يقول العلامة ابن حزم رحمه الله في كتابه: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (3/ 28، 29):
((ولو أننا حاضرون يوم بني قريظة لما صلينا العصر إلا فيها ولو بعد نصف الليل على ما قد بينا في رتبة العمل في جميع الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف وهي في الحقيقة متفقة من الأخذ بالزائد ومن استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني وقد جمع هذان الحديثان كلا الوجهين معا فأمره عليه السلام في ذلك اليوم بألا يصلى صلاة العصر إلا في بني قريظة أمر خاص في صلاة واحدة من يوم واحد في الدهر فقط فكان ذلك مستثنى من عموم أمره بأن يصلى كل عصر من كل يوم في الأبد يخرج وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس وأما ما لم تغب للمضطر حاشى يوم عرفة وأيضا فإن أمره عليه السلام بألا يصلى العصر من ذلك اليوم إلا في بني قريظة شريعة زائدة وأمر وارد بخلاف الحكم السالف وبخلاف معهود الأصل في حكم صلاة العصر قبل ذلك اليوم وبعده فواجب طاعة ذلك الأمر الحادث والشرع الطارىء لما قدمنا من البراهين على وجوب القبول لكل ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى وكان أمره بألا يصلى العصر في ذلك اليوم إلا في بني قريظة كقوله ليلة يوم النحر في الحج وقد ذكر بصلاة المغرب فقال عليه السلام الصلاة أمامك فكان ذلك عند جميع المسلمين ناقلا لوقت المغرب في تلك الليلة خاصة في الحج خاصة في ذلك المكان خاصة عن وقتها المعهود إلى وقت آخر ولا فرق بين ورود ما أمر به في العصر يوم بني قريظة وفي المغرب ليلة المزدلفة وهذا بين لمن تأمله قال أبو محمد وأما إن احتج بهذا الحديث من يرى الحق في القولين المختلفين وقال ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يعنف كل واحدة من الطائفتين دليل على أن كل واحدة منهما مصيبة قيل له وبالله التوفيق لا دليل فيه على ما ذكرت ولكنه دليل واضح على أن إحدى الطائفتين مصيبة مأجورة أجرين والأخرى مجتهدة مأجورة أجرا واحدا معذورة في خطئها بالاجتهاد لأنها لم تتعمد المعصية وقد قال عز وجل {دعوهم لآبآئهم هو أقسط عند لله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم
في لدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان لله غفورا رحيما} وقال عليه السلام: لكل امرىء ما نوى وكلا الطائفتين نوت الخير وقد نص عليه السلام على أن الحاكم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر))اهـ.