قال الإمام أبو بكر بن العربي في العارضة (308/3): «اعلموا -رحمكم الله- أني قد أعْلَمْتُكُم أنَّ الله قَدَّرَ على الخَلْقِ- بحِرْصِهِمْ على الخَيْرِ، وجَهْلِهِم بالحَقِّ- أن يُقَيِّضَ على لِسَانِ الشَّيْطَانِ قومًا يَنَالُون خِدْمَةَ العِلْمِ، وليسوا من أَهْلِهِ، فَيُدْخِلُونَ على رسول الله أَحَادِيثَ ما أَنْزَلَ الله بها من سُلْطَانٍ، ويَسُوقُها لهم في مَعْرِضِ الخَيْرِ، وطَرِيقِ الشَّرِّ، حتى تَجْرِي على أَلْسِنَتِهِمْ، ويعمدونها في أَفْعَالِهِمْ، فيكون من خَدَمَةِ الشَّيطان، لا من عُبَّادِ الرَّحْمَنِ، فَحَذَارِ أن يأخذَ العاميُّ من الأحاديث إلا ما جاء في كُتُبِ الإسلام الخَمْسَةِ: البُخَارِيِّ، ومُسْلمٍ، والتِّرْمِذيِّ، وأبي دَاودَ، والنَّسائِي، والمُوَطَّأُ داخلٌ فيها؛ لأنه تاجُها ورُوحُها، ولا يَقْرَأ من الفَضَائِلِ إلا زُهْدَ أحمدَ بن حَنْبَل، وهَنَّادِ بن السَّرِيِّ، وشَيْخِهِمَا عبدِ الله بن المُبَارَكِ وشَيْخِ الإسلام في باب الزُّهْدِ.
وقد جاء في هذه الكُتُب فَضَائِلُ الأَشْهُرِ والأيَّام، فلا تَتَعَدَّوهَا إلى غَيْرِهَا؛ فإنَّ شَيْخَنَا أبا الفَتح -وكان من عُلماءِ العَصْرِ وأَزْهَدِهِمْ- عَمِلَ كتابًا سَمَّاهُ المِصْبَاح الدَّاعِي إلى الفَلاح، فَذَكَرَ فيه صلاةَ الأيَّامِ وصِيَامَها، من كُلِّ باطِلٍ ومَوْضُوعٍ أَضْعَفَهُ رِوَايَةً، وأَفْسَدَهُ مَعْنًى، مع تَقَدُّمِهِ في الفِقْهِ والرِّواية، ولكنه لم يكن في فُرْسَانِ الرِّجَال، وهذه تَوْصِيَتِي في الله، والله يُيَسِّرُ لكم قَبُولَ نَصِيحَتِي، ويُيَسِّرُ لي تَوْبَتِي».