السؤال : من مذهب السلف في باب الصفات فهم المعني وتفويض الكيف ، والسؤال هنا ، كيف يُفهم المعنى ؟ هل يفهم بلازم الصفة ، فمثلًا صفة اليد يُفهم معناها من خلال اللازم من كونها يدًا وهي أنها تأخذ وتَبسط وتَطوي ، وصفة القدم أنها يوطأ بها ، أم أن ذلك لا يفهم باللازم ؟ وإن لم يفهم المعنى من اللازم فكيف يفهم ؟ أبلغة العرب التي قد لا نجد لها معنى واضحًا في قواميسها كأن يقال مثلًا في معنى اليد : اليد معروفة . أو تُفسر بما لا يمكن أن يكون معنى لصفة من صفات الله -تبارك وتعالى- كأن يقال في اليد : هي الجارحة المعروفة ؟
الجواب :فهم المشكل علم - كما نص على ذلك القرافي في الفروق في أحد المسائل التي عرض لها قائلاً : ” . . . وأنا أخص من ذلك ما تيسر ، وما لا أعرفه وعجزت قدرتي عنه فحظي منه معرفة إشكاله فإن معرفة الإشكال علم”) . وهذا صحيح ؛ لأن الذي يتعلم هو الذي يستشكل .
والمقصود بالاستشكال -
استشكالات التحرير ، تحرير المسائل ، استشكالات وزن الأقوال ، هذا لا شك أنه من العلم .
والمسالة التي ذكرها السائل من هذا القبيل ، فإنها مما يُشكل ويستشكله كثيرون على مذهب السلف ، ما المقصود بإثبات الصفة وتفويض الكيفية ؟ والسلف لم يعبروا بإثبات المعنى كما عبرت في السؤال ، وإنما كان مذهبهم الإيمان بظاهر النصوص وألا يتجاوزوا القرآن والحديث فيها ، وأن يكون هذا الإيمان إيمان بالصفات ، إيمان بإثبات الصفة إثباتًا مع قطع الطمع في إدراك الكيفية ؛ فيكون معنى ذلك أن السلف يثبتون الصفات ، وهذا الإثبات هو إثبات معنى لا إثبات كيفية للصفة .
وإثبات المعنى- معناه أن للصفات الذاتية و الصفات الفعلية للرب – جل جلاله وتقدست أسماؤه معانٍ مختلفة ، فليس معنى صفة الوجه هو معنى صفة اليد أو اليدين لله -جل وعلا- وليس معنى صفة النزول هو معنى صفة الاستواء ، وليس معنى صفة الاستواء هو معنى صفة الرحمة ، وليس معنى صفة الرحمة هو معنى صفة الإرادة ، وليس معنى صفة الغضب هو معنى صفة الانتقام وهكذا .
فهذه الصفات التي وصف الله -جل وعلا- بها نفسه أو وصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- تختلف ، فلما اختلفت ألفاظها اختلف اتصاف الله -جل وعلا- بها ، أي أن كل صفة تثبت كما وردت .
فمن ذلك صفة الوجه لله -جل وعلا- كما في قوله : ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [ سورة الرحمن : الآية 27 ] ، وكما في قوله -جل وعلا- : ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [ سورة البقرة : الآية 115 ] عند من قال أنها من آيات الصفات ، ونحو ذلك مما فيه إثبات هذه الصفة الجليلة .
ويدل على ذلك من السنة قوله -عليه الصلاة والسلام- : « حجابة النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » . والأدلة على إثبات هذه الصفة كثيرة معروفة . فنقول في الوجه : إن الوجه معروف في اللغة أو معروف عند الناس ، ولكن المعروف هو المعنى الكلي لا المعنى الإضافي ، لأن الصفات -بوجه عام وليست صفات الله -جل وعلا- على وجه الخصوص- لا تحصل في الناس أو في الخليقة في اللغات كلها ، فهناك معانٍ كلية وثَم معانٍ إضافية .
المعاني الكلية والمعاني الإضافية :
المعاني الكلية- هذه ليست موجودة في الواقع ، لكنها موجودة في اللغة وموجودة في الإدراك ، أما ما يدرك فهو المعاني الإضافية لأنها رؤيت أو عرفت… . إلى آخره . فإذا نظرت مثلًا لصفة الوجه بعامة ، فإن كل إنسان يسمع كلمة وجه يُدرك المعنى الكلي لها ، وهو أنه مكان ، أو صفة شريفة تجمع ، أو نقول مثلًا : صفة شريفة تحصل بها المواجهة ، وأنها أشرف ما في الموجود ، ونحو ذلك مما يكون بعامة ، يعني يحدث عنده معرفة بأن الوجه -أو يتصور أن الوجه شيء معين ، أي من حيث المعنى الكلي . أما إذا جاء للمعنى الإضافي فإنه يعرف الوجه فإذا قيل له وجه فلا بد يحدد : هل هو وجه إنسان ؟ فيتصور وجه الإنسان على نحو ما رأى ، وجه حمار فيتصوره على وجه رأى ، وجه عصفور سيتصوره على نحو ما رأى ، ووجه كذا وكذا سيتصوره على نحو ما رأى .
لهذا فإن المعنى الكلي هو الذي يثبت في الصفات ؛ لأننا لا ندرك المعنى الإضافي ، والمعنى الكلي هذا ليس شرطًا أن يكون موجودًا في اللغة . لماذا ؟ لأن اللغة معنية ببيان الإضافيات لا ببيان الكليات ، وقليلٌ من يذكر المعنى الكلي أحيانًا . وممن يذكر المعاني الكلية ابن فارس في مقاييس اللغة ، وتارة يغلب عليه النظر في المعاني الإضافية ، ولكنه يذكر المعنى الكلي .
وإذا تقرر هذا فإننا لا نقول : إن إثبات المعنى في هذه الصفات هو إثبات للازمها ، وإنما نقول إثبات الصفة هو إمرارها كما جاءت على ظاهرها ، ولا نقول : إن الوجه معناه كذا ، أو ينطبع في ذهني أن الوجه معناه كذا ، إنما نقول : الوجه لله -جل وعلا- صفة وهو غير صفة اليدين .
فإذا جاء في النصوص تفسير لآثار الوجه أو لعمل اليدين مثلما قلت في اليدين : يقبض ويبسط ، يخفض ويرفع ، بيده اليمنى القسط وبيده الأخرى كذا ، فنمررها كما جاءت في النصوص ، لكن لا نفسر بلازمها . وعدم التفسير باللازم ؛ حتى لا يقضي بنا الأمر إلى محذورين : الأول : أن تفسيرها باللازم يُذهب الكلية اللغوية . والكلية اللغوية هي الإمرار كما جاءت ، والتفسير باللازم لا شك أنه سيمضي بنا إلى تفسيرها باللازم عند البشر ، مثلما قلت في القدم – في السؤال – هي التي يُوطأ بها ، هذا ليس صحيحًا ، ففي اللغة سُميت القدم بذلك لأنها هي التي تتقدم عند الانتقال ، ولكن يدخل في هذا أيضًا الحس الإضافي . فلذلك نقول إن إثبات الصفات هو إثباتها كما جاءت .
والمهم ألا نقول : إننا نفوض المعنى فإثبات المعنى معناه الإيقان بأن الوجه غير اليدين ، واليدين غير القدم ، والقدم غير الساق ، والعينان غير السمع والبصر ، والسمع غير الكلام ، والرحمة غير الإرادة ، والغضب غير الرضا ، والرضا غير الإرادة ، والغضب غير إرادة الانتقام ، وهكذا في نواحيه .
أي إن كل صفة مستقلة بمعنى من المعاني لا يُفسر ، نقول الغضب غير الرضا . والغضب معروف أي تدركه أنت ، لكن قد يكون إدراك الإنسان له إدراك بآثاره ، لكنه يتصور أن الغضب غير الرضا ، ولكنه لا يتصور الغضب على حقيقته عند الله جل وعلا ، لكنه يتصور الأثر فيما يعرف ، فينطبع في ذهنه شيئان :
الأول : أن الغضب صفة غير الرضا لا شك أنها مقابلة لها تمامًا .
الثاني : أنه يجب أن يحذر آثار الغضب ويخافها .
فإذًا إثبات الصفة هنا هو إثبات وجود وإثبات تمايز وتغاير بينها وبين الصفات الأخرى دون إثبات للازم ، إلا إذا أوردته النصوص .
السائل : جزاك الله خيرًا يا شيخنا ، الذي لا نعلمه من مسألة الإضافة ، أنه جزء من الحقيقة .
الشيخ : ما معنى جزء من الحقيقة ؟
السائل : أنه يعني . . . نحن نفوض الحقيقة أو الكيف ؟
الجواب: لا : لا نفوض المعنى ، لكن نفوض حقيقة الكيفية ، أما حقيقة اللفظ أو المعنى فلا نفوضه[ بتصرف يسير من - لقاء خاص بمنزل الشيخ حفظه الله
في يوم الخميس 1 / 1 / 1421 ه-http://salehalshaikh.com/wp2/?p=132 ]-------------------س1/ ما المقصود بالحقيقة والكنه في الصفات، هل يراد بها المعنى أو الكيفية؟ وجزاكم الله خيرا.
ج/ الحقيقة والكنه هي من الألفاظ التي استعملت في الكلام على صفات الله جل وعلا، ويعنى بالحقيقة وبالكنه تمام المعنى والكيفية.
وقد قال المعرفون: إن الكنه هو ما تنتهي إليه حقيقة الشيء يعني من جهة معناه ومن جهة كيفيته.
ولهذا لا نعلم كنه صفات الله جل وعلا؛ لأن معنى ذلك أننا لا نعلم حقائقها التي تنتهي إليه، وإنما نعلم بعض المعنى، وأما الكيفية فلا نعلمها.
لهذا فإن الحقيقة والكنه بالنسبة لصفات الله جل وعلا غير مطموع في إدراكها، وإنما نعلم أن الله جل وعلا اتصف بصفات وصف نفسه بتلك الصفات، ووصفه بها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونعلم معاني تلك الصفات، وأن لتلك الصفات معاني نفهمها باللسان العربي المبين؛ ولكن تمام المعنى لا نعلمه؛ لأن الأمر غيبي وكذلك الكيفية لا تُعلم.
فإذن معنى الكنه والكيفية الكنه والحقيقة في صفات الله جل وعلا يعني الكيفية أو نهاية ما تدلّ عليه من المعاني. والله أعلم
--[ موسوعة صالح ال الشيخ]-----والقاعدة عامة عندنا أن اللغة في الأسماء لابد أن تكون دالة على معاني، الاسم يكون دال على معنى، أسماء الله الحسنى دالة على معاني فيها، فليس ثَم اسم ليس له دلالة على معنى، والدلالة على المعنى تارة تكون دلالة جامدة وتارة تكون دلالة مشتقة.
وهذا في اسم الله الأعظم أو اسم الله (الله) لفظ الجلالة العظيم هذا مشتق من إله؛ لأن العرب تُسهل في مثل هذا كثيرا. --------------------------------- فإذا كان كذلك كان اشتراك المخلوقات التي لها سمع وبصر في السمع والبصر اشتراك في أصل المعنى، ولكل سمع وبصر بما قُدِّر له وما يناسب ذاته، فإذا كان كذلك ولم يكن وجود السمع والبصر في الحيوان وفي الإنسان مقتضيا لتشبيه الحيوان بالإنسان، فكذلك إثبات السمع والبصر للملك الحي القيوم ليس على وجه المماثلة للسمع والبصر في الإنسان أو في المخلوقات، فلله جل وعلا سمع وبصر يليق به، كما أن للمخلوق سمع وبصر يليق بذاته الحقيرة الوضيعة، فسمع الله كامل مطلق من جميع الوجوه لا يعتريه نقص، وبصره كذلك، واسم الله السميع هو الذي استغرق كل الكمال من صفة السمع، وكذلك اسم الله البصير هو الذي استغرق كل الكمال في صفة البصر[ موسوعة صالح ال الشيخ]
----الذي يوافق طريقة أهل السنة والجماعة أن ينفى الأول وهو المراد بالتمثيل دون نفي الثاني؛ لأن إثبات الصفات إثبات للصفة مع المعنى، والمعنى يشترك المخلوق مع الخالق فيه في أصل الصفة، في أصل المعنى دون كماله، كما أنه المخلوق يوصف بالوجود والله جل وعلا يوصف بالوجود فبينهما اشتراك في أصل المعنى دون تمامه ودون حقيقته، كذلك يوصف المخلوق بالسمع، والله جل وعلا يوصف بالسمع وللمخلوق سمع يناسبه، ولله جل وعلا سمع كامل متنزه عن النقائص.. وما يليق بجلاله وعظمته جل وعلا[موسوعة الشيخ صالح ال الشيخ]