ومن كيدهنّ في نبش مدفون الزوج وسبر غوره أن تظهر إحداهنّ الصدّ وهي تبطن الود، فإذا تقرّب إليها انتحلت الاعتياص، وهي تعتقد الإخلاص، فأمّا الجاهل فيحسبها قد اختارت الصريمة، فيسارع في القطيعة، فتعلم حينها أنّه نَزِقٌ زَهِق، وأمّا الحصيف فيقابل اعتياصها بكلامٍ ناضرٍ مُورق، يمازح مرةً ويضاحك أخرى، حتّى يصيب حَبّة قلبها، فتعلم حينها أنّها حلّت في قلبه أكرم محل، وأمّا هو فحسبه أنّه (قد شغفها حبّا).
ورحم الله ابن حزم فقد قال في طوق الحمامة ١٢٤: ثمّ هجرٌ يوجبه التدلّل وهو ألذّ من كثيرٍ من الوصال، ولذلك لا يكون إلا عن ثقة كلّ واحدٍ من المتحابين بصاحبه واستحكام البصيرة في صحّة عقده؛ فحينئذٍ يظهر المحبوب هجرانًا ليرى صبر محبّه.
ماهر أبو حمزة