السؤال :
هل لي أن أقول سبحان الله مائة مرة أو غير ذلك من الأذكار ، داعياً أن يكون ثواب ذلك لأبي أمي ؟ علماً أن أبي متوفى ، وأمي لا زالت على قيد الحياة .

الجواب :
الحمد لله
اختلف العلماء في جواز إهداء الثواب للموتى وهل يصلهم ذلك على قولين :

القول الأول : أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله ، ومن ذلك قراءة القرآن والصوم والصلاة و غيرها من العبادات .


القول الثاني : أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما دل الدليل على أنه يصل . وهذا هو القول الراجح ، والدليل عليه قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) النجم/39

وقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) أخرجه مسلم (1631) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ، وزوجته خديجة ، وثلاث من بناته ، ولم يرد أنه قرأ عن واحد منهم القرآن ، أو ضحى أو صام أو صلى عنهم ، ولم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة ، ولو كان مشروعاً لسبقونا إليه .


أما ما دل الدليل على استثنائه ووصول ثوابه إلى الميت فهو : الحج ، والعمرة ، والصوم الواجب ، والصدقة ، والدعاء .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى :( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) : " ومن هذه الآية استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة ، فذاك مجمع على وصولها ومنصوصٌ من الشارع عليها " ا.هـ ( تفسير ابن كثير 4/ 258 ) .


ثم لو سلمنا بأن ثواب الأعمال الصالحة كلها يصل إلى الميت فإن أفضل ما ينفع الميت هو الدعاء ، فلماذا نترك ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمور أخرى لم يفعلها ، ولم يفعلها أحد من أصحابه ؟! و الخير كل الخير في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .


وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه لله عن إهداء ثواب قراءة القرآن والصدقة للأم ، سواء كانت حية أم ميتة ، فأجاب :

" أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم ، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي مُتْن في حياته عليه الصلاة والسلام ، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا ، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم ، وهكذا التطوع بالصوم عنهم ؛ لأن ذلك كله لا دليل عليه ، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته .
أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين ، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين ، فالحي لا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء ، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه ، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم ، وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك ،
ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أن امرأة قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال: " حجي عنه" وجاءه رجل آخر فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر ؟ قال : " حج عن أبيك واعتمر" .
فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز ، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه، وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم ، وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق على صحته ، ولأحاديثٍ أخرى في المعنى ، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام ؛ لكونه معذورا اهـ . "مجموع فتاوى ومقالات الشيح ابن باز" (4/348) .


وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز أن يتصدق الرجل بمال ويشرك معه غيره في الأجر ؟ فأجاب :
يجوز أن يتصدق الشخص بالمال وينويها لأبيه وأمه وأخيه ، ومن شاء من المسلمين ، لأن الأجر كثير ، فالصدقة إذا كانت خالصة لله تعالى ومن كسب طيب تضاعف أضعافاً كثيرة ، كما قال اله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/261.


وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته " اهـ .

"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/249) .


وبما تقدم يتضح أن ما ذكرتَه من إهدائك أجرَ الذكرِ لوالديك لا يصح على القول الراجح ؛ سواء الحي منهما أو الميت ، وإنما الوصية لك بالإكثار من الدعاء لهما ، والصدقة عنهما , فإن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .

والله تعالى أعلم .



https://islamqa.info/ar/46698