل هو صائم أو مفطر؟ وذلك بإعطائه القدح من اللبن، فشرب منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعرفوا أنه مفطر، وأنه ليس بصائم بعرفة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث من رواية صحابي عن صحابية؛ لأنه من رواية أنس عن أم الفضل.
    الملقي: قال: [أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن أمه.



    الأسئلة



    حكم الأكل قائماً

    السؤال: ما حكم الأكل قائماً، وما الدليل على ذلك؟الجواب: الأكل قائماً من جنس الشرب قائماً، يعني الأصل أنه يكون جالساً، ولكنه لو أكل شيئاً وهو يمشي أو هو قائم، يعني: في بعض الأحيان، لا بأس بذلك؛ لأنه مثل شرب الماء.

    تأخير الأذكار إلى بعد الراتبة البعدية، والإتيان بها في الطريق

    السؤال: التسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد كذلك، والتكبير، هل يكون بعد الفريضة أم بعد السنة، وهل لي أن آتي بالأذكار في الطريق؟الجواب: ليس للإنسان أن يؤخر الذكر الذي يكون بعد الصلاة إلى ما بعد السنة الراتبة، وإنما يأتي به بعد الصلاة، ويأتي بالراتبة بعدما يفرغ من الذكر الذي يكون بعد الصلاة، سواءً في ذلك التسبيح، والتحميد، والتكبير، أو الذي يسبق ذلك من الاستغفار والذكر الذي يكون بعده، كل ذلك يكون قبل الإتيان بالسنة، هذا موضعه، ولا يؤخر إلى ما بعد الإتيان بالسنة، التي هي الراتبة، وإنما يؤتى به قبل الراتبة.
    مداخلة: هل له أن يأتي بها بعد السنة؟
    الشيخ: نعم، لو حصل أمر يقتضيه، مثل حضور صلاة الجنازة بعد الفريضة، فيقوم يصلي على الجنازة، ثم يأتي به؛ لأن هذا شيء يفوت، والذكر لا يفوت، لكن لا يفوت على نفسه الصلاة على الجنازة بانشغاله بالذكر؛ لأن هذا ليس بيده.
    وأما الإتيان بالأذكار في الطريق فإذا قام فله ذلك، لكن كونه يجلس في المسجد ويتمهل ويأتي به وهو جالس لا شك أن هذا هو الذي ينبغي، لكن إذا الإنسان مضطراً أو بحاجة فله أن يأتي بذلك وهو في الطريق.


    فناء العرش الكرسي

    السؤال: قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )[القصص:88]، هل العرش والكرسي داخل فيه أم لا؟الجواب: من المعلوم أن المراد بالهلاك ما يشاء الله تعالى أن يهلك، وأن يموت، ومن المعلوم أن هناك مخلوقات، مثل الجنة، الله تعالى خلقها وهي موجودة، يعني: عنده فناء الدنيا وعنده انتهاء الدنيا، ومع ذلك هي باقية؛ لأن الله تعالى خلقها للبقاء، فالمراد بالهلاك يعني: هلاك المخلوقات التي شاء الله تعالى أن تهلك. وأما الذي خلق للبقاء فإنه باق.


    هل الإنسان مسير أم مخير؟ والفرق بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية

    السؤال: هل الإنسان مسير أم مخير في جميع أموره؟الجواب: هذه الجملة التي هي مسير أو مخير، هي في الحقيقة لا يقال: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير، بل يقال: هو مسير مخير مع بعض، يعني: هذه المسألة من المسائل التي لا يكون الجواب واحد من الاثنين، وإنما الجواب هو الاثنين مع بعض، يعني: مسير مخير، فهو مسير بمعنى أنه لا يخرج منه شيء خارج عن مشيئة الله، وإرادته، فكل ما يقع منه هو بمشيئة الله، وإرادته، لكن لا يقال: إنه مجبور، وأنه لا يستطيع، بل إن الله أعطاه عقلاً، وأعطاه تمييزاً يميز بين النافع، والضار، وما يعود عليه بالخير، وما يعود عليه بالمضرة، فهو يقدم على ما يقدم عليه مما ينفع لمشيئته، وإرادته، وإقدامه بمشيئته، وإرادته، لا يخرج عن أن يكون ذلك بمشيئة الله، وإرادته؛ لأن العبد لا يشاء شيئاً إلا إذا قد كان شاءه الله، لكن ليس معنى ذلك أنه مجبور، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً بإرادته، ومشيئته، لا، هو يستطيع أن يعمل بمشيئته، وإرادته، لكن لا يقال: إنه مجبور على أفعاله، وعلى تصرفاته، بل تصرفاته بمشيئته، وإرادته، ولهذا يحمد ويذم عليها؛ لأنه لو كان ما له مشيئة، ولا إرادة لا يحمد، ولا يذم؛ لأن هذا خارج عن مشيئته وإرادته، فالإنسان الذي يعمل الأعمال الطيبة بمشيئته وإرادته، هذه المشيئة والإرادة تابعة لمشيئة الله، وإرادته؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله سبحانه وتعالى، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[التكوير:29]، فمشيئة العبد هي باختياره، ويشاء ما شاء بمشيئته، واختياره، لكنه لا يشاء شيئاً خلاف ما شاءه الله، بل ما يحصل منه فهو بمشيئة الله؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى، وإذاً فالإنسان مخير ومسير، لا يقال: إنه مخير فقط، ولا مسير فقط؛ لأنه إذا قيل له: مسير بإطلاق، فمعناه أنه ليس له مشيئة وإرادة، وإذا قيل: إنه مخير، فمعناه أنه كما يقول المعتزلة: الإنسان يخلق فعله، والله تعالى ما قدر عليه شيئاً، وإنما أفعاله من إيجاده، وخلقه، وليست من خلق الله سبحانه وتعالى، فالإنسان يوصف بالاثنين، فهو مخير بمعنى أنه له مشيئة وإرادة، ويفعل باختياره، وبمشيئته، وإرادته، ما ينفعه، وما يضره، لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهذا هو معنى كونه مسيراً، بمعنى الذي شاءه الله لا بد وأن يوجد، لكن ما يحصل من العبد من أفعال اختيارية، فهو بمشيئته، وإرادته، التابعة لمشيئة الله، وإرادته، وفرق بين الأفعال الاختيارية، والأفعال الاضطرارية، الأفعال الاختيارية تكون بمشيئة الإنسان، وإرادته، ويحمد عليها، ويذم، إذا كان الإنسان يحسن إلى الناس يحمد، وإذا كان يؤذي الناس يذم، وفعله لما يحمد عليه، وما يذم عليه بمشيئته وإرادته، هذه هي الأفعال الاختيارية.

    أما الأفعال الاضطرارية: فهي ليست بمشيئة الإنسان، وإرادته، مثل حركة المرتعش، أي: ليس للإنسان فيها دخل، هذه بفعل الله عز وجل، وليس للإنسان فيها مشيئة، وإرادة، هو يريد أن يوقف الاضطراب هذا، والارتعاش، ولا يحب أن يكون متصفاً بذلك، ويود أن لو سلم من ذلك، لكن هذا ما يدخل في مشيئته، وإرادته؛ لأن حركة يده هذه اضطرارية، ليست من فعله، فهذه هي التي يكون الإنسان مجبوراً عليها، أما كون الإنسان يفعل أفعالاً، فيأكل، ويشرب، ويذهب، ويجيء، ويبيع، ويشتري، ويقرأ القرآن، ويصلي، ويتصدق، وما إلى ذلك، هذه أفعال اختيارية يحمد عليها، وكذلك ما يقابلها، كونه يؤذي، ويضرب الناس، ويزني، هذه أفعال اختيارية، لكن يذم عليها.
    ففرق بين الأفعال الاضطرارية، والأفعال الاختيارية، ولهذا يقول النحاة في تعريف الفاعل: الفاعل اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، يعني: حصل منه الحدث الذي هو الاختياري، مثل: قام، قعد، جلس، أكل، شرب، ذهب، فهذه أفعال اختيارية، يعني: ذهب فلان، هذا فاعل، أو قام به، مثل: مات فلان، مرض فلان؛ لأن المرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، فهذا يقال فيه: قام به الحدث؛ لأنه ما حصل منه الحدث، وإنما قام به الحدث، مرض فلان، مات فلان، هذا قام به الحدث، فإذاً: فرق بين الحركات الاختيارية والحركات الاضطرارية، الاختيارية طبعاً الإنسان يفعلها باختياره ومشيئته وإرادته، لكن لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته.
    وأما الاضطرارية: فهي لا مشيئة للعبد فيها، بل هي بمشيئة الله عز وجل، وخلق الله وإيجاده، والعبد ليس له دخل، وأفعال العباد هي بخلق الله وإيجاده، لكن العباد مكتسبون لها، وفاعلون لها بمشيئتهم، وإرادتهم، ويتبين الفرق بين ما يكون مجبوراً عليه، وما يكون غير مجبور بحركة المرتعش، وحركة الإنسان التي يفعلها بمشيئته وإرادته، وعلى هذا فكلمة: مخير ومسير، هذه من الأسئلة التي لا يكون الجواب عليها باختيار واحد من الاثنين، وإنما بالاثنين مع بعض، وهذه يشبهها عبارة أخرى، تقول: هل الكفارات زواجر أو جوابر للذنوب؟ لا يقال: هي زواجر فقط، ولا يقال: جوابر، هي زواجر جوابر، هي تجبر النفس، وهي أيضاً تزجر عن الوقوع فيها، فالذي يرى إقامته الحد على شخص لا يفعل مثله حتى لا يعاقب بمثل هذه العقوبة، فأهل السنة يقولون: هي زواجر جوابر، تجبر النقص بحق من حصلت منه، وقد جاء في الحديث أن من ارتكب من هذه الحدود فأقيم عليه الحد، كان كفارة له، ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله عز وجل، وإذا أقيم عليه الحد في الدنيا، لا يؤاخذ عليه في الآخرة، فإذا ارتكب الإنسان جريمة فيها حد وأقيم عليه الحد، فهذا هو نصيبه من العقوبة، لا تعاد عليه العقوبة في الآخرة، فهي كفارة لذلك الذنب الذي ارتكبه، فهي جوابر، تجبر النقص والخلل الذي حصل بمعصية فيجبر بإقامة الحد عليه، وهي زاجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وزواجر لغيره حتى لا يقدم على ما أقدم عليه، فيعاقب بما عوقب به.

    صلاة النافلة في السيارة في غير سفر

    السؤال: هل تجوز صلاة النافلة أو الراتبة في السيارة في غير السفر؟الجواب: يصلى على الدابة ومثلها السيارة إذا ما حصل انشغال عن السيارة، وذلك أن السفر لو حصل النزول من أجل الصلاة يفوت على الإنسان الوقت دون أن يقطع مسافة، فهو بحاجة إلى أن يجمع بين الأمرين، يصلي وهو راكب حتى يقطع المسافة وفي نفس الوقت يصلي، أما في الحضر فليس للإنسان أن يتنفل وهو راكب، بل ينزل ويصلي.

    حكم سماع الموتى، والجمع بين ما يثبته من الأدلة وما ينفيه

    السؤال: هل يسمع الموتى؟ وكيف يكون التوفيق بين الحديث: (فإنه يسمع قرع نعالهم)، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لمشركي بدر، وبين قوله تعالى: ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى )[النمل:80]؟الجواب: الموتى ما ورد بشأن سماعهم فإنه يثبت، وما لم يرد فإنه يسكت عنه، والذي ورد مثل ما ذكر في السؤال، يعني: في ما حصل لأهل قليب بدر، الكفار، فالله تعالى أسمعهم كلام نبيه عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك تقريع وتوبيخ لهم، وزيادة حسرة وندامة، وكذلك أيضاً يسمع قرع نعالهم كما جاء في الحديث، لكن كونهم يسمعون كل شيء، وأنهم يعلمون كل شيء يجري، لا يقال هذا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

    بيان شروط الحديث الصحيح

    السؤال: من شروط الحديث الصحيح أن يكون المتن غير شاذ ولا معلول، فما معنى هذه الشروط؟الجواب: الحديث الصحيح يقال في تعريفه: ما روي بنقل عدل، تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ، فهذه صفات الحديث الصحيح، ما روي بنقل عدل، يعني: ما يكون فاسقاً، تام الضبط: ما يكون عنده سوء حفظ؛ لأن العدالة تتعلق بالديانة، والضبط يتعلق بالحفظ والإتقان للرواية التي يتحملها، عدل تام الضبط، متصل السند: ما فيه انقطاع بين الراوي والراوي عنه، فإذا كان فيه انقطاع، فإنه يؤثر؛ لأنه قد يكون ذلك المحذوف ضعيفاً، ومن شروطه ألا يكون معه شذوذ، فلا يكون فيه راوٍ مخالفاً لمن هو أوثق منه، مثل صلاة الكسوف، جاءت صفتها عن رسول صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الكسوف كل ركعة بركوعين، عن جماعة من الثقات، وبعض الثقات رووها كل ركعة بثلاثة ركوعات، وهم يحكون صلاة واحدة، فالرسول صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، والثقات أو عدد من الثقات رووا أن كل ركعة بها ركوعان، وبعض الثقات رووا أن كل ركعة بها ثلاثة ركوعات، طبعاً هي حكاية لصورة واحدة، إذاً: المحفوظ الركوعان؛ لأنها رواية الكثير من الثقات، ورواية ثلاثة ركوعات هذه شاذة؛ لأنها رواها ثقة مخالف لمن هو أوثق منه، ومنه رواية: هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، جاء في بعض الروايات لا يرقون بدل لا يسترقون، وطبعاً هذه شاذة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #189
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (186)


    كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالقراءة في صلاة المغرب أن يطيل أحياناً، فقد قرأ فيها بسورة الأعراف، وهذا يدل على أن السنة أحياناً التطويل في صلاة المغرب، كما دلت الأحاديث على فضل سورة الإخلاص، وأنها تعدل ثلث القرآن، وكان النبي يقرأ بها في راتبة المغرب والفجر.

    القراءة في المغرب بـ (المص)



    شرح حديث زيد بن ثابت: (لقد رأيت رسول الله يقرأ فيها بأطول الطوليين المص) يعني المغرب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في المغرب بـ(المص).أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود: أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه قال لـمروان: (يا أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر؟ قال: نعم، قال: فمحلوفه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين: المص)].
    يقول النسائي رحمه الله: القراءة في المغرب بـ(المص)، هذه الترجمة بعد التراجم السابقة التي اشتملت على أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ في المغرب بقصار المفصل، وبأوساطه، وبالمرسلات التي تعتبر من طواله على قول بعض أهل العلم الذين يجعلون أوله من عم وما بعدها.
    وهنا قال: القراءة بالمص، ولم يضف إليها شيئاً آخر، مثلما أضاف إلى حم الدخان من قبل؛ لأن عدة سور تبدأ بـ(حم)، وأتى بالدخان لتميزها عن الزخرف، والجاثية، والأحقاف، وفصلت، وغافر؛ لأن كلها تبدأ بحم، أما المص فليس هناك سورة تبدأ بهذه الحروف إلا الأعراف، فلهذا لم يحتج إلى أن يضيف إليها شيئاً آخر، بأن يقول: المص الأعراف؛ لأنه لا يحتاج إلى ذكر الأعراف؛ لأن المص لا يوجد في القرآن، إلا في سورة واحدة مكونة من أربعة حروف وآخرها ص: المص.
    فالحروف المقطعة في أوائل السور هي خمسة أنواع: آحادية، مثل: نون، ص، وقاف، وثنائية، مثل: حم، يس، طه، وثلاثية، مثل: الم، والر، ورباعية: مثل: المص، والمر، وخماسية، مثل: كهيعص، وحم عسق التي في الشورى، فهي: خمسة حروف، وهذه أعلى ما جاء في الحروف المقطعة في أوائل السور، والحروف المقطعة وردت في تسع وعشرين سورة، والحروف المقطعة تتكون من أربعة عشر حرفاً، مجموعة في قوله: (صله سحيراً من قطعك)، فهذه الحروف هي التي تأتي منها الحروف المقطعة في أوائل السور، وليس كل حروف الهجاء جاءت في أوائل السور، وإنما جاء نصفها.
    أورد النسائي تحت هذه الترجمة وهي: القراءة بـ(المص)، حديث زيد بن ثابت أنه قال لـمروان بن الحكم: (أتقرأ بـ(قل هو الله أحد) و( إنا أعطيناك الكوثر)؟ قال: نعم). أي: أنه يلازم هذه القراءة، قال: (فمحلوفه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذه بأطول الطوليين: المص)، يعني: أطول السورتين الطويلتين، وهي: الأعراف والأنعام، فإنه يقرأ بالطولى منهما التي هي أطول السورتين، وليس المقصود من هذا أنه يقرأ سورة الأعراف بالمغرب دائماً، وإنما معناه أنه لا يداوم على القراءة بالسور القصار جداً، مثل قل هو الله أحد، وإنا أعطيناك الكوثر، وإنما يقرأ فيها بالقصار، ويقرأ فيها بالأوساط، أي: أوساط المفصل، وبطوال المفصل، وأحياناً يقرأ فيها بالمص، كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث قسمها في ركعتين.
    والمقصود من ذلك: أنه أنكر على مروان مداومته، وملازمته، للقراءة بالسور القصار، وحلف أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ فيها بأطول الطوليين، وهي: الأعراف.
    ومحلوفه، يعني: من لا يحلف إلا به وهو الله، أي: فهو المحلوف به الذي لا يصلح الحلف إلا به سبحانه وتعالى، فهو إشارة إلى الحلف، وإشارة إلى القسم، وأن من يحلف به هو الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث زيد ابن ثابت: (لقد رأيت رسول الله يقرأ فيها بأطول الطوليين المص) يعني المغرب

    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وقد ذكرت أن النسائي يروي عن شخصين يقال لهما: محمد بن سلمة، أحدهما: شيخ له، وهو: المرادي المصري، والثاني: محمد بن سلمة الباهلي، وهذا من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء يروي عنه بواسطة فالمراد به: الباهلي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه مباشرة، فالمراد به المصري المرادي الجملي.
    [حدثنا ابن وهب].
    ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    عمرو بن الحارث، وهو المصري أيضاً، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الأسود].
    أبو الأسود، وهو محمد بن عبد الرحمن النوفلي، يقال له: يتيم عروة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة بن الزبير بن العوام]، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، والذين يأتي ذكرهم مراراً في هذه الأسانيد، وهم: عروة بن الزبير بن العوام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهؤلاء أطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، وكانوا في عصر التابعين في هذه المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعروة، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زيد بن ثابت].
    زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد كتبة الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث زيد بن ثابت: (رأيت رسول الله يقرأ فيها بأطول الطوليين... الأعراف) يعني المغرب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة أخبرني عروة بن الزبير: أن مروان بن الحكم أخبره: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (ما لي أراك تقرأ في المغرب بقصار السور، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين؟ قلت: يا أبا عبد الله، ما أطول الطوليين؟ قال: الأعراف)].أورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، من إنكار زيد بن ثابت على مروان بن الحكم مداومته القراءة بالسور القصار، مثل: قل هو الله أحد، وإنا أعطيناك الكوثر، وقال: (إن الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ فيها بأطول الطوليين: الأعراف)، فهو مثل الذي قبله.
    والحديث هو حديث زيد بن ثابت، وكل من الطريقين وموضوعهما واحد، وهو إنكار زيد على مروان بن الحكم قراءته بالسور القصار من المفصل دائماً، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ في بعض الأحيان بهذه السورة الطويلة التي هي أطول الطوليين، وهما: الأعراف، والأنعام.


    تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (رأيت رسول الله يقرأ فيها بأطول الطوليين... الأعراف) يعني المغرب

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى، وهو الصنعاني البصري، ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    خالد، وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    ابن جريج، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن أبي مليكة].
    ابن أبي مليكة، وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عروة بن الزبير].
    عروة بن الزبير، قد تقدم ذكره.
    [أن مروان بن الحكم].
    في هذا الإسناد مروان بن الحكم، وأما في الأول فإن الرواية عن عروة عن زيد بن ثابت، وأن زيداً أنكر على مروان بن الحكم وهنا مروان بن الحكم، هو الذي يحدث عروة بن الزبير: أن زيد بن ثابت أنكر عليه وقال: مالك تقرأ بهذه السور؟
    ومروان بن الحكم هو: الأموي الخليفة، أحد خلفاء بني أمية أبو عبد الملك، تولى الخلافة، ثم وليها أربعة من أولاده بعده بينهم عمر بن عبد العزيز وهم: الوليد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، فهم أربعة أولاد تخللهم عمر بن عبد العزيز، قبل الأخير من أولاده، وحديث مروان أخرجه البخاري والأربعة.
    [عن زيد بن ثابت].
    قد تقدم ذكره.

    شرح حديث: (أن رسول الله قرأ في المغرب بسورة الأعراف...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية وأبو حيوة عن ابن أبي حمزة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين)].أورد النسائي حديث عائشة، وهو دال على ما دل عليه حديث زيد بن ثابت من قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام في صلاة المغرب بالأعراف، وفيه أنه فرقها في ركعتين، أي: قسم السورة على الركعتين اللتين جهر بهما في القراءة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ في المغرب بسورة الأعراف...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].عمرو بن عثمان، وهو ابن سعيد بن كثير بن دينار، صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا بقية وأبو حيوة].
    بقية هو ابن الوليد، صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وأبو حيوة هو شريح بن يزيد الحمصي، وفي نسخة التقريب المصرية: لم يذكر ابن حجر شيئاً عن درجته، لكن في تهذيب التهذيب ذكر أن ابن حبان ذكره في الثقات.
    ثم إن الحديث الذي هو قراءة الرسول لسورة الأعراف قد جاء من طريق أخرى، يعني: من طريق زيد بن ثابت، ليس خاصاً بطريق عائشة رضي الله تعالى عنها، ثم أيضاً رواه اثنان: بقية وأبو حيوة هو شريح بن يزيد أبو حيوة الحمصي.
    وبقية أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    وشريح أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن أبي حمزة].
    ابن أبي حمزة، وهو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، كثيراً ما يأتي بلفظ شعيب بن أبي حمزة، وهنا قال: ابن أبي حمزة.
    [عن هشام بن عروة].
    وهو هشام بن عروة بن الزبير، ثقة، فقيه، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    عروة بن الزبير، وقد مر ذكره.
    [عن عائشة].
    أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها.

    شرح حديث ابن عمر في القراءة في الركعتين بعد المغرب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الركعتين بعد المغرب.أخبرنا الفضل بن سهل حدثني أبو الجواب حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الركعتين بعد المغرب، أي: في الراتبة، لأنه يقرأ فيهما بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
    وقد أورد النسائي فيه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه رمق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ(قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد]، وكذلك في الركعتين قبل الفجر، يعني: في السنة الراتبة للفجر التي هي قبلها، والسنة الراتبة للمغرب التي هي بعدها، كان يقرأ بهاتين السورتين وهما: سورتا (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد).
    ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم من عادته أنه يصلي النوافل في بيته ثم يخرج، ثم يصلي الفريضة ويدخل إلى منزله فيصلي، فلا أدري وجه كون عبد الله بن عمر رمقه إلا أن يكون عنده في منزله، يعني: في عدد من الأوقات قبل الصلاة أو بعد الصلاة ورآه يقرأ بهاتين الركعتين، أي: بقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون؛ لأن النبي كان يصلي في بيته، ولا يقال: إنه رآه في السفر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي الرواتب في السفر إلا ركعتي الفجر فإنه لم يكن يتركها لا حضراً ولا سفراً، وأما بالنسبة لصلاة ركعتي المغرب فهي مثل الرواتب الأخرى لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها في السفر.
    إذاً: فحكاية ابن عمر أنه أدرك ذلك عشرين مرة، معنى هذا: أنه كان عنده في بيته قبل الصلاة وبعد الصلاة، فأدرك منه قراءته لهاتين السورتين.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في القراءة في الركعتين بعد المغرب

    قوله: [أخبرنا الفضل بن سهل].وهو الفضل بن سهل البغدادي، صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [حدثني أبو الجواب].
    أبو الجواب، وهو أحوص بن جواب أبو جواب، وكنيته توافق اسم أبيه، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عمار بن رزيق].
    عمار بن رزيق، وهو لا بأس به، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي إسحاق].
    هو أبو إسحاق الهمداني السبيعي عمرو بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن مهاجر].
    إبراهيم بن مهاجر، صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن مجاهد].
    مجاهد هو مجاهد بن جبر، المحدث، المفسر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ابن عمر].
    وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وأحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    الفضل في قراءة (قل هو الله أحد)



    شرح حديث عائشة في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الفضل في قراءة قل هو الله أحد.أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال: أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء فعل ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله عز وجل يحبه)].
    أورد النسائي: الفضل في قراءة قل هو الله أحد التي هي سورة الإخلاص، وأورد في ذلك عدة أحاديث، أولها: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الرجل الذي أمره الرسول عليه الصلاة والسلام على سرية فكان يصلي بأصحابه ويختم صلاته بقل هو الله أحد، يعني: يقرأ الفاتحة ويقرأ سورة ثم يأتي بعدها في نهاية القراءة بقل هو الله أحد، فاستغرب ذلك أصحابه، فلما جاءوا أخبروا الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال: (سلوه لماذا كان يفعل؟ فقال: لأنها صفة الرحمن ويحب أن يقرأ بها، فقال: أخبروه أن الله تعالى يحبه)؛ لأنه أحب القراءة بها لأنها صفة الرحمن، أي: مشتملة على صفة الرحمن، وذلك أن فيها إثبات الأحدية والصمدية، ونفي الأصول، والفروع، والنظراء، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4].
    لم يلد: نفي للفروع، ولم يولد: نفي للأصول، ولم يكن له كفواً أحد: نفي للأشباه والنظراء، فالله تعالى ليس كمثله شيء، وهو الغني عن كل أحد، والصمد قيل في تفسيره: هو الغني عن كل من سواه، والمفتقر إليه كل من عداه، الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، وبعد ذكره للإثبات، ذكر النفي المتضمن إثبات كمال الضد لله عز وجل، وذلك أنه الصمد المستغني عن كل أحد، والذي لا يستغني عنه أحد لكماله ولعظمته ولكمال غناه ليس له أصول ولا فروع ولا نظراء، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:3-4]، فهي مشتملة على صفة الرحمن.

    وفي هذا إطلاق الصفة على الله عز وجل، وأنه يقال لصفاته: صفات، وهذا الصحابي قال: صفة الرحمن، يعني: هذه التي اشتملت عليها السورة، ففيه إطلاق الصفة على الله عز وجل، وأنه يقال لها: صفات، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أخبروه بأن الله تعالى يحبه).
    فهو دال على فضل هذه السورة، ودال أيضاً على أنه يمكن أن يجمع في ركعة واحدة بأكثر من سورة؛ لأن كونه يقرأ بقل هو الله أحد، ويقرأ قبلها سورة أو شيئاً من القرآن، معناه أنه يجوز قراءة أكثر من سورة في ركعة واحدة، والحديث يدل على هذا.
    ويدل أيضاً: على أنه يمكن للإنسان أن يقرأ سورة متأخرة في المصحف قبل سورة متقدمة عليها في المصحف؛ لأن هذا الرجل يختم بقل هو الله أحد في كل ركعة من الركعات، ومن المعلوم أنه ليس بعد سورة قل هو الله أحد في المصحف إلا سورتان، وهي سورة قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وباقي سور القرآن كلها قبلها.
    وهذا جائز لكنه خلاف الأولى، والأولى هو أن تكون القراءة على حسب ترتيب المصحف؛ لأن هناك خلاف بين العلماء في مسألة ترتيب السور، هل هي بالنص أو بالاجتهاد؟ فجمهور العلماء على أنها بالاجتهاد لا بالنص، وفعل هذا الصحابي يدل على هذه المسألة، وهي: أنه يجوز أن يقرأ سورة متأخرة في المصحف ثم يقرأ بعدها سورة متقدمة عليها في المصحف.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].سليمان بن داود، وهو أبو الربيع المصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن عمرو بن الحارث].
    عمرو بن الحارث، وهو المصري، ثقة، فقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره أيضاً قريباً.
    [عن سعيد بن أبي هلال].
    سعيد بن أبي هلال المصري، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن].
    أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن المدني، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية]؛ لأن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن ابن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، مكثرة من الرواية عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وحديث عمرة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    وقد مر ذكرها قريباً.

    شرح حديث أبي هريرة في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، فسألته: ماذا يا رسول الله، قال: الجنة)]. أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام فسمع رجلاً يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )[الإخلاص:1-4]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، قال أبو هريرة: ما وجبت يا رسول الله؟ قال: الجنة)، أي: لهذا الذي كان يقرأ هذه السورة العظيمة، وهذا يدل على فضلها كما ترجم له المصنف، وهو دال على أن هذا الثواب العظيم لمن يقرأ هذه السورة، لكن القراءة التي تكون فيها تدبر، وفيها استشعار ما اشتملت عليه من الإخلاص لله عز وجل، ومن اعتقاد أنه الغني عن كل من سواه، والمفتقر إليه كل من عداه، وأنه المنزه عن كل نقص، والذي هو في غاية الكمال والجلال سبحانه وتعالى، وهو دال على عظم شأن هذه السورة، وعظم أجرها وثوابها عند الله عز وجل.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    مالك، وهو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن عبد الرحمن].
    ويقال: عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ابن أبي ذباب، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عبيد بن حنين].
    هو عبيد بن حنين، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة].
    أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره.


    شرح حديث أبي سعيد الخدري في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (إن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: قل هو الله أحد يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ قل هو الله أحد يرددها، فجاء وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن)، وهذا يدل على فضلها وعلى عظيم شأنها، وأن في قراءتها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، لكن ليس معنى كونها تعدل ثلث القرآن أن الإنسان يقرأها ثلاث مرات ثم يقول: أنا قرأت القرآن، بل عليه أن يقرأ القرآن، وأن يحرص على قراءته، وأن يتلوه حق تلاوته، ولا يقتصر على قراءتها ثلاث مرات ويقول: أنا قرأت القرآن، لكن هذا يدل على عظم شأن هذه السورة، وعلى عظم أجرها، ومن العلماء من قال: إنها تعدل ثلث القرآن في الأجر، وأن الإنسان يؤجر أجراً عظيماً على قراءتها.
    و ابن تيمية رحمه الله له مؤلف خاص بهذه السورة اسمه: جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.


    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في فضل قراءة سورة الإخلاص

    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المدني].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة].
    وهو ثقة، أخرج حديثه كذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي سعيد].
    أبو سعيد الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون من رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي





    الأسئلة



    أولو العزم من الرسل

    السؤال: من هم أولو العزم من الرسل؟

    الجواب: أولو العزم من الرسل خمسة، وهم: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ثم إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، هؤلاء هم الخمسة أولو العزم من الرسل الذين جاء ذكرهم في سورة الشورى، وكذلك في سورة الأحزاب، جاء ذكر هؤلاء الخمسة مع بعض في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا )[الشورى:13]، وفي سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ )[الأحزاب:7].

    مداخلة: ما الدليل على أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة؟
    الشيخ: لا أدري.
    مداخلة: ما هي درجة هذا الحديث: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) ؟
    الشيخ: لا أدري.

    درجة مروان بن الحكم

    السؤال: ما هي درجة مروان بن الحكم؟

    الجواب: مروان بن الحكم قيل: له صحبة، ولكنه لا يثبت، ولكنه من كبار التابعين، والبخاري خرج له في صحيحه.

    الإخلاص في طلب العلم

    السؤال: ما هو الإخلاص في طلب العلم؟

    الجواب: الإخلاص في طلب العلم هو: أن يتعلم العلم وهو يريد من وراء طلبه للعلم أن يعرف الحق ليتبعه ويدعو إليه، هذا هو المراد بالإخلاص في طلب العلم، أي: أن يكون الباعث له على طلب العلم أن يكون عالماً بالحق والهدى الذي جاء به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام؛ ليسير إلى الله على بصيرة، وليدعو غيره إلى أن يعبد الله على بصيرة، هذا هو الإخلاص.

    قول الشخص لغيره من الناس: (منكم من يريد الدنيا..)


    السؤال: هل يجوز أن يقول شخص في مجموعة من الناس؛ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قياساً على قول الله تعالى للصحابة؟

    الجواب: كونه يخاطب ناس يقول: منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة ليس بوجيه؛ لأن ما في إراداتهم وما في قلوبهم الله تعالى هو المطلع عليه، لكن كما هو معلوم الناس شأنهم هكذا منهم كذا ومنهم كذا، لكن جماعة معينين يقال: منكم من يريد كذا ومنكم من يريد كذا، لا؛ لأن هذا يتعلق بالنيات، نعم الناس ينقسمون إلى هذين القسمين، لكن هذه المجموعة التي هي خمسة أو ستة يقال لهم هذا الكلام! ليس مستقيم.


    قراءة الإخلاص عشر مرات

    السؤال: هل ورد حديث يدل على قراءة قل هو الله أحد عشر مرات؟

    الجواب: لا أعلم في هذا شيء يدل على القراءة عشر مرات.


    الذبح على البئر عند وجود الماء

    السؤال: ما حكم ما يعمله بعض الناس إذا انقطع الماء أو جف ماء البئر ثم حفرها، ووجد الماء ذبح عنده شاة صدقة، ويتعمد أن يذبحها عندها، أي: عند البئر، ولو قيل له: اذبحها في البيت لم يرض بذلك؟

    الجواب: إذا كان يعتقد بأن الذبح عند البئر له خاصية وله ميزة، فهذا ليس بصحيح، وأما إذا كان عمل ذبيحة شكراً لله عز وجل؛ لكون العمل الذي عمله أنتج وأثمر وحصل الماء الذي يريد وأطعم ذلك الفقراء والمساكين شكراً لله عز وجل لا بأس بذلك، لكن كونه يقول: إنه لا تذبح إلا في هذا المكان، لا وجه لهذا أصلاً.

    هل مروان بن الحكم من الخلفاء؟


    السؤال: هل مروان بن الحكم يعد من الخلفاء مع العلم أنه هو الذي نازع الخليفة عبد الله بن الزبير بعد أن اجتمع الناس عليه؟

    الجواب: مروان بن الحكم هو من الخلفاء لا شك، هو من خلفاء بني أمية، وهو معدود منهم، ومن المعلوم أن الأمر كان لبني أمية من معاوية، ثم ابنه يزيد ثم بعد ذلك جاء مروان، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه بايعه أهل الحجاز، وقبل ذلك كان الأمر لبني أمية في الحجاز وغيرها، فهو خليفة.

    وبعض العلماء الذين يعدون الأئمة الاثنا عشر الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، يعدون منهم مروان بن الحكم، الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية منهم مروان، فهذا هو الذي ذكره العلماء ومنهم شارح الطحاوية وغيره، عندما جاءوا لشرح هذا الحديث، والكلام عليه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #190
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (187)


    لقد جاءت الأحاديث مبينة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته في صلاة العشاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بقصار المفصل، فكان يقرأ بالشمس وضحاها، والتين، أو سبح اسم ربك الأعلى، وهذا يدل على أن الإمام يراعي أحوال المأمومين.

    تابع الفضل في قراءة (قل هو الله أحد)



    شرح حديث: (قل هو الله أحد ثلث القرآن)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الفضل في قراءة قل هو الله أحد.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا زائدة عن منصور عن هلال بن يساف عن ربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن ابن أبي ليلى عن امرأة، عن أبي أيوب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قل هو الله أحد ثلث القرآن) . قال أبو عبد الرحمن: ما أعرف إسناداً أطول من هذا].
    فقد سبق البدء بترجمة: فضل (قل هو الله أحد)، ومر بعض الأحاديث الدالة على فضلها، وهذا الحديث الذي أورده النسائي، وهو حديث أبي أيوب، هو واحد من تلك الأحاديث الدالة على فضل قل هو الله أحد، وأنها تعدل ثلث القرآن.
    وقد مر هذا الحديث الذي هو كون (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، في بعض الأحاديث الماضية في الدرس الفائت، وهو دال على فضلها، وأنها تعدل ثلث القرآن.
    وهذا الحديث رواه النسائي بإسناد عشرة أشخاص، وقال عنه: إنه لا يعلم أو لا يعرف إسناداً أطول من هذا، وإذاً: فهو أنزل الأسانيد عند النسائي، أو من أنزل الأسانيد عند النسائي، وهو الإسناد العشاري الذي يكون فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أنفس، وهذا أنزل ما يكون عند النسائي، وأعلى ما عنده الرباعيات كما سبق أن عرفنا ذلك مراراً وتكراراً.
    والبخاري أنزل ما يكون عنده التساعي، الذي تسعة أشخاص بين البخاري، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلى ما يكون عنده الثلاثيات، والنسائي أعلى ما عنده الرباعي، وأنزل ما عنده العشاري، الذي هو هذا الإسناد الذي معنا، وقد قال فيه النسائي: لا أعلم إسناداً أطول من هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قل هو الله أحد ثلث القرآن)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار هو: الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري وليس بينه وبين وفاة البخاري إلا أربع سنوات، إذ كانت وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، ووفاة محمد بن بشار سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    وذكرت فيما مضى: أن محمد بن بشار شاركه اثنان هما: محمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، أي: شاركا محمد بن بشار في أن كلاً منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهم جميعاً ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [عن عبد الرحمن].
    و عبد الرحمن هو ابن مهدي البصري، المحدث، الناقد، العالم بالرجال، والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    وهو ابن قدامة البصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور بن المعتمر الكوفي].
    وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هلال بن يساف]، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن الربيع بن خثيم].
    وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فأخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود. فلم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر.
    [عن عمرو بن ميمون الأودي]، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم، والربيع بن خثيم أيضاً مخضرم.
    [عن ابن أبي ليلى]، وهو: عبد الرحمن بن أبي ليلى، المحدث، المشهور، وهو: والد محمد بن عبد الرحمن الفقيه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن امرأة].
    وهي مبهمة، يعني غير مسماة، وهذا النوع يسمى المبهم، وهو الذي يذكر مثل الرجل، أو امرأة، وما إلى ذلك، يعني لم يذكر اسمه، فيقال له: المبهم، وهذه المرأة قيل: إنها امرأة أبي أيوب الأنصاري، ويحتمل أن تكون صحابية، وعلى هذا فلا إشكال، ويحتمل أن تكون تابعية.
    وقد ذكر السيوطي، أن خمسة من إسناده من التابعين أولهم: منصور بن المعتمر، وعلى هذا تكون المرأة هي تابعية، ولا أعرف اسمها، والمزي في تحفة الأشراف قال: إنها امرأة من الأنصار، ولم يزد على ذلك، والسيوطي قال: إنها امرأة أبي أيوب، فإن كانت صحابية فلا إشكال، وإن كانت تابعية ولم يعرف شخصها وحالها فتكون مجهولة، ومن المعلوم أن الحديث ثبت من طرق أخرى، وهو كون قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، فيكون معناه: أن هذه الجهالة، قد جاء ما يدل على ثبوت الحديث من طرق أخرى، أو من أحاديث أخرى غير هذا الحديث، وهي شواهد له.
    والشيخ الألباني اعتبره من جملة الصحيحة، اعتبره من جملة صحيح سنن النسائي، فلا أدري هل عرفها، أو أنه اعتبر ذلك بالأحاديث التي هي بمعنى حديث أبي أيوب الأنصاري، وهي شاهدة لحديث أبي أيوب الأنصاري، التي فيها التنصيص على أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، كما جاء ذلك في الأحاديث الماضية في الدرس الفائت.
    [عن أبي أيوب الأنصاري].
    وأبو أيوب هو: خالد بن زيد الأنصاري، وهو الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره عندما قدم المدينة، فأول ما قدم إليها نزل في ضيافته، ونزل في داره حتى بنى مسجده، وبنى الحجرات بجوار المسجد، وكان في تلك الفترة عند أبي أيوب الأنصاري، هذا الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وحديث أبي أيوب أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد عشاري كما عرفنا: محمد بن بشار يروي عن عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن مهدي يروي عن زائدة بن قدامة، وزائدة يروي عن منصور بن المعتمر، ومنصور يروي عن هلال بن يساف، وهو يروي عن الربيع بن خثيم، وهو يروي عن عمرو بن ميمون، وعمرو بن ميمون يروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى يروي عن امرأة، والمرأة تروي عن أبي أيوب الأنصاري، وهم عشرة أشخاص في إسناد هذا الحديث، وقال عقبه النسائي: لا أعلم إسناداً أطول من هذا.





    القراءة في العشاء الآخرة بسبح اسم ربك الأعلى



    شرح حديث جابر في القراءة بسبح اسم ربك الأعلى في العشاء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في العشاء الآخرة بسبح اسم ربك الأعلى.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ، أين كنت عن سبح اسم ربك الأعلى والضحى وإذا السماء انفطرت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، وصفت العشاء بأنها الآخرة، تمييزاً لها عن العشاء الأولى التي هي المغرب؛ لأن المغرب يقال لها: عشاء، فالمغرب والعشاء يقال لهما: العشاءين، ويطلق على المغرب أنها عشاء، ولهذا يأتي ذكر العشاء مقيدة بالآخرة، ليتميز عن العشاء الأولى، وقد سبق أن مر بنا في حديث مضى قريباً ذكر العشاء، وقال: العتمة، وقال العتمة ليميزها عن المغرب، لأنها يقال لها: عشاء، وهنا كلمة (الآخرة) لتمييزها عن المغرب، وأنه يقال لها: عشاء.
    وهذا الإطلاق موجود في هذا الزمان، يقال في بعض البلاد عن المغرب: إنها العشاء، والعشاء الآخرة يقال لها: العشاء، إلا أنها توصف بالآخرة، وغالب الإطلاق إذا قيل: العشاء، فيراد بها العشاء الآخرة، وهي التي جاء ذكرها في القرآن: (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ )[النور:58]، المراد بها العشاء الآخرة، فعند الإطلاق يراد بها الآخرة، لكن يطلق على المغرب: أنها عشاء، ويقال لهما جميعاً: العشاءين، المغرب والعشاء.

    وأورد النسائي حديث جابر بن عبد الله في قصة معاذ وصلاته وتطويله، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما بلغه ذلك قال: (أفتان أنت يا معاذ، أين أنت من سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والضحى، وإذا السماء انفطرت)، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض السور التي هي من المفصل، والتي في قراءتها تخفيف على الناس وعدم مشقة عليهم.
    فالترجمة هي: القراءة في العشاء الآخرة بسبح اسم ربك الأعلى، والحديث مشتمل على سبح اسم ربك الأعلى وعلى سور أخرى تشابهها وتماثلها في الطول.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في القراءة بسبح اسم ربك الأعلى في العشاء

    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].محمد بن قدامة، وهو المصيصي، ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    وهو جرير بن عبد الحميد الضبي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    الأعمش، وهو لقب لـسليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، لقبه الأعمش، وهو مشهور بهذا اللقب، ويأتي ذكره أحياناً باللقب كما هنا، وأحياناً يأتي ذكره باسمه سليمان، أو سليمان بن مهران، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف أن الأعمش، لقب لـسليمان بن مهران، يظن أن الأعمش شخص، غير سليمان بن مهران، لكن من عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران، لا يلتبس عليه الأمر، سواءً جاء في الإسناد الأعمش، أو جاء سليمان بن مهران، وهذه نوع من أنواع علوم الحديث.
    و سليمان بن مهران الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محارب بن دثار].
    محارب بن دثار، وهو ثقة، إمام، زاهد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وهو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي





    القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها



    شرح حديث جابر في القراءة بالشمس وضحاها في العشاء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (صلى معاذ بن جبل رضي الله عنه بأصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل منا فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قال معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ، إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، واقرأ باسم ربك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، وأورد فيها حديث جابر بن عبد الله من طريق أخرى، وفيه أنه لما صلى بالناس أطال، وكان يصلي معه رجل من الصحابة فلما أطال، انفصل عنه وصلى وحده، ثم بعد ذلك بلغ ذلك معاذاً أنه انفصل عنه، فقال عنه: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ، إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، اقرأ باسم ربك) وأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى سور قصار لا يحصل بقراءتها مشقة على المأمومين.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في القراءة بالشمس وضحاها في العشاء

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الليث].
    الليث وهو ابن سعد المحدث، الفقيه، المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي الزبير].
    أبو الزبير، وهو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله]، وقد مر ذكره قريباً.

    حديث بريدة في القراءة بالشمس وضحاها في العشاء وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبي حدثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، وأشباهها من السور)].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، وأشباهها من السور) وهو دال على ما ترجم له المصنف.
    قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي].
    وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن أبيه]
    وهو علي بن الحسن بن شقيق المروزي أيضاً، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسين بن واقد].
    الحسين بن واقد، وهو ثقة، له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو مروزي أيضاً.
    [عن عبد الله بن بريدة].
    عبد الله بن بريدة، وهو ابن الحصيب الأسلمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً مروزي، وهو قاضي أيضاً في مرو، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن بريدة بن الحصيب الأسلمي].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأكثر رجال الإسناد مروزيون، إلا بريدة، فـمحمد بن علي بن الحسن بن شقيق، وأبوه علي بن الحسن بن شقيق، وحسين بن واقد، وعبد الله بن بريدة، كل هؤلاء مروزيون.





    القراءة في العشاء الآخرة



    حديث البراء: (صليت مع رسول الله العتمة فقرأ فيها بالتين والزيتون) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة فيها بالتين والزيتون.أخبرنا قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة فقرأ فيها بالتين والزيتون)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة فيها -أي: في العشاء الآخرة- بالتين والزيتون، وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العتمة وقرأ فيها بالتين والزيتون.
    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].
    قتيبة قد مر ذكره، ومالك، هو: ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد، وهو: الأنصاري المدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عدي بن ثابت].
    وهو: عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء].
    البراء بن عازب، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





    القراءة في الركعة الأولى من العشاء الآخرة



    شرح حديث: (كان رسول الله في سفر فقرأ في العشاء في الركعة الأولى بالتين والزيتون)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القراءة في الركعة الأولى من صلاة العشاء الآخرة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقرأ في العشاء في الركعة الأولى بالتين والزيتون)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القراءة في الركعة الأولى من صلاة العشاء الآخرة، وأورد تحتها حديث البراء بن عازب، أورده من طريق أخرى، وأنه قرأ بالتين والزيتون في الركعة الأولى، والحديث الأول مطلق، فلم يعين الركعة الأولى ولا الثانية، وهذا الحديث مقيد، قيد فيه أن القراءة كانت بالتين والزيتون، وأن ذلك كان في سفر، وقرأ في الركعة الأولى من ركعتي العشاء بالتين والزيتون، وهي من قصار السور.
    وعلى هذا فإن الصلوات الخمس التي تطول فيها القراءة: الفجر، والظهر، وتليها العصر، ثم العشاء، والمغرب هي أقلها غالباً، وأحياناً يقرأ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيها بسور طوال، وقد مر بنا أحاديث تدل على قراءته فيها بسورة الأعراف -أي: المغرب- وهي تعادل جزء ونصف جزء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله في سفر فقرأ في العشاء في الركعة الأولى بالتين والزيتون)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].إسماعيل بن مسعود، وهو أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد بن زريع].
    يزيد بن زريع، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عدي بن ثابت عن البراء].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.





    الأسئلة



    حالة حكم الرفع

    السؤال: لقد سمعت من بعض المشايخ أن الجمهور يقول في قول الصحابي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن له حكم الرفع، فهل هذا صحيح؟

    الجواب: هذا في غاية الوضوح، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا يكون له حكم الرفع؟! وهل يقول بهذا الجمهور فقط؟! يعني هل أحد يقول بخلاف هذا، وقد قال الصحابي: نهى رسول الله، لكن لعل القضية أنها غير هذا اللفظ.
    لعلها نهينا أو أمرنا؛ لأن لم يعين، ولكن ينصرف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شك، لكن نهى رسول الله هذه واضحة الرفع؛ لأن هذا هو إضافة الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الرفع، ولا يقول بخلاف هذا أحد.

    (نهينا عن كذا) هل يفيد التحريم؟

    السؤال: هل قول الصحابي: (نهينا) يستفاد منه التحريم؟

    الجواب: نعم. الأصل هو الدلالة على التحريم، لكن قد يكون هذا النهي للتنزيه، أي: يكون من قبيل المكروه الذي هو أقل من التحريم.

    كيفية غسل الجنابة

    السؤال: نرجو منكم بيان كيفية غسل الجنابة بالتفصيل.؟

    الجواب: أكمل الهيئات هو: كون الإنسان يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ويغسل رجليه في الآخر، هذه أكمل هيئاته، وإذا أفاض الماء على سائر جسده وإن لم يحصل منه الوضوء أولاً فإن هذا غسل مجزئ، لكن الأكمل هو الذي يسبقه الوضوء.

    الاشتراط في الصدقة

    السؤال: ما حكم من يشترط في صدقة ماله فيقول: لا أعطي هذا المال إلا من كان سلفياً، أو يشترط في وليمته فيقول: لا أدعو إليها إلا من كان سلفياً.. إلى آخره؟

    الجواب: كونه يعطي صدقته، ويعطي عطيته لمن يكون سليماً في معتقده، ولمن يكون بعيداً عن البدع، هذا شيء طيب، لكن لكونه من يكون عنده شيء من الانحراف إذا كان دعوته أو إعطائه فيها استمالته وفيها تقريبه وفيها إعانة له على التخلص من ما هو فيه فإن هذا يكون مستحباً، ويكون مناسباً، لما يترتب عليه من المصلحة، وإلا كون الإنسان يكون إحسانه، أو يكون أولى الناس ببره وإحسانه، من يكون مستقيماً لا شك أن هذا هو الأولى، وهذا هو الذي ينبغي، لكن كون الإنسان يراعي بعض المصالح في قضية الاستمالة، وجلب الناس، إذا كان سيترتب على ذلك الإحسان ميله وتقريبه وإخراجه من ما هو واقع فيه فهذا مقصد حسن، وأمر طيب.

    مسح الأذن في الوضوء


    السؤال: هل يجب مسح جميع ما بداخل الأذن عند الوضوء، وكذلك ظاهرها؟

    الجواب: الأذنان من الرأس، أي: أن حكمهما حكم الرأس، يعني فيمسحان، وليسا من الوجه فيغسلان، فهذا هو معنى: (الأذنان من الرأس) كما جاء في الحديث.
    وكيفية مسحهما: أن يدخل سبابته في الأذن ويدير الإبهام على خارج الأذن، هذه هي صفة مسح الأذنين.

    مس المصحف على غير طهارة


    السؤال: هل جاء في السنة ما يدل على عدم جواز مس المصحف على غير طهارة؟

    الجواب: نعم، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأن لا يمس القرآن إلا طاهر) المقصود به الطهارة الشرعية، يعني: إلا متوضئ، هذا هو معنى الحديث.

    لو أن شخصاً خصص مالاً لإعانة من أراد الزواج فالذهاب إليه وطلب الإعانة منه لا بأس به


    السؤال: يوجد عند شخص مبلغ مالي خصصه لمساعدة من أراد الزواج، فهل الذهاب إليه لأخذ نصيب من هذا المال يعتبر من باب السؤال المنهي عنه؟

    الجواب: إذا كان الإنسان محتاجاً والمبلغ خصص لأمثال هؤلاء فلا بأس بذلك، أما إذا كان غير محتاج فلا ينبغي له، بل لا يجوز له؛ لأن هذا فيه قطع الطريق أمام من هو محتاج، وهو غير محتاج، فالمحتاج إذا كان شيء مخصص لأمثال هؤلاء، لا بأس بذلك، ولا يعتبر من قبيل السؤال؛ لأن السؤال هو الذي يأتي للناس ويقول: أعطوني، وأما شيء مخصص لمن يكون بهذا الوصف، والوصف ينطبق عليه فله أن يأتي ويطلب من هذا المخصص.
    إذا كان مخصص للزواج، فلا يذهب أحد وهو لا علاقة له بالزواج ويقول: إنه سيتزوج وهو يكذب، ما دام أنه مخصص لمن يتزوج فالمحتاج ممن يريد الزواج هو الذي له أن يذهب.

    مدة القصر


    السؤال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أنه كان يقصر الصلاة عشرين يوماً، فهل يؤخذ من هذا أن الإنسان إذا نزل ببلد فله أن يقصر هذه المدة؟

    الجواب: إذا كان عنده عزم عند الدخول على أنه سيبقى هذه المدة، أو مدة أقل منها، وهي ما يزيد على أربعة أيام فإن عليه أن يتم، إذا كان عالماً عند الدخول بأنه سيبقى في هذا البلد أكثر من ثلاثة أيام، والحديث الذي في غزوة تبوك، ليس فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل تبوك عقد العزم على أن يبقى فيها عشرين يوماً، وإنما كان ذهب إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل، وليس فيه شيء يدل على عزمه على هذه المدة، لو علم أو لو ثبت. أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل ذلك البلد، عزم على أن يبقى هذه المدة وهو يقصر، علم بأنه يقصر الإنسان هذه المدة، لكن المدة التي عُلم إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم إياها وهو في بلد، وهو عازم على الإقامة أربعة أيام كان ذلك في حجة الوداع، حيث دخل يوم رابع، وهو سيخرج منها يوم ثامن إلى منى، ثم إلى عرفة، فتلك المدة معلوم أنه عند الدخول يريد أن يجلسها؛ لأنه باق إلى يوم التروية، ثم ينتقل إلى منى ثم عرفة.
    فهذه المدة التي علم عزْم الرسول صلى الله عليه وسلم على بقائها، عند دخوله مكة، وأما ما كان في تبوك، أو كان في عام الفتح فليس هناك دليل يدل على عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على بقائه تلك المدة حتى يقال: إنه يقصر هذه المدة.

    الاغتسال بالدم

    السؤال: ما حكم الاغتسال بالدم من أجل العلاج؟

    الجواب: قضية الدم، لا أدري ما وجه كونه يصير فيه علاج، لكن تحريمه كما جاء فيما يتعلق بشربه، وأكله، الذي هو الدم السائل، بخلاف الدم الذي يكون مع اللحم. فإن هذا لا إشكال في حله، وأما كونه يتعالج به، أو كونه يصير مثلاً مكاناً يوضع عليه دم فيه شفاء له، لا بأس بذلك، يعني: كونه إذا وضع على مكان معين، أو جرح، أو شيء إذا علم بأن فيه شفاء لا بأس بذلك.

    وضع الجوائز على شراء السلع


    السؤال: ما حكم الأموال التي تكون عبارة عن جائزة مسابقة تجعلها شركة من الشركات التجارية في سلعة معينة، فيشتري المشترك في المسابقة تلك السلعة، ويحل المسابقة، ويحصل على الجائزة؟

    الجواب: والله هذه ما هي سليمة، إذا كان أنها مبنية على شراء، أما إذا كانت لا علاقة لها بدفع شيء من المال لا بأس بها، إذا كان ليس له علاقة، أي: الإنسان لا يخسر شيء باشتراكه في المسابقة، يعني كونه يشتري سلعة، أو كونه يدفع مقدار من المال، من أجل أن يحصل الاشتراك في هذه المسابقة، فإذا كان فيه خسارة فلا يصلح، وأما إذا كان ليس فيه خسارة على الإنسان في شيء، لا في سلعة، ولا في مال يبذله من أجل أن يشترك في المسابقة، إذا كان لا يحصل شيء من هذا، لا بأس بذلك.


    قول الشخص أنا سلفي


    السؤال: ما رأي الشيخ فيمن يقول أنا سلفي؟ وهل يجوز التسمية بالسلفية؟ وإذا كان هذا يجوز فما الدليل على ذلك؟

    الجواب: الدليل على هذا: هو استعمال السلف قديماً وحديثاً موجود، يقولون: فلان على طريقة السلف، فلان على منهج السلف، فلان صاحب عقيدة سلفية، ينصون على ذلك في كتبهم عندما يذكرون عقيدته يقولون: إنه على طريقة السلف، ومن المعلوم أن هذا ليس أمراً محدثاً، وليس أمراً ناشئاً، بل هذا يرجع إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس ببدعة، ولا بأمر محدث، وإنما المحدث الطرق والمناهج الأخرى الجديدة التي ليس لها أساس، فكون الإنسان يقول: أنا سلفي، أو على طريقة السف، ويقال عن فلان إنه سلفي، أو إنه على طريقة السلف، لا بأس في الصفة، أقول: هم على طريقة السلف، لكن سموا بهذا الاسم أو اشتهروا بهذا الاسم وهم سلفيو العقيدة.


    لأن هذا من الأسماء الجديدة، إلا أنه يعني أنه على منهج السلف وعلى طريقة السلف.


    الصلاة في توسعة الحرم


    السؤال: ما حكم الصلاة في الصفوف الثلاثة الأولى من التوسعة، علماً بأنها ليست متصلة بالصفوف بداخل المسجد، ويقول السائل: علماً أنه يفتي بعض المشايخ بأنها ليست من المسجد؛ لأنهم لا يرون الإمام، ولا يرون من يرى الإمام؟الجواب: التوسعة هذه متصلة الصفوف فيه، وحتى لو لم تتصل الصفوف، لو حصل مثلاً فاصل، يعني جدار، ما في مانع، أقول: لو حصل فاصل يفصل بين الصفوف، مثل فاصل المنبر يعني يمينه وشماله، لو وجد شيء من هذا فيبقى في الجوانب كله متصلة بالصف، أي: متصل من في الزيادة مع ما يحاذيه من المسجد الأول، فالصلاة فيها ليست من الصفوف الأول، ولكنها صفوف بعددها إذا وصل إليها العدد، يمكن الصف العشرين أو الثلاثين، الصفوف الأول هي الآن متصلة بالمسجد، الأول الذي هو ليس فيه زيادة، ثم بعد ذلك يأتي صف يتصل الأول وزيادة، فهذا الصف صف واحد، يعني بالزيادة والصف الأول والمسجد الأول، لكن الصفوف الأولى التي قبل الزيادة هذه هي الصفوف الأولى، وكل واحد أفضل من الذي يليه.

    أقول: هم وإن لم يرو الإمام، ولو حصل أنهم كانوا في السطح، الصلاة صحيحة ليس فيها شيء، وعلو المسجد مسجد، وسطح المسجد مسجد، وهواء المسجد تابع للمسجد، فإذا صلى الإنسان في السطح فهو مصل في المسجد، ولو صلى في البدروم تحت هو مصل في المسجد؛ لأن أرضه السفلى وعلوه كله تابع له، ولو لم ير الإمام، ولو لم تُرى الصفوف، وإذا حصل أن المنبه توقف، ينفصلون عن الإمام، ويصلون إما جماعات، وإما فرادى، إذا حصل، وهذا حصوله نادر إذا وجد.
    أما التي أمام الزيادة، هذه ليست مسجداً الآن، إلا لو وضع جدار أو سور مثل السور الأول الذي كان موجود تصير مسجداً، أما الآن هي شارع، لا يقال لها: مسجد.
    هي ساحات، لكنها ليست محاطة، الذي لا يحوط به جدران ولا أبواب لا يقال له: مسجد، المسجد هو ما تحيط به الجدران والأبواب، ما كان داخل الجدران والأبواب مسجد، وما كان خارجها شارع، الإنسان إذا دخل من الباب يقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وإذا خرج يقول كذلك، والبيع والشراء يكون في الساحات، ولا يكون من داخل الأبواب، فلا يأخذ حكم المسجد إلا إذا بني فيه جدار سواء من حديد أو غيره، فإنه يكون حكمه حكم المسجد، أما ما دام أنه خارج الأبواب، ومتصل في الخلاء الذي هو خارج المسجد، فهو لا يعتبر مسجداً، لكن من صلى فيه مع اتصال الصفوف له أجر الجماعة، وله فضل الجماعة، لكن ليس له التضعيف بألف صلاة؛ لأن التضعيف بألف صلاة جاء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقصد بالجدران والأبواب الزيادة والمزيد، كل ما كان داخل الجدران والأبواب سواء كان أصلاً أو زيادة، فإنه يعتبر من المسجد، والصلاة في الجميع بألف صلاة، وما كان خارج الجدران والأبواب -في الساحات أو الشوارع- فهذا ليس من المسجد، ولا يكون للذي صلى فيه ألف صلاة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #191
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (188)

    يُسن للإمام في الصلاة الرباعية أن يطيل الركعتين الأوليين من الصلاة ويخفف الركعتين الأخيرتين؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما دلت السنة على جواز الجمع بين سورتين في ركعة واحدة لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
    الركود في الركعتين الأوليين


    شرح حديث سعد في تطويل الركعتين الأوليين وتخفيف الأخريين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الركود في الركعتين الأوليين.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا شعبة حدثني أبو عون سمعت جابر بن سمرة رضي الله عنهما يقول: قال عمر لـسعد: (قد شكاك الناس في كل شيء حتى في الصلاة، فقال سعد رضي الله عنه: أتئد في الأوليين وأحذف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ذاك الظن بك)].
    يقول النسائي رحمه الله: الركود في الركعتين الأوليين، هذه الترجمة يراد بها: أن الركعتين الأوليين يطول فيهما بالنسبة للركعتين الأخيرتين، وقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على هذا، أي: تطويل الركعتين الأوليين، وكذلك تطويل الركعة الأولى على الثانية، كل هذا مر فيه بعض الأحاديث، لكنه هنا أورد هذه الترجمة وهي: الركود في الركعتين الأوليين، وهي مماثلة لما سبق أن تقدم بالنسبة لتطويل الركعتين الأوليين، وأنها أطول من الركعتين الأخيرتين، أي: بالنسبة للصلاة الرباعية.
    وقد أورد النسائي فيه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: أنه كان يتئد في الركعتين الأوليين، ويحذف في الركعتين الأخيرتين، أي: يخفف ويقصرهما، ويقول: (إنني لا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومعنى ذلك: أن هذا العمل يسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه يفعل هذا اقتداء برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا هو المناسب من حيث الرواية؛ لأنه مضاف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن سعداً رضي الله عنه، أخبر عمر بأنه يقتدي بصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن هذا الفعل الذي فعله، والذي أنكره عليه أهل الكوفة، ليس من فعله، وليس من صنيعه، وليس من اجتهاده، وإنما هو اقتداء بفعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، حيث كان يركد في الركعتين الأوليين، ويخفف في الركعتين الأخيرتين.
    و سعد رضي الله عنه قال هذه المقالة لمناسبة: وهي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه الكوفة، وجعله أميراً عليها، وحصل بينه وبين أهل الكوفة شيء تكلم فيه بعضهم، وقدح فيه حتى في صلاته، وهو يقتدي بصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن الذي يدفعهم إلى ذلك هو ما يقع في النفوس، وما حصل في النفوس عليه، رضي الله عنه وأرضاه، هذا وسعد: أحد المبشرين بالجنة، يمشي على الأرض، والناس يعرفون أنه من أهل الجنة، وأنه ينتهي إلى خير، ويئول أمره إلى خير، وأنه من أهل الجنة، يعرفون ذلك، ويعلمون ذلك، وهو يمشي على الأرض بين أظهرهم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام شهد لعشرة بالجنة في مجلس واحد، سماهم وكان فيهم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه.
    فهذا يدلنا على أنه ليس كل من يتكلم فيه، معناه أن الكلام فيه مقبول، فهذا سعد -وهو من أهل الجنة- ما سلم من أهل الكوفة الذين ولاه عمر عليهم، حتى صلاته قدحوا فيها، وتكلموا فيها، وقد جاء هذا الحديث في البخاري، وفي مسلم، وفي غيرهما، وجاء في صحيح البخاري مطولاً وفيه: أن واحداً منهم تكلم فيه بكلام، هو بريء منه، ودعا عليه سعد، فأجيبت دعوة سعد، وحصل له ذلك الذي دعا عليه به؛ لأنه ظالم، ولأن كلامه فيه كلام باطل، والله تعالى عاقبه في الدنيا قبل الآخرة، بكلامه السيئ في سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    ولما شكوه طلبه عمر، فقدم إليه في المدينة، وأخبره بالذي حصل منهم، فأخبره بصلاته، وأنه يفعل كذا وكذا، وأن فعله هذا يقتدي فيه برسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان جواب عمر رضي الله عنه له: هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق، هنا جاء في بعض الروايات: الظن بك، وفي الروايات الأخرى أنه خاطبه بكنيته وقال: هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق، يعني: كونك تصلي بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنك تقتدي بصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن عمر رضي الله عنه وأرضاه عزله لما يخشى من الفتنة التي قد تحصل بينهم وبينه، لما حصل لهم من النفرة، فخشي أن يحصل بسبب إبقائه بين أظهرهم، مع قولهم فيه ما قالوا، ومع كونهم تكلموا فيه بما تكلموا فيه، فعزله عن إمرة الكوفة؛ درءاً للفتنة، ودرءاً للمفسدة، التي قد تحصل بسبب بقائه بينهم مع نفرة بعضهم منه، لكن عمر رضي الله عنه وأرضاه ما نسي أن ينوه بفضل سعد، وأن عزله إياه ما كان لأمر هو حاصل فيه يقتضي عزله، ولكنه إنما عزله خوفاً من أن يقع بينه وبينهم ما لا يحمد عقباه، بأن يعتدوا عليه، أو يحصل اعتداء من أحد عليه، فعزله.
    ولما طعن عمر رضي الله تعالى عنه، وعهد إلى ستة من أصحاب الشورى، تكون الإمارة فيهم، وتكون الخلافة في واحد منهم، خشي أن يرجع إلى هذه القصة أو يأتي ذكرها، يعني قصة كونه عزله عن الكوفة، فقال رضي الله عنه: إن أصابت الإمارة سعداً فذاك، وإلا فليستعن به من أمر منكم، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، يعني: أشار إلى أن عزله ما كان لعجز فيه، ولا خيانة منه، وإنما كان درءاً للفتنة التي قد تحصل بسبب ما جرى بين أهل الكوفة وبينه من الوحشة، فنوه بشأنه، وأبرأ ساحته، مما قد يظن أن هذا يقدح في كونه يستحق الولاية، وقد جعله عمر واحداً من الستة الذين تكون الخلافة فيهم، ويكون الأمر بينهم، ويختارون واحداً منهم لإمرة المسلمين، فقال هذه المقالة العظيمة التي نوه فيها بشأنه، وبين أنه لم يعزله عن عجز ولا خيانة.
    ومن المعلوم: أن العجز والخيانة هما الأسباب التي تقتضي عزل الإنسان الذي يولى، فالعاجز لا يستطيع أن يصرف الأمور، والخائن ما عنده أمانة، وقد جاء في القرآن: أن الأحق بالولاية، أو الأحق بمن يولى، وتسند إليه الأمور: من يكون قوياً أميناً، قد جاء عن إحدى ابنتي الرجل الصالح الذي صاهره موسى، قالت إحداهما: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ )[القصص:26]، فضد القوة والأمانة: العجز والخيانة، القوي ضده العاجز، والأمين ضده الخائن، وكذلك العفريت الذي قال لسليمان إنه يأتي بعرش بلقيس، وقال: إني عليه لقوي أمين، القوة ضدها العجز، والأمانة ضدها الخيانة، فـعمر رضي الله عنه وأرضاه، بين أن السبب في العزل، ليس عجزاً ولا خيانة، والتي لا يستحق أن يجعل أميراً؛ لأن العجز يترتب عليه انفلات الأمور، وضياعها، والفوضى، والخيانة يترتب عليها عدم الأمانة، وعدم إيقاع الأمور في مواقعها، ووضعها في مواضعها.

    فهذا هو ما جرى، أو هذا هو ما حصل من عمر رضي الله عنه في عزله، وأنه كان لسبب خوف الفتنة، مع كون سعد هو أهل، وقوي أمين، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وليس بعاجز ولا خائن، وهو من أهل الجنة، يمشي على الأرض والناس يعلمون أنه في الجنة، لكن كما يقول الشافعي: رضا الناس غاية لا تدرك، ولا يسلم أحد من الناس، حتى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قالوا فيه ما قالوا، ووصفوه بما وصفوه به، من كونه لا يحسن أن يصلي، مع أنه محسن في صلاته؛ لأنه متبع مقتد برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وإذاً: فـسعد رضي الله عنه، بين لـعمر بأنه كان يطيل في الأوليين، ويخفف في الأخيرتين، وأنه يقتدي في ذلك برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث سعد في تطويل الركعتين الأوليين وتخفيف الأخريين

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].وعمرو بن علي، هو: الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    يحيى بن سعيد، وهو: القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أرفع صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو عون].
    أبو عون، وهو: محمد بن عبيد الله بن سعيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه، والفلاس الذي مضى، أخرج له أصحاب الكتب الستة، لكن إسحاق بن راهويه، سبق أن مر بنا كثيراً أنه أخرج له الجماعة، إلا ابن ماجه، وهذا أيضاً كذلك أخرج له الجماعة إلا ابن ماجه.
    [سمعت جابر بن سمرة].
    وجابر بن سمرة بن جنادة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سعد بن أبي وقاص].
    عمر رضي الله عنه ليس من رواة الحديث، وإنما الحديث أسنده سعد بن أبي وقاص إلى رسول الله، ولكن سعداً رضي الله عنه ذكر هذا بمناسبة كلامه لـعمر، عندما اشتكاه أهل الكوفة إلى عمر، فقال هذه المقالة، وجابر بن سمرة ليس راوياً عن عمر، وإنما هو راو عن سعد بن أبي وقاص، فـسعد بن أبي وقاص، هو: الزهري، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذين بشرهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد سماهم، فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)، سرد هؤلاء العشرة في حديث واحد، وفي مجلس واحد، فاشتهروا بهذا الوصف، وليس معنى اشتهارهم بالعشرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما شهد بالجنة لأحد سواهم، بل شهد بالجنة لغيرهم، وجاء ذلك في أحاديث متعددة، مثل شهادته لـفاطمة بالجنة، وكذلك للحسن، والحسين، وشهادته لـثابت بن قيس بن شماس، وشهادته لـعكاشة بن محصن، وشهادته لـبلال، وغيرهم من الصحابة الذين جاء ذكرهم في أحاديث متعددة، كل واحد على حدة، وفي كل منها الشهادة لواحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنة، وذكر العشرة؛ لأنهم ذكروا في حديث واحد، لا لأن الشهادة بالجنة مقصورة عليهم، وأنه لا يشهد لأحد سواهم بالجنة، بل شهد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لغيرهم بالجنة، وجاء ذلك في أحاديث كثيرة ثابتة عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وليس لأحد أن يشهد بالجنة لأحد لم يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه يرجى للمحسن، ويخاف على المسيء، مذهب أهل السنة والجماعة: أنه يشهد بالجنة لمن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشهد بالنار لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار، وأما من لم يشهد له بجنة ولا نار، فإنه يسكت عنه، ويرجى لكل محسن أن يكون من أهل الجنة، ويخشى على كل مسيء أن يكون من أهل النار؛ لأن هذا غيب، ولا يعلم الغيب إلا عن طريق صاحب الغيب، عن طريق الوحي، والوحي إنما يأتي من الله، وحياً إلى رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    حديث سعد في تطويل الركعتين الأوليين وتخفيف الأخريين من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حماد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية أبو الحسن حدثنا أبي عن داود الطائي عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (وقع ناس من أهل الكوفة في سعد رضي الله عنه عند عمر رضي الله عنه، فقالوا: والله ما يحسن الصلاة، فقال: أما أنا فأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك)].أورد النسائي حديث جابر بن سمرة عن سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث الذي قبله، ودال على ما دل عليه من الركود في الركعتين الأوليين، والحذف، أي: التخفيف في الركعتين الأخيرتين، وأنه يقتدي في ذلك بصلاة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [أخبرنا حماد بن إسماعيل].
    هو حماد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وحماد سبق أن مر بنا ذكر أخ له وهو: محمد بن إسماعيل، هذا روى عنه النسائي عدة أحاديث فيما مضى، وأما حماد، فإنه لم يأت ذكره فيما مضى، وإنما جاء ذكر أخيه محمد بن إسماعيل في مواضع عديدة، يروي عنه النسائي وحده، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي، وسبق أن ذكرت أن لهم أخاً اسمه إبراهيم، وذاك ضال من أهل الضلال، قال عنه الذهبي في الميزان: إنه جهمي هالك، أي: خارج عن مذهب أهل السنة، بخلاف إسماعيل وابنيه: حماد، ومحمد، فإنهما من أهل السنة، وأما إبراهيم بن إسماعيل، فهو من الجهمية، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الفقه الشاذة، يقال: قال بها ابن علية، يراد به: إبراهيم بن علية الذي هو وصف بأنه جهمي هالك.
    [حدثنا أبي].
    حماد بن إسماعيل يروي عن أبيه إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود الطائي].
    داود الطائي، وهو داود بن نصير الطائي، وهو ثقة، فقيه، زاهد، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عبد الملك بن عمير].
    عبد الملك بن عمير، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن سمرة].
    جابر بن سمرة عن سعد بن أبي وقاص، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    قراءة سورتين في ركعة



    شرح حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قراءة سورتين في ركعة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (إني لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشرين سورة في عشر ركعات، ثم أخذ بيد علقمة فدخل، ثم خرج إلينا علقمة فسألناه فأخبرنا بهن)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: قراءة سورتين في ركعة واحدة، يعني: يجمع في ركعة واحدة سورتين، هذه الترجمة، سبق أن مر بنا في فضل سورة قل هو الله أحد حديث يدل على هذا، وهو قصة الرجل الذي كان يقرأ، ثم يختم بقل هو الله أحد، يعني: أنه يقرأ مع الفاتحة غيرها، ثم يختم ذلك بقل هو الله أحد، ففيه دلالة على الجمع بين سورتين في ركعة؛ لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمرهم بأن يسألوه عن سبب فعله، وقال: (إنها مشتملة على صفة الرحمن، ويحب أن يقرأ بها، فقال: أخبروه بأن الله تعالى يحبه).
    فالحديث يدل على هذه الترجمة، وهي: كونه يقرأ في الركعة الواحدة سورتين، وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنت أعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي عشرون سورة في عشر ركعات)، يعني: أن كل ركعة فيها سورتان، يعني ما دام أنها عشرون سورة، وهي في عشر ركعات، فمعناه أنه يقرأ في كل ركعة واحدة سورتين، ففيه دلالة على قراءة سورتين في ركعة.
    والنظائر المقصود بها: التماثل، يعني في ما تشتمل عليه من الحكم، والقصص، والعبر، والعظات، وما إلى ذلك، وليس المقصود التساوي بالآيات، والتماثل بينها في الآيات، وإنما التماثل في المعنى، وفيما اشتملت عليه من القصص، والأحكام، وغير ذلك.
    ثم قال الراوي، وهو أبو وائل: إنه أخذ بيد علقمة، وخرج علقمة فذكرها لهم، يعني: تلك النظائر؛ لأنه ذكرها أولاً إجمالاً، ولم يذكرها لهم تفصيلاً، يعني تلك العشرين سورة في عشر ركعات، فأخبر بها علقمة بن قيس النخعي، وقد جاءت في بعض الروايات عند أبي داود، أي: ذكر هذه النظائر المتشابهات، فكل سورتين في ركعة واحدة.
    الحاصل: حديث عبد الله بن مسعود يدل على الترجمة، وهو أنها عشرون سورة في عشر ركعات، أي: في كل ركعة سورتان.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم، وهو: ابن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا عيسى بن يونس].
    عيسى بن يونس، وهو ابن أبي إسحاق، يعني جده أبو إسحاق السبيعي، وهو: أخو إسرائيل بن يونس، وهو ثقة، مأمون، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    الأعمش، وهو: سليمان بن مهران الكاهلي، لقبه الأعمش، يأتي ذكره باللقب، ويأتي ذكره بالاسم، وكما ذكرت مراراً: هذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو: معرفة ألقاب المحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين: إذا ذكر باسمه في موضع، وبلقبه في موضع آخر، فإن من لا يعرف، يظن أنهما شخصان، مع أنهما شخص واحد، وسليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شقيق].
    وهو شقيق بن سلمة أبو وائل الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    وهو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم،رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت أبا وائل يقول: (قال رجل عند عبد الله رضي الله عنه: قرأت المفصل في ركعة، قال: هذاً كهذِّ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين سورتين في ركعة)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، وذكر سبب هذا الكلام الذي قاله، وهو: أن رجلاً جاء إليه وقال: إنه قرأ المفصل في ركعة، قرأ المفصل، وهو أربعة أجزاء من القرآن في ركعة واحدة، فــعبد الله قال: أهذاً كهذ الشعر، يعني: سرعة، يسرع في قراءته، كما كان معروفاً عندهم الإسراع في قراءة الشعر، وهذه، والإسراع به، قال: أهذاً كهذ الشعر؟
    ثم أرشد إلى النظائر التي كان يعلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يقرن بينهما في ركعة، يعني: يأتي بسورتين في ركعة، ما كان يأتي بحزب المفصل كله من أول ق إلى آخر القرآن، هذا هو المفصل، من أول ق أو من أول الحجرات؛ لأن المفصل يبدأ إما بـ (ق)، وإما بالحجرات، كما سبق أن ذكرت ذلك في درس سابق، وأنهم يجعلون القرآن سبعة أحزاب، ويقرءون في كل ليلة أو يوم حزباً، الذي هو سبع القرآن، فالسبع الآخر أو الحزب الآخر الذي هو السابع، والذي يتضمن بعض الذارايات.
    فقال: لقد عرفت النظائر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الواحدة سورتين، يعني شبيه بعضهما إلى بعض، وما كان يفعل مثل هذا الفعل الذي ذكره، يعني كونه قرأ المفصل في ركعة، ومن المعلوم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وهي تزيد على أربعة أجزاء، وإذا استكمل آل عمران، فمعناه أنها خمسة أجزاء وزيادة، لكن هنا لما قال: إني أقرأ المفصل في ركعة، قال: هذاً كهذ الشعر، ثم أرشده إلى النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينها في ركعة.
    والحاصل: أن الحديث دال على ما دل عليه الذي قبله من قراءة سورتين في ركعة.
    وهذا الذي أنكره عبد الله بن مسعود، هو السرعة، يعني أنكر السرعة الشديدة التي فيها الهذ، وأما القراءة بترتيل، وبتأمل، وبتدبر، فهذا هو الذي ينبغي، وهذا هو المطلوب، وهذا هو الأفضل، لكن لو قرأ الإنسان بغير ترتيل، وبغير تمهل، ولكنه لم يسرع سرعة مفرطة، فإن ذلك سائغ؛ لأن الحافظ ابن حجر ذكر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث في صحيح البخاري: أنه لا خلاف بين العلماء بأنه يجوز قراءة القرآن من غير تدبر، ومن غير تمهل، وإن كان التدبر، والقراءة بالتدبر أفضل وأولى، هكذا قال الحافظ ابن حجر.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود]. إسماعيل بن مسعود، وهو أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره آنفاً.
    [عن عمرو بن مرة].
    عمرو بن مرة المرادي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا وائل].
    أبو وائل هو شقيق بن سلمة، الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهذا من أنواع علوم الحديث: معرفة كنى المحدثين، وفائدة ذلك: ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الحديث واحد، جاء فيه بإسناد ذكر شقيق باسمه، وجاء بإسناد آخر بكنيته، والذي ما يعرف أن شقيق بن سلمة، كنيته أبو وائل، يظن أن شقيقاً شخص، وأبو وائل شخص آخر، والحديث واحد، وهو ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عبد الله بن مسعود].
    وعبد الله بن مسعود مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا إسرائيل عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه وأتاه رجل فقال: (إني قرأت الليلة المفصل في ركعة، فقال: هذاً كهذ الشعر، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر عشرين سورة من المفصل من آل حم)].أورد النسائي هذا الحديث، وهو: حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله من الإنكار على السرعة المفرطة التي قال عنها: هذاً كهذ الشعر، وقال: إنه عرف النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينها، فذكر عشرين سورة في عشر ركعات، قال: من المفصل من آل حم، وفي بعض النسخ: من المفصل ومن آل حم، وهذا هو المناسب؛ لأن (آل حم) ليست من المفصل؛ لأن المفصل يبدأ بـ (ق)، والسور المبدوءة (بحم) ليست من المفصل، بل المفصل إما يبدأ بـ(ق) أو بالحجرات، إما الحجرات يبدأ بها، أو يبدأ بـ(ق).
    وإذاً: فالرواية التي فيها: (ومن آل حم) المناسب أنها عطف على المفصل، فليس (آل حم) من المفصل، وإنما كان يقرن بين السور من المفصل، ومن (آل حم)، يعني ومن السور التي تبدأ بحم.
    والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله من الجمع بين سورتين في ركعة واحدة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في النظائر التي كان يقرأ بهن النبي من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور، هو النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الله بن رجاء].
    عبد الله بن رجاء، وهو الغداني البصري، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا إسرائيل].
    إسرائيل، وهو ابن يونس بن أبي إسحاق، هو أخو عيسى بن يونس، الذي مر ذكره قريباً، يعني إسرائيل بن يونس، وعيسى بن يونس الذي مر ذكره آنفاً، هؤلاء أخوان، وجدهما أبو إسحاق السبيعي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حصين].
    أبو حصين، وهي كنية صاحبها: عثمان بن عاصم، وهو ثقة، ثبت، سني، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن وثاب].
    يحيى بن وثاب، وهو ثقة، أخرج له الجماعة إلا أبو داود.
    [عن مسروق].
    وهو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    عبد الله بن مسعود، وقد مر ذكره.

    الأسئلة



    القصر لمن يأتي المدينة زائراً ويمكث فيها

    السؤال: عن العمار أو المعتمرون عندما يأتون المدينة ويمكثون فيها هل يقصرون؟
    الجواب: إذا كانوا عند دخولهم المدينة، عندهم نية في البقاء أكثر من أربعة أيام، فإنهم يتمون ولا يقصرون؛ لأن حكمهم حكم المقيمين.

    الجماعة في النافلة والخروج لأدائها في الصحراء


    السؤال: هناك شباب يخرجون خارج المدينة لقصد صلاة النافلة جماعة، يقول السائل: ولما سألتهم عن ذلك قالوا: هناك حديث يدل على فعلنا هذا، ويزعمون أن الصلاة -أي: النافلة- بخمسين صلاة، فما حكم فعلهم هذا؟ وهل هناك حديث ورد في الخروج لصلاة النافلة في الصحراء؟

    الجواب: أولاً: الخروج من أجل أن الناس يصلون جماعة نافلة ماله وجه أصلاً؛ لأن النوافل كما هو معلوم، كل يصلي وحده، ويصلي ما أمكنه، وتجوز صلاة النافلة جماعة، كما جاءت بذلك السنة، لكن الخروج للصحراء، من أجل أن الناس يصلون نافلة، ما أعلم لهذا دليلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث: أن الصلاة في الفلاة أو كذا لها أجر، لكن لو ثبت ما يدل على أن الناس يخرجون، فيحمل على ما إذا كانوا في سفر، أو مثلاً سنحت الفرصة، أما أن يخرجوا لهذا الغرض، وأن يكون خروجهم لهذه المهمة، فلا يظهر أن هذا عمل صحيح، والحديث الذي ورد، إن كان صحيحاً -لا أدري عن صحته- لا يعني أن الناس يخرجون ليصلوا، وإنما من عرض له ذلك، أو حصل له ذلك، أما كون الجماعة يذهبون من أجل أن يصلوا فلا.
    الشهادة بالجنة لغير من شهد له رسول الله
    السؤال: إذا كان لا يُشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم كما علمنا، فكيف نوجه هذا الحديث يقول: (من رأيتم يعتاد في المسجد فاشهدوا له بالإيمان)؟

    الجواب: الحديث هذا فيه كلام، لكن لا شك أنه دلالة على الإيمان، وأن الإنسان متصف بهذه الصفات، لكن كما هو معلوم، كونه يقال عن فلان: إنه مؤمن، أو يقال عنه: إنه مسلم، ليس فيه شهادة بالجنة، هذا شيء، وهذا شيء، الشهادة بالجنة معناه: معرفة أن الخاتمة تكون حسنة، وأنه يختم له بأن يكون من أهل الجنة، هذا معنى كونه من أهل الجنة، لكن كونه مسلماً، أو كونه مؤمناً، يمكن والعياذ بالله أن يرتد ويموت على حالة سيئة، والذي يعرف بأنه كافر، أو فاسق، يمكن أن يهتدي، ويوفق في نهاية أمره، ويختم له بخاتمة حسنة، لكن إذا قيل: فلان في الجنة، فمعناه أنه نهايته معروفة، وهذه النهاية ما تعرف طبعاً إلا عن طريق الوحي، وذلك بالثبوت عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

    فالحديث أولاً: ليس ثابتاً: (فاشهدوا له بالإيمان)، وإن كان وصف الإيمان يوصف به فئات من المسلمين، لأعمال يقومون بها، لكن ليست الشهادة بالإيمان، أو الشهادة بالإسلام، شهادة بالجنة، وإنما شهادة بما رأوه وشاهدوه وعاينوه، لكن النهاية علمها عند الله عز وجل، قد يدرك الإنسان خذلان والعياذ بالله، فيرتد في آخر أمره، ويموت على الردة، وقد يكون الإنسان من أخبث الناس، ومن أسوأ الناس، ولكن الله عز وجل يمن عليه، ويهديه في آخر عمره، وينتهي على خير.
    فالحديث هذا أولاً غير صحيح، والأمر الثاني: هذا غير ما أشرنا إليه، من أنه لا يشهد لأحد بالجنة، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بها.

    مراعاة الإمام أحوال المأمومين
    السؤال: هل على الإمام أن يراعي أحوال المأمومين، بحيث يخفف الصلاة، أم عليه أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم فيطيل الصلاة؟

    الجواب: عليه أن يراعي أحوال المأمومين، وإذا كان فيهم أحد يعلم بالمشقة عليه، فإنه يراعي حاله، ولكن الإطالة تكون فيما إذا أمن الإضرار بأحد، وكان يعلم من حالة الناس رغبتهم في التطويل، وكونه لا يترتب على ذلك مشقة على أحد منهم، أما إذا كان يشق على أحد منهم، ويعلم أن فيهم وراءه من يشق عليه الطول الكثير، فإنه كما هو معلوم يراعي الإنسان حال المأمومين.


    الفرق بين الطهر والتطهر في آية الحيض

    السؤال: ما معنى قوله تعالى: (حَتَّى يَطْهُرْنَ )[البقرة:222]، وقوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ )[البقرة:222]، هل المعنى هو الطهر من الحيض، أم الاغتسال منه؟

    الجواب: الطهر والتطهر، الطهر هو الطهر من الحيض، انقطاع الحيض، والتطهر هو الاغتسال، (حَتَّى يَطْهُرْنَ )[البقرة:222]، يعني: يطهرن من الحيض، يعني: يوقف الحيض وينتهي، والتطهر هو الاغتسال.


    توضؤ المستحاضة لكل صلاة

    السؤال: هل على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة وجوباً أم ندباً؟

    الجواب: لا، يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة؛ لأن الحدث دائم معها، فعليها أن تتوضأ لكل صلاة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #192
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (189)

    دلّت السُنة على جواز قراءة بعض السورة في الركعة، كما دلّت على جواز أن يتعوذ المصلي بالله إذا مر بآية عذاب، وسؤاله من فضله إذا مر بآية رحمة، وإن كان البعض قد خص ذلك بصلاة الليل، كما دلّت كذلك على جواز ترديد الآية في الركعة الواحدة.
    قراءة بعض السورة





    شرح حديث عبد الله بن السائب في قراءة النبي بعض السورة ثم ركوعه حين أخذته سعلة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قراءة بعض السورة.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج أخبرني محمد بن عباد حديثاً رفعه إلى ابن سفيان عن عبد الله بن السائب قال: (حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فصلى في قبل الكعبة، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، فافتتح بسورة المؤمنون، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى عليهما السلام أخذته سعلة فركع)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب قراءة بعض السورة في ركعة، هذه الترجمة المراد بها واضح، وهو: أنه ما تقدم من قراءة سور، أو من قراءة سورة في ركعة، أو سورتين في ركعة، فإنه كذلك لا بأس بقراءة بعض السورة في ركعة، وسبق أن مر بنا الحديث الذي فيه قراءة (المص)، وكون النبي صلى الله عليه وسلم قرأها في المغرب في ركعتين، فرقها بين الركعتين، ففيه قراءة بعض السورة في ركعة؛ لأن هذه سورة الطويلة، قسمها النبي عليه الصلاة والسلام بين ركعتي صلاة المغرب، فهو دال على الترجمة من جهة أن الركعة الواحدة قرأ فيها بعض السورة، والركعة الثانية قرأ فيها بقيتها، فالترجمة وهي: قراءة بعض السورة في ركعة، يدل عليه ذلك الحديث، وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الأعراف في ركعتين، قسمها في ركعتين.
    وأورد النسائي، حديث عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حضر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقرأ سورة (المؤمنون)، فلما وصل إلى قصة موسى أو عيسى، أخذته سعلة فركع، يعني: كحة، فأصابه سعال فركع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقرأ في ركعة بعض السورة، لكن قد يقال: إن هذا له سبب، وهو: أنه إنما وقف عند بعضها، أو: إنما قرأ بعضها لما حصل له ذلك العارض، وهو السعال الذي حصل له، فركع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن الحديث يدل عليه في الجملة، ويدل عليه أيضاً بوضوح الحديث الذي أشرت إليه، وهو حديث قراءة النبي عليه الصلاة والسلام سورة الأعراف، قسمها في ركعتين في صلاة المغرب.

    تراجم رجال إسناد حديث عبدالله بن السائب في قراءة النبي بعض السورة ثم ركوعه حين أخذته سعلة

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وجاء في بعض النسخ: محمد بن علي، وفي بعضها: محمد بن عبد الأعلى، وهذا هو الذي ذكره المزي في تحفة الأشراف، والغالب أيضاً على هذا الإسناد أنه يتكرر عند النسائي، وهو: محمد بن عبد الأعلى عن خالد عن شعبة، هذا الإسناد يتكرر في سنن النسائي كثيراً.
    وهنا عن ابن جريج، لكن الرواية عن خالد كثيرة، ولا أدري هل مر بنا أو لم يمر بنا، كون محمد بن عبد الأعلى يروي عن غير خالد، كل الذي أذكره من كل ما مر بنا، أن محمد بن عبد الأعلى إذا جاء، فهو يروي عن خالد بن الحارث، لا أتذكر الآن أنه مر بنا أن محمد بن عبد الأعلى، يروي عن غير خالد بن الحارث البصري.
    و محمد بن عبد الأعلى ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن جريج].
    وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن عباد].
    هو محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سفيان].
    وهو عبد الله بن سفيان أبو سلمة المخزومي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري ولا الترمذي.
    [عن عبد الله بن السائب].
    وهو صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    وهو مخزومي، عبد الله بن السائب المخزومي؛ أي ثلاثة مخزوميون، يروي بعضهم عن بعض، محمد بن عباد، وعبد الله بن سفيان، وعبد الله بن السا




    تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب


    شرح حديث حذيفة في تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن وابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ، فكان إذا مر بآية عذاب، وقف وتعوذ، وإذا مر بآية رحمة، وقف فدعا، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التعوذ إذا مر بآية عذاب، أي: التعوذ بالله من النار، أي: سأل الله عز وجل أن يعيذه من النار.
    وأورد النسائي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنه صلى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فكان إذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ، وإذا مر بآية رحمة وقف فدعا.
    ومحل الشاهد منه للترجمة هو الفقرة الأولى: أنه إذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ، يعني وقف في القراءة، وتعوذ بالله من النار، وإذا مر بآية رحمة وقف ودعا، يعني: سأل الله عز وجل من رحمته وفضله.
    وأيضاً الحديث فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وهذا الذكر يذكر في هذين الموضعين من مواضع الصلاة، يعني في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وجاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم).
    قوله: (فعظموا فيه الرب) أي: سبحان ربي العظيم، فيه تعظيم لله سبحانه وتعالى، لكن يمكن أن يدعو في ركوعه، كما جاء في الحديث أنه كان يقول في ركوعه: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) فإن (اللهم اغفر لي) دعاء، وكان يقول في سجوده أيضاً: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، والسجود هو موطن الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) لكن أيضاً يمكن أن يسبح الله فيه، وأن يعظم الله فيه؛ لأن قوله: (سبحان ربي الأعلى) هو تعظيم لله عز وجل، وتسبيح وثناء، لكن الركوع يعظم فيه الرب، ويكون موطن التعظيم غالباً، ولا مانع من الدعاء، والسجود موطن الدعاء، ولا مانع من التعظيم، والثناء على الله عز وجل، فإن قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) في الركوع وفي السجود يدل على هذا؛ لأن (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) فيها دعاء، وهو: (اللهم اغفر لي)، وإذا أتى بها في السجود، ففيها ثناء على الله عز وجل، وهو قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك).

    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة في تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، وهو: الملقب بندار البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [حدثنا يحيى وعبد الرحمن وابن أبي عدي].
    يحيى، وهو: ابن سعيد القطان، محدث، ناقد، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [وعبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي وهو ثقة، ناقد، عارف بالرجال والعلل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [و ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهؤلاء الثلاثة، في طبقة واحدة، كلهم شيوخ لـمحمد بن بشار، يروي عنهم هذا الحديث.
    [عن شعبة].
    هؤلاء الثلاثة يروون عن شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي: من أعلى صيغ التعديل، والتوثيق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    سليمان وهو: الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي، يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره كثيراً بلقبه الأعمش، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن عبيدة].
    وهو سعد بن عبيدة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن المستورد بن الأحنف].
    المستورد بن الأحنف، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن صلة بن زفر].
    صلة بن زفر، وهو ثقة، جليل، تابعي كبير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة].
    وهو حذيفة بن اليمان، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.





    مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة



    شرح حديث حذيفة في مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة.أخبرنا محمد بن آدم عن حفص بن غياث عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن طلحة بن يزيد عن حذيفة والأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة؛ لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استجار)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة، يعني: كون القارئ يسأل الله عز وجل من رحمته وفضله، وهي مثل الترجمة السابقة، إلا أن الترجمة السابقة تعوذ، وهذه سؤال ودعاء.
    والحديث الذي مر يدل على هذه الترجمة، لكن النسائي رحمه الله أورد الحديث من طريق أخرى؛ للاستدلال به على المسألة عند المرور بآية رحمة.
    وأورد فيه حديث حذيفة من طريق أخرى: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية رحمة إلا سأل ودعا، ولا بآية عذاب إلا استجار) يعني: طلب من الله أن يجيره، وأن يعيذه من النار، ومن العذاب.
    ثم الحديث الذي مر، فيه أن ذلك كان في صلاة الليل، وأنه صلى إلى جنبه، يعني: أنه مأموم، ليس معه غيره، يفهم منه: أنه كان معه وحده؛ لأنه صلى إلى جنبه، وهذا موقف المأموم مع الإمام.

    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة في مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة

    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].محمد بن آدم، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن حفص بن غياث].
    وحفص بن غياث، وهو ثقة، فقيه، تغير قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن العلاء بن المسيب].
    العلاء بن المسيب، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
    [عن عمرو بن مرة].
    عمرو بن مرة المرادي الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طلحة بن يزيد].
    وطلحة بن يزيد، قال عنه في التقريب: وثقه النسائي، وخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن حذيفة].
    هنا أسند الحديث عن طلحة عن حذيفة، لكن لكون طلحة لم يسمع من حذيفة، وحديثه مرسل، أعقبه بالإسناد الآخر الذي سبق أن مر من طريق أخرى عن طريق الأعمش، هنا قال: عن الأعمش، وهو نفس الإسناد الآخر، من سليمان إلى آخر الإسناد، فهو متصل، وهذه الطريق التي هي طلحة بن يزيد عن حذيفة مرسل، يعني فيه انقطاع، لكن ضم هذا الإسناد إليه؛ ليبين أنه متصل من غير هذه الطريق، فهذه الطريق فيها إرسال، والطريق الأخرى فيها اتصال، وهو نفس الحديث الذي مر قبل هذا، والنسائي أشار إليه في موضع آخر من السنن، وهو رقم: (ألف وستمائة وأربعة وستين)، وقال فيه: قال أبو عبد الرحمن: هو مرسل؛ لأن طلحة بن يزيدلم يسمع من حذيفة شيئاً، فلعلَّ هذا هو السبب الذي جعله هنا يأتي بالإسناد الثاني الذي فيه: أن صلة بن زفر يروي عن حذيفة.
    والإسناد الآخر الأعمش ومن فوقه مر ذكرهم في الإسناد السابق.





    ترديد الآية



    شرح حديث: (قام النبي حتى أصبح بآية: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترديد الآية.أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا قدامة بن عبد الله حدثتني جسرة بنت دجاجة سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول: (قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح بآية، والآية: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[المائدة:118])].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترديد الآية، يعني ترديدها للتفكر، والاعتبار، والاتعاظ، وتأمل معانيها، هذا هو المقصود بالترديد؛ لأنه فيه تأمل، وفيه اعتبار، وفيه خشوع، وخضوع لله سبحانه وتعالى، عندما يردد الآية التي يكون فيها ثناء على الله عز وجل، وأن الأمر أمره، وكل شيء بفضله، وكل ما يحصل فهو بعدله، كل ثواب، وكل خير فهو بفضله وإحسانه، وكل ما يحصل بخلاف ذلك فهو بعدله سبحانه وتعالى.
    وقد أورد النسائي حديث أبي ذر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قام بآية حتى الصباح، يعني حتى الصباح يرددها، وهي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118].
    والحديث واضح الدلالة على الترجمة، من جهة الترديد، وتكثير الترديد، والمقصود من ذلك -كما هو معلوم- هو الاعتبار، والاتعاظ، والتأمل، والتفكر في معاني كتاب الله عز وجل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (قام النبي حتى أصبح بآية: (إن تعذبهم فإنهم عبادك ...) )

    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].ونوح بن حبيب ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن سعيد القطان].
    يحيى بن سعيد القطان، وقد مر ذكره قريباً، وهو المحدث، الناقد، البصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا قدامة].
    هو قدامة بن عبد الله، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وأخرج له النسائي، وابن ماجه.
    [حدثني جسرة].
    وهي جسرة بنت دجاجة العامرية، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، يعني نفس الذين خرجوا للراوي عنها، وهو قدامة بن عبد الله، وهو أيضاً عامري.
    [سمعت أبا ذر].
    أبو ذر رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: جندب بن جنادة، مشهور بكنيته، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    والحديث فيه اثنان مقبولان: رجل وامرأة، عامريان، والألباني ذكره في صحيح النسائي وقال عنه: حسن، ومن المعلوم بأن الذي يوصف بأنه مقبول، يعني أنه يحتج بحديثه ويعتضد، فلعله اعتضد بشيء آخر، يعني جعله من قبيل الحسن.





    الأسئلة



    حكم صلاة الضحى


    السؤال: عن حكم صلاة الضحى؛ هل يلزم المداومة عليها؟ وهل هي سنة واجبة أم مستحبة؟

    الجواب: من المعلوم أنها من آكد السنن، ومن الأشياء التي حث عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأوصى بها، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وجاء في صحيح مسلم، من حديث أبي الدرداء قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد) وجاءت الوصية فيها عن هذين الصحابيين: أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي) وأبو الدرداء قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم)، وكل منهما يقول بهذه الثلاث، فهي مما أوصى به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهي مستحبة.
    بل إنه قد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أنه لما قال: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، ثم قال: ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى) معناه: أن هذه الصدقة التي هي على أعضاء الإنسان، وعلى مفاصل الإنسان، ركعتان من الضحى يحصل بها أداء هذه الصدقة التي هي على أعضاء الإنسان، قال في الحديث: (ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى)، وجاء: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، وهي صلاة الضحى، جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل صلاة الضحى والحث عليها.

    الزيادة على المأثور في الدعاء بين السجدتين

    السؤال: المصلي إذا قال بين السجدتين: رب اغفر لي ولوالدي وارحمنا ونحو ذلك، هل فعله صحيح أم لا؟

    الجواب: المشروع أن الإنسان يأتي بالدعاء المشروع الوارد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا دعا مع ذلك فلا بأس؛ لأن هذا الموطن يطول فيه الجلوس، كما جاء في بعض الأحاديث، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه كان صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لما قام من الركوع، وقف حتى قلت في نفسي: قد نسي، ثم كذلك أيضاً لما قام من السجدة، بين السجدتين، جلس فأطال حتى قلت في نفسي: قد نسي، يعني: من طول جلوسه، لكن كونه يحرص على معرفة الوارد، ويأتي به، هذا هو الذي ينبغي، وإذا دعا لوالديه فلا بأس بذلك إن شاء الله.

    معنى قوله قام حتى أصبح بآية

    السؤال: ما المقصود من قوله: (قام حتى أصبح بآية)؟

    الجواب: يعني: حتى قام الصباح، معناه أنه طول الليل وهو يرددها.

    الترديد في الفريضة

    السؤال: هل يجوز الترديد في الفريضة؟

    الجواب: الترديد القليل يمكن؛ لأن الفريضة وكون الإنسان يصلي بالناس، مطلوب منه ألا يشق عليهم، فالترديد الخفيف الذي هو قليل لا بأس به، لكن الترديد الطويل الذي يترتب عليه مشقة، ما نعلم شيئاً يدل عليه، لكن إذا رددها مرة، أو مرتين، لا بأس بذلك إن شاء الله.

    قول النسائي والأعمش عن سعد

    السؤال: قول النسائي، والأعمش: عن سعد، هل هذا معلق أم ماذا حفظكم الله؟

    الجواب: ليس معلقاً، لكن الإسناد الثاني بدأ منه وانتهى إلى حذيفة من أجل الإسناد الأول المرسل.

    إطعام مسكين واحد كفارة إفطار شهر رمضان


    السؤال: من أفطر في رمضان لكبر السن؛ هل الإطعام للستين مسكيناً تكون لعددهم ستين، أم أنه يجوز له أن يعطيها لواحد؟الجواب: يطعم كل يوم مسكيناً، فتكون ثلاثين، ما تصير ستين، يعني المقصود أنه ليس بلازم أن يبحث عن ثلاثين مسكيناً، ويوزعها عليهم، بل لو أعطاها مثلاً لأهل بيت مكونين من عشرة، يطعمهم ثلاثة أيام، حصل المقصود بهذا؛ لأنه لا يشترط أن توزع على ثلاثين مسكيناً، وأنه لو أعطيت لعشرة مساكين لمدة ثلاثة أيام، أن ذلك لا يصح، لا، المقصود إطعام، وإذا أطعم مسكيناً ثلاثة أيام فقد صدق عليه أنه أطعم ثلاثة مساكين؛ لأن المقصود إطعام يوم.

    موضع سجود السهو لمن زاد سجدة في صلاته


    السؤال: إذا سجد الإمام ثلاث سجدات، فكيف يفعل بتلك الركعة؟ وما الحكم إذا كانت هي آخر ركعة؟

    الجواب: طبعاً هي زائدة، يعني إذا كان ما تنبه لها إلا بعد، فيسجد للسهو بعد السلام؛ لأنها زيادة في الصلاة، وسواء كانت في آخر ركعة، أو في أول ركعة، ما دام أنها زائدة، الزيادة هذه تلغى، والاثنتان هي التي حصل بها أداء الواجب، ولكنه لا بد من السجود للسهو، ويكون بعد السلام؛ لأنه زيادة.

    الفرق بين زيادة الثقة والشاذ

    السؤال: ما الفرق بين زيادة الثقة والشاذ، يقول: فهذا الأخير تفرد ثقة بما لم يروه الثقات؟

    الجواب: لا، أبداً؛ لأن الثقة إذا خالف الثقات صار حديثه شاذاً، لكن كونه يأتي بحديث، أو يتفرد بزيادة، فهذه مثل الحديث المستقل، لو جاء بإسناد عنه، وأتى بهذه الزيادة المستقلة، هي مثل الحديث المستقل، فهذا غير الشاذ، الشاذ أن يروي خلاف ما روى غيره، ولا بد من تقديم رواية غيره عليه، ذاك محفوظ وهذا شاذ، وإن كان ظاهره الصحة، وإن كان مستقيم من حيث الإسناد، لكن زيادة الثقة: أتى بما لم يأت به غيره، ما خالف غيره، بكونه أتى بشيء يخالفه، يعني أتى بما حفظ، وذاك حفظ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فهي مثل الحديث المستقل تماماً.
    مثال ذلك: الحديث الذي فيه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر والحر والعبد والصغير والكبير من المسلمين) كلمة (المسلمين) هذه زيادة ثقة؛ لأنها دلت على أن الكافر ما يزكى عنه: ما يخرج عنه زكاة فطر، فهي زيادة ثقة، فهي كما لو جاءت في حديث مستقل، لو جاء في إسناد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يخرج زكاة عن كافر، يعني هي بمثابة حديث مستقل، فالشذوذ: كونه يخالف غيره في الرواية، غيره يرويه على نحو، وهذا يرويه على نحو لا يمكن أن يوفق بينهما.
    وأنا سبق أن ذكرت مثال لهذا، أو أمثلة: حديث صلاة الكسوف، الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف مرة واحدة، وروى الثقات أن الركعة فيها ركوعان، بعض الثقات روى أن الركعة فيها ثلاثة ركوعات، وهي صلاة واحدة، كلهم يتحدثون عن صلاة واحدة، إذاً: هذا شاذ، وهذا محفوظ؛ لأن هذا روى خلاف ما رواه غيره، وإن كان الإسناد متصلاً، وإن كان الإسناد صحيحاً، ورجاله ثقات، وهذا في صحيح مسلم، يعني هذا الثلاثة ركوعات في ركعة واحدة، هذا في صحيح مسلم، لكنه من قبيل الشاذ؛ لأنه مخالف للثقات الذين رووا ركوعين.
    ومثل أيضاً الذي في صحيح مسلم: الحديث الذي فيه قصة السبعين الألف، الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، بعض الرواة في صحيح مسلم رووا: (لا يرقون)، بدل (يسترقون)، يرقون، طبعاً هذه شاذة؛ لأن الثقات رووا: يسترقون، وكلمة (يرقون)، يعني الرسول رقى، وهو سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام، لكنه ما استرقى، رقى وما استرقى، فإذاً: القضية قضية حديث واحد ثقات رووه يسترقون وهم كثيرون، وبعض الثقات رواه: يرقون، فيرقون شاذة، ويسترقون هي المحفوظة.

    الإسرار في الصلاة الجهرية

    السؤال: ما حكم من أسر في صلاة جهرية في الصلاة؟

    الجواب: تصح الصلاة، لكنه خلاف السنة، يعني لو جهر في سرية، أو أسر في جهرية، تصح الصلاة، لكن فيه مخالفة للسنة، وإذا حصل نسيان فإنه يسجد للسهو، إذا حصل منه ذلك نسياناً، فإنه يسجد للسهو.

    الجهر في إتمام الفائتة

    السؤال: عند إتمام الفائتة بالنسبة للفريضة، هل يجهر أو لا؟

    الجواب: إذا فاتته الركعات أو بعضها، بأن فاته ركعة واحدة، فإنه يجهر فيما يجهر فيه، بحيث لا يؤذي أحداً بجهره، أما إذا كان يترتب على جهره إيذاء، أو تشويش على أحد، فإنه لا يجهر، بل يسر، وأما إذا أدرك ركعتين، وبقي عليه ركعتان، فالركعتان الأخيرتان هي آخر صلاته، فلا يجهر بها، مثل صلاة الإمام، الركعتان الأوليان يجهر بها، والأخيرة يسر بها، وما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، فإذا كان أدرك ركعتين، فالركعتان التي أدركهما هما أول صلاته، والركعتان التي يقضيهما آخر صلاته، لكنه لو أدرك ركعة واحدة، فهذه الركعة التي هي الأولى من الثلاث التي يقضيها، طبعاً هي يجهر بها، فإذا كان لا يترتب على الجهر أذى، وتشويش على أحد، يجهر، وإذا كان يترتب عليه، فإنه يسر كما يكون في الركعتين الأخيرتين.

    تقليد مذهب أحد الأئمة الأربعة

    السؤال: هل للرجل أن يقلد مذهب أحد الأئمة الأربعة، أم عليه اتباع الحديث؟

    الجواب: الإنسان الذي يتمكن من معرفة الحق، عليه أن يأخذ بالدليل، وهذا هو مقتضى وصايا الأئمة الأربعة، وغيرهم من علماء أهل السنة الذين يرشدون إلى اتباع الدليل، وإلى اتباع السنة، متى ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن الإنسان الذي ما عنده أحد يبصره، ما عنده قدرة، ولا عنده أحد يبصره، يفتيه ويبين له كيف يعمل، فإنه يتعلم مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله تعالى به، وهذا هو الذي يمكنه أن يفعله، والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )[التغابن:16]، لكنه إذا تمكن من أن يجد أحداً يرجع إليه في بعض المسائل، أو يدله على أن الدليل هو كذا وكذا، وهو ممن يوثق بعلمه ودينه، فإنه يأخذ بما يفتيه به.


    ترتيب أدلة الشرع

    السؤال: ما هو ترتيب أدلة الشرع: الكتاب والسنة والإجماع والقياس؟

    الجواب: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، كلها من الأدلة التي تثبت بها الأحكام، والقياس قد جاء الكتاب والسنة بالإرشاد إليه، والأخذ به حيث لا يوجد الدليل، أما إذا وجد الدليل، فإنه لا قياس مع النص، النص مقدم على القياس، وإنما القياس يحتاج إليه حيث لا يوجد، ومن المعلوم أن الكتاب هو الأصل، ثم السنة، وكذلك الإجماع، والإجماع هو لا يكون إلا عن دليل من كتاب أو سنة، ومن العلماء من يقدم الإجماع، يعني ويقول: إن الإجماع لا يترتب عليه ما يحتمل النسخ؛ لأن الأمة إذا أجمعت على شيء، فهو لا يكون منسوخاً، لكن كما هو معلوم بعض الإجماعات لا تكون مسلَّمة، وقد يكون فيها خلاف، ومن العلماء من يدعي أنها مسألة إجماعية وفيها خلاف، ومن العلماء أيضاً من يكون له اصطلاح في الإجماع، فمخالفة الواحد للاثنين يحكيها إجماعاً مع أنه لا إجماع فيها، فأدلة الأحكام هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والقياس هو طبعاً: إلحاق فرع بأصل في حكم الأصل، وذلك إلحاق ما لم يرد في الكتاب والسنة بما ورد في الكتاب والسنة.

    استناد الإجماع إلى غير دليل

    السؤال: هل يمكن أن يكون هناك إجماع على أمر ما، وليس هناك دليل من كتاب ولا سنة؟

    الجواب: المعروف نعم، من العلماء من يقول: إن الإجماع قد ينعقد على غير دليل، والأمة لا تجتمع على ضلالة، لكن بعض العلماء يقول: إن الإجماع إذا وجد فهو مستند إلى نص، ولا يكون إجماع خالياً من نص، وذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن الإجماع لا يكون إلا مستنداً إلى نص، ثم بين -وذلك في رسالة له صغيرة اسمها: معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول- هذه المسألة في هذا الكتاب، وذكر الخلاف وقال: إن الصحيح أنه ما من مسألة أجمع عليها، إلا وفيها نص، ثم حكى عن ابن حزم في كتابه: مراتب الإجماع، قال: إنه ما من مسألة، أو لا أعلم مسألة أجمع عليها إلا ومستندها إلى نص، إلا القراض، قال: حاشا القراض، الذي هو المضاربة، ثم قال ابن تيمية: إن القراض أيضاً ثبت فيه النص، وهو أن هذه المعاملة كانت معلومة في الجاهلية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #193
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (190)


    قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)

    نبه الشرع الحكيم على التوسط في رفع الصوت بالقرآن الكريم وعدم الجهر به إلا إذا لم يكن هناك أذية للآخرين، ويستحب تزيين القرآن الكريم بالصوت الحسن، لأنه يزيده حسناً.

    قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)
    شرح حديث ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله عز وجل: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا )[الإسراء:110].أخبرنا أحمد بن منيع ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا: حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر جعفر بن أبي وحشية وهو ابن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: ((وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا )[الإسراء:110]، قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته. وقال ابن منيع: يجهر بالقرآن، وكان المشركون إذا سمعوا صوته سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ )[الإسراء:110]، أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، (وَلا تُخَافِتْ بِهَا )[الإسراء:110]، عن أصحابك فلا يسمعوا، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا )[الإسراء:110])].

    يقول النسائي رحمه الله: قول الله عز وجل: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا )[الإسراء:110]، المراد من هذه الترجمة بيان سبب نزول هذه الآية، والمراد بها أو تفسيرها وبيان معناها، وأورد فيه النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قول الله عز وجل: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا )[الإسراء:110]، قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة مختف، فكان إذا رفع صوته بالقراءة وهو يصلي بأصحابه سب المشركون القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، وإذا خافت به وأسر، فإن أصحابه لا يسمعون قراءته، فأمره الله عز وجل بالتوسط بين الرفع الذي يكون معه سماع الكفار، وما يترتب على ذلك من الأذى، وبين المخافتة والإخفاء الذي لا يسمعه أصحابه، وإنما يكون وسطاً بين هذا وهذا، فلا يحصل رفع الصوت بالقرآن؛ لئلا يسمعه الكفار، فيسبونه، ويسبون من أنزله، ومن جاء به، ولا تحصل المخافتة بحيث لا يسمعه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون قراءة متوسطة، فالصوت يكون خافتاً بحيث يسمعه من وراءه، ولا يسمعه الكفار فيترتب على ذلك ما يترتب من الأذى.

    ففي هذا الذي جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير هذه الآية، وبيان المراد منها، وبيان سبب نزولها، وفيه أن السنة تفسر القرآن، وتبينه، وتدل عليه؛ لأن سبب النزول، ومعرفة سبب النزول، يعين على فهم المعنى، وعلى معرفة المعنى.
    وإذاً: فالنهي عن الرفع بالصوت له سبب وله حكمة، والقراءة المتوسطة التي لا يكون معها إخفاء، أيضاً من ورائها فائدة، ويترتب عليها مصلحة، فأُمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبتغي بين ذلك سبيلاً، وهي أن يتخذ طريقاً وسطاً يحصل من ورائه فائدة أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من قراءة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يحصل الذي يُخشى من السب من المشركين للقرآن ومن أنزله ومن جاء به.
    وقوله: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ )[الإسراء:110]، المراد به كما جاء في الحديث: القراءة، يعني: لا يجهر بالقراءة في الصلاة، وإنما يكون الجهر بحيث يسمعه أصحابه، ولا يكون الجهر الرفيع العالي الذي يمكن أن يسمعه الكفار، فيسبون الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن، وفي الآية الكريمة دلالة على درء المفاسد، وأن رفع الصوت وإن كان به فائدة وهي مصلحة، فإنه يخفض الصوت بحيث لا يترتب على ذلك المفسدة التي تخشى من ورائه، ولكن الرفع يكون نسبياً بحيث يستفيد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يفوتهم سماع قراءة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ...)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن منيع].أحمد بن منيع، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ويعقوب بن إبراهيم الدورقي].
    وهو ثقة، حافظ، خرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشيم].
    هشيم هو: ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والتدليس هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، وأما الإرسال الخفي فهو: أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يلقه؛ لأن هذا سمي إرسالاً خفي؛ لأنه يوهم الاتصال؛ لأنه في زمانه، ويمكن أن يروي عنه، لكن لكونه لم يلقه، فإذا أسند إليه يكون مرسلاً، لكنه مرسل خفي.
    والمرسل الجلي هو: أن يروي إنسان عمن لم يدرك عصره، فإن هذا يكون الأمر واضحاً بأن فيه سقط، وفيه تجاوز وحذف، فهناك إرسال واضح وإرسال خفي، إرسال واضح هو أن يروي الراوي عمن لم يدرك عصره بأن يقول: قال فلان أو عن فلان، هذا هو الإرسال الواضح الجلي، والإرسال الخفي أن يروي عمن أدرك عصره ولم يلقه؛ لأن كونه معاصر له، يحتمل معه أن يكون قد سمعه، فيتوهم من يتوهم بأن فيه اتصال، لكن الذي يعلم بأنه ما حصل لقاء أصلاً، وإن وجدت له المعاصرة، فإنه يكون من قبيل الإرسال الخفي.
    [حدثنا أبو بشر جعفر بن أبي وحشية].
    أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وهو: ابن إياس، جعفر بن إياس الذي يقال له، أي: لأبيه: ابن أبي وحشية، فلما قال جعفر بن أبي وحشية، قال: وهو: ابن إياس، يعني أبوه إياس، وجعفر بن إياس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال عن جعفر هذا: إنه أثبت الناس في سعيد بن جبير.
    [عن سعيد بن جبير].
    سعيد بن جبير، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    ابن عباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، والذين أطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء الأربعة يقال لهم: العبادلة الأربعة في الصحابة، وفي الصحابة من يسمى عبد الله سواهم، مثل عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن قيس الأشعري أبو موسى الأشعري وغيرهم، لكن هؤلاء الأربعة هم الذين اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، وهو أيضاً أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    قوله: [وهو ابن إياس].
    هذه الذي ذكرها هو من دون هشيم بن بشير الذي روى عن جعفر بن أبي وحشية، يعني: من دون هشيم هو الذي زادها ليوضح أباه ويسمي أباه، فاحتاج إلى ذلك لما أراد أن يوضح من دون تلميذه وهو هشيم أتى بكلمة (هو) الدالة على أن هذه الزيادة، أو هذه الإضافة التي فيها توضيح ليست من تلميذ الراوي، ولكن ممن دون تلميذه الذي هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، أو أحمد بن منيع، أو النسائي، أو من دون النسائي.
    وفي الحديث الذي تقدم يعني النسائي رواه عن شيخين، لكن أحدهما زاد: يجهر بالقرآن أو يجهر به، وهو أحمد بن منيع ؛ لأن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ما أتى بهذه الزيادة التي هي قوله: (يجهر بالقرآن أو يجهر به)، وإنما هذه من لفظ شيخه الأول، من الشيخين اللذين أسند عنهما وهو أحمد بن منيع، يعني ذكر القدر المشترك، لكنه ذكر لفظاً زاده أحد الشيخين وهو أحمد بن منيع وهو قوله: (يجهر به، أو يجهر بالقرآن).
    شرح حديث ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن، وكان المشركون إذا سمعوا صوته سبوا القرآن ومن جاء به، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفض صوته بالقرآن ما كان يسمعه أصحابه، فأنزل الله عز وجل: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا )[الإسراء:110])].وهذه طريق أخرى لحديث ابن عباس فيها ما في التي قبلها، أنه لما كان يرفع صوته يسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن جاء به، فكان يخفضه خفضاً لا يسمعه أصحابه، فأمر بأن يتخذ طريقاً وسطاً، وهي أن يرفع صوته قليلاً بحيث يسمعه أصحابه الذين وراءه، ولا يسمعه المشركون.
    والحديث من أدلة سد الذرائع؛ لأنه لما كان رفع الصوت ذريعة ووسيلة إلى السب، جاء الأمر بخفضه خفضاً لا يسمع معه المشركون، ويسمع معه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو من أدلة سد الذرائع، وأدلة سد الذرائع كثيرة، قد جمع ابن القيم منها في كتابه إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً، أو مثالاً من الأمثلة التي تدل على سد الذرائع، وذكرها في ذلك الكتاب الذي هو كتاب إعلام الموقعين، وهو كتاب نفيس عظيم، عظيم القدر جليل الفائدة، الكتاب فيه الحِكم والأحكام، أحكام الشريعة وحكمها، وهو كتاب عظيم، مما اشتمل عليه أنه أورد تسعة وتسعين دليلاً على سد الذرائع.
    والحديث الذي معنا هو من الأحاديث الدالة على سد الذرائع؛ لأنه نهي أن يرفع الصوت؛ لأنه ذريعة إلى سماع الكفار له، وسبهم للقرآن ومن أنزله ومن جاء به.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].محمد بن قدامة، وهو: المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    الأعمش، وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره باللقب أحياناً كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم في بعض المواضع، وفائدة معرفة الألقاب ألا يظن الواحد شخصين بحيث يظن من لا يعرف أن سليمان شخص، وأن الأعمش شخص آخر، ومن عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران لم يلتبس عليه الأمر، وعلم أنهما شخص واحد وليسا شخصين، وحديث الأعمش أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [جعفر بن إياس].
    هو ابن أبي وحشية الذي تقدم، وكذلك جعفر بن إياس، وسعيد بن جبير، وابن عباس، مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    رفع الصوت بالقرآن
    شرح حديث أم هانئ: (كنت أسمع قراءة النبي وأنا على عريشي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع الصوت بالقرآن.
    أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن وكيع حدثنا مسعر عن أبي العلاء عن يحيى بن جعدة عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا على عريشي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: رفع الصوت بالقرآن، ورفع الصوت بالقرآن إذا لم يكن هناك أحد يتأذى به، فإنه يرفع الصوت به حيث لا يحصل أذى، أما إذا كان سيتأذى، بأن يكون الإنسان يقرأ في الليل، ويرفع صوته، ويشوش على الناس الآخرين، ويمنعهم من النوم، فلا يرفع الصوت بالقرآن.
    أورد النسائي هذه الترجمة التي فيها حصول رفع الصوت بالقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد تحتها حديث أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت: (كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي) معناه: أنها كانت تسمع قراءته، وذلك لا يتأتى إلا برفع صوته عليه الصلاة والسلام.
    والعريش قيل: هو ما يستظل به من ما يتخذ ليستظل به، ويقال: إن بيوت مكة كان فيها ما هو كذلك؛ لأنهم يتخذونها من الأعواد، فالمقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام رفع صوته، وأم هانئ سمعته وهي على عريشها في بيتها.

    تراجم رجال إسناد حديث أم هانئ: (كنت أسمع قراءة النبي وأنا على عريشي)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].
    يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن وكيع].
    وكيع، وهو: ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مسعر].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي العلاء].
    هو أبو العلاء هلال بن خباب العبدي، وهو صدوق، تغير حفظه بآخره، وأخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن يحيى بن جعدة].
    يحيى بن جعدة المخزومي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما أخرج له في كتابه الشمائل، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أم هانئ].
    أم هانئ وهي بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وهي صحابية، روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، وقيل: اسمها فاختة، وقيل: اسمها هند، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    مد الصوت بالقراءة
    شرح حديث أنس في قراءة النبي: (كان يمد صوته مداً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مد الصوت بالقراءة.
    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا جرير بن حازم عن قتادة قال: (سألت أنساً رضي الله عنه كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يمد صوته مداً)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مد الصوت بالقراءة. المقصود من ذلك هو مد الحروف والكلمات التي تحتاج إلى مد، وإطالة؛ لأن الأول يتعلق برفع الصوت، وكونه يسمع من مكان بعيد، وأما هذا فيتعلق بالمد والترتيل، يعني: مد ما يحتاج إلى مد، وترتيل القراءة.
    وأورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد صوته مداً، يعني: يمد صوته بالقراءة مداً، بأن يمد في المواضع التي يمد بها، أو يحتاج فيها إلى مد.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس في قراءة النبي: (كان يمد صوته مداً)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
    عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكره في الكلام على الرجال بـالفلاس، قال الفلاس كذا، ضعفه الفلاس، وثقه الفلاس، قال فيه الفلاس كذا، يأتي ذكره كثيراً بلقب الفلاس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، عالم بالرجال والعلل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا جرير بن حازم].
    جرير بن حازم، وهو ثقة، وفي حديثه عن قتادة ضعف، وهو هنا يروي عن قتادة، لكن الحديث في صحيح البخاري وفي غيره بهذا الإسناد، ومن رواية جرير بن حازم عن قتادة عن أنس بن مالك الذي هو هذا اللفظ لفظ هذا الحديث، وجرير بن حازم أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أنس بن مالك]. رضي الله عنه.
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تزيين القرآن بالصوت
    شرح حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تزيين القرآن بالصوت.أخبرنا علي بن حجر حدثنا جرير عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تزيين القرآن بالصوت، والمراد بذلك: تزيين القراءة بصوت القارئ، يعني بحيث يقرأ القرآن بصوت فيه تأثير على السامعين؛ لما يكون فيه من الاعتبار والاتعاظ، وإظهار الحروف، وكون القراءة يكون فيها حسن، وذلك بعناية القارئ، وإخراج الحروف، ومد ما يحتاج إلى مد، هذا هو المراد بالتزيين، يعني: التزيين هو التحسين، ومن المعلوم أن القارئ الذي حسن الصوت بالقرآن له تأثير على من يسمعه، والناس يتفاوتون في القراءة، فمن الناس من يقرأ القرآن ولا يكون لسامعه التأثر الذي يكون له مما لو سمعه من شخص آخر، يكون حسن الصوت بالقرآن.
    فالمراد بالترجمة تزيين القراءة بالصوت، القارئ الذي يقرأ القرآن يحسن صوته بالقراءة، ومن العلماء من قال: إن القرآن يراد به القرآن، والمراد بذلك أن الكلام الحسن إذا قرئ بصوت حسن، يكون له وقع غير الوقع الذي لو تلي بقراءة أخرى وبصوت آخر لا يحصل، لكن الأظهر فيه أن المراد بذلك تزيين القراءة؛ لأن هذا هو عمل الإنسان، عمل الإنسان أنه يزين فعله وقراءته، هذا هو الذي يفعله الإنسان ويمكن للإنسان، ولهذا البخاري رحمه الله أورد هذا الحديث في خلق أفعال العباد للاستدلال به على أن القراءة هي فعل القارئ، وأن توصف بالحسن، وتوصف بغيرها بالنسبة للصوت، وأنه منهم من يكون حسن الصوت، ومنهم من لا يكون، وأنه يتعلق بفعل الإنسان وهو التزيين: تزيين القراءة بالصوت الحسن، والإجادة في القراءة، أورد هذا الحديث في كتابه خلق أفعال العباد؛ للاستدلال به على أن قراءة الإنسان من فعله، وأنها من كسبه، وأنها تكون حسنة، وتكون القراءة غير حسنة، في حالة عدم الإجادة به، يعني في القراءة.
    فإذاً: قوله: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني: زينوا القراءة، والقرآن يأتي ويراد به القراءة في مواضع كثيرة، ومنها قول الله عز وجل: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ )[الإسراء:78]، يعني: قراءة الفجر، (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ )[القيامة:17]، أي: قراءته، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ )[القيامة:18]، أي: اتبع قراءته، فإن المراد بالقرآن هنا القراءة، فالقرآن يأتي ويراد به كلام الله عز وجل، ويأتي ويراد به قراءة كلام الله عز وجل، وهنا: (زينوا القرآن) يعني: زينوا قراءة كلام الله عز وجل بأصواتكم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم)
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].علي بن حجر، وهو: ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا جرير].
    جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو متأخر قليلاً عن جرير بن حازم؛ لأن جرير بن حازم مرة النسائي يروي عنه بواسطتين، وهنا يروي عنه بواسطة، وكثيراً ما يروي عنه بواسطة جرير بن عبد الحميد، وأما جرير بن حازم فهو يروي عنه بواسطتين.
    [عن الأعمش].
    الأعمش، مر ذكره.
    [عن طلحة بن مصرف].
    طلحة بن مصرف، وهو الكوفي، وهو ثقة، قارئ، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الرحمن بن عوسجة].
    عبد الرحمن بن عوسجة، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن البراء].
    البراء بن عازب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثني طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم). قال ابن عوسجة: كنت نسيت هذه (زينوا القرآن) حتى ذكرنيه الضحاك بن مزاحم].أورد النسائي هذا الحديث من طريق أخرى إلى البراء بن عازب رضي الله عنه: (زينوا القرآن بأصواتكم)، وفيه قول ابن عوسجة في هذا الإسناد عبد الرحمن بن عوسجة: كنت نسيت هذه اللفظة وهي: (زينوا القرآن) حتى ذكرنيها الضحاك بن مزاحم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي، هو: الفلاس، وقد مر ذكره قريباً.

    [حدثنا يحيى].
    يحيى بن سعيد القطان، وقد مر ذكره.
    يحيى بن سعيد القطان، ثقة، ناقد، ممن كلامه في الرجال كثير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، أمير المؤمنين في الحديث كما وصفه بذلك بعض أهل العلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني طلحة عن عبد الرحمن عن البراء].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة

    التعوذ وسؤال الرحمة في الآيات مستحب وليس بواجب
    السؤال: هذا السائل يقول: هل التعوذ بآية العذاب، أو السؤال بآية الرحمة أمر واجب أم مستحب؟
    الجواب: ليس بواجب، وإنما هو مستحب وسائغ، إذا فعله الإنسان لا بأس، وإذا ما فعله فما عليه شيء، وهذا إنما هو في النوافل.

    معنى قول النسائي: (وقال ابن منيع)
    السؤال: هذا السائل يقول: قول النسائي رحمه الله: وقال ابن منيع: يجهر بالقرآن، هل هو من زيادة الثقة أو الثقات؟
    الجواب: هو بدل ما يأتي بإسناد أحمد بن منيع على حده، ويأتي بلفظه، ثم يأتي بإسناد يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثم يأتي بلفظه، جمعهما، لكن لما كان أحدهما زاد شيئاً، ذكر هذا الذي انفرد به يحيى، وذكر ما انفرد به ابن منيع؛ لأنه لو قال: يجهر به وسكت وما قال من الذي قالها لفهم أنه يعني للاثنين أحمد بن منيع والدورقي، وإن كان الذي قال ليس بلازم؛ لأنه أحياناً يسوقه عن شيخين ويكون عن أحدهما، يكون اللفظ عن أحدهما، والآخر بالمعنى، لكنه هنا فيه ضعف، وهو أن أحمد بن منيع انفرد بهذه اللفظة التي هي (يجهر به)، وكان يرفع صوته بالقرآن، أي: بمعنى يجهر به؛ لأن رفع الصوت هو: الجهر، أي: ما فيه معنى جديد، إلا أن فيه زيادة لفظ يوضح، أو أنها بدل يرفع صوته، فقوله: (يجهر به): يدل على أنها زائدة للتوضيح، وهي بمعنى يرفع صوته بالقرآن، لا فرق بينهما.

    تفسير (ما) في الحديث: (ما كان يسمعه أصحابه)
    حكم الجهر والإسرار في صلاة المنفرد أو المسبوق
    السؤال: يقول: ما حكم الجهر والإسرار في صلاة المنفرد أو المسبوق في الصلاة الجهرية؟ هل يجهر أم يسر؟
    الجواب: يجهر، ولكن إذا كان يتأذى بالجهر أحد لا يفعل، والمسبوق لا يجهر إلا إذا كان سبق بالركعات التي يكون فيها قراءة، مثل كونه مثلاً أدرك من العشاء ركعة واحدة وفاتته ثلاث ركعات، أي: أدرك ركعة واحدة وفاتته ثلاث ركعات، فيجهر إذا قام في ركعة واحدة: التي يجهر بها، والركعتين الأخيرتين لا جهر فيها، ولو أنه أدرك مثلاً ركعتين وبقي ركعتان، ففي الركعتين الأخيرتين لا يجهر؛ لأن صلاة المسبوق التي يقضيها هي آخرها وليس أولها، والمسألة خلافية كما ذكرت، فبعض العلماء يقول: إن ما يقضيه المسبوق أول صلاته، لكن الصحيح أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، الأول أول، والآخر آخر.
    إتمام المسافر المؤتم بعد إمام ظنه مقيما
    السؤال: رجل كان مسافراً وأدرك الصلاة وراء إمام مسافر، وهو يظن أنه مقيم فأتم الصلاة بعده، فهل صلاته صحيحة؟
    الجواب: صحيحة، لا بأس، صلاته صحيحة؛ لأن المسافر لو صلى أربعاً صحت صلاته، لكن السنة أن يصلي ركعتين، وهو الآن ما دام أنه يظن أنه مقيم، والمقيم تسن الصلاة وراءه، ولا تقصر وراءه، فعمله صحيح، وصلاته صحيحة.
    معنى السلم في باب البيوع مع بيان شروطه
    السؤال: ما معنى السلم في باب البيوع؟
    الجواب: السلم ويقال له: السلف، لكنه ليس السلف المشهور عند الناس الذي هو القرض؛ لأن السلف.. والقرض يقال له سلف، لكن السلم والسلف معناهما: تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، عكس البيع المؤجل الذي هو تعجيل المثمن وتأجيل الثمن، يعني: البيع بالغائب هو: تعجيل المثمن وتأجيل الثمن، وأما السلم عكسه: تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، يعني يأتي إنسان إلى صاحب حائط، ويتفق معه على أنه يشتري منه شيئاً من ثمر النخل بمقدار كذا، ويعطيه النقود، وإذا جاء وقت الجذاذ يوفيه المثمن، هو سائغ، وهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، عكس البيع المؤجل الذي هو تعجيل المثمن وتأجيل الثمن، عكسه السلف.
    والسلم والسلف هما لغتان، إلا أن لغة أهل العراق: السلم، أو الذي يغلب عند أهل العراق: السلم، والذي يغلب عند أهل الحجاز: السلف، ويمكن للإنسان أن يعرف أن لغة أهل الحجاز السلف بأن يتذكر الحديث: قدم المدينة وهم يسلفون، يعني عبر عنهم بالإسلاف، قدم المدينة وهم يسلفون، يعني: هذه لغة أهل الحجاز، أنهم يعبرون عنه بالسلف، وأما لغة أهل العراق فإنهم يعبرون عنه بالسلم، ولهذا يأتي في كتب الفقهاء من أهل العراق مثل الحنابلة، والحنفية، يأتي ذكر السلم، ويأتي عند الفقهاء في الحجاز السلف، مثل القراض والمضاربة، القراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق، يعني كلمتان معناهما واحد، إلا أن واحدة يغلب استعمالها في بلد، والثانية يغلب استعمالها في بلد، وكلهما اسمان لمسمىً واحد، إلا أن هذا الاسم يغلب في بلد، وهذا الاسم يغلب في بلد آخر.
    (من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم) يعني له شروط منها: أن يكون الأجل معلوماً، وأن يكون المقدار معلوماً، وأن يقبض الثمن، يعني لا يكون مؤجلاً؛ لأنه يكون غائباً بغائب، وإنما يعجل الثمن ويؤجل المثمن.

    حكم تعلم التجويد
    السؤال: ما حكم تعلم التجويد؟
    الجواب: هذا من الأمور المستحبة وليست واجبة.
    هو أورد قول ابن الجزري يقول:
    والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
    أنا ذكرت قريباً عند حديث: (أهذاً كهذ الشعر) أن ابن حجر قال عند شرحه في صحيح البخاري: لا خلاف بين العلماء أن القراءة بدون تدبر وبدون ترتيل، يعني المراد به السرعة التي ليست مفرطة، أنه سائغ، وإن كانت القراءة مع الترتيل والتأمل والتدبر، أولى وأفضل، فيقول: لا خلاف بين العلماء في أن القراءة بدون ذلك تكون جائزة.
    السلم جاء فيه أنه كيل معلوم ووزن معلوم
    السؤال: هل يكون السلم هذا في سلعة العسل وما شابهها من السلع الأخرى؟
    الجواب: هو جاء في كيل معلوم ووزن معلوم، يمكن أن يكون؛ لأنه يعني في وزن يصير معلوماً.
    السؤال: ويقول: هل يجوز أن يقول الذي أخذ الدين لمن أعطاه: سأسدده لك خلال أسبوع أو شهر، ويكون هذا من الأجل المسمى؟
    الجواب: هذا ليس من السلم، هذا معناه أنه إذا كان عنده شيء جاهز، وعنده شيء موجود، فيمكن أن يكون البيع بدون سلم، لكن السلم جاءت مشروعيته لما في ذلك من المصلحة، وهي كون مالك البستان ومالك الثمرة يحصل شيئاً من النقود يستعين بها على إصلاح زرعه، وإصلاح نخله، فعجل الثمن، وأجل المثمن، وأما إذا كان الشيء موجوداً، فهذا ما يحتاج إلى السلم، ما يقال له: سلم، وإنما السلم يحتاج إلى شيء يترتب عليه مصلحة، وهي أمد، مثلما لو أعطاه سلعة وقال: أنا آتي لك بالثمن بعد قليل، أو عجل له الثمن، يعني لا بأس به، لكن ما يقال: إن هذا من السلم؛ لأن السلم يحتاج إلى وقت؛ لأنه يكون عنده حصول الثمار، ويحتاج إليه صاحب الثمار من أجل أن يصلح مزرعته، ونخله وما إلى ذلك، فأبيح له أن يبيع هذا الذي لم يوجد الذي هو الثمرة، ويأخذ ثمنها، فهو مستثنى من بيع ما لم يكن موجوداً عند الإنسان؛ لأن هذا فيه بيع ما لم يوجد، لأنه يقول من هذا المثل، وإن شاء الله من هذه الثمرة عندما يحمل النخل، أعطيك، وأوفيك.
    خلق الله الخلق بكلامه
    نسبة الخلق ليد الله
    السؤال: وهل يصح أن نقول: إن الله يخلق بيده؛ لقوله: ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )[ص:75]؟

    الجواب: هو بالنسبة لآدم خلقه بيديه كما جاء ذلك مبيناً.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #194
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (191)


    حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التغني بالقرآن وتزيين قراءتنا له؛ لأن ذلك يبعث على التدبر والاتعاظ فتكون الفائدة أعظم، ولذلك كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفاً حرفاً، يمد ما يستحق المد، ويقف على رؤوس الآي.

    تابع تزيين القرآن بالصوت
    شرح حديث: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تزيين القرآن بالصوت.أخبرنا محمد بن زنبور المكي حدثنا ابن أبي حازم عن يزيد بن عبد الله عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)].
    سبق أن مر بنا ذكر الترجمة وهي: تزيين القرآن بالصوت، وعرفنا أن المراد بذلك القراءة، وأن الإنسان يزين قراءته بالصوت الحسن الذي يجعل السامع يعتبر ويتعظ، وكذلك أيضاً هو بتحسين قراءته يحصل تلك الفائدة، وهي من غير تمطيط ومجاوزة للحد واشتغال بتحسين الصوت عن التدبر ومعرفة المعنى والاعتبار به، وإنما يكون بهذا وبهذا، وقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث الواردة في ذلك، ومنها حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) وهنا أورد النسائي بقية الأحاديث المتعلقة بهذه الترجمة، ومنها هذا الحديث الذي هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
    (ما أذن الله لشيء)، يعني: ما استمع لشيء أذنه لنبي، والمراد بالنبي هو الجنس، وليس المراد به نبياً معيناً، والقرآن المراد به القراءة أو المراد به كلام الله مطلقاً، يعني حتى يصلح أن يكون شاملاً للأنبياء، وليس المراد به رسول الله عليه الصلاة والسلام فقط، وإنما هو لفظ عام المراد به جنس النبي.
    فالقرآن إما أن يراد به القراءة أو يراد به كلام الله عز وجل الذي منه القرآن وغير القرآن الذي هو التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة التي هي من كلام الله عز وجل.
    (ما أذن الله لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) يعني: يحسن صوته بالقرآن ويجهر به، أي: يرفع الصوت، فالمراد: رفع الصوت مع التحسين، وإذا كان الصوت مرتفعاً مع تحسينه فإن الفائدة فيه أعظم وأشمل.
    وهنا جاء: (يجهر به) وهي مفسرة أيضاً للتغني، لكن ليس المراد بها مجرد الجهر، بل الجهر مع تحسين الصوت، ولهذا جاء قبلها: (حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
    و(أذن) معناها استمع، وفيه بيان عظم شأن تحسين الصوت بالقراءة وأن شأنها عظيم وأن ذلك الاستماع يحصل من الله عز وجل.
    (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
    وما أذن، يعني ما استمع الله لشيء استماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به، وقد جاء عن بعض السلف تفسير (يتغنى) بمعان أخر، منها: الاستغناء بالقرآن، والمراد به أنه يستغني به عن غيره ويقدم القرآن على غيره، لكن ما جاء من ذكر حسن الصوت وذكر الجهر به يبين أو يدل على أن المراد بذلك: تحسين الصوت بالقراءة، ومن المعلوم أن تحسين الصوت بالقراءة هو الذي يثمر ويحصل بسببه الاعتبار والاتعاظ.
    وهذا هو المطابق للترجمة من حيث أن الترجمة هي تحسين الصوت بالقراءة وتزيين القراءة بالصوت، أنه يزين صوته ويحسن صوته في القراءة ويجهر بها حتى تكون الفائدة أكمل وأعظم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)

    قوله: [محمد بن زنبور].هو المكي، وزنبور لقب اسم صاحبه جعفر، وهو صدوق له أوهام، خرج حديثه النسائي وحده.
    [عن ابن أبي حازم].
    هو عبد العزيز بن أبي حازم، وأبو حازم هو سلمة بن دينار الذي جاء ذكره مراراً، فهذا ابنه عبد العزيز بن أبي حازم، وهو صدوق، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن عبد الله].
    وهو ابن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، مكثر من رواية الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن إبراهيم].
    وهو التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سلمة].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع من السبعة؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قول أنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقول أنه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقول أنه: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة فهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، فهؤلاء السبعة أطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة في المدينة، وإذا جاء ذكر الفقهاء السبعة فالمراد بهم هؤلاء السبعة. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي].
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    حديث: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله عز وجل لشيء يعني إذنه لنبي يتغنى بالقرآن)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ قريب من الحديث المتقدم: (ما أذن الله لشيء يعني إذنه لنبي يتغنى بالقرآن) وهناك فيه حسن الصوت، وفيه يجهر به، وهنا ليس فيه هذان الوصفان، وهو بمعنى الحديث المتقدم، والمراد من ذلك: تحسين القراءة بالصوت الحسن وتزيينها به؛ لما فيه من الفائدة والمصلحة.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    وقتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكما ذكرت فإن اسم قتيبة من الأسماء المفردة التي لم تتكرر التسمية بها، فهو الشخص الوحيد الذي يسمى قتيبة في رجال الكتب الستة.
    [سفيان].
    الذي يروي عنه قتيبة غير منسوب، وهذا يسمى المهمل الذي يذكر اسمه ولا يذكر نسبه، ويكون محتملاً بين أشخاص، وهنا محتمل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن المذكور هنا هو سفيان بن عيينة ؛ لأن قتيبة بن سعيد يروي عن سفيان بن عيينة، ولأن سفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، ومعروف بالرواية عن الزهري، فإذا كان سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا في فتح الباري، وقال: إن سفيان الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، لكن ليس معنى كونه لا يروي عنه إلا بواسطة أن بينه وبينه مسافة وأنه ما أدركه، وابن عيينة متأخر عنه في الوفاة كثيراً؛ لأن الثوري توفي سنة مائة وإحدى وستين، وابن عيينة وفاته فوق المائة والتسعين، فبينهم مسافة طويلة، ولعل كون الرواية عنه بواسطة لكون هذا في بلد وهذا في بلد؛ لأن سفيان الثوري في الكوفة، والزهري في المدينة.
    الحاصل: أن سفيان الذي هو غير منسوب إذا كان يروي عنه قتيبة، فالمراد به: ابن عيينة، وإذا كان سفيان يروي عن الزهري، فالمراد به: ابن عيينة، فهو من جهتين: من جهة رواية قتيبة عن ومن جهة رواية سفيان عن الزهري ؛ لأن قتيبة يروي عن ابن عيينة، وابن عيينة يروي عن الزهري.
    [عن الزهري].
    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، ومشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فـشهاب هو جد عبيد الله، فهو جد جده، ومن المعلوم أنه يجوز أن ينسب الإنسان إلى أي واحد من أجداده ويقال له: جده، وإن كان جد جده أو جداً بعيداً، كـزهرة بن كلاب حيث يقال له: الزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب الذي هو أخو قصي بن كلاب، يلتقي نسبه مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في كلاب الذي هو أبو قصي، وأبو زهرة بن كلاب.
    ومحمد بن مسلم الزهري ثقة، مكثر من الرواية، محدث، فقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ومما ذكر في ترجمته: أنه كان يكب على الكتب، ويشتغل بالعلم، فكان مما ذكر في ترجمته: أن زوجته جاءت إليه وهو مكب عليها، فقالت: إن هذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر. تعني بذلك انشغاله بهذه الكتب عنها، وأنه منهمك في العلم ومشتغل بالعلم ومكب على القراءة والكتابة رحمة الله عليه.

    [أبو سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب أخبره أن أبا سلمة أخبره أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال: لقد أوتى مزماراً من مزامير آل داود عليه السلام)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان حسن الصوت بالقراءة، فقال: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) يعني: لحسن صوته، والمقصود بـ(آل داود) داود الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان يذكر بحسن الصوت وبجمال الصوت وزينة الصوت، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وصف أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بهذا الوصف، وأنه أوتي مما أوتيه آل داود.
    وآل داود وآل كذا هذه اللفظة تطلق أحياناً عليه وعلى أهله، وأحياناً تطلق على نفس الشخص أنه يراد بهذا اللفظ، فكما تطلق على ذويه وأهله ومن له به علاقة؛ أيضاً يأتي إطلاقها عليه، قالوا: والمراد من ذلك داود عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يضرب به المثل في حسن القراءة وحسن الصوت صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى نبينا.
    والمقصود أن هذا الثناء أو هذا التنويه بشأن أبي موسى لحسن صوته دال على ما ترجم له المصنف من تحسين الصوت بالقراءة أو تحسين القراءة بالصوت.
    ومن المعلوم أن التحسين أو حسن الصوت منه ما يكون جبلة، ومنه ما يكون محاولة؛ لأن التحسين كما هو معلوم يكون بالفعل، لكن يكون بعض الناس صوته حسناً، وتحسين القراءة بالصوت الحسن مما يزيده حسناً وجمالاً، والحديث دال على الترجمة وشاهد لها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود)

    قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].سليمان بن داود، وهو أبو الربيع المصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن وهب].
    وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو المحدث، الفقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمرو بن الحارث].
    وهو أيضاً المصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    ابن شهاب، وقد مر ذكره وهو الزهري.
    [عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
    وقد مر ذكرهما أيضاً قريباً.
    شرح حديث: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى رضي الله عنه، فقال: لقد أوتي هذا من مزامير آل داود عليه السلام)].الحديث دال على رفع الصوت بالقرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع صوته وهو لا يعلم به، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (لو كنت أعلم لحبرته لك تحبيراً) يعني: فهذا دال على ما تقدم عن أم هانئ أنها قالت: (كنت أسمع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي)، وهو ما ترجم له على رفع الصوت، وهذا أيضاً دال على تلك الترجمة التي هي رفع الصوت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سمع صوته وهو لا يعلم به، وهو ليس حاضراً عنده، وجلس أو وقف يستمع لقراءته وهو لا يعلم به، فهو دال على ما دل عليه حديث أم هانئ المتقدم الذي استدل به النسائي على رفع الصوت بالقرآن أو على رفع الصوت بالقراءة.
    وحديث عائشة هذا هو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم، وهو دال على ما دل عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار].وهو لا بأس به، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن سفيان عن الزهري].
    سفيان عن الزهري، هو ابن عيينة، وقد مر ذكرهما قريباً.
    [عن عروة].
    هو عروة بن الزبير بن العوام المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو معدود فيهم باتفاق، فهو واحد من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، في المدينة في عصر التابعين، وعروة بن الزبير هو ابن أسماء أخت عائشة، فهو يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها.
    [عن عائشة أم المؤمنين].
    عائشة هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي لها الفضائل الكثيرة، والمناقب الجمة، وهي التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهذا فيه عظم شأنها وفضلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، والمعروفون بكثرة الحديث سبعة: ستة من الرجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولهذا فهي من أوعية السنة التي حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام لاسيما السنة المتعلقة بالبيوت وبأحوال الزوجات مع أزواجهن، فإنها حفظت في ذلك وفي غيره الشيء الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
    حديث: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى رضي الله عنه، فقال: لقد أوتى هذا مزماراً من مزامير آل داود عليه السلام)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ودال على ما دل عليه؛ لأنه حديث واحد جاء من طريقين، وموضوعه واحد، بل لفظه تقريباً واحد.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
    وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الصيغ الرفيعة، ومن أعلى وأرفع صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا عبد الرزاق].
    عبد الرزاق، وهو ابن همام الصنعاني اليمني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وهو صاحب المصنف، مصنف عبد الرزاق المليء بالأحاديث والآثار عن الصحابة ومن بعدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معمر].

    وهو ابن راشد، وهو ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن عروة عن عائشة].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث أم سلمة في نعتها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن يعلي بن مملك: (أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته؟ قالت: مالكم وصلاته، ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً)].أورد النسائي حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراءته؟ فنعتت قراءته عليه الصلاة والسلام وقالت: إنها مفسرة حرفاً حرفاً، يعني أنه كان يعطي الحروف ما تستحق من المد ومن الوقوف على رءوس الآي، وما إلى ذلك مما يتعلق بتوضيح هذا المعنى، أو هذا اللفظ الذي هو (مفسرة حرفاً حرفاً).
    وإدخال الحديث ضمن تزيين القرآن بالصوت دال على ما ترجم له من جهة أنها كونه مفسرة، وأنها حرفاً حرفاً، أنه فيه تأدية للقراءة على الوجه المطلوب، والذي فعل هذا هو رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذي هو القدوة والأسوة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نعتها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، وقد مر ذكره.
    [حدثنا الليث بن سعد].
    الليث بن سعد، وهو المصري المحدث، الفقيه، محدث مصر، وفقيهها، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عبيد الله].
    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يعلى بن مملك].
    يعلى بن مملك، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [أم سلمة].
    وهي هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي، وفيه إشارة إلى ما عند الترمذي وإلى ما عند أبي داود، والحديث ذكره في المشكاة وعلق عليه، وقال: إن إسناده صحيح، والحديث فيه يعلى بن مملك، وهو مقبول، لكن هذا اللفظ الذي اشتمل عليه الحديث، ليس بلفظ ليس له شواهد، بل ما جاء من بيان قراءته وأنها كانت مداً وما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يمد الرحمن ويمد الرحيم فهو بمعنى هذا الحديث، فصاحب المشكاة قال عن الحديث في مشكاة المصابيح: إن إسناده صحيح، ولكن الألباني ذكره في ضعيف سنن النسائي، ولعل ذلك بسبب يعلى بن مملك، لكن كما ذكرت أن معناه له شواهد تدل عليه.

    والله تعالى أعلم.

    الفرق بين الرسول والنبي
    السؤال: ما هو الراجح في الفرق بين الرسول والنبي؟
    الجواب: هناك تفريق مشهور عند العلماء، يقولون النبي: من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، لكن هذا الفرق قد جاء في القرآن ما يدل على عدم صحته مطلقاً، يعني الجملة، ما يدل على عدم صحته في الجملة، وذلك أنه جاء عن الأنبياء أنهم وصفوا بالإرسال، وجاء في سورة المائدة أن الأنبياء من بعد موسى من بني إسرائيل كانوا يحكمون بالتوراة: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا )[المائدة:44]، ففي هذه الآية بيان أن الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى كانوا يبلغون التوراة ويحكمون بالتوراة، فالقول بأن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه يدل على خلاف ما جاء في هذه الآية الكريمة.

    وكذلك أيضاً ما جاء في القرآن من وصف بعض الرسل بأنهم رسل، وذلك مثل قوله: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ )[الزخرف:6]، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )[الحج:52]، فهذا فيه دلالة أن النبي وصف بأنه مرسل، ثم أيضاً ما جاء في حديث عرض الأمم، قال: (فرأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد) يعني معناه أنهم يدعون وأنهم يبلغون وأنهم لهم أتباع، وبعضهم ليس له أتباع، فهذا يدل على أن القول بأن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه غير صحيح في الجملة، فهذه النصوص من القرآن دلت على أن النبي مبلغ.

    لكن بفرق ينطبق مع هذا الوصف الذي هو أن النبي مبلغ، قيل النبي: من أوحي إليه بأن يبلغ رسالة سابقة، والرسول: من أوحي إليه بشرع جديد وأُنزل عليه كتاب، وأما النبي فهو يبلغ، ولكن ليس له شريعة أنزلت عليه، ولكنه يبلغ شريعة أنزلت على من قبله، كقول الله عز وجل: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا )[المائدة:44]، لكن بعض الأنبياء وصف بأنه رسول ونبي، مثل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه نبي ورسول، ومن المعلوم أنه يقال عنه: النبي، ويقال عنه: الرسول، ويخاطبه الله في القرآن بيا أيها النبي، ويا أيها الرسول.

    وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الثلاثة الأصول التي هي رسالة مختصرة مفيدة جداً للخاصة والعامة، قال: نبئ باقرأ، وأرسل بالمدثر، يعني: أنه لما أوحى الله إليه: اقرأ، صار بذلك نبياً، وذلك أن الله تعالى أوحى إليه، وأرسل بالمدثر لما نزلت إليه المدثر، وأمر بأن يبلغ الناس فصار بذلك رسولاً، وكذلك موسى وصف بأنه نبي ورسول، وإسماعيل وصف بأنه نبي ورسول؛ لقول الله عز وجل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا )[مريم:51]، وأيضاً بعدها قال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا )[مريم:54].

    فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يؤمر بالتبليغ هو نبي، وبعدما أمر بالتبليغ هو نبي ورسول، وعلى هذا ما دام أنه ينبأ أو ينزل عليه وحي ولكنه لم يؤمر بتبليغه مؤقتاً، فيطلق عليه أنه نبي، لكن لا يقال: إن النبي يوحى إليه ثم لا يبلغ أحداً، فيموت وعلمه ما خرج منه وما استفاد منه أحد، أما كونه ينزل عليه وحي ولا يؤمر بالتبليغ ويكون ذلك مؤقتاً فهذا قد حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام.
    وإذا قيل: إن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه في وقت ما، وكذلك أيضاً من أُمر بأن يبلغ رسالة سابقة، فهذا يكون صحيحاً في حق من كان نبياً رسولاً، يعني وصف بأنه نبي ووصف بأنه رسول، وكان في وقت من الأوقات نبياً وليس برسول، وذلك قبل أن يؤمر بالتبليغ، ثم لما أمر بالتبليغ أصبح رسولاً، لكن أن يقال: النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ ومات وعلمه ما خرج وما استفاد منه أحد، هذا ليس بواضح، وإن كان هذا هو التعريف المشهور أو التفريق المشهور.
    فإذاً الفرق الصحيح بينهما أن يقال: الرسول من أوحي إليه بشرع ابتداءً وأنزل عليه الكتاب، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه في وقت ما أو أمر بأن يبلغ شريعة سابقة.

    الفرق بين النكاح بنية الطلاق والمتعة المحرمة
    السؤال: هل هناك فرق بين النكاح بنية الطلاق والمتعة المحرمة؟
    الجواب: نعم بينهما فرق؛ لأن المتعة المحرمة هي اتفاق على التوقيت من الجانبين لمدة شهر، فهو نكاح لمدة شهر، فإذا مضى الشهر انتهى العقد، لكن النكاح بنية الطلاق أن يأتي إنسان ويخطب، وما يدرى عن نيته شيء وأعطوه، وكان في نيته أنه يطلق، فهذا شيء، وهذا شيء، وقد أجاز جمهور العلماء النكاح الذي هو بنية الطلاق، وأما المتعة فإنها حرام ولا تسوغ ولا تجوز، وهي الزنا وأخت الزنا.
    الأفضل أن الإنسان يتزوج، ومن المعلوم أن المقصود الأعظم من الزواج هو التأبيد والاستمرار، لكن إذا تزوج الإنسان بنية الطلاق فما يقال: إنه فعل محرماً، ولا يقال: إنه ارتكب أمراً محظوراً، ولذلك ما نعلم شيئاً يدل على منعه، وجمهور العلماء على جوازه.
    ما وصف الله به نفسه فإنه يقتضي الكمال
    السؤال: قال السندي في الحاشية ما نصه: ولما كان الاستماع على الله تعالى محالاً؛ لأنه شأن من يختلف سماعه لكثرة التوجه وقلته؟
    الجواب: هذا كما هو معلوم ليس بصحيح؛ لأن هذا المعنى إنما هو في حق المخلوقين، وأما الله عز وجل إذا أضيف إليه شيء فهو يناسبه ويليق به، ولا يكون مشابهاً لخلقه فيما يوصف به.
    اتخاذ كلب الحراسة ينقص من الأجر قيراطاً
    السؤال: ما حكم اتخاذ الكلب للحراسة، خاصة إذا كان هناك في البلد كثير من السراق؟
    الجواب: الذي يتخذ كلباً إلا الكلاب التي أذن فيها وهي كلب الصيد وكلب الزرع وكلب الماشية ينقص من أجره في اليوم قيراط، يعني يخسر كل يوم الكلب عنده خسارة فادحة كبيرة.

    معنى قولهم (حديث لا بأس به)

    السؤال: ما هي درجة حديث قيل فيه: لا بأس به؟
    الجواب: قولهم حديث لا بأس، معناه أنه يحتج وقد يصاغ سؤال لهذا الجواب وهو حكم وضع المصحف على الأرض.
    القرآن ينبغي أن يعتنى به بتعظيمه وتوقيره وجعله على مكان مرتفع عن الأرض، ولو جعل على أرض طاهرة فلا بأس، لكن إذا كان وضعه على الأرض الطاهرة سيترتب عليه احتمال مرور الناس من حوله وأنهم قد يتجاوزونه فلا يجوز ذلك، وأما إذا أمن هذا الجانب بأن يكون مثلاً في حجرة ما يمر فيها أحد فيوضع المصحف في زاوية من زواياها، لا بأس بذلك؛ لأن وضعه على أرض طاهرة سائغ وجائز، لكن كونه يصير في أماكن مرتفعة حتى لا يكون عرضة لأن يمتهن فيما إذا كان هناك احتمال للمرور عليه أو التجاوز من عنده أو ما إلى ذلك فرفعه ووضعه على مكان مرتفع يتنبه له من يمر من حوله، هذا هو الذي ينبغي، ووضعه على مكان طاهر جائز، لكن بشرط أن لا يكون عرضة لأن يتعرض لشيء من الإهانة التي قد تحصل على سبيل الخطأ لا على سبيل العمد.
    حكم الدخول على زوجات الأخوال والتحدث معهن
    السؤال: ما حكم دخول الرجل على زوجات الأخوال والتحدث معهن؟
    الجواب: زوجات الأخوال أجنبيات، فمن يدخل عليهن وليس عندهن أخواله فهذا من جنس الحمو الذي قال عنه الرسول: الحمو الموت، والحمو هو: أخو الزوج، والسبب في هذا أن البلاء يحصل بالاحتكاك والاختلاط وإغلاق الأبواب والتقارب الذي يكون بسبب القرابة، فمثل ذلك لا يسوغ، لكونه يدخل عليهن ويخلو بهن؛ لأن هذا هو الذي قال عنه الرسول: (أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).
    فالشيطان يدخل بينهما ثم يوقع بينهما الشر، فيكون شراً أخطر من كونه حصل من قريب، ويكون من جنس ما جاء في الحديث في قضية الزنا بحليلة الجار، فالزنا هو أمر خطير لكن إذا صار بحليلة الجار فيكون بلاء على بلاء وشراً على شر.
    معنى: (زينوا القرآن بأصواتكم)
    السؤال: حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) زعم بعض الناس أن هذا الحديث مقلوب، فهل هذا صحيح؟
    الجواب: لا، ليس هذا بصحيح؛ لأن هذا هو اللفظ الذي ثبت وجاء، ولا محذور فيه؛ لأن المراد زينوا القراءة بأصواتكم؛ لأن بعض الناس الذين قالوا عنه: مقلوب، قالوا: إن القرآن أعظم وأجل من أن يزين وأن يحصل له تزيين، ومن المعلوم أن الكلام الحسن حتى على هذا الكلام يزيده الصوت الحسن حسناً، ومن المعلوم أن قراءة قارئ تختلف عن قراءة قارئ آخر، لكن الأظهر فيه أن المراد القراءة، فالإنسان يزين القراءة.
    الفرق بين المقلد والمتبع
    السؤال: يقول: ما الفرق بين المتبع والمقلد؟
    الجواب: المتبع هو المتبع للدليل، والمقلد هو من يأخذ برأي من يقلده دون معرفة الدليل، فيقول قال فلان، ولا يسأل عن الدليل، لكن المتبع هو الذي يبحث عن الدليل.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #195
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب الافتتاح)
    (192)

    إن رفع اليدين في الركوع والرفع منه وعند القيام من التشهد الأوسط من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرفع يديه إلى فروع أذنيه أحياناً، وأحياناً إلى حذو منكبيه وأحياناً يترك ذلك، ويجب إقامة الصلب في الركوع والسجود والاعتدال من الركوع.

    التكبير للركوع

    شرح حديث أبي هريرة في التكبير للركوع

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير للركوع.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أن أبا هريرة رضي الله عنه حين استخلفه مروان على المدينة، كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ثم يكبر حين يركع، فإذا رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يقوم من الثنتين بعد التشهد، يفعل مثل ذلك حتى يقضي صلاته، فإذا قضى صلاته وسلم أقبل على أهل المسجد فقال: والذي نفسي بيده! إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: التكبير للركوع، الترجمة معقودة لبيان ما يقال عند الركوع، أي: حين يهوي من قيامه إلى الركوع، فإنه يقول: الله أكبر، وهذا الذكر الذي هو التكبير يؤتى به في جميع الخفض والرفع إلا عند القيام من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، وما عدا ذلك فإنه عند كل خفض ورفع يقول: الله أكبر.
    وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه: أن مروان لما استخلفه على المدينة كان يصلي بالناس، فكان يكبر عندما يدخل في الصلاة، ويكبر عند الركوع، وهذا هو محل الشاهد، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم عندما يرفع.
    (ثم يكبر حين يقوم من الثنتين بعد التشهد)، هنا لم يذكر كل الأفعال التي هي السجود، والقيام من السجدة الأولى، ثم التكبير للسجدة الثانية، ثم الرفع من السجود للتشهد، وإنما ذكر بعض المواضع أو أكثر المواضع التي يكون فيها التكبير، وكان يفعل ذلك في صلاته كلها، وإذا فرغ وسلم التفت إلى أهل المسجد فقال: (إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومقصوده من هذا: أن يعقل الناس عنه هذا الفعل؛ لأنه به مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك تنبيه لهم إلى أن هذا مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم من إبلاغ السنن بالقول والفعل، وتنبيههم على ما يفعلونه من ما هم فيه متبعون لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وإضافتهم ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن الفعل الذي فعله هو مقتد فيه بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التكبير للركوع

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله بن المبارك].
    هو: عبد الله بن المبارك المروزي، الثقة، الثبت، المجاهد، العابد، الزاهد، الذي وصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بصفات عديدة، وقال: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    يروي [عن يونس].
    وهو ابن يزيد الأيلي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـكلاب أبو قصي وزهرة. والزهري ثقة، إمام، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بتدوين السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، حيث قال السيوطي في ذلك في الألفية:
    أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر
    يروي [عن أبي سلمة].
    و أبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا الذي معنا في الإسناد، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    يروي [عن أبي هريرة].
    رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي المكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والمكثرون من رواية الحديث سبعة أكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    رفع اليدين للركوع حذاء فروع الأذنين
    ‏ شرح حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للركوع حذاء فروع الأذنين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [رفع اليدين للركوع حذاء فروع الأذنين.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل عن سعيد عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: رفع اليدين للركوع حيال فروع الأذنين، لما أورد الترجمة السابقة التي فيها إثبات التكبير وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يركع كبر للركوع؛ وذكر الهيئة التي تكون لليدين عند التكبير للركوع، فقال: رفع اليدين للركوع إلى فروع الأذنين، وفروع الأذنين: أعاليهما؛ لأن فرع كل شيء أعلاه، والفرع يكون أعلى؛ لأن الأصول هي أسفل الشيء التي يبنى عليها غيرها، والفروع هو التي تبنى على غيرها، فما كان أعلى الشيء فهو فروعه، ولهذا أغصان الشجرة هي فروعها، وهي أعلى شيء فيها، وفروع الأذنين أعلى شيء في الأذنين؛ لأن أصولها هي أسافلها، وفرعها هي أعاليها.
    وأورد حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أنه رآه كبر حين دخل في الصلاة، وكبر للركوع..
    قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر)، يعني: عند دخول الصلاة، (وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه)، يرفع يديه إلى فروع أذنيه وهي أعاليهما، وفي هذا إثبات رفع اليدين إلى فروع الأذنين للركوع، كما أنه يكون للدخول في الصلاة، ويكون للرفع من الركوع، لكن محل الشاهد هنا أنه أورد ذلك فيما يتعلق بالركوع، وأنه يكبر للركوع، ويرفع يديه عندما يريد أن يركع إذا كبر.
    والحديث فيه رفع اليدين في ثلاثة مواطن: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وأن ذلك إلى فروع الأذنين، أي: رفع اليدين في الثلاثة المواطن إلى فروع الأذنين وهي أعاليها.
    فالحديث دال على ما ترجم له من جهة إثبات الرفع لليدين عند التكبير للركوع، وأن ذلك يكون إلى فروع الأذنين.
    تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين للركوع حذاء فروع الأذنين

    قوله: [علي بن حجر].وهو ابن إياس السعدي المروزي ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا إسماعيل].
    وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بـابن علية، وهنا ذكره مهملاً أي: غير منسوب.
    [عن سعيد].
    عن سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، كثير التدليس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وسعيد بن أبي عروبة ليس المقبري.
    [عن قتادة].
    وهو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن نصر بن عاصم الليثي].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن مالك بن الحويرث].
    وهو مالك بن الحويرث الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين
    شرح حديث عبدالله بن عمر في رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي قوله: رفع اليدين للركوع إلى حيال المنكبين، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع)، أي: أنه يرفع يديه إلى حيال المنكبين، وحديث عبد الله بن عمر دال على الرفع، ولكنه هنا ذكر أن الرفع إلى حيال المنكبين، وحديث مالك بن الحويرث دال على ما دل عليه من الرفع في المواطن الثلاثة إلا أنه إلى فروع الأذنين، وهو يدل على جواز هذا وهذا، وأن هذا سنة، وهذا سنة، الرفع إلى حيال المنكبين، والرفع إلى فروع الأذنين، كل هذا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث عبدالله بن عمر في رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي [عن سفيان].
    وهو ابن عيينة المكي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو هنا مهمل غير منسوب، ولكنه ابن عيينة وليس الثوري ؛ لأنه يروي عن الزهري، وابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، بخلاف الثوري فإنه قيل: لا يروي عنه إلا بواسطة. وسفيان بن عيينة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    يروي [عن الزهري].
    وهو الزهري محمد بن مسلم بن شهاب، وقد مر ذكره قريباً.
    [عن سالم].
    هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع من الفقهاء السبعة الذين ذكرتهم آنفاً، وأن السابع منهم قيل فيه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    [يروي عن أبيه].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء الأربعة هم العبادلة الذين يطلق عليهم هذا اللقب، مع أن اسم عبد الله سمي به كثير من الصحابة، لكن هذا اللقب الذي هو لقب العبادلة الأربعة إذا جاء فإنما يراد به هؤلاء الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عاشوا وأدركهم كثيرون من التابعين، وتلقوا عنهم الحديث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعبد الله بن عمر أيضاً هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخـدري وجابر وزوجة النبي
    إقامة الصلب في الركوع
    شرح حديث: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إقامة الصلب في الركوع.أخبرنا قتيبة حدثنا الفضيل عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إقامة الصلب في الركوع، الصلب: هو الظهر، وإقامته هي تسويته واعتداله، بحيث يكون محاذياً لرأسه، ويكون رأسه محاذياً له، ولا يكون فيه ارتفاع ولا انخفاض، لا يكون رأسه منخفضاً ولا مرتفعاً، بل يكون صلبه معتدلاً، ورأسه محاذياً لظهره، ولا يكون فيه مجرد انحناء فقط وإنما انحناء تام بحيث يضع يديه على ركبتيه، ويجعله معتدلاً، ويكون رأسه محاذياً له، لا يكون رافع الرأس عن ظهره، ولا منخفض الرأس عن ظهره، بل هو مساو له، هذه هي الهيئة في الركوع.
    وقد أورد النسائي حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)، حديث أبي مسعود رضي الله عنه مطابق للترجمة ودال عليها من جهة أنه لا بد من إقامة الصلب في الركوع، وهو الاعتدال وعدم الانحناء قليلاً، أو الانحناء الشديد الذي يهبط برأسه إلى الأرض ويميل ظهره إلى الأرض، وإنما يكون معتدلاً، رأسه محاذياً لظهره، وكذلك في السجود أيضاً، يعني: أنه لا ينحني مجرد انحناء بحيث أنه لا يصل إلى الأرض، وإنما يسجد على الأرض ويكون أيضاً معتدلاً في سجوده، كما أنه يكون معتدلاً في ركوعه.
    وذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له، وكذلك المرأة، فالمرأة حكمها حكم الرجل، وذكر الرجل ليس له مفهوم، بمعنى أن المرأة حكمها يخالف حكم الرجل، بل الأحكام للرجال والنساء سواء، ولا يتميز الرجال عن النساء، ولا النساء عن الرجال إلا فيما جاء مما يخص بعضهم عن بعض، ولا يشترك فيه أحد الصنفين مع الآخر.
    إذاً: فذكر (الرجل) هنا لا مفهوم له، وإنما جاء ذكر الرجل؛ لأن الغالب في الخطاب يكون مع الرجال، وأن الكلام يكون مع الرجال، والنساء حكمهن حكم الرجال في الأحكام إلا إذا جاء شيء يميز بين النساء والرجال في الأحكام.
    وهذا كثير، أي: إطلاق ذكر الرجل كثير في السنة، مع أن الأمر لا يختص بالرجال ومن ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، يعني: وكذلك المرأة، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به)، وكذلك أيضاً إذا كان باعه للمرأة وأفلست فهو أحق به من غيره، فذكر الرجل لا مفهوم له، وإنما يأتي ذكره لأن الغالب هو أن الخطاب يكون مع الرجال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
    [حدثنا الفضيل].
    وهو ابن عياض، ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والفضيل بن عياض رحمة الله عليه كان من العباد، ومن المحدثين، ذكروا في ترجمته قصة لأنه كان قبل ذلك على حالة سيئة، ولكن الله تعالى وفقه وهداه، والله عز جل يمن على من شاء من عبادة بالهداية والتوفيق، فقد ذكر في ترجمته أنه كان يقطع الطريق، وأنه كان يسرق، وأنه كان قد ابتلي بهذا البلاء، فكان يحب جارية، فكان يتسلق الجدران من أجل أن يصل إليها، وعندما كان يتسلق جداراً سمع قارئاً يقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )[الحديد:16]، فوقعت الآية في قلبه، وقال: بلى آن، ثم إنه ذهب ودخل خربة، وإذا فيها أناس، وإذا هم يتحدثون، وكان ذلك في الليل، فيقول بعضهم لبعض: لو مشينا، قالوا: كيف نمشي والفضيل في الطريق، وهو يسمعهم، فقال عنه: إنه أخاف عباد الله، وأنه بلغ به ما بلغ، فتاب إلى الله عز وجل، وقال: إن من توبتي أن أجاور في بيت الله الحرام، فتاب وحسنت توبته، وكان من العباد، وكان من المحدثين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه القصة في ترجمته في تهذيب التهذيب.

    [عن الأعمش].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له اشتهر به، يأتي ذكره باللقب أحياناً كما هنا، ويأتي ذكره أحياناً بالاسم، ولمعرفة ألقاب المحدثين فائدتها وهي: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه وذكر مرة بلقبه، فمن لا يعرف أن اللقب لصاحب الاسم يظن أنهما شخصان مع أنهما شخص واحد.
    [عن عمارة بن عمير].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معمر].
    وهو عبد الله بن سخبرة، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، كنيته أبو معمر.
    [عن أبي مسعود].
    وهو عقبة بن عمرو الأنصاري، وأبو مسعود كنيته، وهو صحابي مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    الاعتدال في الركوع
    شرح حديث: (اعتدلوا في الركوع والسجود ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاعتدال في الركوع.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعتدلوا في الركوع والسجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه كالكلب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاعتدال في الركوع، والاعتدال في الركوع هو الذي تقدم في إقامة الصلب في الركوع بحيث يكون معتدلاً في ركوعه، فلا يكون منحنياً انحناءً خفيفاً ولا منحنياً انحناءً شديداً، وإنما يكون متوسطاً، ويكون رأسه محاذياً لظهره وهذا هو الاعتدال.
    وقد أورد فيه حديث أنس بن مالك، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اعتدلوا في الركوع والسجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه كالكلب)، أي: كما يصنع الكلب. والحديث دال على ما ترجم له من الاعتدال في الركوع، وكذلك أيضاً الاعتدال في السجود، وفيه أيضاً النهي عن أن يفترش الإنسان ذراعيه في حال سجوده، بأن يضعهما على الأرض، ولكن يضع يديه ويرفع مرفقيه؛ لأن هذه هي السنة في السجود، والذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو أن يفرش الإنسان ذراعيه في السجود كما يصنع الكلب، حيث يضع كفيه وذراعيه منبسطات على الأرض، كذلك المصلي إذا صلى بهذه الهيئة فإنه يكون مشابهاً للكلب بهذه الهيئة التي هي فرش ذراعيه ويديه وجعلهما على الأرض، فلا يجوز مثل هذا العمل، بل السنة في السجود أن يضع الإنسان كفيه على الأرض، ويرفع مرفقيه ويجافيهما عن جنبيه، ولا يجوز أن يلصقهما على الأرض كما يفعل الكلب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اعتدلوا في الركوع والسجود ...)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك].وقد مر ذكرهما.
    [عن سعيد بن أبي عروبة].
    وقد تقدم ذكره.
    [وحماد بن سلمة].
    وهو حماد بن سلمة بن دينار، ثقة، عابد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن قتادة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أنس].
    هو أنس بن مالك، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الأسئلة
    حكم من صلى ولم يعتدل في الركوع

    السؤال: من صلى ولم يعتدل في الركوع، فهل عليه الإعادة؟الجواب: إذا كان انحناؤه خفيفاً جداً ولم يكن معذوراً لمرض أو لوجع فيه فإن عليه أن يعيد، وأما إذا كان قد حصل منه الانحناء، ولكنه لم يكن على هذا الوجه الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه ليس عليه الإعادة، لكن إذا كان مجرد خفض، يعني: ليس فيه انحناء، ولم يكن ذلك لعلة أو مرض، إذا كان كذلك فعليه أن يعيد.
    وعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل بأن يعتدل في ركوعه، ويطمئن أيضاً في ركوعه وسجوده.
    حكم الترتيب في الوضوء

    السؤال: ما حكم الترتيب في الوضوء، هل هو واجب أم لا؟الجواب: الترتيب في الوضوء لازم، ولا يصح حصوله مع تقديم بعض الأعضاء على بعض إلا فيما يتعلق بالنسبة لليدين والرجلين، فإذا قدمت الرجل اليسرى على اليمنى، أو اليد اليسرى على اليد اليمنى صح، وهو خلاف السنة، ولكنه لا يبطل معه الوضوء، بل يصح، والأولى هو تقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى، وتقديم الرجل اليمنى على الرجل اليسرى، أما تقديم بعض الأعضاء على بعض فإنه لا يصح مع الوضوء.
    بيان آداب طالب العلم

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله! لي طلب وهو أن تجعل عشر دقائق يومياً من حصة الأسئلة في آداب طالب العلم، نفع الله بكم وبعلمكم وأطال في عمركم.الجواب: آداب طالب العلم تكلمنا عليها مراراً، وكذلك مرت علينا في المصطلح في آداب طالب الحديث، وسئلت أسئلة متكررة حول هذا الموضوع وأجبت، فالحديث كل يوم على آداب طالب العلم لا يلزم الأمر بأن يكون هذا باستمرار، لكن إذا حصل السؤال بين وقت وآخر وحصل الجواب على ذلك يحصل المقصود، أما أن نخصص أوقاتاً أو دقائقاً معينة من كل يوم نتحدث فيها على الآداب فالذي يبدو أن هذا غير مناسب، وإنما المناسب أن يكون بين حين وآخر يمكن إذا توجه سؤال، أو تأتي مناسبة في الحديث نتكلم بتلك المناسبة، ويحصل المطلوب بهذا إن شاء الله.
    حكم الإكثار من النوافل بعد صلاة المغرب

    السؤال: هل ثبت شيء في الإكثار من النوافل بعد صلاة المغرب؟الجواب: لا أعلم شيء يدل على ذلك من حيث الإكثار وتخصيصه في هذا الوقت، لا أعلم في ذلك شيئاً، وإنما جاءت السنة التي فيها السنن المؤكدة، والسنن الرواتب، وأن من الرواتب ركعتين بعد المغرب.
    كيف الجمع بين سنة رفع اليدين في الصلاة وقول النبي: (صلوا كما رأيتموني أصلي)

    السؤال: كيف الجمع بين القول بأن رفع اليدين في الصلاة سنة مع قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهي للوجوب؟الجواب: من المعلوم أن الصلاة تشتمل على أمور لازمة، وأمور إذا لم تفعل، فإنها لا تخل بالصلاة، وكونه جاء في حديث عبد الله بن مسعود مما يدل على الترك، كما نقله ابن مسعود فيما يتعلق عند الركوع، وعند الرفع منه، يدل على أن هذا الفعل الذي هو رفع اليدين ليس بواجب، وإنما هو سنة، وينبغي للإنسان أن يحرص على الإتيان بالسنة، لكنه لو تركه لم يترك أمراً يخل بصلاته، فصلاته صحيحة، ولكنه فاته فعل أمر مستحب فلا يحصل ثواب فعل ذلك الأمر المستحب، وإلا فإن صلاته تكون صحيحة، ولا نقص في صلاته، ولا يحتاج الأمر إلى جبر تجبر به، بل هي سنة، فعلها مطلوب ويثاب صاحبه، ومن لم يفعلها فإنه لا يكون آثماً إلا إذا رغب عن السنة، فإذا علم السنة ورغب عنها، فالراغب عنها لا شك أنه يأثم ولو كانت مستحبة، إذا رغب الإنسان عن السنة وزهد فيها ولو كان ذلك مستحباً فإن صاحبه يأثم.
    حكم التورك في التشهد

    السؤال: المسبوق الذي عليه أكثر من تشهدين، هل يتورك في التشهد الثاني وما بعده؟الجواب: المسبوق إذا دخل مع الإمام فإنه يفعل كما يفعل الإمام، ولو كان هو في أول صلاته والإمام في آخر صلاته، فإنه يجلس كهيئة الإمام، معناه أنه يتورك إذا أدرك الإمام في التشهد الأخير أو أدرك ركعة وجلس معه في التشهد الأخير فإنه يتورك؛ لأنه يكون مثل الإمام وعلى هيئة الإمام في تلك الحال، ولا يفعل شيئاً يخالف فيه الإمام، لكنه إذا قام يقضي صلاته التي سبق بها إن كان بقي عليه تشهدان فإنه في التشهد الأول الذي يكون بعد أن يقوم ويقضي، إذا جلس للتشهد الأول، بمعنى أنه أدرك ركعة واحدة مع الإمام وجلس للتشهد مع الإمام، وتورك وهو جالس وراء الإمام في التشهد الذي أدرك فيه صلاة الإمام ثم قام وجلس للتشهد الأول فإنه يفترش كهيئته لو صلى وحده، يكون مفترشاً في تشهده الأول، وإذا جاء للتشهد الأخير فإنه يتورك كما فعل بالتورك الذي كان مع التشهد الأخير بالنسبة للإمام.
    حكم النداء لصلاة الجماعة إذا كانت نافلة

    السؤال: هل يجوز النداء لصلاة الجماعة يعني: صلاة نافلة؟ وهل هذا من السنة؟الجواب: لا، لا ينادى للنوافل، بل النوافل كما هو معلوم الأصل فيها أنها تصلى في البيوت، وإنما تشرع له الجماعة مثل صلاة التراويح، وصلاة التراويح تأتي بعد صلاة العشاء، ولا ينادى لشيء من النوافل، وإنما النداء والأذان هو للصلوات المكتوبة، الأذان إنما هو للصلوات المكتوبة، ولا ينادى للنوافل، والأصل في النوافل أن يصلي كل واحد على حدة، وإذا حصل في بعض الأحيان أنها صليت جماعة مثلما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه صلى النوافل جماعة، لكن لا يكون لها نداء، ولا ينادى لها.
    الأذان الأول والأذان الأخير لصلاة الصبح في رمضان وغيره

    السؤال: هل الأذان في صلاة الصبح مرتين، سواء كان في رمضان أو غيره؟الجواب: أذان الصبح، أذان أول وأذان أخير، وهو لا فرق في رمضان وغير رمضان، السنة أن يكون موجوداً، لكن لا يلزم أن يكون في كل مسجد؛ لأن الأذان الثاني لا بد منه في كل مسجد، وأما الأذان الأول فإذا وجد في بعض المساجد فإنه يكفي؛ لأن المقصود منه التنبيه إلى قرب دخول الوقت، حتى يستريح من كان يصلي، ويتسحر من كان يريد أن يصوم.
    قول: الصلاة خير من النوم في أذاني الفجر
    السؤال: هل يقال: الصلاة خير من النوم في كليهما؟الجواب: لا تقال فيهما جميعاً، وإنما تقال في واحد منهما، إما في الأول وإما في الثاني، لكن إذا كان المعتاد عند الناس أن الصلاة خير من النوم تقال في أحدهما، فلا يشوش عليهم بأن يحصل شيء خلاف الذي عرفوه؛ لأنه يترتب على ذلك إما أن يقدموا الصلاة قبل الوقت، أو يحصل الإمساك، وحصول الإمساك سهل؛ لأنه امتناع عن الأكل فترة من الوقت، لكن الشيء الذي هو خطير تقديم الصلاة عن وقتها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #196
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (193)


    - باب التطبيق

    كان التطبيق في الركوع وهو جمع اليدين وجعلهما بين الفخذين مشروعاً ثم نسخ بوضعهما على الركبتين، وقد نقل لنا الصحابة الأمرين معاً، وأوضحوا المتقدم من المتأخر منهما، وذلك من حرصهم على تبليغ السنن.

    كتاب التطبيق، باب التطبيق
    شرح حديث ابن مسعود: (... وليفرش كفيه على فخذيه فكأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله) في التطبيق في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب التطبيق، باب التطبيق.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن سليمان سمعت إبراهيم يحدث عن علقمة والأسود: (أنهما كانا مع عبد الله رضي الله عنه في بيته، فقال: أصلى هؤلاء؟ قلنا: نعم، فأمهما وقام بينهما بغير أذان ولا إقامة، قال: إذا كنتم ثلاثة فاصنعوا هكذا، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم، وليفرش كفيه على فخذيه، فكأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب التطبيق، ذكر في هذه النسخة: كتاب التطبيق قبل باب التطبيق، والسبب في هذا كما ذكروا - أي: الذين أخرجوا هذه النسخة - أن الطبعة التي حصلت للنسائي في أوائل القرن الرابع عشر الماضي في مصر ،كان بها كتاب التطبيق قبل باب التطبيق، وعلى هذه النسخة وما تعلق بها من الكتب والأبواب، عمل الذين وضعوا الفهارس للكتب الستة، مثل المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي وغيره.
    ومن المعلوم أن التطبيق هو: كون الإنسان عندما يركع يجمع بين يديه ويشبك بينهما، ويجعلهما بين فخذيه، وكان هذا قبل أن يشرع وضع الأيدي على الركب في الركوع، هو عمل قد نسخ.
    والنسائي رحمه الله ذكر باب التطبيق، ثم ذكر النسخ الذي حصل، وهو وضع الأيدي على الركب، وما وراء هذه الأبواب كلها من أبواب صفة الصلاة؛ لأنه أتى بكتاب الافتتاح، مع أنه في الحقيقة هو كتاب الصلاة، لكن الترجمة التي ترجمت في الكتاب السابق تتعلق بأوائل الصلاة، وما وراء ذلك تبع، والكثير من العلماء يعملون الترجمة للكتاب في مثل هذا؛ لأن فيه صفة الصلاة من أولها إلى آخرها، لكن الذي عمله النسائي هو كتاب الافتتاح، وأتى بما يتعلق بافتتاح الصلاة، ثم أتى بصفة الصلاة إلى آخرها تبعاً لهذه الترجمة التي تشير إلى أوائلها.
    والمحصل أن هذه الطبعة المصرية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الرابع عشر، ذكرت قبل باب التطبيق كتاب التطبيق، وفي الحقيقة هو ليس كتاب، وإنما هو باب يتعلق بهيئة معينة خاصة بالركوع أو في التشهد معه، وقد نسخت هذه الهيئة كما ذكرنا، والسنة التي ثبتت واستقرت هي أن توضع اليدان على الركبتين.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي جاء عنه التطبيق.
    قوله: [عن علقمة والأسود: (أنهما كانا مع عبد الله في بيته، فقال: أصلى هؤلاء؟ قلنا: نعم، فأمهما وقام بينهما بغير أذان ولا إقامة)].
    علقمة، والأسود لما دخلا عليه وصلى بهما، أمهما ووقف بينهما، يعني واحد عن يمينه وواحد عن شماله، وصلى بهما بدون أذان ولا إقامة، ولما صلى بهما قال: [(إذا كنتم ثلاثة فاصنعوا هكذا)]، معناه: الإمام يكون في الوسط، لكن السنة ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الاثنين جماعة، وأنهم يكونون وراء الإمام، ولا يكونوا عن يمينه وشماله، وإنما الذي يكون عن يمينه المأموم الواحد، ولا يكون صفاً وحده، أما إذا كان امرأة، فإنها تكون وراءه ولا تصف بجواره، لا عن يمينه ولا عن يساره؛ لأنها لا تصاف الرجل، ولا تقف بجواره.
    إذاً: فهذا الذي جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثبتت السنة بخلافه، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بإمامة الاثنين، وأنهما يكونان وراءه، لا عن يمينه وشماله، ولا عن يمينه فقط، ولا فرق بين الاثنين والثلاثة، وأكثر من ذلك.
    قوله: [(وإذا كنتم أكثر من ذلك)]، يعني: أكثر من ثلاثة، [(فليؤمكم أحدكم)]، معناه: يتقدم ويكون المأمومون صفاً أو صفوفاً وراءه.
    قوله: [(وليفرش كفيه على فخذيه)]، هذا محتمل عدة احتمالات، منهم من قال: إن هذا يراد به فرشهما في حال التشهد، وقيل: تشبيك الأصابع ووضعها بين الفخذين وهو محل الشاهد أي: التطبيق، ولهذا أورده النسائي في هذه الترجمة - باب التطبيق-، وقد جاءت روايات صلاة عبد الله بن مسعود بـعلقمة، والأسود، وفيها التنصيص على أن المراد بذلك التطبيق، وكما جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - والذي سيذكره المصنف بعد هذا - وهو أنه لما بلغه صنيع عبد الله، قال: صدق أخي، ولكن هذا انتهى، وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب، فصدقه فيما قال، وأن هذا كان في أول الأمر.
    قوله: [(فكأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي: بالتشبيك، كون أطرافهما باين اختلافهما؛ لأنه في حال التطبيق المساواة تكون متماثلة، لكن هنا فيه اختلاف الأصابع، وهذا إنما يكون عن طريق التشبيك، وقد سبق أن أورد النسائي التشبيك في الصلاة، وأورد فيه هذا الحديث الذي فيه التطبيق.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (... وليفرش كفيه على فخذيه فكأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله) في التطبيق في الصلاة
    قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].أبو مسعود، بصري ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، مثل هناد بن السري أبو السري، ومثل عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، وعدد كبير من المحدثين توافق كنيته اسم أبيه، وقالوا: إن معرفة هذا النوع فائدتها: أن لا يظن التصحيف فيما إذا كان الشخص معروفاً بنسبه، ثم جاء غير منسوب، ولكنه مكنىً بعد اسمه كما هنا، بأن يكون معروفاً بإسماعيل بن مسعود، فلو جاء في بعض الأسانيد إسماعيل أبو مسعود، يكون كلاماً صحيحاً؛ لأنه أبو مسعود، وهو ابن مسعود، بخلاف من لا يعرف الكنية ويعرف النسب، فقد يظن أن ابن صحفت وجاء مكانها أبو .
    [حدثنا خالد].
    هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان].
    وهو سليمان بن مهران الكاهلي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو كوفي. ولقبه الأعمش، ويأتي ذكره باللقب كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم أحياناً كما هنا، وفائدة معرفة ألقاب المحدثين: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بلقبه أخرى، والذي يعلم بأن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر.
    [سمعت إبراهيم].
    هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث فقيه، وغالباً إذا أطلق إبراهيم في أهل الكوفة أو في مثل هذه الطبقة - وهو يروي عن الكوفيين - فالمراد به إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي . ومما أضيف إليه ونسب إليه: كما ذكر - ذلك ابن القيم في كتابه ( زاد المعاد في هدي خير العباد) -أنه أول من عبر -عن مثل الذباب والجراد- بقوله: ( ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.
    والمراد بالنفس: الدم؛ لأن النفس تطلق على الدم، كما يطلق على النفس التي بها حياة الإنسان التي هي الروح، إذا خرجت نفسه أي: خرجت روحه، مات .
    [عن علقمة والأسود].
    علقمة هو ابن قيس النخعي، وهو ثقة، ثبت، عابد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    والأسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله].
    وهو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة وعلمائهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وليس من العبادلة الأربعة في الصحابة؛ لأن العبادلة هم من صغار الصحابة، وقد عاشوا في زمن واحد، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وفي الصحابة غيرهم ممن يسمى عبد الله، مثل عبد الله بن مسعود، ومثل عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري، وغيرهم كثير.
    شرح حديث ابن مسعود في التطبيق من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني أحمد بن سعيد الرباطي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا عمرو وهو ابن أبي قيس عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة قالا: (صلينا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في بيته فقام بيننا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فنزعها فخالف بين أصابعنا، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود، من طريق أخرى، وهو يتعلق بصلاة علقمة والأسود معه، وأنهم وضعوا أيديهم على الركب، وأنه نزعها وخالف بينها، ويجعلونها بين أفخاذهم الذي هو التطبيق؛ لأن هذا هو محل الشاهد من إيراده تحت باب التطبيق، وابن مسعود رضي الله عنه كان يفعل هذا، ولعله لم يبلغه الناسخ ،وهو وضع الأيدي على الركب.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في التطبيق من طريق ثانية
    قوله: [أخبرني أحمد بن سعيد الرباطي].ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله].
    هو عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، والأربعة.
    [حدثنا عمرو].
    وهو ابن أبي قيس الرازي، والأول أيضاً رازي، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، والأربعة.
    وقوله: [وهو ابن أبي قيس] هذه أتى بها من دون تلميذ عمرو هذا، يعني: من دون عبد الرحمن بن عبد الله، وهو إما أحمد بن سعيد الرباطي أو من دونه، أو النسائي أو من دونه، وإنما أتي بكلمة (هو) حتى يتبين أنها ليست من التلميذ، وأنها ممن دون التلميذ، أراد أن يوضح أن هذه الزيادة زيدت من بعد التلميذ، وهذه الصيغة دالة على ذلك؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: (هو)، بل ينسبه كما يريد، بدون أن يأتي بكلمة (هو)، أو بدون كلمة (يعني).
    [عن الزبير بن عدي].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم، عن الأسود، وعلقمة قالا: صلينا مع عبد الله ].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن مسعود في التطبيق من طريق ثالثة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نوح بن حبيب أنبأنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبر، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع، فبلغ ذلك سعداً رضي الله عنه، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، يعني: الإمساك بالركب)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى: أن النبي عليه الصلاة والسلام علمهم الصلاة، وأنه صلى ووضع يديه بين فخذيه، ولما بلغ ذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: صدق أخي، يعني: أن هذا كان موجوداً أولاً، ولكننا أُمرنا أن نضع الأيدي على الركب، بدل أن يضعوها بين الفخذين، والمراد بذلك حصول النسخ .
    فالحديث دال على ما دل عليه الذي قبله من جهة حصول التطبيق، ولكن فيه الدلالة على النسخ، فالذي جاء ذكره في آخر الحديث، فإن هذا هو الناسخ، وعلى هذا فالحديث يدل على التطبيق، ويدل على نسخ ذلك .
    وقوله: [(صدق أخي)]، يقصد عبد الله بن مسعود، وهذا من أدب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأنه لما حصل من ابن مسعود ما حصل، وأرشد إلى ما أرشد إليه، وأراد سعد أن يبين الحكم الذي استقر الأمر فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال:[(ولكننا أمرنا بعد ذلك بأن نضع الأيدي على الركب)]، أي: أن هذا حصل، ولكنه نسخ.
    ومثله الحديث الذي في صحيح مسلم في قصة السبعين الألف، الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ فإن سبب الحديث يقول: أنه انقض شهاب فقال: (أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، قال: ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة). خشي أن يظن أنه مستيقظ أنه يصلي، وأنه لما رأى الكوكب الذي انقض، ظن أنه يصلي، فبادر إلى أن يذكر عن حاله، وأنه لم يكن يصلي، قال: (أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت، قال: فماذا صنعت، قال: ارتقيت). يعني: عملت رقية، قال: (فما حملك على هذا؟ قلت: حديث حدثناه فلان أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة، ثم قال: قد أحسن من انتهى إلى ما قدم، ولكن حدثنا ابن عباس أنه قال: عرضت علَيَّ الأمم فرأيت كذا وكذا)، ومحل الشاهد قوله: (قد أحسن من انتهى إلى ما قدم)، قد أحسن الإنسان إذا وقف وعمل بما وصل إليه من النصوص، قد أحسن، ولكنه أرشده إلى ما هو الأكمل والأفضل، وهو عدم الاسترقاء، وهو ما جاء في حديث السبعين الألف، (أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في التطبيق من طريق ثالثة
    قوله: [أخبرنا نوح بن حبيب].ثقة سني، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [أنبأنا ابن إدريس].
    وهو عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم بن كليب].
    صدوق، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عبد الرحمن بن الأسود].
    هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    يروي [عن علقمة]، وقد مر ذكره وذكر عبد الله بن مسعود الذي يروي عنه علقمة.
    وأما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث هو من مسند عبد الله فيما يتعلق بالتطبيق، ومن مسند سعد بن أبي وقاص فيما يتعلق بالتطبيق ونسخه بوضع الأيدي على الركب.
    نسخ التطبيق
    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في نسخ التطبيق
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نسخ ذلك.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي يعفور عن مصعب بن سعد، قال: (صليت إلى جنب أبي وجعلت يدي بين ركبتي، فقال لي: اضرب بكفيك على ركبتيك، قال: ثم فعلت ذلك مرة أخرى، فضرب يدي وقال: إنا قد نهينا عن هذا، وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نسخ ذلك، يعني: نسخ التطبيق، وأن الحكم الناسخ هو وضع الأيدي على الركب في الركوع، وقد أورد فيه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن ابنه مصعب صلى إلى جنبه فعمل التطبيق، فأرشده إلى أن يضرب بيديه على الركبتين. ثم إنه فعل ذلك مرة أخرى، فضرب على يده يريد أنه يترك هذا الشيء، في الصلاة، وهذا فيه دليل على أنه إذا حصل تنبيه في الصلاة على أمر مشروع ثابت، أن ذلك لا بأس به؛ لأن سعداً ضرب على يد ابنه، وقد أخبره من قبل بأننا أمرنا بأن نضع الأيدي على الركب، وهذا هو الحكم الناسخ الذي استقر عليه الأمر.
    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في نسخ التطبيق
    قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عوانة].
    وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، مشهور بكنيته أبو عوانة ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وممن اشتهر بكنيته أبو عوانة شخص آخر متأخر عن هذا وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم الذي يقال له: الصحيح، ويقال له: المستخرج، ويقال له: المسند، وهو صحيح، وهو مستخرج؛ لأنه مستخرج على صحيح مسلم، أما هذا فهو متقدم؛ لأنه من طبقة شيوخ البخاري، ومسلم، وكذلك أيضاً هو شيخ شيخ النسائي.
    [ عن أبي يعفور].
    هو واقد أو وقدان العبدي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو يعفور كنية تطلق على شخصين: أبو يعفور الأكبر وأبو يعفور الأصغر، والذي معنا في الإسناد هو أبو يعفور الأكبر، واقد أو وقدان، اختلف في اسمه.
    [عن مصعب بن سعد].
    هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه سعد بن أبي وقاص].
    وقد سبق ذكره.
    شرح حديث سعد بن أبي وقاص في نسخ التطبيق من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الزبير بن عدي عن مصعب بن سعد قال: (ركعت فطبقت، فقال أبي: إن هذا شيء كنا نفعله، ثم ارتفعنا إلى الركب)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، وأن ابنه مصعب كان يطبق، يضع يديه بين فخذيه، فقال: (إن هذا شيء كنا نفعله فنهينا عنه، وارتفعنا إلى الركب)، يعني: بدلاً من أن ندخلها بين الفخذين، نظهرها ونجعلها على ركبنا، فالحديث دال على النسخ.

    تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في نسخ التطبيق من طريق أخرى قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].حدثنا الفلاس، ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو محدث، ناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل بن أبي خالد].
    هو إسماعيل بن أبي خالد البجلي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزبير بن عدي].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مصعب عن أبيه].
    وقد مر ذكرهما.
    الأسئلة

    حكم الغناء
    السؤال: قرأت في بعض كتب المعاصرين يقول صاحب الكتاب: إن الغناء ليس محرماً إذا لم يضل عن سبيل الله، وعلل بذلك بأن الله قال: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ )[لقمان:6]، وقال: إن اللام في (ليضل) للتعليل.. إلى آخره.الجواب: ليس الدليل على ذلك الآية فقط، وإنما الآية والأحاديث التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. ثم أيضاً لا يكون الشيء أنه يكون للتعليل، وإنما بيان أن هذا من شأنه، وأنه يكون من شأنه كذلك، والأحاديث جاءت في تحريم ذلك، وهي كافية في قيام تحريمه، كما جاء في البخاري وغيره من الأحاديث الدالة على تحريم الغناء، سواءً كان أريد به الإضلال، أو أريد به الطرب والاستلذاذ والتمتع بالصوت الذي فيه طرب، كل ذلك لا يجوز، لا إن أريد به الإفساد، ولا إن أريد به الطرب.
    مدى تعلق عمل الجوارح بالإيمان
    السؤال: الإيمان هو قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، فهل هناك مؤلفات كتبت في عمل الجوارح؟الجواب: كل الأعمال هي أعمال الجوارح، كل ما هو عمل يعمله الإنسان بجوارحه.. وهذا هو الكثير؛ لأن الصلاة من عمل الجوارح، والزكاة من عمل الجوارح، والحج من عمل الجوارح، وكل هذه يقال لها: أعمال جوارح، ولهذا يأتي كثيراً ذكر الإيمان معطوف عليه العمل الصالح، وليس عطفه عليه لأنه مغاير، ولكن نص عليه مع الإيمان، ونص عليه على حدة؛ لأن هذا هو الميدان، وهذا هو النجاة الذي يكون فيه التفاوت بين الناس.

    حكم الوقوف إلى جهة قبر النبي عليه الصلاة والسلام
    السؤال: فضيلة الشيخ حفظه الله: في هذه الأيام رأينا ظاهرة غريبة وهي لقد كثر الواقفون إلى جهة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كوقوفهم في الصلاة، يزعمون أنهم يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذه الظاهرة يجوز العمل بها؟الجواب: كون الإنسان يكون في المسجد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقف متجهاً إلى القبر عند باب المسجد، أو في مكان آخر غير المكان الذي هو مقابل، يعني أمام القبر الشريف؛ لأن سلام الزيارة يكون أمام القبر الشريف، أما السلام من بعد، سواءً عند الباب أو في أي مكان من المسجد، بحيث يقف ويتجه إلى القبر، ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم من مكان، ليس المكان المقابل للقبر الذي هو أمامه، وبينه وبين القبلة، يعني في جهة المواجهة للقبر الشريف، هذا عمل غير صحيح، وعمل محدث، والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي الإنسان ويسلم عليه عند دخول المسجد، وعند الخروج منه، وفي المسجد وفي أي مكان، يقول: صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، والملائكة تبلغه كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، يعني: بواسطة الملائكة، كما جاء في الحديث الآخر: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام).
    وعلي بن حسين رحمة الله عليه لما رأى رجلاً يتردد إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي إلى فرجة ويقف عندها، فقال له: ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، ثم قال: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء)، يعني: أن الملائكة تبلغ السلام إلى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    ومما يوضح أن هذا عمل محدث الذي هو كون الناس، أو بعض الناس يقف عند باب المسجد، ويستقبل القبر، وقد يضع يديه على صدره كهيئة الصلاة.. مما يوضح أنه عمل محدث: أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام لما كان موجوداً بين أظهرهم، يكون في حجرته ويكون أيضاً في مصلاه، ما كان الواحد منهم إذا أراد أن يخرج اتجه إلى الحجرة، والرسول صلى الله عليه وسلم فيها، أو اتجه إلى جهة مصلاه، والرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وسلم عليه، وعمل هذه الهيئة، ما كانوا يفعلون هذا، وإنما كان شأنهم أنه لما كان بين أظهرهم الواحد منهم إذا وصل عنده قال: السلام عليك يا رسول الله، أما كونه يقف عند باب المسجد، أو يقف في مكان بعيد، فإن هذا ما كانوا يفعلونه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #197
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (194)


    - (باب الإمساك بالركب في الركوع) إلى (باب الاعتدال في الركوع)

    السنة في الركوع أن يضع راحتيه على ركبتيه وأصابعه أسفل من ركبتيه، ويطمئن في ركوعه، ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يقنع، وإنما يسويه مع ظهره كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
    الإمساك بالركب في الركوع
    شرح حديث: (سنت لكم الركب، فأمسكوا بالركب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإمساك بالركب في الركوع.أخبرنا محمد بن بشار حدثني أبو داود حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبد الرحمن عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (سنت لكم الركب، فأمسكوا بالركب)].
    يقول النسائي رحمه الله: إمساك الركب في الركوع، المقصود من هذه الترجمة: إثبات وضع الأيدي على الركب في الركوع، وأن المصلي يمسك ركبتيه بيديه، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وأما كيفية الوضع وطريقته فتبينها الأحاديث القادمة في التراجم الآتية، ولكن هنا المقصود إثبات إمساك الركب بالأيدي في حال الركوع.
    وقد أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: [(سنت لكم الركب، فأمسكوا بالركب)].
    قوله: (سنت لكم الركب)، يعني: بأن توضع الأيدي عليها، (فأمسكوا بالركب)، أي: بأيديكم، وقول الصحابي: سن لكم كذا، أو من السنة كذا، المراد بذلك: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه له حكم الرفع، وهو بمعنى المرفوع، ودال على الرفع؛ لأن الصحابي إذا قال السنة كذا، أو من السنة كذا، أو تلك السنة؛ فإنما يريد بذلك: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ولما أرشد رضي الله تعالى عنه إلى السنة في قوله: (سنت لكم الركب)، أمر بالإمساك للركب، وأن هذا هو مقتضى السنة، وهذا هو تطبيق السنة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سنت لكم الركب، فأمسكوا الركب)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو الملقب بندار البصري، ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة مباشرة، وبدون واسطة، إذ هو شيخ لهم جميعاً، كلٌ منهم روى عنه مباشرة، وبدون واسطة، وهو من شيوخ البخاري الصغار، الذين زمنهم مماثل لزمنه تقريباً؛ لأنه ليس بين وفاة البخاري وبين وفاة محمد بن بشار إلا أربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن بشار توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ومثل محمد بن بشار في كونه من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وكونه من صغار شيوخ البخاري، الذين توفوا قبل وفاته بأربع سنوات: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى، الملقب: الزمن، فإن هؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
    [حدثني أبو داود].
    هو سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند، وهو ثقة حافظ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا شعبة].
    وهو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأعمش].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب لـسليمان، ويأتي ذكره بالاسم، وذكره باللقب، وقد ذكرت مراراً أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين: أن لا يظن أن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى.
    [عن إبراهيم النخعي].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، المحدث، الفقيه، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبد الرحمن].
    أبو عبد الرحمن السلمي، هو عبد الله بن حبيب، ثقة، ثبت، مقرئ، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر].
    وهو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
    و عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، هو الخليفة الراشد، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وثاني العشرة المبشرين بالجنة، الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان أسلم قبله عدد من الصحابة ما يقرب من أربعين، وكان عنده قوة وصلابة، ولما أكرمه الله عز وجل بالإسلام، صارت قوته وشدته ضد أعداء الإسلام والمسلمين، فكان قوياً، ومعروفاً بالقوة وبالشدة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر العظيم، فإنه لا يجتمع عمر والشيطان في طريق واحد، فإذا سلك عمر طريقاً، هرب الشيطان من تلك الطريق التي فيها عمر رضي الله تعالى عنه.
    وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام قصراً في الجنة، وسأل: لمن هذا؟ فقيل له: لـعمر بن الخطاب، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة، وهو الذي جاء عنه في رؤيا رسول الله عليه الصلاة والسلام، (أنه على قليب ينزع منها، ثم إنه أخذها بعده أبو بكر، فنزح ذنوباً أو ذنوبين، ثم أخذها ابن الخطاب، فاستحالت غرباً، فجعل ينزع منها، فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن). أي: وهذه الرؤيا تأويلها: ولايتهم، ولاية أبي بكر وعمر من بعده، وأن مدة أبي بكر كانت وجيزة، وأنه كان على طريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ينزح من البئر، ولكن نزحه قليل؛ وذلك إشارة إلى مدة خلافته وقصرها وقلتها، وأنها بلغت سنتين وأشهراً، (ثم أخذها عمر فاستحالت غرباً فجعل ينزع منها، فلم فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن)، وهذا فيه إشارة إلى مدة خلافته وطولها، وما حصل فيها من الخير العظيم، وما حصل فيها من الفتوحات، وما حصل فيها من انتصار المسلمين، وغلبتهم على أعدائهم، فإنه في زمن عمر رضي الله عنه قضي على الدولتين العظيمتين في ذلك الزمان، وهما: دولة فارس والروم، وأتي إليه بالكنوز إلى المدينة، وقسمها رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث: (إنما السنة الأخذ بالركب) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال عمر رضي الله عنه: (إنما السنة الأخذ بالركب)].أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب من طريق أخرى، وهو قوله: (إنما السنة الأخذ بالركب)، يعني: الإمساك بها عند الركوع.
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
    هو المروزي، ثقة، حافظ، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [أنبأنا عبد الله].
    وهو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، حجة، جواد، مجاهد، عابد، وصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بصفات عديدة وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حصين].
    وهو عثمان بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عبد الرحمن عن عمر].
    أبو عبد الرحمن السلمي عن عمر، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. مواضع الراحتين في الركوع
    شرح حديث أبي مسعود: (... فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مواضع الراحتين في الركوع.أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن سالم قال: (أتينا أبا مسعود رضي الله عنه فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين أيدينا وكبر، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وجافى بمرفقيه حتى استوى كل شيء منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استوى كل شيء منه)].
    هذا الذي قاله سالم البراد ومن معه، لما جاءوا إلى أبي مسعود الأنصاري البدري، وقولهم له: حدثنا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة، من الحرص على تلقي السنن وأخذها، ومعرفتها، وتلقيها عن الذين تلقوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: الصحابة، فالصحابة عندهم الحرص التام على تلقي السنن من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتابعون لديهم الحرص التام على تلقي ذلك عن الصحابة، ولهذا جاء سالم البراد، ومن معه، إلى أبي مسعود الأنصاري، وطلبوا منه أن يحدثهم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فهو دال على حرصهم وعلى تلقيهم السنن، ومعرفتها، ومعرفة الأحكام الشرعية، وذلك ليعبدوا الله عز وجل طبقاً لما يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [(فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقام بين أيدينا وكبر، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك)].
    الترجمة هي: باب مواضع الراحتين في الركوع؛ لأنه لما ذكر الترجمة السابقة وهي: الإمساك بالركب؛ هنا ذكر الراحتين، وأين موضعهما -يعني- عند الإمساك بالركب؟ كيف يكون وضعهما؟ وما هي مواضعهما؟ فأتى بحديث أبي مسعود هذا، وفيه الدلالة على ما ترجم له، وأنه أمسك براحتيه ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، يعني: تجاوزت الركبتين إلى جهة الساقين، يعني: الراحة على الركبة، وتكون الأصابع نزلت وراء الركبة.
    قوله: [(فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك)]، يعني: نزلت عن الركبتين إلى ما وراء الركبة، إلى شيء من الساق.
    قوله: [(وجافى بمرفقيه حتى استوى كل شيء منه)].
    أي: عند الركوع، معناه: أنه لم يلصق مرفقيه ببطنه، وإنما جافى بينهما، حتى استوى كل شيء منه، فاستقر راكعاً، وهذا فيه: الإشارة إلى الاطمئنان في الركوع؛ لأن الاستواء لا يكون إلا بعد أن يحصل استقرار، هذه الهيئة، واستوى، واستقر فصار راكعاً، استوى كل شيء منه، أي: ركد واستقر على هيئة الركوع، أي: ليس هو انحناء ثم رفع، وإنما هو استقرار، الذي هو الاطمئنان في الركوع والسجود، لا بد منه، وهو أن الإنسان إذا ركع يستقر ويطمئن بحيث يثبت راكعاً، لا يهوي ثم يرفع بدون استقرار، وبدون ثبوت، بل يثبت راكعاً ويستقر، ويستوي كل شيء منه، بمعنى: أنه وضع اليدين على الركبتين، وحنى ظهره حتى صار على الهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي كون الرأس مساوياً للظهر.
    قوله: [(ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استوى كل شيء منه)].
    معناه أنه استقر قائماً، ليس مجرد ارتفاع ثم هبوط، وإنما استقرار، واستوى قائماً، مستقراً في حال قيامه، فالحديث دال على ما ترجم له من وضع الراحتين على الركبتين، والأصابع تنزل عن هذا الموضع.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: (... فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].
    هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، مر بنا ذكره في مواضع، مثل: إسماعيل بن مسعود أبو مسعود، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، وعدد من المحدثين، توافق كناهم أسماء آبائهم، وذكرت أن معرفة هذا النوع فائدته: أن لا يظن التصحيف، فيما إذا كان معروفاً عند بعض الناس بالاسم، ولكن لا يعرف الكنية، فلو جاء بدل هناد بن السري: هناد أبو السري من لا يعلم أن الكنية أبو السري يظن أن (ابن) صحفت وتحولت إلى (أبو)، ومن يعلم يعرف أنها إن جاءت ابن السري فهو صحيح؛ لأنه ابن السري، وإن جاءت أبو السري فهو صحيح؛ لأن كنيته أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الأحوص].
    هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وأبو الأحوص توفي سنة مائة وتسع وسبعين، وهناد بن السري توفي فوق الأربعين، مائتين وفوق الأربعين، فكان عمره إحدى وسبعون سنة، ولادته كانت فوق الخمسين أو سنة ستين، ومعناه أنه أدرك مدة من حياة أبي الأحوص الذي هو هناد بن السري.
    [عن عطاء بن السائب].
    هو عطاء بن السائب الكوفي، وهو صدوق اختلط، والمختلط: الطريقة في حديثه: أن ما سمع منه قبل الاختلاط، فهذا صحيح ومعتبر، وما سمع منه بعد الاختلاط، هذا لا يعول عليه إذا انفرد، لكن لو وافق غيره ممن روى قبل الاختلاط، وكان مطابقاً أو روايته مطابقة لرواية غيره قبل الاختلاط، فإن ذلك يكون معتبراً، وإنما التأثير فيما إذا لم يأت إلا من طريقه، ولم يؤخذ عنه إلا بعد الاختلاط، فإن هذا لا يثبت به الحديث.
    وعطاء بن السائب ذكر في ترجمته أن ممن سمع منه قبل الاختلاط: زائدة الذي سيأتي في طرق الحديث، زائدة بن قدامة الثقفي، في بعض الطرق التي سيأتي فيها زائدة، وعلى هذا فهذا الحديث، قد سمع منه قبل الاختلاط، وممن سمعه منه زائدة، والذين لم يسمعوا منه قبل الاختلاط، وكان سماعهم بعد الاختلاط، أو كان مشكوكاً فيه: هل كان قبل الاختلاط أو بعده؟ لا يؤثر ما دام أن الحديث ثبت من طريق من سمع قبل الاختلاط، إذاً: هؤلاء حديثهم ليس مخالفاً وليس منفرداً به، وليس مما انفرد به حتى يقال: إنه لم يثبت إلا من هذه الطريق التي لم يثبت السماع فيها، فـزائدة قالوا: إنه سمع منه قبل الاختلاط، وكذلك ذكر غيره ممن سمع قبل الاختلاط، وأناس سمعوا بعد الاختلاط، لكن من سمع بعد الاختلاط، وقد كان موافقاً لرواية غيره عنه ممن سمع عنه قبل الاختلاط لا تضر روايته؛ لأنها مطابقة، لأن المحذور هو أنه لم يضبط، لكن ما دام ضبط، أو ضبط عنه وحفظ عنه قبل أن يختلط، فالحديث الذي يأتي من طريقه معتبر.
    وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن سالم].
    هو سالم البراد الكوفي أبو عبد الله، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن أبي مسعود].
    وهو عقبة بن عمرو الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره قريباً في أحاديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    مواضع أصابع اليدين في الركوع

    شرح حديث أبي مسعود: (... فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مواضع أصابع اليدين في الركوع.أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي حدثنا حسين عن زائدة عن عطاء عن سالم أبي عبد الله عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: (ألا أصلي لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ فقلنا: بلى، فقام فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه، وجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه فقام حتى استوى كل شيء منه، ثم سجد فجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثم قعد حتى استقر كل شيء منه، ثم سجد حتى استقر كل شيء منه، ثم صنع كذلك أربع ركعات، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهكذا كان يصلي بنا)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مواضع أصابع اليدين في الركوع، وأورد فيها حديث أبي مسعود من طريق أخرى، والرواية السابقة دالة على هذا، لكن تلك أوردها من أجل الاستدلال على الراحتين وموضعهما، وهنا الترجمة تتعلق بالاستدلال على مواضع الأصابع -أصابع اليدين عند الركوع- عندما يقعد الإنسان على ركبتيه.
    وفي هذه الطريق: أن أبا مسعود عقبة بن عمرو قال: [ألا أصلي لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟] ألا أصلي لكم، يعني: معناه أنه يريهم كيفية صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    الإسناد الذي تقدم: [ قالوا: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، يعني: هم طلبوا منه الحديث، ولكنه أراد أن يبين لهم بالفعل، فعرض عليهم وقال: ألا أصلي لكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ يعني: أراد أن يبين بالفعل؛ حتى يشاهدوه ويعاينوه ويعاينوا فعله.
    وهذا أيضاً فيه: كما ذكرت في الذي قبله، حرص الصحابة على بيان السنن بالقول والفعل، وقدوتهم في ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، يعني: بين بقوله وفعله، وأرشدهم إلى أنه يفعل، وأنهم عليهم أن ينظروا إلى أفعاله، وهم لا شك أنهم يتابعونه، أي: لو لم يقل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإنهم سيصلون كما يصلي؛ لأنهم يأخذون أفعاله، لكن هذا من البيان بالقول، ومن أيضاً حثهم على أن يتعرفوا على الهيئة التي يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا من البيان بالقول والفعل.
    وهنا قوله: [(ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)]، هو بالقول والفعل؛ لأنه أولاً عرض عليهم، وهذا قول، ثم فعل وصلى بهم وهم يرون.
    قوله: [(فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه)]، أي: أنها نزلت إلى الساقين؛ لأن الراحة -راحة اليدين- وضعت على الركبتين، فتنزل الأصابع إلى الساقين، أو إلى أوائل الساقين، أو أعالي الساقين.
    وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وهي مواضع أصابع اليدين في الركوع.
    قوله: [(وجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه)]. ثم جافى إبطيه عن جنبيه، فلم يلصقهما، وإنما حصل مجافاة.
    قوله: [(حتى استقر كل شيء منه)]. يعني: استقر راكعاً، وثبت راكعاً، هي مثل استوى، التي مضت في الرواية السابقة، يعني: استقر راكعاً على هذه الهيئة، وهو يدل على الطمأنينة والاستقرار في الركوع.
    قوله: [(ثم رفع رأسه فقام حتى استوى كل شيء منه)]. يعني: استقر قائماً، واستوى كل شيء منه على هيئته في حال القيام.
    قوله: [(ثم سجد فجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه)]. يعني: المجافاة في السجود، مجافاة الإبطين عن الجنبين، حتى استقر كل شيء منه، أي في السجود، بحيث استقر ساجداً واطمأن ساجداً.
    قوله: [(ثم قعد حتى استقر كل شيء منه)]. أي: حتى استقر جالساً، واستقر كل شيء منه في حال جلوسه، وهو يفيد الاطمئنان بين السجدتين.
    قوله: [(ثم سجد حتى استقر كل شيء منه)]. ثم سجد السجدة الثانية حتى استقر كل شيء منه، أي: مطمئناً في سجوده.
    قوله: [(ثم صنع كذلك أربع ركعات)]. ثم صنع هكذا أربعاً أي: فعل هذا الذي فعله في هذه الركعات التي وصفها في الأربع الركعات، أو في الثلاث الركعات الباقية، يعني: في جميع الركعات التي هذه أولها، وصنع مثل ما صنع لهذه الركعة.
    قوله: [(ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهكذا كان يصلي بنا)]. يعني: أنه يصلي في حال صلاته وحده، يعني: في صلاته النوافل: [وهكذا كان يصلي بنا]، يعني: في حال النوافل والفرائض، هكذا رأوه يصلي، وهكذا كان يصلي بهم، عندما يؤمهم ويتقدمهم في الصلاة، فإنهم عرفوا هذه الهيئة في صلاته، فيما إذا كان يتنفل وهم يرون، وفي صلاته إذا كان صلى بهم وأمهم في الصلاة.
    وكلام أبي مسعود رضي الله عنه، في آخر الحديث، مثل كلامه في أول الحديث، وهو قول دال على عناية الصحابة ببيان السنن؛ لأنه في الأول قال: [ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟] وفي آخره قال: [هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي]، في البداية عرض عليهم، وفي الآخر قال: هكذا، فهو من باب بيان السنن بالقول والفعل.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: (... فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه وجعل أصابعه من وراء ركبتيه ...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحسين].
    وهو حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة].
    هو زائدة بن قدامة الثقفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب عن سالم عن أبي مسعود].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    التجافي في الركوع
    شرح حديث أبي مسعود: (... فلما ركع جافى بين إبطيه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التجافي في الركوع.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن عطاء بن السائب عن سالم البراد قال أبو مسعود رضي الله عنه: (ألا أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ قلنا: بلى، فقام فكبر، فلما ركع جافى بين إبطيه، حتى لما استقر كل شيء منه رفع رأسه، فصلى أربع ركعات هكذا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي التجافي في الركوع، يعني: مجافاة الإبط، الجنب أو الإبطين عن الجنبين، أي: عدم إلصاقهما بالجنبين، وإنما يجافي بينهما، بحيث لا يلصق عضده في جنبه، وإنما يجافي بينهما، فـالنسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة، والأحاديث التي مضت تدل عليها، ولكن هذه طريقته، أي: يأتي بالحديث من طرق، ويأتي لكل ترجمة بطريق غير الطريق الأولى، وهو دال على ما ترجم له، وإن كانت الطرق الماضية في التراجم السابقة، لتراجم أخرى تدل على هذا، إلا أن هذه طريقته، يعني: يأتي بالحديث من طرق، وكل طريق يأتي بها في ترجمة؛ ليستدل بها على الترجمة، وإن كانت تلك الطريق تدل على تراجم أخرى.
    وأبو مسعود رضي الله عنه قال: [(ألا أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ قلنا: بلى، فقام فكبر، فلما ركع جافى بين إبطيه حتى لما استقر كل شيء منه رفع...)].
    يعني: بعدما استقر وثبت راكعاً واطمأن راكعاً، رفع رأسه من الركوع، ومحل الشاهد منه ذكر المجافاة هنا.
    قوله: [(فصلى أربع ركعات هكذا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي)].
    وهو مثل الذي قبله.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: (... فلما ركع جافى بين إبطيه ...)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو الدورقي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كما ذكرت ذلك آنفاً عند ذكر محمد بن بشار.
    [عن ابن علية].
    وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عطاء بن السائب عن سالم عن أبي مسعود].
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    الاعتدال في الركوع
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا ركع اعتدل...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاعتدال في الركوع.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع اعتدل، فلم ينصب رأسه ولم يقنعه، ووضع يديه على ركبتيه)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاعتدال في الركوع، يعني: الاستواء فيه، بحيث يكون رأسه محاذياً لظهره، ويكون مستقراً في ركوعه، ويداه على ركبتيه، لا يكون رأسه مرتفعاً وظهره غير منحنٍ، ولا يكون أيضاً بأن يخفض رأسه، ويعصر ظهره بحيث ينزل، أي: يكون مستوياً، وإنما يكون رأسه محاذياً لظهره؛ ولهذا أورد حديث أبي حميد.
    وقد أورد حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع اعتدل فلم ينصب رأسه ولم يقنعه)]، يعني: ما رفعه ولا خفضه، وإنما جعله مساوياً لظهره، وهذا هو المقصود، وهذا تفسير للاعتدال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا ركع اعتدال...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وقد مر ذكره.
    [حدثنا يحيى].
    وهو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
    عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن عمرو بن عطاء].
    محمد بن عمرو بن عطاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حميد].
    أبو حميد الساعدي، هو المنذر بن سعد بن منذر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي مشهور بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة

    التطبيق العملي لوضع الراحتين على الركبتين
    السؤال: أرجو أن تبين لنا موضع الراحتين في اليدين، وموضع أصابع اليدين على الركبتين بالتطبيق العملي؟الجواب: هذا هو، الركبتين والأصابع نزلت، لكن كون الأصابع، تجمع أو تفرق، لا أدري؟

    حكم تصوير المجسمات لغير ذوات الأرواح
    السؤال: ما حكم مجسمات غير ذوات الأرواح، يقول على سبيل المثال: الكفين حال الدعاء، بعض المجسمات هكذا؟الجواب: أقول: صورة الكفين لا بأس بها، المحذور هو الوجه وما يتبع الوجه، يعني لو صورة رجل أو صورة كف، اللهم إلا إذا كانت الكف فيها فتنة، أو فيها شيء يغري أو يؤثر، فيكون المنع لسبب الحسن والجمال الذي يؤثر.
    حكم الصلاة بين السواري
    السؤال: هل تجوز الصلاة بين السواري إذا كانت نافلة، أو لا، وذلك على الجنازة؟الجواب: الصلاة بين السواري في حال الجماعة لا يجوز، أن يصف بينها إلا إذا لم يوجد، إلا ما بين السواري لامتلاء المسجد، وحاجة الناس إلى أن يصفوا بين السواري، لكن إذا صف جماعة، وواحد لم يجد إلا هذا المكان، وقد امتلأت الصفوف، فله أن يصف، كما أن له أن يصف وحده، يعني: للضرورة، أما بالنسبة للنافلة فالصلاة جائزة، لكن الأولى أن الإنسان يصلي إلى سترة، يعني: ما دام أنه ليس هناك ضيق، فكونه يأتي ويختار المكان الذي فيه سترة، أولى من كونه يذهب.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #198
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (195)


    - باب النهي عن القراءة في الركوع - باب تعظيم الرب في الركوع
    نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود؛ وذلك لأن الركوع موضع لتعظيم الرب سبحانه وتعالى، ولا بأس فيه بشيء من الدعاء. وأما السجود فيكثر الإنسان فيه من الدعاء؛ لأنه مظنة الاستجابة، ولا بأس فيه بتعظيم الله تعالى.

    النهي عن القراءة في الركوع
    شرح حديث علي: (نهاني النبي عن القسي والحرير وخاتم الذهب وأن أقرأ وأنا راكع...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن القراءة في الركوع.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا حماد بن مسعدة عن أشعث عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القسي والحرير وخاتم الذهب، وأن أقرأ وأنا راكع، وقال مرة أخرى: وأن أقرأ راكعاً)].
    يقول النسائي رحمه الله: النهي عن القراءة في الركوع، هذه الترجمة كما هو واضح مفادها: أن المصلي في حال ركوعه -وكذلك في حال سجوده- لا يقرأ القرآن، وإنما قراءة القرآن تكون في حال القيام؛ في حال قيامه الأول الذي هو قبل الركوع، هذا هو محل القراءة، يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، وأما الركوع والسجود فإنه لا يقرأ فيه القرآن، وإنما يكون فيه الذكر والدعاء، فيعظم الله عز وجل في الركوع، ويكثر من الدعاء في السجود، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: [(نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي)]، والمراد بها: ثياب تنسب إلى بلد بهذا الاسم، وهي مخلوطة بالحرير، فنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن لبس الحرير الذي هو الخالص، وعن التختم بالذهب، ومن المعلوم أن الرجال لا يجوز لهم استعمال الذهب مطلقاً؛ لا التختم، ولا غير التختم، وأما بالنسبة للفضة فللرجل أن يتخذ الخاتم من الفضة، وأما الذهب فلا يجوز في حق الرجال، وإنما هو جائز في حق النساء، وقد أخذ النبي عليه الصلاة والسلام ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، فهنا قال: [(وعن خاتم الذهب)].
    قوله: [(وأن أقرأ وأنا راكع)]، هذا هو محل الشاهد، وقال مرة: [(وأن أقرأ راكعاً)]، يعني: في حال الركوع، هي حال إلا أنها في قوله: [(وأن أقرأ وأنا راكع)]، الجملة حال، والرواية الثانية التي قال مرة أخرى: [(وأن أقرأ راكعاً)]، راكعاً أيضاً حال، وأنا راكع أو راكعاً، كل منهما حال، إلا أن هذا مفرد والأول جملة.
    ومحل الشاهد منه هذه الجملة الأخيرة؛ وهي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن القراءة في حال الركوع.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (نهاني النبي عن القسي والحرير وخاتم الذهب وأن أقرأ وأنا راكع ...)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا حماد بن مسعدة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أشعث].
    هو ابن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن محمد].
    هو: ابن سيرين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيدة].
    هو عبيدة بن عمرو السلماني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي كبير مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي رضي الله عنه].
    هو علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبو الحسنين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وهو صاحب المناقب الكثيرة والخصال العظيمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وعبيدة بالفتح وكسر الباء، وهو موجود في الكتاب: عبيدة بالضم وهو خطأ، وإنما هو عبيدة بفتح العين وكسر الباء؛ عبيدة بن عمرو السلماني.
    شرح حديث علي: (نهاني رسول الله عن خاتم الذهب وعن القراءة راكعاً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه قال: (نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن القراءة راكعاً، وعن القسي والمعصفر)].هنا أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث علي من طريق ابن عباس، ففيه رواية صحابي عن صحابي، وهو مشتمل على ما تقدم من ذكر النهي عن لبس القسي، وعن خاتم الذهب، وعن القراءة في حال الركوع، وعن المعصفر.
    والمعصفر هي: ثياب مصبوغة يقال لها؛ يعني: توصف بهذا الوصف الذي هو المعصفر، وقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (نهاني رسول الله عن خاتم الذهب وعن القراءة راكعاً ...)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو القطان، المحدث، الناقد، المشهور، ثقة، ثبت معروف كلامه في الرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عجلان].
    هو: محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه عبد الله بن حنين، وهو كذلك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عباس].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    [عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه].
    قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث علي: (نهاني رسول الله ولا أقول ينهاكم عن تختم الذهب ... وعن القراءة في الركوع)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن داود المنكدري حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن حنين عن أبيه عن عبد الله بن عباس عن علي رضي الله عنهما أنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهاكم، عن تختم الذهب، وعن لبس القسي، وعن لبس المفدم والمعصفر، وعن القراءة في الركوع)].هنا أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه يقول: [(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهاكم)]، وليس المقصود من هذه العبارة أن هذا الحكم يخصه، وأنه من خصائصه، وأن الأمة ليست كذلك؛ لأن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء دليل يدل على اختصاصه بهذا الذي خوطب به، مثل ما جاء في حديث الرجل الذي ذبح أضحيته قبل الصلاة، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (شاتك شاة لحم، ثم قال: إن عندنا عناقاً داجن)، يعني: أنها ما بلغت السن الذي هو السنة؛ لأن الأضحية والهدي لا يقل عمر المعز عن سنة، وأما الضأن يكون ستة أشهر، فهو أخبر بأن عنده عناقاً داجناً، يعني: سمين، وهي لم تبلغ السن الذي يحل في الأضحية، فهل تجزئ عني؟ قال: (نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك)، عرف بأن هذا حكم يخصه؛ لأنه سأل: هل يجزئ عنه؟ قال: نعم، وأضاف إلى ذلك: (ولن تجزئ عن أحد بعدك)، يعني: ما تقضي ولا تجزئ عن أحد بعدك، فدل هذا على أن هذا حكم خاص بهذا الرجل، وأما إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لشخص: لا تفعل كذا ولا تفعل كذا؛ كقوله لـعلي: [(لا تلبس القسي، ولا تقرأ وأنت راكع)]، ولا تفعل كذا بصيغة الإفراد؛ فإن هذا الحكم لا يختص به؛ لأن الأحاديث التي فيها خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للجميع، وخطابه لواحد خطاب للأمة، والرجل الذي قبل الأجنبية، وجاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره أن يصلي معه، فأنزل الله عز وجل: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )[هود:114]، قال: (هل هذا لوحدي يا رسول الله؟) -لأنه كان سبب النزول- قال: (بل لأمتي كلهم)؛ لأن الخطاب لواحد خطاب للجميع، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما يقولون.
    ومعنى قول علي رضي الله عنه: [نهاني ولا أقول: نهاكم]، أنه قال له: لا تفعل كذا، ما قال: لا تفعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، وإنما قال: لا تفعل كذا يخاطبه، وهذا معناه أنه تقيد باللفظ الذي صدر إليه، وأنه قال: لا تفعل، ولم يقل: لا تفعلوا، وهذا منه رضي الله عنه محافظة على اللفظ، وأنه يبلغ مثلما تحمل، وقد تحمل أنه قيل له: لا تفعل، فعندما راح يخبر قال: نهاني ولا أقول: نهاكم؛ لأنه لم يقل لا تفعلوا كذا، وإنما قال: لا تفعل، خطاب لواحد، فهذا المراد به الحكاية عند الأداء مثل ما تحمل، وقد تحمل في حال الإفراد، وعندما أراد أن يبلغ بين أن ذلك في حال الإفراد، وأنه قال: [(نهاني ولا أقول: نهاكم)]، ولا أقول: أنه قال: لا تفعلوا، وإنما قال: لا تفعل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا دليل على عدم الرواية بالمعنى، وأن الإنسان إذا أخذ شيئاً يؤديه كما جاء وكما تحمله، لكن كما هو معلوم الرواية بالمعنى سائغة وجائزة؛ لأن الراوي إذا لم يتمكن من حفظ اللفظ، ولكنه حفظ المعنى وضبطه، فإنه يؤديه بالألفاظ التي يؤدى بها، والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )[التغابن:16]، فإذا لم يكن الإتيان به بلفظه وأمكن الإتيان به بمعناه فإنه لا يسكت عنه، بل يبلغ ولو كان رواية بالمعنى؛ لأن هذا هو الذي يستطاع، ولو كان ممكن الإتيان باللفظ فهو الأولى والأكمل؛ لأن لفظ رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا جاء فإنه لا ينبغي أن يعدل عنه، بل الذي ينبغي أن يؤتى به كما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أولى من الرواية بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة، وليست ممنوعة، لكن من تمكن من اللفظ، فالذي ينبغي له أن لا يعدل عنه.
    إذاً: فكلام علي رضي الله عنه هو محافظة على اللفظ الذي وجه إليه، قال: لا تفعل كذا، ما قال: لا تفعلوا، لكن الأمر كما ذكرت وأكرر أن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء نص يدل على الاختصاص به.
    فهذا هو معنى قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهاكم، عن لبس القسي، وعن لبس المفدم)]، والمفدم قيل: إن معناه هو: الأحمر الشديد الحمرة المتناهي في الحمرة، وقد جاء في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام لبس الأحمر، ويجمع بين هذا وذاك، بأن هذا المنهي عنه هو: المتناهي في الحمرة، والشديد الحمرة، وأما إذا كان دون ذلك، أو ليس متناهياً، فهذا هو الذي جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لبسه، فيجمع بين ما جاء عنه من الفعل، وما جاء عنه من النهي.
    قوله: [والمعصفر]، قد مر ذكره قبل هذا.
    قوله: [وعن القراءة في الركوع].
    هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (نهاني رسول الله ولا أقول: نهاكم عن تختم الذهب... وعن القراءة في الركوع)
    قوله: [أخبرنا الحسن بن داود المنكدري].لا بأس به، وقد أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا ابن أبي فديك].
    هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الضحاك بن عثمان].
    صدوق يهم، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن إبراهيم بن حنين عن أبيه عن عبد الله عن علي ].
    قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث علي: (نهاني رسول الله عن خاتم الذهب ... وقراءة القرآن وأنا راكع) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد زغبة عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين حدثه: أن أباه حدثه: أنه سمع علياً رضي الله عنه يقول: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن لبوس القسي والمعصفر، وقراءة القرآن وأنا راكع)].وفيه ما في الذي قبله ما تقدم من النهي عن لبس القسي، وعن خاتم الذهب، وعن المعصفر، وأن يقرأ القرآن وهو راكع، ومحل الشاهد منه: النهي عن قراءة القرآن في حال الركوع.
    قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد زغبة].
    هو عيسى بن حماد، ولقبه زغبة، فجمع بين النسب واللقب، وهذا يأتي أحياناً، فيجمع بين الاسم واللقب، وأحياناً يذكر الاسم بدون اللقب، وقد يذكر اللقب بدون الاسم، مثل: محمد بن جعفر غندر، يأتي أحياناً باسمه فقط، وأحياناً بلقبه، وأحياناً باسمه ولقبه مع بعض؛ محمد بن جعفر غندر، وهنا فيه الجمع بين الاسم والنسب واللقب، الذي هو زغبة، وهو التجيبي المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن الليث].
    هو الليث بن سعد، وقيل في ترجمة عيسى بن حماد هذا: إنه آخر من روى عن الليث من الثقات، والليث بن سعد هو المحدث، الفقيه، ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يزيد بن أبي حبيب].
    ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين حدثه: أن أباه حدثه: أنه سمع علياً].
    قد مر ذكرهم قبل هذا.
    قد يأتي في بعض الأسانيد ذكر ابن عباس بين عبد الله بن حنين وبين علي، وفي بعضها يأتي دون ذكر ابن عباس، وهذا يحصل بأن يكون الراوي حصله نازلاً، ثم إنه يظفر به عالياً، فيرويه على الوجهين، فيكون رواه عن ابن عباس عن علي، ويكون أدرك أو لقي علياً، فأخذه منه مباشرة، فتكون الرواية على الوجهين، ولهذا قال: سمعت علياً، هنا يقول في هذا الإسناد: عن عبد الله بن حنين، قال: سمعت علياً، فهو يروي هذا الحديث عن علي بواسطة ابن عباس وبدون واسطة.
    حديث علي: (نهاني رسول الله عن لبس القسي ... وعن القراءة في الركوع) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي، والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن القراءة في الركوع)].هنا أورد النسائي حديث علي من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما تقدم من النهي عن لبس القسي، وعن المعصفر، وعن التختم بخاتم الذهب، وعن القراءة في حال الركوع، ومحل الشاهد منه في الجملة الأخيرة؛ وهي القراءة في حال الركوع.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مالك].
    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن نافع].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن عبد الله عن أبيه عن علي].
    قد مر ذكرهم.
    تعظيم الرب في الركوع
    شرح حديث: (... فأما الركوع فعظموا فيه الرب ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تعظيم الرب في الركوع.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ثم قال: ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء قمن أن يستجاب لكم)].
    هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تعظيم الرب في الركوع، يعني بذلك: أن الركوع هو موضع يعظم فيه الرب ويثنى عليه سبحانه وتعالى بما يليق به، وذلك بما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسيأتي جملة من الأحاديث التي فيها الذكر الذي يكون في الركوع، وهو مشتمل على تعظيم الرب سبحانه وتعالى، لكن هذا لا يعني أنه لا يدعى فيه أصلاً، بل يجوز أن يدعى فيه، ولكن الأولى أن يكون الغالب عليه التعظيم لله عز وجل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهو مشتمل على تعظيم ودعاء؛ لأن قوله: (سبحانك اللهم)، تعظيم وثناء، و(اللهم اغفر لي) دعاء، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أنه بعدما أنزل الله عليه: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )[النصر:1]، ما صلى صلاة إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن)، أي: يطبق القرآن وينفذ ما جاء في القرآن؛ لأن القرآن يقول: ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:3]، أمر بالتسبيح وأمر بالاستغفار، فكان يسبح ويستغفر في الركوع والسجود، يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وفيه تنفيذ وتطبيق لما أمر به من التسبيح والدعاء في الركوع والسجود.
    الحاصل: أن الغالب على الركوع أن يكون ذكر وثناء، وتعظيم للمولى سبحانه وتعالى، وأنه يجوز فيه الدعاء، وكذلك السجود الغالب عليه أن يكون فيه الدعاء، وإذا عظم الله عز وجل، وأثني عليه في حال السجود، فإن ذلك سائغ، ولكن يغلب على الركوع أن يعظم فيه الرب، وعلى السجود أن يكثر فيه من الدعاء، ويجوز أن يعظم الله في السجود، ويجوز أيضاً أن يدعى في حال الركوع.
    وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته، كشف الستارة والناس صفوفاً خلف أبي بكر يصلون وراءه، فسر عليه الصلاة والسلام وقال: [(أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)].
    قوله: [(إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة)]؛ من المعلوم: أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يأتيه الوحي، ويخبر بالمغيبات، وطريق ذلك الوحي، لكن معرفة أو إمكان معرفة شيء مستقبلاً ما بقي إلا الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو ترى له، إذا كانت حسنة وطيبة، فإنها يكون تأويلها فيما بعد، ولكنها فيها بشارة، وهي عن أمر يحصل في المستقبل يقع له، فبوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس هناك السبيل إلى معرفة شيء مغيب، ولكن الرؤيا الصالحة يمكن أن يحصل بها بشارة عن خير يأتي عن طريق الرؤيا وتأويلها؛ لأن الرؤيا يرى شيئاً يحصل ثم يقع ذلك الذي رآه في المنام، يعني إما أن يكون على هيئته التي رآه عليها، أو يراه على صورة المثال، ويكون له تأويل يعرف عن طريق القياس، وإلحاق الشبيه بالشبيه؛ لأن تعبير الرؤى يكون تأويلها ووقوع المرئي الذي رئي، إما أن يكون على هيئته التي رآه فيها، أو يكون الرؤيا ضرب مثال.
    وقصة الفتيين اللذين مع يوسف في السجن وكل منهما رأى رؤيا؛ أحدهما: رأى أنه يعصر خمراً، والثاني: رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً وتأكل الطير منه، وتأويل هذه الرؤيا أنهم رأوا الرؤيا فيما بعد: أحدهما لما خرج من السجن صار يعصر خمراً كما رأى في النوم، فكان تأويلها مطابقاً للرؤيا، وأما الثاني فليس على المطابقة، وإنما هو بالمثال، الذي يحمل فوق رأسه خبز، ليس أن يحمل فوق رأسه خبزاً، وإنما يقطع رأسه، ويصلب فتأتي الطير وتنزل عليه وتأكل من هذا المكان الذي قطع، فصار هذا هو تأويلها، هذا يعني في المستقبل يقتل، فتأويله أنه يقتل، وهذا تأويله أنه يعصر خمراً.
    فقوله: [(لم يبق من مبشرات النبوة)]، يعني: ما يعلم عن الأمور المستقبلة عن طريق النبوة، ما بقي بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يوصل إلى ذلك، لكن بقي شيء واحد؛ وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، فإن هذا فيه الوصول، أو معرفة شيء يحصل في المستقبل عن طريق هذه الرؤيا الصالحة، التي يراها المؤمن أو يراها المسلم أو ترى له، فهذا هو معنى الحديث: [(لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)].
    قوله: [(ثم قال: ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)].
    هذا فيه بالإضافة إلى النهي عن القراءة في الركوع، والنهي عن القراءة في السجود، لا يقرأ في حال الركوع ولا في حال السجود، وإنما القراءة في حال القيام، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
    وفي هذا الحديث دليل على أن هذا الحكم من آخر ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا الذي حصل إنما كان في مرض موته، بل في آخر أيامه عليه الصلاة والسلام، أنه كشف الستارة وقال ما قال، وقال: [(ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب)].
    ولما بين عليه الصلاة والسلام أن الركوع والسجود لا يقرأ فيهما القرآن؛ بين أو أرشد إلى ما الذي يفعل فيهما؟ قال: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء قمن أن يستجاب لكم)].
    يعني: حري وجدير أن يستجاب لكم، فلما بين عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن القراءة في الركوع والسجود، أرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما الذي ينبغي أن يفعل في حال الركوع والسجود، وأن حال الركوع يعظم فيه الرب، وذكرت أنه لا بأس من الدعاء في حال الركوع، ولكن الغالب على الركوع التعظيم، وأما السجود فيجتهد فيه في الدعاء، ويكثر فيه من الدعاء؛ لأنه من مواطن الإجابة، وحري بالإجابة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: [(قمن أن يستجاب لكم)].
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأما الركوع فعظموا فيه الرب ..)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قد مر ذكره.
    [حدثنا سفيان].
    سفيان هو: سفيان بن عيينة، إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة؛ لأنه ما روى عن سفيان الثوري، ولم يذكر المزي في ترجمته في تهذيب الكمال أنه روى عن سفيان الثوري، وإنما روى عن سفيان بن عيينة، فأهمل ولم يذكر قتيبة نسب سفيان بن عيينة؛ لأنه ما روى عن الثوري، روايته عن سفيان بن عيينة، فهو مهمل، وعرف أنه ابن عيينة بمعرفة أن قتيبة لم يرو عن سفيان الثوري.
    فإذاً: الاحتمال الثاني وهو أن يكون سفيان الثوري ذهب؛ لأنه لم يكن لـقتيبة رواية عن سفيان الثوري في الكتب الستة، وسفيان بن عيينة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن سحيم].
    صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد].
    هو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب، وهو صدوق أيضاً، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، مثل الذي قبله.
    [عن أبيه].
    هو عبد الله بن معبد بن عباس، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه, مثل الذين قبله، روى عنهم مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    ما خرج البخاري، ولا الترمذي لهؤلاء الثلاثة المتوالون؛ الذين هم: سليمان بن سحيم، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، وعبد الله بن معبد بن عباس.
    [عن ابن عباس].
    يعني: يروي عن عمه؛ لأنه عبد الله بن معبد بن عباس، يروي عن عمه عبد الله بن عباس، وقد مر ذكره قريباً.
    سبق أن قلنا: إن الحديث الذي فيه: [ألا أصلي لكم]، حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وفيه: (أنه إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك)، وكان الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في صحيح سنن النسائي: أن الحديث صحيح باستثناء جملة الأصابع -يعني ذكر الأصابع وما يتعلق- هذا جاء من هذه الطريق، ما جاء من غيرها، وأما ما عدا ذلك فقد جاء من طرق أخرى، فصححه واستثنى جملة الأصابع، وأحال إلى إرواء الغليل، وفي إرواء الغليل ذكر أن عطاء بن السائب اختلط، وأن الذين رووا عنه هذا الحديث ما سمعوا منه قبل الاختلاط، وإنما سماعهم له بعد الاختلاط ومن المعلوم أن المختلط إذا كان الذين أخذوا عنه بعد الاختلاط هذا لا يعول عليه، وما أخذ عنه قبل الاختلاط، فهذا يعول عليه، وعلى هذا الأساس بنى الشيخ ناصر الألباني تضعيف هذه الجملة التي ما جاءت إلا في هذا الحديث، وإن كان الباقي جاء من طرق أخرى فيكون صحيحاً، يعني من أجل الطرق الأخرى التي هي غير عن عطاء بن السائب، فـعطاء بن السائب هو الذي وصف بأنه اختلط، لكن ذكرت أنا سابقاً أن زائدة بن قدامة سمع منه قبل الاختلاط، فهو ممن سمع منه قبل الاختلاط، وعلى هذا فتكون الجملة أيضاً ثابتة، وهذا الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب عندما ذكر كلام الناس الذين قالوا في اختلاطه، ومن سمع قبل الاختلاط، ومن سمع بعد الاختلاط، ثم قال: الحاصل أن فلاناً وفلاناً وفلاناً ومنهم زائدة سمعوا قبل الاختلاط، فسماعهم صحيح وحديثهم صحيح، وغيرهم سمعوا بعد الاختلاط.
    فعرفنا من هذا أن زائدة، وهو ممن روى الحديث بأحد الطرق التي مرت بنا، وفيها ذكر الأصابع، فيه زائدة بن قدامة، وهو ثقة سمع منه قبل الاختلاط، فيكون الحديث ثابتاً، ولعل الشيخ ناصر لم يطلع على رواية زائدة عن عطاء بن السائب.
    وعلى هذا فالتضعيف الذي بنى عليه الشيخ ناصر تبين أن عطاء بن السائب قد سمع منه زائدة بن قدامة هذا الحديث، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط، فتكون هذه الجملة التي استثناها الشيخ ناصر ثابتة أيضاً كما ثبت غيرها.
    الأسئلة

    عقيدة أهل السنة في عصمة الأنبياء
    السؤال: ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في عصمة الأنبياء، هل هم معصومون عن الصغائر أو الكبائر قبل النبوة أو بعدها؟الجواب: الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون باتفاق فيما يتعلق بالتبليغ، فلا يمكن أن يبلغوا شيئاً يخطئون فيه، بل هم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله عز وجل، فكل ما جاء عن الرسل عليهم الصلاة والسلام مما بلغوه عن الله فإنهم معصومون فيه، وكذلك العصمة من الكبائر؛ يعني: كبائر الذنوب هم معصومون منها؛ يعني: الذي يشينهم ويزري بهم هم معصومون منه، وأما الصغائر فقد اختلف فيها العلماء؛ منهم من قال بعصمتهم منها، ومنهم من قال بعدم العصمة، ولكنها إذا حصلت منهم يرجعون إلى الله عز وجل، ويتوبون إليه، ويستغفرونه، ويكون في ذلك زيادة كمال.
    فالمسألة خلافية فيما يتعلق بالصغائر، وأما فيما يتعلق بالكبائر وما يتعلق بالتبليغ فإنهم معصومون باتفاق.
    الكتب التي تكلمت على عصمة الأنبياء
    السؤال: ما هو أفضل كتاب يبين بإيضاح فيما يتعلق بعصمة الأنبياء؟الجواب: أنا ما أعرف كتاباً معيناً، لكن أنا ذكرت في الفوائد المنتقاة من فتح الباري بعض المواضع التي فيها هذا المبحث في فتح الباري، وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
    الفرق بين أمة الدعوة وأمة الإجابة
    السؤال: ما الفرق بين أمة الدعوة وأمة الإجابة؟الجواب: أمة الدعوة هم كل إنسي وجني من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هؤلاء هم أمة الدعوة، ومعناه: أنهم مدعوون ومأمورون بأن يؤمنوا بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يدخلوا في هذا الدين الحنيف الذي جاء به المصطفى محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    وأما أمة الإجابة فهم الذين استجابوا ودخلوا في الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ودخلوا في هذا الدين الحنيف، أمة إجابة أجابوا الدعوة، يعني الكل مدعو، والبعض وفقه الله عز وجل لإجابة الدعوة، ولهذا جاء في القرآن: (وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[يونس:25]، فحدث المفعول بالدعوة لإفادة العموم، (وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ )[يونس:25]، يعني كل أحد مدعو إلى دار السلام، ما أحد يدعى وواحد ما يدعى، ما أحد يقال له: اسلك طريق الجنة وامتثل الأوامر واجتنب النواهي، وواحد ما يقال له، كل يقال له ذلك، كل يطلب منه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يلتزم بما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #199
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (196)


    - (باب الذكر في الركوع) إلى (باب نوع آخر من الذكر في الركوع)
    بيّن لنا رسولنا الكريم أن الركوع يعظم فيه الرب، فلا يصح فيه قراءة القرآن، فهو تذلل للجبار، وفيه رفعة للعبد؛ ولهذا شُرع لنا أن نقول فيه: (سبحان ربي العظيم) وكذلك: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ...).

    الذكر في الركوع
    شرح حديث حذيفة: (صليت مع رسول الله فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الذكر في الركوع.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى)].
    يقول النسائي رحمه الله: باب الذكر في الركوع، الركوع سبق أن مر في الحديث الذي قبل هذا، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)]، وهذا الحديث، أو هذه الترجمة تتعلق ببيان الذكر في الركوع، وما هو اللفظ الذي يأتي به الإنسان في ركوعه معظماً ربه، آخذاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب)]، فأورد حديث حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فسمعه يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى)]، وعلى هذا فإن قوله: سبحان ربي العظيم، هو من الذكر الذي يعظم الله عز وجل به؛ لأنه تنزيه لله عز وجل، وتعظيم له، ووصفه بأنه العظيم، والحديث الماضي يقول: [(فعظموا فيه الرب)].
    ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، وهو من تعظيم الله عز وجل وذكره، وفيه دليل على: أن السجود الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: [(وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء)]، أنه لا بأس، وأنه يشرع، بل يجب عند بعض العلماء أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وهو دليل على أن السجود، الغالب عليه الدعاء، كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الماضي: [(وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)]، كذلك أيضاً يعظم الله عز وجل، ويثنى عليه فيه؛ لأن (سبحان ربي الأعلى) هذا تعظيم لله عز وجل، وليس فيه دعاء، وإنما هو ثناء على الله عز وجل.
    والركوع الذي يعظم فيه الرب، جاء الدعاء فيه، والسجود الذي يجتهد فيه في الدعاء، جاء التعظيم فيه، والذكر لله عز وجل فيه، وهذا الحديث يدل على هذا؛ لأن هذا ذكر وليس بدعاء، وهو سبحان ربي الأعلى.
    فالحديث يدل على: أن المصلي في ركوعه يقول: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده يقول: سبحان ربي الأعلى، ويكثر في ركوعه من تعظيم الله عز وجل، ويكثر في سجوده من الدعاء، والاجتهاد به؛ فإنه قمن، أي: حري وجدير أن يستجاب لمن حصل منه ذلك.
    والحديث الذي سيأتي، يدل على هذا؛ لأن (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، كان عليه الصلاة والسلام يأتي بها في ركوعه، وفي سجوده، وبعضها دعاء، وبعضها ثناء، فسبحانك اللهم وبحمدك ثناء، واللهم اغفر لي دعاء.
    فإذاً: إتيان الرسول عليه الصلاة والسلام في سجوده وركوعه، بسبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يدل على أن السجود يعظم فيه الرب، وأن الركوع يعظم فيه الرب، وأن الركوع يدعى فيه، وأن السجود يدعى فيه، إلا أن الغالب على الركوع التعظيم، والغالب على السجود الاجتهاد في الدعاء، كما دل على ذلك الحديث الماضي.
    تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (صليت مع رسول الله فركع فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، فقيه، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وابن راهويه له إطلاقان: إطلاق عند المحدثين، وإطلاق عند اللغويين، فالإطلاق عند المحدثين أن تكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم والياء مفتوحة، أما عند اللغويين فإن الواو تكون مفتوحة، والياء بعدها تكون ساكنة، فعند المحدثين، يقولون: ابن راهويَه، وعند اللغويين يقولون: ابن راهويْه، يعني: مختوماً بويه.
    وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
    [حدثنا أبو معاوية].
    هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحفظ الناس في حديث الأعمش، وهو يروي عن الأعمش.
    [عن الأعمش].
    وهو لقبٌ، صاحب هذا اللقب هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، هذا اسمه ونسبه، ولقبه الأعمش، وهو قد اشتهر به، ويأتي ذكره أحياناً باللقب وأحياناً بالاسم، وهنا جاء ذكره باللقب وهو مشهور به، وقد ذكرت مراراً وتكراراً، أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه في موضع، ثم ذكر بلقبه في موضع آخر؛ فإن من لا يعرف أن هذا لقب لـسليمان بن مهران، يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر، لكن من عرف هذا، لا يلتبس عليه هذا، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو من اشتهر بلقبه من المحدثين، وذكر بلقبه مرة وباسمه أخرى.
    والأعمش أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعد بن عبيدة].
    هو سعد بن عبيدة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن المستورد].
    هو المستورد بن الأحنف، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن صلة].
    هو صلة بن زفر، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن حذيفة].
    وهو: ابن اليمان، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الذكر في الركوع
    شرح حديث: (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر في الركوع.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد ويزيد قالا: حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع؛ لأنه عقد الترجمة الأولى وهي: باب الذكر في الركوع، ثم يأتي لكل لفظ بترجمة، وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وكلمة: (الذكر) كما أشرت، تعني: الثناء على الله عز وجل، بخلاف الدعاء؛ فإن الدعاء ينص عليه يقال: الدعاء، وأما الثناء والذكر والتعظيم يقال له: ذكرٌ لله عز وجل.
    وقد أورد النسائي فيه، حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)]، وجاء في بعض الروايات عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أنزل الله عز وجل عليه: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )[النصر:1]، ما صلى صلاة إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، تعني بذلك: أنه يطبق القرآن، وينفذ ما أمر به في القرآن؛ ولهذا جاء عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن)، وكون القرآن خلقه، معناه: أنه يتخلق بأخلاقه، ويتأدب بآدابه، ويمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويعبد الله عز وجل، وفقاً لما جاء في القرآن الكريم، وبما أوحاه الله عز وجل إليه، من ما ليس بقرآن، وإنما هو سنة ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام.
    إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتخلق بأخلاق القرآن، ويتأدب بآداب القرآن، ويمتثل أوامر القرآن، وكذلك ما يوحيه الله عز وجل إليه، من ما ليس بقرآن، فإن الحق والهدى هو الكتاب والسنة، الكتاب الذي هو وحي يتلى، والسنة التي هي وحي لا يتلى، ولا يقرأ به في الصلاة، ولكن السنة هي مثل القرآن في التعبد بها، والعمل بها، والاستسلام والانقياد لما جاء فيها، فيصدق أخبارها، كما يصدق أخبار القرآن، ويمتثل الأوامر التي جاءت بها السنة، كما يمتثل أوامر القرآن، وينتهي عن النواهي التي جاءت في السنة، كما ينتهي عن ما جاء في القرآن، ويعبد الله طبقاً لما جاء في السنة، كما يعبده طبقاً لما جاء في القرآن، وذلك أن الهداية والاستقامة، إنما تكون باتباع الكتاب والسنة، ولا يفرق بين الكتاب والسنة فيعمل بالقرآن ولا يعمل بالسنة، ومن لم يعمل بالسنة، فإنه ليس بعامل بالقرآن؛ لأن القرآن يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )[الحشر:7]، يقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، فلا بد من الأخذ بالسنة، كما أنه لا بد من الأخذ بالقرآن، ولا يقتصر على ما جاء في القرآن، دون ما جاء في السنة؛ لأن السنة هي مثل القرآن، في لزوم وتعين الأخذ بما جاء فيها، ولهذا جاء عن بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عبد الله بن مسعود أنه لما روى حديث النامصة والمتنمصة وقال: (مالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله)، وهو يقصد قوله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7]، وكان هناك امرأة من الصحابيات قالت: (يا أبا عبد الرحمن، إنك تقول هذه المقولة، وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره، فما وجدت فيه هذا الذي تقول، وهو لعن الله النامصة والمتنمصة، فقال رضي الله تعالى عنه: إن كنتِ قد قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7])، فكل أمرٍ أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، داخل تحت قوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )[الحشر:7]، وكل نهي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو داخل في قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر:7].
    فكان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن، وهذا هو معنى كون القرآن خلقه، أن ما جاء فيه من الأخلاق والآداب، يتخلق بها، وما جاء فيه من الأخبار يصدقها، وما جاء من الأوامر يمتثلها، وما جاء من النواهي يجتنبها، وهذا الذي في الحديث، هو من امتثال الأوامر التي جاءت في القرآن؛ لأن الله عز وجل يقول: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:1-3]، فكان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تنفيذاً لقوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ )[النصر:3]، وكان يقول: (اللهم اغفر لي) تنفيذاً لقوله سبحانه وتعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ )[النصر:3]، ولهذا جاء عن عائشة أنه ما صلى صلاة بعدما أنزل الله عز وجل عليه هذه السورة، إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي.
    وهنا هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها تقول: (إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي).
    ثم من الأمور التي هي من أسباب قبول الدعاء: كونه يكون مشتملاً على الثناء على الله عز وجل، فيكون الدعاء مشتملاً على الثناء عليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في بعض الأحاديث، الرجل الذي دعا ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله، قال: (عجل هذا)، ولهذا جاء في صلاة الجنازة، قبل الدعاء أنه يحمد الله، ويصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم يدعو؛ لأن كون الدعاء يسبقه حمد وثناء، هذا يكون من أسباب قبول الدعاء؛ لأنه يمهد له، ويقدم بين يديه حمد الله تعالى، والثناء عليه وتعظيمه، ثم بعد ذلك سؤاله، ولهذا جاء في حديث الاستخارة أن الإنسان عندما يستخير، يمهد لاستخارته بتعظيم الله عز وجل والثناء عليه: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرتك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه خيراً لي في ديني ودنياي، وعاقبة أمري، فيسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي..)، إلى آخره.
    فالحاصل: أنه يثني على الله عز وجل، بين يدي دعائه، وكذلك ما جاء في الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فمهد أو قدم لذلك، بالثناء على الله عز وجل، والتوسل إليه بربوبيته لجبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
    فهذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، فيه تعظيم لله عز وجل، يعقبه دعاء، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو أبو مسعود البصري، ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [و يزيد].
    وهو ابن زريع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [قالا: حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الضحى].
    وهو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مسروق].
    هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها من ما رميت به من الإفك، في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهي من أوعية العلم، ومن حفاظه، وهي التي حفظت الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقلتها، وتلقاها عنها الصحابة والتابعون، ولا سيما في الأمور التي تقع بين الزوج وأهله، والتي يحتاج الناس إلى معرفتها، ومعرفة أحكامها، مما يتعلق بالبيوت وأحكام البيوت، وما يتعلق بالعشرة بين الرجل وأهله، وأحكام ذلك، فقد روت عائشة رضي الله عنها وأرضاها الشيء الكثير في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد تلقى الصحابة والتابعون عنها هذا العلم الواسع المتعلق بأمور البيت، وما يجري بين الرجل وأهله، مما يكون الناس بحاجة إلى معرفته؛ للاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك.
    وهي من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث، وهم سبعة من الصحابة، ستة رجال وامرأة واحدة هي عائشة، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
    فزوجة النبي المراد بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    ولهذا لما تكلم العلماء في المفاضلة بين خديجة وبين عائشة، وكان مما قيل: أن خديجة قامت بأعمال ما قامت بها عائشة، وذلك بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيته في حال شدته لما بعثه الله عز وجل، فكانت له المعين والمساعد والمطمئن، وكلامها معروف لما نزل عليه الوحي، لما نزل لأول مرة، وأنها قالت: كلا والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وغير ذلك من الصفات، التي وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم بها، رضي الله عنها وأرضاها.
    فقالوا عن عائشة: إنها تميزت بأمور ليست عند خديجة، وهي ما تلقته من العلم، وحفظته من العلم، ونقلته عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن من تلقى سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه وحفظها وتلقاها الناس عنه، وأخذوها عن طريقه، فإنه يكتب لكل من استفاد من هذه السنن التي جاءت عن طريقها، فيكتب لها مثل ما يكتب للعاملين؛ لأن من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، ومن دل على خير، فله مثل أجر فاعله، فلها من الأجور مثل أجور من استفادوا من علمها، والسنن التي تلقتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك الصحابة الآخرون الذين تلقوا السنن، لهم مثل أجور من استفاد منها إلى قيام الساعة؛ لأن هذا علم متسلسل، وعلم باق عندهم، وداخل تحت قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
    فهذا العلم الذي تلقاه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام عنه، وأدوه إلى من بعدهم، وتسلسل وهكذا، والناس يعملون به إلى قيام الساعة؛ للذي تلقى الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام، مثل أجور الذين عملوا بهذه السنن، وتلقوا هذه السنن وأخذوا بها وعملوا بها؛ لأن الاستفادة منها والأخذ بها، إنما كان عن طريق هؤلاء الصحابة الكرام، وعائشة كما رأينا، وكما علمنا من كثرة حديثها، وتلقي العلم عنها، واستفادة الناس من هذا العلم، منذ عصر النبوة وإلى نهاية الدنيا، كل ذلك أجوره تصل إلى عائشة، التي جاءت عنها الأحاديث، وكذلك عن الصحابة الآخرين، الذين جاء عنهم أحاديث يعمل بها الناس، ويعول الناس على ما جاء فيها، وقد جاءت عن طريقهم.
    وقبل ذلك رسول الله -قبل الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام- فإنه ما من عامل يعمل عملاً صالحاً في نفسه، إلا وللرسول صلى الله عليه وسلم مثل أجره، من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأن الخير والحق والهدى الذي عند الناس، إنما وصل إلى الناس من طريقه وعلى يديه، فله أجور أعماله، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دلها على هذا الخير، ودلها على هذا الهدى.
    وإذا أراد الإنسان أن يصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بسببه ثواب وأجر، فما عليه إلا أن يعمل لنفسه صالحاً، ثم الله تعالى يعطي نبيه مثل ما أعطاه، ولهذا كانت محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجب أن تكون في قلب كل مسلم، فوق محبته لأبيه وأمه، وابنه وبنته، وقريبه وصديقه، وكل مخلوق، يجب أن تفوق محبته محبة أي مخلوق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، والسبب في هذا: أن المنفعة والفائدة التي حصلت للإنسان على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أجل نعمة وأجل فائدة، لا يساويها نعمة، ولا يساويها فائدة؛ لأن هذه أجل النعم وأعظمها، وهي نعمة الخروج من الظلمات إلى النور، نعمة الإسلام، نعمة الهداية، نعمة السلامة من الدخول في النار، والبقاء فيها أبد الآباد، ولا يكون هذا إلا بالإسلام، وبالدخول في هذا الدين الحنيف، الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    نوع آخر منه
    شرح حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر منه.
    أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أنبأني قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)].
    أورد النسائي هذا الحديث، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه: [(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)]، سبوح قدوس، هذا من الثناء على الله عز وجل، والتعظيم له، وهو داخل تحت قوله: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب)]، وهذا من تعظيم الله عز وجل في الركوع، وهذا أيضاً فيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له، وأنه رب الملائكة والروح، والروح فسر بأنه جبريل، وهذا هو أشهر التفاسير أنه جبريل، ويطلق عليه الروح، وقد جاء في القرآن في قصة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا )[مريم:16-17]، الذي هو جبريل، فهو الروح، و(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ )[القدر:4]، أي هو جبريل، عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، وذلك لبيان العناية بذلك الخاص؛ لأنه ذكر مرتين، مرة مندرج تحت اللفظ العام؛ لأنه من جملة الملائكة، ولو لم يذكر الروح لكان جبريل دخل من جملة الملائكة، لكن لبيان عظم شأنه، جاء ذكره معطوفاً على الملائكة.
    وفسر الروح بأنه جماعة من الملائكة، أو خلق عظيم من الملائكة، لكن المشهور أن الروح هو جبريل، (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فذلك كله فيه تعظيم لله سبحانه وتعالى، وهو داخل في قوله: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب)، هذا من تعظيم الرب سبحانه وتعالى في الركوع.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في ركوعه: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن خالد].
    وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر قريباً.
    [حدثنا شعبة].
    وهو ابن الحجاج، وقد مر ذكره قريباً.
    [أنبأني قتادة].
    هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مطرف].
    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    رضي الله عنها، قد مر ذكرها.
    وأنبأني، وحدثني، وأخبرني، كثيراً ما يأتي استعمالها عند المحدثين بمعنىً واحد، إلا أنه غلب على استعمال (حدثني) فيما سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرني) و(أنبأني) فيما إذا كان قرئ على الشيخ عرضاً، سواءً كان هو الذي يقرأ، أو غيره يقرأ على الشيخ وهو يسمع، فإنهم يعبرون عن ذلك بهذه العبارة، وقد يعبرون عن الجميع بحدثني، وأخبرني، وأنبأني.
    نوع آخر من الذكر في الركوع
    شرح حديث عوف بن مالك في قول النبي في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر في الركوع.أخبرنا عمرو بن منصور يعني: النسائي حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا الليث عن معاوية يعني: ابن صالح عن أبي قيس الكندي وهو عمرو بن قيس سمعت عاصم بن حميد سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: (قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلما ركع مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: [(قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلما ركع مكث قدر سورة البقرة)]، يعني: أطال الركوع؛ لأنه كما جاء في حديث آخر، أنه قرأ البقرة، والنساء، وآل عمران، في ركعة، وهنا يفيد أن الركوع كان مقدار سورة البقرة، فالركوع طويل، والقيام طويل، وكان من ما سمعه يقول في ركوعه: [(سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، وكل هذا فيه تعظيم لله عز وجل؛ لأن الجبروت، يعني: من الجبر وهو القهر والغلبة، وهو القاهر الذي لا يغلبه غالب، وكذلك الملكوت يعني: صاحب الملك، الذي لا يخرج عن ملكه شيء، ولا يستعصي عليه شيء، بل الكل خاضع له، والكل داخل في ملكه، فهو ملك الأملاك سبحانه وتعالى، وهو الذي على كل شيء قدير، وهو ذو الكبرياء وذو العظمة، وإذا وجد التكبر من غيره سبحانه وتعالى، فإن ذلك تعد وتطاول على حق الله عز وجل، وعلى ما يليق بالله عز وجل، ولهذا كان المتكبرون الذين يتكبرون في الدنيا، يعاقبهم الله عز وجل بالذلة، ويكون شأنهم يوم القيامة أنهم يحشرون كأمثال الذر لحقارتهم؛ لأنهم كانوا يتعاظمون، ويحصل منهم التعاظم، فيكون حشرهم يوم القيامة، أنهم كأمثال الذر لحقارتهم، ولكونهم ليسوا بشيء، يعني: جوزوا بنقيض قصدهم وما أرادوه، فصار بدل هذا التعاظم، يكونون في غاية الحقارة، وغاية الذلة والمهانة يوم القيامة.
    تراجم رجال إسناد حديث عوف بن مالك في قول النبي في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور، يعني: النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده، وهنا قال: يعني: النسائي، وقائل: [يعني: النسائي] هذا من دون النسائي ؛ لأن هذا شيخ النسائي، فـالنسائي لا يحتاج إلى أن يقول: يعني النسائي، وإنما ينسب شيخه كما يريد؛ لأنه كما جاء في بعض الأحاديث، أحياناً يذكر في بعض شيوخه خمسة أسماء؛ لأنه شيخه يقول فيه كما يريد، ويبينه كما يريد، لكن هنا القائل لها من دون النسائي ؛ لأن النسائي تلميذ عمرو بن منصور النسائي، إذاً: قائل [يعني: هو] من دون النسائي، إما ابن السني الذي روى عنه الكتاب، أو من دون ابن السني، ممن أخذوا عن ابن السني.
    وكلمة: [يعني] هذه لها فاعل ولها قائل، فقائلها من دون النسائي، وفاعلها النسائي ؛ لأن (يعني) الفاعل فيها ضمير مستتر يعود للنسائي، قال ذلك من دون النسائي.
    [حدثنا آدم بن أبي إياس].
    وهو العسقلاني، آدم بن عبد الرحمن، لكنه مشهور بنسبته إلى أبيه مكنى، فيقال له: آدم بن أبي إياس، وأبوه، اسمه عبد الرحمن، لكنه مشهور بنسبته إلى أبيه مكنى، وهو ثقة، عابد، أخرج له البخاري، وأبو داود في الناسخ والمنسوخ، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه .
    [حدثنا الليث].
    الليث، وهو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    وهنا أنبه على شيء وهو أن في نسخة التقريب المصرية، ما أدري عن هذه النسخة، ولعلها كلها واحدة من ناحية الترتيب، أي: لما جاء عند آدم بن أبي إياس، من يسمى آدم، أتى به بأول حرف الهمزة، يعني بعد أحمد؛ لأنه طبعاً بدأ بمن يسمى أحمد؛ لأنه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك بدأ ترتيب الحروف على حسب ترتيبها، فأول ما جاء بعد أحمد: آدم، لأنها همزة وألف بعدها، وهذا أول شيء في حرف الهمزة، أول شيء في حرف الهمزة، الهمزة وبعدها ألف آدم، فبعدها الألف والباء، الهمزة والباء: أبان، لكن لما جاء عند محمد؛ لأنه لما جاء إلى من يسمى محمد، بدأ في محمد بن أبان، يعني في ترتيب أسماء الآباء، ومحمد بن آدم جاء بعد ذلك، وكان حقه أن يأتي آدم بدل أبان، مثلما جاء في أول التقريب، عندما فرغ من أحمد بدأ بآدم، ولولا أنه أراد أن يبدأ باسم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكان في البداية قبل ذلك آدم، يكون قبل، وفي أول شيء، أول شيء يكون آدم، يعني همزة ثم ألف.
    [عن معاوية].
    يعني: ابن صالح، وهو الحمصي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي قيس الكندي وهو عمرو بن قيس].
    وهو الحمصي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [سمعت عاصم بن حميد].
    وعاصم بن حميد الحمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن عوف بن مالك].
    هو: عوف بن مالك الأشجعي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر منه
    شرح حديث علي: (أن رسول الله كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر منه.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حدثنا عمي الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، خشع لك سمعي وبصري وعظامي ومخي وعصبي)].
    أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والترجمة: نوع آخر منه، أي: نوع آخر من الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه: [(اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت، خشع لك سمعي وبصري وعظامي ومخي وعصبي)]، أي: هذه الأشياء، وهذه الأمور المتعددة ذكرها فيه، أن كل شيء خاضع لله عز وجل، وأن كل شيء خاشع له، وأن هذه الأشياء كلها خشعت له، والتنصيص عليها، فيه تعظيم لله عز جل، وإن كان يمكن أن يقول: سجد لك كلي، بدون أن يأتي بهذه الأشياء، ولكن ذلك فيه تعظيم لله عز وجل، وأن كل شيء خاضع له سبحانه وتعالى، وأن جميع أجزاء الإنسان مستكينة لله، وخاضعة لله، فنص على السمع، والبصر، والعظام، والمخ، والعصب، التي هي من أجزاء الإنسان.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (أن رسول الله كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس المحدث، الناقد، الثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال، وفي العلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة].
    وهو عبد العزيز بن عبد الله منسوب إلى جده، عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ؛ لأن أبا سلمة، كنية لجده وليست كنية لأبيه، ولكنه منسوب إلى جده هنا، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عمي الماجشون].
    وهو الماجشون بن أبي سلمة، وأبو سلمة هنا، يعني هو أبو الماجشون، الذي هو عم عبد العزيز، يعني الماجشون أخو عبد الله، والماجشون هذا لقب، وصاحب اللقب يعقوب بن أبي سلمة، ذكر بلقبه واسمه يعقوب بن أبي سلمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه .
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، لقبه الأعرج، وهو ثقة، أكثر من الرواية عن أبي هريرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله بن أبي رافع المدني].
    مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أبو رافع مولى رسول الله، فهو مولى، وابنه أيضاً يكون مولى؛ لأنه كما هو معلوم، الإحسان إلى الأب، ينقل إلى الأبناء فكلهم يقال له: موالي وإن كان الإحسان حصل للجد، أو حصل للأب؛ فإنه يقال لأولاده ونسله أنهم مولى فلان، أو مولى آل فلان، كثيراً ما يأتي ذكر هذا، فـعبيد الله بن أبي رافع المدني، مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان كاتب علي، وهو الآن يروي عن علي، فهناك ارتباط بينه وبين علي، وهناك صلة وثيقة بأنه كان كاتبه؛ وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي بن أبي طالب].
    هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، وذو المناقب الجمة، والخصال الحميدة، رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    نوع آخر من الذكر في الركوع

    شرح حديث جابر: (عن النبي أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا أبو حيوة حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)].
    أورد النسائي نوع آخر منه، يعني الذكر في الركوع، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام إذا ركع قال في ركوعه: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)]، فهذا كله فيه ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له، وأن كل شيء له خاشع وله خاضع.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (عن النبي أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت...)

    قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي].هو يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق عابد، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [حدثنا أبو حيوة].
    هو شريح بن يزيد الحمصي، وفي نسخة التقريب المصرية لم يذكر شيء عن بيان حاله، وفي خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي: وثقه ابن حبان، وفي تهذيب التهذيب لم يزد على أن يقول: وثقه ابن حبان.
    وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا شعيب].
    وهو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن المنكدر].
    هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وأبوه عبد الله بن حرام، الذي استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه، وجابر بن عبد الله أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، وقد أشرت إليهم آنفاً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #200
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,610

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الصلاة
    (كتاب التطبيق)
    (197)


    - (تابع باب نوع آخر) إلى (باب الأمر بإتمام الركوع)


    ذكر العلماء أن الأصل في الركوع هو التعظيم والثناء، وفي السجود هو الدعاء، ومع ذلك فإنه يجوز الدعاء في الركوع، والتعظيم والثناء في السجود، كما دلت عليه الأحاديث الواردة في ذلك، وقد جاءت الرخصة بترك الذكر في الركوع.
    تابع نوع آخر من الذكر في الركوع
    شرح حديث جابر في قول النبي في ركوعه: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا أبو حيوة حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين)].
    فالكلام يتعلق بالذكر في الركوع، وقد مرت عدة أحاديث، تشتمل على ألفاظ من الذكر في الركوع، وغالبها ترجع إلى أنها تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وحمد له، وتسبيح، وقد جاء في الحديث الذي تقدم قبلها: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، قمن أن يستجاب لكم)، وتلك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي من الثناء على الله عز وجل، وهي من التعظيم له سبحانه وتعالى، وقد جاء في بعضها كما ذكرت سابقاً، أن الغالب على الركوع التعظيم، ويجوز الدعاء فيه، والغالب على السجود الدعاء، ويجوز أو يشرع الثناء على الله عز وجل فيه.
    وذكرت مما ما دل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام، بعدما أنزل الله عز وجل عليه: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا )[النصر:1-3]، أنها قالت: [(ما صلى بعدما أنزلت عليه هذه السورة صلى الله عليه وسلم صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)]، فإن الإتيان بـ(سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) في الركوع، هو فيه دعاء، وإتيان (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) في السجود هو فيه ثناء، بل من الثناء كونه يقال فيه: سبحان ربي الأعلى، يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى.
    إذاً: التعظيم في الركوع، هذا هو الأصل والغالب، ويجوز الدعاء، والدعاء في السجود، هو الأصل والغالب، ويجوز أو يشرع الثناء والتعظيم لله سبحانه وتعالى.
    وقد مر في الأحاديث التي في الذكر في الركوع: سبحان ربي العظيم، ومر: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، ومر: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ومر: سبحان ذي الجبروت، والملكوت، رب الملائكة والروح، ومر أحاديث متقاربة في اللفظ وهي: [(اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعظامي وعصبي لله رب العالمين)]، في بعضها ذكر المخ دون العظام، وفي بعضها، ذكر ستة ألفاظ، وفي بعضها خمسة ألفاظ، وكلها من الثناء على الله سبحانه وتعالى.
    وقد مر في الدرس الفائت هذا الحديث، الذي هو حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وتكلمت على إسناده، وذكرت أن أبا حيوة، وهو: شريح بن يزيد الحمصي، أن ابن حبان وثقه، وأن الحافظ ابن حجر في نسخة التقريب المصرية، ليس فيها شيء مما يتعلق ببيان حاله، وذكرت أنه روى له أبو داود في المراسيل، والنسائي، وهذا خطأ، إنما هذا الكلام لـابن حمير الذي في الإسناد الذي بعده، محمد بن حمير، وأما أبو حيوة، وهو: شريح بن يزيد الحمصي، فقد خرج له أبو داود، والنسائي، وفي خلاصة تذهيب الكمال وفي تهذيب التهذيب ما ذكر إلا أنه وثقه ابن حبان، وفي نسخة التقريب الطبعة المصرية ليس فيها شيء يدل على بيان حاله.
    ومن المعلوم أن الحديث ورد من طرق متعددة الذي بعده والذي قبله، وكلها شاهدة له، هذا من طريق جابر بن عبد الله، والذي بعده من طريق محمد بن مسلمة، والذي قبله من طريق علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فهذه شواهد لهذا الحديث الذي جاء من طريق أبي حيوة، ولم يذكر إلا أنه وثقه ابن حبان.
    ورجاله الباقون تقدم ذكرهم: يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو حيوة أخرج له أبو داود، والنسائي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومحمد بن المنكدر ثقة، فاضل، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الجليل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، فرجاله خمسة، ثلاثة حمصيون واثنان مدنيان، الحمصيون هم: يحيى بن عثمان، وأبو حيوة شريح بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، هؤلاء حمصيون، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، هذان مدنيان.
    شرح حديث محمد بن مسلمة في قول النبي في ركوع: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا ابن حمير حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر وذكر آخر قبله، عن عبد الرحمن الأعرج عن محمد بن مسلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً يقول إذا ركع: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين)].وهذا الحديث حديث محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه، هو مثل الذي قبله، إلا أنه ذكر أنه إذا قام تطوعاً كان يقول هذا، والذي قبله مطلق، ويؤتى بهذا في التطوع وفي الفرائض؛ لأنه كله تعظيم لله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أما الركوع فعظموا فيه الرب).
    أما متنه فهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر المخ بدل العظام، [(أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين)]، فيه ذكر المخ هنا، وفي الذي قبله ذكر العظام.
    تراجم رجال إسناد حديث محمد بن مسلمة في قول النبي في ركوعه: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ...)

    قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].هو الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.
    [وابن حمير].
    هو محمد بن حمير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن شعيب بن أبي حمزة].
    وهو قد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن محمد بن المنكدر].
    وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    [عن عبد الرحمن الأعرج].
    هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن مسلمة الأنصاري].
    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه أكبر من يسمى محمداً من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الإسناد هو مثل الذي قبله، إلا أن فيه محمد بن حمير، بدل أبو حيوة، وفيه أيضاً زيادة عبد الرحمن الأعرج، وفيه الصحابي محمد بن مسلمة، وفي الذي قبله جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.
    قوله: [وذكر آخر قبله].
    يعني شعيب بن أبي حمزة، الذي ذكر آخر قبله شعيب بن أبي حمزة، يعني: روى عن محمد بن المنكدر، وروى عن شخص آخر ذكره قبله، ولكنه في هذا الإسناد لم يذكر ذلك الشخص، وإنما أبهم ذلك الشخص، وكان ذكره -أي: ذكر شعيب له- قبل محمد بن المنكدر، يعني تعيين موضعه في الذكر وأنه قبله، ومن بعده أبهمه فلم يذكره ولم يسمه، ومن المعلوم أن عدم تسميته لا تؤثر؛ لأن العمدة على المذكور، وهو محمد بن المنكدر وحده، يعني كاف للتعويل على حديثه، فعدم ذكر ذلك الشخص أو إبهامه، لا يؤثر شيئاً على صحة الإسناد، وعلى سلامته.
    الرخصة في ترك الذكر في الركوع

    شرح حديث رفاعة بن رافع في المسيء صلاته
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع.أخبرنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن علي بن يحيى الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه وكان بدرياً، قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دخل رجل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه، ولا يشعر ثم انصرف، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فرد عليه السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، قال: لا أدري في الثانية، أو في الثالثة، قال: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت فعلمني وأرني، قال: إذا أردت الصلاة فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قم فاستقبل القبلة، ثم كبر، ثم اقرأ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع رأسك حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، فإذا صنعت ذلك فقد قضيت صلاتك، وما انتقصتَ من ذلك فإنما تنقصه من صلاتك)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، لما ذكر في التراجم السابقة الذكر الذي يكون في الركوع، وأنه يشرع فيه الذكر، وأتى بهذه الترجمة: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، يعني الإشارة إلى أنه ليس بلازم، ومن المعلوم أنه ليس من أركان الصلاة، وإنما الخلاف: هل هو من واجباتها أو من مستحباتها؟ هل هو من الواجبات، التي يتعين على الإنسان أن يأتي بها، وإذا نسيها يجبره سجود السهو؟ مع اتفاق الجميع، على أنه ليس من الأركان التي لا تجبر بسجود السهو، وإنما يتعين الإتيان بها، وإنما الكلام هل هي من الواجب الذي يجبره سجود السهو، لو ترك نسياناً، أو من المستحب الذي لو ترك عمداً لا يؤثر لأنه مستحب؟
    هنا قال: الرخصة في ترك ذلك، وهذا فيه إشارة إلى أنه من قبيل المستحب، وليس من قبيل الواجب، كثير من العلماء ذهبوا إلى أنه مستحب، وبعضهم ذهبوا إلى أنه واجب، أي: قول سبحان ربي العظيم فقط، فكونه يأتي بسبحان ربي العظيم، الذي هو أقل الذكر، وإن أتى بما وراءه وبما زاد عليه من ما ثبت، فهذا كمال وأحسن وزيادة فعل أمر مشروع ومستحب، ومن العلماء من قال: إنه لو لم يذكر أصلاً، أو تركه أصلاً، فإنما ترك أمراً مستحباً، لم يترك أمراً واجباً، وفي هذه الترجمة، الإفادة إلى أنه ليس بواجب، وأن الإنسان لو تركه، فإنه لا يترتب عليه شيء، ولا يضره تركه، لكن كما هو معلوم، الإنسان يحرص على فعل السنن، لا سيما الذي فيها احتمال أن يكون واجباً كما قاله بعض أهل العلم.
    وأورد النسائي تحت هذا: حديث المسيء صلاته، قصة الرجل الذي دخل المسجد، وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يرمقه، يعني: ينظر إليه وهو لا يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلما فرغ من صلاته وانصرف منها، جاء وسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في المسجد، فقال له: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)]؛ لأنه قد صلى، لكن صلاته غير معتبرة؛ لأنه لم يأت بما هو مطلوب فيها، من الأمور اللازمة التي هي أركان، فعاد وكرر يعني مرتين أو ثلاثاً، ثم بعد ذلك قال: [(والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت)]، يعني: معناه بذلت جهدي في أن آتي بالصلاة على الوجه المطلوب، ولكنه لا يعلم غير هذا، ثم طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلمه، وأن يريه كيف يصلي، ما هي الطريقة والكيفية التي يصلي بها، ويؤدي صلاته بها؟ أي: بهذه الكيفية.
    فالنبي عليه الصلاة والسلام علمه وبين له، فقال: [(إذا أردت الصلاة فتوضأ وأحسن الوضوء)]، وهذا فيه أن الوضوء لا بد منه، وهو شرط من شروط الصلاة التي تسبقها، وكذلك استقبال القبلة، شرط من شروط الصلاة، [(ثم استقبل القبلة)]، أرشده إلى الوضوء وإحسانه، وإلى استقبال القبلة، فهذان شرطان من شروط الصلاة، فالصلاة التي لا يكون معها وضوء غير صحيحة، [(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    وكذلك أيضاً استقبال القبلة، وذلك في حال الفرض، وكذلك في النوافل، إلا في حال السفر، فإن للإنسان أن يصلي على راحلته أينما توجهت، لكن يبدأ بالدخول في النافلة باستقبال القبلة، ثم يتجه أو يصلي على راحلته، أينما توجهت به، فذلك مستثنى كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    ثم قال: [(فكبر)]، والمراد من ذلك تكبيرة الإحرام، التي هي المفتاح، التي هي المدخل، والتي هي البداية، والتي هي التحريم، وقد جاء في الحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، يعني معناه لها بداية ولها نهاية، بدايتها التكبير ونهايتها التسليم، (تحريمها التكبير)، إذا قال الإنسان: الله أكبر، حرم عليه بعدها ما كان مباحاً له قبلها، من الكلام والأكل، والشرب، والحركة والتصرفات، بمجرد أن يقول: الله أكبر داخلاً في الصلاة بتكبيرة الإحرام.
    (وتحليلها التسليم)، إذا سلم، أمكنه أن يتكلم، وأن يتحدث، وأن ينصرف، وأن يعمل الأعمال التي كان ممنوعاً منها بالتحريم، الذي هو دخول الصلاة بدخوله، ما كان مباحاً له قبل التحريم، حل له بعد التسليم، ولهذا جاء: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، فالصلاة التي لا يدخل الإنسان فيها بالتكبير التكبيرة الأولى، ولم تحصل منه النية، فإن الصلاة لا تعتبر؛ لأنه لا بد فيها من هذا اللفظ، ولا بد من النية التي محلها القلب، أن يكون ينوي أن هذا فرض، وهذا نفل، وتكون النية في قلبه لا بلسانه، وليس له أن يتلفظ بما نواه، وإنما النية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها؛ لأنه لم يذكر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا عن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وإنما جاء في الحج التلفظ بما نواه، كونه ينوي حجاً، أو عمرة، أو حجاً وعمرة، ينوي تمتعاً، إفراداً، قراناً، يقول: لبيك عمرة، لبيك حجاً، لبيك عمرة وحجاً، هذا جاءت به السنة عن رسول الله، فإنه يتلفظ بما نواه، وأما غير ذلك فإنه لم يأت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء.
    ثم أمره بالقراءة، ما تيسر معك من القرآن، وقد جاء في الأحاديث الماضية أن المتعين قراءة الفاتحة، وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهذا هو الأمر اللازم، وما عدا ذلك فهو مستحب، يعني ما زاد على الفاتحة.
    قوله: [(ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)]، يعني: معناه أن الإنسان إذا ركع، يطمئن في ركوعه، ما هو مجرد انحناء ورفع بسرعة، وإنما يطمئن، ويستقر، ويستوي في ركوعه، كما سبق أن مرت بنا الأحاديث في ذلك، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة؛ لأنه ما قال له: سبح، أو قل: سبحان ربي العظيم، أو قل كذا وكذا، وإنما قال: اركع حتى تطمئن راكعاً، فأمره أو دله على الأمر المتعين الذي لا بد منه، وهو الركوع، هذا الفعل الذي هو على هذا الوصف، وعلى هذه الهيئة، وهو الاطمئنان والاستقرار، والسكون في الركوع، بحيث يستقر راكعاً، ومحل الشاهد منه، أنه ما أرشده إلى الدعاء، ما أرشده إلى الذكر، فهذا هو محل الشاهد من الترجمة: الرخصة في ترك الذكر في الركوع، قالوا: فلم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولو كان أمراً لازماً لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال له: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)].
    ومن المعلوم أن الحديث إنما جاء في وصف الركعة، والأفعال التي تكون فيها، وأنه لا بد من الاطمئنان في هذه الأفعال، في الركوع، وفي الرفع من الركوع، وفي السجود، وفي الرفع من السجود، وهذه إنما هي صفة الركعة الواحدة، لكن من الأمور اللازمة فعل التشهد، مثل التشهد الأخير، وكذلك التسليم؛ فإن هذه كلها أمور لا بد منها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبينها له؛ لأنه لم يحصل منه تقصير، وإنما الذي رآه في ركوعه، وفي صفة الركعة، هو الذي حصل منه خلل، فبين له النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ذلك الذي أخل فيه، ووصفه بأنه لم يصل.
    إذاً: هذا هو محل الشاهد، أنه ما ذكر له الذكر في الركوع، وإنما قال: اركع حتى تطمئن راكعاً.
    ثم قوله: [(ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)]، يعني القيام بعد الركوع، الإنسان يطمئن فيه ويعتدل، وقد جاء في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم بعد ركوعه كما جاء في حديث أنس حتى أقول في نفسي: قد نسي، يظن أنه من طول قيامه بعد الركوع قد نسي، وهذا إشارة إلى طول قيامه، وأنه يطمئن ويستوي ويعتدل قائماً، وليس بمجرد ما يقف يرجع ينزل للسجود، وإنما يعتدل ويستقر في قيامه.
    قوله: [(ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)]، يعني: يطمئن في سجوده، مثلما اطمأن في ركوعه يطمئن في سجوده، [(ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً)]، يعني بين السجدتين، [(ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)]، يعني السجدة الثانية.
    ثم قوله: [(فإذا فعلت فقد أتممت صلاتك)]، يعني بالنسبة للركعة الواحدة، ولصفة الركعة الواحدة، [(وما انتقصت فإنما تنقصه من صلاتك)]، قوله: [(وما انتقصت فإنما تنقصه من صلاتك)]، من المعلوم أن هذه الأفعال هي أمور متعينة ولازمة، ونقص واحد منها، أو ترك واحد منها، تبطل به الصلاة، لكن هذا النقص الذي يكون فيما إذا حصل تقصير في صفة الركوع، يعني عدم التمكن في الاطمئنان، يعني: يوجد الركوع ويوجد الاستواء، ولكن ما يحصل معه الاطمئنان، هذا هو الذي يكون فيه استقرار، ولكنه لو ترك الركوع أو لو ترك السجود أو لو ترك الجلسة بين السجدتين، فإن صلاته لا تصح، الركعة لا تصح التي وجد فيها ذلك النقص.
    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة بن رافع في المسيء صلاته
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا بكر بن مضر].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .
    [عن ابن عجلان].
    وهو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو الذي ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنين.
    [عن علي بن يحيى الزرقي].
    هو علي بن يحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن أبيه].
    وهو يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    وقال الحافظ: له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن عمه].
    عمه رفاعة بن رافع، يعني أخو خلاد؛ لأن الذي في الإسناد: علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، فـعلي بن يحيى يروي عن أبيه يحيى، ويحيى يروي عن عمه رفاعة بن رافع، الذي هو أخو خلاد بن رافع، وهذا هو الذي له رؤية.
    يروي عن عمه رفاعة بن رافع هذا الذي هو بدري، وكان بدرياً، يعني: من أهل بدر، أي: رفاعة بن رافع، الذي هو عم يحيى بن خلاد بن رافع، وكان بدرياً، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
    الأمر بإتمام الركوع

    شرح حديث: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأمر بإتمام الركوع.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنساً رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الأمر بإتمام الركوع، أورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام قال: (أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)، فإن قوله: (أتموا) أمر، ولهذا النسائي أتى بالترجمة مطابقة لما في الحديث: الأمر بإتمام الركوع، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: [(أتموا الركوع والسجود إذا ركعتم وسجدتم)]، وإتمام الركوع والسجود هو: أن يطمئن فيهما، وأن يسجد على الهيئة التي فيها الاعتدال، والاستواء، والاطمئنان، وكونه يأتي بالذكر والدعاء في الركوع والسجود، هذا هو إتمام الركوع والسجود، لكن المتعين والأمر اللازم الذي لا بد منه هو السجود والاطمئنان فيه، والركوع والاطمئنان فيه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •