تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده

    اعلم أنَّ أهل السنة والجماعة من السلف وأهل الحديث يعتقدون أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته ، وهو مستوٍ على عرشه ، بائنٌ من خلقه ، وأنه يتقرَّب إليهم حقيقة ، ويدنو منهم حقيقة ولكنهم لا يفسرون كلَّ قربٍ وَرَدَ لفظه في القرآن أو السنة بالقرب الحقيقي فقد يكون القرب قرب الملائكة وذلك حسب سياق اللفظ.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) (5/466) : وأما دنوه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ، ومجيئه يوم القيامة ، ونزوله ، واستواءه على العرش ، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر])).اهـ.
    ويقول في موضعٍ آخر من ((الفتاوي)) (6/14) : ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه ، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة ، وينظر في النص الوارد ، فإن دل على هذا ؛ حُمل عليه ، وإن دل على هذا ؛ حُمل عليه ، وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء)). اهـ.-[
    كتاب صفات الله عزوجل]
    أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنا لا ندرك كيفية ذات الله سبحانه، فكذلك لا ندرك كيفية صفاته، وبناء على ذلك، فلا يصح أن يقال إن إثبات صفة النزول يستلزم إثبات الحلول أو الاتحاد، لأن ذلك اللازم إنما يرد على ذواتنا نحن وما نحوها من ذوات المخلوقات،أما ذات الله العلية: فلا تشبه ذواتنا ولا ذوات أي من مخلوقاته، وكذلك صفاته لا تشبه صفات خلقه، فنزوله إنما هو نزول يليق بجلاله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى:11}.
    وحيث إن عقولنا لا تدرك كيفية ذاته، فعلينا أن نقطع الطمع كذلك في إدراك كيفية صفاته ونزوله، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: القول في الصفات كالقول في الذات، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل سائر الصفات، فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عن الكيفية بدعة، لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه،وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيه، قيل له:ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟. اهـ.
    وكذلك الكلام في نزوله مع عدم خلو العرش منه ينبني على ما سبق، فحيث قد أثبتنا له نزولا يليق بجلاله ولا يشابه نزول المخلوقين، فلا يرد علينا استلزام ذلك لخلو العرش منه، وإن كان لازما لصفات المخلوقين، فإنه هو غير لازم بالضرورة لجميع المخلوقات، وننقل لك كلاما نفيسا لشيخ الإسلام وقد ضرب فيه أمثلة لتقريب ذلك، فقال: والصواب: قول السلف: أنه ينزل ولا يخلو منه العرش، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلا ونهارا إلى أن يموت، ووقت النوم تعرج وقد تسجد تحت العرش وهي لم تفارق جسده، وكذلك أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، وروحه في بدنه، وأحكام الأرواح مخالف لأحكام الأبدان، فكيف بالملائكة؟ فكيف برب العالمين؟ والليل يختلف: فيكون ثلث الليل بالمشرق قبل ثلثه بالمغرب ونزوله الذي أخبر به رسوله إلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم وإلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم، لا يشغله شأن عن شأن، وكذلك سبحانه لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، بل هو سبحانه يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم لا يشغله هذا عن هذا، وقد قيل لابن عباس: كيف يكلمهم يوم القيامة كلهم في ساعة واحدة؟ قال: كما يرزقهم كلهم في ساعة واحدة، والله سبحانه في الدنيا يسمع دعاء الداعين ويجيب السائلين مع اختلاف اللغات وفنون الحاجات، والواحد منا قد يكون له قوة سمع يسمع كلام عدد كثير من المتكلمين، كما أن بعض المقرئين يسمع قراءة عدة، لكن لا يكون إلا عددا قليلا قريبا منه، ويجد في نفسه قربا ودنوا وميلا إلى بعض الناس الحاضرين والغائبين دون بعض، ويجد تفاوت ذلك الدنو والقرب، والرب تعالى واسع عليم، وسع سمعه الأصوات كلها وعطاؤه الحاجات كلها، ومن الناس من غلط فظن أن قربه من جنس حركة بدن الإنسان: إذا مال إلى جهة انصرف عن الأخرى، وهو يجد عمل روحه يخالف عمل بدنه، فيجد نفسه تقرب من نفوس كثيرين من الناس، من غير أن ينصرف قربها إلى هذا عن قربها إلى هذا. اهـ.
    .--[مركز الفتوى]-------------------------------------------------------------------------------------------------------فليس معنى نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا أن الله سبحانه يحل فيها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال شيخ الإسلام: وَالرَّبُّ رَبٌّ، وَالْعَبْدُ عَبْدٌ، لَيْسَ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَلَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ: وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ يَعْتَقِدُ حُلُولَ الرَّبِّ تَعَالَى بِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا اتِّحَادَهُ بِهِ. انتهى.
    ونزوله تعالى إلى السماء الدنيا إنما هو نزول حقيقي يليق بجلاله سبحانه، ولا يعرف كيفيته إلا هو عز وجل، ولا ينافي استواءه على العرش، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب السلف والأئمة أنه مع نزوله إلى سماء الدنيا لا يزال فوق العرش لا يكون تحت المخلوقات ولا تكون المخلوقات محيطة به قط، بل هو العلي الأعلى: العلي في دنوه، القريب في علوه، ولهذا ذكر غير واحد إجماع السلف على أن الله ليس في جوف السماوات، ولكن طائفة من الناس قد يقولون: إنه ينزل ويكون العرش فوقه ويقولون: إنه في جوف السماء وإنه قد تحيط به المخلوقات وتكون أكبر منه، وهؤلاء ضلال جهال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، كما أن النفاة الذين يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه جهال ضلال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، فالحلولية والمعطلة متقابلان. انتهى.[مركز الفتوى]------------------




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) (6/14)"
    "المسألة الثانية في ـ
    قربه
    ـ
    الذي هو من لوازم ذاته‏:‏ مثل العلم والقدرة فلا ريب أنه قريب بعلمه وقدرته وتدبيره من جميع خلقه لم يزل بهم عالما ولم يزل عليهم قادرا هذا مذهب جميع أهل السنة وعامة الطوائف
    إلا من ينكر علمه القديم من القدرية والرافضة ونحوهم أو ينكر قدرته على الشيء قبل كونه من الرافضة والمعتزلة وغيرهم‏.‏ ـ
    وأما قربه بنفسه من مخلوقاته ـ قربا لازما في وقت دون وقت؛ ولا يختص به شيء‏:‏
    فهذا فيه للناس قولان‏
    .‏
    فمن يقول هو بذاته في كل مكان يقول بهذا ومن لا يقول بهذا لهم أيضا فيه
    قولان‏
    .‏
    أحدهما إثبات هذا القرب وهو قول طائفة من المتكلمين والصوفية وغيرهم يقولون‏:‏ هو فوق العرش ويثبتون هذا القرب‏.
    وقوم يثبتون هذا القرب؛ دون كونه على العرش‏.‏ وإذا كان قرب عباده منه نفسه وقربه منهم ليس ممتنعا عند الجماهير من السلف وأتباعهم من أهل الحديث والفقهاء والصوفية وأهل الكلام لم يجب أن يتأول كل نص فيه ذكر قربه من جهة امتناع القرب عليه ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه بل يبقى هذا من الأمور الجائزة وينظر في النص الوارد فإن دل على هذا حمل عليه وإن دل على هذا حمل عليه
    وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء‏.‏ وإن كان في موضع قد دل عندهم على أنه هو يأتي ففي موضع آخر دل على أنه يأتي بعذابه كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِد‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 26‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا‏}
    فتدبر هذا فإنه كثيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع إذا تنازع النفاة والمثبتة في صفة ودلالة نص عليها يريد المريد أن يجعل ذلك اللفظ - حيث ورد - دالا على الصفة وظاهرا فيها‏.‏ ثم يقول النافي‏:‏ وهناك لم تدل على الصفة فلا تدل هنا‏.‏ وقد يقول بعض المثبتة‏:‏ دلت هنا على الصفة فتكون دالة هناك؛ بل لما رأوا بعض النصوص تدل على الصفة جعلوا كل آية فيها ما يتوهمون أنه يضاف إلى الله تعالى - إضافة صفة - من آيات الصفات‏.‏ كقوله تعالى‏:‏‏{‏فَر َّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ من الآية56‏]‏‏.‏
    وهذا يقع فيه طوائف من المثبتة والنفاة وهذا من أكبر الغلط فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه‏.‏ وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية وهذا موجود في أمر المخلوقين يراد بألفاظ الصفات منهم في مواضع كثيرة غير الصفات‏.‏ وأنا أذكر لهذا مثالين نافعين، أحدهما صفة الوجه فإنه لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث والمتكلمة الصفاتية‏:‏ من الكلابية والأشعرية والكرامية وكان نفيها مذهب الجهمية‏:‏ من المعتزلة وغيرهم ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم صار بعض الناس من الطائفتين كلما قرأ آية فيها ذكر الوجه جعلها من موارد النزاع فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تتأول بالصرف والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة فكذلك غيرها‏.‏ مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 115‏]‏‏.‏ أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة حتى عدها ـ أولئك ـ كابن خزيمة مما يقرر إثبات الصفة وجعل ـ النافية ـ تفسيرها بغير الصفة حجة لهم في موارد النزاع‏.‏ ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود وكنت قد قلت‏:‏أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئا مما ذكرته كانت له الحجة وفعلت وفعلت وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي في كتاب ـ الأسماء والصفات ـ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه‏}‏ فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي أن المراد قبلة الله فقال أحد كبرائهم - في المجلس الثاني - قد أحضرت نقلا عن السلف بالتأويل فوقع في قلبي ما أعد فقلت‏:‏ لعلك قد ذكرت ما روي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه‏}‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قلت‏:‏ المراد بها قبلة الله فقال‏:‏ قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف‏.‏ ولم يكن هذا السؤال يرد علي؛ فإنه لم يكن شيء مما ناظروني فيه صفة الوجه ولا أثبتها لكن طلبوها من حيث الجملة وكلامي كان مقيدا كما في الأجوبة فلم أر إحقاقهم في هذا المقامبل قلت هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلا ولا تندرج في عموم قول من يقول‏:‏ لا تؤول آيات الصفات‏.قال‏:‏ أليس فيها ذكر الوجه فلما قلت‏:‏ المراد بها قبلة الله‏.‏ قال‏:‏ أليست هذه من آيات الصفات ‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ ليست من موارد النزاع فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه - هنا - القبلة فإن ‏[‏الوجه‏]‏ هو الجهة في لغة العرب يقال‏:‏ قصدت هذا الوجه وسافرت إلى هذا ‏[‏الوجه‏]‏ أي‏:‏ إلى هذه الجهة وهذا كثير مشهور فالوجه هو الجهة‏.‏ وهو الوجه‏:‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 148‏]‏ أي متوليها فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ‏}‏ كلتا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان وكلاهما في شأن القبلة والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين‏:‏ أنا نوليه‏:‏ نستقبله‏.‏ قلت‏:‏ والسياق يدل عليه لأنه قال‏:‏ ‏{‏فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ‏}‏ وأين من الظروف وتولوا أي تستقبلوا‏.‏ فالمعنى‏:‏ أي موضع استقبلتموه فهنالك وجه الله فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله هذا بعد قوله‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ‏} ‏ وهي الجهات كلها كما في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 142‏]‏‏.‏ فأخبر أن الجهات له فدل على أن الإضافة إضافة تخصيص وتشريف؛ كأنه قال جهة الله وقبلة الله‏.‏ ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله أي قبلة الله ولكن يقول‏:‏ هذه الآية تدل على الصفة وعلى أن العبد يستقبل ربه كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه‏)‏ وكما في قوله‏:‏ ‏(‏لا يزال الله مقبلا على عبده بوجهه ما دام مقبلا عليه فإذا انصرف صرف وجهه عنه‏)‏؛ ويقول‏:‏ إن الآية دلت على المعنيين‏.‏ فهذا شيء آخر ليس هذا موضعه‏.‏ والغرض أنه إذا قيل‏:‏ ـ فثم قبلة الله ـ لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه؛ الذي ينكره منكرو تأويل آيات الصفات؛ ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة فإن هذا المعنى صحيح في نفسه والآية دالة عليه وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر ويبقى دلالة قولهم‏:‏ ‏{‏فَثَمَّ وَجْهُ اللّه‏}‏ ‏[‏البقرة 115‏]‏على فثم قبلة الله هل هو من باب تسمية القبلة وجها باعتبار أن الوجه والجهة واحد ‏؟‏ أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله ‏؟‏ فهذا فيه بحوث ليس هذا موضعها‏.‏ والمثال الثاني‏:‏ لفظة ‏[‏الأمر‏]‏ فإن الله تعالى لما أخبر بقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس 82‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر‏}‏ ‏[‏الأعراف 54‏]‏ واستدل طوائف من السلف على أن الأمر غير مخلوق بل هو كلامه وصفة من صفاته بهذه الآية وغيرها صار كثير من الناس يطرد ذلك في لفظ الأمر حيث ورد فيجعله صفة طردا للدلالة ويجعل دلالته على غير الصفة نقضا لها وليس الأمر كذلك؛ فبينت في بعض رسائلي‏:‏ أن الأمر وغيره من الصفات يطلق على الصفة تارة وعلى متعلقها أخرى؛ ـ فالرحمة ـ صفة لله ويسمى ما خلق رحمة والقدرة من صفات الله تعالى ويسمى ـ المقدور ـ قدرة ويسمى تعلقها ـ بالمقدور ـ قدرة والخلق من صفات الله تعالى ويسمى خلقا والعلم من صفات الله ويسمى المعلوم أو المتعلق علما؛ فتارة يراد الصفة وتارة يراد متعلقها وتارة يراد نفس التعلق‏.‏ وـ الأمر ـ مصدر فالمأمور به يسمى أمرا ومن هذا الباب سمي عيسى - صلى الله عليه وسلم -كلمة؛ لأنه مفعول بالكلمة وكائن بالكلمة وهذا هو الجواب عن سؤال الجهمية لما قالوا‏:‏ عيسى كلمة الله فهو مخلوق والقرآن إذا كان كلام الله لم يكن إلا مخلوقا؛ فإن عيسى ليس هو نفس كلمة الله وإنما سمي بذلك لأنه خلق بالكلمة على خلاف سنة المخلوقين فخرقت فيه العادة وقيل له‏:‏ كن فكان‏.‏ والقرآن نفس كلام الله‏.‏ فمن تدبر ما ورد في ـ باب أسماء الله تعالى وصفاته ـوإن دلالة ذلك في بعض المواضع على ذات الله‏.‏ أو بعض صفات ذاته لا يوجب أن يكون ذلك هو مدلول اللفظ حيث ورد حتى يكون ذلك طردا للمثبت ونقضا للنافي؛ بل ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه وما يبين معناه من القرآن والدلالات فهذا أصل عظيم مهم نافع في باب فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما مطلقا ونافع في معرفة الاستدلال والاعتراض والجواب وطرد الدليل ونقضه فهو نافع في كل علم خبري أو إنشائي وفي كل استدلال أو معارضة‏:‏ من الكتاب والسنة وفي سائر أدلة الخلق‏.‏ فإذا كان العبد لا يمتنع أن يتقرب من ربه وأن يقرب منه ربه بأحد المعنيين المتقدمين أو بكليهما؛ لم يمتنع حمل النص على ذلك إذا كان دالا عليه فإن لم يكن دالا عليه لم يجز حمله وإن احتمل هذا المعنى وهذا المعنى وقف‏.‏ فجواز إرادة المعنى في الجملة غير كونه هو المراد بكل نص‏.‏ وأما قربه اللازم من عباده‏:‏ بعلمه وقدرته وتدبيره فقد تقدم‏.‏ وتقدم ذكر الخلاف في قربه بنفسه قربا لازما وعرف المتفق عليه والمختلف فيه‏:‏ من قربه العارض واللازم؛ فقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ‏}‏ ‏[‏ق 16‏]‏ من الناس طوائف عندهم لا يحتاج إلى تأويل ومنهم من يحوجها إلى التأويل‏.‏ ثم أقول هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه سبحانه؛ أو قرب ملائكته؛ كما قد اختلف الناس في ذلك فإن أريد بها قرب الملائكة فقوله‏:‏ ‏{‏إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَا نِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق 17‏]‏؛ فيكون الله سبحانه وتعالى قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه‏.‏ ودليل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى‏}‏ ففسر ذلك بالقرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان وبأي معنى فسر؛ فإن علمه وقدرته عام التعلق وكذلك نفسه سبحانه لا يختص بهذا الوقت وتكون هذه الآية مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف 80‏]‏ ومنه قوله في أول السورة‏:‏ ‏{‏قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ‏}‏ ‏[‏ق 4‏]‏‏.‏ وعلى هذا فالقرب لا مجاز فيه‏.‏ وإنما الكلام في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ‏}‏ حيث عبر بها عن ملائكته ورسله أو عبر بها عن نفسه أو عن ملائكته ولكن قرب كل بحسبه‏.فقرب الملائكة منه تلك الساعة وقرب الله تعالى منه مطلق؛ كالوجه الثاني إذا أريد به الله تعالى أي‏:‏ نحن أقرب إليه من حبل الوريد؛ فيرجع هذا إلى القرب الذاتي اللازم‏.‏ وفيه القولان‏.‏ أحدهما‏:‏ إثبات ذلك وهو قول طائفة من المتكلمين والصوفية‏.‏ والثاني‏:‏ أن القرب هنا بعلمه؛ لأنه قد قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ‏}‏؛ فذكر لفظ العلم هنا دل على القرب بالعلم‏.‏ ومثل هذه الآية حديث أبي موسى‏:‏ ‏(‏إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏؛ فالآية لا تحتاج إلى تأويل القرب في حق الله تعالى إلا على هذا القول وحينئذ فالسياق دل عليه ومما دل عليه السياق هو ظاهر الخطاب؛ فلا يكون من موارد النزاع‏.وقد تقدم أنا لا نذم كل ما يسمى تأويلا مما فيه كفاية وإنما نذم تحريف الكلم عن مواضعه ومخالفة الكتاب والسنة والقول في القرآن بالرأي.‏ وتحقيق الجواب هو أن يقال‏:‏ إما أن يكون قربه بنفسه القرب اللازم ممكنا أو لا يكون‏.‏ فإن كان ممكنا لم تحتج الآية إلى تأويل وإن لم يكن ممكنا حملت الآية على ما دل عليه سياقها وهو قربه بعلمه‏.‏ وعلى هذا القول فإما أن يكون هذا هو ظاهر الخطاب الذي دل عليه السياق أو لا يكون‏.‏ فإن كان هو ظاهر الخطاب فلا كلام؛ إذ لا تأويل حينئذ‏.‏ وإن لم يكن ظاهر الخطاب؛ فإنما حمل على ذلك لأن الله تعالى قد بين في غير موضع من كتابه أنه على العرش وأنه فوق فكان ما ذكره في كتابه في غير موضع أنه فوق العرش مع ما قرنه بهذه الآية من العلم دليلا على أنه أراد قرب العلم؛ إذ مقتضى تلك الآيات ينافي ظاهر هذه الآية على هذا التقدير والصريح يقضي على الظاهر ويبين معناه‏.‏ ويجوز باتفاق المسلمين أن تفسر إحدى الآيتين بظاهر الأخرى ويصرف الكلام عن ظاهره؛ إذ لا محذور في ذلك عند أحد من أهل السنة وإن سمي تأويلا وصرفا عن الظاهر فذلك لدلالة القرآن عليه ولموافقة السنة والسلف عليه؛ لأنه تفسير القرآن بالقرآن؛ ليس تفسيرا له بالرأي‏.‏ والمحذور إنما هو صرف القرآن عن فحواه بغير دلالة من الله ورسوله والسابقين كما تقدم‏.‏ وللإمام أحمد - رحمه الله تعالى - رسالة في هذا النوع وهو ذكر الآيات التي يقال‏:‏ بينها معارضة وبيان الجمع بينها وإن كان فيه مخالفة لما يظهر من إحدى الآيتين أو حمل إحداهما على المجاز‏.‏ وكلامه في هذا أكثر من كلام غيره من الأئمة المشهورين؛ فإن كلام غيره أكثر ما يوجد في المسائل العملية وأما المسائل العلمية فقليل‏.‏ وكلام الإمام أحمد كثير في المسائل العلمية والعملية لقيام الدليل من القرآن والسنة على ذلك ومن قال‏:‏ إن مذهبه نفي ذلك فقد افترى عليه والله أعلم‏.‏ والكلام على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان‏}‏ ‏[‏البقرة 186‏]‏ مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا؛ إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏فمن حمله على قرب نفسه قربا لازما أو عارضا فلا كلام ومن قال‏:‏ المراد كونه يسمع دعاءهم ويستجيب لهم وما يتبع ذلك‏.‏ قال‏:‏ دل عليه السياق فلا يكون خلاف الظاهر‏.‏ أو يقول‏:‏ دل عليه ما في القرآن والسنة من النصوص التي تدل على أنه فوق العرش فيكون تفسير القرآن وتأويله بالكتاب والسنة وهذا لا محذور فيه‏.واعلم أن من الناس من سلك هذا المسلك في نفس ـ المعية ـ ويقول‏:‏ إنه محمول على ما دل عليه السياق‏.‏ وإن كان خلاف ظاهر الإطلاق أو محمول على خلاف الظاهر لدلالة الآيات أن الله فوق العرش ويجعل بعض القرآن يفسر بعضالكن نحن بينا أنه ليس في ظاهر المعية ما يوجب ذلك؛ لأنا وجدنا جميع استعمالات ـ مع ـ في الكتاب والسنة لا توجب اتصالا واختلاطا فلم يكن بنا حاجة إلى أن نجعل ظاهره الملاصقة ثم نصرفه‏. فأما لفظ ‏[‏القرب‏]‏ فهو مثل لفظ ‏[‏الدنو‏]‏ وضد القرب البعد فاللفظ ظاهر في اللغة‏.فإما أن يحمل عليه وإما أن يحمل على ما يقال إنه الظاهر الذي دل عليه السياق أو على خلاف الظاهر لدلالة بقية النصوص‏.‏ وقد روى الطبراني وغيره‏:‏ أن ‏(‏ناسا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ‏؟‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان‏}‏‏)‏‏. ‏ وصلى الله على محمد"‏.‏

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    والليل يختلف: فيكون ثلث الليل بالمشرق قبل ثلثه بالمغرب ونزوله الذي أخبر به رسوله إلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم وإلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم، لا يشغله شأن عن شأن،
    يقول ابن رجب رحمه الله في فضل علم السلف على الخلف

    ( قد اعترض بعض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر وقال ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين. ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين ) انتهى

    منهج واضح بين في التعامل مع هؤلاء .




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •