تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: خطبة عن فضل شهر الله المحرم، والدروس المستفادة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي خطبة عن فضل شهر الله المحرم، والدروس المستفادة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
    أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فما زال يوالي عليكم مواسم الخير والفضل، ما انتهت أشهر الحج إلَّا وأعقبها شهر الله المحرم، وهذا الشهر له خصائص، وفضائل:
    أولًا: أنه مِنَ الأشهر الحُرم التي عظمها الله تعالى، وَحَرَّمَ فيها القتال:
    قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]؛ وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، وشهر رجب، حَرَّمَ الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة.
    وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آ كد وأبلغ في الإثم من غيرها.
    ثانيًا: أنَّ صيام هذا الشهر أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان:
    فعند مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﭬ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ»([1]).
    ثالثًا: أنَّ فيه يومَ عاشوراء الذي صامه النبي ﷺ، وأمر بصيامه؛ شكرًا لله تعالى على أنْ نجى فيه موسى عليه السلام، وأغرق فرعون:
    ففي «الصحيحين»، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﭭ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
    وصوم يوم عاشوراء يُكَفِّر ذنوب سَنَةٍ ماضية:
    فعند مسلم، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ﭬ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ»([2]).
    ويُستحب أيضًا صوم اليوم التاسع مع العاشر:
    فعند مسلم، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ﭭ، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ([3]).
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
    ونحن نأخذ درسين مِنْ هدي النبي ﷺ في شهر الله المحرم:
    الدرس الأول: أنَّ سُنَّةَ الأنبياء وأتباعهم أنهم يشكرون الله على الانتصارات؛ وذلك بالطاعة والصيام وذكر الله عز وجل وشكره، ولا يُحْدِثُون في هذه الانتصارات بدعًا ومنكرات؛ فإنَّ هذا مِن سُنَّةِ الجاهلية، والاحتفالات إنما يُحدِثون فيها الشكر لله عز وجل والصيام، فإحياء السُّنَّة أمر مطلوب من الأُمَّة؛ فلا ينبغي للمسلم أن يُفَرِّط في صوم هذا اليوم.
    أما من يتخذ يوم عاشوراء يوم حزن ويوم بكاء وعويل ونياحة؛ كما تفعله الشيعة قبحهم الله، حزنًا على مقتل الحسين ﭬ؛ فإنه قُتِلَ في يوم عاشوراء؛ ولكنَّ المصيبة لا تُقَابَل بالنياحة والمعاصي والمنكرات؛ وإنما تُقابَل بالطاعة والصبر والاحتساب؛ فمقتل الحسين ﭬ لاشك أنه مصيبة؛ ولكن الله أمرنا عند حدوث المصائب أن نصبر ونحتسب؛ لا أنْ ننوح، ونصرخ، ونلطم الخدود.
    وعلى العكس مِنْ ذلك، فمن جُهَّالِ أهل السُّنَّة مَن يعتبر هذا اليوم يوم فرح، وبعضهم يجعله عيدًا؛ فيتبادلون فيه الهدايا، ويُوسِّعون فيه على أولادهم، ويهنئ بعضهم بعضًا بهذا اليوم، وغير ذلك مِن مظاهر الأعياد؛ وكأنهم أرادوا مخالفة الشيعة الذين يحزنون في هذا اليوم، فيُقابلوه هُمْ بالفرح والسرور، فالشيعة يحزنون، وهؤلاء يفرحون؛ أيفرحون بمقتل الحسين ﭬ؛ يعني: يحملهم بغض الشيعة على أن يفرحوا بمقتل الحسين ﭬ، هذا لا يجوز.
    فالواجب على المسلمين اتباع السُّنَّة، وترك البدعة هذا هو المطلوب، والبدعة لا تُقَابَل ببدع أخرى، إنما تُقَابَل بتركها، وإحياء السُّنَّة؛ والسُّنَّة في هذا اليوم هو الصوم فقط، هذا هو الذي فعله النبي ﷺ، والصحابة الكرام.
    الدرس الثاني: أراد النبي ﷺ صيام يوم التاسع مخالفة لليهود؛ وهذا كان دأبه ﷺ أن يخالف اليهود والنصارى، ولا بد أن تكون هذه طريقتنا نحن.
    فَعنِ ابْنِ عُمَرَ ﭭ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»([4]).
    حتى إن اليهود مِنْ كثرة مخالفة النبي ﷺ لهم، قالوا: «مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ».
    فقد روى الإمام مسلم، عَنْ أَنَسٍ ﭬ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ([5]).
    فاليهود كانوا لا يجالسون المرأة إذا حاضت، ولا يؤاكلونها، ولا يرقدون معها في مضجع واحد، فنفى النبي ﷺ كلَّ هذا، وقال: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ».
    وَعن أبي هُرَيْرَةَ ﭬ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ»([6]).
    وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﭭ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى»([7]).
    والأحاديث التي أمر فيها النبي ﷺ بمخالفة اليهود والنصارى كثيرة.
    وأما حال المسلمين اليوم فعلى العكس مِنْ ذلك؛ فهم يقلدون اليهود والنصارى والغرب في كل شيء؛ فأصبح شباب المسلمين يقلدونهم في لبس الملابس المرقعة والشورتات القصيرة، وقصة الشعر الغريبة المضحكة المريبة.
    وأصبحوا الآن يطلقون لحاهم ويقصونها قصة غريبة، تقليدًا للغرب، وللملحدين، وكانوا قبل ذلك يسخرون ممن أطلق لحيته اتِّباعًا لهدي النبي ﷺ.
    والأمر العجيب أنَّ هؤلاء الشباب إذا قلتَ لهم: «إنَّ مِنْ هدي النبي ﷺ تقصير الثياب»، يقولون لك: وكيف يسير أحدنا في الشارع بثياب قصيرة؟! بل ويسخرون مِنْ ذلك؛ فلما فعلها الغرب، ولبسوا الثياب القصيرة، قاموا بتقليدهم، ولبسوا مثلهم؛ وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    وكذلك الشابات أصبحوا يلبسون القصير والعريان مِنَ الثياب، ويُظهرون مفاتنهم تقليدًا للغرب؛ وقد أُمرت المرأة المسلمة بالستر والعفاف؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)﴾ [الأحزاب: 59].
    وقال تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33].
    وتجد المرأة المسلمة تخرج مِنْ بيتها متعطرةً، وهذا مما أخذوه أيضًا مِنَ الغرب، تقليدًا لهم، وقال قال النبي ﷺ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ لِيُوجَدَ رِيحُهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ»([8]).
    قال الإمام المناوي رحمه الله: «والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس، فقد هَيَّجَتْ شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها؛ فَكُلُّ مَنْ ينظر إليها فقد زنى بعينه، ويحصل لها إثم؛ لأنها حملته على النظر إليها، وشوشت قلبه، فإذًا هي سبب زناه بالعين؛ فهي أيضًا زانية»اهـ([9]).
    فعلى جميع المسلمين والمسلمات أنْ يلتزموا شريعة الإسلام، وأنْ يتركوا هذا التقليد الأعمى للغرب؛ وقد قال النبي ﷺ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»([10]).
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب؛ لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم»اهـ([11]).
    وكتبه
    أبو يوسف محمد بن طه



    [1])) أخرجه مسلم (1163).

    [2])) أخرجه مسلم (1162).

    [3])) أخرجه مسلم (1134).

    [4])) أخرجه أبو داود (4031)، وصحح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1/342)، وحسنه الحافظ في «الفتح» (10/222)، والألباني في «حجاب المرأة المسلمة» (ص203).

    [5])) أخرجه مسلم (302).

    [6])) أخرجه البخاري (3462)، مسلم (2103).

    [7])) أخرجه مسلم (259).

    [8])) أخرجه أحمد (19578)، والدارمي (2688)، وأبو داود (4173)، والترمذي (2786)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، والنسائي (5126)، ، وابن خزيمة (1681)، والحاكم (3497)، وقال: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «غاية المرام» (199).

    [9])) «فيض القدير» (5/ 27).

    [10])) أخرجه البخاري (7320)، مسلم (2669).

    [11])) «فتح الباري» (6/ 498).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    نفع الله بكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4

    افتراضي

    بارك الله فيك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: خطبة عن فضل شهر الله المحرم، والدروس المستفادة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أفقر الخلق إلى الله مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    وفيك بارك الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •