أَعِدْ لِجَفْني الكَرَى
دَعِ المنامَ وأشعلْ فـي الدُّجى حُمَما
واسقِ السُّهادَ الذي فـي مقلتَيَّ نَمـا
وأترعِ الروحَ من فيض الجوى بِدَمِي
ثُم ارشُفِ البؤسَ والأحـزانَ والأَلَما
وأصغِ فـي هدأةِ الأسحارِ مُستمعاً
إلـى عـنادلِ دمعٍ يَخْنُـقُ النَّغَما
ودَعْ حمائمَ دَوْحِ الشـوقِ نـائحةً
عسى بُكـاها يـواسي مُدْنَفاً كُلِما
أهٍ ! أصابَ النّوى قلبي بأسـهُمِـهِ
فَمَنْ يُداوي جِراحي والفراقُ رَمى ؟!

****
يا مَنْ نثرتُ ضلوعي فـي مَرابِعه

أَطفِئْ ـ ولو في الكرى ـ مني لهيبَ ظَما
فأنتَ روحي التي فاض الهيامُ بِهـا
وأنـتَ قلبي.. فهل أحيـا بغيرِكُما ؟
ألا ترى الوجْدَ فـي أطلالِ قافيتي
يُضَمِّخُ السِّفْرَ بالأطيابِ والكَلِمـا ؟
فانظرْ بِمرآةِ قلبي.. هل ترى أحـداَ
إلا خـيالَك فـي الـمرأة قد رُسِما ؟
كم من غرامٍ علاهُ الشَّيب من كِبَرٍ
إلا غـرامَك لا مـا شابَ أو هَـرِما !
علامَ خلَّفتَني يومَ النَّـوى دَنِفَـاً ؟
وفـيمَ جرَّعتني منذُ الصِّبا سَـقَـمَـا ؟
وبتُّ أرنـو لِأطْيافٍ تُـذكِّرُنـي
بطيبِ عهدٍ مضى.. واحسرتي ! حُلُما
دفنتُ سِرِّي بِلُبِّ العـين من زَمَنٍ
فـباحَ بالسرِّ جَفنـي بعـدما كَتَما
ما كنتُ أُذري دموعي بل أَضِنُّ بها
لكـنْ لأجلكَ رَوَّتْ وَجْـنـتَيَّ دَمَا
****
نسـيتُ فـي قُرْبك الآهاتِ والألمَا

..وعـاد ثغـري بُعيدَ البؤس مبتسِـما
وعادت الـروحُ جَذلى والهوى عَبِقاً
وكفكفَ السَّـعدُ دمعاً كان منسجِما
أَعِدْ لِجَفْني الكَرَى إن شئتَ أو وَسَناً
فمنـهما مـنـذُ يومِ البَيْنِ قـد حُرِما
شعر مصطفى قاسم عباس