يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله فى كتابه الايمان الاوسط - فرق بين الهم والإرادة، فالهم قد لا يقترن به شيء من الأعمال الظاهرة، فهذا لا عقوبة فيه بحال، بل إن تركه لله، كما ترك يوسف همه، أثيب على ذلك كما أثيب يوسف؛ ولهذا قال أحمد‏:‏ الهَمُّ هَمَّانِ‏:‏ هَمّ خطرات، وهمّ إصرار، ولهذا كان الذي دل عليه القرآن أن يوسف لم يكن له في هذه القضية ذنب أصلاً، بل صرف الله عنه السوء والفحشاء إنه من عباده المخلصين، مع ما حصل من المراودة، والكذب، والاستعانة عليه بالنسوة، وحبسه، وغير ذلك من الأسباب التي لا يكاد بشر يصبر معها عن الفاحشة، ولكن يوسف اتقى الله وصبر، فأثابه الله برحمته في الدنيا، ‏{‏‏وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ‏}‏‏ ‏‏. ‏‏ وأما الإرادة الجازمة،--- فلابد أن يقترن بها مع القدرة فعل المقدور ولو بنظرة، أو حركة رأس، أو لفظة، أو خطوة، أو تحريك بدن، وبهذا يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏ ‏‏"إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار‏"‏‏ فإن المقتول أراد قتل صاحبه فعمل ما يقدر عليه من القتال، وعجز عن حصول المراد، وكذلك الذي قال‏:‏ لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، فإنه أراد فعل ما يقدر عليه وهو الكلام، ولم يقدر على ذلك؛ ولهذا كان من دعا إلى ضلالة، كان عليه مثل أوزار من اتبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً؛ لأنه أراد ضلالهم ففعل ما يقدر عليه من دعائهم، إذ لا يقدر إلا على ذلك‏. ‏‏ وإذا تبين هذا في الإرادة، والعمل، فالتصديق الذي في القلب وعلمه يقتضي عمل القلب، كما يقتضي الحس الحركة الإرادية؛ لأن النفس فيها قوتان‏: قوة الشعور بالملائم والمنافي والإحساس بذلك، والعمل والتصديق به، وقوة الحب للملائم والبغض للمنافي، والحركة عن الحس بالخوف والرجاء والموالاة والمعاداة، وإدراك الملائم يوجب اللذة، والفرح والسرور، وإدراك المنافي، يوجب الألم والغم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "‏‏كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدَانِه أو يُنَصِّرَانِه أو يُمَجِّسَانِهِ كما تُنْتِج البهيمةُ بَهِيمةً جَمْعَاء هل تحسون فيها من جَدْعَاء‏"‏‏‏. ‏‏ فالقلوب مفطورة على الإقرار بالله، تصديقاً به وديناً له، لكن يعرض لها ما يفسدها، ومعرفة الحق تقتضي محبته، ومعرفة الباطل تقتضي بغضه، لما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل، لكن قد يعرض لها ما يفسدها - إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق، وإما من الشهوات التي تصدها عن إتباعه؛ ولهذا أمرنا الله أن نقول في الصلاة‏:‏ ‏{اهدنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}‏ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏" ‏‏اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون‏"‏‏؛ لأن اليهود يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ولا يتبعونه لما فيهم من الكبر والحسد الذي يوجب بغض الحق ومعاداته، والنصارى لهم عبادة، وفي قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها، لكن بلا علم، فهم ضلال‏. ‏‏ هؤلاء لهم معرفة بلا قصد صحيح، وهؤلاء لهم قصد في الخير بلا معرفة له، وينضم إلى ذلك الظن، وإتباع الهوى، فلا يبقى في الحقيقة معرفة نافعة، ولا قصد نافع، بل يكون كما قال تعالى عن مشركي أهل الكتاب‏:‏‏ {‏‏وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏‏ ‏[‏الملك‏:‏10‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{ --‏‏ولقد ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ‏} ‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏179‏]‏‏. ‏‏ فالإيمان في القلب لا يكون إيماناً بمجرد تصديق ليس معه عمل القلب وموجبه من محبة الله ورسوله ونحو ذلك،كما أنه لا يكون إيماناً بمجرد ظن وهوى، بل لابد في أصل الإيمان من قول القلب، وعمل القلب‏.[ الايمان الاوسط]‏ -- ويقول رحمه الله-الإرادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها، إذا كانت القدرة حاصلة فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل، لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، ومتي وجدت الإرادة والقدرة التامة ولم يقع الفعل لم تكن الإرادة جازمة، وهو إرادات الخلق لما يقدرون عليه من الأفعال، ولم يفعلوه، وإن كانت هذه الإرادات متفاوتة في القوة والضعف تفاوتًا كثيرًا؛ لكن حيث لم يقع الفعل المراد مع وجود القدرة التامة فليست الإرادة جازمة جزمًا تامًا [مجموع الفتاوى]
الإرادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها، إذا كانت القدرة حاصلة فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل، لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، ومتي وجدت الإرادة والقدرة التامة ولم يقع الفعل لم تكن الإرادة جازمة، وهو إرادات الخلق لما يقدرون عليه من الأفعال، ولم يفعلوه، وإن كانت هذه الإرادات متفاوتة في القوة والضعف تفاوتًا كثيرًا؛ لكن حيث لم يقع الفعل المراد مع وجود القدرة التامة فليست الإرادة جازمة جزمًا تامًا‏.