تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: العلماء والنحو واللغة العربية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي العلماء والنحو واللغة العربية

    العلماء والنحو واللغة العربية

    ذكرنا فيما مضى طرفًا كبيرًا من أقوال العلماء، ومن الأمثلة مِن كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي تدلُّ على أهمية علم النحو في فهم كتاب الله سبحانه وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي سلامة اللسان من مَعرَّة اللَّحْن.
    ولَمَّا كان علم النحو بهذه الأهمية، فرَّغ أئمة الإسلام وعلماؤه أنفسَهم لتعلُّمه، حتى بلغوا فيه الغاية والذروةَ، وتوسَّعوا في تحصيل قواعده توسعًا كبيرًا، نافسوا فيه أئمة اللغة المتخصصين فيها.
    وفيما يلي إن شاء الله تعالى ذكرُ طرفٍ من الآثار التي تدل على اهتمام أئمة السلف بعلم النحو، وتوسُّعهم في تحصيله:
    ولنبدأ في ذلك بما ذُكر عن الشافعي رحمه الله؛ فإن الإمام الشافعي حكى عن نفسِه أنه ظل عشرين سنة يتعلم علم النحو.
    وكان رحمه الله يقول: مَن تبحر في النحو، اهتدى إلى كل العلوم.
    وقال عنه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام: الشافعي ممن يُؤخَذ عنه اللغة.

    وهذا أيضًا الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السُّنة رحمه الله تعالى، تحكي لنا عنه كتبُ التراجم أنه كان لُغويًّا بارعًا، يعرف منازل الكلام، ومواردَه ومصادره، ونحو العربية وبلاغتها،
    حتى قال عنه شيخه الشافعيُّ: كان أحمد إمامًا في اللغة.
    وقال هو عن نفسه: كتبتُ من العربية أكثرَ مما كتب أبو عمرو بن العلاء.
    وقال المروزي عن الإمام أحمد رحمه الله: كان أبو عبدالله لا يلحن في الكلام.
    ويحكي ثعلبةُ عن إبراهيمَ الحربيِّ، يقول: ما فقدتُ إبراهيمَ الحربيَّ من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة.
    وهؤلاء الأحناف كانوا يقولون عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة رحمهما الله: إن كلامه في اللغة حجَّة.

    وها هو الطبري رحمه الله شيخُ المفسرين، قد أودع في تفسيره معظم آراء النَّحْويين؛ كسيبويه، والكسائي، والأخفش، والفرَّاء، وشواهدهم، حتى بلغت شواهده الشِّعْرية ما يقرب من ثمانمائة وألف شاهد شعري، غير ما اشتمل عليه من أقوالِ العرب وأمثالهم.

    وهذا أيضًا حبرٌ آخر من أحبار هذه الأمة، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي قال عنه الذهبي رحمه الله في ترجمته في السير: وأتقن العربية أصولًا وفروعًا، وتعليلًا واختلافًا؛ اهـ.
    وإن الناظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يعلم هذا جيدًا، وأنا - والله - عندما أقرأُ في كتب هذا الرجل، وكذا في كتب تلميذه ابن القيم رحمهما الله، أتعجَّب أشدَّ العجب، كيف أنهما - وهما الفقيهان الأصوليان عالِما العقيدة - قد وصلا إلى درجةٍ من العلم يَستدرِكانِ فيها بعضَ المسائل اللُّغوية على أهل اللغة! وهذا بلا شك لا يمكن أن يكون إلا من رجل قد تبحَّر في علم النحو حتى بلغ فيه مبلغًا كبيرًا.

    وانظر في ذلك على سبيل المثال كتاب
    "بدائع الفوائد" لابن القيم رحمه الله، تجده كتابًا لُغويًّا في أكثر مواضيعه، وقد استدرك فيه ابنُ القيم رحمه الله كثيرًا من المسائل اللُّغوية على أئمة اللغة، وانظر كذلك إلى هذه المناظرة التي جرَتْ بين شيخ الإسلام ابن تيمية وأبي حيَّان رحمهما الله، في مسألة من مسائل النحو، وكان أبو حيان قد احتج على شيخ الإسلام برأي سيبويهِ في الكتاب، فأجابه شيخ الإسلام: وهل سيبويه نبيُّ النحو، فيجب علينا اتِّباعه؟! لقد أخطأ سيبويه في الكتاب في ثمانين موضعًا، لا تعلمها أنت ولا سيبويه.
    فها هو شيخ الإسلام يُخطِّئ إمام الدنيا وشيخَ النحاة سيبويه رحمه الله، وهذا بلا شك لا يمكن حصوله مِن ابن تيمية إلا بعد أن يكون هذا العلم قد مُزِج بلحمه ودمه، وبعد بلوغه من التوسع فيه، وتحصيل قواعده، والإلمام بها، مبلغًا كبيرًا.

    وتأمل - أخي طالب العلم - ما قاله الشوكانيُّ رحمه الله في أهمية التوسُّع في تعلم العربية،قال رحمه الله: ومَن جعل المقدار المُحتاج إليه في هذه الفنون هو معرفةَ مختصرٍ من مختصراتها، أو كتاب متوسِّط من المؤلفات الموضوعة فيها، فقد أَبْعَدَ، بل الاستكثار من الممارسة لها، والتوسُّع في الاطلاع على مطولاتها، مما يزيد المجتهد قوة في البحث، وبصرًا في الاستخراج، وبصيرة في حصول مطلوبِه، والحاصل أنه لا بد أن تثبُت له الملكة القوية في هذه العلوم، وإنما تثبُت هذه الملكة بطول الممارسة، وكثرة الملازمة لشيوخ هذه الفنون؛ اهـ.
    وقال الشاطبي رحمه الله:
    إن الشريعة عربيةٌ، وإذا كانت عربيةً، فلا يفهمها حقَّ الفهم إلا مَن فهِم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيَّان في النمط، ما عدا وجوه الإعجاز.
    وإذا فرضنا مُبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإذا انتهى إلى الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمُه فيها حجَّة، كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهِموا القرآن حجة، فمَن لم يبلغ شَأْوَه - أي: أَمَدَه وغايته - فقد نقَصَه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل مَن قصر فهمه لم يكن حجة، ولا كان قوله مقبولًا؛ اهـ.
    وقد تقدم بنا أنْ ذكرنا قوله رحمه الله في كتابه الموافقات: إن المجتهد لا يلزمه الاجتهاد في شيء من علوم الوسائل إلا علوم اللغة العربية؛ اهـ.

    وقال أبو العباس القلقشندي المصري - كما في صبح الأعشى في صناعة الإنشا 1/167، 168 -: لا نزاع أن النحو هو قانون اللغة العربية ومِيزان تقويمها، وقد تقدَّم في النوع الأول أن اللغة العربية هي رأسُ مال الكاتب، وأسُّ مقاله، وكَنْز إنفاقه، وحينئذٍ فيحتاج إلى المعرفة بالنحو وطرق الإعراب، والأخذ في تعاطي ذلك حتى يجعلَه دأبَه، ويصيره دَيْدَنه؛ ليرتسِمَ الإعراب في فكره، ويدور على لسانه، وينطلق به مقال قلمِه وكَلمه، ويزول به الوهمُ عن سجيته، ويكون على بصيرةٍ مِن عبارته؛ فإنه إذا أتى من البلاغة بأعلى رُتبة ولحن في كلامه، ذهبت محاسن ما أتى به، وانهدمت طبقة كلامه، وألغى جميع ما حسنه، ووقف به عند ما جهله؛ اهـ.

    وها هو إمامُ اللغة في هذا العصرِ الشنقيطيُّ محمد الأمين رحمه الله،
    الذي لم ترَ العينُ مثله في هذا الباب في هذا العصر، فقد ملأ رحمه الله تفسيرَه أضواء البيان بالأوجه الإعرابية، والآراء النَّحْوية، والشواهد الشِّعْرية.
    وانظر إليه وهو يحكي عن ذَهابه لبعض العلماء حتى يدرُسَ عنده لامية الأفعال لابن مالك، قال رحمه الله: قدِمتُ على بعض العلماء لأدرس عليه، ولم يكن يعرِفُني مِن قبل، فسأل عني مَن أكون؟ في ملأ من تلامذته، فقلت مرتجلًا:
    هذا فتًى مِن بني جاكان قد نزَلَا
    به الصبا عن لسانِ العُرْبِ قد عدلا

    رمَتْ به همَّةٌ علياءُ نحوَكُمُ
    إذ شام برقَ علومٍ نورُه اشتعلا

    فجاء يرجو ركامًا مِن سحائبهِ
    تكسو لسانَ الفتى أزهارُه حُلَلا

    إذ ضاق ذَرعًا بجهلِ النَّحوِ ثم أبَى
    ألَّا يميِّزَ شكلَ العينِ مِن فعلا

    وقد أتى اليوم صبًّا مُولَعًا كَلِفًا
    بالحمد لله لا أبغي به بَدَلا
    يريد رحمه الله: دراسة لامية الأفعال. ولامية الأفعال هذه التي كان الشنقيطي رحمه الله يريد دراستها - كثيرٌ من طلبة العلم في عصرنا هذا لا يستطيعون قراءتها، فضلًا عن إمكانية دراستها وفهمها،
    ولتنظر أخي الكريم إلى هذا البيت من أبياتها:
    تدحرجَتْ عَذْيَط احلولَى اسبطرَّ تَوَا ♦♦♦ لى مَعْ تولَّى وخَلْبسْ سَنبسَ اتَّصَلا

    وها هو أيضًا شيخ العربية في هذا العصر فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله؛ فإن مؤلفات هذا الرجل - خصوصًا كتب التفسير منها - لتَشهَدُ شهادةً جليَّةً واضحة بسَعَة اطِّلاعه، وطول باعه في علم النحو.
    ولا يخفَى أن الشيخ رحمه الله له شرحٌ جيد على الألفية، وتأمل كذلك - أخي الكريم - شرحَ الشيخ على البلوغ، وكيف أنه كان يُعرِب الأحاديث، ويُراجِع الطلبة في ذلك.

    وها هو علمٌ آخر من علمائنا المعاصرين، مِن الذين نبغوا في هذا العلم، وهو الشيخ المفضال عبدالله الفوزان حفظه الله تعالى، فقد قام هذا الرجل - نفع الله به - بشرحِ كتاب قطر الندى، ومتن ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى، وكان شرحُه عليهما من أجملِ الشروح وأسهلها وأيسرها، مع غزارة المعلومة فيه.

    ولا أنسى في هذا المقام ذكرَ شيخِنا الحازمي، والعيوني، حفظهما الله تعالى، فهُمَا ممن يشار إليهم بالبنان في هذه الأيام؛ لشروحهما المميزة على متون النحو، فاللهم انفع بي وبهم جميعًا يا رب العالمين، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
    فهذا بعضٌ مِن حال أئمة السلف قديمًا وحديثًا بشأن توسُّعهم في تعلُّم علم النحو، ذلك العلم الذي هجره أكثرُ طلبة العلم في هذا الزمان، وأعرَضوا عن تعلُّمه
    ،
    والقليل منهم الذي إن تعلَّمه اكتفى بتعلُّم اليسير منه.

    فعُودوا - إخواني في الله طلبة العلم - إلى اقتفاء آثار سلفنا الصالح، والاهتداء بمنارهم بشأن التوسُّع في دراسة علوم العربية؛ ففيهم وفي سلوك سبيلهم الخيرُ كله.

    http://www.alukah.net/literature_language/0/123027/

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    المشاركات
    582

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم أروى المكية مشاهدة المشاركة
    [CENTER]

    فعُودوا - إخواني في الله طلبة العلم - إلى اقتفاء آثار سلفنا الصالح، والاهتداء بمنارهم بشأن التوسُّع في دراسة علوم العربية؛ ففيهم وفي سلوك سبيلهم الخيرُ كله.

    ياليتَ قومي يعلمونَ.أحسنَ اللهُ إليكِ أختي الفاضلةَ،ونفعَ بكِ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •