آداب تلاوة القرآن وأحكامها
لفضيلة الشيخ الدكتور
إبراهيم بن صالح الحميضي
بسم الله الرحمن الرحيم
تفريغ محاضرة: آداب تلاوة القرآن وأحكامها
لفضيلة الشيخ الدكتور: إبراهيم بن صالح الحميضي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مرحبًا بالأخوة والأخوات في هذا اللقاء المبارك، في البداية أشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل، والأخوة المشرفين والمشرفات على هذا المعهد المبارك، على تنسيق هذا اللقاء، وأسأل الله عزوجل أن يجعلنا جميعًا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
أيها الأخوة والأخوات اللقاء، وهذا المجلس حول آداب تلاوة القرآن الكريم، والحديث عن الآداب جميعًا، واستقصاء الكلام حولها يطول، وربما لا يكفي فيه مجلس واحد، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جلّه، نحاول أن نعطي لمحة مختصرة عن أهم هذه الآداب، ومن أراد التوسّع فليرجع إلى كتب آداب حملة القرآن، وأيضًا كتب فضائل القرآن، وأحكام القرآن الكريم، وقد كتبت في ذلك كتابةً، أرجو أن تكون وافية بأهم موضوعات، ومحاور، ومباحث، ومسائل آداب تلاوة القرآن الكريم في كتابي (جمال القرّاء) وهو مطبوع.
الآداب أيها الأخوة، المقصود بآداب تلاوة القرآن الكريم: ما ينبغي للمسلم فعله واستصحابه عند تلاوة القرآن الكريم.
وهذه الآداب أيها الأخوة والأخوات منها ما هو مستحب؛ كالبسملة، والاستعاذة، ومنها ما هو واجب؛ كالطهارة لمس المصحف، وكتعظيم المصحف.
ومنها ما يكون قبل القراءة؛ كالاستعاذة مثلًا، والوضوء، ومنها ما يكون أثناء القراءة كالخشوع والترتيل، ومنها ما يكون بعدها كالعمل بالقرآن الكريم، وكذلك ختم القرآن ودعاء الختم.
ينبغي للمسلم حقيقة -والمسلمة- أن يحرص على القيام بهذه الآداب، وأن يستصحبها حال القراءة؛ لأن هذه الآداب أيها الأخوة والأخوات لها أثر كبير على القارئ؛ فهي تعين على الخشوع، وعلى التدبّر، وعلى الانتفاع بالقرآن الكريم.
أول هذه الآداب: الطهارة.
فيستحبّ للإنسان، أو يستحبّ للمسلم القارئ أن يتطهّر عند قراءة القرآن الكريم؛ لأنها عبادة من العبادات، وأيضًا هي تلاوة لكلام الله عزوجل، فينبغي أن يكون على أكمل الحالات، ينبغي أن يكون على طهارة ولو لم يمسّ المصحف.
أما عند مس المصحف فيجب وجوبًا أن يكون على طهارة، وهذا قول الأئمة الأربعة رحمهم الله أنه يجب الطهارة عند مسّ المصحف، هذا قول الأئمة الأربعة وجماهير أهل العلم، فللطهارة أثر كبير على تعظيم القرآن الكريم، وتهيئة البدن والقلب للانتفاع بالقرآن الكريم.
ثم إنّ الوضوء أيها الأخوة سبب لمحو الخطايا، وسمو النفس، ونظافة البدن، وإذا كان القارئ بهذه الحال، فإنّ انتفاعه بالقراءة سيكون أبلغ.
ذكرنا أيها الأخوة والأخوات الأدب الأول وهو الطهارة في قراءة القرآن الكريم، وأما القراءة عن ظهر قلب فهي مستحبة وغير واجبة، فيجوز للإنسان أن يقرأ على غير طهارة، وأمّا الحدث الأكبر بالنسبة للحائض والجنب، فهذا محلّ خلاف؛
فمنهم: من يجيز للحائض والجنب قراءة القرآن، بل ومسّ المصحف، وهذا قول الظاهرية.
ومنهم: من يمنعهما بالكليّة.
ومنهم: من يفرّق بين الحائض والجنب، فيجيز للحائض قراءة القرآن، ولاسيّما إن كانت محتاجة لذلك؛ كأن تكون معلمة وقارئة، بخلاف الجنب فإنه لا يجوز له، ولاسيّما أن وقته لا يطول.
هناك بعض المسائل تتعلّق بالأطفال ونحو ذلك، ومسّ كتب التفسير، هذه لا يتسع المجال للحديث عنها، وإذا كان هناك سؤال ربما نسمعه بعد اللقاء.
الأدب الثاني: السواك وتطييب الفم.
أي يستحب لمن قرأ، أو أراد قراءة القرآن الكريم أن ينظّف فاه بالسواك أو غيره؛ لأن الفم هو آلة القراءة، وفي كذلك تعظيم لكلام الله عزوجل، ثم أيضًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشوص فاه بالسواك حينما يقوم من صلاة الليل؛ وذلك أنه كان يقرأ فيها القرآن، وكان السلف يحرصون على تطييب الفم حتى قال بعضهم: ما أكلت الثوم والكراث منذ أن قرأت القرآن، وهذا من باب تعظيم القرآن الكريم، وتطهير الفم لقراءته، ويُقاس على الثوم والكرّاث جميع الروائح السيئة؛ ومنها: الدخان –أكرمكم الله-، فلا يليق بالمسلم ولا ينبغي له أن يقرأ أو يتلو كلام الله عزوجل ولسانه ذو رائحة كريهة، ولتطييب الفم بالسواك أثر في طيب النفس، وسرور القلب، ومن ثمّ الانتفاع بالقرآن كذلك.
ومن الآداب المستحبة كذلك:
وهو الثالث: أن يستقبل القبلة إذا تيسر له ذلك.
لأن تلاوة القرآن الكريم عبادة، والعبادة ينبغي أن تكون على أحسن الأحوال، أما أن القارئ أحيانًا يدعو الله عزوجل، فإذا دعا حينما يقرأ آية من آيات الوعد أو الوعيد فإنه يكون مستقبل القبلة.
بل بعضهم استحبّ أنّ الإنسان يلبس ثوبًا طيّبًا، وأن يتطيّب، وأن يعتمّ، وكلّ هذا من باب تعظيم كلام الله عزوجل.
وهذا الأمر كما أسلفت مستحب ومتيسّر، وإلا فإن الإنسان يقرأ القرآن على أي حال كان، سواء كان مستقبل القبلة أو مستدبرها، وسواءً كان مضطجعًا أو كان قائمًا، أو قاعدًا، لكن إذا تيسّر له استقبال القبلة؛ فلاشك أنّ هذا أولى وأكمل.
الأدب الرابع: الاستعاذة والبسملة.
فيستحبّ للمسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حينما يريد أن يقرأ القرآن، كما قال الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} والراجح أن الأمر للاستحباب، فيستحب للمسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
والصيغة المختارة عند أكثر القرّاء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا ما ثبت في السنة أيضًا من حديث سليمان بن صرر رضي الله عنه.
والحكمة من الاستعاذة : هي طرد الشيطان حتى لا يوسوس للمسلم، فيمنعه أو يصرفه عن القراءة، أو عن تدبّرها، والعمل بها، وكذلك هي علامة على أنّ المتلوّ هو كلام الله عزوجل, فهي عنوان على هذا المتلو وهذا المقروء , أيضا لها فائدة بعد القراءة بحيث أن الإنسان يعان على العمل بالقرآن الكريم ويتخلص من وساوس الشيطان وتثبيطه عن طاعة الله عز وجل .
وهناك مسألة مهمة في هذه القضية , وهي: متى تؤدي الاستعاذة غرضها , لأنه عامة الناس, بل نستطيع أن نقول كل الناس يستعيذون حينما يريدون قراءة القرآن الكريم, لكن هل كل الناس يتأثرون بهذه الاستعاذة وينصرف عنهم الشيطان ويعصمون منه؟
الجواب: لا , الناس يستعيذون عند قراءة القرآن في الصلاة وخارجها لكنهم يتسلط عليهم الشيطان , ما هو السبب يا ترى ؟
السبب: أنهم يستعيذون بقلب غافل بحيث أصبحت الاستعاذة عادة من العادات, يستعيذ الانسان وهو لا يدري ولا يعرف معناها ولا يدري ما مدلولها وما فائدتها, ولذلك إذا أردت أن يكون للاستعاذة أثر عليك وعلى قراءتك, إذا أردت أن يبتعد عنك الشيطان وأن تسلم من وساوس الشيطان وأن تعصم من الشيطان الذي يجتهد غاية الاجتهاد في صرفك عن القرآن وعن تلاوة القرآن وعن الانتفاع بالقرآن, فاقرأ الاستعاذة بقلب حاضر مستشعرا معناها موقنا بأثرها , فلذلك لابد من معرفة معنى الاستعاذة , وتفصيل معنى الاستعاذة يطول حقيقة , والوقت قصير جدا وقد ذهب أوله , فأنا أنصح الإخوة بقراءة تفسير الاستعاذة سواء من خلال كتب التفسير في بداية سورة الفاتحة أو في سورة النحل في قوله تعالى : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}, أو في كتب آداب حملة القرآن.
ومعنى الاستعاذة إجمالا: أستجير وألتجئ بجناب الله عز وجل من الشيطان الرجيم؛ الذي هو كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب أن يضلني أو يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه.
الشيطان: هو كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب , ومعنى أعوذ : ألتجئ وأعتصم , والرجيم : هو المرجوم والمطرود عن رحمة الله عز وجل .
كذلك من الآداب البسملة : أن يبسمل الانسان فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم
والبسملة مشروعة عند بداية السورة , إلا سورة واحدة وهي براءة كما لا يخفى على الجميع , فإنها لم تنزل معها البسملة ولا يوجد بسملة في المصحف , أما من قرأ من وسط السورة أو من آخرها أو من أثنائها , فإنه لا يبسمل وإنما يستعيذ فقط , على هذا عامة القراء .
والبسملة أيضا لها أثر على القراءة , فهي سبب لحلول البركة في القراءة، ولطرد الشيطان , وهي أيضا علامة على أن الانسان سيبدأ بسورة جديدة , ويقال فيها ما قيل في الاستعاذة , أنها لا تؤدي غرضها إلا بعد أن يقولها الانسان بقلب حاضر وأن يستشعر المعنى , ولذلك لا بد من معرفة المعنى , ما معنى بسم الله , وما معنى الرحمن , وما معنى الرحيم ؟
نعود ونقول معناها إجمالا : أبتدئ باسم الله تعالى مستعينا به , لأن الباء للاستعانة , والله هو المألوه المعبود , الرحمن ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء , والرحيم بعباده المؤمنين . فهي استعانة بالله عز وجل المعبود المألوه الرحمن الرحيم .
فأنت تستعين بالله عز وجل على تلاوة القرآن الكريم حتى يوفقك الله ويعينك على قراءة القرآن الكريم , ويطرد عنك وساوس الشيطان .
وفائدتها ما تقدم من أنها تبرك باسم الله، وتعظيم لله، وحصن من الشيطان الرجيم .
إذن أيها الإخوة والأخوات لابد حينما نستعيذ أو نبسمل أن نقرأها بقلب حاضر وأن نستشعر المعنى وأن نتذلل لله فيها .
من الآداب المستحبة: سجود التلاوة.
وذلك إذا مررت بآية سجدة أن تسجد لله عز وجل تعظيما له , والحديث عن سجود التلاوة طويل وقد ألفت فيه مؤلفات خاصة في سجود التلاوة ولذلك لا يتسع المقام , ولعلكم تأخذون في بعض الدروس في علوم القرآن أو في درس آخر محاضرة حول سجود التلاوة لكثرة أحكامها , ويمكن الرجوع إلى كتب الفقه وكتب آداب حملة القرآن .
سجود التلاوة مستحب على الراجح من أقوال أهل العلم , وأما الحكمة من سجود التلاوة فهو أولا امتثال لأمر الله عز وجل , فتلاحظ أن كثيرا من آيات السجود هي أمر , {فاسجدوا لله واعبدوا} , {واسجد واقترب} , أو حث {ألا يسجدوا لله} وهكذا .
أيضا سجود التلاوة يعين على تدبر القرآن الكريم , فإن الإنسان حينما يقرأ ويسجد سيستشعر الأمر بالسجود وأن هذه الآية متضمنة للسجود قد يكون غافلا عنه .
كذلك هي اقتداء بالملائكة وعباد الله المرسلين الذي يسجدون لله عز وجل {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} , وكذلك فيها فائدة أيها الإخوة والأخوات وهي تنشيط القارئ , هي تزيد القارئ نشاطا , لأنه أحيانا مع طول القراءة الإنسان يفتر أو يكسل أو يصاب بالنعاس ونحو ذلك , فإذا ما سجد لا شك أنه ستتغير الهيئة ويكون هناك حركة للجسم ومن ثم يزداد نشاطا , وهذا أمر معروف ومجرب , أحيانا حينما تقرأ القرآن الكريم وتكون في حالة نعاس فحينما تأتي السجدة ويتحرك الإنسان يزداد نشاطا وقوة .
السجدات فيها خمس عشرة سجدة على الراجح , وهي معروفة في المصحف , ومن المهم أن نعرف السجدة وموضع السجدة وهي معلمة , لأنه أحيانا تكون السجدة في الآية الثانية ليست في نفس الآية التي فيها السجدة وإنما في الآية التي بعدها كما في سورة النمل مثلا وغيرها .
هل يشترط لسجود التلاوة شروط الصلاة ؟ يعني لا بد أن يكون الانسان على طهارة وأن يستقبل القبلة وكذلك أن يكون الانسان يستر العورة ؟
هذا مما اختلف فيه العلماء:
فمنهم من قال أن سجود التلاوة صلاة يشترط له شروط الصلاة من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة . وهو قول الجمهور
القول الثاني أنه ليس بصلاة : فلا تشترط له شروط الصلاة , فيسجد الانسان ولو كان إلى غير القبلة , وأيضا قد يكون على غير طهارة وذلك إذا كان يقرأ حفظا , أما إذا كان معه المصحف فقلنا أنه يجب الوضوء, لكن لو كان الانسان يقرأ عن ظهر قلب مثلا ، فعلى هذا القول لا بأس أن يسجد , وكذلك مثلا ستر العورة لا يجب , قد يكون عند الرجال لا يحتاجون إلى هذا الشرط , ولكن عند النساء لأن المرأة يشترط لها من الستر في الصلاة غير الرجل , لابد لها أن تغطي شعرها، وأن تغطي ذراعيها، وأن يكون عليها ملحفة وخمار، فعلى هذا القول لو كانت المرأة في ثيابها، يعني لم تلبس ثياب الصلاة ولم تغطي شعرها يجوز لها أن تسجد على هذه الحالة، والراجح والله أعلم أن الإنسان يحرص أن يكون على شروط الصلاة، أن يكون مستكملًا لشروط الصلاة، وإلّا لا يصل إلى حد الوجوب، إن الإنسان تمكّن وتيسّر له أن يسجد مستوفيًا شروط الصلاة فهذا أولى، وإلا لا يجب.
وأمّا صفة سجود التلاوة : إذا كان في غير الصلاة يكبّر ويسجد ثم يرفع ولا يكبّر ولا يتشهّد ولا يسلم، يعني تكبيرة واحدة للسجود فقط، وأمّا في الصلاة فإنه يكبر للسجود وللقيام من السجود.
وأمّا ما يُقال في سجود التلاوة : فأصح ما ورد هو ما أخرجه أهل السنن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن: ((سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته)).
وإن قرأ أذكار السجود المعروفة في سجود الصلاة، فلا بأس، فإن قال: سبحان ربي الأعلى، أو سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، أو سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح، فهذا أيضًا مشروع.
هناك أيضًا في الحقيقة مسائل كثيرة كما أسلفنا، قد لا يتسع المقام لذكرها.
تكرار السجود: نقول كلما مرّت سجدة في القرآن، اسجد لها، لكن إذا كرّر آية السجدة نفسها فيكفي سجود واحد، يعني أحيانا عند المراجعة أو عند الحفظ، الإنسان يكر بعض الآيات؛ كآية مثلًا: مريم، أو آية آخر الأعراف للحفظ، يعني يكرر الآية أكثر من مرة لكي يحفظها، أو كأن تكون أثناء المراجعة أحيانًا، يراجع مثلًا بعض الأوجه أكثر من مرة، وهو مشتمل على سجدة، فنقول: تكفي السجدة الأولى فقط.
أيضا من الآداب وهو السادس: السؤال، والتعوذ، والتسبيح.
وذلك إذا مرّ بالإنسان آية فيها رحمة؛ نسأل الله من فضله أو من رحمته، أو من نعيمه، وإذا مرّ بآية فيها عذاب يستعيذ بالله ويستجير به من النار ومن العذاب، وإذا ورد آية فيها تسبيح وتعظيم لله تعالى يسبّح اللهَ الإنسان، لما ورد في حديث حذيفة بن اليمان في صحيح مسلم: حينما قام مع النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث وفيه قال: (فيقرأ مترسلًا إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بآية فيها سؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ)، وهل هذا خاص بصلاة الفريضة، هذا فيه خلاف بين أهل العلم، ولعلّه الأظهر أنه في صلاة النافلة، وفي قراءة القرآن عمومًا، يعني خارج الصلاة.
قد يقول قائل: أنا أريد أن أراجع القرآن الكريم، وإذا دعوت الله عزوجل عند آيات السؤال، واستعذت عند آيات الوعيد ونحو ذلك سيذهب الوقت.
نقول: الحمدلله؛ أولا هذه سنة ليست بواجب، فإذا كنت محتاج إلى الوقت فامضِ،
الأمر الثاني: لا يلزم أن تطبق هذه السنة في كلّ آية تسبيح ووعيد ووعد، لاشك أن هذا هو الأكمل؛ لكن إذا لم يتيسر فأنت على الأقل في بعض المواضع تطبق هذه السنة.
الأمر الثالث: أنه قد يكون لك قراءة في المراجعة بحيث قراءة حدر وسرد، وقراءة أخرى تدبر ودعاء، فالمقصود أننا لا نترك هذه السنة، لأنها لها أثر كبير في الانتفاع بالقرآن الكريم، يعني حينما تمرّ مثلًا بنعيم أهل الجنة فتقول: اللهم أسألك هذا النعيم، اللهم نسألك من فضلك، اللهم نسألك الفردوس الأعلى لي ولوالديّ، وفي عذاب أهل النار –أجارنا الله منها- فتقول: اللهم آجرني ووالديّ من النار، اللهم إنّي أعوذ بك من عذاب جهنم، وهكذا، وإذا مرّ بآية فيها تعظيم وذكر لملكوت الله سبحانه وتعالى وعظمته، فتقول: سبحان الله العظيم، الله أكبر، سبحانك وبحمدك، فهذا له أثر على القلب وعلى التدبر، وعلى التأمل، ومن جرّب ذلك عرف.
ومن الآداب كذلك: الخشوع والبكاء.
فهو من آداب التلاوة، وأيضًا هذه حال عباد الله المتقين، كما قال الله تعالى: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدا . ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربّنا لمفعولًا . ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا}
وفي آية مريم حينما ذكر الله عز وجل طائفة من الأنبياء موسى، وإدريس، وإسماعيل، ونوح وغيرهم قال الله تعالى: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّدًا وبكيًا}
وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ سورة مريم فسجد؛ يعني عند هذه الآية، ثم قال: (هذا السجود فأين البكي)، يعني يقول نحن سجدنا، والسجود عمل يستطيعه كل الناس ولكن أين البكيّ، فكان رحمه الله بكّاءً عند قراءة القرآن.
ولما قرأ ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النساء كما في الحديث المشهور الذي أخرجه مسلم: حتى بلغ {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: (أمسك)، قال: فإذا عيناه تذرفان صلى الله عليه وسلم.
فيستحب للمسلم أن يبكي كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلًا بكاءً لا يستطيع أن يقرأ القرآن في الصلاة من شدة البكاء، كما قالت عائشة: (كان أبو بكر رجلًا بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن)
وقال عبد الله بن شدّاد: سمعت نشيج عمر رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف يقرأ : {قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}
وعن أبي صالح السلمان قال: قدم ناس من اليمن على أبي بكر الصديق فجعلوا يقرأون القرآن وهم يبكون، فقال أبو بكر الصديق: (هكذا كنّا ثم قست القلوب)، فإذا كان أبو بكر يقول: (ثم قست القلوب)، فما بالك بحالنا والله المستعان.
هناك في الحقيقة آثار كثيرة جاءت عن السلف في بكاؤهم عند قراءة القرآن لا يتسع المقام لذكرها، وقد ألفت في ذلك مؤلفات معاصرة مثل: (دموع القرّاء)، وغيره من أحوال السلف عند قراءة القرآن الكريم.
من الآداب أيضا وهو الثامن: تجويد القراءة.
فينبغي للقارئ أن يلتزم بأحكام التجويد سواء قرأ حفظًا أو حاضرا، فالتجويد مستحب، وهو ثابت عن أئمة القراءة، وهو قديم أيضًا، بعض الناس يتصور أن التجويد من العلوم المعاصرة، لا هو ثابت عن الأئمة العشرة وغيرهم، وبعض أحكام التجويد هي أصلًا من صميم اللغة العربية؛ يعني مما يسمّى بعلم الصوتيات وذكره سيبويه في الكتاب، فينبغي للمسلم أن يقرأ قراءة مجوّدة سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، في المراجعة أو في الحفظ، وإن كان في المراجعة الإنسان يقرأ حدرًا، وربما يقرأ بدون صوت، لكن إذا قرأ بصوت فإنه ينبغي أن يجوّد؛ لأن هذا من الترتيل المأمور به، {ورتّل القرآن ترتيلًا}، وقد ورد بعض الآثار عن الصحابة في المد والوقوف ولا تخلو من ضعف.
التجويد –أيها الأخوة- من تمام الترتيل والتجويد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) كما في الصحيحين.
هناك في الحقيقة مسائل تتعلق بالتجويد، ولعلها مادة مستقلة تدرسونها؛ ولهذا لن نطيل في هذه المسألة لكننا نؤكد على ذلك، وأنه ينبغي أن يكون هذا التجويد عبادة؛ لأنه من الآداب، وهذه الآداب مستحبة كما سبق، ولها أثر في تعظيم القرآن والانتفاع به.
لا يكون الهدف حين أقرأ مجوّدًا حتى لا أنتقد أو لا يُقال أني ما أعرف أحكام التجويد، أو ما أتقن التفخيم والترقيق والمدود ونحو ذلك، لا أنا أتعبد لله عزوجل حينما أجوّد، أترنّم بكلام الله عزوجل، أقرأ قراءة سليمة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أخذ عنه.
أيضًا التغني والترتيل، كما قال الله تعالى: {ورتّل القرآن ترتيلًا} المراد بالترتيل: الترسّل في التلاوة والتأنّي فيه، وتحسينها وتبيين الحروف، هذا أمر مستحب، وقد قال الله تعالى: {وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مُكث ونزّلناه تنزيلًا}، فالمقصود بالمكث: التؤدة التي تتضمن أن الإنسان يتمهّل ويترسّل، ولا يسرع سرعة شديدة، كذلك ينبغي أن يحسّن الإنسان صوته بالقرآن الكريم لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنّى بالقرآن يجهر به)، وهذا الحديث في الصحيحين، وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منّا من لم يتغنّى بالقرآن).
فينبغي للمسلم والمسلمة أن يحرصا على الترتيل وعلى التنغيم، وعلى تحسين الصوت بالقرآن ما استطاع ولو كان الصوت ضعيفًا، أو كان الصوت غير حسن، هذه نعمة من الله عزوجل، لكن الإنسان إذا زيّن صوته وحسّنه ورتّل فستكون قراءته أولًا لها أثر على قلبه، وأيضًا مستحسنة في أذن السامع مهما كان صوته، وهذا أمر معروف ومشاهد، لا يقول الإنسان: صوتي يعني غير حسن، ومن ثمّ لا أجتهد في التجويد ولا في الترتيل، مهما كان صوتك إذا قرأت قراءة خاشعة مرتلة مجوّدة فستكون قراءتك عذبة في أذن السامع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (زيّنوا القرآن بأصواتكم)
التغني والترتيل له أثر في الانتفاع بالقراءة، وعلى الترسّل والتمهّل، والعكس كذلك، ولا ينبغي للمسلم أن يسرع في القراءة فهذا منهي عنه، وقد قال ابن مسعود لأحد التابعين حينما قال: قرأت كل المفصل في ركعة، فقال ابن مسعود: (هذّا كهذّ الشعر، إن أقوامًا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه) أخرجه البخاري، وإنما عند المراجعة فلا بأس أن يحدر الإنسان حدرًا، ولكن لا تصل المسألة إلى الهذّ وإلى الهذرمة، وإنما يعني يقصر من المدود، ومن بعض الغنن لكي يقرأ قدرًا كبيرًا من القرآن الكريم، أو لكي يستكمل حزبه.
وأما القراءة بالأنغام والمقامات فهذه مكروهة، بل محرّمة على الراجح من أقوال أهل العلم.
من الآداب أيضًا: رفع الصوت في القراءة.
هذا مستحب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به)، وكان الأشعريون رضي الله عنهم يجهرون بالقراءة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أصواتهم بالقرآن وإن لم ير منازلهم حينما نزلوا، فيستحب للمسلم أن يرفع صوته، ورفع الصوت يطرد الشيطان، وينبّه الغافل، ولكن بشرط ألا يكون جهره بالقرآن ورفع الصوت فيه تشويش لغيره، فإذا كان هناك فيه تشويش للمصلي أو إزعاج لنائم فلا ينبغي رفع الصوت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) أخرجه النسائي.
رفع الصوت له أثر على تحسين القراءة وعلى ترويض اللسان وعلى طرد الشيطان، وعلى طرد النوم أيضًا، وأيضًا فيه نفع للآخرين وللمستمعين.
من الآداب وهو الحادي عشر: مراعاة الوقف والابتداء.
لأن لمراعاة ذلك أثر في فهم المعنى، وإذا فهم الإنسان المعنى تدبّره وتأثّر، وانتفع بالقرآن، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك، ومعرفة الوقوف التامّة إنما هي نتيجة لمعرفة المعاني، إذا كان الإنسان لا يعرف المعاني قد يقول أو تقولين: أنا ما أعرف ما هو الوقف التام وأين أقف؟ وهل هذا الموضع مناسب أم غير مناسب؟
فنقول: الحمدلله؛ المصاحف التي بين أيدينا فيها علامات، ولا سيّما مصحف (مجمع الملك فهد) في المدينة، فتستفيد وتستفيدين من العلامات الموجودة، وذلك بعد قراءة الضوابط المكتوبة في آخر المصحف، ولا ينبغي للمسلم أو للقارئ أنه يجتهد ويعتبط في تحديد مواقف ليس عليها دليل، لا وإنما الذي يحدد الوقف التام والمستحبّ هو من يعرف المعنى، هناك بعض الاجتهاد؛ مثلًا بعض الشباب يعني يقف على قوله تعالى: {إنّ الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما} ثم يستأنف {بعوضة فما فوقها}، وبعضهم يقف مثلًا: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة} ثم يقف، ثم يقول: {سواء بيننا} وكل هذه من الوقوف الخاطئة المتكلّفة التي تخالف لفظ القرآن ومعناه.
إذًا ينبغي للمسلم أن يحرص على الوقوف التام، أيضًا بعض الأجزاء قد تنتهي بما لا يتم معه المعنى، فإذا انتهى الوجه أو الجزء وهناك تتمة للمعنى فأكمل، سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، حتى في الحفظ اليومي فينبغي مراعاة المعنى ما استطاع، إن كان المقدار طويل جدًا، فيمكن يتسامح أثناء الحفظ، ولكن عند مراجعة الحزب اليومي، وعند الصلاة، لابد مراعاة المعاني؛ مثلًا ينتهي الجزء الرابع وفي الخامس بقية له، الجزء السادس ينتهي وفي السابع بقية له، الجزء الثامن ينتهي وهناك بقية له في الجزء التاسع، فأنت تتم المعنى، كذلك عند انقطاع النفس ينبغي أن الإنسان يقف على ما يحسن الوقوف عليه، وإذا انقطع نفسك وعلى موضع غير مناسب فأنت تعود وتأتِ بما يتم المعنى.
من الآداب وهو الثاني عشر: احترام المصحف، وتقدير المصحف.
فهذا من الآداب المستحبّة، والمصحف: هو هذه الصحف التي تحوي القرآن الكريم، فينبغي للمسلم أن يجلّها ويحترمها، ولا يمسّ المصحف إلّا على طهارة، فينبغي صونه عن الأذى، عن الكتابة فيه والطمس، بل الإصبع بالريق نهى بعض أهل العلم المسلم أن يبلّ إصبعه بريقه عند تقليبه الصفحات؛ لأن هذا ليس من الذوق السليم.
كذلك لا يضع المصحف على الأرض، ولا يمدّ إليه رجله ويجعله خلف ظهره، بل إنّ من تعمد الإساءة إلى المصحف وإهانته فقد كفر كما قال جمع من أهل العلم، وهذا لا يصدر من مسلم، ولكن الذي يصدر من بعض المسلمين التهاون في ذلك، بحيث يضعه في الأرض، أو يمد رجله إليه، أو أحيانًا يراجع الإنسان وهو نائم ومنسدح، وربما أخذه النعاس فاستند على المصحف، ووضع عليه يده ورجله ورأسه وكل هذا ينافي تعظيم المصحف الشريف الذي يحوي كلام الله عزوجل، فينبغي أن يُصان، ولا يجوز أن يُدخل المصحف إلى أماكن قضاء الحاجة، بل إذا أراد أن يدخل الحمام فإنه يرفع المصحف في مكان طاهر ولا يدخل معه في الحمام، كل هذا من باب تعظيم المصحف.
المصاحف الالكترونية إن كانت ظاهرة على الشاشة فهذا لها حكم المصحف على الراجح، وإن كان الجهاز مغلقًا فليس له حكم المصحف.
أخيرًا –أيها الأخوة والأخوات- الأدب الثالث عشر: الدعاء عند ختم القرآن الكريم.
هذا مستحبّ خارج الصلاة، وقد ورد أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا لهم، وهذا كما قال ابن القيّم يعني؛ من آكد مواطن الدعاء، وقد ورد عن جملة من السلف، فينبغي للمسلم إذا ختم ختمة كاملة من أول القرآن إلى آخره أن يدعو الله عزوجل بالأدعية المأثورة، وبخيريّ الدنيا والآخرة، وأن يركّز في الدعاء بالأدعية المتعلقة بالقرآن الكريم؛ كأن يقول: اللهم اجعل القرآن شفيعًا لي، أو يدعو بالدعاء المأثور المعروف: اللهم إنّي عبدك وابن عبدك، حتى ينتفع بهذا القرآن، وهذا هو الحكمة؛ يعني لأن يكون الإنسان ينتفع من القرآن الكريم، فهذا من مواطن الإجابة بإذن الله عزوجل.
والإنسان بحاجة إلى أن ينتفع بالقرآن؛ لأنه إذا تقبّل الله من العبد فكلّ حرف قرأه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فإذا تقبّل الله عزوجل هذه القراءة، فالإنسان يكون على أكمل الحالات، ولذلك ينبغي استغلال الوقت للدعاء، ولاسيّما بالانتفاع بالقرآن، وبنيل بركة القرآن في الدنيا والآخرة.
وأمّا الوقت فليس هناك وقت محدد للختم على الراجح، ولكن لو الإنسان دعا أهله أو أصحابه أو زملاءه في الحلقة أو كذا، وقال -يعني-: أنا أبغي أختم، وسندعو سويّا، فهذا طيب ما لم يقع في قلبه رياء، فينبغي للإنسان أن يدعو الله عزوجل عندها، وهذه سنة، يعني لو أن الوقت ضاق ونحو ذلك، ولم يدعو فالأمر في ذلك واسع.
وأما قول (صدق الله العظيم) فلم ترد عن الصحابة والتابعين، ولذلك لا ينبغي قراءة هذه الكلمة، ولا سيّما إذا قرأ الإنسان مرتّلة، وهذا باختصار أيها الأخوة والأخوات حول أبرز الآداب المستحبة والواجبة عند تلاوة القرآن الكريم، ومعظمها مستحب كما مرّ.
وكونها مستحب لا يعني أن الإنسان يفرط فيها، بعض الناس من حين ما يعرف أن هذا الشيء سنة وغير واجب، فإنه يتساهل في ذلك، وهذا لا ينبغي، بل كان السلف رحمهم الله يحرصون على السنن وعلى المستحبات لما فيها من الأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-، ومتى ما أتى الإنسان بهذه الآداب وحرص عليها فسيكون انتفاعه بالقرآن أعظم، وهذا شيء مجرّب، إذا الإنسان تطهّر واستقبل القبلة، وتسوّك، ودعا، وسجد، ورتّل، وجوّد، وتخشّع، ورتّل فإن أثر القراءة سيكون أعظم بإذن الله عزوجل، وبالعكس كذلك إذا كان الإنسان يقرأ القرآن إمّا تأدية واجب وإمّا عادة من العوائد، وهو غافل لاهٍ لم يستكمل أسباب التدبّر والخشوع، فربما لا يتأثّر بالقرآن الكريم.
نحن لم نتحدث عن التدبّر كأدب من آداب تلاوة القرآن بشكل مستقل؛ لأنه قد تأخذون فيه ربما درسًا آخر، ولكن الحقيقة كل هذه الآداب التي ذكرناها من المعينات على التدبّر والتأمّل والانتفاع كما أشرنا في بداية الحديث وعند كلّ أدب منها.
أسأل الله عزوجل أن يجعلنا جميعا من أهل القرآن المنتفعين به، العاملين بما فيه، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، وأن ينفعنا بالقرآن الكريم في الدنيا والآخرة.
وأشكركم جميعًا على حسن الاستماع، وأشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز، والأخوة والأخوات المشرفين والمشرفات، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الأسئلة]
سؤال: بخصوص الدعاء في صلاة التراويح في رمضان.
جواب: الأظهر –والله أعلم- أن الختمة في الصلاة غير مشروعة لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، ولكن لو الإنسان صلّى مع الإمام يختم، أو كان إمامًا ورغب المأمومون في ذلك، ورأى أنهم سيغضبون لو أنه ترك الختمة، وقرأ دعاء الختم في موضع الوتر؛ يعني في آخر ركعة من صلوات التراويح مكان القنوت، فالأمر في ذلك واسع لثبوت دعاء القنوت في صلاة الوتر.
سؤال: ما المقصود بالماهر بالقرآن.
جواب: المتقن للقرآن، المتقن لتلاوة القرآن الكريم، يعني من حيث صحة القراءة وجودة ... .
سؤال: بخصوص رفع الأيدي عند السؤال، عند آيات الرحمة والاستعاذة، وعند آيات العذاب.
جواب: الظاهر أنه لا ترفع الأيدي لا في الصلاة، ولا في خارج الصلاة، لا ترفع الأيدي، خصوصًا في الصلاة، أما في خارج الصلاة فأيضا لا ترفع، فمن رفعها فلا بأس.
[تكرر السؤال: فالجواب أنه لا يشرع رفع الأيدي، وهو في الصلاة غير مشروع]
سؤال: هل سجود التلاوة هو للقارئ فقط، أم يشمل القارئ والمستمع؟
جواب: السجود مشروع للقارئ والمستمع كما دلّت على ذلك السنة، يعني من انتصب للاستماع، أما إنسان مرّ مرورًا سريعًا، ولم يقصد الاستماع، فهذا غير مشروع، أما من قصد الاستماع سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة فهو مشروع، يسجد القارئ ومن يستمع إليه من الحاضرين.
سؤال: بخصوص قول القارئ: بلى، في سورة التين.
جواب: نعم مرّت في سورة التين؛ يعني قول القارئ بلى، هذا وارد، والحديث فيه كلام –والله أعلم-.
والحديث في سنن أبي داود، والحديث صححه بعض أهل العلم، ولكن بلا رفع صوت.
سؤال: إذا كان القارئ سيبدأ بقراءة آية فيها لفظ الجلالة فهل يأتي بالاستعاذة والبسملة؟
جواب: البسملة مشروعة عند أول السورة، أما في وسط السورة، أو أثناء السورة فلا تشرع، مثلًا عند قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، أو {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} يعني بعضهم قال غير مشروع أو حينما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أن لفظ الجلالة صفة، وهذا معنى قبيح، في الواقع نقول: لا، مادام أنه يفصل، مادام أنه هناك سكوت، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تسكت، ثم تقول: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} يعني انتفى هذا المحذور، معنى ذلك: لا وجه لمن قال أن الاستعاذة غير مشروعة عند الآيات التي تبدأ باسم الله عزوجل.
سؤال: حكم الدخول بالجوال الخلاء.
جواب: إذا كان الجوال يحمل مصحفًا إلكترونيًا، وكان على وضع الإغلاق يجوز الدخول فيه إلى مكان الخلاء أو دورات المياه، يجوز ذلك؛ لأنه في حالة عدم التشغيل، لا وجود للمصحف حقيقة، وقد قاسه بعضهم على صدر الإنسان وقلب الإنسان الذي يحمل القرآن الكريم، أما إذا كان على وضع التشغيل إمًا صوتًا أو قراءة يعني تكون الشاشة فيها صفحة المصحف فهذا لا يجوز على الراجح.
أشكركم جميعا، وأشكر الشيخ عبد العزيز، وأشكر المشرفين، وأسأل الله عزوجل أن يجعلنا جميعًا من أهل القرآن الكريم، وأن يشفعه فينا يوم القيامة، ونلقاكم إن شاء الله في لقاءات قادمة.
والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.