- إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا لَمَّا سكن مَكَّة وَولد لَهُ بهَا أَوْلَاد كثير حَتَّى ملأوا مَكَّةَ وَنَفَوْا مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْعَمَالِيقِ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ مَكَّةُ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْحُرُوبُ وَالْعَدَاوَاتُ واخرج بَعضهم بَعْضًا فتفسحوا فِي الْبِلَاد والتماس الْمَعَاشِ .

وَكَانَ الَّذِي سَلَخَ بِهِمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَان وَالْحِجَارَة أَنه كَانَ لَا يظعن من مَكَّة ظَاعِنٌ إِلا احْتَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَصَبَابَةً بِمَكَّةَ فَحَيْثُمَا حَلُّوا وضعوه وطافوا بِهِ كطوافهم بالكعة تيمنا مِنْهُم بهَا وصبابة بِالْحرم وحبا بهَا وَهُمْ بَعْدُ يُعَظِّمُونَ الْكَعْبَةَ وَمَكَّةَ وَيَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ عَلَى إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ثُمَّ سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى أَنْ عَبَدُوا مَا اسْتَحَبُّوا وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل غَيره .

فعبدوا الأَوْثَانَ وَصَارُوا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الأُمَمُ مِنْ قَبْلِهِمْ وَانْتَجَثُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ قَوْمُ نوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْهَا عَلَى إِرْثِ مَا بَقِي فيبم مِنْ ذِكْرِهَا وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَتَنَسَّكُونَ بِهَا مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ بِهِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَإِهْدَاءِ الْبُدْنِ وَالإِهْلالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ إدخالهم فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ

فَكَانَت نزار تَقُولُ إِذَا مَا أَهَلَّتْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شريك هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ وَيُوَحِّدُونَه ُ بِالتَّلْبِيَةِ ويدخلون مَعَه آلِهَتِهِمْ وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون}
أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي بِمَعْرِفَةِ حَقِّي إِلا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي

-
و كَانَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَنَصَبَ الأَوْثَانَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَحَمَى الْحَامِيَةَ عَمْرَو بْنَ رَبِيعَةَ وَهُوَ لحى بن حَارِثَة ابْن عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَزْدِيُّ
وَهُوَ أَبُو خُزَاعَةَ . وَكَانَتْ أُمُّ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ فُهَيْرَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ . وَيُقَالُ قَمَعَةُ بِنْتُ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيُّ .
وَكَانَ الْحَارِثُ هُوَ الَّذِي يَلِي أَمْرَ الْكَعْبَةِ . فَلَمَّا بَلَغَ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ نَازَعَهُ فِي الْولَايَة وَقَاتل جرهما بِبَنِي إِسْمَاعِيلَ . فَظَفَرَ بِهِمْ وَأَجْلاهُمْ عَنِ الْكَعْبَةِ .وَنَفَاهُمْ مِنَ بِلادِ مَكَّةَ وَتَوَلَّى حِجَابَةَ الْبَيْتِ بَعْدَهُم . ثُمَّ إِنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَقِيلَ لَهُ إِنَّ بِالْبَلْقَاءِ مِنَ الشَّامِ حَمَّةً إِنْ أَتَيْتَهَا بَرَأْتَ . فَأَتَاهَا فَاسْتَحَمَّ بِهَا فَبَرَأَ

وَوَجَدَ أَهْلَهَا يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقَالُوا نستسقي بِهَا الْمَطَرَ وَنَسْتَنْصِرُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ

فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْهَا فَفَعَلُوا . فَقَدِمَ بِهَا مَكَّةَ ونصبها حول الْكَعْبَة

فَلَمَّا صَنَعَ هَذَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ دَانَتِ الْعَرَب للأصنام وعبدوها واتخذوها فَكَانَ أقدمها كلهَا مَنَاة . وَكَانَ مَنْصُوبًا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلَّلِ بِقُدَيْدٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ . وَكَانَتِ الْعَرَب جَمِيعًا تعظمه وتذبح حوله . وَكَانَتِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَمَنْ يَنْزِلُ الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ وَمَا قَارَبَ مِنَ الْمَوَاضِعِ يُعَظِّمُونَهُ وَيَذْبَحُونَ لَهُ ويهدون لَهُ . وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشَدَّ إِعْظَامًا لَهُ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ .

و حدث الكلبي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ رُفِعَتْ لِيَ النَّارُ فَرَأَيْتُ عَمْرًا رَجُلا قَصِيرًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ . قُلْتُ مَنْ هَذَا قِيلَ هَذَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ أَوَّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَحمى الحامى وَغير دين إِبْرَاهِيم وَدَعَا الْعَرَبَ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ جَمِيعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ جَمِيعًا الْخَزْرَجَ . وأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَمَّارِ ابْن يَاسِرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بهم .

وَكَانَ أَوْلادُ مَعْدٍ عَلَى بقيةٍ مِنْ دِينِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ .
وَكَانَتْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ عَلَى بقيةٍ مِنْ دِينِهِ

- وحدث الكلبي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِسَافًا وَنَائِلَةَ رَجُلٌ مِنْ جُرْهُمٍ يُقَالُ لَهُ إِسَافُ بْنُ يَعْلَى وَنَائِلَةُ بِنْتُ زيدٍ مِنْ جُرْهُمٍ وَكَانَ يَتَعَشَّقُهَا فِي أَرْضِ الْيَمَنِ فَأَقْبَلُوا حُجَّاجًا فَدَخَلا الْكَعْبَةَ فَوَجَدَا غَفْلَةً مِنَ النَّاس وخلوة فِي الْبَيْتِ فَفَجَرَ بِهَا فِي الْبَيْتِ فَمُسِخَا. فَأَصْبَحُوا فوجدوهما مسخين . فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما . لِيَتَّعِظَ النَّاسُ بِهِمَا فَلَمَّا طَالَ مُكْثُهُمَا وَعُبِدَتِ الأَصْنَامُ عُبِدَا مَعَهَا .فعبدتهما خُزَاعَة وَقُرَيْشٌ وَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدُ مِنَ الْعَرَبِ

- وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ تِلْكَ الأَصْنَامَ مِنْ ولد إِسْمَاعِيل وَغَيرهم من النَّاس وسموها بِأَسْمَائِهَا عَلَى مَا بَقِيَ فِيهِمْ مِنْ ذِكْرِهَا حِينَ فَارَقُوا دِينَ إِسْمَاعِيلَ هُذَيْلُ بْنُ مُدْرَكَةَ اتَّخَذُوا سُوَاعًا . فَكَانَ لَهُمْ برهاطٍ مِنْ أَرْضِ يَنْبع وينبع عرض من أَعْرَاض الْمَدِينَة .

- (
هَمْدَانَ ) قَرُبُوا مِنْ صَنْعَاءَ وَاخْتَلَطُوا بِحِمْيَرَ فَدَانُوا مَعَهُمْ بِالْيَهُودِيَّ ةِ أَيَّامَ تَهَوَّدَ ذُو نواسٍ فَتَهَوَّدُوا مَعَهُ

-
وَاتَّخَذَتْ حِمْيَرُ نَسْرًا . فَعَبَدُوهُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا بَلْخَعٌ و انتقلت حِمْيَرَ أَيَّامَ تبعٍ عَنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ . وَكَانَ لِحِمْيَرَ أَيْضًا بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ ريَامُ يُعَظِّمُونَهُ وَيَتَقَرَّبُون َ عِنْدَهُ بِالذَّبَائِحِ . وَكَانُوا فِيمَا يَذْكُرُونَ يُكْلَمُونَ مِنْهُ .
فَلَمَّا انْصَرَفَ تبع من مسيره الَّذِي سَار فِيهِ إِلَى الْعِرَاقِ قَدِمَ مَعَهُ الْحَبْرَانِ اللَّذَانِ صَحِبَاهُ من الْمَدِينَة
فأمراه بهدم رئام .
قَالَ شَأْنَكُمَا بِهِ . فَهَدَمَاهُ وَتَهَوَّدَ تُبَّعُ وَأَهْلُ الْيمن .

-
وَكَانَتْ لهذيلٍ وَخُزَاعَةَ . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَجَمِيعُ الْعَرَبِ تُعَظِّمُهُ . فَلَمْ يَزَلْ على ذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة سنة ثمانٍ من الْهِجْرَة وَهُوَ عَامُ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَلَمَّا سَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَ ليالٍ أَوْ خَمْسَ ليالٍ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَيْهَا فَهَدَمَهَا وَأَخَذَ مَا كَانَ لَهَا فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ سَيْفَانِ كَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شمرٍ الْغَسَّانِيُّ مَلِكُ غَسَّانَ أهداهما لَهَا أَحَدُهُمَا يُسَمَّى مِخْذَمًا وَالآخَرَ رَسُوبًا
وَهُمَا سَيْفَا الْحَارِثِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عَلْقَمَةُ فِي شِعْرِهِ فَقَالَ

مُظَاهِرُ سِرْبَالَيْ حديدٍ عَلَيْهِمَا ***
عَقِيلا سيوفٍ مِخْذَمٌ وَرَسُوبُ

فَوَهَبَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه .
فَيُقَالُ إِنَّ ذَا الْفِقَارِ سَيْفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا
وَيُقَالُ إِنَّ عَلِيًّا وجد هذَيْن السيفين فِي الْفلس وَهُوَ صنم ظيى حَيْثُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهدمه

ثُمَّ اتَّخَذُوا اللاتَ . وَاللاتُ بِالطَّائِفِ وَهِيَ أَحْدَثُ من مَنَاة . وَكَانَت صَخْرَةً مُرَبَّعَةً وَكَانَ يَهُودِيٌّ يَلُتُّ عِنْدَهَا السَّوِيقَ . وَكَانَ سَدَنَتَهَا مِنْ ثَقِيفٍ بَنُو عَتَّابِ بْنِ مالكٍ . وكَانُوا قَدْ بَنَوْا عَلَيْهَا بِنَاءً . وَكَانَتْ قُرَيْش وَجَمِيع الْعَرَب تعظمها . وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ مَنَارَةِ مَسْجِدِ الطَّائِفِ الْيُسْرَى الْيَوْمَ . وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآن فَقَالَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى}

فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَهَدَمَهَا وَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ . وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَدَّادُ بْنُ عارضٍ الْجُشَمِيُّ حِينَ هُدِمَتْ وَحرقت ينْهَى ثقيفاً عَن الْعود إِلَيْهَا وَالْغَضَب لَهَا

لَا تنصر وَا اللاتَ إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهَا **** وَكَيْفَ نَصْرُكُمْ مَنْ لَيْسَ يَنْتَصِرُ

إِنَّ الَّتِي حُرِّقَتْ بِالنَّارِ فَاشْتَعَلَتْ **** وَلَمْ تُقَاتِلْ لَدَى أَحْجَارِهَا هَدَرُ

إِنَّ الرَّسُولَ مَتَى يَنْزِلُ بِسَاحَتِكُمْ **** يَظْعَنُ وَلَيْسَ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا بَشَرُ

وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حجرٍ يَحْلِفُ بِاللاتِ

وَبِاللاتِ وَالْعُزَّى وَمَنْ دَانَ دِينَهَا *** وَبِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ مِنْهُنَّ أَكْبَرُ

ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعُزَّى وَهِيَ أَحْدَثُ مِنَ اللاتِ وَمَنَاةَ . وَكَانَ الَّذِي اتَّخَذَها ظَالِمُ بْنُ أَسْعَدَ . فَبَنَى عَلَيْهَا بَسًّا يُرِيدُ بَيْتًا . وَكَانُوا يَسْمَعُونَ فِيهِ الصَّوْتَ . وَكَانَت أَعْظَمَ الأَصْنَامِ عِنْدَ قُرَيْشٍ . وَكَانُوا يَزُورُونَهَا وَيُهْدُونَ لَهَا وَيَتَقَرَّبُون َ عِنْدَهَا بِالذَّبْحِ .
وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا يَوْمًا فَقَالَ لَقَدْ أَهْدَيْتُ لِلْعُزَّى شَاةً عَفْرَاءَ وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي .
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَتَقُولُ

وَاللاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأُخْرَى **** فَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شفاعتهن لَتُرْتَجَى

كَانُوا يَقُولُونَ بَنَاتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَهُنَّ يَشْفَعْنَ إِلَيْهِ .

فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بهَا من سُلْطَان}

وَكَانَ لَهَا مَنْحَرٌ يَنْحَرُونَ فِيهِ هَدَايَاهَا يُقَالُ لَهُ الْغَبْغَبُ . فَكَانُوا يَقْسِمُونَ لُحُومَ هَدَايَاهُمْ فِيمَنْ حَضَرَهَا وَكَانَ عِنْدَهَا. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَخُصُّهَا بِالإِعْظَامِ . فَلِذَلِكَ يَقُولُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَ قَدْ تَأَلَّهَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَترك عبادتها وَعِبَادَةَ غَيْرِهَا مِنَ الأَصْنَامِ


تَرَكْتُ اللاتَ وَالْعُزَّى جَمِيعًا **** كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلِدُ الصَّبُورُ
فَلا الْعُزَّى أَدِينُ وَلا ابْنَتَيْهَا **** وَ لا صَنَمَيْ بَنِي غنمٍ أَزُورُ
وَ لا هُبَلا أَزُورُ وَ كَانَ رَبًّا **** لَنَا فِي الدَّهْرِ إِذْ حِلْمِي صَغِيرُ



وَمَرِضَ أَبُو أُحَيْحَةَ وَهُوَ سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو لهبٍ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يَبْكِي . فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا أُحَيْحَةَ أَمِنَ الْمَوْتِ تَبْكِي وَلا بُدَّ مِنْهُ
قَالَ لَا
وَلَكِنِّي أَخَاف أَن لَا تُعْبَدَ الْعُزَّى بَعْدِي
قَالَ أَبُو لَهَبٍ وَاللَّه مَا عُبِدَتْ حَيَاتَكَ لأَجْلِكَ وَلا تُتْرَكُ عِبَادَتُهَا بعْدك لموتك
فَقَالَ أَبُو أُحَيْحَةَ الآنَ عَلِمْتُ أَنَّ لِي خَلِيفَةً وَأَعْجَبَهُ شِدَّةَ نَصَبِهِ فِي عِبَادَتِهَا

فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَالَ انْطَلِقْ إِلَى شجرةٍ بِبَطْنِ نَخْلَةٍ فَاعْضُدْهَا .

فلما أَتَاهَا خالد رضي الله عنه فَإِذَا هُوَ بِحَبَشِيَّةٍ نافشةٍ شعرهَا واضعةٍ يَديهَا على عاتقها تصرف بأنيابها وَخَلفهَا دبية بن حرمى الشَّيْبَانِيّ ثمَّ السُّلَمِيُّ وَكَانَ سَادِنَهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خالدٍ قَالَ

أعزاء شُدِّي شَدَّةً لَا تَكْذِبِي ****** عَلَى خالدٍ أَلْقِي الْخِمَارَ وَشَمِّرِي
فَإِنَّكِ إِلا تَقْتُلِي الْيَوْمَ خَالِدًا ***** تبوئى بذل عَاجلا وَ تُنْصَرِي

فَقَالَ خَالِدٌ رضي الله عنه

يَا عِزُّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ ****** إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ

ثُمَّ ضَرَبَهَا فَفَلَقَ رَأْسَهَا فَإِذَا هِيَ حُمَمَةٌ ثُمَّ عَضَدَ الشَّجَرَةَ وَقَتَلَ دُبَيَّةَ السَّادِنَ . ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ ( تِلْكَ الْعُزَّى وَلا عُزَّى بَعْدَهَا لِلْعَرَبِ أَمَا إِنَّهَا لَنْ تُعْبَدَ بَعْدَ الْيَوْمِ )

و حدث الكلبي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ( كَانَتِ الْعُزَّى شَيْطَانَةً تَأْتِي ثَلاثَ سمراتٍ بِبَطْنِ نَخْلَةٍ )

وَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثابتٍ لِلْعُزَّى

شَهِدْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا *** رَسُولُ الَّذِي فَوق السَّمَوَات من عل
وَأَن أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَيْهِمَا *** لَهُ عَمَلٌ فِي دِينِهِ مُتَقَبَّلِ
وَأَنَّ الَّتِي بِالسُّدِّ مِنْ بَطْنِ نخلةٍ *** وَمَنْ دَانَهَا فِلٌّ مِنَ الْخَيْرِ مَعْزِلِ
وَأَن الَّذِي عادى الْيَهُود ابْن مَرْيَم*** رَسُول أَتَى من عِنْد ذِي الْعَرْش مُرْسل
وَأَن أَخا الْأَحْقَاف إِذْ يعذلونه *** يُجَاهد فِي ذَات الْإِلَه ويعدل


وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ بِمَكَّةَ وَمَنْ أَقَامَ بِهَا مِنَ الْعَرَبِ يُعَظِّمُونَ شَيْئًا مِنَ الأَصْنَامِ إِعْظَامَهُمُ الْعُزَّى ثُمَّ اللاتَ ثُمَّ مَنَاةَ
وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ فِي الْخَمْسَةِ الأَصْنَامِ الَّتِي دَفعهَا عَمْرو بن لحى كَرَأْيِهِمْ فِي هَذِهِ وَلا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ .

وَكَانَت لقريش أصنام فِي جَوف الْكَعْبَة وحولها . وَكَانَ أَعْظَمُهَا عِنْدَهُمْ هُبَلَ . كانَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ قُدَّامَهُ سَبْعَةُ أقدحٍ وَ أَوَّلُ مَنْ نَصَبَهُ خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ .

وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حربٍ حِينَ ظَفِرَ يَوْمَ أحدٍ اعْلُ هُبَلُ أَيْ عَلا دِينُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّو لَمَّا ظهر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالأَصْنَامُ مَنْصُوبَةٌ حَوْلَ الْكَعْبَةِ
فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِسِيَةِ قَوْسِهِ فِي عُيُونِهَا وَوُجُوهِهَا وَيَقُولُ {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِل كَانَ زهوقاً}
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ عَلَى وُجُوهِهَا . ثُمَّ أخرجت من الْمَسْجِد فَحُرِّقَتْ
فَقَالَ فِي ذَلِكَ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ قَالَتْ هَلُمَّ إِلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا **** يَأْبَى الْإِلَه عَلَيْك وَ الْإِسْلَام
أَو مَا رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَ قَبِيلَهُ **** بِالْفَتْحِ حِينَ تُكْسَرُ الأَصْنَامُ
لَرَأَيْتِ نُورَ اللَّهِ أَضْحَى سَاطِعًا ****وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجهه الإظلام

وَ كَانَ لأَهْلِ كُلِّ دارٍ مِنْ مَكَّةَ صنم فِي دَارهم يَعْبُدُونَهُ . فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ السَّفَرَ كَانَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ فِي مَنْزِلِه أَنْ يَتَمَسَّحَ بِهِ وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ كَانَ أَوَّلَ مَا يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَتَمَسَّحَ بِهِ أَيْضًا

فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَتَاهُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالُوا أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لِشَيْءٍ عُجَابٍ يَعْنُونَ الأَصْنَامَ

وَاسْتَهْتَرَتِ الْعَرَبُ فِي عِبَادَةِ الأَصْنَامِ فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ بَيْتًا وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَ صَنَمًا وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَلا عَلَى بِنَاءِ بيتٍ نَصَبَ حَجَرًا أَمَامَ الْحَرَمِ وَأَمَامَ غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَحْسَنَ ثُمَّ طَافَ بِهِ كطوافه بِالْبَيْتِ وسموها الأنصاب .
فَإِذا كَانَتْ تَمَاثِيلَ دَعَوْهَا الأَصْنَامَ وَالأَوْثَانَ وَسَمَّوْا طَوَافَهُمْ الدَّوَارَ

وَكَانَتْ بَنُو مليحٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُمْ رَهَطُ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عباد أمثالكم}

و كَانَ لمالكٍ وَمَلْكَانَ ابْنَيْ كِنَانَةَ بِسَاحِلِ جُدَّةَ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ . وَكَانَ صَخْرَةً طَوِيلَةً
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُم بإبلٍ لَهُ لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ يَتَبَرَّكُ بِذَلِكَ فِيهَا فَلَمَّا أَدْنَاهَا مِنْهُ نفرت مِنْهُ وَكَانَ يهراق عَلَيْهِ الدِّمَاء
فَذَهَبَتْ فِي كُلِّ وجهٍ وَتَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ . وَأَسِفَ فَتَنَاوَلَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ إِلَهًا أَنَفَّرْتَ عَلَيَّ إِبِلِي

ثُمَّ خرج فِي طلبَهَا حَتَّى جمعهَا وانْصَرَفَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ

أَتَيْنَا إِلَى سعدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا **** فَشَتَّتَنَا سَعْدٌفَلا نَحْنُ مِنْ سعد
وَ هل سعد الأصخرة بتنوفةٍ ****** من الأَرْض لَا يدعى لِغَيٍّ وَلا رُشْدِ

وَكَانَ لِدَوْسٍ ثُمَّ لِبَنِي مُنْهِبِ بْنِ دَوْسٍ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَفَّيْنِ . فَلَمَّا أَسْلَمُوا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ فَحَرَّقَهُ وَهُوَ يَقُولُ

يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لَسْتَ مِنْ عِبَادِكَا***** مِيلادُنَا أَكْبَرُ مِنْ مِيلادِكَا
إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا


وَكَانَ لِمُزَيْنَةَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ نُهْمٌ . وَبِهِ كَانَتْ تُسَمَّى عَبْدُ نهمٍ .وَكَانَ سَادِنُ نهمٍ يُسمى خزاعى بْنَ عَبْدِ نهمٍ مِنْ مُزَيْنَةَ ثُمَّ مِنْ بَنِي عداءٍ . فَلَمَّا سَمِعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَارَ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَرَهُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ

ذَهَبْتُ إِلَى نهمٍ لأَذْبَحَ عِنْدَهُ **** عَتِيرَةَ نسكٍ كَالَّذِي كُنْتُ أَفْعَلُ
فَقُلْتُ لِنَفْسِي حِينَ رَاجَعْتُ عَقْلَهَا **** أَهَذَا إِلَهٌ أَيُّكُمْ لَيْسَ يَعْقِلُ
أَبِيتُ فَدِينِي الْيَوْمَ دِينُ محمدٍ **** إِلَهُ السَّمَاءِ الْمَاجِدُ الْمُتَفَضِّلُ


ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَضَمِنَ لَهُ إِسْلامَ قَوْمِهِ مُزَيْنَةَ