قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يُوطئ الخيل تُخُوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون .
فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم ، فأغار على تلك البلاد ، وغنم وسبى ، وكـرّ راجعاً سالماً مؤيدا .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على حماية المدينة من التهديدات المعادية

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أُحد ، وكان القوم أصابهم ما أصابهم من جِراح ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم تهديد قريش وعزمها على إعادة الكرّة ، أمر أصحابه باللحاق بالجيش المكيّ ، فخرجوا صبيحة اليوم التالي ، فساروا حتى بلغوا حمراء الأسد ، وأرهبوا عدوّهم ، ثم أقام في حمراء الأسد ثلاثة أيام .

ولمّا بَلغه عزم قريش على غزو المدينة ، استشار أصحابه ، ثم أخذ بمشورة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق .
وكان هذا الاستعداد والتهيؤ بمثابة الصدمة للعدو الذي لم يكن هذا في حسبانه .
فلما أجلى الله الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم . رواه البخاري .

ويوم بلغه أن سيد بني حنيفة - ثمامة بن أثال - يُهدد أمن المدينة ، وأنه عازم على غزو المدينة ، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة خالد بن الوليد فجاءت به مُكبلاً مُقيّداً فرُبط في سارية من سواري المسجد ثم عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فلم يُسلم في القيد حتى إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفكِّـه ، ذهب إلى بعض نخل المدينة ثم اغتسل ثم أسلم . وخبره في الصحيحين .

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الدولة العظمى في زمانه ( دولة الروم ) تُهدد المدينة لم ينتظر حتى يُفاجئه جيش الرّوم ، بل أرسل إليهم جيشاً يطأ أرضهم وديارهم ويُرهب أعداء الله .
فجيّش جيشاً وأمر عليه ثلاثة من خيار أصحابه ، فسار ذلك الجيش حتى بلغ مؤتة ، وهي بأرض الشام ، وفيها وقعت غزوة مؤتة .

ثم لما بلغه أنهم يُهددون أمن المدينة ثانية سار بنفسه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، ولم يلق قتالاً ، وإنما أقام فيها أياماً ثم رجع .

فأصبح أعداء الإسلام في موقف الدفاع !

واليوم – ويح اليوم – وما أشبه اليوم بالأمس ، والليلة بالبارحة
اليوم أصبحنا نحن الذين نخاف أعداء الله ونرهبهم ، بدلاً من أن نُرهبهم !
أصبحت اليهود لديها وزارة (( الحــرب )) !
ولدى الدول الإسلامية وزارات (( دفـاع ))

الذين أذلّهم الله يُحارِبون !!
والذين أعزّهم الله بالدِّين يُدافعون !!

وأضحى الكافر يزبد ويرعد ويُهدد ويتوعّد
ونحن الذين نُطأطئ رؤوسنا مذعنين قائلين : سيدي الرئيس ! نحن شعوب تُحبّ السلام !

شتان شتان بين هَـمّ وهَـمّ
وفرق واضح بين قضية وقضية
وبون شاسع بين اهتمام واهتمام

قارن أحوال أسلافنا بما نحن عليه اليوم !

لقد كان هـمّ قائد الأمة صلى الله عليه وسلم انتشار الإسلام ، وحماية حمى الدين
وعلى هذا سار أصحابه من بعده .
بل سارت عليه جيوش الإسلام وأمراؤه .

وتفطّن لذلك علماء الإسلام ، فنَصُّوا على بَعث السرايا في كل عام مرّة ، ولو مع استتباب الأمر ، مِن باب إخافة العدو ، وإظهار القوة .
قال ابن قُدامة رحمه الله : ويكون في الثغور مَن يَدفع العدو عنها ، ويُبْعَث في كل سنة جيش يُغِيرُون على العدو في بلادهم . اهـ .

ونصّ العلماء على وجوب أخذ العدّة وأُهبة الاستعداد
قال الإمام النووي : الرماية بالبندقية وغيرها مِن المستحدثات مِن فروض الكفايات التي تتأصل بها عزة الأمّة وتُحْمَى بها حوزتها .

وقال شيخنا العثيمين رحمه الله : أمَرَ الله بالإعداد للكفار بما نستطيع من قوَّة ، وهذا يقتضي وجوب التدرّب على الأسلحة الحديثة ، لكن هذا مِن فروض الكفايات وليس مِن فروض الأعيان .

وأنه يَجب على الأمّة أن تستغني عما في أيدي عدوّها !
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : الصناعات الضرورية للمسلمين في حفظ دينهم يجب أن تُوجد في المسلمين ، وأن يتعلموها ، وهذا الشيء الضروري ولا يُغني عنه غيره . اهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لا يحل للمسلمين أن ينتظروهم حتى يَطأ [ العدو ] بلاد المسلمين .
وقال : والله قد فرض على المسلمين الجهاد لمن خرج عن دينه ، وإن لم يكونوا يقاتلونا ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يُجهّزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدو لا يقصدهم ، حتى إنه لَمّا تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصيبته أعظم المصائب ، وتفرّق الناس بعد موته واختلفوا ، نفّذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد الذي كان قد أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلى غزو النصارى ، والمسلمون إذ ذاك في غاية الضعف . فلما رآهم العدو فزعوا ...
وكذلك أبو بكر الصديق لمّا حضرته الوفاة قال لعمر بن الخطاب : لا يشغلكم مصيبتكم بي عن جهاد عدوكم . وكانوا هم قاصدين للعدو لا مقصودين .

وقال ابن كثير رحمه الله :
فكانت سوق الجهاد قائمة في بني أمية ، ليس لهم شغل إلاّ ذلك ، قد عَلَتْ كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ، وبَرّها وبحرها ، وقد أذلّوا الكفر وأهله ، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا ، لا يتوجه المسلمون إلى قطر من الأقطار إلاّ أخذوه ، وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه ، فقتيبة بن مسلم يفتح في بلاد الترك ، يقتل ويسبي ويغنم ، حتى وصل إلى تخوم الصين ، وأرسل إلى مَلِكه يدعوه فخاف منه وأرسل له هدايا وتحفا وأموالا كثيرة هدية ، وبعث يستعطفه مع قوته وكثرة جنده ، بحيث أن ملوك تلك النواحي كلها تؤدي إليه الخراج خوفا منه .

وقد ذَكَر ابن كثير خبر مسلمة بن عبد الملك بن مروان وجهاده للروم في الشام ثم قال : وامتلأت قلوب الفرنج منهم رعبا ، ومحمد بن القاسم - ابن أخي الحجاج - يجاهد في بلاد الهند ويفتح مُدنها في طائفة من جيش العراق وغيرهم ، وموسى بن نصير يجاهد في بلاد العرب ويفتح مدنها وأقاليمها في جيوش الديار المصرية وغيرها . اهـ .

الله أكبر أي عـزّة هذه ؟
وأي نصـرٍ ينصر الله به مَن ينصره ؟

أين تلك الجيوش التي كانت ترعى البلاد رعيا !
أين هي وجيوش الروم – اليوم – تنهى وتأمر ؟!

أيا عمر الفاروق هل لك عودة = فإن جيوش الروم تنهى وتأمر ؟
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم = وجُندك في حطين صلوا وكبروا
يحاصرنا كالموت ألف خليفة = ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر
تناديك من شوق مآذن مكة = وبدر تنادي يا حبيبي وخيبر
نساء فلسطين تكحّلن بالأسى = وفي بيت لحم قاصرات وقُصّر
وليمون يافا يابس في غصونه = وهل شجر في قبضة الظلم يزهر ؟
[عبد الرحمن السحيم]